![]() |
![]() |
![]() |
قال الله تعالى في محكم كتابه ومبرم خطابه :
( إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَّبيِّ يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّموا تَسْليماً )[2] .
لقد أمرنا سبحانه أن نصلّي على نبيّه الأعظم ، نبيّ الرحمة وشفيع الاُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله) .
كما هو الجامع لجميع صفات الكمال والجمال والجلال ، كما أنّ ملائكته الكرام الذين هم جنود ربّك :
( وَما يَعْلَمُ جُنودَ رَبِّكَ إلاّ هُو )[3] .
يصلّون عليه ، يصلّي عليه الله جلّ جلاله ، بهذا بدا للعالمين كماله ، فإنّ النبيّ الأعظم مظهر الاسم الجامع وجمع الجمع ، كما يظهر ذلك في قرآنه وشريعته السمحاء وأحكامها العلياء .
والصلاة لغةً : بمعنى الدعاء .
ويقول المحقّق الكركي في جامع المقاصد : المعروف والشائع أنّ الصلاة لغةً : الدعاء ، وقد صرّحوا بأنّ لفظها من الألفاظ المشتركة ، فهي من الله سبحانه الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار ، ومن الآدميين الدعاء .
وزاد في القاموس : حسن الثناء من الله تعالى على رسوله (صلى الله عليه وآله) ، وقيل : بمعنى واحد وهو العطف ، ثمّ العطف بالنسبة إلى الله تعالى الرحمة ، وإلى الملائكة الاستغفار ، وإلى الآدميين دعاء بعضهم لبعض[4] .
وعند العامّة :
قال ابن عباس : معناه أنّ الله وملائكته يباركون على النبيّ .
وقيل : إنّ الله يترحّم على النبيّ ، وملائكته يدعون له .
قال المبرّد : وأصل الصلاة الترحّم ، فهي من الله الرحمة ، ومن الملائكة رقّة واستدعاء للرحمة من الله .
وقال أبو بكر القشيري : الصلاة من الله تعالى لمن دون النبيّ (صلى الله عليه وسلم) رحمة ، وللنبيّ (صلى الله عليه وآله) تشريف وزيادة تكرمة .
وقال أبو العالية : صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة ، وصلاة الملائكة الدعاء[5] .
وقيل : اشتقاق الصلاة لغة من الصِّلا ـ بالقصر ـ وهي النار ، من صلّيت العصا إذا قوّمتها بالنار ، فالمصلّي كأ نّه يسعى في تعديل باطنه وظاهره كمن يحاول تقويم العود بالنار .
وقيل : الصلاة الملازمة ، ومنه قوله تعالى :
( تُصْلى ناراً حامِيَة ) .
( سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبْ ) .
ومنه سمّي ثاني أفراس الحلبة مصلياً .
وقال أبو القاسم الزمخشري : حقيقة صلّى حرّك الصَلَوين ، لأنّ المصلّي يفعل ذلك في ركوعه وسجوده ، وقيل للداعي مصل تشبيهاً له في تخشّعه بالراكع والساجد .
وقيل : أصل الصلاة الترحّم .
وقيل : أصلها التعظيم .
وقيل : اسم مشترك لمعان .
وقيل : إنّ مادّة (ص ل و) و (ص ل ي) موضوعة لأصل واحد ، وملحوظة لمعنى مفرد وهو الضمّ والجمع ، وجميع تفاريعها راجعة إلى هذا المعنى ، وكذلك سائر تقاليبها كيفما تصّرفت وتقلّبت كان مرجعها إلى هذا المعنى ...)[6] .
ومن معاني الصلاة : الدعاء والاستغفار والبركة والقراءة . ومنه قوله تعالى :
( لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ )[7] .
والرحمة والتزكية والتسبيح والتشريف والثناء وغير ذلك .
وقيل : الصلاة لغةً يرجع إلى معنيين : الدعاء والتبرّك والعبادة .
وقيل : في اللغة الدعاء وهو على نوعين دعاء عبادة ودعاء مسألة ، فالعابد داع كالسائل .
وقيل : الدعاء يعمّ النوعين ، وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصلاة الشرعيّة[8] .
