لا يخفى أنّ زيارة الأنبياء والأوصياء والأولياء والطيّبين والطيّبات تعني حضور الزائر عند المزور ، ولها سنن وآداب عامّة وخاصّة ، تزيد في حسن وظرافة العمل ، وتكلّلها بزهور الجمال والكمال.
ومن أبرز السنن قراءة الزيارات المأثورة عن أهل بيت الوحي والعصمة والطهارة محمّد وآل محمّد (عليهم السلام) ، فإنّ الزيارة وكذلك الدعاء الوارد عنهم (عليهم السلام)سيكون بلا ريب من أفضل الزيارات والأدعية ، فإنّهم أعرف بالصواب ، وبما فيه من الكمال والجمال في حياة الإنسان وبعد مماته ، فإنّ قولهم إنّما هو من القرآن الصاعد ، يشتمل على الحقّ الذي لا يلبسه الباطل ، والرشد البيّن الذي لا غيّ فيه.
وقد صرّح الفقهاء الأعلام باستحباب زيارة أولاد الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
وقد ورد عن الرسول الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) : عيادة بني هاشم مفروضة ، وزيارتهم سنّة . والإطلاق يقتضي شمول الذرّية ـ إلاّ ما خرج بالدليل ـ كما يعمّ الزيارة في حياتهم وبعد مماتهم.
يقول شيخنا الأجلّ العلاّمة المجلسي (قدس سره) ـ المتوفّى سنة 1111 هـ ـ : إعلم أنّ المشاهد المنسوبة إلى أولاد الأئمة الهادية والعترة الطاهرة وأقاربهم يستحبّ زيارتها والإلمام بها ، فإنّ في تعظيمهم تعظيم للأئمة وتكريمهم ، والأصل فيهم الإيمان والصلاح إلاّ أن يعلم منهم خلافها ... وأمّا كيفية زيارتهم فلم يرد فيها خبر على الخصوص ، ويجوز زيارتهم بما ورد في زيارة سائر المؤمنين ، ويجوز تخصيصهم بالخطاب بما جرى على اللسان من ذكر فضلهم[1].
وقال خاتم المحدّثين شيخنا العباس القمّي (قدس سره)ـ المتوفّى سنة 1359 هـ ـ في فضل أبناء الأئمة (عليهم السلام) : هم أبناء الملوك بالحقّ ، وقبورهم منابع الفيض والبركة ومهابط الرحمة والعناية الإلهيّة ، والعلماء قد صرّحوا باستحباب زيارة قبورهم ، وهي والحمد لله منتشرة في غالب بلاد الشيعة ، بل وفي القرى والبراري وأطراف الجبال والأودية ، وهي دائماً ملاذ المضطرّين وملجأ البائسين وغياث المظلومين وتسلية للقلوب الذابلة ، وستظلّ كذلك إلى يوم القيامة ، وقد برز من كثير من هذه المراقد الشريفة كرامات وخوارق للعادات ، ولكن لا يخفى أنّ الزائر إذا شاء أن يشدّ الرحل إلى شيء من هذه المراقد موقناً ببلوغه فيض رحمة الله ويكشف كروبه فينبغي أن يُحرز فيه شرطين :
الشرط الأوّل : جلالة صاحب ذلك المرقد وعظمة شأنه إضافة إلى ما حازه من شرافة النسب ، وتعرف هذه من كتب الأحاديث والأنساب والتواريخ.
الشرط الثاني : التأكّد من صحّة هذا المرقد.
وما حاز كلا الشرطين من المشاهد قليل جدّاً[2].
ويقول آية الله المحقّ السيّد حيدر الحسني ـ المتوفّى 1265 هـ ـ في كتابه ( عمدة الزائر ) : ولنبدأ أوّلا في ذكر زيارة قبور أولاد الأئمة (عليهم السلام) ، قال السيّد (رحمه الله)ـ يقصد السيّد ابن طاووس صاحب الإقبال ـ : إذا أردت زيارة أحد منهم كالقاسم ابن الكاظم (عليه السلام) ، والعباس ابن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أو عليّ بن الحسين (عليه السلام)المقتول بالطف ، ومن جرى في الحكم مجراهم تقف على قبر المزور منهم صلوات الله عليهم وتقول :
« السَّلامُ
عَلى جَدِّكَ المُصْطَـفَى ، السَّلامُ عَلى أبيكَ المُرْتَضى ،
السَّلامُ عَلى السَّيِّدَيْنِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ ، السَّلامُ عَلى
خَديجَةَ اُمِّ المُؤمِنين ، السَّلامُ عَلى فاطِمَةَ اُمِّ الأئِمَّةِ
الطَّاهِرين ، السَّلامُ عَلى النُّفوسِ الفاخِرَةِ وَ بُحورِ العُلومِ
الزَّاخِرَة ، شُفَعائي في الآخِرَة ، وَأوْلِيائي عِنْـدَ عَوْدِ
الرُّوحِ إلى العِظامِ النَّخِرَة ، أئِمَّةِ
الخَلقِ
وَوُلاةِ الحَقّ ، السَّلامُ عَلَيكَ أ يُّها الشَّخْصُ الشَّريفُ
الطَّاهِرُ الكَريم ، أشهَدُ أن لا إله إلاّ الله ، وَأنَّ مُحَمَّداً
عَبْدُهُ وَرَسولُهُ وَمُصطَفاه ، وَأنَّ عَلِيَّاً وَلِيُّهُ
وَمُجتَباه ، وَأنَّ الإمامَةَ في وُلدِهِ إلى يَومِ الدِّين ، نَعلَمُ
ذلِكَ عِلمَ اليَقين ، وَ نَحنُ لِذلِكَ مُعتَـقِدون ، وَفي
نَصرِهِم مُجتَهِدون ».
