ويسألونك عن الولاية ، فقل:
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم:
( وَمَنْ يُؤْتى الحِكْمَةَ فَقَدْ اُوتِيَ خَيْراً كَثيراً )[260].
1 ـ وقد ورد في الخبر الصحيح عن مولانا الإمام الناطق جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): أنّ الحكمة والخير الكثير هي ولاية عليّ بن أبي طالب والأئمة المعصومين من ولده الأطهار (عليهم السلام) ، وأمّا ما سواها فهي الدنيا الدنيّة التي يقول عنها ربّ العالمين:
( وَما مَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا في الآخِرَةِ إلاّ مَتاعٌ قَليلٌ )[261].
فالولاية خيرٌ كثير ، والدنيا متاع قليل.
وإنّ
المسافر إنّما يحمل متاعاً بمقدار سفره ، والدنيا إنّما هي دار ممرّ ،
وليست دار مستقرّ ، وإنّ الإنسان ذاهب إلى ربّه الكريم وكادح إليه
فملاقيه ، ويدخل جنان الله وينال رضوانه ، وترفع درجاته بالإيمان
والعلم ، وبالمعرفة والولاية ، وإنّها روح
الدين
وحقيقته ، كما هي قمّة الكمال وذروته ، وقيمة الإنسان وعظمته وكرامته
وشرفه بعلمه ومعرفته ، فقيمة كلّ امرئ ما يحسنه ، وطوبى لمن عرف قدر
نفسه.
فما هذه الولاية التي تعدّ من الخير الكثير ، والتي تقابلها الدنيا وما فيها لتكون من المتاع القليل ؟
وما مرتبة الولاية في حياة المؤمن الدنيوية والاُخروية ؟ فهل تعدّ من أهمّ أركان الدين ؟ بل هي حقيقة الدين ! ولولاها لضاع الإنسان وتاه في ظلمات الحياة وفي غياهب الضلالات ، وخسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.
فما هذه الولاية ؟ هل تعني الأولى بالتصرّف ؟ أو الطاعة ؟ أو الحبّ والمودّة ؟ أو الإتمام ؟ أو أ نّها سرّ من أسرار الله ؟ أو ذكر فضائل أحبّاء الله ومثالب الأعداء ؟ أو المعرفة ؟ أو غير ذلك ؟ أو كلّ هذه المعاني ؟
فما هذه الولاية العظمى التي تشرّف بها أنبياء اُولي العزم ؟ أو أصبحت حصن الله الحصين ؟
وما هذه الولاية الكبرى التي من اعترف بها وتقبّلها بقبول حسن ، شرف وعظم وحَلى ، ومن أنكرها خبث وذلّ وأصبح مرّاً ؟
2 ـ فما هذه الولاية التي يقول عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الروح والراحة والفلح والفلاح والنجاح والبركة والعفو والعافية والمعافاة والبشرى والنضرة والرضا والقُرب والقرابة والنصر والظفر والتمكين والسرور والمحبّة من الله تبارك وتعالى على من أحبّ عليّ بن أبي طالب ووالاه وائتمّ به وأقرّ بفضله وتولّى الأوصياء من بعده[262].
3 ـ وما هذه الولاية التي يقول عنها الإمام الصادق(عليه
السلام):
والله ما استوجب
آدم
أن يخلقه الله بيده وينفخ فيه من روحه إلاّ بولاية عليّ بن أبي طالب (عليه
السلام) ،
ولا كلّم الله موسى تكليماً إلاّ بولاية عليّ (عليه السلام) ،
ولا أقام الله عيسى بن مريم آيةً للعالمين إلاّ بالخضوع لعلي (عليه
السلام)[263].
4 ـ وما هذه الولاية التي من مات عليها مات شهيداً ، وغُفرت له ذنوبه ، واُدخل الجنّة.
5 ـ وإنّا على جنازة الميّت من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام)في التكبيرة الرابعة من صلاته نقول: «اللهمّ اغفر لهذا المسجّى قدّامنا فإنّا لا نعلم منه إلاّ خيراً» ، أي الخير الكثير الذي هو عبارة عن الحكمة التي هي الولاية ، ففي تلك اللحظة لا نعلم منه إلاّ هذا الخير ، وأمّا ذنوبه فربما غفرها الله سبحانه ، فإنّه يغفر الذنوب جميعاً إلاّ ما اُشرك به.
وأمّا إذا كان الميّت من المخالفين للولاية فإنّه يقال على جنازته في التكبيرة الرابعة: «اللهمّ العن هذا المسجّى قدّامنا»[264] ، أي أبعده عن رحمتك الإلهية الواسعة لإنكاره الولاية ، وإنّه يحشر مع الكفّار والمشركين في جهنّم وبئس المصير ، وإن كان يحكم عليه في حياته الدنيا بأحكام المسلمين من الطهارة والزواج والوراثة وما شابه ذلك.
فما هذه الولاية التي توجب الرحمة ، وإنكارها يستوجب اللعن والطرد عن الله سبحانه وتعالى ؟
6 ـ فما هذه الولاية التي نادى بها جبرئيل في غزوة حينما ضاق صدر النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال: «نادِ عليّاً مظهر العجائب ، تجده عوناً لك في النوائب ، كلّ همّ وغمّ سينجلي بولايتك يا عليّ يا عليّ يا عليّ»[265].
فالهمّ إنّما هو على المستقبل المجهول ، والغمّ على ما فات ، وهما يوجبان الهرم السريع والشيخوخة قبل أوانها ، إنّما يزول الهمّ والغمّ وينجلي بالولاية ، حتّى لمثل أشرف مخلوقات الله سبحانه ، الذي لولاه لما خلق الله الأفلاك ، ذاك النبيّ المصطفى أشرف خلق الله وسيّد المرسلين محمد (صلى الله عليه وآله).
7 ـ فما هذه الولاية التي ورد في الخبر الصحيح في الحديث القدسي عن الله سبحانه: «ولاية عليّ بن أبي طالب حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي»[266] ؟ كما ورد في الخبر الشريف الصحيح «كلمة لا إله إلاّ الله حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي»[267] ، فأيّ علاقة وثيقة بين حصن التوحيد وحصن الولاية ؟ وهل هي إلاّ من صميم التوحيد وحقيقته ؟ ! !
فكلمة «لا إله إلاّ الله حصني» و «ولاية عليّ بن أبي طالب حصني» مع حذف الحدّ الوسط المتكرّر تكون النتيجة «لا إله إلاّ الله ولاية عليّ» وعكسها «ولاية عليّ لا إله إلاّ الله» ، وهذا يعني أنّ حقيقة التوحيد هي الولاية ، كما أنّ حقيقة الولاية هي التوحيد ، فالتوحيد باطن الولاية ، والولاية ظاهر التوحيد ، ولا تتمّ معرفة الله سبحانه إلاّ بمعرفة أولياء الله محمّد وآله الطاهرين الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ، فالتوحيد الكامل إنّما يكون كماله بالولاية ، ولولاها لكان كالحصن المنهدم جدار منه ، فلا يكون آمناً ، ويدخل فيه الكفر والشرك والعذاب ، فكمال التوحيد وتمامه بالمعرفة والولاية.
ثمّ يا هذا ، إنّ جبل عقيق من بين جبال الأرض أوّل من أقرّ بالولاية ، فتشرّف على الجبال ، حتّى استحبّ التختّم به ، ولا تردّ اليد التي فيها من العقيق من الإجابة.
وإنّ الفاكهة إنّما حلت وصارت لذيذة شهيّة بقبولها الولاية ، وأمّا التي صارت مرّة وخبثت فلعدم قبولها الولاية.
8 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ الله تبارك وتعالى طرح حبّي على الحجر والمدر والبحار والجبال والشجر ، فما أجاب إلى حبّي عذب وطاب ، وما لم يجب إلى حبّي خبث ومرّ[268].
9 ـ فعن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: خرج الحسين بن علي (عليهما السلام) على أصحابه فقال: أ يّها الناس ، إنّ الله عزّ وجلّ ذكره ، ما خلق العباد إلاّ ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه . فقال له رجل: يا بن رسول الله ، بأبي أنت واُمّي ، فما معرفة الله ؟ قال: معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته.
قال الشيخ الصدوق عليه الرحمة: يعني بذلك أن يعلم أهل كلّ زمان أنّ الله هو الذي لا يخلّيهم في كلّ زمان من إمام معصوم ، فمن عبد ربّاً لم يقم لهم الحجّة فإنّما عبد غير الله عزّ وجلّ.
وقال العلاّمة المجلسي عليه الرحمة: لعلّه (عليه السلام) إنّما فسّر معرفة الله بمعرفة الإمام لبيان أنّ معرفة الله لا يحصل إلاّ من جهة الإمام ، أو لاشتراط الانتفاع بمعرفته تعالى بمعرفته (عليه السلام)[269].
10 ـ وعن أبي حمزة عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: منّا الإمام المفروض طاعته ، من جحده مات يهودياً أو نصرانياً ، والله ما ترك الله الأرض منذ قبض الله عزّ وجلّ آدم إلاّ وفيها إمام يُهتدى به إلى الله ، حجّة الله على العباد ، ومن تركه هلك ، ومن لزمه نجا ، حقّاً على الله.
11 ـ وعن أبي سعيد الخدري ، قال: كان رسول الله ذات يوم جالساً وعنده نفر من أصحابه فيهم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، إذ قال: «من قال لا إله إلاّ الله دخل الجنّة» . فقال رجلان من أصحابه: فنحن نقول: لا إله إلاّ الله . فقال رسول الله: إنّما تقبل شهادة أن لا إله إلاّ الله من هذا وشيعته الذين أخذ ربّنا ميثاقهم . فقال الرجلان: فنحن نقول: لا إله إلاّ الله . فوضع رسول الله يده على رأس عليّ (عليه السلام) ، ثمّ قال: علامة ذلك أن لا تحلاّ عقده ، ولا تجلسا مجلسه ، ولا تكذبا حديثه.
قسماً بمكّة والحطيم وزمزم *** والراقصات وسعيهنّ إلى منى
بغض الوصيّ علامة مكتوبة *** كتبت على جبهات أولاد الزنا
من لم يوالِ في البريّة حيدراً *** سيّان عند الله صلّى أم زنا
فهذه هي الولاية التي ندعو الخلائق والإنسانية على مرّ العصور والأحقاب إليها ، فهل من مدّكر ؟ !
12 ـ فما هذه الولاية ؟ هل الذكر الذي يقول عنه أمير المؤمنين علي (عليه السلام): ذكرنا أهل البيت شفاء من العلل والأسقام ووسواس الريب[270].
13 ـ أو قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله): «زيّنوا مجالسكم بذكر عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)»[271].
14 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): ألا وإنّه لم يمشِ فوق الأرض بعد النبيّين والمرسلين أفضل من شيعة عليّ (عليه السلام)ومحبّيه الذين يظهرون أمره وينشرون فضله ، اُولئك تغشاهم الرحمة وتستغفر لهم الملائكة[272].
15 ـ وقال: إنّ الله تبارك وتعالى جعل لأخي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)فضائل لا تحصى كثرة ، فمن ذكر فضيلة من فضائله ـ مقرّاً بها ـ غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم أو أثر[273].
16 ـ وعن أبي جعفر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ الله عهد إليّ عهداً فقلت: ربِّ بيّنه لي ، قال: اسمع ، قلت: سمعت . قال: يا محمّد ، إنّ عليّاً راية الهدى بعدك ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين ، فمن أحبّه فقد أحبّني ، ومن أبغضه فقد أبغضني ، فبشّره بذلك[274].
17 ـ وما هذا الحبّ الذي يعدّ من أشعّة الولاية ومظاهرها ، ويقول فيه رسول الله لعمّه العباس: إنّ شأن عليّ (عليه السلام)عظيم ، إنّ حال عليّ (عليه السلام) جليل ، إنّ وزن علي (عليه السلام)ثقيل ، وما وضع حبّ عليّ (عليه السلام) في ميزان أحد إلاّ رجح على سيّئاته ، ولا وضع بغضه في ميزان أحد إلاّ رجح على حسناته . فقال العباس: قد سلّمت ورضيت[275].
18 ـ الله الله في الولاية ، فما هذه الآية الكبرى التي يخبرنا جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)في حديث ولادة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وأ نّه ليلة أن حملت اُمّه فاطمة بنت أسد به ارتجّت الأرض وزلزلت بهم أيّاماً ، حتّى أتى بهم أبو طالب جبل قبيس فجعل يرتجّ ارتجاجاً ، فلمّـا أبصروا بذلك قالوا: لا طاقة لنا بما حلّ بنا ، فصعد أبو طالب الجبل وهو غير مكترث بما هم فيه ، فقال: يا أ يّها الناس ، إنّ الله تبارك وتعالى قد أحدث في هذه الليلة حادثة وخلق فيها خلقاً ، إن لم تطيعوه ولم تقرّوا بولايته وتشهدوا بإمامته ، لم يسكن ما بكم ، ولا يكون لكم بتهامة مسكناً . فقالوا: يا أبا طالب ، إنّا نقول بمقالتك . فبكى أبو طالب ورفع إلى الله تعالى يديه وقال: «إلهي وسيّدي ، أسألك بالمحمّدية المحمودة وبالعلويّة العالية والفاطميّة البيضاء إلاّ تفضّلت على تهامة بالرأفة والرحمة» ، قال جابر: قال رسول الله: فوالله الذي خلق الحبّة وبرأ النسمة لقد كانت العرب تكتب هذه الكلمات ، فتدعو بها عند شدائدها في الجاهلية ، وهي لا تعلمها ولا تعرف حقيقتها[276].
فما هذه المحبّة والطاعة وأ نّهما من مظاهر الولاية ؟
19 ـ وتقول فاطمة بنت أسد رضي الله عنها حينما وضعت
أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في جوف الكعبة وأكلت
من ثمار الجنّة وأرزاقها: فلمّـا أن أخرج هتف بي
هاتف:
يا فاطمة ، سمّيه عليّاً ، فهو عليّ ، والله العليّ الأعلى
يقول: إنّي شققت اسمه من اسمي ، وأدّبته بأدبي ، وأوقفته
على غامض علمي ، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي ، وهو الذي يؤذّن فوق
ظهر بيتي ، ويقدّسني ويمجّدني ، فطوبى لمن أحبّه وأطاعه ، وويلٌ
لمن أبغضه وعصاه[277].
20 ـ وفي خبر آخر: فطوبى لمن أحبّه ونصره ، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه[278].
21 ـ فما هذه الولاية التي من آثارها الاُنس بالنظر إلى اسم صاحبها ، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي ، إنّي رأيت اسمك مقروناً باسمي في أربعة مواطن ، فآنست بالنظر إليه[279].
22 ـ ومن آثارها كفاية الشرّ كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام)لكميل: يا كميل ، سمّ كلّ يوم باسم الله ، وقل: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، وتوكّل على الله واذكرنا وسمّ بأسمائنا وصلّ علينا وأدر بذلك على نفسك وما تحوطه عنايتك ، تكفّ شرّ ذلك اليوم إن شاء الله[280].
23 ـ وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أراد أن يستمسك بالعروة الوثقى في الدنيا والآخرة فليقل: لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، عليّ وليّ الله[281].
24 ـ وعن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه
السلام)قال: إنّ الشيطان إذا سمع منادياً
ينادي
يا محمّد يا عليّ ذاب كما يذوب الرصاص[282].
25 ـ وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صاغ خاتماً من عقيق فنقش فيه: محمّد نبيّ الله وعليّ وليّ الله ، وقاه الله ميتة السوء ، ولم يمت إلاّ على الفطرة[283].
26 ـ وقال الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)لمن أراد السفر: يكون معك خاتم فضّة عقيق أصفر عليه: ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله أستغفر الله ، وعلى الجانب الآخر: محمد وعليّ . فإنّه أمان من القطع ، وأتمّ للسلامة ، وأصون لدينك[284].
27 ـ وقد هبط جبرئيل على يعقوب (عليه السلام)فقال: يا يعقوب ، ألا اُعلّمك دعاءً يردّ الله عليك به بصرك ويردّ عليك ابنيك ؟ قال: بلى . قال: قل ما قاله أبوك آدم فتاب الله عليه ، وما قاله نوح فاستوت به سفينته على الجودي ونجى من الغرق ، وما قاله أبوك إبراهيم خليل الرحمن حين اُلقي في النار ، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً . فقال يعقوب: وما ذاك يا جبرئيل ؟ فقال: قل: «يا ربّ ، أسألك بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)أن تأتني بيوسف وابن يامين جميعاً وتردّ عليّ عيني» . فما استتمّ يعقوب (عليه السلام)هذا الدعاء حتّى جاء البشير ، فألقى قميص يوسف عليه فارتدّ بصيراً[285].
28 ـ فما هذه الولاية التي يليّن الله الحديد باسم صاحبها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وينقلب الحجر ذهباً في يد عمّـار بن ياسر[286].
29 ـ ولا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم عليّ[287].
30 ـ وقال رجلٌ للإمام الرضا (عليه السلام): أصلحك الله ، إنّي خلّفت امرأتي وبها حبل ، فادعُ الله أن يجعله غُلاماً . فأطرق (عليه السلام) إلى الأرض طويلا ثمّ رفع (عليه السلام)رأسه فقال له: سمّه عليّاً فإنّه أطول لعمره[288].
31 ـ وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كان له حمل فنوى أن يسمّيه محمّداً أو عليّاً ، ولد له غلام[289].
32 ـ وقال الإمام السجّاد (عليه السلام): إنّ أبي (عليه السلام)كان إذا أبطأت عليه جارية من جواريه قال لها: يا فلانة ، أنوي عليّاً ، فلا تلبث أن تحمل منه غلاماً[290].
33 ـ فبأمير المؤمنين علي (عليه السلام) تاب الله على آدم ونجّى يوسف من الجبّ ، وبأسماء أصحاب الولاية يستجاب الدعاء ، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: والله لو أقسم أهل الأرض بهذه الأسماء لأجابهم . والأسماء هي: اللهمّ أسألك بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)[291].
34 ـ ولمّـا تاب آدم إلى الله وأقرّ بالولاية ودعا بحقّ الخمسة الذين كتبت أسماؤهم على عرش الله ـ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ـ غفر الله له خطيئته.
35 ـ هذه وأمثالها التي لا تعدّ ولا تحصى كلّها من مظاهر الولاية وآثارها في الدنيا والآخرة.
فما أدراك ما الولاية التي يقول عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله): النظر إلى عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) عبادة وذكره عبادة ، ولا يقبل إيمان عبد إلاّ بولايته والبراءة من أعدائه[292].
36 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)[293].
37 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في فهمه وإلى إبراهيم في خلّته وإلى موسى في مناجاته وإلى عيسى في سنّته وإلى محمّد في تمامه وكماله ، فلينظر إلى هذا الرجل المقبل . قال الراوي: فنظر الناس متطاولين فإذا بعليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) ، فكأنّما ينقلع من صبب وينحطّ من جبل[294].