والصلاة اصطلاحاً : بمعنيين :
الصلاة على النبيّ وآله بكلّ ما في الصلاة من المعاني اللغويّة وغيرها .
والصلاة بمعنى الأفعال المخصوصة الشرعيّة أوّلها التكبير وآخرها التسليم .
ثمّ من العقليّات الثابتة ومن الحكمة المتعالية : أنّ لكلّ معلول علّة ، ولكلّ مؤثّر أثر ، كما أنّ الأشياء المادّية والمعنويّة إمّا أن تعرف بنفسها أو بآثارها ، بالبرهان اللمّي أو الإنّي ، فنعرف العلّة بالمعلول أو المعلول بالعلّة .
ثمّ قيمة الشيء ومقداره يعلم من خلال آثاره الحميدة المباركة الطيّبة . وقيمة المرء ما يحسنه من العلوم والمعارف ، وإنّما يثمّن الشيء من يعرفه ، ويعرف قيمته ومقامه ومقداره وجوهره وحقيقته .
ومن هذه المنطلقات الوجدانيّة ـ والوجدانيّات من البديهيّات ـ إذا أردنا أن نعرف مقام الصلاة على النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) منجي عالم البشريّة من حضيض الجهل والشقاء إلى وادي العلم والسعادة الأبديّة . ومقام الصلاة على عترته الأطهار (عليهم السلام) ، وما قيمة ذلك ، وما هي المنزلة الرفيعة والمقام الشامخ السامي لمن يصلّي على النبيّ وآله (عليهم السلام) ؟ وما هي آثار الصلوات التكوينيّة والتشريعيّة في الدنيا والآخرة ، على الصعيدين الفردي والاجتماعي ، الروحي والجسدي ، العقلي والقلبي ، الاستدلالي والشهودي ، العلمي والعرفاني ؟
إنّما يكون معرفة ذلك كلّه من خلال القرآن الكريم والسنّة الشريفة المتمثّلة بقول المعصوم ـ النبيّ والإمام (عليهما السلام) ـ وفعله وتقريره ، وهما مصدر المعارف الإلهيّة والعلوم الربّانيّة ، والمفاهيم الإسلامية المتعالية والأحكام الشرعيّة والوظائف الدينيّة .
وأهل البيت (عليهم السلام) أدرى بما فيه ، فهم أعرف بمقاماتهم العظيمة ومنازلهم الرفيعة وشموخهم المتعالي الذي يعجز البشر عن دركه ووصفه وثنائه ، فما يأتي في ذلك إلاّ معشار عشر ولن يبلغوا[9] .
فلا سبيل لنا إلاّ أن نجثوا الركاب في مدارسهم القدسيّة ، ونطرق أبوابهم الملكوتيّة ، فهم باب الله الذي منه يؤتى ، وهم وجه الله الذي يتوجّه إليه الأولياء ، وهم السبب المتّصل بين الأرض والسماء .
فهلمّ معي لنستخرج من معادنهم المباركة ، معادن علم الله وقدرته ما يروي الظمآن ويشفي العليل ويغني الفقير ، فهم شجرة النبوّة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومعدن العلم وأهل بيت الوحي .
محمّد وآله الأطهار الفُلك الجارية في اللجج الغامرة ، يأمن من ركبها ويغرق من تركها ، المتقدّم لهم مارق ، والمتأخّر عنهم زاهق ، واللازم لهم لاحق ، فهم الكهف الحصين وغياث المضطرّ المسكين ، وملجأ الهاربين وعصمة المعتصمين ، سادة الخلق أجمعين ، الذين أوجب الله حقوقهم ، وفرض طاعتهم وولايتهم ، والبراءة من أعدائهم .
فهلمّوا أ يّها القرّاء الأعزّاء لنكون في رحاب أحاديثهم الشريفة ، لنعرف بهم ومنهم فضائل الصلاة على جدّهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليهم ، وما هي الآثار المحمودة المترتّبة على ذلك .
