الفصل  الأوّل - نماذج  ممّن  تضرّ  معاشرتهم

لقد مرّ علينا في المقدّمة ضرورة الصديق في حياة الإنسان ، وذكرنا أبرز معالمه الحسنة من الأخلاق القيّمة ، وبعض حدود المعاشرة ، ومن تنفع مصادقته في الدارين . وإليك في هذا الفصل بعض النماذج من اُولئك الذين تضرّ معاشرتهم ولا تنفع ، ثمّ نذكر أهمّ الحقوق التي يجب علينا أن نراعيها في عالم الصداقة.

فأمّا من لا تصحّ معاشرته ، ويوجب عزله إصلاحه ، أو سلامة المجتمع من التلوّث به ، فهم : الأحمق ، والبخيل ، والفاجر ، والكذّاب . فإنّ من أراد أن يكون صالحاً ، عليه أن يعاشر الصلحاء ، فإنّ الإنسان يكتسب ممّن يعيش معهم ، فعلينا أن نعرض عن الجاهلين . قال الله تعالى : ( وَإذا رَأيْتَ الَّذينَ يَخوضونَ في آياتِنا فَأعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخوضوا في حَديث غَيْرهُ )[1] ، ويقول سبحانه : ( يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقولُ يا لَيْتَني اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسولِ سَبيلا )[2] ، ( يا وَيْلَتي لَيْتَني لَمْ أتَّخِذْ فُلاناً خَليلا لَقَدْ أضَلَّني عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ أنْ جاءَني وَكانَ الشَّيْطانُ لِلإنْسانِ خَذولا ) ، ويقول سبحانه : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الذَّينَ يَدْعونَ رَبَّهَمْ بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجْهَهُ )[3].

ويقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) : « أحكم الناس من فرّ من جهّال الناس ».

وإنّ المرء يعرف بقرينه ، يقول الأمير (عليه السلام) : « من اشتبه عليكم أمره لم تعرفوا دينه فانظروا إلى خلطائه » ، ومن لم يجد الصديق العاقل الذي يجتمع فيه مواصفات الصديق حقاً ، فعليه أن يعتزل الجهّال والفسّاق ورجال السوء ، فإنّ « الوحدة خيرٌ من صديق السوء » ، ويقول الأمير (عليه السلام) ناصحاً ولده : « يا بني ، إيّاك ومصادقة الأحمق ، فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك ».

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « من لم يتجنّب مصادقة الأحمق يوشك أن يتخلّق بأخلاقه » ، ويقول (عليه السلام) : « إيّاك وصحبة الأحمق فإنّه أقرب ما تكون منه أقرب ما يكون من مساءتك » ، وفي آخر : « إيّاك وصحبة الأحمق الكذّاب فإنّه يريد نفعك فيضرّك ويقرّب منك البعيد ، ويبعّد عنك القريب ، إن ائتمنته خانك ، وإن ائتمنك أهانك ، وإن حدّثك كذبك ، وأنت منه بمنزلة السراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً ».

ويقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) : « أربع يمتن القلب : الذنب على الذنب ، وكثرة مناقشة النساء ، ومماراة الأحمق ، ومجالسة الموتى . فقيل : وما الموتى يا رسول الله ؟ فقال : كلّ غنيّ مترف هذا ميّت الأحياء ».

ويقول الأمير (عليه السلام) : « العافية عشرة أجزاء ، تسعة منها في الصمت ، وواحد في ترك مجالسة السفهاء ».

وأمّا البخيل ، فقد قال الأمير (عليه السلام) : « إيّاك ومصادقة البخيل ، فإنّه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه ».

والله سبحانه يقول : ( وَأمَّا مَنْ بَخَلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلـْعُسْرى وَما يُغْني عَنْهُ مالُهُ إذا تَرَدَّى )[4] ، وقال سبحانه : ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَاُولـئِكَ هُمُ المُفْلِحونَ )[5].