38 ـ وعندنا مثل هذه الأخبار الشريفة العشرات والمئات ، فما هذه الولاية والمحبّة التي يقول فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ الله تبارك وتعالى خلق من نور وجه عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) ملائكة يسبّحون ويقدّسون ويكتبون ثواب ذلك لمحبّيه ومحبّي ولده (عليهم السلام)[295].
39 ـ وكانت الملائكة المنزلون لنصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)يوم بدر كلّهم على صورة عليّ (عليه السلام) ليكونوا في قلوب الكفّار أهيب[296].
40 ـ ولقد كان يُسئل الجريح من المشركين فيقال له: من جرحك ؟ فيقول: علي بن أبي طالب ، فإذا قالها ، مات[297].
41 ـ وعن عبد الله بن عمر ، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد سُئل: بأي لغة خاطبك ربّك ليلة المعراج ؟ فقال (صلى الله عليه وآله): خاطبني بلغة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فألهمني أن قلت: يا ربّ ، أنت خاطبتني أم عليّ ؟ ! فقال تعالى: يا أحمد ، أنا شيء لا كالأشياء ، ولا اُقاس بالناس ، ولا اُوصف بالأشياء ، خلقتك من نوري ، وخلقت عليّاً من نورك ، فاطّلعت على سرائر قلبك فلم أجد إلى قلبك أحبّ من عليّ بن أبي طالب ، فخاطبتك بلسانه كي يطمئنّ قلبك[298].
هذه هي الولاية ! !
42 ـ روي أنّ عليّاً (عليه السلام) مرّ برجل يخيط وهو يغنّي ، فقال (عليه السلام) له: يا شابّ ، لو قرأت القرآن لكان خيراً لك . فقال: إنّي لا اُحسنه ، ولوددت أ نّي اُحسن منه شيئاً . فقال (عليه السلام): اُدن منّي . فدنا منه ، فتكلّم (عليه السلام) في اُذنه بشيء خفيّ ، فصوّر الله القرآن كلّه في قلبه بحفظه كلّه[299].
43 ـ وهذه قطرة من فضائله وولايته ، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) لمّـا قدم بفتح خيبر: لولا أن تقول فيك طائفة من اُمّتي ما قالت النصارى في المسيح ، لقلت اليوم فيك مقالا لا تمرّ بملأ إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك ، ومن فضل طهورك يستشفون به[300].
44 ـ وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) مع بعض أصحابه في مسجد الكوفة ، فقال له رجل: بأبي أنت واُمّي ، إنّي لأتعجّب من هذه الدنيا في أيدي هؤلاء القوم وليست عندكم . فقال (عليه السلام): يا فلان ، أترى نريد الدنيا فلا نُعطاها ؟ ! ثمّ قبض (عليه السلام)قبضةً من الحصى فإذا هي جواهر . فقال (عليه السلام): ما هذا ؟ فقال: هذا من أجود الجواهر . فقال (عليه السلام): لو أردنا لكان ، ولكن لا نريده ، ثمّ رمى (عليه السلام) بالحصى فعادت كما كانت[301].
[246]البحار 24: 378 ، عن تفسير القمّي: 407.
[247]المصدر ، عن بصائر الدرجات: 151.
[248]البحار 24: 400 ، عن الاختصاص: 129.
[249]البحار 24: 402 ، عن اُصول الكافي.
[250]البحار 26: 97 ، عن كنز الفوائد.
[251]المصدر.
[252]المصدر ، عن توحيد الصدوق: 342.
[253]المصدر ، عن البصائر: 25.
[254]البحار 26: 285 ، عن اليقين: 55.
[255]المصدر والمرجع.
[256]البحار 26: 307.
[257]البحار 27: 197.
[258]أمالي المفيد: 339.
[259]المصدر: 340.
[260]البقرة: 269.
[261]التوبة: 38.
[262]المحاسن 1: 250.
[263]الاختصاص: 250.
[264]شرح اللمعة ، المجلّد الأوّل ، في صلاة الميّت.
[265]البحار.
[266]البحار 39: 246.
[267]البحار 49: 127.
[268]بشارة المصطفى: 168.
[269]البحار 23: 83.
[270]الخصال: 625.
[271]بشارة المصطفى: 61.
[272]مشارق أنوار اليقين: 151.
[273]أمالي الشيخ الصدوق: 119.
[274]البحار 24: 176 ، عن أمالي ابن الشيخ: 154.
[275]تفسير الإمام: 21.
[276]روضة الواعظين: 77.
[277]معاني الأخبار: 62 ، وكشف الغمّة 1: 60.
[278]أمالي الشيخ الطوسي: 707.
[279]الخصال: 207.
[280]تحف العقول: 171.
[281]الفضائل: 153.
[282]عدّة الداعي: 87 ، والكافي 6: 20.
[283]عدّة الداعي: 130 ، وثواب الأعمال: 208.
[284]الأمان من أخطار الأسفار والأزمان: 48.
[285]أمالي الصدوق: 208.
[286]آثار وبركات أمير المؤمنين (عليه السلام) في دار الدنيا ; للسيّد هاشم الناجي الموسوي ، وكثير من هذه الروايات في هذا الكتاب ، فجزى الله المؤلّف خيراً.
[287]الكافي 6: 19.
[288]المصدر: 11.
[289]المصدر: 12.
[290]المصدر: 10.
[291]الخصال: 639 ، تفسير العياشي 1: 41.
[292]جامع الأخبار: 55.
[293]كشف الغمّة 1: 114.
[294]المسترشد: 287.
[295]جامع الأخبار: 512.
[296]الخرائج 2: 812.
[297]المناقب 2: 241.
[298]إرشاد القلوب: 234.
[299]الخرائج 1: 174.
[300]كشف الغمّة 1: 298.
[301]الاختصاص: 271 ، وبصائر الدرجات: 375.
45 ـ هذه هي الولاية ، التي ترجع نور البصر إلى الأعمى كما يحدّثنا بذلك مالك الأشتر يقول: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام)في ليلة مظلمة فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته . فقال (عليه السلام): وعليك السلام ، ما الذي أدخلك عليّ في هذه الساعة يا مالك ؟ ! فقلت: حبّك يا أمير المؤمنين وشوقي إليك . فقال (عليه السلام): صدقت والله يا مالك ، فهل رأيت ببابي أحداً في هذه الليلة المظلمة ؟ ! قلت: نعم يا أمير المؤمنين ، رأيت ثلاثة نفر . فقام أمير المؤمنين (عليه السلام)فخرج وخرجنا معه ، فإذا بالباب رجل مكفوف ورجل زمن ورجل أبرص . فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما تصنعون ببابي في هذا الوقت ؟ فقالوا: جئناك يا أمير المؤمنين لتشفينا ممّـا بنا . فمسح (عليه السلام) عليهم جميعاً ، فقاموا لا من عمى ولا زمانة ولا برص[302].
وهل هذا إلاّ من آثار الولاية ؟
46 ـ ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صافح عليّاً (عليه السلام) فكأنّما صافحني ، ومن صافحني فكأنّما صافح أركان العرش ، ومن عانقه فكأنّما عانق الأنبياء كلّهم ، ومن صافح محبّاً لعليّ (عليه السلام) غفر الله له وأدخله الجنّة بغير حساب[303].
47 ـ ومن آثارها قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عليّ ، من مات وهو يحبّك ختم الله عزّ وجلّ له بالأمن والإيمان ، ومن مات وهو يبغضك لم يكن له في الإسلام نصيب[304].
48 ـ وفي خبر آخر: أماته الله ميتة الجاهلية[305] ، وفي حديث آخر: لا يتمّ إيمان عبد إلاّ بحبّه وولايته[306].
49 ـ وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا الحسن ، مثلك في اُمّتي مثل ( قُلْ هُوَ اللهُ أحَدْ ) فمن قرأها مرّة قرأ ثلث القرآن ، ومن قرأها مرّتين فقد قرأ ثلثي القرآن ، ومن قرأها ثلاثاً فقد ختم القرآن ، فمن أحبّك بلسانه وقلبه فقد كمل له ثلثي الإيمان ، ومن أحبّك بلسانه وقلبه ونصرك بيده فقد استكمل الإيمان[307].
50 ـ وما هذه الولاية التي يحسّ بها الإنسان المؤمن طعم الإيمان ، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبد الله ، أحبّ في الله وابغض في الله ووالِ في الله وعادِ في الله ، فإنّه لا تنال ولاية الله إلاّ بذلك ، ولا يجد رجلٌ طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتّى يكون كذلك ، وقد صارت مؤاخاة الناس ـ يومكم هذا ـ أكثرها في الدنيا ، عليها يتوادّون وعليها يتباغضون ، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً . فقال الرجل: يا رسول الله ، فكيف لي أن أعلم أ نّي قد واليت وعاديت في الله ؟ ومن وليّ الله حتّى اُواليه ؟ ومن عدوّه حتّى اُعاديه ؟ فأشار له رسول الله إلى عليّ (عليه السلام)فقال: أترى هذا ؟ قال: بلى . قال: وليّ هذا وليّ الله فواله ، وعدوّ هذا عدوّ الله فعاده ، ووالِ وليّ هذا ولو أ نّه قاتل أبيك (وولدك) ، وعادِ عدوّ هذا ولو أ نّه أبوك أو ولدك[308].
51 ـ أجل ، ما هذه الآثار الدنيوية والاُخروية لمن كان متمسّكاً بعروة الولاية ؟ فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)لأمير المؤمنين (عليه السلام): بشّر شيعتك ومحبّيك بخصال عشر: أوّلها طيب مولدهم ، وثانيها: حُسن إيمانهم ، وثالثها: حبّ الله لهم ، والرابعة: الفسحة في قبورهم ، والخامسة: نورهم يسعى بين أيديهم ، والسادسة: نزع الفقر من بين أعينهم وغنى قلوبهم ، والسابعة: المقت من الله لأعدائهم ، والثامنة: الأمن من البرص والجذام ، والتاسعة: انحطاط الذنوب والسيّئات عنهم ، والعاشرة: هم معي في الجنّة وأنا معهم ، فطوبى لهم وحسن مآب[309].
52 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): ما لمحبّك حسرة عند موته ولا وحشة في قبره[310].
53 ـ وقال: من أحبّ ان يتمسّك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ، فليتمسّك بولاية أخي ووصيّي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فإنّه لا يهلك من أحبّه وتولاّه ، ولا ينجو من أبغضه وعاداه[311].
54 ـ وقال: من أحبّ علياً (عليه السلام)استغفرت له الملائكة[312].
55 ـ وقال: من أحبّ علياً (عليه السلام)كان رشيداً مصيباً ، ومن أبغضه لم ينل من الخير نصيباً[313].
56 ـ وقال: من أحبّ عليّاً (عليه السلام)وتولاّه أكرمه الله عزّ وجلّ وأدناه ، ومن أبغض عليّاً وعاداه مقته الله وأخزاه[314].
57 ـ عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الكرّة المباركة النافعة لأهلها يوم الحساب ولايتي واتّباع أمري ، وولاية عليّ والأوصياء من بعده ، واتّباع أمرهم يدخلهم الله الجنّة بها معي ومع عليّ وصيّي والأوصياء من بعده ، والكرّة الخاسرة عداوتي وترك أمري وعداوة عليّ والأوصياء من بعده ، يدخلهم الله بها النار في أسفل السافلين[315] . والحديث تفسير قوله تعالى: ( قالوا تِلـْكَ إذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ ).
58 ـ ومبغض عليّ لا محالة في النار ، فقد روي عن ابن الجوزي أ نّه قال: ويسمّى أمير المؤمنين علي (عليه السلام)يعسوب النحل ، لأنّ يعسوب أمير النحل ، وهو أحزمها يقف على باب الكوارة كلّما مرّت به نحلة شمّ فاها ، فإن وجد منها رائحة منكرة ، علم أ نّها رعت حشيشة خبيثة فيقطعها ، ويلقيها على باب الكوارة ليتأدّب بها غيرها ، وكذا علي (عليه السلام) يقف على باب الجنّة ، فيشمّ أفواه الناس ، فمن وجد منه رائحة بغضه ألقاه في النار.
59 ـ وقال (صلى الله عليه وآله) ذات يوم لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا الحسن ، هذا حبيبي جبرئيل يخبرني عن الله جلّ جلاله ، إنّه قد أعطى شيعتك ومحبّيك سبع خصال: الرفق عند الموت ، والاُنس عند الوحشة ، والنور عند الظلمة ، والأمن عند الفزع ، والقسط عند الميزان ، والجواز على الصراط ، ودخول الجنّة قبل سائر الناس ، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم[316].
60 ـ وقال (صلى الله عليه وآله) لمعشر الأنصار: يا معشر الأنصار ، ألا أدلّكم على ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ؟ هذا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، فحبّوه كحبّي ، والزموه كإلزامي ، وأكرموه كإكرامي ، فمن أحبّه فقد أحبّني ، ومن أحبّني فقد أحبّ الله ، ومن أحبّ الله أباحه جنّته وأذاقه برد عفوه[317].
ولكن أيّها
القارئ الكريم ، ما يحرق القلب ويقطع أنياطه ، أنّ الأنصار والمهاجرين
خذلوا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بعد رحلة الرسول الأكرم
وانقلبوا على أعقابهم وارتدّوا عن ولايته ، إلاّ ثلاثة أو خمسة أو سبعة
ـ كما يحدّثنا التأريخ بذلك ـ
فإنّ
الدنيا قد غرّت ، وحبّ الرئاسة أعمى الناس عن الحقّ ، عمي بكم صمّ فهم
لا يفقهون.
61 ـ ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في فضائل الولاية وآثارها: من أحبّ علياً بعث الله إليه ملك الموت يرفق به ، ودفع الله عزّ وجلّ عنه هول منكر ونكير ، ونوّر قلبه وبيّض وجهه[318].
62 ـ وقال: إنّ ملك الموت يترحّم على محبّي علي بن أبي طالب (عليه السلام) كما يترحّم على الأنبياء (عليهم السلام)[319].
فالولاية التي توجب القرب إلى الله سبحانه ، ولا تختصّ بالإنس والجنّ بل تعمّ الملائكة.
63 ـ كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عليّ ، إنّ الملائكة لتتقرّب إلى الله تقدّس ذكره بمحبّتك وولايتك[320].
64 ـ ويقول (صلى الله عليه وآله): حبّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) سيّد الأعمال ، وما تقرّب به المتقرّبون من طاعة ربّهم إلاّ بحبّ عليّ (عليه السلام)[321].
65 ـ لِمَ لا ورسول الله يقول: يا عليّ ، حبّك تقوى وإيمان ، وبغضك كفر ونفاق[322].
فأمير المؤمنين علي (عليه
السلام)والأئمة المعصومين ميزان الحقّ ، والفاروق بين الكفر
والإيمان ،
ومعرفة الأخيار من الأشرار.
66 ـ كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عليّ ، بمحبّتك يعرف الأبرار من الفجّار ، ويميز بين الأشرار والأخيار ، وبين المؤمنين والكفّار[323].
هذه هي الولاية وآثارها الخالدة من الروح والريحان والجنّة والرضوان.
67 ـ فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحبّ عليّاً (عليه السلام) هوّن الله عليه سكرات الموت ، وجعل قبره روضة من رياض الجنّة[324].
68 ـ وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليلة اُسري بي إلى السماء الرابعة ، رأيت صورة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فقلت لجبرئيل: هذا أخي علي (عليه السلام) ؟ فاُوحي إليّ: إنّ هذا ملك خلقه الله على صورة علي بن أبي طالب (عليه السلام)يزوره كلّ يوم سبعون ألف ملك يسبّحون ويكبّرون وثوابهم لمحبّي علي بن أبي طالب (عليه السلام)[325].
69 ـ فما هذه الولاية التي تتجلّى بالمحبّة التي من آثارها يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحبّ علياً لا يخرج من الدنيا حتّى يشرب من الكوثر ، ويأكل من طوبى ، ويرَ مكانه في الجنّة[326].
70 ـ وقال: من أحبّ علياً (عليه السلام)قضى الله له كلّ حاجة[327].
71 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): حبّ عليّ (عليه السلام)حقّ ، إنّ الله تعالى يحبّ محبّيه[328].
72 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): كنت ذات يوم جالساً فهبط عليّ جبرئيل وقال لي: إنّ الله يقرئك السلام ويقول لك: يا محمّد ، آليت على نفسي بنفسي ، وأقسمت عليّ بي ، أ نّي لا اُلهم حبّ عليّ (عليه السلام)إلاّ من أحببته أنا ، فمن أحببته ألهمته حبّ عليّ (عليه السلام)[329].
73 ـ وقال (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا عليّ ، من أحبّك ووالاك أحببته وواليته ، ومن أبغضك وعاداك أبغضته وعاديته[330].
74 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): حبّ عليّ (عليه السلام)حسنة لا تضرّ معها سيّئة ، وبغضه سيّئة لا تنفع معها حسنة[331].
75 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): من أحبّ عليّاً (عليه السلام) أثبت الله في قلبه الحكمة وأجرى على لسانه الصواب وفتح الله عليه أبواب الرحمة[332].
76 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): لو أبغض عليّاً (عليه السلام) أهل السماوات والأرضين لأهلكهم الله ببغضه ، ولو أحبّه الكفّار أجمعون لأثابهم الله على محبّته بالخاتمة المحمودة ، بأن يوفّقهم للإيمان ، ثمّ يدخلهم الجنّة برحمته[333].
77 ـ وقال لرجل: أحبّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، فإنّ حبّه خير الدنيا والآخرة[334].
78 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): من أحبّ عليّاً (عليه السلام) قبل الله صلاته وصيامه وقيامه واستجاب له دعائه[335].
79 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): يا عليّ ، من أحبّك ووالاك سبقت له الرحمة ، ومن أبغضك وعاداك سبقت له اللعنة[336].
80 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): يا عليّ ، قل لأصحابك العارفين بك ، يتنزّهون عن الأعمال التي يقارفها عدوّهم ، فما من يوم وليلة إلاّ ورحمة من الله تبارك وتعالى تغشاهم فليجتنبوا الدنس[337].
81 ـ وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): أما إنّه ليس عبد من عباد الله ممّن امتحن الله قلبه للإيمان إلاّ وهو يجد مودّتنا على قلبه فهو يحبّنا ، وليس عبد من عباد الله ممّن سخط الله عليه إلاّ وهو يجد بغضنا على قلبه فهو يبغضنا ، فأصبح محبّنا ينتظر الرحمة ، وكان أبواب الرحمة قد فتحت له ، وأصبح مبغضنا على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم ، فهنيئاً لأهل الرحمة رحمتهم ، وتعساً لأهل النار مثواهم[338].
82 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): من أحبّ عليّاً (عليه السلام) فقد أحبّني ، ومن أحبّني رضي الله عنه ، ومن رضي الله عنه كافأه الجنّة[339].