واعلموا أنّ الآثار وفضائل الصلوات لا تعدّ ولا تحصى ، إلاّ أ نّه ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه ، ولا يسقط الميسور بالمعسور ، فنشير إلى نبذة من فضائل الصلوات (وما فيها من الفوائد العظيمة والاُجور المضاعفة الجسيمة ، ولمثل هذه الخيرات والبركات أ لّف كثير من العلماء والأفاضل تصانيف في الصلاة على خير الأنام (صلى الله عليه وآله) وفي بيان حكمها وكيفيّتها وفضلها وما أعدّه الله من الثواب والأجر لمن يصلّي على النبيّ (صلى الله عليه وآله))[10] وآله .
والآية الشريفة : ( إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ ) إنّما تشير إلى منزلة النبيّ العظيمة في العالم العلويّ والعالم السفلي ، فإنّه في الملأ الأعلى يثني عليه ربّه ويصلّي عليه برحمته الرحمانيّة والرحيميّة ، وإنّ الملائكة يصلّون عليه ، ثمّ أمر الله أهل العالم السفلي وفي الأرض بالصلاة عليه والتسليم للجميع عليه من أهلي العالمين العلوي والسفلي جميعاً .
فإذا كان الله وملائكته يصلّون على النبيّ فكيف لا يحسن بالمؤمن والمحبّ ـ ومن أحبّ شيئاً أحبّ ذكره ـ أن لا يكثر من الصلاة عليه وهل يغفل عن ذلك ؟ ! وفي هذه الآية الشريفة فوائد عظيمة كما هي مذكورة في محلّها من كتب التفاسير والكتب الروائيّة ، كفائدة أنّ الصلاة على النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) أتمّ من السجود لآدم لدخول الله في الصلاة دون السجود ، كما عبرّ في مقام الصلاة باسمه الأعظم اسم الجلالة (الله) الجامع والمهيمن على كلّ الأسماء ، كما عبّر بصفة النبيّ دون اسمه كما كان مع الأنبياء الآخرين ، وكلّ موضع سمّـاه باسمه إنّما هو لمصلحة تقتضي ذلك .
ومن عمدة الفضائل والآثار رجوعها إلى نفس المصلّي ، فهو الذي ينتفع بصلاته لافتقاره واحتياجه واستغنائهم واتّصالهم بربّهم ، كما جاء ذلك في زيارة الجامعة الكبيرة عن مولانا الإمام الهادي عليّ بن محمّد (عليهما السلام) : (وجعل صلاتنا عليكم وما خصّنا من ولايتكم طيباً لخلقنا وطهارةً لأنفسنا وتزكيةً لنا وكفّارةً لذنوبنا) ، فالمصلّي بحكم من يجعل ثروته وماله في البنك فيزداد رصيده واعتباره .
فأهل البيت (عليهم السلام) سادة الخلق وأئمة الحقّ ، مهوى الأفئدة وملتقى الأرواح ، فجاء الأصحاب والتابعين والكتّاب والمصنّفون والعلماء والخطباء والشعراء يتكلّمون عنهم ، بمدحهم وثنائهم وذكر فضائلهم وسيرهم وأخلاقهم ومناقبهم ، ومثالب أعدائهم ، فأحيوا مآثرهم واقتفوا آثارهم ، وبيّنوا حقوقهم كالولاية والمودّة والطاعة والخمس والزيارة ومنها : حقّ الصلاة عليهم ، ويدلّ عليه قوله تعالى :
( إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّموا تَسْليماً )[11] .
« وقد ورد في كيفيّة الصلاة على محمّد وآل محمّد روايات كثيرة فوق حدّ الإحصاء ـ كما يظهر بمراجعة المصادر المعتمدة لدى الخاصّة والعامّة ـ ونحن هنا إذ نقتصر على ما أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي وابن مردويه وابن أبي شيبة وغيرهم عن كعب بن حمزة وغيره قال : لمّـا نزلت هذه الآية قلنا : يا رسول الله ، أمّا السلام عليك فقد علمناه ، فكيف الصلاة عليك ؟
قال (صلى الله عليه وآله) : (قل : اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد . اللهمّ بارك على محمّد وآل محمّد كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد) .
وفي لفظ آخر : (اللهمّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمّد وآل محمّد كما جعلتها على إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد)[12] .
فسؤالهم بعد نزول الآية وإجابته (صلى الله عليه وآله) بقوله : (اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد) دليل واضح وظاهر لا يعتريه الريب والشكّ بأنّ الأمر بالصلاة على أهل بيته وعترته وآله الأطهار مراد من هذه الآية الشريفة .
