من اللازم على كلّ واحد من الأطباء العموم والأخصّائيين ، أن يدقّقوا في تشخيص الأمراض ومعرفة العلل ، كماعليهم التأنّي وعدم العجلة في تجويز النسخة الطبية واستعمالها ( فإنّ العجلة من الشيطان ، والتأنّي من الرحمن ).
وهذا ممّـا يحتّم عليهم أن لا يتوقّفوا في طلب العلم ، بل يسايروا الركب الحضاري والتقدّم البشري في مجالات الطبّ ، فالطبيب الناجح هو الذي يطالع أحدث المقالات العلمية والمجلاّت الطبية العالمية ، والكتب الحديثة.
فعن الإمام الصادق (عليه السلام) : « كلّ ذي صناعة مضطرّ إلى ثلاث خصال يجتلب بها المكسب ، وهو أن يكون حاذقاً بعلمه ، مؤدّياً للأمانة فيه ، مستميلا لمن استملّه »[1].
وإنّما يكون الطبيب حاذقاً في طبّه ، لو لم يتساهل أو يتكاسل أو يتهاون في طلب علمه ، كما إنّه لو تطبّب من دون علم فهو ضامن ، لو أتلف مريضه أو أوجب فيه نقصاً ، كما ورد في الخبر الشريف « من تطبّب ولم يعلم منه الطبّ فهو ضامن »[2].
« من تطبّب ولم يكن بالطبّ معروفاً فإذا أصاب نفساً فما دونها فهو ضامن ».
ويقول
الرازي : « ودع ما يهذي به جهّال العامّة ، أنّ فلاناً قد
وقعت له التجربة في غير علم يرجع إليه ، فإنّ ذلك لا يكون ولو كان من أطول
الناس عمراً ،
وما
نفع له من علاج موافق فهو من حسن الاتّفاق.
فأعلى درجات هؤلاء الذين ليسوا يرجعون إلى علم اُصول الصناعة ، إنّهم ينظرون في الكتب فيستعملون منها العلاجات وليسوا يعلمون أنّ الأشياء الموجودة فيها ، ليست هي أشياء تستعمل بأعيانها ، بل هي مقالات جعلت ليحتذى عليها وتعلّم الصناعة منها »[3].
فلا يحقّ للطبيب أن يعالج المرض بالتجربة عليهم واختبار الدواء فيهم ، من دون علم ودقّة وتأنٍّ.
« وقد نهى عن ذلك المعلّم الحكيم أبقراط حين ابتدأ فقال : العمر قصير والصناعة طويلة والزمان جديد والتجربة خطر ، فقد صدق لعمري في قوله : وإنّي أنهى عن التجربة في صناعة الطبّ »[4].
« واعلم أنّ اللصوص وقطّاع الطريق خير من اُولئك النفر الذين يدّعون الطبّ وليسوا بأطبّاء ، لأ نّهم يذهبون بالمال وربما أتوا على الأنفس ، وهؤلاء كثيراً ما يأتون على الأنفس النفيسة ... فإنّ من أصعب الاُمور التحكيم على الأرواح بغير معرفة والأمر بشيء والنهي عن غيره من غير بصيرة »[5].
فعلى الطبيب أن يتحرّى الدقّة التامّة في إجراء الفحوصات على المريض ، وهذا ما يحكم به العقل من الأمانة ومن المشاعر الإنسانية ، كما حكم به الشرع المقدّس.
ولنا
روايات كثيرة في مذمّة العجلة وإنّها من الشيطان ، ومدح التأنّي وأ نّه
من
الرحمن.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
« من تأنّى أصاب أو كاد ، ومن عجل أخطأ أو كاد ».
« التؤدّة في كلّ شيء خير إلاّ في عمل الآخرة ».
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام):
« العجل يوجب العثار ».
« الزلل مع العجل ».
« أنهاك عن التسرّع في القول والفعل ».
« العجول مخطئ وإن ملك ، المتأنّي مصيب وإن هلك ».
« التأنّي في العقل يؤمن الخطل ، التروّي في القول يؤمن الزلل ».
« إذا عرض شيء من أمر الآخرة فابدأ به ، وإذا عرض شيء من أمر الدنيا فتأنّه حتّى تصيب رشدك فيه ».
« التؤدّة ممدوحة في كلّ شيء إلاّ في فرص الخير ».
« إيّاك والعجلة بالاُمور قبل أوانها والتساقط فيها عند زمانها ».
« من الخرق العجلة قبل الإمكان والأناة بعد الفرصة ».
« العجل قبل الإمكان يوجب الغصّة ».
قال الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام):
« إنّما أهلك الناس العجلة ، ولو أنّ الناس تثبّتوا لم يهلك أحد ».
« الأناة من الله ، والعجلة من الشيطان ».
« مع التثبّت تكون السلامة ، ومع العجلة تكون الندامة ».
« من ابتدأ بعمل في غير وقته كان بلوغه في غير حينه ».
قال الله تعالى:
(خُلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَل سَاُريكُمْ آياتي فَلا تَسْتَعْجِلونَ)[6].
[1] تحف العقول : 238.
[2] كنز العمّـال 10 : 16.
[3] أخلاق الطبيب : 76.
[4] أخلاق الطبيب : 76.
[5] المصدر : 82.
[6] الإسراء : 11 ، والروايات من ميزان الحكمة 6 :72.
( 7 )