83 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): من أحبّ عليّاً (عليه السلام) ومات على حبّه صافحته الملائكة وزاره الأنبياء ، وقضى الله عزّ وجلّ له كلّ حاجة[340].
84 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): هذا جبرئيل يخبرني أنّ السعيد كلّ السعيد حقّ السعيد من أحبّ عليّاً (عليه السلام)في حياته وبعد موته ، وإنّ الشقيّ كلّ الشقيّ حقّ الشقيّ من أبغض عليّاً (عليه السلام)في حياته وبعد وفاته[341].
85 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): أ يّها الناس ، ألا وإنّي إن أدلّكم على سفينة نجاتكم وباب حطتكم ، فمن أراد النجاة بعدي والسلامة من العين المردية ، فليتمسّك بحبّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)[342].
86 ـ وقيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله ، أخبرنا عن عليّ (عليه السلام) ، أهو أفضل أم ملائكة الله المقرّبون ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وهل شرفت الملائكة إلاّ بحبّها لمحمّد وعليّ وقبولها لولايتهما ، إنّه لا أحد من محبّي عليّ (عليه السلام)وقد نظف قلبه من قذر الغشّ والدغل والغلّ ونجاسات الذنوب ، إلاّ وكان أطهر وأفضل من الملائكة[343].
فما أعظم
مقام الولاية التي تشرّفت بها الملائكة ، وازداد بها الإنسان المؤمن الموالي
النظيف شرفاً ، فهي الصراط المستقيم ، كما جاء في تفسير قوله
تعالى:
( اهْدِنا
الصِّراطَ المُسْتَقيمَ ).
87 ـ فهذه هي الولاية التي يقول فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عليّ ، طوبى لمن أحبّك وصدّق بك ، وويلٌ لمن أبغضك وكذّبك ، محبّوك معرّفون في السماء السابعة والأرض السابعة السفلى وما بين ذلك ، هم أهل الدين والسمت ـ الطريقة الحسنة ـ الحسن والتواضع لله عزّ وجلّ ، خاشعة أبصارهم وجلة قلوبهم لذكر الله ، وقد عرفوا حقّ ولايتك ، يدينون لله بما أمرهم به في كتابه وجائهم به البرهان من سنّة نبيّه ، عاملون بما يأمرهم به اُولو الأمر منهم ، متواصلون غير متقاطعين ، متحابّون غير متباغضين ، إنّ الملائكة لتصلّي عليهم وتؤمّن على دعائهم وتستغفر للمذنب منهم وتشهد حضرته وتستوحش لفقده إلى يوم القيامة[344].
88 ـ الله الله بمثل هذه الولاية التي يستلزمها طهارة المولد كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال لي جبرئيل ليلة المعراج: يا محمّد ، يحشر الناس كلّهم يوم القيامة حفاة عراة إلاّ شيعة عليّ (عليه السلام) ، ويدعى الناس بأسماء اُمّهاتهم إلاّ شيعة عليّ (عليه السلام) ، فإنّهم يدعون بأسماء آبائهم . فقلت: حبيبي جبرئيل وكيف ذاك ؟ قال: لأ نّهم أحبّوا عليّاً (عليه السلام)فطاب مولدهم[345].
89 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): يا عليّ ، لا يحبّك إلاّ من طابت ولادته ، ولا يبغضك إلاّ من خبثت ولادته[346].
90 ـ وعن جابر الأنصاري ، قال: قال
أبو أيّوب الأنصاري: اعرضوا حبّ
عليّ
(عليه
السلام)على أولادكم فمن أحبّه فهو منكم ومن لم يحبّه فاسألوا اُمّه من أين جاءت
به ؟ ! فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول
لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام): لا يحبّك إلاّ
مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق أو ولد زنية أو من حملته اُمّه وهي طامث[347].
91 ـ فيما وعظ به أمير المؤمنين (عليه السلام)نوفا البطالي أ نّه قال: يا نوف كذب من زعم أ نّه من ولد حلال وهو يبغضني ويبغض الأئمة من ولدي.
92 ـ عن ابن عباس وغيره قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): لا يحبّك إلاّ طاهر الولادة ، ولا يبغضك إلاّ خبيث الولادة ـ ومثله بأسانيد كثيرة ـ.
93 ـ عن الإمام الصادق (عليه السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحبّنا أهل البيت فليحمد الله على أوّل النعم ، قيل: وما أوّل النعم ؟ قال: طيب الولادة ، ولا يحبّنا إلاّ من طابت ولادته.
94 ـ عن الإمام الباقر (عليه السلام): من أصبح يجد برد حبّنا على قلبه فليحمد الله على بادئ النعم ، قيل: وما بادئ النعم ؟ قال: طيب المولد.
95 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عليّ ، من أحبّني وأحبّك وأحبّ الأئمة من ولدك فليحمد الله على طيب مولده ، فإنّه لا يحبّنا إلاّ من طابت ولادته ، ولا يبغضنا إلاّ من خبثت ولادته.
96 ـ عن المفضّل قال: سمعت الصادق (عليه السلام)يقول لأصحابه: من وجد برد حبّنا على قلبه فليكثر الدعاء لاُمّه فإنّها لم تخن أباه.
97 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من لم يحبّ عترتي فهو لإحدى ثلاث: إمّا منافق وإما لزنية ، وإمّا امرؤ حملت به اُمّه في غير طهر.
98 ـ قال أبو جعفر (عليه السلام): إنّما يحبّنا من العرب والعجم أهل البيوتات وذوو الشرف وكلّ مولود صحيح ، وإنّما يبغضنا من هؤلاء كلّ مدنّس مطرّد[348].
99 ـ فما أروع الولاية والمحبّة التي تستلزم الفرح والحبور في الدنيا والآخرة ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله)يقول: يا عليّ ، ما بين من يحبّك وبين أن يرى ما تقرّ به عينه ، إلاّ أن يعاين الموت[349].
100 ـ وقال: من أحبّك فاز ، ومن أبغضك هلك[350].
101 ـ والولاية توجب قبول الأعمال كما قال الرسول المختار (صلى الله عليه وآله): من أحبّ عليّاً قبل الله صلاته وصيامه واستجاب له دعائه[351].
102 ـ وقال: من أحبّ عليّاً تقبّل الله حسناته وتجاوز عن سيّئاته.
وقال (صلى الله عليه وآله): من أحبّ عليّاً (عليه السلام) وضع الله على رأسه تاج الكرامة وألبسه حلّة العزّ والكرامة[352].
103 ـ فما هذه المودّة والحبّ الولائي المخزون تحت العرش الإلهي كما قال رسول الله لأمير المؤمنين: لا تلومنّ الناس على حبّك ، فإنّ حبّك مخزون تحت العرش ، ولا ينال حبّك من يريد ، إنّما ينزل من السماء بقدر[353].
104 ـ وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) مبشّراً شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام): يا عليّ ، إخوانك يفرحون في ثلاثة مواطن: عند خروج أنفسهم ـ وأنا شاهدهم وأنت ـ وعند المسائلة في قبورهم ، وعند العرض الأكبر ، وعند الصراط إذا سُئل الخلق عن إيمانهم فلم يجيبوا[354].
105 ـ هذه هي الولاية التي توجب النجاة والفوز ، ويقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): ينجو فيّ ثلاثة: المحبّ الموالي ، والمعادي لمن عاداني ، والمحبّ لمن أحبّني[355].
106 ـ تعال لنستمع إلى ما يقول حبيب الله النبيّ المصطفى في شأن شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) الذين حملوا الولاية في وجودهم فقال (صلى الله عليه وآله): إنّ الله عزّ وجلّ راض عنهم وإنّه يباهي بهم ملائكته وينظر إليهم في كلّ جمعة برحمته ، ويأمر الملائكة أن تستغفر لهم[356].
107 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): حبّ علي (عليه السلام)نعمة ، واتّباعه فضيلة ، دان به الملائكة وحفّت به الجنّ الصالحون[357].
108 ـ وقال (صلى الله عليه وآله):
أنا سيّد الأوّلين والآخرين ، وعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) سيّد
الوصيّين ،
وهو أخي ووارثي وخليفتي على اُمّتي ، ولايته فريضة واتّباعه فضيلة ،
ومحبّته إلى الله عزّ وجلّ وسيلة[358].
109 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): من أحبّه هداه الله ، ومن أبغضه أضلّه الله[359].
110 ـ وإنّ حبّ أمير المؤمنين لتنفع حتّى لمن كان من الكتابيين من اليهود والنصارى ، فعن جابر الأنصاري قال: كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) صاحب يهودي قال: وكان كثيراً ما يألفه ، وإن كانت له حاجة أسعفه فيها ، فمات اليهودي ، فحزن عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) واستبدّت وحشته له . قال: فالتفت إليه النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وهو ضاحك ، فقال له: يا أبا الحسن ، ما فعل صاحبك اليهودي ؟ قال: قلت: مات . قال (صلى الله عليه وآله): أغممت به واستبدّت وحشتك عليه ؟ قال: نعم يا رسول الله . قال: فتحبّ تراه محبوراً ؟ قال: نعم ، بأبي أنت واُمّي . قال: ارفع رأسك ، وكشط به عن السماء الرابعة ، فإذا هو بقبّة من زبرجدة خضراء معلّقة بالقدرة . فقال له: يا أبا الحسن ، هذا لمن يحبّك من أهل الذمّة من اليهود والنصارى والمجوس ، وشيعتك المؤمنون معي ومعك غداً في الجنّة[360].
111 ـ وأيّ ولاية هذه التي يقول فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ولاية عليّ بن أبي طالب ولاية الله ، وحبّه عبادة الله ، واتّباعه فريضة الله ، وأولياؤه أولياء الله ، وأعداؤه أعداء الله ، وحربه حرب الله ، وسلمه سلم الله عزّ وجلّ[361].
112 ـ وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله
تعالى: ( ألـْقِيا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّار
عَنيد ):
الكافر
من جحد نبوّتي ، والعنيد من جحد بولاية عليّ بن أبي طالب وعترته ،
والجنّة لشيعته ولمحبّيه[362].
113 ـ وما هذه الولاية التي لها مظاهر كالحبّ الذي يقول فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله): كنت جالساً بعدما فرغت من جهاز عمّي حمزة إذ هبط عليّ جبرئيل (عليه السلام)وقال: يا محمّد ، الله يقرؤك السلام ويقول لك: قد فرضت الصلاة ووضعتها عن المعتلّ والمجنون والصبيّ ، وفرضت الصوم ووضعته عن المسافر ، وفرضت الحجّ ووضعته عن المعتلّ ، وفرضت الزكاة ووضعتها عن المعدم ، وفرضت حبّ عليّ بن أبي طالب فرضت محبّته على أهل السماوات والأرض فلم اُعطِ أحداً رخصته[363].
114 ـ وما هذه السعادة العظمى في الولايه ورسول الله يقول: يا علي ، أنت أخي وأنا أخوك ، أنا المصطفى للنبوّة وأنت المجتبى للإمامة ، وأنا صاحب التنزيل وأنت صاحب التأويل ، وأنا وأنت أبوا هذه الاُمّة . يا علي ، أنت وصيّي وخليفتي ووزيري ووارثي وأبو ولدي ، شيعتك شيعتي وأنصارك أنصاري وأولياؤك أوليائي وأعداؤك أعدائي . يا عليّ ، أنت صاحبي على الحوض غداً ، وأنت صاحبي في المقام المحمود ، وأنت صاحب لوائي في الآخرة ، كما إنّك صاحب لوائي في الدنيا ، لقد سعد من تولاّك وشقي من عاداك ، وإنّ الملائكة لتتقرّب إلى الله تقدّس ذكره بمحبّتك وولايتك ، والله إنّ أهل مودّتك في السماء لأكثر منهم في الأرض[364].
115 ـ وعن أبي جعفر الثاني جواد الأئمة (عليهم السلام) ، عن موسى بن القاسم ، قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): قد أردت أن أطوف عنك وعن أبيك ، فقيل لي: إنّ الأوصياء لا يطاف عنهم ، فقال لي: بل طُف ما أمكنك ، فإنّ ذلك جائز . ثمّ قلت له بعد ذلك بثلاث سنين: إنّي كنت أستأذنتك في الطواف عنك وعن أبيك فأذنت لي في ذلك ، فطفت عنكما ما شاء الله ، ثمّ وقع في قلبي شيء فعملتُ به . قال: وما هو ؟ قلت: طُفتُ يوماً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) . فقال ثلاث مرّات: صلّى الله على رسول الله ، ثمّ اليوم الثاني عن أمير المؤمنين ، ثمّ طُفت اليوم الثالث عن الحسن ، والرابع عن الحسين ، والخامس عن علي بن الحسين ، والسادس عن أبي جعفر محمد بن علي ، واليوم السابع عن جعفر بن محمد ، واليوم الثامن عن أبيك موسى ، واليوم التاسع عن أبيك علي ، واليوم العاشر عنك يا سيّدي ، وهؤلاء الذين أدينُ الله بولايتهم . فقال: إذن والله تدين الله بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره . قلت: وربما طفت عن اُمّك فاطمة ، وربما لم أطف . فقال: استكثر من هذا ، فإنّه أفضل ما أنت عاملُه إن شاء الله[365].
116 ـ وعن موسى بن القاسم ، عن علي بن جعفر ، قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام)عن قول الله عزّ وجلّ: ( كَمِشْكاه فيها مِصْباحٌ ) قال: المشكاة فاطمة ، والمصباح الحسن ، والحسين الزجاجة ، ( كَأ نَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ) قال: كانت فاطمة كوكباً درّيّاً من نساء العالمين ، ( يوقَدُ مِنْ شَجَرَة مُبارَكَة ) الشجرة المباركة إبراهيم ، ( لا شَرْقِيَّة وَلا غَرْبِيَّة ) لا يهوديّة ولا نصرانيّة ، ( يَكادُ زَيْتُها يُضيءُ )قال: يكاد العلم أن ينطق منها ، ( وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نورٌ عَلى نور ) ، قال: فيها إمام بعد إمام ، ( يَهْدي اللهُ لِنورِهِ مَنْ يَشاءُ ) قال: يهدي الله عزّ وجلّ لولايتنا من يشاء[366].
117 ـ في حديث الإسراء: يا محمّد ، إنّي خلقتك وخلقت عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من الضالّين (الظالمين) ، يا محمّد ، لو أنّ عبداً من عبيدي عبد حتّى ينقطع ، أو يصير كالشنّ البالي ، ثمّ أتاني جاحداً لولايتكم ، ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم.
يا محمّد ، أتحبّ أن تراهم ؟ قلت: نعم يا ربّ . قال: التفت . فالتفتّ عن يمين العرش فإذا أنا باسمي وباسم علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والمهدي في وسطهم كأ نّه كوكبٌ درّي . فقال: يا محمد ، هؤلاء حججي على خلقي ، وهذا القائم من ولدك بالسيف والمنتقم من أعدائك[367].
118 ـ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)قال: لمّـا خلق الله الجنّة خلقها من نور وجهه ، ثمّ أخذ ذلك النور فقذفه فأصابني ثلث النور ، وأصاب فاطمة ثلث النور ، وأصاب علياً وأهل بيته ثلث النور ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل محمد ، ومن لم يصبه من ذلك النور ، ضلّ عن ولاية آل محمد (صلى الله عليه وآله)[368].
119 ـ عن أبي سعيد الخدري ، قال: كنّا جلوساً عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ أقبل إليه رجلٌ فقال: يا رسول الله ، أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ لإبليس: ( أسْتَكْبَرْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ العالينَ ) ، من هم يا رسول الله الذين هم أعلى من الملائكة المقرّبين ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، كنّا في سرادق العرش نسبّح الله فسبّحت الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق الله عزّ وجلّ آدم بألفي عام ، فلمّـا خلق الله عزّ وجلّ آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له ، ولم يؤمروا بالسجود إلاّ لأجلنا ، فسجدت الملائكة كلّهم أجمعون إلاّ إبليس أبى أن يسجد ، فقال الله تبارك وتعالى: ( يا إبْليسُ ما مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أسْتَكْبَرْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ العالينَ ) أي من هؤلاء الخمسة المكتوبة أسماؤهم في سرادق العرش ، فنحن باب الله الذي يؤتى منه ، وبنا يهتدي المهتدون ، فمن أحبّنا أحبّه الله وأسكنه جنّته ، ومن أبغضنا أبغضه الله وأسكنه ناره ، ولا يحبّنا إلاّ من طاب مولده[369].
ها عليٌّ بشرٌ كيف بشر *** ربّه فيه تجلّى وظهر
اُذن الله وعين الباري *** يا له صاحب سمع وبصر
مظهر الواجب يا للممكن *** صورة الكامل يا للمظهر
جنس الأجناس علي وبنون *** نوع الأنواع إلى الحادي عشر
كلّ من مات ولم يعرفهم *** موته موت حمار وبقر
أ يّها الخصم تذكّر سنداً *** متنه صحّ بنصٍّ وخبر
إذ أتى أحمد في خمّ غدير *** بعليّ وعلى الرحل تبر
قال من كنت أنا مولاه *** فعليٌّ له مولى ومفر
قبل تعيين وصيّ ووزير *** من رأى فات نبي وهجر
حبّه مبدأ خلد ونعيم *** بغضه منشأ نار وسقر
من له صاحبة كالزهراء *** أو سليل كشبير وشبر
بو تراب وكنوز العالم *** عنده نحو تراب ومدر
ظلّ ما عاش بجوع وصيام *** بات من ماحى بدمع وسهر
ناقة الله فيا شقوة من *** ما رعاها فتعالى فعقر
ومن أشعار شيخنا البهائي (قدس سره):
يا ربّ إنّي مذنبٌ خاطي *** مقصّر في صالحات القربِ
وليس لي من عمل صالح *** أرجو في الحشر لدفع الكرب
غير اعتقادي حبّ خير الورى *** وآله والمرء مع من أحبّ
وأيضاً:
في يثرب والغريّ والزوراء *** في طوس وكربلاء وسامرّاء
لي أربعة وعشرة هم ثقتي *** في الحشر وهم حصني من أعدائي
ولقائل:
بني الوحي والآيات يا من مديحهم *** علوت به قدراً وطبت به ذكرا
مهابط سرّ الله خزّان علمه *** وأعلى الورى فخراً وأرفعهم قدرا
ركائب آمالي إليكم حثثتها *** فلا أرتجي في الناس زيداً ولا عمرا
ومن ذا الذي أضحى يرفع نداكم *** نزيلا وما أبدلتم عسره يُسرا
ولآخر:
اُمّي بحبّ أمير النحل قد نجبت *** وعن غذائي في غير الولاء أبت
وأقول والنفس تجزى بالذي كسبت *** لا عذّب الله اُمّي إنّها شربت
حبّ الوصيّ وغذّتنيه باللبن
نشأت نشأة صبٍّ فيه مفتتني *** من حيث اُمّي غذّتني طاهر اللبن
فدرّ اُمّي شطر الحبّ أورثني *** وكان لي والدٌ يهوى أبا حسن
فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسنِ
وما أروع ما يقوله الشيخ صفيّ الدين الحلّي:
أمير المؤمنين أراك لما ذكرتك *** عند ذي حسب صغا لي
وإن كرّرت ذكرك عند نغل *** تكدّر عيشه وبغى قتالي
فصرت إن شككت بأصل شخص *** ذكرتك بالجميل من المقال
فليس يطيق سمع ثناك إلاّ *** كريم الأصل محمود الخصال
فها أنا قد خبرت بك البرايا *** فأنت محكّ أولاد الحلال
120 ـ أجل السعادة كلّها في الولاية ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا علي ، سعد من والاك ، وشقي من عاداك[370].
