كتمان السرّ

على المسلم أن يحفظ ودائع الناس ، فإنّ من علامات المؤمن أداء الأمانة وحفظ الوديعة وأسرار الناس ، ولا يجوز إفشاء السرّ ، فإنّه من الخيانة المحرّمة عقلا وشرعاً ، فيجب كتمان السرّ ، وهو من الأخلاق الحميدة لكلّ واحد من الناس ، ولكن أولى الناس بها الطبيب ، فمن حقّ المريض عليه أن يكتم سرّه ، لأ نّه كما هو المعروف والمشهور أنّ العلماء ـ علماء الدين ـ والأطباء محارم أسرار الناس ، فإنّ الناس يوحون بأسرارهم عند العلماء والأطباء ، فعليهم أن يكتموا الأسرار والخفيّات والبواطن ، فهم اُمناء الله في الأرض وخلفائه ، وإنّ الله يستر على عباده ، فلا بدّ للطبيب أن يكون أميناً ستّاراً كاتماً للسرّ والأمراض الخفيّة التي توجب نقص المريض لو اُبيحت في المجتمع . فكثير من المرضاء من يبوح بسرّه عند طبيبه ، ما لا يبوحه حتّى لوالديه ، ولأقرب الناس إليه.

يقول محمد بن زكريا الرازي : « واعلم يا بني ، أ نّه ينبغي للطبيب أن يكون رفيقاً بالناس حافظاً لغيبهم كتوماً لأسرارهم ، لا سيّما أسرار مخدومه ـ أي مريضه ـ فإنّه ربما يكون ببعض الناس من المرض ما يكتمه من أخصّ الناس به مثل أبيه واُمّه وولده ، وإنّما يكتمونه خواصّهم ، ويفشونه إلى الطبيب »[1].

كما على المريض أن لا يكتم سرّه أمام طبيبه ، يقول الرازي : « ومن أعظم الخطأ أ نّه إذا فعل ذلك كتمه الطبيب ، مريداً بذلك دفع اللائمة عن نفسه ، ومن أخطأ خطأ وكتمه ، فقد جنى جنايتين وارتكب خطيئتين ، والطبيب لا يهتدي لعلاجه إذا
لم يفشِ إليه سرّه »[2].

فهذه قاعدة عظيمة ينبغي أن يراعيها كلّ عليل ، كيلا يضلل الطبيب ، فيتأخّر شفاءه ، أو لا يهتدي الطبيب إلى هذا الشفاء.

وإذا اعتمد المريض على طبيبه واطمأنّ في كتمان سرّه ، فإنّه يقدم على إباحة ما فيه من الاُمور التي قد يكون لها أكبر الأثر في معرفة حقيقة الداء.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : من كتم مكنون دائه عجز طبيبه عن شفائه[3].

وقال (عليه السلام) : لا شفاء لمن كتم طبيبه داءه[4].

فالتفاعل لا بدّ يكون بين الطبيب والمريض بصدق وصفاء ومحبّة ، فالطبيب يكتم سرّ مريضه كما جاء ذلك في وصيّة أبقراط : « ينبغي أن يكون الطبيب مشاركاً للعليل مشفقاً عليه ، حافظاً للأسرار ، لأنّ كثيراً من المرضى يوقفونا على أمراض لهم لا يحبّون أن يقف عليها غيرهم »[5].

وقال علي بن العباس : « يجب على الطبيب أن يحفظ أسرار المريض ولا يفشيها ، لا لأقاربه ولا لغيرهم ممّن يتّصل به ، لأنّ كثيراً من المرضى يكتمون ما بهم على أقرب الناس إليهم حتّى والديهم ، ويبوحون به للطبيب كأوجاع الرحم والبواسير ... فعلى الطبيب أن يحافظ على سرّ المريض أكثر من المريض نفسه[6].


[1] أخلاق الطبيب : 27.

[2] المصدر : 68.

[3] غرر الحكم 2 : 668.

[4] المصدر : 833 .

[5] عيون الأنباء : 46.

[6] الآداب الطبية في الأسلام : 129.

( 15 )

( 15 )