الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمّد وآله الطاهرين .
أمّا بعد :
فإنّ الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد قد قسّم الأشهر إلى اثني عشر شهراً ، وذلك من بدء الخلقة في قوله تعالى : ( إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ )[2] .
ثمّ جعل من الأشهر الاثني عشر أربعة منها أشهر الحرم ، حيث يُحرم فيها القتال ، وهو شهر رجب وذي القعدة وذي الحجّة ومحرم الحرام ، كما سُمي بعضها بأشهر الحج ، ولم يذكر اسم كل شهر بالخصوص إلاّ شهر رمضان المبارك ، وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على عظمة هذا الشهر المبارك .
ومن ثمَّ في تعريف شهر رمضان ، لم يكن كتعريف أشهر الحج كما في قوله تعالى : ( الحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُومَات ... )[3] حيث عرف الأشهر بحكم إسلامي ، وبفرع من فروع الدين وهو الحج ، بمعنى أنّ هذه الأشهر لها علاقة وطيدة بمناسك الحج ، وأنّ الاستطاعة التي هي شرط لوجوب الحج تتمّ في هذه الأشهر ، فلم يعرف شهر رمضان بالصيام ، مع أنه شهر الصيام ، ويمتاز عن باقي الشهور بهذا الحكم وبهذا الفرع الديني ، بل عرّف شهر رمضان بالقرآن الكريم ( شَهْرُ رَمَضَانَ الذِي اُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدَىً لِلنَّاسِ )[4] . والقرآن الكريم الذي هو كتاب حياة وهداية للبشرية جمعاء إلى شاطئ السعادة في الدنيا والآخرة ، فيه أحكام شرعية ، ومنها الصوم . فشهر القرآن الكريم يدلّ على شهر الصيام أيضاً فهو من التعريف التام ، ولو قيل شهر الصيام لكان من الرّسم الناقص[5] ، إذ لا يدلّ على نزول القرآن فيه ، وبين الحدّ التام والرسم الناقص بون واسع كما في علم المنطق .
[1]القيت محتوى هذه الكلمة في حسينية أهل البيت (عليهم السلام) لأهل العمارة في قم المقدّسة في الليلة الاُولى من شهر رمضان عام 1410 هجرية ، وطبعت في مجلة ( نور الإسلام ـ بيروت ) العدد 45 سنة 1414 ، وفي مجلة ( الكوثر ـ قم ) العدد الخامس سنة 1417 .
[2]التوبة : 36 .
[3]البقرة : 197 .
[4]البقرة : 185 .
[5]الحدّ التامّ : ما فيه تمام ماهية الشيء من ذكر الجنس القريب والفصل القريب كما يقال : الإنسان ( حيوان ناطق ) ، فهذا من الحدّ والتعريف التام ، والرسم التام : ما كان بالجنس والعرض الخاصة كما يقال : الإنسان حيوان ضاحك .