121 ـ أتدري أنّ الولاية هي العروة الوثقى في القرآن الكريم ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أراد أن يتمسّك بالعروة الوثقى التي قال الله تعالى في كتابه ، فليوالِ علي بن أبي طالب (عليه السلام)[371].
122 ـ والفوز إنّما يكون ويتحقّق في الولاية: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا عليّ ، لقد فاز من تولاّك ، وخاب من عاداك[372].
123 ـ الكرامة في الولاية: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحبّ عليّاً وتولاّه أكرمه الله تعالى وأدناه ، ومن أبغض علياً (عليه السلام) وعاداه مقته الله وأخزاه[373].
124 ـ قال الله تعالى للنبيّ (صلى الله
عليه وآله)ليلة المعراج: يا محمّد ، فبي حلفت وعلى نفسي
حتمت
أ نّه لا يتولينّ علياً وزوجته وذرّيّتهما أحد من خلقي ، إلاّ رفعت
لوائه إلى قائمة عرشي وجنّتي وبحبوحة كرامتي وسقيته من حظيرة قدسي ، ولا
يعاديهم أحد ويعدل عن ولايتهم ـ يا محمّد ـ إلاّ سلبته ودّي
وباعدته من قربي وضاعفت عليهم عذابي ولعنتي[374].
[302]إرشاد القلوب: 284.
[303]إرشاد القلوب: 257.
[304]أمالي الطوسي: 545.
[305]كشف الغمّة 1: 67.
[306]مشارق الأنوار: 57.
[307]أمالي الصدوق: 37.
[308]معاني الأخبار: 37.
[309]إعلام الدين: 450.
[310]المناقب 3: 237.
[311]معاني الأخبار: 369.
[312]فضائل الشيعة: 4.
[313]جامع الأخبار: 54.
[314]جامع الأخبار: 53.
[315]البحار 24: 263 ، عن كنز الفوائد: 370.
[316]الخصال: 403.
[317]تفسير فرات الكوفي: 164.
[318]بشارة المصطفى: 37.
[319]إرشاد القلوب: 257.
[320]أمالي الصدوق: 272.
[321]تأويل الآيات 1: 87.
[322]أمالي الصدوق: 31.
[323]المصدر: 48.
[324]تأويل الآيات 2: 863.
[325]بشارة المصطفى: 71.
[326]فضائل الشيعة: 4.
[327]فضائل الشيعة: 5.
[328]الفضائل: 148.
[329]المصدر: 147.
[330]أمالي الصدوق: 301.
[331]الفضائل: 96 ، المناقب 3: 197.
[332]فضائل الشيعة: 5.
[333]تفسير الإمام: 20.
[334]الدعوات: 196.
[335]فضائل الشيعة: 863.
[336]الخصال: 556.
[337]أمالي الصدوق: 452.
[338]أمالي المفيد: 271.
[339]بشارة المصطفى: 37.
[340]تأويل الآيات 2: 865.
[341]دلائل الإمامة: 75.
[342]التحصين: 603 ، وقد تحدّثت بالتفصيل عن حديث السفينة عند الفريقين في كتاب ( أهل البيت (عليهم السلام) سفينة النجاة ) ، فراجع.
[343]تفسير الإمام: 383.
[344]عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 261.
[345]جامع الأحاديث: 251 ، وبحار الأنوار 27: 145 ، الباب 5 أنّ حبّهم (عليهم السلام) علامة طيب الولادة وبغضهم علامة خبث الولادة ، وفي الباب 31 رواية.
[346]كمال الدين: 261.
[347]علل الشرائع: 145.
[348]الروايات من بحار الأنوار 27: 145 ، الباب 5 أنّ حبّهم (عليهم السلام) علامة طيب الولادة وبغضهم علامة خبث الولادة ، وفي الباب 31 رواية.
[349]تأويل الآيات 2: 485.
[350]بشارة المصطفى: 180.
[351]فضائل الشيعة: 4 ، وبحار الأنوار 27: 166 ، الباب 7 أ نّه لا تقبل الأعمال إلاّ بالولاية ، وفي الباب 71 رواية.
[352]تأويل الآيات 2: 864.
[353]بشارة المصطفى: 165.
[354]أمالي الصدوق: 450.
[355]تفسير الفرات: 61.
[356]أمالي الصدوق: 452.
[357]المصدر: 17.
[358]المصدر: 467.
[359]بصائر الدرجات: 53.
[360]الاُصول الستّة عشر: 96.
[361]البحار 40: 4 ، عن أمالي الصدوق: 21.
[362]البحار 40: 44 ، عن الروضة: 18.
[363]البحار 40: 47.
[364]المصدر: 53.
[365]البحار 50: 101.
[366]المناقب ; لابن المغازلي: 317.
[367]تأويل الآيات 1: 98.
[368]البحار 43: 44.
[369]تأويل الآيات 2: 509.
[370]مشارق الأنوار: 46 ، وأمالي الصدوق: 395.
[371]كامل الزيارات: 51.
[372]أمالي الصدوق: 533.
[373]جامع الأخبار: 53.
[374]اليقين: 426.
125 ـ قال الإمام (عليه السلام): من تواضع مع المتواضعين فاعترف بنبوّة محمد (صلى الله عليه وآله)وولاية علي (عليه السلام)والطيبّين من آلهما (عليهم السلام) ثمّ تواضع لإخوانه وبسطهم وآنسهم ، كلّما ازداد بهم برّاً ازداد بهم استيناساً وتواضعاً ، باهى الله عزّ وجلّ به كرام ملائكته من حملة عرشه والطائفين به.
126 ـ عن أبي حمزة قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): إنّما يعبد الله من يعرف الله ، فأمّا من لا يعرف الله فإنّما يعبده هكذا ضلالا . قلت: جعلت فداك ، فما معرفة الله ؟ قال (عليه السلام): تصديق الله عزّ وجلّ وتصديق رسوله (صلى الله عليه وآله) وموالاة علي (عليه السلام)والائتمام به وبأئمة الهدى (عليهم السلام) والبراءة إلى الله عزّ وجلّ من عدوّهم . هكذا يعرف الله عزّ وجلّ[375].
127 ـ سفينة النجاة ولاية الأئمة (عليهم السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحبّ أن يركب سفينة النجاة ، ويستمسك بالعروة الوثقى ، ويعتصم بحبل الله المتين ، فليوالِ علياً (عليه السلام)بعدي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي وسادة اُمّتي[376].
128 ـ فلا تستصغرنّ الولاية والمودّة لأهل البيت (عليهم السلام) ، فعن محمّد بن إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي قال: دخلت أنا وعمّي الحصين بن عبد الرحمان على أبي عبد الله فسلّم عليه فردّ عليه السلام وأدناه وقال: ابن من هذا معك ؟ قال: ابن أخي إسماعيل . قال: رحمه الله وتجاوز عن سيّئ عمله كيف مخلّفوه ؟ قال: قال: نحن جميعاً نجير ما أبقى الله لنا مودّتكم . قال: يا حصين ، لا تستصغر مودّتنا فإنّها من الباقيات الصالحات ، فقال: يا ابن رسول الله ، ما أستصغرها ولكن أحمد الله عليها[377].
129 ـ بالله عليك هلاّ أمعنت النظر في هذا الخبر ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبد الله ، أحبِب في الله وأبغض في الله ووالِ في الله وعادِ في الله . فإنّك لا تنال ولايته إلاّ بذلك ، ولا يجد رجل طعم الإيمان ـ وإن كثرت صلاته وصيامه ـ حتّى يكون كذلك . وقد صارت مواخاة الناس في يومكم هذا أكثرها في الدنيا ، عليها يتوادّون وعليها يتباغضون ، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً . فقال الرجل: يا رسول الله ، كيف لي أن أعلم أ نّي قد واليت وعاديت في الله ؟ ومن وليّ الله حتّى اُواليه ؟ ومن عدوّه حتّى اُعاديه ؟ فأشار له رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام)فقال: أترى هذا ؟ فقال: بلى . فقال (صلى الله عليه وآله): وليّ هذا وليّ الله فوالِه ، وعدوّ هذا عدوّ الله فعادِه ، ووالِ وليّ هذا ولو أ نّه قاتل أبيك وولدك ، وعادِ عدوّ هذا ولو أ نّه أبوك وولدك[378].
130 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): النظر إلى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) عبادة ، ولا يقبل الله إيمان عبد إلاّ بولايته والبراءة من أعدائه[379].
131 ـ وقال (صلى الله عليه وآله) ذات يوم لأصحابه: معاشر أصحابي ، إنّ الله جلّ جلاله يأمركم بولاية علي بن أبي طالب والاقتداء به ، فهو وليّكم وإمامكم من بعدي ، لا تخالفوه فتكفروا ، ولا تفارقوه فتضلّوا[380].
132 ـ وإذا أردت أن تعرف من أين أتى الضلال بعد الهُدى ، فاسمع إلى خطبة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، يقول: أ يّتها الاُمّة المتحيّرة بعد نبيّها ، لو كنتم قدّمتم من قدّم الله وأخّرتم من أخّر الله وجعلتم الولاية والوراثة حيث جعلها الله ، ما عال وليّ الله ولا عال سهم من فرائض الله ، ولا اختلف إثنان في حكم الله ، ولا تنازعت الاُمّة في شيء من أمر الله ، إلاّ عندنا علمه من كتاب الله ، فذوقوا وبال أمركم وما فرّطتم فيما قدّمت أيديكم ، وما الله بظلاّم للعبيد ، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون[381].
133 ـ وعن أبي رجاء العطاردي ، قال: لمّـا بايع الناس لأبي بكر دخل أبو ذرّ الغفاري (رضي الله عنه) المسجد فقال: فما بالكم أ يّتها الاُمّة المتحيّرة بعد نبيّها ، لو قدّمتم من قدّم الله وخلّفتم الولاية لمن خلفها النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، والله لما عال وليّ والله ولما اختلف اثنان في حكم الله ، ولا سقط سهم من فرائض الله ، ولا تنازعت هذه الاُمّة في شيء من أمر دينها إلاّ وجدتم علم ذلك عند اهل بيت نبيّكم ، لأنّ الله تعالى يقول في كتابه العزيز: ( الَّذينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَتْلونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ) ، فذوقوا وبال ما فرّطتم ، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون[382].
أوَ تدري لماذا نصرّ
على الولاية ، بل ونبالغ في الإصرار عليها ، ونفدي
الأرواح
والمهج في سبيلها ، ونبذل النفس والنفيس من أجلها ، ونستقبل الشهادة
دونها ، لأ نّها هي الكلّ بالكلّ ، ولولاها لما عرفنا حقيقة الدين
واُصوله ، ولتحيّرنا كما تحيّرت الاُمّة بعد رحلة نبيّها ، فانخدعت
وضلّت وارتدّت عن ولاية وليّ الله عليّ ابن أبي طالب أسد الله الغالب (عليه
السلام) ،
إلاّ ثلاثة أنفار أو خمسة أو سبعة ، كما ورد في الخبر الشريف.
134 ـ تعال لنستمع إلى خطبة أمير المؤمنين يصف لنا اُولئك الذين تاهوا وضلّوا الطريق ، فيقول (عليه السلام): أ يّها الاُمّة التي خدعت فانخدعت ، وعرفت خديعة من خدعها فأصرّت على ما عرفت واتّبعت أهوائها وضربت في عشواء غوايتها ، وقد استبان لها الحقّ فصدّت عنه ، والطريق الواضح فتنكّبته ، أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لو اقتبستم العلم من معدنه وشربتم الماء بعذوبته وادّخرتم الخير في موضعه ، وأخذتم الطريق من واضحه ، وسلكتم من الحقّ نهجه ، لنهجت بكم السبل وبدت لكم الأعلام وأضاء لكم الإسلام ، فأكلتم رغداً ، وما عال فيكم عائل ، ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد ، ولكن سلكتم سبيل الظلام فأظلمت عليكم دنياكم برحبها وسدّت عليكم أبواب العلم ، فقلتم بأهوائكم واختلفتم في دينكم ، فأفتيتم في دين الله بغير علم واتّبعتم الغواة فأغوتكم وتركتم الأئمة فتركوكم ، فأصبحتم تحكمون بأهوائكم ، إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذكر ، فإذا أفتوكم قلتم هو العلم بعينه ، فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه ؟ ! رويداً عمّـا قليل تحصدون جميع ما زرعتم وتجدون وخيم ما اجترمتم وما اجتلبتم ، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لقد علمتم أ نّي صاحبكم والذي به اُمرتم ، وإنّي عالمكم والذي بعلمه نجاتكم ، ووصيّ نبيّكم ، وخير ربّكم ، ولسان نوركم والعالم بما يصلحكم ، فعن قليل رويداً ينزل بكم ما وُعدتم ، وما نزل بالاُمم قبلكم ، وسيسألكم الله عزّ وجلّ عن أئمتكم[383].
135 ـ أجل الأمن والأمان في ولاية علي وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أصبح منكم راضياً بالله وبولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)فقد أمن خوف الله وعقابه[384].
136 ـ الإيمان في الولاية ، قال الإمام الصادق (عليه السلام): إنّ الله تعالى جعل علياً (عليه السلام) علماً بينه وبين خلقه ليس بينهم علم غيره ، فمن أقرّ بولايته كان مؤمناً ، ومن جحده كان كافراً ، ومن جهله كان ضالا ، ومن نصب معه كان مشركاً ، ومن جاء بولايته دخل الجنّة ، ومن أنكرها دخل النار[385].
137 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): النظر إلى عليّ بن أبي طالب عبادة ، وذكره عبادة ، ولا يقبل إيمان عبد إلاّ بولايته والبراءة من أعدائه[386].
138 ـ هذه هي الولاية التي يتقرّب بها الملائكة ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا عليّ ، إنّ الملائكة لتتقرّب إلى الله تقدّس ذكره بمحبّتك وولايتك[387].
139 ـ وليس كلّ واحد يقبل الولاية ، بل كما جاء في الحديث القدسي عن الربّ عزّ وجلّ: من أحببته من عبادي وتولّيته عرّفته ولايته[388].
140 ـ أجل ، قال الإمام الباقر (عليه السلام): الحسنة ولاية علي (عليه السلام) وحبّه ، والسيّئة عداوته وبغضه ، ولا يرفع معهما عمل[389].
141 ـ عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حدّثني جبرئيل عن ربّ العزّة جلّ جلاله أ نّه قال: من علم أن لا إله إلاّ أنا وحدي وأنّ محمّداً عبدي ورسولي ، وأنّ علي بن أبي طالب خليفتي ، وأنّ الأئمة من ولده حججي ، أدخلته الجنّة برحمتي ونجّيته من النار بعفوي ، وأبحتُ له جواري وأوجبت له كرامتي وأتممت عليه نعمتي وجعلته من خاصّتي وخالصتي . إن ناداني لبّيته ، وإن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته وإن سكت ابتدأته ، وإن أساء رحمته ، وإن فرّ منّي دعوته ، وإن رجع إليَّ قبلته ، وإن قرع بابي فتحته ، ومن لم يشهد أن لا إله إلاّ أنا وحدي أو شهد بذلك ، ولم يشهد أنّ محمداً عبدي ورسولي ، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ علي بن أبي طالب خليفتي ، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ الأئمة من ولده حججي ، فقد جحد نعمتي وصغّر عظمتي وكفّر بآياتي وكتبي ، إن قصدني حجبته ، وإن سألني حرمته ، وإن ناداني لم أسمع نداءه ، وإن دعاني لم أستجب دعاءه ، وإن رجاني خيّبته ، وذلك جزاؤه منّي ، وما أنا بظلاّم للعبيد.
فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله ، ومن الأئمة من ولد علي بن أبي طالب ؟
قال (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، ثمّ سيّد العابدين في زمانه علي بن الحسين ، ثمّ الباقر محمد بن علي ـ وستدركه يا جابر ، فإذا أدركته فاقرئه منّي السلام ـ ثمّ الصادق جعفر بن محمد ، ثمّ الكاظم موسى بن جعفر ، ثمّ الرضا علي بن موسى ، ثمّ التقيّ محمد بن علي ، ثمّ النقيّ علي بن محمد ، ثمّ الزكي الحسن بن علي ، ثمّ ابنه القائم بالحقّ مهدي اُمّتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً.
هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي ، من أطاعهم فقد أطاعني ، ومن عصاهم فقد عصاني ، ومن أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد أنكرني ، بهم يمسك الله عزّ وجلّ السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه ، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها[390].
142 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبة يوم الغدير: معاشر الناس ، بايعوا الله وبايعوني وبايعوا علياً أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمة منهم في الدنيا والآخرة ، فإنّها كلمة باقية ، يهلك الله بها من غدر ويرحم من وفا[391].
143 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا عليّ ، بولايتك صارت اُمّتي مرحومة ، وبعداوتك صارت الفرقة المخالفة منها ملعونة[392].
144 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام): كانت ولايتي كمال الدين ورضا الربّ جلّ ذكره[393].
145 ـ وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابن عباس: يا بن عباس ، إذا أردت أن تلقى الله تعالى وهو عنك راض ، فاسلك طريقة علي (عليه السلام) ومِل معه حيث مال وارضَ به إماماً ، وعادِ من عاداه ووالِ من والاه . يا بن عباس ، احذر من أن يدخلك شكّ فيه ، فإنّ الشكّ في علي (عليه السلام) كفر بالله.
146 ـ سمع أبو عبد الله الصادق (عليه السلام)رجلا من قريش يكلّم رجلا من أصحابنا ، فاستطال عليه القرشي بالقرشيّة واستخزى الرجل لعدم قرشيّته . فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): أجبه ، فإنّك بالولاية أشرف منه نسباً[394].
147 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أراد الله أن يطهّر قلبه عرّفه ولاية علي ابن أبي طالب (عليه السلام) ، ومن أراد ان يطمس على قلبه أمسك عنه معرفة علي ابن أبي طالب (عليه السلام)[395].
