![]() |
![]() |
![]() |
العصمة الذاتية من الذنوب والآثام والشين والرين والخطأ والسهو تختصّ بأهلها ، كالأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ، وكذلك من يحذو حذوهم بالعصمة الأفعالية ويرثهم في علومهم وسلوكهم ، وأمّا غير هؤلاء وما دونهم فكلّ واحد معرّض للخطأ والعصيان ، فإنّ غير المعصوم (عليه السلام) غير معصوم من الذنوب والمعاصي :
(وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ)[1].
وأكثر الناس يغرّهم الشيطان بوساوسه وخطواته وحزبه وحبائله ، كما تغريهم الدنيا الدنيّة وزخرفها وزبرجها ، كما تأمره النفس الأمّارة بالسوء بارتكاب الآثام ، فيبتلى المرء بالمعاصي والمنكرات ، إلاّ أن الله يغفر الذنوب جميعاً إلاّ ما اُشرك به ، فإنّه هو التوّاب الرحيم . فمن كان موحّداً مؤمناً بالله سبحانه فإنّه لا ييأس من روحه وغفرانه مهما فعل من الذنوب ، وارتكب من المعاصي ، ما دام لم يسوَدّ قلبه وينتكس وينقلب كالحجارة أو أشدّ قسوة[2].
فالمذنب
يلتجئ إلى رحمة الله وإلى نبيّ الله (صلى الله عليه وآله) الذي هو
رحمة للعالمين ومظهر
رحمة
الله ، وإلى أهل بيته الأطهار (عليهم السلام) ، فمن يقتدي بهم
في سلوكه ومعتقداته ويطيعهم في كلّ الأحوال ، فإنّه ينجو لا محالة ، وممّـا
يوجب النجاة من الذنوب زيارتهم (عليهم السلام).
والعجب أنّ زيارتهم المقدّسة توجب غفران الذنوب ما تقدّم منها وما تأخّر ، أي تعطي الحصانة وصمّـام الضمان في المستقبل ، أمّا ما تقدّم من الذنوب فواضح ، فإنّ الزيارة تعني الماء الطاهر المطهّر الذي يزيل الأوساخ والأقذار من الثياب والجسد ، فتوجب محو الذنوب وكفّارة المعاصي وطهارة القلوب وتزكية النفوس وانشراح الصدور.
وأمّا ما تأخّر فهذا من أسرار الزيارة والولاية ، ويبدو لي في ذلك وجوه :
الأوّل : أنّ الزائر بزيارته المقبولة يتوفّق للتوبة في آخر حياته وعند موته ، فلا يموت إلاّ مسلماً صالحاً مغفوراً ، فيغفر ما تأخّر من ذنبه ، ويكون عاقبته على خير وصلاح وغفران.
الثاني : قدسية الزيارة وعلوّ درجاتها تعطي الإنسان الزائر عصمة أفعالية ، فإنّه بعد درك فيض الزيارة المقبولة ، وانفتاحه على إمامه بروحه وقلبه ، من الصعب أن يفكِّر بالذنوب والمعاصي ، فإنّ قداسة الزيارة وشرف الحضور يمنعه من ذلك ، فلا يصدر منه إلاّ الصغار واللمم المغفور له ، فيغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.
الثالث : في الفقه الإسلامي يقال : الماء إذا بلغ قدر كرّ فلا ينجّسه شيء ، فإنّه يعصم عن النجاسة بمجرّد ملاقاتها ، حتّى يتبدّل أحد أوصافه الثلاثة ـ الطعم أو الرائحة أو اللون ـ بإحدى النجاسات المعهودة في الشرع الإسلامي المبين ، فماء الكرّ يكون معصوماً من النجاسات ، بمعنى أ نّه لا تؤثّر النجاسات في طهارته ، ويبقى الماء طاهراً ومطهّراً ، إلاّ أن يتبدّل لونه أو طعمه أو رائحته بالنجاسة.
