الصلوات عبادة

كثير من الاُمور التي توجب تعبيد الطريق إلى الله سبحانه ، فتجعل الإنسان في صراط مستقيم ونهج قويم ، وهذا شأن كلّ أمر عباديّ أمر الله به وندب إليه ، بل يمكن للإنسان أن يجعل كلّ أوقاته وحالاته ولحظاته وحياته في عبادة الله ، وذلك إذا كان منقطعاً إليه ، لا يرى شيئاً إلاّ ويرى الله قبله ومعه وبعده ، فيخشاه كأ نّه يراه ، ويكون لسانه بذكره لهجاً وقلبه بحبّه متيّماً ، حتّى تكون أعماله وأوراده كلّها ورداً واحداً ، فكلّ ما يصدر منه ينوي به التقرّب إلى الله سبحانه ، فيصبغ العمل حينئذ بصبغة إلهيّة ، ويكون من العبادة .

وهناك أعمال اُعدّت في ذاتها وجوهريّتها من العبادات ، وذلك عند اجتماع الشرائط العامّة والخاصّة ، كالصلوات والتهليل ـ لا إله إلاّ الله ـ والتسبيح ـ سبحان الله ـ والتحميد ـ الحمد لله ـ والتكبير ـ الله أكبر ـ  .

فقد قال الإمام الرضا (عليه السلام) : الصلاة على محمّد وآله تعدل عند الله عزّ وجلّ التسبيح والتهليل والتكبير .

ولا يخفى أنّ هناك علاقة وطيدة في الواقع وعالم المعنى بين الصلوات والتسبيح والتهليل والتكبير ، فإنّ الله عرف بأسمائه وصفاته من خلال الرسول الأعظم وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) (بنا عُرف الله ، بنا حُمد الله) ، فلولاهم ولولا هدايتهم ما كان يعرف الله ، وما عرفنا مقام التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ، وإذا أردت أن تعرف فضيلة هذه الأذكار فاقرأ معي هذا الخبر الشريف :

عن أمالي الصدوق بإسناده عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) قال : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسأله أعلمهم عن مسائل ، فكان فيما سأله أن قال له : يا محمّد ، أخبرني عن الكلمات التي اختارهن الله لإبراهيم (عليه السلام) حيث بنى البيت ، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : نعم ، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر . قال اليهودي : فبأيّ شيء بنى هذه الكعبة مربّعة ؟ قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : بالكلمات الأربع . قال : لأيّ شيء سمّيت الكعبة ؟ قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : لأ نّها وسط الدنيا . قال اليهودي : أخبرني عن تفسير سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : علم الله جلّ وعزّ أنّ بني آدم يكذبون على الله فقال : سبحان الله تبرّياً ممّـا يقولون ، وأمّا قوله : الحمد لله ، فإنّه علم أنّ العباد لا يؤدّون شكر نعمته فحمد نفسه قبل أن يحمدوه وهو أوّل الكلام لولا ذلك لما أنعم الله على أحد بنعمته ، وقوله : لا إله إلاّ الله يعني وحدانيّته لا يقبل الله الأعمال إلاّ بها ، وهي كلمة التقوى ، يثقل الله بها الموازين يوم القيامة ، وأمّا قوله : الله أكبر ، فهي كلمة أعلى الكلمات وأجلّها إلى الله عزّ وجلّ ، يعني أ نّه ليس شيء أكبر منّي لا تفتح الصلوات إلاّ بها لكرامتها على الله وهو الاسم الأعظم .

قال اليهودي : صدقت يا محمّد ، فما جزاء قائلها ؟ قال : إذا قال العبد : سبحان الله سبّح معه ما دون العرش فيعطى قائلها عشراً مثالها ، وإذا قال : الحمد لله أنعم الله عليه بنعيم الدنيا موصولا بنعيم الآخرة ، وهي الكلمة التي يقولها أهل الجنّة إذا دخلوها ، وينقطع الكلام الذي يقولونه في الدنيا ما خلا الحمد لله ، وذلك قوله عزّ وجلّ : ( دَعْواهُمْ فيها سُبْحانَكَ اللّهُمَّ وَتَحِيَّتهُمْ فيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمين ) ، وأمّا قوله : لا إله إلاّ الله ، فالجنّة جزاؤه وذلك قوله عزّ وجلّ : ( هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ إلاّ الإحْسانُ ) يقول : هل جزاء لا إله إلاّ الله إلاّ الجنّة ، فقال اليهودي : صدقت يا محمّد[1] .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ذكر الله عزّ وجلّ عبادة ، وذكري عبادة ، وذكر عليّ عبادة ، وذكر الأئمة من ولده عبادة[2] .

أقول : قولنا : (اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد) يجمع كلّ العبادة ، فإنّ فيه ذكر الله (اللهمّ) كان بالأصل يا الله (صلّ على محمّد) ذكر محمّد (وآل محمّد) ذكر عليّ والأئمّة الأطهار (عليهم السلام) .

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال له رجل : جعلت فداك ، أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى وما وصف من الملائكة : ( يُسَبِّحونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْترون ) ثمّ قال : ( إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّموا تَسْليماً ) كيف لا يفترون وهم يصلّون على النبيّ (صلى الله عليه وآله) ؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : إنّ الله تبارك وتعالى لمّـا خلق محمّداً (صلى الله عليه وآله) أمر الملائكة فقال : انقصوا من ذكري بمقدار الصلاة على محمّد ، فقول الرجل في صلّى الله على محمّد في الصلاة ، مثل قوله سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر[3] .


[1]بحار الأنوار 90 : 167 ، عن الأمالي : 113 .

[2]المصدر : 69 ، عن الاختصاص : 224 .

[3]المصدر ، عن جمال الاسبوع : 235 .

15

15