148 ـ قال الله تعالى للنبيّ (صلى الله عليه وآله): يا محمّد ، خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين أشباح نور من نوري ، وعرضت ولايتكم على السماوات وأهلها وعلى الأرضين ، فمن قبل ولايتكم كان عندي من الأظفرين المقرّبين ، ومن جحدها كان عندي من الكفّار الضالّين[396].
149 ـ روى الصدوق عن ابن عباس قال: سمعت
رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وهو يخاطب عليّاً (عليه السلام)ويقول: يا عليّ ، إنّ الله تبارك وتعالى كان ولا شيء معه فخلقني
وخلقك روحين من نور جلاله ، فكنّا أمام عرش ربّ العالمين نسبّح الله ونقدّسه
ونحمّد ونهلّله ، وذلك قبل أن يخلق السماوات والأرضين ، فلمّـا أراد أن
يخلق آدم خلقني وإيّاك من طينة واحدة من طينة عليّين ، وعجننا بذلك النور
وغمسنا في جميع الأنوار وأنهار الجنّة ، ثمّ خلق آدم واستودع صُلبه تلك
الطينة والنور ، فلمّـا خلقه استخرج ذرّيته من ظهره فاستنطقهم وقرّرهم
بالربوبيّة ، فأوّل خلق إقراراً بالربوبيّة
أنا
وأنت والنبيّون على قدر منازلهم وقربهم من الله عزّ وجلّ ، فقال الله تبارك
وتعالى: صدّقتما وأقررتما يا محمّد ويا عليّ ، وسبقتما خلقي إلى
طاعتي ، وكذلك كنتما في سابق علمي فيكما ، فأنتما صفوتي من خلقي ،
والأئمة من ذرّيتكما وشيعتكما ، وكذلك خلقتكم ، ثمّ قال النبيّ (صلى الله
عليه وآله):
يا عليّ ، فكانت الطينة في صلب آدم ونوري ونورك بين عينيه ، فما زال ذلك
النور ينتقل بين أعين النبيّين والمنتجبين حتّى وصل النور والطينة إلى صلب عبد
المطّلب ، فافترق نصفين ، فخلقني الله من نصفه واتّخذني نبيّاً
ورسولا ، وخلقك من النصف الآخر ، فاتّخذك خليفة ووصيّاً ووليّاً ،
فلمّـا كنت من عظمة ربّي كقاب قوسين أو أدنى قال لي: يا محمّد ،
من أطوع خلقي لك ؟ فقلت: عليّ بن أبي طالب (عليه
السلام) .
فقال عزّ وجلّ: فاتّخذه خليفة ووصيّاً فقد اتّخذته صفيّاً
ووليّاً ، يا محمّد كتبت اسمك واسمه على عرشي من قبل أن أخلق الخلق محبّة
منّي لكما ولمن أحبّكما وتولاّكما وأطاعكما ، فمن أحبّكما وأطاعكما وتولاّكما
كان عندي من المقرّبين ، ومن جحد ولايتكما وعدل عنكما كان عندي من الكافرين
الضالّين ، ثمّ قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): يا
علي ، فمن ذا يلج بيني وبينك وأنا وأنت من نور واحد وطينة واحدة ؟
فأنت أحقّ الناس بي في الدنيا والآخرة ، وولدك ولدي ، وشيعتكم
شيعتي ، وأولياؤكم أوليائي وأنتم معي غداً في الجنّة ـ وفي حديث
آخر: وأولياؤك أوليائي وهم معك غداً في الجنّة جيراني[397] ـ.
150 ـ عن سلمان الفارسي (رحمه الله)قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلمّـا نظر إليّ قال: يا سلمان إنّ الله عزّ وجلّ لم يبعث نبيّاً ولا رسولا إلاّ جعل له اثني عشر نقيباً ، قال: قلت: يا رسول الله قد عرفت هذا من الكتابين ـ التوراة والإنجيل ـ قال: يا سلمان ، فهل علمت نقبائي الاثني عشر الذين اختارهم الله للإمامة من بعدي ؟ فقلت: الله ورسوله أعلم . قال: يا سلمان ، خلقني الله من صفاء نوره فدعاني فأطعت ، وخلق من نوري عليّاً فدعاه إلى طاعته فأطاعه ، وخلق من نوري ونور عليّ (عليه السلام)فاطمة فدعاها فأطاعته ، وخلق منّي ومن عليّ ومن فاطمة الحسن والحسين فدعاهما فأطاعاه ، فسمّـانا الله عزّ وجلّ بخمسة أسماء من أسمائه ، فالله المحمود وأنا محمّد ، والله العليّ وهذا علي ، والله فاطر وهذه فاطمة ، والله الإحسان وهذا الحسن ، والله المحسن وهذا الحسين . ثمّ خلق من نور الحسين تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق الله سماء مبنيّة أو أرضاً مدحيّة ، أو هواء أو ماء أو ملكاً أو بشراً ، وكنّا بعلمه أنواراً نسبّحه ونسمع له ونطيع ، فقال سلمان: قلت: يا رسول الله بأبي أنت واُمّي ما لمن عرف هؤلاء ؟ فقال: يا سلمان ، من عرفهم حقّ معرفتهم واقتدى بهم ، فوالى وليّهم وتبرّأ من عدوّهم فهو والله منّا يرد حيث نرد ، ويسكن حيث نسكن ، قلت: يا رسول الله ، يكون إيمان بهم بغير معرفتهم وأسمائهم وأنسابهم ؟ فقال: لا يا سلمان . فقلت: يا رسول الله ، فإنّى لي بهم ؟ قال: قد عرفت إلى الحسين ، ثمّ سيّد العابدين عليّ بن الحسين ، ثمّ ابنه محمّد بن عليّ باقر علم الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين ، ثمّ ابنه جعفر بن محمّد لسان الله الصادق ، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم غيظه صبراً في الله ، ثمّ عليّ بن موسى الرضا لأمر الله ، ثمّ محمّد بن عليّ الجواد المختار من خلق الله ، ثمّ عليّ بن محمّد الهادي إلى الله ، ثمّ الحسن ابن عليّ الصامت الأمين العسكري ، ثمّ ابنه الحجّة بن الحسن المهدي الناطق القائم بأمر الله ، قال سلمان: فسكت ، ثمّ قلت: يا رسول الله ، ادعُ الله لي بإدراكهم ، قال: يا سلمان ، إنّك مدركهم وأمثالك ومن تولاّهم بحقيقة المعرفة ... الحديث[398].
أخي
المسلم: هذا الخبر الشريف وأمثاله إنّما هو من الصعب المستصعب الذي
لا
يتحمّله إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان ، فمن
أمثال سلمان الذي بلغ من الإيمان عشر درجات ، وكان «منّا أهل البيت (عليهم
السلام)»
يتحمّل هذه الفيوضات الإلهيّة والمعارف النبويّة والحقائق العلويّة ، فمن
يتولّى الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) حقّ الولاء يدركهم
بحقيقة المعرفة ، وهذا يعني أنّ المعرفة لها مراتب كما ذكرنا في مقدّمة
الكتاب ، فمن أعلى مراتبها حقيقة المعرفة ، وربما هي عين اليقين وهي
المعرفة الكماليّة والشهوديّة ، فعلينا أن نقوّي إيماننا ونرسّخه في وجودنا
بالعلم النافع والعمل الصالح حتّى نهضم هذه المعاني الرفيعة والمطالب
السامية ، ونقترب من حياض الولاية العظمى لنغترف من كوثرها العذب ومنهلها
الصافي ، وحينئذ نقول كما قال سلمان المحمّدي رضوان الله تعالى عليه في آخر
الخبر الشريف: «فقمت من بين يدي رسول الله وما يبالي سلمان متى
لقى الموت أو لقيه».
151 ـ في حديث طويل في خلق أنوار محمّد وعترته (عليهم السلام)عن الإمام الباقر (عليه السلام) إلى أن يقول: ثمّ خلق الله تعالى آدم (عليه السلام) من أديم الأرض فسوّاه ونفخ فيه من روحه ، ثمّ أخرج ذرّيته من صلبه فأخذ عليهم الميثاق بالربوبيّة ، ولمحمّد (صلى الله عليه وآله)بالنبوّة ، ولعليّ (عليه السلام)بالولاية ، أقرّ منهم من أقرّ وجحد من جحد ، فكنّا أوّل من أقرّ بذلك ، ثمّ قال لمحمّد (صلى الله عليه وآله): وعزّتي وجلالي وعلوّ شأني لولاك ولولا عليّ وعترتكما الهادون المهديّون الراشدون ما خلقت الجنّة ولا النار ولا المكان ولا الأرض ولا السماء ولا الملائكة ولا خلقاً يعبدني ، يا محمّد أنت خليلي وحبيبي وصفيّي وخيرتي من خلقي أحبّ الخلق إليّ وأوّل من ابتدأت إخراجه من خلقي.
ثمّ من بعدك الصدّيق عليّ أمير المؤمنين وصيّك به أيّدتك ونصرتك وجعلته العروة الوثقى ونور أوليائي ومنار الهدى ، ثمّ هؤلاء الهداة المهتدون ، من أجلكم ابتدأت خلق ما خلقت وأنتم خيار خلقي فيما بيني وبين خلقي ، خلقتكم من نور عظمتي واحتجبت بكم عمّن سواكم من خلقي ، وجعلتكم أستقبل بكم ، واُسأل بكم ، فكلّ شيء هالك إلاّ وجهي ، وأنتم وجهي ، لا تبيدون ولا تهلكون ، ولا يبيد ولا يهلك من تولاّكم ، من استقبلني بغيركم فقد ضلّ وهوى ، وأنتم خيار خلقي وحملة سرّي وخزّان علمي وسادة أهل السماوات وأهل الأرض ...
ثمّ قال أبو جعفر (عليه السلام): فنحن أوّل خلق الله ، وأوّل خلق عبد الله وسبّحه ، ونحن سبب خلق الخلق وسبب تسبيحهم وعبادتهم من الملائكة والآدميّين ، فبنا عُرف الله وبنا وُحّد وبنا عُبد الله وبنا أكرم الله من أكرم من جميع خلقه ، وبنا أثاب من أثاب ، وبنا عاقب من عاقب ، ثمّ تلا قوله تعالى: ( وَإنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإنَّا لَنَحْنُ المُسَبِّحونَ ) ... الحديث[399].
152 ـ وسأل المفضّل الصادق (عليه السلام): ما كنتم قبل أن يخلق الله سبحانه السماوات والأرضين ؟ قال (عليه السلام): كنّا أنواراً حول العرش نسبّح الله ونقدّسه حتّى خلق الله سبحانه الملائكة فقال لهم: سبّحوا ، فقالوا: يا ربّنا لا علم لنا ، فقال لنا: سبّحوا ، فسبّحنا فسبّحت الملائكة بتسبيحنا ، إلاّ أنّا خلقنا من نور الله ، وخلق شيعتنا من دون ذلك النور ، فإذا كان يوم القيامة التحقت السفلى بالعليا ، ثمّ قرن (عليه السلام) بين اصبعيه السبّابة والوسطى وقال: كهاتين.
ثمّ قال: يا مفضّل ، أتدري لِمَ سُمّيت الشيعة شيعة ؟ يا مفضّل ، إنّ شيعتنا منّا ونحن من شيعتنا ، أما ترى هذه الشمس أين تبدو ؟ قلت: من مشرق ، وقال: إلى أين تعود ؟ قلت: إلى مغرب . قال (عليه السلام): هكذا شيعتنا ، منّا بدأوا وإلينا يعودون.
153 ـ وروى صفوان عن الصادق (عليه السلام)أ نّه قال: لمّـا خلق الله السماوات والأرضين استوى على العرش فأمر نورين من نوره فطافا حول العرش سبعين مرّة فقال عزّ وجلّ: هذان نوران مطيعان ، فخلق الله من ذلك النور محمّداً وعليّاً والأصفياء من ولده (عليهم السلام) ، وخلق من نورهم شيعتهم ، وخلق من نور شيعتهم ضوء الأبصار.
154 ـ روى جابر بن عبد الله في تفسير قوله تعالى: ( كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّة اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرونَ بِالمَعْروفِ ) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أوّل ما خلق الله نوري ابتدعه من نوره واشتقّه من جلال عظمته فأقبل يطوف بالقدرة حتّى وصل إلى جلال العظمة في ثمانين ألف سنة ، ثمّ سجد لله تعظيماً ، ففتق منه نور عليّ (عليه السلام)فكان نوري محيطاً ونور عليّ محيطاً بالقدرة ، ثمّ خلق العرش واللوح والشمس وضوء النهار ونور الأبصار والعقل والمعرفة وأبصار العباد وأسماعهم وقلوبهم من نوري ونوري مشتقّ من نوره.
فنحن الأوّلون ونحن الآخرون ونحن السابقون ونحن المسبّحون ونحن الشافعون ونحن كلمة الله ، ونحن خاصّة الله ، ونحن أحبّاء الله ونحن وجه الله ونحن جنب الله ونحن يمين الله ونحن اُمناء الله ونحن خزنة وحي الله وسدنة غيب الله ونحن معدن التنزيل ومعنى التأويل ، وفي أبياتنا هبط جبرئيل ، ونحن محالّ قدس الله ونحن مصابيح الحكمة ونحن مفاتيح الرحمة ونحن ينابيع النعمة ونحن شرف الاُمّة ونحن سادة الأئمة ونحن نواميس العصر وأحبار الدهر ، ونحن سادة العباد ، ونحن ساسة البلاد ونحن الكفاة والولاة والحماة والسقاة والرعاة وطريق النجاة ، ونحن السبيل والسلسبيل ، ونحن النهج القويم والطريق المستقيم.
من أمن بنا أمن بالله ، ومن ردّ علينا ردّ على الله ، ومن شكّ فينا شكّ في الله ومن عرفنا عرف الله ومن تولّى عنّا تولّى عن الله ومن أطاعنا أطاع الله ونحن الوسيلة إلى الله والوصلة إلى رضوان الله ولنا العصمة والخلافة والهداية وفينا النبوّة والولاية والإمامة ، ونحن معدن الحكمة وباب الرحمة وشجرة العصمة ، ونحن كلمة التقوى والمثل الأعلى والحجّة العظمى والعروة الوثقى التي من تمسّك بها نجا.
155 ـ وعن الثمالي قال: دخلت حبابة الوالبيّة على أبي جعفر (عليه السلام) فقالت: أخبرني يا بن رسول الله ، أيّ شيء كنتم في الأخيلة ؟ فقال (عليه السلام): كنّا نوراً بين يدي الله قبل خلق خلقه ، فلمّـا خلق الخلق سبّحنا فسبّحوا ، وهلّلنا فهلّلوا ، وكبّرنا فكبّروا ، وذلك قوله عزّ وجلّ: ( وَأنْ لَوْ اسْتَقاموا عَلى الطَّريقَةِ لأسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً )الطريقة حبّ عليّ صلوات الله عليه ، والماء الغدق الماء الفرات وهو ولاية آل محمّد (عليهم السلام).
156 ـ وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام)أ نّه قال: نحن شجرة النبوّة ومعدن الرسالة ونحن عهد الله ، ونحن ذمّة الله ، لم نزل أنواراً حول العرش نسبّح فيسبّح أهل السماء لتسبيحنا ، فلمّـا نزلنا إلى الأرض سبّحنا فسبّح أهل الأرض ، وكلّ علم خرج إلى أهل السماوات والأرض فمنّا وعنّا ، وكان في قضاء الله السابق أن لا يدخل النار محبّ لنا ، ولا يدخل الجنّة مبغض لنا ، لأنّ الله يسأل العباد يوم القيامة عمّـا عهد إليهم ولا يسألهم عمّـا قضى عليهم.
أقول: هذه الروايات الأخيرة نقلها فضل الله بن محمود الفارسي في كتابه (رياض الجنان) والحافظ البرسي في كتابه (مشارق الأنوار) ، ويقول العلاّمة المجلسي (قدس سره): الأخبار المأخوذة من كتابي الفارسي والبرسي ليست في مرتبة سائر الأخبار في الاعتبار ، وإن كان أكثرها موافقاً لسائر الآثار ، والله أعلم بأسرار الأئمة الأبرار ، والاختلافات الواردة في أزمنة سبق الأنوار يمكن حملها على اختلاف معاني الخلق ومراتب طهوراتهم في العوالم المختلفة ، فإنّ الخلق يكون بمعنى التقدير ، وقد ينسب إلى الأرواح وإلى الأجساد المثاليّة وإلى الطينات ، ولكلّ منها مراتب شتّى.
مع أ نّه قد يطلق العدد ويراد به الكثرة لا خصوص العدد ، وقد يراعى في ذلك مراتب عقول المخاطبين وأفهامهم ، وقد يكون بعضها لعدم ضبط الرواة ، وسيأتي بعض القول في ذلك في كتاب السماء والعالم إن شاء الله تعالى ـ انتهى كلامه رفع الله مقامه[400].
يا من تسألني عن الولاية تعال لنطرق باباً جديداً في علمها ومعرفتها وننظر إليها من زاوية اُخرى ، وذلك على نحو الإجمال والإشارة ، وبإمكانك أن ترجع إلى المطوّلات والمصادر وأهل الخبرة لكسب المعرفة أكثر ولفتح آفاق جديدة في هذا المضمار ، فإنّه نذكر حديث الولاية من خلال الروح.
( وَيَسْألونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أمرِ رَبِّي وَما اُوتيتُمْ مِنَ العِلـْمِ إلاّ قَليلا )[401].
( يُنَزِّلُ المَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أنْ أنْذِروا أ نَّهُ لا إلـهَ إلاّ أنا فَاتَّقونِ )[402].
( يَوْمَ يَقومُ الرُّوحُ وَالمَلائِكَةُ صَفَّاً )[403].
وفي القرآن الكريم والسنّة الشريفة آيات وروايات تتعرّض إلى مسألة الروح ، وخلاصة القول فيها ، أنّ الروح يطلق على النفس الناطقة التي تدرك الكلّيات ، وعلى النفس الحيوانيّة السارية في البدن المتعلّقة بالجسم النامي الحسّاس المتحرّك بالإرادة ، وعلى خلق عظيم إمّا من جنس الملائكة أو أعظم منهم وأ نّه أعظم من جبرئيل وميكائيل ، والأرواح المذكورة في الروايات يمكن أن تكون أرواحاً مختلفة متباينة بعضها في البدن ، وبعضها خارجة عنه ، أو يكون المراد بالجميع النفس الناطقة باعتبار أعمالها وأحوالها ودرجاتها ومراتبها ، أو اُطلقت على تلك الأحوال والدرجات ، كما أ نّه تطلق عليها النفس الأمّارة واللوّامة والملهمة والمطمئنّة بحسب درجاتها ومراتبها في الطاعة ، والعقل الهيولاني وبالملكة وبالعقل المستفاد بحسب مراتبها في العلم والمعرفة ـ كما في الفلسفة ـ . ويحتمل أن أن تكون روح القوّة والشهوة والمدرج كلّها الروح الحيوانية ، وروح الإيمان وروح القدس النفس الناطقة بحسب كمالاتها ، أو تكون الأربعة ـ كما في الرواية الآتية ـ سوى روح القدس مراتب النفس ، وروح القدس الخلق الأعظم.