والزائر بزيارته واتّصاله بالعصمة الولوية ، وبالولاية الإلهية المتمثّلة بالائمّة المعصومين (عليهم السلام) وكذلك الأنبياء (عليهم السلام) ، فإنّه يعصم من الذنوب ، بمعنى أ نّه لا يتأثّر بها ما دام لم يتغيّر جوهره وذاته ، والزائر بعد زيارته المقبولة هيهات أن يرتكب من الذنوب ما يوجب تبدّل حقيقته وباطنه الإيماني الطاهر ، بل الزيارة تعصمه عن ذلك ، فإنّه اتّصل بماء البحر ، اتّصل بالإمامة والولاية العظمى ، فكيف يعمل الذنوب التي تغيّره في قلبه وروحه وعقله ، وتجعله كافراً نجساً ومشركاً رجساً ؟ ! هيهات لا يكون ذلك أبداً ، وهذا معنى غفران الذنوب ما تقدّم منها وما تأخّر.
عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
ستدفن بضعة منّي بخراسان ، ما زارها مكروب إلاّ نفّس الله كربته ، ولا مذنب إلاّ غفر الله ذنوبه.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
سيقتل رجل من ولدي بأرض خراسان بالسمّ ظلماً ، اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم ابن عمران موسى (عليه السلام) ، ألا فمن زاره في غربته غفر الله ذنوبه ما تقدّم منها وما تأخّر ، ولو كانت مثل عدد النجوم وقطر الأمطار وورق الأشجار.
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :
من زار قبر أبي (عليه السلام) بطوس ، غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فإذا كان يوم القيامة نصب له منبر بحذاء منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى يفرغ الله من حساب عباده.
عن حمدان الدسوائي قال : دخلت على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) فقلت له : ما لمن زار أباك بطوس ؟ فقال (عليه السلام) : من زار قبر أبي بطوس غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر . قال حمدان : فلقيت بعد ذلك أيوب بن نوح بن دراج فقلت له : يا أبا الحسين ، إنّي سمعت مولاي أبا جعفر (عليه السلام) يقول : من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فقال أيوب : وأزيدك فيه ؟ قلت : نعم ، فقال : سمعته يقول ـ يعني أبا جعفر (عليه السلام) ـ :
من زار قبر أبي بطوس غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فإذا كان يوم القيامة نصب له منبر بحذاء منبر رسول الله حتّى يفرغ الله من حساب الخلائق[3].
الكليني بسنده عن أبي جعفر (عليه السلام) : من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر . قال : فحججت بعد الزيارة فلقيت أيوب بن نوح فقال لي : قال أبو جعفر (عليه السلام) :
من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وبني له منبراً حذاء منبر رسول الله وعلي (عليهما السلام) حتّى يفرغ الله من حساب الخلائق.
فرأيت بعد أيوب بن نوح وقد زار ، فقال : جئت أطلب المنبر[4].
عن الهروي قال : كنت عند الرضا (عليه السلام) عليه قوم من أهل قم ، فسلّموا عليه فردّ عليهم وقرّبهم ، ثمّ قال لهم :
مرحباً بكم وأهلا ، فأنتم شيعتنا حقّاً ، وسيأتي عليكم يوم تزورون فيه تربتي بطوس ، ألا فمن زارني وهو على غسل ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته اُمّه[5].
[1]سبأ : 13.
[2]ذكرت تفصيل ذلك في كتاب ( التوبة والتائبون على ضوء القرآن والسنّة ) ، وهو مطبوع . وفي ( حقيقة القلوب في القرآن الكريم ) ، مطبوع.
[3]البحار 99 : 40 ، عن كامل الزيارات : 304.
[4]البحار 99 : 41 ، عن كامل الزيارات.
[5]البحار 99 : 50 ، عن العيون 2 : 260.
![]() |
![]() |
![]() |