فالمفلح من طهّر نفسه من البخل ، ولقد سمع أمير المؤمنين علي (عليه السلام) رجلا يقول : إنّ الشحيح أعذر من الظالم ، فالتفت إليه الإمام وقال : « كذبت ، إنّ الظالم قد يتوب ويستغفر ويردّ الظلامة على أهلها ، ولكنّ الشحيح إذا شحّ منع الزكاة والصدقة وصلة الرحم والنفقة في سبيل الله وإقراء الضيف وأبواب البرّ كلّها ، وحرام على الجنّة أن يدخلها الشاحّ ».

ويكفينا شاهداً قصّة ثعلبة بن حاطب ، حيث قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله) : ادعُ الله أن يرزقني مالا ، والذي بعثك بالحقّ لإن رزقني الله مالا لاُعطينّ كلّ ذي حقٍّ حقّه ، فدعا له النبيّ ورزق مالا كثيراً ، ولمّـا أرسل إليه النبيّ جباة الزكاة أنكر عليهم ذلك ، فنزلت الآية تصرّح بنفاقه إلى يوم القيامة في قوله تعالى : ( وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكونَنَّ مِنَ الصَّالِحينَ فَلَمَّـا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخلوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضونَ فَأعْقَبَهُمُ نِفاقاً في قُلوبِهِمْ إلى يَوْمَ يَلـْقَوْنَهَ بِما أخْلَفوا الله ما وَعَدوهُ وَبِما كانوا يَكْذِبونَ )[6].

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « ثلاثٌ إذا كنّ في الرجل فلا تحرج أن تقول إنّه في جهنّم : الجفاء والجبن والبخل » ، ويقول (عليه السلام) : « خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم » ، وفي آخر : « البخل جامع لمساوئ العيوب ، وهو زمام يقاد به إلى كلّ سوء ».

ويقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) : « السخيّ قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنّة ، والبخيل بعيد من الله بعيد من الناس قريب من النار ».

وأمّا مصادقة الفاجر فيقول الأمير (عليه السلام) : « وإيّاك ومصادقة الفاجر فإنّه يبيعك بالتافه » ، فإنّ معاشرة الفجّار يمنعك عن مصاحبة الأبرار.

يقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يواخينّ كافراً ولا يخالطنّ فاجراً ، ومن آخى كافراً أو خالط فاجراً كان كافراً فاجراً ».

ويقول الأمير (عليه السلام) : « مجالسة الأشرار تورث سوء الظنّ بالأخيار ».

كما إنّ الفاجر يشين بصاحبه ، كما قال الإمام الصادق (عليه السلام) : « لا تصحب الفاجر فيعلّمك من فجوره » ، ولا يرى لك حرمة ، كما قال الإمام الصادق (عليه السلام) : « خمس من خمس محال : النصيحة من الحاسد ، والشفقة من العدوّ ، والحرمة من الفاسق ، والوفاء من المرأة ، والهيبة من الفقير» . ويقول (عليه السلام) : « كان أبي يقول : قم بالحقّ ، ولا تعرض لما نابك ، واعتزل عمّـا لا يعنيك ، وتجنّب عدوّك ، واحذر صديقك من الأقوام ، إلاّ الأمين الذي يخشى الله ، ولا تصحب الفاجر ولا تطلعه على سرّك ».

وقال الإمام السجّاد (عليه السلام) : « إيّاك ومصاحبة الفاسق فإنّه يبيعك بأقلّه وبأقلّ من ذلك ».

ويقول الإمام الجواد (عليه السلام) : « إيّاك ومصاحبة الشرّير ، فإنّه كالسيف المسلول يحسن منظره ويقبح أثره ».

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « لا ينبغي للمسلم أن يواخي الفاجر ولا الأحمق ولا الكذّاب ».

وأمّا معاشرة الكذّاب ، فيقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : « وإيّاك ومصادقة الكذّاب ، فإنّه كالسراب يقرّب عليك البعيد ويبعّد عليك القريب ».

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « إنّ الكذّاب يهلك بالبيّنات ويهلك أتباعه بالشبهات ».

ويقول الأمير (عليه السلام) : « ليس لكذوب أمانة وصيانة » ، وفي آخر : « لا خير في الكذّابين ولا في العلماء الأفّاكين ».

