لقد ذكر القدماء بعض المواصفات لطالب العلم الطبي ، فقد نسبوا إلى أبقراط الوصيّة المعروفة بترتيب الطبّ ، ويقول فيها : « ينبغي أن يكون المتعلّم للطبّ في جنسه حرّاً وفي طبعه جيّداً ، حديث السنّ ، معتدل القامة ، متناسب الأعضاء ، جيّد الفهم ، حسن الحديث ، صحيح الرأي عند المشورة ، عفيفاً ، شجاعاً ، غير محبّ للفضّة ، مالكاً لنفسه عند الغضب ، ولا يكون بليداً.
وينبغي أن يكون مشاركاً للعليل ، مشفقاً عليه ، حافظاً للأسرار ، لأنّ كثيراً من المرضى يوقفونا على أمراض بهم لا يحبّون أن يقف عليها غيرهم.
وينبغي أن يكون محتملا للشتيمة ، لأنّ قوماً من المبرسمين ـ البرسام علّة يهذي فيها المريض ـ وأصحاب الوسواس السوداوي يقابلونا بذلك ، وينبغي لنا أن نحتملهم عليه ، ونعلم أ نّه ليس منهم ، وأنّ السبب فيه المرض الخارج عن الطبيعة.
وينبغي أن يكون حلق رأسه معتدلا مستوياً ، لا يحلقه ولا يدعه كالجمّة ، ولا يستقصي قصّ أظافير يديه ، ولا يتركها تعلو على أطراف أصابعه.
وينبغي أن تكون ثيابه بيضاء نقيّة ، ولا يكون في مشيه مستعجلا ، لأنّ ذلك دليل على الطيش ، ولا متباطئاً ، لأ نّه يدلّ على فتور النفس.
وإذا دعي إلى المريض فليقعد متربّعاً ، وليختبر منه حاله بسكون وتأنّ ، لا بقلق واضطراب.
وجاء في كتاب « كامل الصناعة الطبية الملكي » لعلي بن العباس ، إضافة إلى ما مرّ : « وإنّ على طالب العلم الطبّي ، أن يطيع أوامر الله تعالى ، ويحترم أساتذته ويكون في خدمتهم ، ويعتبرهم بمنزلة والديه ، ويحسن إليهم ، ويشركهم في أمواله.
كما إنّ عليه أن يعتبر ابن معلّمه أخاً له ، ويعلّمه هذه الصناعة بلا اُجرة ولا شرط ، ويشرك أولاده ، وأولاد معلّمه في العلوم والوصايا ، وكذلك سائر التلاميذ الذين يستحقّون تعلّم هذه الصناعة دون غيرهم ، ممّن لا يستحقّ ذلك.
وبعد أن ذكر اُموراً اُخرى ، من جملتها لزوم حفظ المطالب ، وعدم الاعتماد على الكتاب ، ذكر : أنّ عليه أن يتعلّم مطالب هذا العلم في أيام صباه ، لأنّ ذلك أسهل عليه من أيام الشيخوخة ... وعلى طالب هذا العلم أن يبقى في المستشفيات في خدمة أساتذته العلماء ، والحذّاق في هذه الصناعة ، فيمارس العمل في هذا المجال ، ويشرف على المرضى وعلى أحوالهم ، ويستفيد من صحبة الأساتذة وخدمة المرضى ما يرتبط بأحوال وعوارض الأمراض ، حسناً وسوءاً ، ويطبّق ما قرأه عملياً ...[1].
وقال عليّ بن العباس الأهوازي : « على الطبيب أن يكون نظيفاً ، يخاف الله ، عذب اللسان ، حسن السلوك ، وأن يبعد عن كلّ سوء وكلّ مشين ، وأن لا ينظر إلى النساء ... ».
[1] الآداب الطبية في الإسلام : 103.