التوكّل على الله

فإنّ من أخلاق المؤمن بالمبدأ والمعاد ، أن يتوكّل في اُموره على الله سبحانه ، ومن يتوكّل على الله فهو حسبه ، وإنّه نعم المولى ونعم الوكيل ، وعلى الله فليتوكّل المؤمنون . ولا تنافي بين حسن التدبير والتوكّل على الله ، فإنّ التدبير المذموم لو كان على نحو الاستقلال من دون أن يعتقد أنّ هناك يد غيبيّة تسيّره وتتولّى أمره.

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « عرفت الله بفسخ العزائم ونقض الهمم » فكم من مرّة يعزم الإنسان على أمر ويهتمّ بشيء ليفعله ، وسرعان ما يطرأ عليه ليفسخ عزيمته وينقض همّته ، وليس ذلك من باب الصدفة ، إنّما هناك حكمة ربانية وعناية إلهيّة ويد غيبيّة ، تسيّر الاُمور بحكمة بالغة ودقّة ونظام.

قد وجد على ستار الكعبة مكتوباً أيام الإمام السجّاد (عليه السلام) ، وقد كتبه النبيّ خضر (عليه السلام):

لا تدبّر لك أمراً *** فاُولي التدبير هلكا

وكّل الأمر إلى من *** هو أولى منك أمرا

فمن يدبّر أمره على نحو الاستقلال واعتماداً على نفسه فقط ، فهذا من الهالكين ، وأمّا حسن التدبير مع التوكّل على الله ، كما قال الرسول الأكرم للرجل الذي لم يعقل ناقته توكّلا على الله كما زعم ذلك : « أعقل ثمّ توكّل » ، فإنّه لا ينكر.

والطبيب المؤمن لا بدّ له من أن يتخلّق بهذا الخلق الإيماني ، بأن يتوكّل على ربّه في طبابته ومعالجاته.

قال محمّد بن زكريا الرازي : « ويتّكل الطبيب في علاجه على الله تعالى ، ويتوقّع البرء منه ، ولا يحسب قوّته وعمله ، ويعتمد في كلّ اُموره عليه ، فإذا فعل بضدّ ذلك ونظر إلى نفسه وقوّته في الصناعة وحذقه ، حرمه الله البرء »[1].

وإنّما يحصل تمام التوكّل بعد تطهير النفس من الرذائل ، فيتوجّه بها إلى الله تعالى ويعتمد عليه في الاُمور ويتلقّى المتوكّل على الله الفيض الإلهي من عنده ، فإنّ العلم ليس بكثرة التعلّم ، وإنّما هو نور من الله تعالى ينزله على من يريد أن يهديه ـ كما ورد في الخبر عن الإمام الصادق (عليه السلام) ـ فالطبيب المؤمن بالله سبحانه يتوكّل عليه ويفوّض أمره إليه ، ولا يعتمد على الأسباب ، فيوكل إليها ، وتكون وبالا عليه ، ولا على أحد من خلق الله تعالى ، ولا على علمه وفنّه ، بل يلقي مقاليد أمره إلى الله تعالى في أمره ورزقه وطبابته ومعالجاته ، يظهر عليه حينئذ من نفحات قدسه ولحظات اُنسه . ما يقوم به أوده ، ويحصل مطلبه ، ويصلح به أمره ، وفي الحديث القدسي إنّ الله تبارك وتعالى يقول : وعزّتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي لأقطعنّ أمل كلّ مؤمّل غيري باليأس ، ولأكسونّه ثوب المذلّة عند الناس ولاُنحينّه من قربي ولابعدنّه من وصلي ، أيؤمّل غيري في الشدائد ، والشدائد بيدي ، ويرجو غيري ويقرع بالفكر باب غيري ؟ وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلّقة ، وبابي مفتوح لمن دعاني ... »[2].

وإليكم نماذج من الآيات الكريمة والروايات الشريفة في التوكّل على الله.

قال سبحانه وتعالى:

(فَقُلْ حَسْبيَ اللهُ لا إلـهَ إلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلـْتُ)[3].

(إنِّي تَوَكَّلـْتُ عَلى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ)[4].

(ما تَوْفيقي إلاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلـْتُ وَإلَيْهِ اُنيبُ)[5].

(إنِ الحُكْمُ إلاّ للهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلـْتُ وَعَلَيْهِ فَلـْيَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلونَ)[6].

(وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْء عِلـْماً عَلى اللهِ تَوَكَّلـْنا)[7].

(رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلـْنا وَإلَيْكَ أنَبْنا وَإلَيْكَ المَصيرُ)[8].

(وَعلَى اللهِ فَلـْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنونَ)[9].

(وَاتَّقوا اللهَ وَعَلى اللهِ فَلـْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنونَ)[10].

(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[11].

(وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأبْقى لِلَّذينَ آمَنوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلونَ)[12].

(فَإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلى اللهِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلينَ)[13].

(إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلوا إنْ كُنْتُمْ مُسْلِمينَ)[14].

فالطبيب المسلم المؤمن بالله يتوكّل في حياته وطبّه وعلاجه على الله سبحانه.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

« من سرّه أن يكون أقوى الناس فليتوكّل على الله ».

« لو أنّ رجلا توكّل على الله بصدق النيّة لاحتاجت إليه الاُمور ممّن دونه ، فكيف يحتاج هو ومولاه الغنيّ الحميد ».

« يا أ يّها الناس ، توكّلوا على الله وثقوا به ، فإنّه يكفي عمّن سواه ».

« من توكّل على الله كفاه مؤنته ورزقه من حيث لا يحتسب ».

« إعقل وتوكّل ».

سأل النبيّ عن جبرئيل ما التوكّل على الله عزّ وجلّ ؟ فقال : العلم بأنّ المخلوق لا يضرّ ولا ينفع ، ولا يعطي ولا يمنع ، واستعمال اليأس من الخلق ، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سوى الله ولم يرجُ ولم يخف سوى الله ، ولم يطمع في أحد سوى الله ، فهذا هو التوكّل.

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

« التوكّل خير عماد ».

« التوكّل بضاعة ».

« التوكّل حصن الحكمة ».

« التوكّل على الله نجاة من كلّ سوء وحرز من كلّ عدوّ ».

« صلاة العبادة التوكّل ».

« في التوكّل حقيقة الإيمان ».

« حسبك من توكّلك أن لا ترى لرزقك مجرياً إلاّ الله سبحانه ».

« التوكّل من قوّة اليقين ».

« إنّ حسن التوكّل لمن صدق الإيمان ».

« حسن توكّل العبد على الله على قدر ثقته به ».

« ينبغي لمن رضي بقضاء الله سبحانه أن يتوكّل عليه ».

« أصل قوّة القلب التوكّل على الله ».

« من كان متوكّلا على الله لم يعدم الإعانة ».

« من توكّل على الله ذلّت له الصعاب وتسهّلت عليه الأسباب ».

« من توكّل على الله أضاءت له الشبهات ».

« ليس للمتوكّل عناء ».

« الثقة بالله أقوى أمل ».

« من وثق بالله أراه السرور ، ومن توكّل عليه كفاه الاُمور ».

« التوكّل كفاية ».

قال الإمام الرضا (عليه السلام):

« الإيمان أربعة أركان : التوكّل على الله عزّ وجلّ ، والرضا بقضائه ، والتسليم لأمر الله ، والتفويض إلى الله ».

سئل الصادق (عليه السلام) عن حدّ التوكّل ؟ فقال:

« أن لا تخاف مع الله شيئاً ».

يقول الإمام الباقر (عليه السلام):

« الغنى والعزّ يجولان في قلب المؤمن ، فإذا وصلا إلى مكان فيه توكّل ، أقطناه ».

ويقول الإمام الجواد (عليه السلام):

« الثقة بالله تعالى ثمن لكلّ غال وسلّم إلى كلّ عال »[15].

فالطبيب المسلم الذي به يرى السرور ويكفيه الاُمور ، وتضاء له الشبهات ، ويقوى فيه الأمل ، وتسهل له الأسباب ، وتذلّ له الصعاب من كان متوكّلا على الله واثقاً به.


[1] أخلاق الطبيب : 38.

[2] منية المريد ; للشهيد الثاني : 160 ، تحقيق رضا المختاري.

[3] التوبة : 129.

[4] هود : 56.

[5] هود : 88 .

[6] يوسف : 67.

[7] الأعراف : 89 .

[8] الممتحنة : 4.

[9] آل عمران : 122.

[10] المائدة : 11.

[11] الطلاق : 3.

[12] الشورى : 36.

[13] آل عمران : 159.

[14] يونس : 84 .

[15] ميزان الحكمة 10 : 674.

( 10 )

( 10 )