التواضع

فإنّ الكبرياء رداء الله سبحانه ، فمن نازعه في ردائه أكبّه الله على منخره في النار ـ كما ورد في الخبر النبويّ الشريف ـ فالتكبّر مختصّ بذات الله جلّ جلاله ، وأمّا الخلق لإمكانهم الذاتي وفقرهم فإنّ زينتهم التواضع ، ومن تواضع لله رفع الله سبحانه ، ومن التواضع أن تصغي إلى كلمة الحقّ وتقرّ بها ، حتّى لو كان الحقّ عليك ، فقل الحقّ ولو على نفسك ، كما إنّ من التواضع أن تجلس دون مجلسك ، وتجالس البؤساء والمساكين والفقراء ، فإنّ الكبر من الشيطان ، وتكبّره من السجود لآدم (عليه السلام) أخرجه من الجنّة ، وكان رجيماً ملعوناً إلى يوم القيامة ، فالتواضع من جنود العقل وضدّه التكبّر من جنود الجهل ـ كما ورد في الأثر ـ فالتواضع حسن من كلّ واحد ، ومن الطبيب أحسن ، لا سيّما مع مرضائه ، فالتبختر عليهم ، لا يزيده إلاّ نفوراً وسقوطاً من القلوب.

وقال النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله) : « لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من كِبْر ، كيف يستعظم نفسه ويتكبّر على غيره »[1].

وقال الله تعالى:

(تِلـْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذينَ لا يُريدونَ عُلُوَّاً في الأرْضِ وَلا فَساداً)[2].

وللتواضع مراحل أوّلها الإيمان بالله ، ثمّ الإيمان بالرسل والأنبياء ، كما في قوله تعالى:

(رَبَّنا آمَنَّا بِما أنْزَلـْتَ وَاتَّبَعْنا الرَّسولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدينَ)[3].

أمّا المتكبّر فيقول:

(أنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلنا)[4].

كما إنّ من التكبّر أن لا يطأطئ الإنسان رقبته أمام القوانين والأحكام الشرعية فيكون كما قال الله تعالى:

(نُؤْمِنُ بِبَعْض وَنَكْفُرُ بِبَعْض وَيُريدونَ أنْ يَتَّخِذوا بَيْنَ ذلِكَ سَبيلا)[5].

(أفَتُؤْمِنونَ بِبَعْضِ الكِتابِ وَتَكْفُرونَ بِبَعْض فَما جَزاءُ مَىْ يَفْعَلْ ذلِكَ مِنْكُمْ إلاّ خِزْيٌ في الحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ القَيامَةِ)[6].

ومن التواضع الخضوع أمام القوانين الطبيعية ، ثمّ التواضع مع الناس:

(وَلا تَمْشِ في الأرْضِ مَرَحاً وَاقْصُدْ في مَشْيِكَ)[7].

ثمّ من ابتلي بحبّ الذات والتكبّر على الناس سرعان ما يسقط في المجتمع ويفقد رصيد شعبي ، يمكنه أن يحلّق بهم في تحقّق آماله وطموحه ، ومن ثمّ يسخط عليه الخلق.

يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « إيّاك أن ترضى عن نفسك فيكثر الساخط عليك »[8] ، « العجب يفسد العقل » ، « التواضع رأس العقل والتكبّر رأس الجهل ».

فلا يحقّ للطبيب أن يتكبّر على الناس ، ويقول محمد بن زكريا الرازي في ذلك : « واعلم يا بني أنّ من المتطبّبين من يتكبّر على الناس لا سيّما إذا اختصّه ملك أو رئيس ، وقد قال الحكيم جالينوس : رأيت من المتطبّبين من إذا داخل الملوك فبسطوه تكبّر على العامّة وحرمهم العلاج وغلظ لهم القول وبسر في وجوههم ، فذلك المحروم المنقوص . فدعا الحكيم إلى أضداد هذه الخصال التي ذكرها وحثّ عليها ، وقال : ينبغي للطبيب أن يعالج الفقراء كما يعالج الأغنياء ، وهكذا يجب علينا أن نقتفي السنّة التي سنّها الحكيم »[9].

« قال : ورأيت من المتطبّبين من إذا عالج مريضاً شديد المرض فبرأ على يديه دخله عند ذلك عجب ، وكان كلامه كلام الجبّارين ، فإذا كان كذلك ، فلا كان ولا وفّق ولا سُدّد ، وإنّما نهى الحكيم عن هذه الخصال لكي تجتنب ».

« واعلم أنّ التواضع في هذه الصناعة زينة وجمال دون ضعة النفس ، لكن يتواضع بحسن اللفظ وجيّد الكلام ولينه ، وترك الفظاظة والغلظة على الناس ، فمتى كان كذلك فهو المسدّد الموفّق ، وكذلك أمرنا بهذه الخصال المحمودة التي أشرت بها عليك الفاضل جالينوس »[10].

فالكبر مذموم ، وهو تعظيم شأن النفس واحتقار الغير ، وعلامته الأنفة عمّن يتكبّر عليه ، والاختيال والفخر ومحبّة تعظيم الناس له.

وفي الخبر الشريف : « من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من كبر ، كبّه الله تعالى في النار على وجهه ».

وفي حديث ابن مسعود عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أ نّه قال : « لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر ، فقال الرجل : إنّ الرجل يحبّ أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً ؟ قال : إنّ الله جميل يحبّ الجمال ، الكبر بطر الحقّ وغمط الناس » . أي أزرى بهم واستخفّ بهم . يقول الله تعالى : « العزّ إزاري والكبر ردائي ، فمن نازعني فيهما عذّبته ».

