فإنّ الطبيب عليه أن لا يفكّر فى راحته واستراحته ، بل هو وقف على الناس وفي خدمتهم ليل نهار ، فإنّ المرض لا يخبر الإنسان بعروضه وهجومه ، فمن يدري متى تكون الحملة الدماغية والذبحة الصدرية والجلطة القلبية ، وليس لمثل هذه الأمراض في الظاهر وفي عالم الكون والفساد إلاّ الطبيب ، الذي جعل الله في يده شفاء عباده المرضى.
ففي كلّ ساعة ، بل وفي كلّ لحظة ودقيقة ، على الطبيب أن يكون في خدمة مريضه ، فربّ تحمّل وجع يؤدّي إلى حتفه وموته ، والطبيب إنّما يكون المسؤول عن هلاكه ، فإن تخلّص من القانون الجنائي وفي المحاكم الدنيوية ، فمن يخلّصه من محكمة الوجدان التي لا يحتاج فيها إلى قاض ، ومن يخلّصه من الله سبحانه الواقف على الضمائر والسرائر ، والعالم بالسرّ وما أخفى ؟ ! وما هو جوابه يوم القيامة ، يوم تبلى السرائر.
فلا بدّ من الثقة المتبادلة بين المريض وطبيبه ، حتّى يسهل على المريض أن يلتزم بنصائح الطبيب ، ويعمل بنسخته الطبية وتوجيهاته العلاجية.
بل على الطبيب أن يسعى في كسب ثقة المريض من خلال استمرار الخدمة والدقّة والحذاقة في طبابته.
عن الإمام الصادق (عليه السلام) : « كلّ ذي صناعة مضطرّ إلى ثلاث خصال يجتلب بها المكسب ، وهو : أن يكون حاذقاً بعمله ، مؤدّياً للأمانة فيه ، مستميلا لمن استعمله »[1].
وهذه بعض الروايات الشريفة في فضل الخدمة:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
« لا يزال العبد من الله وهو منه ما لم يُخدم ، فإذا خُدم وجب عليه الحساب ».
« أ يّما مسلم خدم قوماً من المسلمين إلاّ أعطاه الله مثل عددهم خدّاماً في الجنّة ».
« روي أ نّه تعالى أوحى إلى داود : ما لي أراك منتبذاً ؟ قال : أعيتني الخليقة فيك . قال : فماذا تريد ؟ قال : محبّتك . قال : فإنّ محبّتي التجاوز عن عبادي ، فإذا رأيت لي مريداً فكن له خادماً ».
قال الإمام الصادق (عليه السلام):
« المؤمنون خدم بعضهم لبعض ، قلت : وكيف يكونون خدماً بعضهم لبعض ؟ قال : يفيد بعضهم بعضاً ».
« إخدم أخاك ، فإن استخدمك فلا ، ولا كرامة »[2].
[1] تحف العقول : 238.
[2] ميزان الحكمة 3 : 14.
( 13 )