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « إنّ الله عزّ وجلّ جعل للشرّ أقفالا وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب ، وأكثر من الشراب الكذب ».

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « إنّ لإبليس كحلا ولعوقاً وسعوطاً ، فكحله النعاس ولعوقه الكذب وسعوطه الكبر ».

وقال الإمام العسكري (عليه السلام) : « جعلت الخبائث في بيت ، وجعل مفتاحه الكذب ».

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إذا صعد المنبر قال : ينبغي للمسلم أن يتجنّب مواخاة ثلاثة : الماجن والأحمق والكذّاب ، أمّا الماجن : فيزيّن لك فعله ويحبّ أن تكون مثله ، ولا يعينك على أمر دينك ومعادك ومقارنته جفاء وقسوة ، ومدخله ومخرجه عليك عار ، وأمّا الأحمق : فإنّه لا يشير عليك بخير ، ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه ، وربما أراد منفعتك فضرّك ، فموته خير من حياته ، وسكوته خير من نطقه ، وبعده خير من قربه ، وأمّا الكذّاب فإنّه لا يهنئك معه عيش ينقد حديثك وينقل إليك الحديث كلّما أفنى اُحدوثة ، مطّها باُخرى ، حتّى يحدّث بالصدق فما يصدّق ، ويغري بين الناس بالعداوة ، فينبت السخائم في الصدور ، فاتّقوا الله وانظروا لأنفسكم ».

وأمّا الحقوق الأوّلية في عالم الصادقة حيث يجب على كلّ مسلم أن يلتزم بها ويراعيها ولا يضيّعها.

إليك جملةً منها : مداراة الصديق . فقد جاء في الحديث الشريف : « مداراة الإخوان من العقل » ، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « رأس العقل بعد الإيمان بالله عزّ وجلّ التحبّب إلى الناس » ، وفي آخر : « لا يكون الصديق صديقاً حتّى يحفظ أخاه في ثلاث : في غيبته ونكبته ووفاته » ، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة من الله تعالى : أن يجلّه في عينه ، وأن يودّه في صدره ، وأن يواسيه في ماله ، وأن يحرم له في غيبته ، وأن يعوده في مرضه ، وأن يشيّع جنازته ، وأن لا يقول عنه بعد الموت إلاّ خيراً ».

ويقول الإمام الباقر (عليه السلام) : « من خالطت فإن استطعت أن تكون يدك العليا عليه فافعل ».

ويقول الرسول الأكرم : « أجيبوا الداعي وعودوا المريض واقبلوا الهديّة ولا تظلموا المسلمين ».

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « عودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم وصلّوا معهم في مساجدهم حتّى ينقطع النفس وحتّى يكون المباينة ».

ويقول الإمام السجّاد في رسالة الحقوق : « وأمّا الصاحب فإن تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلا ، وأن تكرمه كما يكرمك وتحفظه كما يحفظك ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة ، فإن سبقك كافأته ، ولا تقصر به عمّـا يستحقّ من المودّة ، تلزم نفسك نصيحته وحياطته ومعاضدته على طاعة ربّه ، ومعونته على نفسه فيما يهمّ به من معصية ربّه ، ثمّ تكون عليه رحمة ولا تكون عليه عذاباً » ، وجاء في الحديث الشريف : « إن كان أخوك عليك عاتباً فلا تفارقه حتّى تسل سخيمته » أي تنزع من قلبه الحقد والضغينة . يقول رسول الله : « حسن البشر يذهب بالسخيمة » ، وفي حديث شريف : « أحبب أخاك وأحبّ له ما تحبّ لنفسك واكره له ما تكره لنفسك ، وإذا احتجت فسله ، وإذا سألك فاعطه ، ولا تدّخر عنه خيراً فإنّه لا يدّخره عنك ، وإن شهد فزره وأجلّه وأكرمه فإنّه منك وأنت منه » ، ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « الصداقة محدودة فمن لم تكن فيه تلك الحدود فلا تنسبه إلى كمال الصداقة ، أوّلها : أن تكون سريرته وعلانيته واحدة ، والثانية : أن يرى زينك زينه وشينك شينه ، والثالثة : أن لا يغيّره مال ولا ولد . والرابعة : أن لا يمسك شيئاً ممّـا تصل إليه مقدرته . والخامسة : أن لا يسلمك عند النكبات ».

