الأنوار القدسية - نبذة من سيرة المعصومين

السيد عادل العلوي

المقدّمة

الحمد لله النور الذي خلق النور من النور ، والصلاة والسلام على سيّد الأنوار الإلهيّة محمّد وآله وشيعته خير البريّة ، واللعن الدائم على أعدائهم ومنكري فضائلهم شرّ البريّة.

تعريف النور :

الإنسان ذلك الكائن الذي لا يزال مجهولا ، وقد خلقه الله بقدرته وجعله بين خلقه بعقله ونفسه الناطقة مكرّماً ، وسخّر له ما في السماوات والأرض ، وحمّله الأمانة الإلهيّة ، ليكون خليفته في أرضه ، وحاملا أسماءه الحسنى ، ومظهراً لصفاته العليا.

هذا الإنسان العظيم عندما يضع قدمه على الأرض ، ويفتح عينه ليرى ما حوله من صنيع الله سبحانه ، فإنّه أوّل ما يرى من مخلوقات الله هو النور ، وبالنور يشاهد الأشياء كلّها.

والنور الحسّي كنور الشمس ونور الضوء وعود الكبريت من المحسوسات البديهيّة يعرفه كلّ ذي مسكة وعقل ، وما يقال في تعريفه وحدّه فهو من باب شرح الاسم ، وإشارة إلى ما هو المرتكز في وجدان الإنسان ، وما عرفه وعلم به من قبل ، فعرّقوا النور بأ نّه ( الظاهر بنفسه والمظهر لغيره ) ، فلو دخلنا بيتاً لم يكن فيه النور فلا نرى إلاّ الظلمة ، ونجهل الأشياء حينئذ ، والجهل من الظلمة ، وما أن نشعل السراح والضوء إلاّ ونرى نوره ، ونرى الأشياء الموجودة في البيت كالكتب والمكتبة والطاولة والمروحة وما شابه ذلك.

ثمّ هذا التعريف ( الظاهر بنفسه والمظهر لغيره ) ينطبق على اُمور اُخرى كالوجود والعلم والمعرفة ، فإنّ الوجود عند الفلاسفة المشائيين ، بناء على أصالة الوجود :

إنّ الوجود عندنا أصيل *** دليل من خالفنا عليل

خلافاً للإشراقيين القائلين بأصالة الماهية :

إنّ الأصيل عندنا الماهية *** دليل من خالفنا واهية

فالوجود لشدّة بداهته في غاية الخفاء ، إلاّ أ نّه من باب شرح الاسم أيضاً عرّفوه بتعاريف ، فمنها : الظاهر بنفسه والمظهر لغيره ، فإنّ الماهية من حيث هي هي ليست إلاّ هي ، لا موجودة ولا معدومة ، إلاّ أ نّها عندما تتلبّس بالوجود تكون موجودة ، فوجودها وظهورها بشرف الوجود وظهوره ، وكذلك العلم والمعرفة ، فإنّه من النور الظاهر بنفسه والمظهر لغيره.

وإنّ العلم نورٌ يقذفه الله في قلب من يشاء أن يهديه.

وجاء في مفردات الراغب : النور الضوء المنتشر الذي يعين على الإبصار وذلك ضربان : دنيوي واُخروي ، فالدنيوي ضربان : ضرب معقول بعين البصيرة ، وهو ما انتشر من الاُمور الإلهيّة كنور العقل ونور القرآن ، ومحسوس بعين البصر ، وهو ما انتشر من الأجسام النيّرة كالقمرين والنجوم والنيران.

فمن النور الإلهي قوله تعالى :

( قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نورٌ وَكِتابٌ مُبين ).

وقال :

( وَجَعَلْنا لَهُ نوراً يَمْشي بِهِ في النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ في الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِج مِنْها ).

وقال :

( ما كُنْتَ تَدْري ما الكِتابُ وَلا الإيْمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نوراً تَهْدي بِهِ مَنْ تَشاءُ مِنْ عِبادِنا ).

وقال :

( أفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فؤهُوَ عَلى نور مِنْ رَبَّهِ ).

وقال :

( نورٌ عَلى نور يَهْدي اللهُ لِنورِهِ مَنْ يَشاءُ ).

ومن المحسوس الذي بعين البصر ، نحو قوله :

( هُوَ الَّذي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالقَمَرَ نوراً ).

وتخصّص الشمس بالضوء والقمر بالنور من حيث إنّ الضوء أخصّ من النور ، قال :

( وَقَمَراً مُنيراً ).

أي ذا نور ، وممّـا هو عامّ فيهما قوله :

( وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّور ).

وقوله :

( وَيَجْعَلْ لَكُمْ نوراً تَمْشونَ بِهِ ).

( وَأشْرَقَتِ الأرْضُ بِنورِ رَبِّها ).

ومن النور الاُخروي قوله :

( يَسْعى نورُهُمْ بَيْنَ أيْديهِمْ ).

( وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ نورهُمْ يَسْعى بَيْنَ أيْديهِمْ وَبِأيْمانِهِمْ يَقولونَ رَبَّنا أتْمِمْ لَنا نورَنا ).

( انْظُرونا نَقْتَبِس مِنْ نورِكُمْ ).

( فَالَتمِسوا نوراً ).

ويقال : أنار الله كذا ونوره ، وسمّى الله تعالى نفسه نوراً من حيث إنّه هو المنوّر ، قال :

( اللهُ نورُ السَّماواتِ وَالأرْض ).

وتسميته تعالى بذلك لمبالغة فعله ، والنار تقال للهيب الذي يبدو للحاسّة . قال :

( أفَرَأيْتُمُ النَّارَ الَّتي تورون ).

وقال بعضهم : النار والنور من أصل واحد ، وكثيراً ما يتلازمان ، لكن النار متاع للمقوين في الدنيا ، والنور متاع لهم في الآخرة . ولأجل ذلك استعمل في النور الاقتباس فقال :

( نَقْتَبِسْ مِنْ نورِكُمْ ).

وتنوّرت ناراً أبصرتها ، والمنارة مفعلة من النور أو من النار ، كمنارة السراج أو ما يؤذّن عليه ، ومنار الأرض أعلامها[1].


[1]مفردات الراغب : 530 ، حرف النون ( نور ).

النور في القرآن الكريم