وأيّ مقام وشرف أعظم وأعلى وأنبل من أن تكون الصلاة من الله ومن ملائكته ومن المؤمنين على النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأبرار (عليهم السلام) ، فهذا من التسبيح والتحميد الإلهي .
عن جمال الاسبوع بسنده عن عبد الرحمن بن كثير ، قال : سألته عن قول الله تبارك وتعالى : ( إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّموا تَسْليماً ) ، فقال : صلاة الله تزكيةً في السماء ، قلت : ما معنى تزكية الله إيّاه ؟ قال : زكّاه بأن براه من كلّ نقص وآفة يلزم مخلوقاً ، قلت : فصلاة المؤمنين ؟ قال : يبرؤنه ويعرّفونه بأنّ الله قد برأه من كلّ نقص هو في المخلوقين من الآفات التي تصيبهم في بنية خلقهم ، فمن عرّفه ووصفه بغير ذلك ، فما صلّى عليه . قلت : فكيف نقول نحن إذا صلّينا عليهم ؟ قال : تقولون : اللهمّ إنّا نصلّي على محمّد نبيّك وعلى آل محمّد كما أمرتنا به ، وكما صلّيت أنت عليه ، فكذلك صلاتنا عليه[13] .
وبهذا يفضّل النبيّ وأهل بيته الأطهار على سائر خلق الله وعلى أنبيائه .
عن إرشاد القلوب بسنده عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أ نّه قال في جواب اليهودي الذي سأله عن فضل النبيّ (صلى الله عليه وآله)على سائر الأنبياء (عليهم السلام) ، فذكر اليهودي أنّ الله أسجد ملائكته لآدم (عليه السلام) ، فقال (عليه السلام) : وقد أعطى الله محمّداً (صلى الله عليه وآله) أفضل من ذلك ، وهو أنّ الله صلّى عليه وأمر ملائكته أن يصلّوا عليه ، وتعبّد جميع خلقه بالصلاة عليه إلى يوم القيامة ، فقال جلّ ثناؤه : ( إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّموا تَسْليماً ) ، فلا يصلّ عليه أحد في حياته ولا بعد وفاته إلاّ صلّى الله عليه بذلك عشراً . وأعطاه من الحسنات عشراً بكلّ صلاة صلّى عليه ، ولا يصلّ عليه أحد بعد وفاته إلاّ وهو يعلم بذلكن ويردّ على المصلّي السلام مثل ذلك لأنّ الله جلّ وعزّ جعل دعاء اُمّته فيما يسألون ربّهم جلّ ثناؤه موقوفاً على الإجابة حتّى يصلّوا عليه (صلى الله عليه وآله) ، فهذا أكبر وأعظم ممّـا أعطى الله آدم (عليه السلام)[14] .
ثمّ ذكر (عليه السلام) في بيان ما فضّل الله به اُمّته (صلى الله عليه وآله) : ومنها أنّ الله جعل لمن صلّى على نبيّه عشر حسنات ، ومحا عنه عشر سيّئات ، وردّ الله سبحانه عليه مثل صلاته على النبيّ (صلى الله عليه وآله) .
وقال ابن حجر[15] : الآية الثانية ـ أي من الآيات الواردة في أهل البيت ـ قوله تعالى :
( إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّموا تَسْليماً ) .
قال : صحّ عن كعب بن عجرة قال : لمّـا نزلت هذه الآية قلنا : يا رسول الله قد علمنا كيف نسلّم عليك ، فكيف نصلّي عليك ؟ فقال : قولوا : (اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ...) قال : وفي رواية للحاكم فقلنا : يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت ؟ قال : قولوا : (اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ـ إلى آخره ـ قال : فسؤالهم بعد نزول الآية وإجابتهم بـ (اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد) ، دليل ظاهر على أنّ الأمر بالصلاة على أهل بيته وبقيّة آله مراد من هذه الآية ، وإلاّ لم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته وآله عقيب نزولها ولم يجابوا بما ذكر ، فلمّـا اُجيبوا به دلّ على أنّ الصلاة عليهم من جملة المأمور به وأ نّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أقامهم في ذلك مقام نفسه ، لأنّ القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمه ، ومنه تعظيمهم .
