النور في القرآن الكريم

ثمّ النور في القرآن الكريم من المشترك اللفظي له معان عديدة ، فقد سألوا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عن أقسام النور في القرآن المجيد ، فقال (عليه السلام) :

النور القرآن ، والنور اسم من أسماء الله تعالى ، والنور التوراة ، والنور القمر ، والنور ضوء المؤمن ، وهو الموالاة التي يلبس بها نوراً يوم القيامة ، والنور في مواضع من التوراة والإنجيل والقرآن حجّة الله عزّ وجلّ على عباده ، وهو المعصوم ـ النبيّ أو الإمام ـ .

1 ـ النور / القرآن :

لمّـا كلّم الله تعالى موسى بن عمران (عليه السلام) أخبر بني إسرائيل فلم يصدّقوه فقال لهم : ما الذي يصحّح ذلك عندكم ؟

قالوا : سماعه.

قال : فاختاروا سبعين رجلا من خياركم.

فلمّـا خرجوا معه ، أوقفهم وتقدّم ، فجعل يناجي ربّه سبحانه ويعظّمه ، فلمّـا كلّمه ، قال لهم موسى : أسمعتم ؟

قالوا : بلى ، ولكنّا لا ندري أهو كلام الله تعالى أم لا ؟ فليظهر لنا حتّى نراه ! فنشهد لك عند بني إسرائيل.

فلمّـا قالوا ذلك ، صعقوا فماتوا . فلمّـا أفاق موسى ممّـا تغشّاه ورآهم جزع وظنّ أ نّهم إنّما هلكوا بذنوب بني إسرائيل ، فقال : يا ربّ ، أصحابي وإخواني ، أنست بهم وأنسوا بي ، وعرفتهم وعرفوني :

( أتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إنْ هِيَ إلاّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدي مَنْ تَشاءُ أنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأنْتَ خَيْرُ الغافِرين ).

فقال تعالى :

( عَذابي اُصيبُ بِهِ مَنْ أشاءُ وَرَحْمَتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء ).

إلى قوله سبحانه :

( النَّبِيّ الاُمِّيَّ الَّذي يَجِدونَهُ مَكْتوباً عِنْدَهُمْ في التَّوْراةِ وَالإنْجيل يَأمُرْهُمْ بِالمَعْروفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلَّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّم عَلَيْهِمُ الخَبائِثَ وَيَضَعْ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذينَ آمَنوا بِهِ وَعَزَروهُ وَنَصَروهُ وَاتَّبَعوا النُّورَ الَّذي اُنْزِلَ مَعَهُ اُوْلئِكَ هُمُ المُفْلِحون ).

فالنور في هذا الموضع هو القرآن.

ومثله في سورة التغابن ، قوله تعالى :

( فَآمِنوا بِاللهِ وَرَسولِهِ وَالنُّورِ الَّذي أنْزَلْنا ).

يعني سبحانه القرآن ، وجميع الأوصياء المعصومين حملة كتاب الله عزّ وجلّ ، وخزنته وتراجمته ، الذين نعتهم الله في كتابه فقال :

( وَما يَعْلَمُ تأويلَهُ إلاّ اللهُ وَالرَّاسِخونَ في العِلْمِ يَقولونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ).

فهم المبعوثون الذين أنار الله سبحانه بهم البلاد ، وهدى بهم العباد.

2 ـ النور / المعصوم :

قال الله تعالى في سورة النور :

( اللهُ نورُ السَّماواتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نورِهِ كَمِشْكاة فيها مِصْباحٌ المِصْباحُ في زُجاجَة الزُّجاجَةُ كَأ نَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ).

إلى آخر الآية الشريفة.

فالمشكاة : رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والمصباح : الوصيّ والأوصياء (عليهم السلام) ، والزجاجة فاطمة ، والشجرة المباركة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والكوكب الدرّي : القائم المنتظر الذي يملأ الأرض عدلا.

ثمّ قال تعالى :

( يَكادُ زَيْتُها يُضيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ ).

أي ينطق به ناطق.

ثمّ قال تعالى :

( نورٌ عَلى نور يَهْدي اللهُ لِنورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْء عَليم ).

ثمّ قال عزّ وجل :

( في بُيوت أذِنَ اللهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيها اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فيها بِالغُدُوِّ وَالآصالِ رِجالٌ لا تُلْهيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإقامِ الصَّلاةِ وَإيْتاءِ الزَّكاة ).

وهم الأوصياء.

3 ـ النور / التوراة :

قال الله تعالى في سورة الأنعام في ذكر التوراة وأ نّها نور :

( قُلْ مَنْ أنْزَلَ الكِتابَ الَّذي جاءَ بِهِ موسى نوراً وَهُدَىً لِلنَّاس ).

4 ـ النور / القمر :

قال الله تعالى في سورة يونس :

( هُوَ الَّذي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالقَمَرَ نوراً ).

ومثله في سورة نوح (عليه السلام) قوله تعالى :

( وَجَعَلَ القَمَرَ فيهِنَّ نوراً ).

5 ـ النور / النهار :

وقال سبحانه :

( الحَمْدُ للهِ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأرْض وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّور ).

يعني الليل والنهار.

6 ـ النور / الإيمان :

قال سبحانه في سورة البقرة :

( اللهُ وَلِيُّ الَّذينَ آمَنوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ ).

يعني من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، فسمّى الإيمان ها هنا نوراً.

ومثله في سورة إبراهيم (عليه السلام) :

( لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّور ).

7 ـ النور / الإسلام :

قال عزّ وجلّ في سورة الصفّ :

( يُريدونَ لِيُطْفِئوا نورَ اللهِ بِأفْواهِهِمْ ).

يعني نور الإسلام بكفرهم وجحودهم.

وقال سبحانه في سورة النساء :

( وَأنْزَلْنا إلَيْكُمْ نوراً مُبيناً ).

وفي سورة النور :

( يَهْدي اللهُ لِنورِهِ مَنْ يَشاء ).

8 ـ النور / ضوء المؤمن :

قال سبحانه في سورة الحديد في ذكر المؤمنين :

( يَسْعى نورُهُمْ بَيْنَ أيْديهِمْ وَبِأيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ اليَوْمَ جَنَّات تَجْري مِنْ تَحْتِها الأنْهارُ ).

وفيها :

( انْظُرونا نَقْتَبِسْ مِنْ نورِكُمْ ).

أي نمشي في ضوئكم . ومثل هذا في القرآن كثير.

وقوله تعالى :

( يَوْمَ تَرى المُؤْمِنينَ يَسْعى نورُهُمْ بَيْنَ أيْديهِمْ وَبِأيْمانِهِمْ ).

قال : يقسمّ النور بين الناس يوم القيامة على قدر إيمانهم ، يقسّم للمنافق فيكون نوره في إبهام رجله اليسرى ، فينظر نوره ثمّ يقول للمؤمنين : مكانكم حتّى أقتبس من نوركم ، فيقول المؤمنون لهم :

( ارْجعوا وَراءَكُمْ فَالَْتمِسوا نوراً )[1].


[1]جامع الأخبار والآثار ـ كتاب القرآن ـ القسم الأوّل 3 : 106 ـ 109.

مراتب المعرفة