إنّما يعيش الإنسان بآماله ، وأكثر الناس احتياجاً إلى أمل الحياة هم المرضى ، فعلى الطبيب المسلم أن يزرع الأمل في قلب مريضه ، ولا يخلق فيه روح اليأس من حياته ، فإنّ الأعمار بيد الله سبحانه ، وما أكثر الشواهد العينية ، كما تطلعنا الصحف والمجلات المحلّية والعالمية بين آونة واُخرى ، أنّ مريضاً كان على شرف الموت ، وأيس أهله من برئه وشفائه واستعدّوا لتجهيزه وموته ، ولكن شاءت الإرادة الإلهية أن يبقى حيّاً ، ويبرأ من مرضه ، وينجو من الحتف المحتوم عليه ؟ !
فالطبيب الناجح يزرع الأمل في قلب مريضه ، وكثيراً ما تعالج الأمراض ، لا سيّما الروحية بمثل هذا الخلق الحسن ، فطمأنة المريض على صحّته وسلامته وبرئه من المرض سريعاً ، يؤثّر غاية التأثير في زوال السقم والمرض.
وما كلّ ما يعلم يقال ، ولا يجب على الطبيب أن يقول لمريضه كلّ ما كان صادقاً في مرضه ، بل يحرم الكذب عليه ، ولا يجب الصدق ، فإذا كان حال المريض خطراً فيمكن للطبيب أن يعلمه بذلك بلطائف الكلام للوقاية والعلاج ، ولا يخبره مباشرة حتّى يفقد المريض أمل الحياة ، ويكون إخبار الدكتور موجباً لسرعة حتفه ، وفقدان الأمل ، وربما نتيجته الانتحار ، فيكون الطبيب شريكاً في موته.
قال الله تعالى:
( إنَّهُ مِنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْس أوْ فَساد في الأرْضِ فَكَأ نَّما قَتَلَ النَّاسَ جَميعاً )[1].
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزائُهُ جَهَنَّمُ خالِدينَ فيها)[2].
فيجب على الطبيب حدّ الإمكان وحسب الطاقة البشرية أن يسعى في نجاة مريضه ، ولو كانت حياته ساعات ودقائق ، وإن كان يستوجب ذلك إرهاق الطبيب.
فالطبيب رفيق المريض كما ورد هذا المعنى في الروايات الشريفة عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « كن كالطبيب الرفيق الذي يدع الدواء بحيث ينفع »[3].
وفي نصٍّ : « إنّ الله عزّ وجلّ الطبيب ولكنّك رجل رفيق » ، وفي نصٍّ آخر : « أنت الرفيق والله الطبيب »[4].
فمن أولى من المريض بالعناية والرفق والمداراة ولا سيّما من قِبل طبيبه ، فلا بدّ من رفع معنوياته والتغلّب على أمراضه وآلامه وأوجاعه ، بزرع الأمل والثقة في قلبه ، حتّى يقاوم المرض ولا ينهزم أمامه ، فدور الطبيب في المفهوم الإسلامي هو التطبّب والتلطّف وبعث الأمل في نفس المريض ، فإنّ الله هو الشافي وهو الطبيب الواقعي ، وإنّ المعالج يسمّى بالطبيب لأ نّه يطيب بذلك نفس المريض ـ كما ورد في الخبر الشريف ـ حتّى أنّ من يزور المريض عليه أن يبعث فيه الأمل والحياة.
وخلاصة القول : إنّ المريض حينما يشتدّ به المرض لا يعلّق آماله فيما هو فيه على أحد ، حتّى أقرب الناس إليه حتّى ولده وأبويه ، إلاّ الله ومن أمره أن يرجع إليه ، ألا وهو الطبيب الحاذق البصير ، فهو الذي يمكنه أن يقدّم له يد المعونة ، ويخفّف عنه آلامه وينقذه ممّـا هو فيه ، فالطبيب يتحمّل أكبر مسؤولية في هذا المجال سواء على الصعيد المادّي بتقديم الأدوية ، أو المعنوي بالملاطفة الروحية والنفسية وزرع الأمل في قلب مريضه ، ويبعث البهجة في نفسه ، ويعيد إليه الثقة بالحياة وبالمستقبل.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
« الأمل رحمة لاُمّتي ، ولولا الأمل ما رضعت والدة ولدها ، ولا غرس غارس شجراً ».
ولا تأمل إلاّ الله ، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
« يقول الله تعالى : لأقطعنّ أمل كلّ مؤمن أمل دوني الاُناس ».
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام):
« الأمل رفيق مؤنس ».
« انقطع إلى الله سبحانه ، فإنّه يقول : وعزّتي وجلالي لأقطعنّ أمل كلّ من يؤمل غير بالبأس ».
« من أمّل إنساناً فقد هابه ».
بينما عيسى (عليه السلام) جالس وشيخ يعمل بمسحاة يثير الأرض ، قال (عليه السلام) : اللّهم انزع منه الأمل فوضع الشيخ المسحاة واضطجع ، فلبث ساعة . فقال عيسى : اللّهم اردد إليه الأمل ، فقام فجعل يعمل »[5].
وعلى الطبيب أن يزرع الأمل في قلب مريضه.
[1] المائدة : 32.
[2] النساء : 93.
[3] البحار 2 : 53.
[4] كنز العمّـال 8 : 360.
[5] ميزان الحكمة 1 : 140.
( 14 )