ومن ثمّ لمّـا أدخل من مرّ في الكساء قال : (اللهمّ إنّهم منّي وأنا منهم فاجعل صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليّ وعليهم) وقضيّة استجابة هذا الدعاء ، إنّ الله صلّى عليهم معه فحينئذ طلب من المؤمنين صلاتهم عليهم معه . انتهى كلامه .
دفع توهّم :
في كثير من الصلوات وردت بقولهم (عليهم السلام) : (اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وارحم محمّداً وآل محمّد وبارك على محمّد وآل محمّد كما صلّيت ـ كأفضل ما صلّيت ـ وباركت وترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد .
فقيل في توهّم : إنّه في التشبيه لا بدّ أن يكون المشبّه به أقوى ، وفي مثل هذه الصلوات المشبّه به الصلاة على إبراهيم وآل إبراهيم ، والحال الصلاة على النبيّ وآله أقوى ، فكيف يكون ذلك ؟
اُجيب بوجوه كثيرة عند الفريقين ، أهمّها كما يلي :
1 ـ ليس المراد في التشبيه إلحاق الناقص بالكامل ، بل المراد بيان حال غير المعروف بالمعروف ، فإنّ الناس كانوا يعرفون إبراهيم شيخ الأنبياء خليل الرحمان وآله وكيفيّة الصلاة عليهم ، ويعلم المؤمنون أنّ الله أنزل رحمته وبركاته على إبراهيم وآله ، واشتهر ذلك ، فيقال بالصلاة على النبيّ وآله معروفاً ومشهوراً كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم .
2 ـ التشبيه في نفس الصلاة لدفع توهّم الشبه في وجهها ، كما يكون التشبيه في أصل الوحي وإن اختلف كما في قوله تعالى : ( إنَّا أوْحَيْنا إلَيْكَ كَما أوْحَيْنا إلى نوح وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) .
3 ـ التشبيه في أصل الصلاة لا في المقدار ، فالله يصلّي على حبيبه بمقداره ، وعلى خليله بمقدار شرفه ومنزلته ، فهما يشتركان في أصل الصلوات دون المقدار والكيف .
4 ـ وقيل : إنّما شرع النبيّ مثل هذه الصلوات ليبيّن مقام التواضع وأنّ الأنبياء يتواضعون لآبائهم ولا ينسونهم ، فصلواته وإن كان أفضل ولكن مع هذا لا ينسى أباه إبراهيم الخليل فيصلّي عليه .
5 ـ وقيل : النبيّ وآله من آل إبراهيم ، فالصلاة عليه وعليهم من باب ذكر الخاصّ بعد العامّ فيفيد الحصر ، فيصلّي على النبيّ خصوصاً كما صلّى عليه عموماً في آل إبراهيم .
6 ـ وقيل : استحباب الله دعاء إبراهيم خليله عندما طلب من ربّه ( وَاجْعَلْ لي لِسانَ صِدْق في الآخرينَ ) ، فالصلاة عليه وعلى آله مقروناً بالصلاة على النبيّ وآله من باب لسان صدق في الإخرين .
7 ـ وقيل : عند احتضار إبراهيم الخليل (عليه السلام) سأله عزرائيل عن آخر اُمنيته في الحياة ، فقال بحبّه للصلاة ، فاستجاب الله له ذلك أن جعل الصلاة عليه من سنن الاُمّة المرحومة في آخر الزمان[16] .
