![]() |
![]() |
![]() |
إنّ الله أمر في كتابه الكريم بإقامة الصلاة ، وإنّها عمود الدين إن قُبلت قُبل ما سواها وإن ردّت رُدّ ما سواها ، وإنّها معراج المؤمن وقربان كلّ تقيّ ، وإنّها خير ما يتقرّب به إلى الله سبحانه . إلاّ أنّ هذه الصلاة مع هذه المنزلة العظيمة التي بني الإسلام عليها ، وأ نّها عنوان المسلم ، والفارق بينه وبين الكافر ، لا تُقبل هذه الصلاة إلاّ بالصلاة على محمّد وآله (عليهم السلام) .
أخرج البيهقي والدارقطني وابن حجر في صواعقه عن ابن مسعود قال :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (من صلّى صلاة لم يصلّ فيها عليّ ولا على أهل بيتي لم تُقبل منه)[1] .
وعن جابر أ نّه كان يقول : (لو صلّيت صلاة لم اُصلّ فيها على محمّد وآل محمّد ما رأيت أ نّها تُقبل) .
وقال الشافعي :
يا أهل بيت رسول الله حُبّكمُ *** فرضٌ من الله في القرآن أنزله
كفاكمُ من عظيم القدرِ أ نّكمُ *** مَن لم يُصلّ عليكم لا صلاة له
أخرجه أحمد في مسنده ، والشبلنجي في نور الأبصار ، وابن حجر في صواعقه .
فأجمع أهل القبلة على لزوم الصلاة على محمّد وآله (عليهم السلام) في تشهّد الصلاة .
ولا يخفى أنّ اُصول الدين وفروعه تتجلّى في الصلاة ، فهي روح الإسلام وجوهره وأساسه ، وجوهر الصلاة وروحه هي الصلاة على محمّد وآله (عليهم السلام) ، وهذه الصلاة هي شعار الولاية ومرآتها ، فهي من الدعاء للنبيّ وآله الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين ، فالولاية روح الصلاة والصلاة روح الإسلام ، ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ، ومن يبتغ غير الولاية ، فلا يقبل منه .
فالصلاة على محمّد وآله (عليهم السلام) من الشعائر الإلهيّة ، ومن يعظّم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب ، وإنّها شعار إيماني صادق لشعور ولائي حقّ ، يُنبئ عن صدق الإيمان ورسوخه في صميم وجود المؤمن بالمعنى الخاصّ . فهو فرض في الصلوات الواجبة والمستحبّة ، وندب في غيرها .
وعند أبناء العامّة : (فرض على الجملة غير محدّد بوقت ، لأمر الله تعالى بالصلاة عليه ، وحمل الأئمة والعلماء له على الوجوب وأجمعوا عليه . وحكى أبو جعفر الطبري أنّ محمل الآية عنده على الندب وادّعي فيه الإجماع ، ولعلّه فيما لو زاد على مرّة ، والواجب منه الذي يسقط به الحرج ومن ثمّ ترك الفرض مرّة . كالشهادة له بالنبوة وما عدا ذلك فمندوب مرغب فيه من سنن الإسلام وشعار أهله . قال القاضي أبو الحسن بن القصّار : المشهور بين أصحابنا أنّ ذلك واجب في الجملة على الإنسان وفرض عليه أن يأتي بها مرّة من دهره مع القدرة على ذلك .
وقال القاضي أبو بكر بن بكير : افترض الله على خلقه أن يصلّوا على نبيّه ويسلّموا تسليماً ولم يجعل ذلك لوقت معلوم ، فالواجب أن يكثر المرء منها ولا يغفل عنها .
وقال القاضي أبو محمّد بن نصر : الصلاة على النبيّ واجبة في الجملة .
قال القاضي أبو عبد الله محمّد بن سعيد : ذهب مالك وأصحابه وغيرهم من أهل العلم أنّ الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) فرض في الجملة بعقد الإيمان ، لا تتعيّن في الصلاة وإنّ من صلّى عليه مرّة واحدة من عمره سقط الفرض عنه . وقال أصحاب الشافعي : الفرض منها الذي أمر الله تعالى به ورسوله (صلى الله عليه وآله) هو في الصلاة . وقالوا : وأمّا في غيرها فلا خلاف أ نّها غير واجبة ...)[2] .
ثمّ لا يخفى أ نّه وقع نزاع بين أصحابنا الإماميّة الكرام في تعيين مصداقيّة آل في الصلوات في الصلاة الواجبة أو المستحبّة ، يعني عندما يقول المصلّي في تشهّده (اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد) من يقصد من الآل الذي لا بدّ منه ، بحيث لو لم يقصد لبطلت صلاته ؟
فذهب جمع إلى أنّ المقصود خصوص أصحاب الكساء أي الآل بالمعنى الأخصّ[3] .
