![]() |
![]() |
![]() |
إنّ لله سبحانه وتعالى ضيوفاً ووفوداً ، وإنّ له مأدبة وضيافة يستضيف عليها من عباده من كان مؤمناً وتقيّاً ، وإنّ ضيافته تارة عامة واُخرى خاصّة.
والاُولى تعمّ جميع المكلّفين كما في صيام شهر رمضان المبارك ، فكل مكلّف يدعوه الله إلى ضيافته ، ليكون الصائم ضيفاً على ربّه ، فالصائمون ضيوف الله وعلى مائدته القرآنية يتلذّذون بنعمه الرحمانية وآلائه الرحيمية ، من كسب العلوم الربّانية والمعارف القدسية والفيوضات الإلهية ، فالله سبحانه من لطفه وحبّه لعباده وأوليائه المؤمنين بدينه يدعوهم إليه ليكونوا ضيوفاً عليه ، ومن سعادة العبد العظمى أن يكون ضيفاً على مولاه ، المولى المستجمع لجميع صفات الجمال والكمال بلا نهاية ، فما أعظم الضيافة الإلهية ، وأنّ مائدته مائدة الكمالات والفيوضات والرحمات العامة والخاصة ، فعلى مائدة الله سبحانه العلوم والمعارف ، ولذّة المناجاة مع ربّ الأرباب ، وما أروع تلك الضيافة والوفادة على الله الكريم :
وفدت على الكريم بغير زاد *** من الحسنات والقلب السليم
فحمل الزاد أقبح كلّ شيء *** إذا كان الوفود على الكريم
فالله سبحانه دعا عباده في الدنيا والآخرة ليكونوا وفوده وضيوفه ، فمن ضيافته العامة لجميع المكلّفين والمكلّفات صيام شهر رمضان المبارك ، وعلى مائدة كتابه الكريم ـ ولكل شيء ربيع ، وربيع القرآن شهر رمضان ـ إذا راعى آداب الضيافة وشملته الرحمة الرحيمية الخاصة ، فإنّه يدعى في ليلة القدر إلى ضيافة خاصة ليكون وفداً على الله سبحانه في بيته الحرام ، ليطوف حوله مبتهجاً بذكره وحبّه وشوقه . فالحجاج الكرام ضيوف الرحمن ، دعاهم الله عزّ وجلّ إلى ضيافته في ليلة القدر ، فسجّل لهم صكّ الحج ـ كما في روايات ليلة القدر[1] ـ .
ولا يخفى أنّ الضيافة الإلهية تعني الضيافة المعنوية والروحية ، وأ نّها ضيافة الأسماء الحسنى والصفات العليا ، لا يقف عليها إلاّ الخواص ، ولا أتعرّض لها خوفاً على العامة ومن أرادها فليطلبها من مضانّها ومن أهلها ، ولا يلقّاها إلاّ ذو حظٍّ عظيم.
اُحبّ الصالحين ولست منهم *** لعلّ الله يرزقني صلاحاً
ومن الضيافة الخاصّة زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) وأنّ زوّاره ضيوف الله ، وبنظري هذه الضيافة أخصّ من الضيافة الخاصة وأ نّها تعدل ألف ألف حجّة مبرورة وعمرة مقبولة ، فزوّاره الكرام أكرم وفود الله يوم القيامة ، فيكرمهم بما لم يخطر على قلب بشر ، وإنّه أكرم الأكرمين.
ولا يخفى أنّ بعض الضيوف أكرم من بعض ، كما عند الناس ، فكذلك عند الله سبحانه فـ (إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُمْ)[2] ، ومن التقوى ولاية الأئمة الأطهار (عليهم السلام) المتمثّلة بولاية الإمام الرضا (عليه السلام) ، ومن مظاهرها الزيارة ، فزائره من أكرم وفود الله يوم القيامة ، وإليك الحديث الشريف الدالّ على ذلك :
عن الهروي قال : سمعت الرضا (عليه السلام) يقول :
إنّي ساُقتل بالسم مسموماً ومظلوماً ، واُقبر إلى جنب هارون ، ويجعل الله عزّ وجلّ تربتي مختلف شيعتي وأهل بيتي ، فمن زارني في غربتي وجبت له زيارتي يوم القيامة ، والذي أكرم محمّداً (صلى الله عليه وآله) بالنبوّة واصطفاه على جميع الخليقة ، لا يصلّي أحد منكم عند قبري ركعتين إلاّ استحقّ المغفرة من الله يوم يلقاه ، والذي أكرمنا بعد محمّد (صلى الله عليه وآله) بالإمامة وخصّنا بالوصية ، إنّ زوّار قبري لأكرم الوفود على الله يوم القيامة ، وما من مؤمن يزورني فتصيب وجهه قطرة من السماء ، إلاّ حرّم الله عزّ وجلّ جسده على النار[3].
[1]ذكرت ذلك في كتاب ( فاطمة الزهراء (عليها السلام) ليلة القدر ) ، مطبوع ، فراجع.
[2]الحجرات : 13.
[3]البحار 99 : 36 ، عن العيون 2 : 256.
![]() |
![]() |
![]() |