![]() |
![]() |
![]() |
نعتقد بأنّ الله سبحانه وتعالى واجب الوجود لذاته ، مستجمع جميع الصفات الكمالية والجمالية ، وإنّ من صفاته الجلالية أ نّه ليس بجسم ولا جسماني ، وليس كمثله شيء ، وليس كما يقوله الوهابية وآل سعود أ نّه جسم كما يليق بذاته لا كالأجسام التي نراها ـ كما حدّثني بذلك بعض مشايخهم في المدينة المنوّرة ـ فإنّه عزّ وجلّ منزّه عن ذلك كلّه ; للزومه التركيب والاحتياج ، وأ نّه هو الغني بالذات.
ثمّ سبحانه وتعالى يتجلّى في الإنسان الكامل بصفاته العليا وأسماءه الحسنى ، لا بذاته لتجرّده . والإنسان الكامل الذي هو أشرف المخلوقات إنّما هو : سيّد المرسلين وخاتم النبيين محمّد (صلى الله عليه وآله) ، ولولاه لما خلق الله الأفلاك ، فهو سرّ الوجود وغايته ، وهو جامع الجمع ، ومن بعده : سيّد الوصيين وإمام المتّقين علي (عليه السلام) ، فقد اشتقّ نوره من نوره ، كما اشتقّ نور النبيّ من نور الله جلّ جلاله ، ثمّ : الأئمة الأبرار والأنبياء الأطهار ، ثمّ : العلماء الصلحاء الأخيار ، الأمثل فالأمثل ، فإنّ العلماء ورثة الأنبياء.
فزيارة الله في عرشه كإطاعته وبيعته ، فمن يبايع النبي الإنسان الكامل ، فإنّه يبايع الله سبحانه ، ومن يطع الرسول فقد أطاع ربّه جلّ جلاله ، وزيارته زيارة نبيّه وأولياءه ، كما يدلّ على ذلك ما جاء في الروايات الشريفة[1].
عن الهروي قال : قلت للرضا (عليه السلام) : يا ابن رسول الله ، ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث : إنّ المؤمنين يزورون ربّهم من منازلهم في الجنّة ؟ فقال (عليه السلام) :
يا أبا الصلت ، إنّ الله تبارك وتعالى فضّل نبيّه محمّداً (صلى الله عليه وآله) على جميع خلقه من النبيّين والملائكة ، وجعل طاعته طاعته ، ومبايعته مبايعته ، وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته ، فقال الله عزّ وجلّ : (وَمَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطَاعَ اللهَ)[2] ، وقال : (إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ)[3] ، وقال النبي (صلى الله عليه وآله) : إنّ الذي زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله تعالى ، ودرجة النبي (صلى الله عليه وآله) في الجنّة أرفع الدرجات ، فمن زاره في درجته في الجنّة من منزله فقد زار الله تبارك وتعالى[4].
وبمثل هذه الأحاديث الشريفة نعرف عظمة الأئمة الأطهار ، وأ نّهم القدوة الصالحة والاُسوة الحسنة ، وأ نّهم أئمة يهدون إلى الحق :
(أفَمَنْ يَهْدِي إلى الحَقِّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ أمْ مَنْ لا يَهْدِّي إلاّ أنْ يُهْدى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)[5] ؟
إنّهم معادن الحكمة والمعرفة ومهبط الوحي والرسالة ، في بيوتهم نزل الكتاب ، وعندهم فصل الخطاب ، ولولاهم لما عُرف الله ولما عُبد ، فهم باب الله الذي منه يؤتى ، وباب الله الذي إليه يتوجّه الأولياء ، والسبب المتّصل بين الأرض والسماء ، وحبل الله القويم وصراطه المستقيم ، وكيف لا تكون زيارتهم زيارة الله في عرشه ؟
أمالي الصدوق والعيون بسندهما عن سليمان بن حفص قال : سمعت موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول :
من زار قبر ولدي علي كان له عند الله عزّ وجلّ سبعون حجّة مبرورة.
قلت : سبعين حجّة مبرورة ؟
قال : نعم سبعين ألف حجّة.
قلت : سبعين ألف حجّة ؟
قال : فقال : ربّ حجّة لا تقبل ، من زاره أو بات عنده ليلة ، كان كمن زار الله في عرشه.
قلت : كمن زار الله في عرشه ؟
قال : نعم ، إذا كان يوم القيامة كان على عرش الله عزّ وجلّ أربعة من الأوّلين وأربعة من الآخرين ، فأ مّا الأوّلون فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، وأمّا الأربعة الآخرون فمحمّد وعلي والحسن والحسين ، ثمّ يمدّ المطمر فيقعد معنا زوّار قبور الأئمة ، إلاّ أن أعلاها درجة وأقربهم حبوة زوّار قبر ولدي علي (عليه السلام)[6].
قال شيخنا الأجلّ العلاّمة المجلسي في بيانه : المطمر خيط للبناء ، يقدّر به ، ويؤيّده ما مرّ سابقاً ، ولعلّ مدّه ليدخل فيه من كان من أوليائهم ويخرج عنه مخالفوهم ، وفي بعض نسخ الكافي : ثمّ يمدّ الطعام.
والحبوة : العطية ، والحبوة أيضاً : الاحتباء بالثوب بأن يجمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها ، وهنا يحتمل المعنيين[7].
فمن يزور الإمام (عليه السلام) يزور الله في عرشه ويكون على مائدة الأسماء الحسنى والصفات العليا.
[1]لقد ذكرت تفصيل ذلك في ( الإمام الحسين (عليه السلام) في عرش الله ).
[2]النساء : 80 .
[3]الفتح : 10.
[4]البحار 97 : 140 ، عن العيون 1 : 115.
[5]يونس : 35.
[6]البحار 99 : 35 ، عن العيون 2 : 295 ، والأمالي : 120 ، وكامل الزيارات : 307.
[7]البحار 99 : 42.
![]() |
![]() |
![]() |