157 ـ عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليه السلام)قال: في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح: روح البدن وروح القدس وروح القوّة وروح الشهوة وروح الإيمان ، وفي المؤمنين أربعة أرواح: روح البدن وروح القوّة وروح الشهوة وروح الإيمان ، وفي الكفّار ثلاثة أرواح: روح البدن وروح القوّة وروح الشهوة ، ثمّ قال: روح الإيمان يلازم الجسد ما لم يعمل بكبيرة ، فإذا عمل بكبيرة فارقه الروح ، وروح القدس من سكن فيه ، فإنّه لا يعمل بكييرة أبداً[404].
أقول: هذه الرواية تفسّر الروايات التي وردت أنّ المؤمن لا يزني وهو مؤمن ولا يسرق وهو مؤمن ، أي في حالة الزنا تفارقه روح الإيمان ، وأمّا من سكن فيه روح القدس فهو المعصوم النبي أو الإمام (عليهما السلام) ، فلا يعمل بكبيرة ولا صغيرة أبداً ، وبهذه الروح يعلمون بعلم الله ويعرفون ما هو كائن وما يكون.
158 ـ عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: سألته عن علم العالم فقال: يا جابر ، إنّ في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح: روح القدس وروح الإيمان وروح الحياة وروح القوّة وروح الشهوة ، فبروح القدس يا جابر عرفوا ـ علمنا ـ ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى ، ثمّ قال: يا جابر ، إنّ هذه الأرواح يصيبها الحدثان إلاّ أنّ روح القدس لا يلهو ولا يلعب.
159 ـ عن حمران بن أعين قال: سألت علي بن الحسين (عليه السلام): بأيّ حكم تحكمون ؟ قال: نحكم بحكم آل داود ، فإن عيينا شيئاً تلقّانا به روح القدس.
قوله (عليه السلام): «بحكم آل داود» أي نحكم بعلمنا ولا نسأل بيّنة كما كان داود (عليه السلام) أحياناً يفعله.
160 ـ ( وَكَذلِكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ روحاً مِنْ أمْرِنا ما كُنْتَ تَدْري ما الكِتاب وَلا الإيْمانُ )قال: روح القدس هي التي قال الصادق (عليه السلام) في قوله: ( وَيَسْألونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أمْرِ رَبِّي ) قال: هو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل ، كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مع الأئمة ، ثمّ كنّى عن أمير المؤمنين (عليه السلام)فقال: ( وَلِكُلٍّ جَعَلـْنا نوراً نَهْدي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا ) والدليل على أنّ النور أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: ( وَاتَّبَعوا النُّورَ الَّذي اُنْزِلَ مَعَهُ ).
161 ـ بصائر الدرجات بسنده عن المفضّل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخىً عليه ستره فقال: يا مفضّل ، إنّ الله تبارك وتعالى جعل للنبيّ (صلى الله عليه وآله)خمسة أرواح: روح الحياة فبه دبّ ودرج ، وروح القوّة فبه نهض وجاهد ، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال ، وروح الإيمان فبه أمر وعدل ، وروح القدس فبه حمل النبوّة ، فإذا قبض النبيّ (صلى الله عليه وآله)انتقل روح القدس فصار في الإمام.
وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو ـ وهذه هي العصمة في النبيّ والإمام ـ والأربعة الأرواح ـ التي تكون في المؤمنين أيضاً ـ تنام وتلهو وتغفل وتسهو ، وروح القدس ثابت يرى به ما في شرق الأرض وغربها وبرّها وبحرها ، قلت: جعلت فداك يتناول الإمام ما ببغداد بيده ؟ قال: نعم ، وما دون العرش[405].
162 ـ عن سعد الإسكاف قال: أتى رجل علي بن أبي طالب (عليه السلام)يسأله عن الروح أليس هو جبرئيل ؟ فقال له عليّ (عليه السلام): جبرئيل من الملائكة ، والروح غير جبرئيل ، وكرّر ذلك على الرجل ، فقال له: لقد قلت عظيماً من القول ، ما أحد يزعم أنّ الروح غير جبرئيل ، فقال له عليّ (عليه السلام): إنّك ضالّ تروي عن أهل الضلال ، يقول الله تبارك وتعالى لنبيّه (صلى الله عليه وآله): ( أتى أمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّـا يُشْرِكونَ يُنَزِّلُ المَلائِكَةَ بِالرُّوحِ ) والروح غير الملائكة.
هذه بعض روايات الروح وآياتها ، وإذا أردت التفصيل فارجع إلى المطوّلات ومظانّها[406] ، وأمّا التي تتعلّق بالولاية فهذه الرواية الشريفة.
163 ـ بصائر الدرجات بسنده عن محمّد عن الأصبغ بن نباتة قال: أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام)فقال: اُناس يزعمون أنّ العبد لا يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر وهو مؤمن ، ولا يأكل الربا وهو مؤمن ، ولا يسفك الدم الحرام وهو مؤمن ، فقد كبر هذا عليّ وحرج منه صدري ، حتّى زعم أنّ هذا العبد الذي يصلّي إلى قبلتي ويدعو دعوتي ـ أي يقول بالولاية ـ ويناكحني واُناكحه ويوارثني واُوارثه فأخرجه من الإيمان من أجل ذنب يسير أصابه.
فقال له عليّ (عليه السلام): صدقك أخوك ، إنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول خلق الله الخلق وهو على ثلاث طبقات ، وأنزلهم ثلاث منازل ، فذلك قوله في الكتاب ( أصْحابُ المَيْمَنَةِ وَأصْحابُ المَشْئَمَةِ وَالسَّابِقونَ السَّابِقونَ ) فأمّا ما ذكرت من السابقين فأنبياء مرسلون وغير مرسلين ، جعل الله فيهم خمسة أرواح: روح القدس وروح الإيمان وروح القوّة وروح الشهوة وروح البدن.
فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين ، وبروح الإيمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئاً ، وبروح القوّة جاهدوا عدوّهم وعالجوا معايشهم ، وبروح الشهوة أصابوا اللذيذ من الطعام ونكحوا الحلال من شباب النساء ، وبروح البدن دبّوا ودرجوا ، ثمّ قال: ( تِلـْكَ الرُّسُلُ فَضَّلـْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْض مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهَ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجات وَآتَيْنا عيسى بْنَ مَرْيَمَ البَيِّناتِ وَأ يَّدْناهُ بِروحِ القُدُسِ ) ثمّ قال في جماعتهم ( وَأ يَّدَهُمْ بِروح مِنْهُ ) يقول: أكرمهم بها وفضّلهم على من سواهم.
وأمّا ما ذكرت من أصحاب الميمنة فهم المؤمنون حقّاً بأعيانهم ، فجعل فيهم أربعة أرواح: روح الإيمان وروح القوّة وروح الشهوة وروح البدن ، ولا يزال العبد يستكمل بهذه الأرواح حتّى تأتي الحالات.
قال:
وما هذه الحالات ؟ فقال علي (عليه السلام): أمّا
أوّلهنّ فهو كما قال الله: ( وَمِنْهُمْ مَنْ
يُرَدُّ إلى أرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلـْم شَيْئاً ) فهذا
ينتقص منه جميع
الأرواح
وليس من الذي يخرج من دين الله ، لأنّ الله الفاعل ذلك به ردّه إلى أرذل عمره
فهو لا يعرف للصلاة وقتاً ، ولا يستطيع التهجّد بالليل ، ولا الصيام
بالنهار ولا القيام في صفّ مع الناس . فهذا نقصان من روح الإيمان ، فليس
يضرّه شيء إن شاء الله وينتقص منه روح القوّة فلا يستطيع جهاد عدوّه ولا يستطيع
طلب المعيشة ، وينتقص منه روح الشهوة فلو مرّت به أصبح بنات آدم لم يحنّ
إليها ولم يقم ، ويبقى روح البدن فهو يدبّ ويدرج حتّى يأتيه ملك الموت ،
فهذا حال خير ، لأنّ الله فعل ذلك به ، وقد تأتي عليه حالات في قوّته
وشبابه يهمّ بالخطيئة فتشجّعه روح القوّة وتزيّن له روح الشهوة وتقوده روح البدن
حتّى توقعه في الخطيئة ، فإذا مسّها انتقص في الإيمان ، ونقصانه من
الإيمان ليس بعائد فيه أبداً أو يتوب ، ـ أي إلاّ أن يتوب ـ
فإن تاب وعرف الولاية تاب الله عليه وإن عاد وهو تارك الولاية أدخله الله نار
جهنّم.
وأمّا أصحاب المشئمة فهم اليهود والنصارى قول الله تعالى: ( الَّذينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْرِفونَهُ كَما يَعْرَفونَ أبْناءَهُمْ ) في منازلهم ( وَإنَّ فَريقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمونَ الحَقَّ مِنْ رَبِّكَ ) الرسول من الله إليهم بالحقّ ( فَلا تَكونَنَّ مِنَ المُمْتَرينَ )فلمّـا جحدوا ما عرفوا ابتلاهم الله بذلك الذمّ فسلبهم روح الإيمان وأسكن أبدانهم ثلاثة أرواح: روح القوّة وروح الشهوة وروح البدن ، ثمّ أضافهم إلى الأنعام فقال: ( إنْ هُمْ إلاّ كَالأنْعامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ سَبيلا ) لأنّ الدابّة إنّما تحمل بروح القوّة وتعتلف بروح الشهوة ، وتسير بروح البدن ، فقال له السائل: أحييت قلبي بإذن الله تعالى[407].
[375]الكافي 1: 180.
[376]عيون الأخبار 1: 292.
[377]البحار 24: 304 ، عن كنز الفوائد: 146.
[378]عيون الأخبار 1: 291.
[379]البحار 26: 229.
[380]أمالي الصدوق: 234.
[381]الكافي 7: 78.
[382]تفسير الفراتي: 82.
[383]الكافي 8: 32.
[384]أمالي الطوسي: 283.
[385]أمالي الطوسي: 410.
[386]جامع الأخبار: 55.
[387]أمالي الصدوق: 272.
[388]بشارة المصطفى: 32.
[389]المناقب 3: 101.
[390]كمال الدين: 258.
[391]الاثنى عشرية في المواعظ العددية: 182.
[392]مشارق الأنوار: 57 ، وأمالي الصدوق: 99.
[393]الكافي 8: 27.
[394]علل الشرائع: 393.
[395]كتاب سليم بن قيس: 247.
[396]تفسير فرات الكوفي: 73.
[397]البحار 25: 4 ، عن كنز الفوائد: 374.
[398]البحار 25: 7 ، والحديث طويل ، فراجع.
[399]بحار الأنوار 25: 18.
[400]البحار 25: 25.
[401]الأسرى: 85 .
[402]النحل: 20.
[403]النبأ: 38.
[404]البحار 25: 54 ، عن بصائر الدرجات: 132.
[405]المصدر والمرجع.
[406]راجع بحار الأنوار 25: 64 ، طبعة بيروت ، الباب 3 الأرواح التي فيهم (عليهم السلام)وأ نّهم مؤيّدون بروح القدس ونور إنّا أنزلناه في ليلة القدر وبيان نزول السورة فيهم (عليهم السلام) ، وفي الباب 74 رواية.
[407]البحار 25: 67 ، عن بصائر الدرجات: 132.
فروح القدس
من الملكوت أعظم من جبرئيل وميكائيل مع الرسول الأعظم
محمّد
(صلى
الله عليه وآله) والأئمّة الأطهار أهل البيت (عليهم السلام) فإنّ الله
سبحانه أيّدهم به ، وروح الإيمان في المؤمن إذا أذنب نقص إلاّ أن يتوب توبة
نصوح إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً ، ويكون التائب كيوم ولدته اُمّه ،
إلاّ أ نّه بشرط الولاية وعرفانها ـ فإن تاب وعرف الولاية تاب
الله عليه ، وإن عاد وهو تارك الولاية أدخله الله نار جهنّم ، فلا
يتوفّق للتوبة ، فلا تغفل ، وهذا إن دلّ على شيء يدلّ على عظمة الولاية
وأ نّها روح الإيمان والعمل ، لولاها لكانا كالميّتين لا قيمة
لهما ، ولا أثر إلاّ الدفن حتّى يتخلّص من ريحها النتن.
فالله سبحانه وتعالى يتوب على من يحمل بين حناياه ولاية آل محمّد (عليه السلام) ، ويعفو عمّن أطاع إماماً هادياً من الله عزّ وجلّ.
164 ـ عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عزّ وجلّ: «لاُعذّبن كلّ رعيّة في الإسلام أطاعت إماماً جائراً ليس من الله عزّ وجلّ ، وإن كانت الرعيّة في أعمالها برّة تقيّة ، ولأعفونّ عن كلّ رعيّة في الإسلام أطاعت إماماً هادياً من الله عزّ وجلّ ، وإن كانت الرعيّة في أعمالها ظالمة مسيئة»[408].
فالعمدة اتّباع أئمّة الحقّ ، وإلاّ فالأعمال لا تقبل مع متابعة أئمّة الجور.
165 ـ عن محمّد قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)يقول: إنّ أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله والحقّ ، قد ضلّوا بأعمالهم التي يعملونها ، كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون على شيء ممّـا كسبوا ذلك هو الضلال البعيد[409].
وإذا أردت أن تعرف
خطورة المسألة وما يترتّب عليها من الآثار ، وماذا
يجب
علينا من المعتقدات الصحيحة ، وكيف يكون تفكيرنا ونظرتنا إلى صدر الإسلام وما
جرى على المسلمين الأوائل وكيف نرفض الظلم والفجور وننكر أئمة الجور
والفساد.
166 ـ عن الثمالي عن عليّ بن الحسين (عليهما السلام)قال: ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: من جحد إماماً من الله ، أو ادّعى إماماً من غير الله ، أو زعم أنّ لفلان وفلان في الإسلام نصيباً.
كما يسمع أخيراً أ نّه لماذا يلعن فلان وفلان ولهما خدمات وسوابق ونصيب في الإسلام ، وقد غفل وموّه عليه ، وقد حفظ شيئاً وغابت عنه أشياء ولا يدري أ نّه ما كان انحطاط المسلمين إلاّ بتركهم الولاية والإمامة الحقّة والخلافة الحقيقيّة الصادقة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) . فما انكسار المسلمين إلاّ بعد رحلة نبيّهم ، فقد انقلبوا على أعقابهم وتركوا إمامهم وأميرهم بالحقّ الذي نصبه رسول الله بنصّ من الله سبحانه يوم الغدير وفي مواطن كثيرة ، فضلّوا وأضلّوا وارتدّوا بعد رسول الله عن الولاية الحقّة والإمارة الصادقة والخلافة الإلهيّة إلاّ القليل ممّن وفى لرعاية الحقّ فقتل من قتل واُقصي من اُقصي وجرى القضاء لهم بما يرجى له حسن المثوبة ، إذ كانت الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين.
أجل: عزيزي القارئ: ربما عندما تقرأ هذه الروايات الكثيرة في مقام الولاية وعظمتها ، يخطر على ذهنك أ نّه يستشمّ منها رائحة الغلوّ ـ والعياذ بالله ـ إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك ، فعلينا أن نعرف حدود الغلوّ في أهل البيت (عليهم السلام) حتّى يعلم أنّ ما ذكرناه هو الحقّ الحقيق المطابق للواقع . ولم نزد في معرفة أهل البيت (عليهم السلام)غير ما أخبروا به من بعض مقاماتهم وعشر معشار فضائلهم ومناقبهم وكراماتهم.
فاعلم أيّدك الله في الدارين أ نّه ورد في كثير من رواياتهم الشريفة (عليهم السلام)أ نّهم قالوا: نزّلونا عن الربوبيّة وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا[410].
فحدّ الغلوّ أن يقال في حقّهم أ نّهم ليسوا من نوع البشر وأ نّهم آلهة ـ والعياذ بالله ـ ولهم ما لله سبحانه على نحو الاستقلال ، فإنّهم يرزقون ويخلقون من دون إذن الله ، بل على نحو الاستقلال أو التفويض وليس لله في ذلك إرادة ، فهذا كلّه من الغلوّ ، ومن يعتقد به فإنّه ملعون في لسان الأئمة الأطهار (عليهم السلام)ويتبرّأون منه.
أمّا إذا قلنا إنّهم بشر وإنّهم عباد الله المقرّبون المكرّمون اصطفاهم الله على العالمين ، وفضّلهم على جميع الكائنات ، لما منحهم من الفضائل والمناقب قاب قوسين أو أدنى ، وأ نّهم عيبة علم الله وخزّان وحيه ، وأ نّهم أطاعوا الله في مقام العبوديّة حتّى بلغوا الغاية القصوى من مظهريّة أسماء الله الحسنى وصفاته العليا ، فكانوا خلفاء الله والإنسان الكامل فيما سواه جلّ جلاله ، فأيّ غلوّ في ذلك ، وكلّ ما ذكرناه من الروايات في الولاية إنّما هو في نطاق هذا المعنى وهذه الحدود الواردة بيانها في القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، كما يدلّ على ذلك ما رواه الجهم عن مولانا الإمام الرضا (عليه السلام).
167 ـ الحسن بن جهم قال: حضرت مجلس المأمون يوماً وعنده عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة فسأله بعضهم فقال له: يا بن رسول الله بأيّ شيء تصحّ الإمامة لمدّعيها ؟ قال: بالنصّ والدلائل.
قال له: فدلالة الإمام فيما هي ؟ قال: في العلم واستجابة الدعوة ، قال: فما وجه إخباركم بما يكون ؟ قال: ذلك بعهد معهود إلينا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) . قال: فما وجه إخباركم بما في قلوب الناس ؟ قال (عليه السلام): أما بلغك قول الرسول (صلى الله عليه وآله) «اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله» ؟ قال: بلى ، قال: فما من مؤمن إلاّ وله فراسة ينظر بنور الله على قدر إيمانه ومبلغ استبصاره وعلمه وقد جمع الله للأئمة منّا ما فرّقه في جميع المؤمنين ، وقال عزّ وجلّ في كتابه: ( إنَّ في ذلِكَ لآيات لِلـْمُتَوَسِّمينَ ).
فأوّل المتوسّمين رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ أمير المؤمنين (عليه السلام) من بعده ، ثمّ الحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين إلى يوم القيامة ، قال: فنظر إليه المأمون فقال له: يا أبا الحسن ، زدنا ممّـا جعل الله لكم أهل البيت.