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « للمسلم على أخيه المسلم ثلاثون حقّاً ، لا براءة له منها إلاّ بأدائها أو العفو : يغفر زلّته ، ويرحم عبرته ، ويستر عورته ، ويقيل عثرته ، ويردّ غيبته ، ويقبل معذرته ، ويديم نصيحته ، ويحفظ خلّته ، ويرعى دعوته ، ويشهد ميتته ، ويجيب دعوته ، ويقبل هديّته ، ويكافي صلته ، وأن يشكر نعمته ، ويحسن نصرته ، ويحفظ حليلته ، ويقضي حاجته ، ويستنجح مسألته ، ويسمّت عطسته ، ويرشد ضالّته ، ويردّ سلامه ، ويطيّب كلامه ، ويوالي وليّه ، ولا يعاديه ، وينصره ظالماً ومظلوماً ، ولا يسلمه ، ويحبّ له من الخير ما يحبّ لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه » ، ويقول الإمام الباقر (عليه السلام) : « من حقّ المؤمن على أخيه المؤمن : أن يشبع جوعته ، ويواري عورته ، ويفرّج عن كربته ، ويقضي دينه ، فإذا مات خلفه في أهله وولده ».

وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : « من اغتاب مؤمناً بأمر هو فيه لم يجمع الله بينهما في الجنّة ، ومن اغتاب مؤمناً بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما ، وكان المغتاب في النار خالداً فيها وبئس المصير » ، وعن سليمان بن جابر قال : جئت إلى رسول الله فقلت له : علّمني خيراً ينفعني الله به يوم القيامة ، فقال رسول الله : « لا تحقّرنّ من المعروف شيئاً ولو أن تصبّ من دلوك في إناء المستسقي ، وأن تلقي أخاك ببشر حسن ، وإذا أدبر فلا تغتابه » ، ويقول رسول الله : « كذب من زعم أنّه ولد من حلال وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة » ، « الغيبة أشدّ من الزنا ، فقيل : وكيف يا رسول الله ؟ فقال : لأنّ الرجل يزني ثمّ يتوب فيتوب الله عليه ، وإنّ صاحب الغيبة لا يغفر له حتّى يغفر له صاحبه » ، وجاء في الحديث النبويّ الشريف : « ما عُمّر مجلس بالغيبة إلاّ وخرب » ، وقال الله تعالى : ( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا اجْتَنِبوا كَثيراً مِنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ وَلا تَجَسَّسوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أيُحِبُّ أحَدُكُمْ أنْ يَأكُل لَحْمَ أخيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُموهُ وَاتَّقوا اللهَ إنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحيمٌ )[7].

وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « لا تضيّعنّ حقّ أخيك اتّكالا على ما بينك وبينه ، فإنّه ليس لك بأخ من ضيّعت حقّه ، ولا يكن أهلك أشقى الناس بك ، إقبل عذر أخيك ، وإن لم يكن له عذر فالتمس له عذراً ، لا يكلّف أحدكم أخاه الطلب إذا عرف حاجته ، لا ترغبنّ فيمن زهد فيك ، ولا تزهدنّ فيمن رغب فيك ، إذا كان للمحافظة موضعاً ، لا تكثرنّ العتاب ، فإنّه يورث الضغنة ويجرّ إلى البغضة ، وكثرته من سوء الأدب » ، وعلينا أن ننصح إخواننا بكلّ إخلاص ، فإنّه قال الأمير (عليه السلام) : « النصح يثمر المحبّة » ، « النصيحة من أخلاق الكرام ».

ثمّ لا يخفى أنّ لكلّ حقّ من الحقوق التي مرّت علينا شواهد كثيرة من الآيات والروايات ذكرها يخرجنا عن إطار العجالة والخلاصة المقصودة في هذه الرسالة.

