الخطبة الشعبانيّة

وأمّا الخطبة الشريفة ، فاختلف فيها في مجامعنا الروائية ، فقيل : في آخر جمعة من شعبان ، وقيل : ثلاثة أيام بقيت من شعبان ، وقيل : آخر شعبان ، أي أواخر شعبان ، فيمكن الجمع بين الأقوال ، والشيخ البهائي ( عليه الرحمة ) ينقل الخطبة في كتابه الأربعين ، في الحديث التاسع ، قائلا :

وروى الصدوق ( في عيون أخبار الرضا 1 : 297 ) بسند معتبر عن الرضا(عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين ( عليه وعلى أولاده السلام ) قال : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطبنا ذات يوم فقال : ( أ يّها الناس إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة ، شهرٌ هو عند الله أفضل الشهور ، وأيّامه أفضل الأيّام ، ولياليه أفضل الليالي ، وساعاته أفضل الساعات ، هو شهر دُعيتم فيه إلى ضيافة الله ، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله ، أنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم فيه عبادة ، وعملكم فيه مقبول ، ودعاؤكم فيه مستجاب ، فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة ، وقلوب طاهرة ، أن يوفّقكم لصيامه ، وتلاوة كتابه ، فإنّ الشقيّ من حُرمَ غفرانَ الله في هذا الشهر العظيم ، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه ، وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم ، ووقّروا كباركم ، وارحموا صغاركم ، وصلوا أرحامكم ، وأحفظوا ألسنتكم ، وغضّوا عمّـا لا يحلّ النظر إليه أبصاركم ، وعمّـا لا يحلّ الاستماع إليه أسماعكم ، وتحنّنوا على أيتام الناس ، يتحنّن على أيتامكم ، وتوبوا إليه من ذنوبكم ، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم ، فإنّها أفضل الساعات ، ينظر اللهُ عزّ وجلّ فيها بالرحمة إلى عباده ، يجيبهم إذا ناجوه ، ويلبّيهم إذا نادوه ، ويستجيب لهم إذا دعوه ، أ يّها الناس : إنّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم ، ففكّوها باستغفاركم ، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم ، فخفّفوا عنها بطول سجودكم ، واعلموا أنّ الله تعالى ذكره ، أقسم بعزّته أن لا يعذّب المصلّين والساجدين ، وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لربّ العالمين . أ يّها الناس ; من فطّر صائماً مؤمناً في هذا الشهر ، كان له بذلك عند الله عتق رقبة ، ومغفرةٌ لما مضى من ذنوبه ، قيل : يا رسول الله ، وليس كلّنا يقدر على ذلك ، فقال (صلى الله عليه وآله) : اتّقوا النار ولو بشقّ تمرة ، اتّقوا النار ولو بشربة من ماء ، فإنّ الله يهب ذلك الأجر لمن عمل هذا اليسير ، إذ لم يقدر على أكثر منه ، يا أ يّها الناس من حسّن منكم في هذا الشهر خلقهُ ، كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ، ومن خَفّف في هذا الشهر عمّـا ملكت يمينه ، خفّف الله عليه حسابه ، ومن كفّ فيه شرّه ، كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه ، ومن أكرم فيه يتيماً ، أكرمه الله يوم يلقاه ، ومن وصل فيه رحمه ، وصله الله برحمته يوم يلقاه . ومن قطع فيه رحمه ، قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه ، ومن تطوّع فيه بصلاة ، كتب الله له براءة من النار ، ومن أدّى فيه فرضاً ، كان له ثواب من أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور ، ومن أكثر فيه من الصلاة عليّ ، ثقّل الله ميزانه يوم تخفّ الموازين ، ومن تلا فيه آية من القرآن ، كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور . أ يّها الناس إنّ أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة ، فسلوا ربّكم أن لا يغلقها عليكم ، وأبواب النيران مغلقةٌ ، فسلوا ربّكم أن لا يفتحها عليكم ، والشياطين مغلولة ، فسلوا ربّكم أن لا يسلّطها عليكم .

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : فقمت فقلت : يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر ؟ فقال : يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزّ وجلّ ، ثمّ بكى ، فقلت : يا رسول الله ما يبكيك ؟ فقال : يا علي أبكي لما يُستحلّ منك في هذا الشهر ، كأ نّي بك وأنت تصلّي لربّك ، وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين ، شقيق عاقر ناقة ثمود ، فضربك ضربةً على قرنك ، فخضب منها لحيتك ، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) فقلت : يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني ؟ فقال : في سلامة من دينك ، ثمّ قال : يا علي من قتلك فقد قتلني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن سبّك فقد سبّني ، لأ نّك منّي كنفسي وروحك من روحي ، وطينتك من طينتي ، إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وإيّاك ، واصطفاني وإيّاك ، واختارني للنبوّة واختارك للإمامة ، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوّتي ، يا علي أنت وصيّي ، وأبو ولدي ، وزوج ابنتي ، وخليفتي على اُمّتي في حياتي وبعد موتي ، أمرُك أمري ، ونهيك نهيي ، اُقسم بالذي بعثني بالنبوّة ، وجعلني خير البريّة ، إنّك لحجّة الله على خلقه وخليفته على عباده .

ثمّ سأل النبي أمير المؤمنين : كيف صبرك على القتل ؟ فقال (عليه السلام) : القتل مع سلامة في ديني ليس ممّـا يصبر عليه ، إنّما يشكر الله عليه ) ، أي من نعم الله مثل هذه الشهادة المباركة فيشكر عليها .

هذا موجز ما أردنا بيانه في فضيلة شهر رمضان المبارك ، نسأل الله أن يوفّقنا لدرك بركاته وصيامه وتلاوة كتابه والشهادة في سبيله مع وليّه الإمام المنتظر الحجّة الثاني عشر صاحب الزمان عليه الصلاة والسلام وعجّل الله فرجه الشريف .

مخطط آية الصيام في القرآن الكريم