وممّـا يستدّل به في روايات أبناء العامّة على أنّ الصلاة لا تقبل إلاّ بالصلاة على محمّد وآله ما جاء في سنن الدارقطني[4] بسنده عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من صلّى صلاة لم يصلّ فيها عليّ ولا على أهل بيتي لم تقبل منه .
وفي سنن البيهقي[5] عن أبي مسعود ، قال : لو صلّيت صلاة لا اُصلّي فيها على آل محمّد لرأيت أنّ صلاتي لا تتمّ .
وعن جابر كذلك[6] . وكذلك في الصواعق المحرقة[7] ونور الأبصار[8] .
وفي مستدرك الصحيحين[9] ، بسنده عن ابن مسعود عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أ نّه قال : إذا تشهّد أحدكم في الصلاة فليقل : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وبارك على محمّد وعلى آل محمّد وارحم محمّداً وآل محمّد كما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد[10] .
وفي مسند الإمام الشافعي[11] ، بسنده عن أبي هريرة أ نّه قال : يا رسول الله كيف نصلّي عليك ؟ يعني في الصلاة ، فقال : تقولون اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وبارك على محمّد وآل محمّد كماباركت على إبراهيم ، ثمّ تسلّمون عليّ[12] .
وفي هذا الباب روايات كثيرة ، وللرازي كلام على ما ذكره ابن حجر[13]يناسب ذكره في هذا المقام ، قال : وذكر الفخر الرازي أنّ أهل بيته (صلى الله عليه وآله) يساوونه في خمسة :
في السلام ، قال : (السلام عليك أ يّها النبيّ) وقال : (سلامٌ على آل ياسين) .
وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهّد .
وفي الطهارة ، قال تعالى (طه) أي طاهر وقال : (ويطهّركم تطهيراً) .
وفي تحريم الصدقة .
وفي المحبّة ، قال تعالى : (فاتبعوني يحببكم الله) ، وقال : (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى) .
وجاء في تفسير الكشّاف للزمخشري من أعلام العامّة[14] ، في ذيل الآية الشريفة ( إنَّ الله وملائكته يصلّونَ على النَّبِيِّ ... ) . قال :
وفي القول البديع[15] : وأمّا حكمها فقد قال شيخنا (رحمه الله) : إنّ حاصل ما وقف عليه من كلام العلماء فيه عشرة مذاهب أوّلها : قول ابن جرير الطبري وغيره أ نّها من المستحبّات . ثانيها : إنّها واجبة في الجملة بغير حصر لكن أقلّ ما يحصل به الإجزاء مرّة ـ ثمّ يذكر اختلاف علماء العامّة في ذلك مع ذكر المدارك والمساند فراجع ، وإنّه يذهب إلى وجوبها في تشهّد كلّ صلاة كما عند الإمام الشافعي ـ .
وأمّا عند فقهائنا الأعلام ، فقد دلّت الأدلّة على لزومها ووجوبها في كلّ تشهّد من الصلاة ، ومن تركها متعمّداً أبطل صلاته .
ففي جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام[16] بعد ذكر ما يجب في التشهّد من الأشياء الخمسة ، وهي الجلوس بقدر التشهّد والشهادتان والرابع والخامس الصلاة على النبيّ وآله (عليهم السلام) ، قال : بلا خلاف محقّق أجده فيه ، بل في الغنية والتذكرة والمنتهى والذكرى وكنز العرفان وعن المعتبر والحبل المتين وغيرها الإجماع عليهما صريحاً ، ونفي الخلاف عنه في المبسوط وغيره ، بل عن الناصريّات وموضع من الخلاف الإجماع أيضاً على وجوب الصلاة على النبيّ في التشهّد الأوّل ، وعن موضع آخر من الثاني (أنّ أدنى التشهّد الشهادتان والصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وفي مفتاح الكرامة عنه أيضاً الإجماع على وجوب الصلاة على الآل في التشهّد ، وفي كشف الحقّ : (إجماع الإماميّة على وجوب الصلاة على النبيّ وآله (عليهم السلام) في التشهّدين) ، وكيف كان فيمكن تحصيل اتّفاق الأصحاب على ذلك ... ثمّ ينقل المصنّف ما يظهر من مخالفة الصدوقين ـ الوالد والولد ـ إلاّ أ نّه يجيب عنهما كما أنّ مخالفتهما لا يضرّ بالإجماع ثمّ يقول: مضافاً إلى ما عرفت بما رواه في الوسائل عن ابن بابويه