الرحمة

إنّ أسماء الله وصفاته توقيفية ، وقد بلغت الألف ونيّف ، وكلّها تدلّ على الرحمة الرحمانية والرحيمية ، أي الرحمة العامّة ، كالرحمان فإنّها للمؤمن والكافر في الدنيا والرحمة الخاصّة ، كالرحيم المختصّة بالمؤمنين ، فكلّ أسماء الله تدلّ على الرحمة العامّة والخاصّة ، إلاّ بعضها التي تعدّ بالأصابع كالقهّار والمنتقم وشديد العقاب . فهي وإن دلّت على الغضب الإلهي إلاّ أ نّها في واقعها وصميمها ترجع إلى الرحمة أيضاً ، كما هو مذكور في محلّه.

والحقّ أنّ مثل هذه الأسماء أيضاً من الرحمة الإلهية ، فيا من سبقت رحمته غضبه ، وإنّه أرحم الراحمين ، وإنّ الرحمة والشفقة القلبية والحنان والعطوفة من الصفات الحميدة والأخلاق الطيّبة ، فما أكثر الآيات والروايات التي تحثّ الإنسان على أن يتخلّق بهذه الصفة المباركة « إرحم من في الأرض يرحمك من في السماء » ، فالرحمة من كلّ واحد حسناً إلاّ أ نّه من الطبيب بالنسبة إلى مرضاه أحسن ، فلا بدّ للطبيب في نظر الإسلام أن يكون رحيماً ، تتجلّى الرحمة الإلهية في حركاته وسكناته ، في أقواله وأفعاله ، ويتعامل مع المريض بكلّ رفق وشفقة ورحمة ، فإنّه يحتاج إلى رحمة الطبيب أكثر من كلّ شيء في مقام شفائه وعلاجه.

فالطبيب إنّما هو من مظاهر رحمة الله:

(فَبِما رَحْمَة مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَليظَ القَلـْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[1].

وجاء في الطبّ الروحاني لمحمّد بن زكريا الرازي : « إنّ السيرة التي بها سار ،
وعليها مضى أفاضل الفلاسفة ، هي بالقول المجمل : معاملة الناس بالعدل والأخذ عليهم من بعد ذلك بالفضل ، واستشعار العفّة والرحمة والنصح للكلّ ، والاجتهاد في نفع الكلّ إلاّ من بدأ منهم بالجور والظلم »[2].

فالعمدة في أخلاق الطبيب أن يستشعر من قلبه الرحمة والشفقة وهي العاطفة التي إذا تحلّى بها الطبيب انشرح بها صدره وشعر بلذّة وسرور في عمله ، فحينئذ يحسّ بسعادة وشغف وارتياح ضمير ، حينما يحنّ قلبه على المرضى ويشفق على من يعالجه ، ويتعامل معه بكلّ رفق ولين.

وإليك نماذج من الآيات والروايات الشريفة الدالّة على الرحمة والشفقة القلبيّة:

قال الله تعالى:

(مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أشِدَّاءُ عَلى الكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)[3].

(وَجَعَلـْنا في قُلوبِ الَّذينَ اتَّبَعوهُ رَأفَةً وَرَحْمَة)[4].

(وَتَواصَوْا بِالرَّحْمَةِ)[5].

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

« الراحمون يرحمهم الرحمن يوم القيامة ، ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء ».

« من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمه الله يوم القيامة ».

« من لا يَرحم لا يُرحم ».

« إنّ الله رحيم يحبّ الرحيم يضع رحمته على كلّ رحيم ».

« إرحم المساكين ».

« يا أنس ، ارحم الصغير ووقّر الكبير تكن من رفقائي ».

« ارحموا عزيزاً ذلّ ، وغنياً افتقر ، وعالماً ضاع في زمان جهّال ».

وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

« أحسن يحسن إليك ، إرحم ترحم ».

« وإنّما ينبغي لأهل العصمة والمصنوع إليهم في السلامة أن يرحموا أهل الذنوب والمعصية ، ويكون الشكر هو الغالب عليهم ».

« من لا يرحم الناس منعه الله رحمته ».

« ارحم من أهلك الصغير ووقّر الكبير »[6].


[1] آل عمران : 159.

[2] أخلاق الطبيب : 27.

[3] الفتح : 29.

[4] الحديد : 27.

[5] البلد : 17.

[6] ميزان الحكمة 4 : 68.

( 3 )

( 3 )