8 ـ فائدة : قيل : سرّ قوله (صلى الله عليه وآله) (كَما صَلَّيْتَ عَلى إبْراهيمَ وَكَما بارَكْتَ عَلى إبْراهيمَ) ولم يقل كما صلّيت على موسى لأنّ موسى عليه الصلاة والسلام كان التجلّي له بالجلال فخرّ موسى صعقاً ، والخليل كان التجلّي له بالجمال ، لأنّ المحبّة والخلّة من آثار التجلّي بالجمال ، ولهذا أمرهم (صلى الله عليه وآله) أن يصلّوا عليه كما صلّى على إبراهيم ليسألوا له التجلّي بالجمال ، وهذا لا يقتضي التسوية فيما بينه وبين الخليل صلوات الله وسلامه عليهما ، لأ نّه إنّما أمرهم أن يسألوا له التجلّي بالوصف الذي تجلّى به للخليل ، والذي يقتضيه الحديث المشاركة في الوصف الذي هو التجلّي بالجمال ولا يقتضي التسوية في المقامين ولا في الرتبتين ، فإنّ الحقّ سبحانه يتجلّى بالجمال لشخصين بسبب مقاميهما وإن اشتركا في وصف التجلّي بالجمال فيتجلّى لكلّ واحد منهما بحسب مقامه عنده ورتبته منه ومكانته ، فعلى هذا يفهم الحديث[17] .
هذا والمقصود أن نعرف ـ ولو إجمالا ـ بعض الآثار والبركات المترتّبة على الصلوات ، وذلك من خلال الأحاديث الشريفة ، ثمّ ما ورد في كتب العامّة والخاصّة ; لإتمام المطلوب وزيادة المنفعة ، ونتقرّب بذلك كلّه إلى الله سبحانه .
وما التوفيق إلاّ من عنده ، وهو المستعان ، وأمّا الآثار والفوائد فهي كما يلي :
[1]اُلقيت محتويات هذا الكتاب على شكل محاضرات متسلسلة بعنوان (دروس في الأخلاق ـ شرح دعاء مكارم الأخلاق) في ليلة الإثنين من كلّ اُسبوع في مسجد الإمام الرضا (عليه السلام) بقم المقدّسة ـ موكب النجف الأشرف ـ سنة 1419 هـ ق .
[2]الأحزاب : 56 .
[3]المدّثّر : 31 .
[4]جواهر الكلام 7 : 7 .
[5]الصلاة على النبيّ للقاضي عياض المالكي .
[6]الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر ; محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي : 20 ، ويذكر 120 حديثاً في فضل الصلوات وأثارها من طرق أبناء العامّة ، فراجع .
[7]الإسراء : 110 .
[8]بديع القول : 18 .
[9]لقد تحدّثت عن هذا الموضوع بالتفصيل في (جلوة من ولاية أهل البيت (عليهم السلام)) ، مطبوع ، فراجع .
[10]الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر ; للفيروزآبادي صاحب القاموس : 7 .
[11]الأحزاب : 56 .
[12]حقوق آل البيت ، بقلم الشيخ محمّد حسين الحاجّ العاملي عن البخاري في تفسير الآية (6 / 27) ، ومسلم باب الصلاة على النبيّ (2 / 16) والترمذي 2 : 325 ، وسنن ابن ماجة 1 / 392 ، وسنن النسائي 3 / 47 ، وسنن أبي داود 1 / 27 ، والمغني والشرح الكبير 1 / 579 ، وذكره أيضاً الفخر الرازي والقرطبي والآلوسي في روح المعاني وروح البيان وغرائب القرآن ورغبات الفرقان والدرّ المنثور بروايات كثيرة جدّاً ، وجامع البيان والبغوي والمراغي في تفاسيرهم والصواعق المحرقة ، الصفحة 146 ، وفرائد السمطين 1 / 25 ، والمستدرك 1 / 268 ، والسنن الكبرى للبيهقي 2 / 378 ، وينابيع المودّة : 295 ، وذخائر العقبى : 19 ، وحلية الأولياء 4 / 271 ، وتأريخ بغداد 8 / 381 ، وكنز العمّـال ، الحديث 2187 ، والغدير للعلاّمة الأميني 2 / 302 ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستّة وإحقاق الحقّ 3 / 252 ، والاحتجاج باب الصلاة على محمّد وآل محمّد ، وغير ذلك المئات من المصادر .
[13]البحار 91 : 71 ، عن جمال الاسبوع : 224 .
[14]البحار 91 : 69 ، عن إرشاد القلوب : 219 .
[15]الصواعق : 87 .
[16]شرح الصلوات ، السيّد أحمد الحسيني الأردكاني : 41 .
[17]أفضل الصلوات على محمّد سيّد الكائنات ; للنبهاني : 18 .
![]() |
![]() |
![]() |