من الواضح أنّ المعرفة من الكلّي ذات التشكيك ، فلها مراتب طولية وعرضية ، والتشكيك في الكليات إمّا بالأولوية أو أوّلية أو الشدّة والضعف ، ومن القسم الثالث العلم والمعرفة ، كالنور والبياض فإنّه يختلف بالشدّة والضعف ، فالمعرفة ذات مراتب وأقسام ، ومن اُمّهات الأقسام والمراحل ، إمّا أن تكون المعرفة حسّية تبتني على الحواسّ الخمسة الظاهريّة ، أو معرفة عقليّة تبتني على الحواسّ الخمسة الباطنيّة ، واصطلح على الاُولى بالمعرفة النارية ، كما اُطلق على الثانية بالمعرفة النوريّة.
فمعرفة الأشياء تارةً حسّية ناريّة واُخرى عقليّة نوريّة ، ولهما مراتب إلى ما شاء الله كما ورد في معرفة الله سبحانه في الأحاديث الشريفة تارةً بقولهم (عليهم السلام)أدنى معرفة الله ، واُخرى أعلى معرفة الله ، وهذا يدلّ على اختلاف المعرفتين ، كما يدلّ على تقسيم الناس إلى طائفتين العوامّ والخواصّ ، فمعرفة العوامّ لا محالة تختلف عن معرفة الخواصّ.
ومعرفتنا لأئمتنا الأطهار (عليهم السلام) تارةً بالمعرفة العاميّة كمعرفة أكثر الناس ، واُخرى بمعرفة خاصّة ، يقف عليها أصحاب السرّ ككميل بن زياد عندما يسأل أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) عن الحقيقة ، فيقول (عليه السلام) : ما لك والحقيقة ؟ فيقول كميل : أوَ لست بصاحب سرّك ؟ فيقول (عليه السلام) : بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح منّي . فقال كميل : أوَ مثلك يخيب سائلا ؟ فيقول (عليه السلام) : الحقيقة : كشف سبحات الجلال من غير إشارة ، فقال كميل : زدني فيه بياناً . قال (عليه السلام) : صحو الموهوم مع محو المعلوم . فقال كميل : زدني فيه بياناً ، فقال (عليه السلام) : هتك السرّ لغلبة الستر . فقال كميل : زدني فيه بياناً ، فقال (عليه السلام) : نور يشرق من صبح الأزل ، فيلوح على هياكل التوحيد آثاره . قال كميل : زدني فيه بياناً ، فقال (عليه السلام) : أطف السراج فقد طلع الصبح.
فمثل كميل يقال له الأسرار الخفيّة من المعارف الإلهيّة ، وإنّما نعرف المعصومين (عليهم السلام) من خلال كلماتهم وأحاديثهم الشريفة فهم أعرف بحالاتهم ومقاماتهم ، وما قالوه وما عرفناه إنّما هو معشار عشر ، أي واحد بالمئة.
والمقصود من هذه الرسالة الموجزة الإشارة إلى المعرفتين العامّة والخاصّة وفتح أبواب جديدة لمن أراد أن يعرف الأربعة عشر معصوماً (عليهم السلام) بشيء من المعرفة الظاهريّة والمعرفة النوريّة.