وهذه زيارة عامّة تُقرأ لكلّ أولاد الأئمة من الطيّبين والطيّبات ، إلاّ أنّ حديثنا إنّما هو في الزيارات التي تُقرأ في حرم السيّدة الحوراء زينب الكبرى (عليها السلام) ، وكذلك عند قبور الصالحين والصالحات في دمشق الشام ، فإنّها وإن كانت عالية المضامين إلاّ أ نّها غير مسندة ، ولم تتّصل بالأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، والظاهر أ نّها من منشآت علمائنا الأعلام ـ جزاهم الله خيراً ـ فالمفروض أن تقرأ بقصد الرجاء لا بقصد الورود ، فلا ضير حينئذ في ذلك.
وفي رحلتي
للشام أخيراً رأيت في بعض كراريس
الزيارات
الموجودة في الحرم الشريف ، أ نّه تصلّى بعد الزيارة بركعتي صلاة
الزيارة ، والحال ما ورد في النصوص الدينية من صلاة الزيارة أ نّما هو
للمعصومين (عليهم
السلام) ،
أمّا غيرهم كالسيّدة الحوراء زينب (عليها السلام) ، فإنّه من باب
( إنّ الصلاة من خير الأعمال ) ، وإنّها ( خير ما يتقرّب به
إلى الله ) ، والصلاة ذكر و ( ذكر الله حسن على كلّ
حال ) ، فيجوز للزائر والزائرة أن يصلّيا ركعتين نافلة تقرّباً إلى الله
سبحانه ، ثمّ يهديان ثوابها للسيّدة الحوراء (عليها السلام) أو لأيّ
واحد من أولاد الأئمة الأطهار (عليهم السلام) أو لوليّ من أولياء
الله سبحانه.
ثمّ عندي
( من باب تنقيح المناط لوحدة الملاك والمقام بين السيّدة المعصومة فاطمة بنت
الإمام موسى بن جعفر (عليها السلام) المدفونة بقم المقدّسة
ـ إيران ـ وبين السيّدة الطاهرة زينب الكبرى بدمشق
الشام ) لا بأس أن تزار الحوراء بزيارة السيّدة فاطمة (عليها
السلام) ،
فإنّ زيارة فاطمة لها أسانيد يذكرها صاحب الوسائل شيخنا الحرّ العاملي (قدس سره) في كتاب
الحجّ[3] ،
كما ذكر العلاّمة المجلسي ذلك في بحاره[4] .
ـ وإن
قيل بضعف السند فيكفينا من باب التسامح في أدلّة السنن باعتبار روايات ( من
بلغ ) ، استحباب ذلك ـ كما أنّ زيارتها تحتوي على مضامين
شامخة ومعاني سامية جدّاً ، حيث تربط الزائر أوّلا بالنبوّة وباُولي العزم
خصوصاً ، من آدم أبي البشر (عليه السلام) إلى الخاتم محمّد (صلى الله
عليه وآله)
كما تربطه بالإمامة الحقّة بدءاً بأمير المؤمنين علي (عليه السلام) وختماً
بصاحب العصر والزمان الإمام المهدي (عليه السلام) ، كما تربطه
بالقيامة وبطلب الشفاعة لدخول الجنّة ، يعني طلب سعادة الدارين لقوله
تعالى : ( وَأمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي
الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا )[5] ،
ويتمّ ذلك بالعلم النافع والعمل الصالح.
فالأولى أن تزار الحوراء زينب بزيارة فاطمة بنت الإمام الكاظم (عليهم السلام) ، ثمّ نرد فيها بزيارات اُخرى تعميماً للفائدة وطلباً لمرضاة الله سبحانه ولما فيها من بيان فضائلها ومناقبها ومصائبها كما ورد في الأحاديث الشريفة . كما نلحقها بزيارة السيّدة رقيّة بنت الإمام الحسين (عليه السلام) ، وما قيل من الزيارات الاُخرى التي تُقرأ في مقبرة باب الصغير عند قبور الطيّبين والطيّبات ، ثمّ زيارة حجر بن عديّ شهيد الولاية ، وزيارات عامّة اُخرى ، ثمّ زيارة قبور المؤمنين والعلماء الصالحين ، ومن الله التوفيق والسداد.
[1]عمدة الزائر : 400 ، والكنى والألقاب 3 : 146.
[2]مفاتيح الجنان : 679.
[3]وسائل الشيعة 10 : 41 ، الباب 94 وفيه حديثان عن الشيخ الصدوق في ( ثواب الأعمال : 56 وعيون الأخبار : 370 ) وعن ابن قولويه في ( كامل الزيارات : 324 ).
[4]بحار الأنوار 99 : 266.
[5]هود : 108.