فقال الرضا (عليه السلام): إنّ الله عزّ وجلّ قد أيّدنا بروح منه مقدّسة مطهّرة ليست بملك لم تكن مع أحد ممّن مضى إلاّ مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي مع الأئمة منّا تسدّدهم وتوفّقهم ، وهو عمود من نور بيننا وبين الله عزّ وجلّ . قال له المأمون: يا أبا الحسن ، بلغني أنّ قوماً يغلون فيكم ويتجاوزون فيكم الحدّ.
فقال له الرضا (عليه السلام): حدّثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن عليّ عن أبيه عليّ بن الحسين عن أبيه الحسين بن عليّ عن أبيه عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا ترفعوني فوق حقّي ، فإنّ الله تبارك وتعالى اتّخذني عبداً قبل أن يتّخذني نبيّاً» ، قال الله تبارك وتعالى: ( ما كانَ لِبَشَر أنْ يؤتيه اللهُ الكِتابَ وَالحُكْمَ وَالنُّبوَّةَ ثُمَّ يَقولُ لِلنَّاسِ كونوا عِباداً لي مِنْ دونِ اللهِ وَلـكِنْ كونوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمونَ الكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسونَ وَلا يَأمُرُكُمْ أنْ تَتَّخِذوا المَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أرْباباً أيَأمُرُكُمْ بِالكُفْرِ بَعْدَ إذْ أنْتُمْ مُسْلِمونَ ) وقال عليّ (عليه السلام): «يهلك فيّ اثنان ولا ذنب لي: محبّ مفرط ومبغض مفرّط» ، وإنّا لنبرأ إلى الله عزّ وجلّ ممّن يغلو فينا فيرفعنا فوق حدّنا كبراءة عيسى بن مريم (عليه السلام) من النصارى ، قال الله عزّ وجلّ: ( وَإذْ قالَ اللهُ يا عيسى بِنَ مَرْيَمَ أأنْتَ قُلـْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذوني وَاُمِّيَ إلـهَيْنَ مِنْ دونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكونُ لي أنْ أقولَ ما لَيْسَ لي بِحَقٍّ إنْ كُنْت قُلـْتَهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما في نَفْسي وَلا أعْلَمُ ما في نَفْسِكَ إنَّكَ أنْتَ عَلاّمُ الغُيوبِ ما قُلـْتُ لَهُمْ إلاّ ما أمَرْتَني بِهِ أنِ اعْبُدوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهيداً ما دُمْتُ فيهِمْ فَلَمَّـا تَوَفَّيْتَني كُنْتَ أنْتَ الرَّقيبَ عَلَيْهِمْ وَأنْتَ عَلى كُلِّ شَيْء شَهيد ) ، وقال عزّ وجلّ: ( لَنْ يَسْتَنْكِفَ المَسيحُ أنْ يَكونَ عَبْداً للهِ وَلا المَلائِكَة المُقَرَّبونَ ) ، وقال عزّ وجلّ: ( ما المَسيحُ بْنَ مَرْيَمَ إلاّ رَسولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَاُمَّهُ صِدِّيقَهٌ كانا يَأكُلانِ الطَّعامَ ) ومعناه أ نّهما كانا يتغوّطان ، فمن ادّعى للأنبياء ربوبيّة أو ادّعى للأئمة ربوبيّة أو نبوّة أو لغير الأئمّة إمامة فنحن منه براء في الدنيا والآخرة.
فقال المأمون: يا أبا الحسن فما تقول في الرجعة ؟ فقال الرضا (عليه السلام): إنّها الحقّ وقد كانت في الاُمم السالفة ونطق بها القرآن وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يكون في هذه الاُمّة كلّ ما كان في الاُمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة» ، وقال (عليه السلام): «إذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فصلّى خلفه» ، وقال (عليه السلام): بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء . قيل: يا رسول الله ثمّ يكون ماذا ؟ قال: ثمّ يرجع الحقّ إلى أهله.
فقال المأمون: يا أبا الحسن ، فما تقول في القائلين بالتناسخ ؟ فقال الرضا (عليه السلام): من قال بالتناسخ فهو كافر بالله العظيم يكذب بالجنّة والنار ، فقال المأمون: فما تقول في المسوخ ؟ قال الرضا (عليه السلام): اُولئك قوم غضب الله عليهم فمسخهم فعاشوا ثلاثة أيام ثمّ ماتوا ولم يتناسلوا فما يوجد في الدنيا من القردة والخنازير وغير ذلك ممّـا اُوقع عليه اسم المسوخيّة فهي مثلها لا يحلّ أكلها والانتفاع بها.
قال المأمون: لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن ، والله ما يوجد العلم الصحيح إلاّ عند أهل هذا البيت ، وإليك انتهى علوم آبائك ، فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيراً.
قال الحسن بن جهم: فلمّـا قام الرضا (عليه السلام) تبعته فانصرف إلى منزله فدخلت عليه وقلت له: يا بن رسول الله ، الحمد لله الذي وهب لك من جميل رأي أمير ا... ما حمله على ما أرى من إكرامه لك وقبوله لقولك . فقال (عليه السلام): يا بن الجهم ، لا يغرّنك ما ألفيته عليه من إكرامي والاستماع منّي ، فإنّه سيقتلني بالسمّ وهو ظالم لي ، أعرف ذلك بعهد معهود إليّ من آبائي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فاكتم هذا عليّ ما دمت حيّاً . قال الحسن بن الجهم: فما حدّثت أحداً بهذا الحديث إلى أن مضى الرضا (عليه السلام)بطوس مقتولا بالسمّ ، ودفن في دار حميد بن قحطبة الطائي في القبّة التي فيها قبر هارون إلى جانبه[411].
أقول: وهذا من ديدن الظالمين وسياستهم النفاقيّة ، وإن كانوا يعرفون الحقّ وأهله كما يعرفون أبناءهم إلاّ أ نّهم جحدوا بها واستيقنتها قلوبهم ، فانكروا الولاية والخلافة وعصوا بها وظلموا آل محمّد (عليهم السلام).
والإمام (عليه السلام)في هذا الخبر الشريف إنّما يكلّم المأمون على قدر عقله ومعرفته ، وإلاّ فما يكلّم به أمثال زرارة ومحمّد بن مسلم فإنّه يختلف ، فحدّثه (عليه السلام)بشيء لا يمكن إنكاره ، مستدلا بالقرآن الكريم والعقل السليم ، وبيّن حدّ الغلوّ مستشهداً بعيسى بن مريم (عليه السلام)أ نّه من يقول باُلوهيّته واُلوهيّتهم أو نبوّتهم (عليهم السلام) فهذا من الغلوّ الباطل الذي يتبرّأ منه ويلعن صاحبه ، أمّا لو قلنا بأ نّهم عباد الله فتقها ورتقها بيده عزّ وجلّ ، ولهم العلم التامّ والقدرة الكاملة إلاّ أ نّه بإذن الله وإرادته ، ولا يريدون إلاّ ما أراد الله سبحانه ، ولهم من المقامات ما لم يخطر على قلب بشر ، وكلّ ما يقال في حقّهم فإنّه عشر معشار ولن تبلغ البشرية في وصفهم ومدحهم ، وأنّى لهم ذلك وهم صنائع الله والخلق صنائعهم ، فأين هذا من الغلوّ ؟ بل هذا عين الصواب والحقيقة ، وفوق كلّ ذي علم عليم ، وما اُوتيتم من العلم إلاّ قليلا.
168 ـ محمّد بن قولويه بسنده عن يونس قال: سمعت رجلا من الطيّارة ـ أي الذين طاروا إلى الغلوّ ـ يحدّث أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن يونس بن ظبيان أ نّه قال: كنت في بعض الليالي وأنا في الطواف فإذا نداء من فوق رأسي: يا يونس ، إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ، فرفعت رأسي فإذا ج[412]ـ أي جبرئيل ـ فغضب أبو الحسن (عليه السلام) غضباً لم يملك نفسه ثمّ قال للرجل: اخرج عنّي لعنك الله ولعن من حدّثك ولعن يونس بن ظبيان ألف لعنة تتبعها ألف لعنة كلّ لعنة منها تبلغك قعر جهنّم أشهد ما ناداه إلاّ شيطان ، أما إنّ يونس مع أبي الخطّاب في أشدّ العذاب ، سمعت ذلك من أبي (عليه السلام) . فقال يونس: فقام الرجل من عنده فما بلغ الباب إلاّ عثر خطاً حتّى صرع مغشياً عليه قد قاء رجيعه ، وحمل ميتاً ، فقال أبو الحسن (عليه السلام): أتاه ملك بيده عمود فضرب على هامته ضربة قلب منها مثانته حتّى قاء رجيعه وعجّل الله بروحه إلى الهاوية وألحقه بصاحبه الذي حدّثه يونس بن ظبيان ، ورأى الشيطان الذي كان يتراءى له[413].
169 ـ عن الفضيل بن يسار قال: قال الصادق (عليه السلام): احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدوهم ، فإنّ الغلاة شرّ خلق الله يصغّرون عظمة الله ويدّعون الربوبيّة لعباد الله ، والله إنّ الغلاة لشرّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ، ثمّ قال (عليه السلام): إلينا يرجع الغالي فلا نقبله ، وبنا يلحق المقصّر فنقبله ، فقيل له: كيف ذلك يا ابن رسول الله ؟ قال: الغالي قد اعتاد ترك الصلاة والزكاة والصيام والحجّ فلا يقدر على ترك عادته ، وعلى الرجوع إلى طاعة الله عزّ وجلّ أبداً ، وإنّ المقصّر إذا عرف عمل وأطاع[414].
170 ـ عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)قال: من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك ونحن منه براء في الدنيا والآخرة ، يا ابن خالد إنّما وضع الأخبار عنّا في التشبيه والجبر الغلاة الذين صغّروا عظمة الله تعالى ، فمن أحبّهم فقد أبغضنا ، ومن أبغضهم فقد أحبّنا ، ومن والاهم فقد عادانا ومن عاداهم فقد والانا ، ومن وصلهم فقد قطعنا ، ومن قطعهم فقد وصلنا ، ومن جفاهم فقد برّنا ، ومن برّهم فقد جفانا ، ومن أكرمهم فقد أهاننا ، ومن أهانهم فقد أكرمنا ، ومن قبلهم فقد ردّنا ، ومن ردّهم فقد قبلنا ، ومن أحسن إليهم فقد أساء إلينا ، ومن أساء إليهم فقد أحسن إلينا ، ومن صدّقهم فقد كذّبنا ، ومن كذّبهم فقد صدّقنا ، ومن أعطاهم فقد حرمنا ، ومن حرمهم فقد أعطانا ، يا ابن خالد من كان من شيعتنا فلا يتّخذنّ منهم وليّاً ولا نصيراً.
171 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تتجاوز بنا العبوديّة ثمّ قولوا ما شئتم ولن تبلغوا ، وإيّاكم والغلوّ كغلوّ النصارى ، فإنّي بريء من الغالين.
قوله (عليه السلام): «ولن تبلغوا» أي بعد ما أثبتم لنا العبوديّة كلّ ما قلتم في وصفنا كنتم مقصّرين في حقّنا ولن تبلغوا ما نستحقّه من التوصيف.
172 ـ عن الهروي قال: قلت للرضا (عليه السلام): يا ابن رسول الله ما شيء يحكيه عنكم الناس ؟ قال: وما هو ؟ قلت: يقولون: إنّكم تدّعون أنّ الناس لكم عبيد ، فقال: اللهمّ فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة ، أنت شاهد بأ نّي لم أقل ذلك قطّ ولا سمعت أحداً من آبائي (عليهم السلام)قال قطّ ، وأنت العالم بما لنا من المظالم عند هذه الاُمّة وإنّ هذه منها.
ثمّ أقبل عليّ فقال: يا عبد السلام إذا كان الناس كلّهم عبيدنا على ما حكوه عنّا فممّن نبيعهم ؟ فقلت: يا بن رسول الله صدقت ، ثمّ قال: يا عبد السلام أمنكر أنت لما أوجب الله عزّ وجلّ لنا من الولاية كما ينكره غيرك ؟ قلت: معاذ الله بل أنا مقرّ بولايتكم[415].
أقول: سيّدي ومولاي وإمامي بأبي أنت واُمّي ونفسي وأهلي وأولادي ومالي إنّا نقرّ ونؤمن بولايتكم ونفدي النفس والنفيس من أجلها ، ولا نقول ولا نعتقد فيكم إلاّ كما تقولون ، فإنّكم عباد الله المكرّمون . أتاكم الله ما لم يأتِ أحداً من العالمين طأطأ كلّ شريف لشرفكم وكلّ متكبّر لطاعتكم وخضع كلّ متكبّر لفضلكم وذلّ كلّ شيء لكم وأشرقت الأرض بنوركم وفاز الفائزون بولايتكم ، بكم يسلك إلى الرضوان وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن بأبي أنتم واُمّي ونفسي كيف أصف حسن ثنائكم وأحصي جميل بلائكم وبكم أخرجنا الله من الذلّ وفرّج عنّا غمرات الكروب وأنقذنا من شفا جرف الهلكات ومن النار بأبي أنتم واُمّي ونفسي بموالاتكم علّمنا الله معالم ديننا وأصلح ما كان فسد من ديننا وبموالاتكم تمّت الكلمة وعظمت النعمة وائتلفت الفرقة وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة ، ولكم المودّة الواجبة والدرجات الرفيعة والمقام المحمود والمكان المعلوم عند الله عزّ وجلّ والجاه العظيم والشأن الكبير والشفاعة المقبولة ، ربّنا آمنّا بما أنزلت واتّبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ، ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنّك أنت الوهّاب سبحان ربّنا إن كان وعد ربّنا لمفعولا[416].
173 ـ عن محمّد بن زيد الطبري قال: كنت قائماً على رأس الرضا عليّ بن موسى (عليهما السلام) بخراسان ، وعنده جماعة من بني هاشم منهم إسحاق بن العباس بن موسى فقال له: يا إسحاق ، بلغني أ نّكم تقولون: إنّ الناس عبيد لنا ، لا وقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قلته قطّ ولا سمعته من أحد من آبائي ولا بلغني عن أحد منهم قاله ، لكنّا نقول: الناس عبيد لنا في الطاعة ، موال لنا في الدين ، فليبلغ الشاهد الغائب[417].
174 ـ عن كامل التمّـار قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)ذات يوم فقال لي: يا كامل ، اجعل لنا ربّاً نؤوب إليه وقولوا فينا ما شئتم.
قال: قلت: نجعل لكم ربّاً تؤبون إليه ونقول فيكم ما شئنا ؟ قال: فاستوى جالساً ثمّ قال: وعسى أن نقول: ما خرج إليكم من علمنا إلاّ ألفاً غير معطوفة.
بيان: قوله (عليه
السلام):
غير معطوفة أي نصف حرف ، كناية عن نهاية القلّة ، فإنّ الألف بالخطّ
الكوفي نصفه مستقيم ونصفه معطوف هكذا (ـا) ، وقيل:
أي ألف ليس
بعده
شيء ، وقيل: ألف ليس قبله صفر أي باب واحد ، والأوّل هو
الصواب والمسموع من اُولي الألباب[418].
175 ـ عن مالك الجهني قال: كنّا بالمدينة حين اُجليت الشيعة ، وصاروا فرقاً فتنحّينا عن المدينة ناحية ثمّ خلونا فجعلنا نذكر فضائلهم وما قالت الشيعة إلى أن خطر ببالنا الربوبيّة ، فما شعرنا بشيء إذا نحن بأبي عبد الله (عليه السلام) واقفاً على حمار فلم ندرِ من أين جاء . فقال: يا مالك ويا خالد ، متى أحدثتما الكلام في الربوبيّة ؟ فقلنا: ما خطر ببالنا إلاّ الساعة ، فقال: اعلما أنّ لنا ربّاً يكلأنا بالليل والنهار نعبده ، يا مالك ويا خالد قولوا فينا ما شئتم واجعلونا مخلوقين ، فكرّرها علينا مراراً وهو واقف على حماره[419].
176 ـ عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّ قوماً يزعمون أ نّكم آلهة ، يتلون علينا بذلك قرآناً: ( يا أ يُّها الرُّسُلُ كُلوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلوا صالِحاً إنِّي بِما تَعْمَلونَ عَليمٌ ) ، قال: يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء بُراء ، بريء الله منهم ورسوله ، ما هؤلاء على ديني ودين آبائي والله لا يجمعني وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو عليهم ساخط . قال: قلت: فما أنتم جعلت فداك ؟ قال: خزّان علم الله وتراجمة وحي الله ، ونحن قوم معصومون ، أمر الله بطاعتنا ونهى عن معصيتنا ، نحن الحجّة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض[420].
اللهمّ لا تجعلنا من
الذين تقدّموا فمرقوا ولا من الذين تأخّروا فمحقوا ،
واجعلنا
من النمرقة الأوسط.
وإلى مثل هذا ندعو الناس إلى الولاية العظمى والإمامة الكبرى ونذكر فضائل أهل البيت (عليهم السلام)ومناقبهم ومثالب أعدائهم والبراءة منهم ، فتدبّر.
هذا والولاية التي ندعو إليها إنّما تعني الإمامة الحقّة والخلافة الكبرى وفرض الطاعة على كافة الورى ، وعلى خلق الله وبها يكون طيّباً مقبولا ، ولا يكون هذا الأمر العظيم إلاّ في آل محمّد (عليهم السلام) ، هم أمير المؤمنين علي (عليه السلام)والأئمة الهداة من بعده.
177 ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: مضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخلّف في اُمّته كتاب الله ووصيّه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أمير المؤمنين وإمام المتّقين وحبل الله المتين وعروته الوثقى التي لا انفصام لها وعهده المؤكّد صاحبان مؤتلفان يشهد كلّ واحد لصاحبه بتصديق ينطق الإمام عن الله عزّ وجلّ في الكتاب بما أوجب الله فيه على العباد من طاعة الله وطاعة الإمام وولايته وأوجب حقّه الذي أراه الله عزّ وجلّ من استكمال دينه وإظهار أمره والاحتجاج بحجّته والاستضاءة بنوره في معادن أهل صفوته ومصطفى أهل خيرته.
فأوضح الله بأئمّة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه ، وأبلج بهم عن سبيل مناهجه وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه ، فمن عرف من اُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله) واجب حقّ إمامه وجد طعم حلاوة إيمانه ، وعلم فضل طلاوة إسلامه ، لأنّ الله نصب الإمام علماً لخلقه ، وجعله حجّة على أهل عالمه ، وألبسه الله تاج الوقار ، وغشّاه من نور الجبّار ، يمدّ بسبب إلى السماء لا ينقطع عنه موادّه ، ولا ينال ما عند الله تبارك وتعالى إلاّ بجهة أسباب سبيله ، ولا يقبل الله أعمال العباد إلاّ بمعرفته.
فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الوحي ، ومعميّات السنن ومشتبهات الفتن ، ولم يكن الله ليضلّ قوماً بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون ، وتكون الحجّة من الله على العباد بالغة[421].
