بهجة المؤمنين في زيارة الطيبات والطيبين

السيد عادل العلوي

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمّد وآله الطاهرين لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.

أمّا بعد :

فإنّ حقّ العظماء علينا كبير وعظيم ، لأنّ لهم الفضل الكبير في رفعة الإنسان وسداده بما قدّموه من دروس وعبر بمواقفهم الشامخة الصامدة ، حيث لم يدّخروا وسعاً ولا جهداً في نشر القيم والمبادئ والمُثل العليا والدفاع عنها بكلّ قوّة وصبر وشجاعة ، متحمّلين في ذلك أشدّ ألوان العسف والمواجهة ، فمنهم مَن قضى نحبه شهيداً مضرّجاً بدمه ، ومنهم من ينتظر صابراً صامداً في وجه الأعداء والطغاة والجبابرة.

لقد سجّل التاريخ رغم كلّ المحاولات لتحريفه وتزويره أسماء الكثير من عظماء التاريخ البشري على امتداده ، بينما غفل عن أهل السلطة والملك الذين علوا في الأرض كأن لم يكونوا يوماً.

من العظماء الذين أعطوا الأجيال الدروس القيّمة في الشجاعة والصبر والحرّية الصادقة العقيلة زينب الكبرى (عليها السلام) بنت عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وفاطمة الزهراء سيّدة النساء بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقد كانت مثالا لامعاً للمرأة التي تعي ما تقول وتقدّر ما تفعل ، منذ أن كانت صغيرة تدرج بين يدي أبيها المرتضى (عليه السلام) إلى أن التحقت بالرفيق الأعلى تاركةً لنا إرثاً ضخماً من المواقف التي يعزّ على كثير من الرجال الأشدّاء أن يقفوها ، حيث يحدّثنا التاريخ عن الطفولة الواعدة الواعية لزينب الطفلة التي نعمت في حجر أبيها الإمام بالرعاية والاهتمام ، وإليك هذا الحوار بين الأب الإمام المهتمّ بتربية أبنائه وبناته :

ـ بنيّة قولي واحد.

ـ واحد.

ـ قولي اثنين.

فسكتت.

ـ تكلّمي يا قرّة عيني.

ـ يا أبتاه ما اُطيق أن أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد.

اُعجب الأب وسرّ بهذا الجواب فضمّها إلى صدره وقبّلها بين عينيها.

ثمّ تمضي الأيام فتشبّ زينب في أجواء الإيمان والعلم والتقوى فتكون مثالا في الاستقامة والسداد والحرص على طاعة الله حتّى في أشدّ الأوقات حراجةً وعسراً وضيقاً ، فقد رآها الإمام السجّاد (عليه السلام) بعد واقعة الطفّ الأليمة تصلّي الليل من جلوس ولم تترك نوافل الليل حتّى وهي أسيرة سبيّة تسير على ناقة عجفاء إلى الشام.

إنّ الإنسان بمواقفه ، فكلّما كانت مواقفه شريفة سامية كلّما كان الإنسان ذا قيمة وقدر ، ولزينب بطلة الإسلام مواقف تدلّ على شممها وبصيرتها الواعية النافذة ، ولا يسعنا إلاّ أن نقف أمام دورها البطولي في كربلاء موقف الإكبار والتقدير والتقديس ، حيث كانت لبوةً تزأر في وجه الباطل غير هيّابة بجرأة الأعداء وصلافتهم ، صبرت على شدّة المحنة وصعوبة البلاء حيث قتُتل أمامها الأحبّة والأعزّاء من إخوة وأبناء الإخوة والأنصار الصالحين ، لم يذهلها المصاب ولم يخدش في صبرها هوله العظيم ، بل راحت تمارس دوراً آخراً مهمّاً بعد أن نصرت أنصار الحقّ ، حيث راحت تتكفّل الأيتام والأيامى فكانت الأب لهم والاُمّ ، تدير اُمورهم وترعى شؤونهم ، تسكت طفلا وتمسح الدمع عن آخر ، وتواسي أرملة وتصبّر اُخرى ، فلولا أ نّها ملكت قلباً رابطاً وبصيرةً ثاقبة وعقيدةً لا تُهزّ ، لما سطّرت كلّ هذه المواقف البطولية والتضحوية ، ويكفيها أ نّها وقفت في وجه الظالمين في عقر دارهم ، وحفظت إمام زمانها السجّاد (عليه السلام).

إنّ الحديث عن زينب (عليها السلام) أ يّها الأخ الزائر حديثٌ ذو شجون ، وما أحلاه من حديث ، لأ نّه حديث عن المبادئ الحقّة ، وحديث عن التمسّك بها والفناء لأجلها ، فما أحوج الإنسان لسماع هذا الحديث الذي يبعث في الإنسان الولاء للحقّ والمثل النبيلة ، ويبثّ فيه روحاً تتمرّد على الظلم والفساد والطغيان ، لا تلين ولا تستكين ولا تساوم.

إنّ زينب حريّة بمقام القدوة والاُسوة ، فهي عالمة غير معلّمة وفاهمة غير مفهّمة ، فما أحوجنا رجالا ونساءً للسير بهدي مقامها الشامخ وخصوصاً النساء ، فقد كانت زينب مفخرةً لأبيها واُمّها وإخوتها وبني عمّها وللمسلمين عامّة ، فعليكِ أ يّتها الاُخت الزائرة أن تعودي إلى بلادكِ بعد زيارة زينب (عليها السلام) وأنتِ تحملين زينب في قلبكِ وعقلكِ ووجدانكِ ، لتكوني ابنةً يفتخر بها الأب والاُمّ ، واُختاً يفتخر بها الأخ والاُخت ، وقريبةً يفتخر بالتزامها وصيانتها الأقارب ، وزينبيّةً تكون لزينب زيناً ، تحبّب زينب إلى الناس بسلوكها وحشمتها وتديّنها ، لأ نّنا بحاجة إلى زينبيات كثيرات في هذا الزمن الصعب الذي خدعت في المرأة بالشعارات الغرّارة الزائفة ، فسُلب منها العفاف والاحترام بعنوان التحرّر والاطنلاق ، وإذا بالمرأة تخرج من سطوة الجهل الظالم لتخضع للفساد والانحلال الأشدّ ظلماً وقسوةً واستهتاراً.

لذا فعلى كلّ زائر وزائرة أن يحفظ زينب ( سلام الله عليها ) من خلال الالتزام بآداب الزيارة والانتفاع من القرب منها ، لذلك فقد أعددنا هذا الكرّاس ليكون مُعيناً للزائرين في زياراتهم للأماكن المقدّسة في دمشق ، وتبقى السيّدة زينب (عليها السلام) روضة العلم والنور تتجلّى فيها أسماء الله الحسنى وصفاته العليا ، وعلى كلّ موال ومسلم أن يقتبس من علمها ونورها ويثاب بزيارتها برعاية آدابها.

ونسأل الجميع الدعاء ، كما نشكر فضيلة الشيخ عبد العزيز المزراق دام مجده ـ وهو من الحجازيين الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) ـ الذي ساهم في رفد هذا العمل المتواضع ليكون إن شاء الله تعالى ثواباً لوالديه ولسان صدق له في الآخرين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

من هي زينب ؟