في الفقيه بسنده عن حمّـاد عن زرارة وأبي بصير جميعاً قالا في حديث : (قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إنّ الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) من تمام الصلاة إذا تركها متعمّداً فلا صلاة له ، إذا ترك الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله))، وفي الحدائق : ظنّي أ نّي وقفت عليه في الكتاب حين قرأه عليّ بعض الإخوان، ولكن لا يحضرني الآن ، قلت: فحينئذ هو غير الصحيح الذي رواه الشيخ في التهذيب عن حمّـاد عن زرارة وأبي بصير أيضاً أ نّه قال أبو عبد الله (عليه السلام) : من تمام الصوم إعطاء الزكاة كما أنّ الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) من تمام الصلاة ، ومن صام ولم يؤدّها فلا صوم له إذا تركها متعمّداً ، ومن صلّى ولم يصلّ على النبيّ وترك ذلك متعمّداً فلا صلاة له إنّ الله تعالى بدأ بها فقال: ( قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) ، والمراد من الاستدلال بالآية البدأة بالزكاة التي صدر بها الخبر المزبور ، ويحتمل أن يراد الصلاة على النبيّ من التزكّي لقول الصادق (عليه السلام) في خبر محمّد بن مروان : (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : صلاتكم عليّ إجابة لدعائكم وزكاة لأعمالكم) كما أ نّه يمكن أن يراد بقوله : ( وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) في الصلاة المعبّر عنها بذكر اسم ربّه ، كما عبّر عنها بذكر الله في غير موضع من الكتاب العزيز ، ولعلّ هو مراد الرضا (عليه السلام) حيث قال لرجل دخل عليه ما معنى قوله تعالى : ( وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) ؟ قال : كلّما ذكر اسم ربّه قام فصلّى ، فقال : لقد كلّف الله هذا شططاً . قال : فكيف هو ؟ فقال : كلّما ذكر اسم ربّه فصلّى على محمّد وآله) ، إلاّ أنّ المراد الصلاة على النبيّ عند ذكر الاسم حقيقة كما هو ظاهر الوسائل ، لأ نّه لم يذكر أحد استحباب ذلك ولا يعرفه أحد من فقهاء آل محمّد (عليهم السلام)، وبموثّق الأحول في الركعتين الأوّلتين المتقدّم سابقاً منضمّاً إلى صحيح البزنطي المتقدّم سابقاً أيضاً بناءً على أقلّ المجزى من الأجزاء ، فيتمّ حينئذ وجوبها في الشهادتين . وللبحث صلة فراجع كما يذكر المصنّف أحاديث اُخرى تدلّ على المطلوب من وجوب الصلاة على النبيّ وآله في تشهّد الصلاة . فثبت المطلوب .
[1]حقوق آل البيت : 42 ، عن البيهقي 2 / 379 ، والدراقطني : 136 ، وذخائر العقبى : 19 ، والصواعق المحرقة : 146 ـ 147 .
[2]الصلاة على النبيّ ; للقاضي عياض : 20 .
[3]لقد ذكرت المعاني التي وردت في الروايات والآيات بالنسبة إلى الكلمات الدالّة على الانتساب إلى رسول الله كالأولاد والأبناء والذرية والعترة والآل والأهل ، وأ نّها تأتي على معان أربعة ، فتارةً يقصد به المعنى الأخصّ كما في الأهل والآل فالمراد خصوص أصحاب الكساء واُخرى بالمعنى الخاصّ وهم خصوص الأئمة المعصومين (عليهم السلام) كما في حديث السفينة ، وثالثة بالمعنى العامّ وهم ذرّية النبيّ إلى يوم القيامة ، ورابعة بالمعنى الأعمّ يطلق على من يحمل صفاتهم وأخلاقهم وعلومهم كسلمان منّا أهل البيت . راجع في توضيح ذلك (المأمول في تكريم ذرّية الرسول) .
[4]سنن الدارقطني : 136 .
[5]سنن البيهقي 2 : 279 .
[6]ذخائر العقبى : 19 .
[7]الصواعق المحرقة : 88 .
[8]نور الأبصار : 104 .
[9]مستدرك الصحيحين 1 : 269 .
[10]سنن البيهقي 2 : 279 .
[11]مسند الإمام الشافعي : 23 .
[12]ذكره المتّقي في كنز العمّـال 4 : 103 ، وفي مشكل الآثار 3 : 75 .
[13]الصواعق: 89 .
[14]الكشّاف 2 : 438 .
[15]القول البديع : 24 ، حكم الصلاة .
[16]جواهر الكلام 10 : 253 .
![]() |
![]() |
![]() |