قال الله سبحانه:

( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دينِهِ فَسَوْفَ يَأتي اللهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أذِلَّة عَلى المُؤْمِنينَ أعِزَّة عَلى الكافِرينَ )[11].

وقال تعالى:

(وَأمَّا الَّذينَ اسْتَنْكَفوا وَاسْتَكْبَروا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أليماً)[12].

(وَالَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَروا عَنْها اُولـئِكَ أصْحابُ النَّارِ)[13].

(إنَّ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَروا عَنْها لا تُفْتَحْ لَهُمْ أبْوابُ السَّماءِ)[14].

(فَاسْتَكْبَروا وَكانوا قَوْماً مُجْرِمينَ)[15].

(فَاليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الهَونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرونَ في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ)[16].

(وَقالَ مُوسى إنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّر )[17].

(ألَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلـْمُتَكَبِّرينَ)[18].

(فَلَبِئْسَ مَثْوى المُتَكَبِّرينَ)[19].

(إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْتَكْبِرينَ)[20].

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

« لا حسب إلاّ بتواضع ».

« لا حسب لقرشيّ ولا عربيّ إلاّ بتواضع ».

« ما لي لا أرى عليكم حلاوة العبادة ؟ قالوا : وما حلاوة العبادة ؟ قال : التواضع ».

« أفضل الناس من تواضع عن رفعة ».

« من ترك لباس الجمال وهو يقدر عليه تواضعاً كساه الله حلّة الكرامة ».

« طوبى لمن تواضع لله تعالى في غير منقصة ، وأذلّ نفسه من غير مسكنة ».

« من أتى ذا ميسرة فتخشّع له وطلب ما في يديه ذهب ثلثا دينه ».

« إنّ التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرفعكم الله ».

« من تواضع لله رفعه الله ».

« ثلاثة لا يزيد الله بهنّ إلاّ خيراً : التواضع لا يزيد الله به إلاّ ارتفاعاً ، وذلّ النفس لا يزيد الله به إلاّ عزّاً ، والتعفّف لا يزيد الله به إلاّ غنىً ».

« يا علي ، والله لو أنّ المتواضع في قعر بئر لبعث الله عزّ وجلّ إليه ريحاً يرفعه فوق الأخيار في دولة الأشرار ».

قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

« التواضع زينة الحسب ».

« التواضع أفضل الشرفين ».

« التواضع ينشر الفضيلة ».

« عليك بالتواضع فإنّه من أعظم العبادة ».

في وصف الأنبياء:

« ولكنّه سبحانه كرّه إليهم التكابر ، ورضي لهم التواضع ، فألصقوا بالأرض خدودهم ، وعفّروا في التراب وجوههم ، وخفضوا أجنحتهم للمؤمنين ».

وفي صفة المتّقين ، قال (عليه السلام):

« ملبسهم الاقتصاد ، ومشيهم التواضع ».

وفي صفة الحجّ ، قال (عليه السلام):

« وجعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته وإذعانهم لعزّته ».

« حسب المرء من تواضعه معرفته بقدره ».

« التواضع مع الرفعة كالعفو مع القدرة ».

« من أتى غنيّاً فتواضع له لغناه ذهب ثلثا دينه ».

« ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلباً لما عند الله ، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء إتّكالا على الله ».

« ثلاث هنّ رأس التواضع : أن يبدأ بالسلام من لقيه ، ويرضى بالدون من شرف المجلس ، ويكره الرياء والسمعة ».

« ثمرة التواضع المحبّة ، ثمرة الكبر السبّة ».

« التواضع يكسبك السلامة ».

« التواضع يكسوك المهابة ».

« بخفض الجناح تنتظم الاُمور ».

« بالتواضع تتمّ النعمة ».

« التواضع ينشر الفضيلة ، التكبّر يظهر الرذيلة ».

« التواضع يرفع ، التكبّر يضع ».

« التواضع يرفع الوضيع ، التكبّر يضع الرفيع ».

« التواضع سلّم الشرف ، التكبّر اُسّ التلف ».

« التواضع ثمرة العلم ».

« لا يستعان على التواضع إلاّ بسلامة الصدر ».

فالطبيب المسلم الناجح من تواضع لله ، ويرى ثمرات التواضع في حياته العلمية والعملية.

قال الإمام الرضا (عليه السلام):

« التواضع أن تعطي الناس ما تحبّ أن تُعطاه ».

قال الإمام الصادق (عليه السلام):

« التواضع أن ترضى من المجلس بدون شرفك ، وأن تسلّم على من لقيت ، وأن تترك المراء وإن كنت محقّاً ، ورأس الخير التواضع ».

قال الإمام الكاظم (عليه السلام):

« إنّ لقمان قال لابنه : تواضع للناس تكن أعقل الناس ».

« قال الإمام الصادق (عليه السلام):

« إنّ في السماء ملكين موكلين بالعباد ، فمن تواضع لله رفعاه ، ومن تكبّر وضعاه »[21].


[1] سفينة البحار 2 : 459.

[2] القصص : 83 .

[3] آل عمران : 53.

[4] المؤمنون : 47.

[5] النساء : 150.

[6] البقرة : 85 .

[7] لقمان : 18 ـ 19.

[8] غرر الحكم : 147.

[9] أخلاق الطبيب : 35.

[10] المصدر : 84 .

[11] المائدة : 54.

[12] النساء : 173.

[13] الأعراف : 36.

[14]الأعراف : 40.

[15] الأعراف : 133.

[16] الأحقاف : 20.

[17] غافر : 27.

[18] الزمر : 60.

[19] النحل : 29.

[20] النحل : 23.

[21] من ميزان الحكمة 10 : 500.

( 11 )

( 11 )