ففي حسن نصرة أخيك المؤمن ، يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) : « من ردّ عن عرض أخيه المؤمن وجبت له الجنّة » ، ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « ما من امرئ  يخذل أخاه المؤمن وهو يقدر على نصرته إلاّ خذله الله » ، وجاء في الحديث الشريف : « إن نصرت أخاك كان أفضل من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام » ، ويقول الأمير (عليه السلام) : « شرّ الإخوان الخاذل » ، ويقول الرسول الأكرم : « من نصر أخاه بظهر الغيب نصره الله في الدنيا والآخرة » ، ويقول الأمير (عليه السلام) : « في الشدّة تتبيّن مودّة الصديق » ، وفي الحديث الشريف : « من قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله له حوائج كثيرة إحداها الجنّة ، ومن كسى أخاه المؤمن من عري كساه الله من سندس الجنّة واستبرقها وحريرها ولم يزل يخوض في رضوان الله ما دام على المكسوّ من ستره ، ومن سقى أخاه من ظمأ سقاه الله من رحيق مختوم ، ومن أخدم أخاه خادمه أخدمه الله من الولدان المخلّدين ، وأسكنه مع أوليائه الطاهرين ، ومن حمل أخاه المؤمن على رحلة في الطريق حمله الله على نوق الجنّة » . هذا كلّه بشرط النيّة الخالصة لله سبحانه : « ومن زوّج أخاه المؤمن امرأة يأنس بها وتشدّ عضده ويستريح إليها زوّجه الله من الحور العين ، ومن أعان أخاه على سلطان جائر أعانه الله على جواز الصراط عند مزلّة الأقدام » ، ويقول الرسول الأعظم : « المؤمنون إخوة يقضي بعضهم حوائج بعض وأقضي حوائجهم يوم القيامة » ، وقال الإمام الكاظم (عليه السلام) : « إعلم أنّ لله تحت عرشه ظلالا سكينة ، لا يظلّ فيها إلاّ من أسدى إلى أخيه معروفاً ، أو نفّس عنه كربة ، أو أدخل على قلبه سروراً » ، ويقول الإمام الحسين (عليه السلام) : « إنّ حوائج الناس من نعم الله عليكم فلا تملّوا النِعَم » ، ثمّ هذه الحدود والحقوق لا تنحصر على الصديق بل تعمّ صديق الصديق ، فإنّ الأصدقاء ثلاثة كما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « صديقك وصديق صديقك وعدوّ عدوّك ، وأعداؤك ثلاثة : عدوّك وصديق عدوّك وعدوّ صديقك » ، ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « المؤمن أخو المؤمن لا يظلمه ولا يخذله ولا يغشّه ولا يغتابه ولا يخونه ولا يكذبه » ، ويقول الأمير (عليه السلام) : « كفى بك أدباً أن تكره لنفسك ما كرهته لغيرك » ، وأن تحبّ لغيرك ما تحبّه لنفسك ، فيا صاحبي الكريم ، ويا أخي العزيز : بالله عليك ، هل أدّيت حقوق الصداقة مع إخوانك وأصدقائك ؟

ولا تنتظر من صديقك أن يحمل هذه الصفات ، بل كن أنت الذي تحمل هذه الصفات له ، فكن له كما تريد أن يكون لك ، فإنّ من يزرع الجميل يحصد جميلا ، كمن يزرع الحنطة فإنّه يحصد الحنطة . والدنيا دار مكافاة ، وكما تعطي تأخذ ، وكما تتعامل مع الناس يتعاملون معك ، فلنبدأ بأنفسنا أوّلا ، ثمّ نسأل الله سبحانه التوفيق والتسديد ، وأن يجعلنا للمتّقين إماماً.


[1]الأنعام : 67.

[2]الفرقان : 27.

[3]الفرقان : 28.

[4]الليل : 8 ـ 11.

[5]الحشر : 9.

[6]التوبة : 75.

[7]الحجرات : 12.

الفصل الثاني