178 ـ الأئمة الهداة كلّهم نور واحد ، ففي الطاعة والأمر كلّهم في مجرى واحد وإن كان بعضهم أعلم وأعظم من بعض ، إلاّ أ نّه في أصل الولاية فلا فرق بين أوّلهم وآخرهم ، ولا يستكمل عبد الإيمان حتّى يعرف أ نّه يجري لآخرهم ما يجري لأوّلهم في الحجّة والطاعة والحلال والحرام سواء ، ولمحمّد (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام)فضلهما ، ولا بدّ من التسليم إليهم في كلّ شيء.
عن يحيى بن زكريا عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: سمعته يقول: من سرّه أن يستكمل الإيمان فليقل: القول منّي في جميع الأشياء قول آل محمّد (عليهم السلام)فيما أسرّوا وفيما أعلنوا وفيما بلغني وفيما لم يبلغني[422].
179 ـ عن زيد الشحّام قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أ يّما أفضل: الحسن أم الحسين ؟ فقال: إنّ فضل أوّلنا يلحق بفضل آخرنا ، وفضل آخرنا يلحق بفضل أوّلنا وكلّ له فضل ، قال: قلت له: جعلت فداك ، وسّع عليّ في الجواب فإنّي والله ما سألتك إلاّ مرتاداً فقال: نحن من شجرة طيّبة برأنا الله من طينة واحدة ، فضلنا من الله وعلمنا من عند الله ونحن اُمناؤه على خلقه والدعاة إلى دينه والحجّاب فيما بينه وبين خلقه.
أزيدك يا زيد ؟ قلت: نعم . فقال: خلقنا واحد وعلمنا واحد وفضلنا واحد وكلّنا واحد عند الله تعالى ، فقال: أخبرني بعدّتكم ، فقال: نحن اثنا عشر هكذا حول عرش ربّنا عزّ وجلّ في مبتدأ خلقنا ، أوّلنا محمّد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد[423].
180 ـ أجل مثل هذه الأحاديث الشريفة يعدّ من الأمر الصعب المستصعب الذي لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان ، وقليل اُولئك المؤمنون الثابتون وقليل من عبادي الشكور ، وإلاّ فأكثر الناس لا يفقهون وللحقّ كارهون ، فسرعان ما ينكر مقامات العارفين ، ويقيسهم بنفسه ، ويرى أ نّه لا يتمكّن على ذلك ، فيحكم على غيره بالامتناع والاستحالة أيضاً ، فينكر ويردّ ويستبعد ، وحتّى يؤول أمره في بعض المواقف إلى المحاربة والعداء ، فإنّ الناس أعداء ما جهلوا.
والعاقل المنصف عليه أن يتورّع في القبول والردّ ، فلا يقبل ولا ينكر إلاّ مع الدليل الواضح والرهان القاطع ، وما لا يتحمّله من العلم يرجعه إلى أهله ، فإنّهم أعرف بما قالوا.
عن ميثم التمّـار قال: بينما أنا في السوق إذ أتى أصبغ بن نباتة فقال: ويحك يا ميثم لقد سمعت من أمير المؤمنين (عليه السلام) حديثاً صعباً شديداً ، قلت: وما هو ؟ قال: سمعته يقول: إنّ حديث أهل البيت صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، فقمت من فورتي ، فأتيت علياً (عليه السلام)فقلت: يا أمير المؤمنين حديث أخبرني به أصبغ عنك قد ضقت به ذرعاً ، فقال(عليه السلام): ما هو ؟ فأخبرته به فتبسّم ثمّ قال: اجلس يا ميثم ، أو كلّ علم يحتمله عالم ، إنّ الله تعالى قال للملائكة: ( إنِّي جاعِلٌ في الأرْضِ خَليفَةً قالوا أتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفَكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إنِّي أعْلَمُ ما لا تَعْلَمونَ ) فهل رأيت الملائكة احتملوا العلم ؟ قال: قلت: وإنّ هذا أعظم من ذلك ، قال: والاُخرى أنّ موسى بن عمران أنزل الله عليه التوراة فظنّ أن لا أحد أعلم منه فأخبره أنّ في خلقه أعلم منه ، وذلك إذ خاف على نبيّه العجب قال: فدعا ربّه أن يرشده إلى العالم قال: فجمع الله بينه وبين الخضر (عليهما السلام)فخرق السفينة فلم يحتمل ذلك موسى وقتل الغلام فلم يحتمله وأقام الجدار فلم يحتمله ، وأمّا النبيّون فإنّ نبيّنا (صلى الله عليه وآله) أخذ يوم غدير خم بيدي فقال: «اللهمّ من كنت مولاه فعليّ مولاه» فهل رأيت احتملوا ذلك إلاّ من عصم الله منهم ، فأبشروا ثمّ أبشروا ، فإنّ الله قد خصّكم بعالم يخصّ به الملائكة والنبيّين والمرسلين فيما احتملتم ذلك في أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلمه ، فحدّثوا عن فضلنا ولا حرج ، وعن عظيم أمرنا ولا أثم ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أمرنا معاشر الأنبياء أن نخاطب الناس على قدر عقولهم[424].
قال العلاّمة المجلسي في بيان الخبر: لعلّ المراد بآخر الخبر أنّ كلّ ما رويتم في فضلنا فهو دون درجتنا ، لأ نّا نكلّم الناس على قدر عقولهم ، أو المعنى أ نّا كلّفنا بذلك ولم تكلّفوا بذلك فقولوا في فضلنا ما شئتم وهو بعيد.
أقول: لا يبعد ذلك فإنّ زمن الأئمّة (عليهم السلام) يختلف عن الأزمنة التي بعد عصورهم ، فإنّ العلم يتطوّر ويتقدّم ، وكما ورد في الخبر الشريف عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) ، أ نّه يأتي في آخر الزمان أقوام يتعمّقون فأنزل الله سورة التوحيد وآيات من سورة الحديد لهم[425] ، وهذا يعني أنّ الناس في آخر الزمان كما يتعمّقون في العلوم والفنون الدنيويّة المعاشيّة كالصناعة الحديثة والتكنولوجيا المتطوّرة في عصر الذرّة وتسخير الفضاء والكومبيوتر ، كذلك يتعمّق أقوام في المعارف الإلهيّة والعلوم الاُخرويّة المعاديّة ، فحينئذ تنكشف لهم علوم ومعارف جديدة في معرفة الله ورسوله والأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، ومن خلال الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة يقف على حقائق جديدة في مناقب أهل البيت (عليهم السلام)وفضائلهم ، فالأئمّة (عليهم السلام)كلّموا اُناس زمانهم على قدر عقولهم ، ولكن ربما حامل فقه ألى من هو أفقه منه ، فيفهم من نقله وحديثه ما لا يفهمه هو ، وإلى مثل هذا المعنى كلّما يقال في أهل البيت من الفضائل مع تطوّر الزمن فإنّه يكون من معشار العشر ـ أي واحد بالمئة ـ ولن يبلغوا على ما هم عليه من المقامات الرفيعة في عالم الأنوار.
181 ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لو اُذن لنا أن نعلم الناس حالنا عند الله ومنزلتنا منه لما احتملتم ، فقال له: في العلم ؟ فقال: العلم أيسر من ذلك ، إنّ الإمام وكر ـ الوكر عشّ الطائر ـ لإرادة الله عزّ وجلّ لا يشاء إلاّ من يشاء الله[426].
182 ـ عن أسود بن سعيد قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام)فقال مبتدئاً من غير أن أسأله: نحن حجّة الله ونحن باب الله ونحن لسان الله ونحن وجه الله ونحن عين الله في خلقه ، ونحن ولاة أمر الله في عباده ، ثمّ قال: يا أسود بن سعيد إنّ بيننا وبين كلّ أرض ترّاً مثل ترّ البنّاء ـ خيط البنّاء ـ فإذا أمرنا في أمرنا جذبنا ذلك الترّ فأقبلت إلينا الأرض بقلبها وأسواقها ودورها حتّى تنقذ فيها ما نؤمر فيها من أمر الله تعالى.
أقول: لا يخفى أنّ ما يقولونه (عليهم السلام) من المقامات الشامخة والخوارق والمشيّة والعجائب والغرائب التي ينسبونها إليهم إنّما هي بإذن الله وبأمره ومشيّته ، لا على نحو الاستقلال ، إنّما تبعاً لإرادة الله سبحانه ، وبهذا تمتاز العقيدة الحقّة والمؤمن الرسالي عن الغلوّ والغلاة لعنهم الله ، فإنّهم ينسبون ذلك إليهم (عليهم السلام) على نحو الاستقلاليّة والتفويض حتّى يقولوا باُلوهيّتهم ، فيستصغرون الله ليكبّروا الأئمّة (عليهم السلام)كما فعل النصارى مع المسيح بن مريم في نسبته إلى الاُلوهيّة وأ نّه ابن الله ـ والعياذ بالله ـ فهذا ومثله في الأئمة الهداة المعصومين (عليهم السلام)ننكره ونلعن قائله والمعتقد به ، فنقول إنّهم عباد مكرمون ، فننزّلهم عن الربوبيّة ، وحينئذ يحقّ لنا أن نقول في فضلهم ومناقبهم ما عرفناه منهم ، ولن نبلغ معشار العشر ـ كما ورد في الأخبار ـ.
183 ـ عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله
(عليه
السلام):
يا أبا محمّد ، إنّ عندنا سرّاً من سرّ الله وعلماً من علم الله لا يحتمله
ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، والله ما كلّف
الله أحداً ذلك الحمل غيرنا ، ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا ، وإنّ عندنا
سرّاً من سرّ الله وعلماً من علم الله أمرنا الله بتبليغه فبلّغنا عن الله عزّ
وجلّ ما أمرنا بتبليغه ، ما نجد له موضعاً ولا أهلا ولا حمّـالة يحملونه حتّى
خلق الله لذلك أقواماً خلقوا من طينة خلق منها محمّد (صلى الله عليه وآله)وذرّيته ، ومن نور خلق الله منه محمّداً وذرّيته وصنعهم بفضل صنع رحمته التي
صنع منها محمّد (صلى الله عليه وآله) فبلّغناهم عن الله
عزّ وجلّ ما أمرنا بتبليغه فقبلوه واحتملوا ذلك ، وبلغهم ذلك عنّا فقبلوه
واحتملوه وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا وحديثنا ، فلولا أ نّهم
خلقوا من هذا لما كانوا كذلك ولا والله ما احتملوه ، ثمّ قال:
إنّ الله خلق قوماً لجهنّم والنار فأمرنا أن نبلّغهم كما بلّغناهم فاشمأزّوا من
ذلك ونفرت قلوبهم وردّوه علينا ولم يحتملوه وكذّبوا به وقالوا: ساحر كذّاب فطبع
الله على قلوبهم وأنساهم ذلك، ثمّ أطلق الله لسانهم ببعض
الحقّ
فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة ليكون ذلك دفعاً عن أوليائه وأهل طاعته ، ولولا
ذلك ما عبد الله في أرضه ، فأمرنا بالكفّ عنهم والكتمان منهم ، فاكتموا
ممّن أمر الله بالكفّ عنهم وأسرّوا عمّن أمر الله بالستر والكتمان منهم ،
قال: ثمّ رفع يده وبكى وقال: اللهمّ إنّ هؤلاء لشرذمة
قليلون ، فاجعل محياهم محيانا ومماتهم مماتنا ولا تسلّط عليهم عدوّاً لك
فتفجعنا بهم فإنّك إن فجعتنا بهم لم تعبد أبداً في أرضك[427].
184 ـ يروي العلاّمة المجلسي (قدس سره) عن والده أ نّه وجد في كتاب عتيق روي عن محمّد بن صدقة أ نّه قال: سأل أبو ذرّ الغفاري سلمان الفارسي رضي الله عنهما يا أبا عبد الله ما معرفة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)بالنورانيّة ؟ قال: يا جندب ، فامضِ بنا حتّى نسأله عن ذلك ، قال: فأتيناه فلم نجده.
قال : فانتظرناه حتّى جاء، قال صلوات الله عليه : ما جاء بكما ؟ قالا: جئناك يا أمير المؤمنين نسألك عن معرفتك بالنورانيّة... قال(عليه السلام): إنّه لا يستكمل أحد الإيمان حتّى يعرفني كنه معرفتي بالنورانيّة ، فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وصار عارفاً مستبشراً ـ والحديث طويل فراجع[428] ـ.
185 ـ عن الإمام الباقر في حديث طويل مع جابر: قال (عليه السلام): يا جابر ، إنّ لنا عند الله منزلة ومكاناً رفيعاً ، ولولا نحن لم يخلق الله أرضاً ولا سماء ولا جنّة ولا ناراً ولا شمساً ولا قمراً ولا نباتاً ولا شجراً ، اخترعنا الله من نور ذاته لا يقاس بنا بشر.
بنا أنقذكم
الله عزّ وجلّ وبنا هداكم الله ، ونحن والله دللناكم على ربّكم فقفوا على
أمرنا ونهينا ولا تردّوا كلّ ما ورد عليكم منّا ، فإنّا أكبر وأجلّ وأعظم
وأرفع من جميع ما يرد عليكم ما فهمتموه فاحمدوا الله عليه ، وما جهلتموه
فكلوا أمره إلينا
وقولوا:
أئمتنا أعلم بما قالوا[429].
186 ـ أجل هذا التسليم من مظاهر الولاية ومعرفتها والأقرار بها ، وبمثل هذا تقبل الأعمال.
عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنال في الناس وأنال ، وعندنا عرى العلم وأبواب الحكم ومعاقل العلم وضياء الاُمر وأواخيه ، فمن عرفنا نفعه معرفته وقبل منه عمله ، ومن لم يعرفنا لم ينفعه الله بمعرفة ما علم ، ولم يقبل منه عمله[430].
فقبول العمل بمعرفة الأئمة (عليهم السلام) ، بل وينتفع من علومه بالمعرفة ، فهي مثل الصلاة إن قبلت قبل ما سواها ، فلو كانت لا تنفع المرء من علمه ومعارفه الاُخرى ، هكذا أراد الله سبحانه.
ثمّ قوله (عليه السلام): قد أنال ، أي أعطى وأفاد في الناس العلوم الكثيرة وفرقها في الناس يميناً وشمالا ، وفي سائر الجهات لكلّ من سأله ، لكن عند أهل البيت (عليهم السلام)معيار ذلك ، والفصل بين ما هو حقّ وباطل منها ، وعندهم شرحها وتفسيرها ، وبيان ناسخها ومنسوخها ، وعامّها وخاصّها ، والعروة: ما يتمسّك به من الحبل وغيره ، والأواخي: جمع الأخية ـ بفتح الهمزة وكسر الخاء وتشديد الياء ، وقد يخفّف ـ: عود في الحائط يدفن طرفاه ويبرز وسطه تشدّ فيه الدابّة ، أي عندنا ما يشدّ به العلم ويحفظ عن الضياع والتفرّق والتشتّت.
[408]البحار 25: 110 ، عن ثواب الأعمال: 198 ، الباب 3 عقاب من ادّعى الإمامة بغير حقّ أو رفع راية جور أو أطاع إماماً جائراً ، وفي الباب 18 رواية.
[409]المصدر ، عن محاسن البرقي.
[410]لقد ذكرنا مصادر هذه الرواية وأمثالها وشرحها وبيانها في رسالة ( جلوة من ولاية أهل البيت (عليهم السلام) ) وهي مطبوعة ، فراجع.
[411]البحار 25: 137 ، عن عيون الأخبار: 324.
[412]في الطبعة الاُولى من المصدر ( فإذا ج أبو الحسن ) أي فإذا حينئذ أبو الحسن ، وفي الطبعة الثانية: فإذا ح ـ البحار 25: 264.
[413]رجال الكشّي: 232.
[414]أمالي الطوسي: 54.
[415]البحار 25: 268 ، عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 311.
[416]اقتباس من الزيارة الجامعة ، مفاتيح الجنان: 550.
[417]البحار 25: 279 ، الباب 9 نفي الغلوّ في النبي والأئمة صلوات الله عليه وعليهم ، وفي الباب 94 رواية ، وهذه الرواية من أمالي المفيد: 148.
[418]البحار 25: 283.
[419]المصدر ، عن كشف الغمّة: 237.
[420]المصدر ، عن رجال الكشّي: 197.
[421]البحار 25: 147 ، عن بصائر الدرجات: 122.
[422]البحار 25: 363 ، الباب 13 غرائب أفعالهم وأحوالهم ووجوب التسليم لهم في جميع ذلك ، وفي الباب 44 رواية.
[423]البحار 25: 362 ، الباب 12 أ نّه جرى لهم من الفضل والطاعة مثل ما جرى لرسول الله صلّى الله عليهم وأ نّهم في الفضل سواء ، وفي الباب 23 رواية.
[424]البحار 25: 384.
[425]لقد شرحت ذلك بالتفصيل في كتاب ( علي (عليه السلام) نقطة باء البسملة ) ، وهو مطبوع ، فراجع.
[426]المصدر ، عن المختصر: 128.
[427]البحار 25: 386.
[428]البحار 26: 1.
[429]البحار 26: 12 ، الباب 13 نادر في معرفتهم صلوات الله عليهم بالنورانيّة ، وفيه ذكر جمل من فضائلهم (عليهم السلام) ، وفي الباب روايتان.
[430]البحار 26: 32 ، عن الاختصاص: 309.
187 ـ ومن كان مؤمناً موالياً فإنّه يكون من
الصالحين ، ويكون مع الشهداء
والصدّيقين.
عن الحسن بن العباس بن جريش عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ لنا في ليالي الجمعة لشأناً من الشأن[431] ، قلت: جعلت فداك ، أيّ شأن ؟ قال: يؤذن للملائكة والنبيّين والأوصياء الموتى ولأرواح الأوصياء والوصيّ الذي يظهر بين ظهرانيكم يعرج بها إلى السماء فيطوفون بعرش ربّها اُسبوعاً وهم يقولون: سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح ، حتّى إذا فرغوا صلّوا خلف كلّ قائمة له ركعتين ثمّ ينصرفون ، فتنصرف الملائكة بما وضع الله فيها من الاجتهاد وشديد إعظامهم لما رأوا ، وقد زيد في اجتهادهم وخوفهم مثله.
وينصرف النبيّون والأوصياء وأرواح الأحبّاء شديداً عجبهم ـ شديداً حبّهم ـ وقد فرحوا أشدّ الفرح لأنفسهم ويصبح الوصيّ والأوصياء قد اُلهموا إلهاماً من العلم ، علماً مثل جمع الغفير ، ليس شيء أشدّ سروراً منهم ، أكتم فوالله لهذا أعزّ عند الله من كذا وكذا عندك حصنه.
قال: يا محبور والله ما يلهم الإقرار بما ترى إلاّ الصالحون ، قلت: والله ما عندي كثير الصلاح ، قال: لا تكذب على الله ، فإنّ الله قد سمّـاك صالحاً حيث يقول: ( اُوْلـئِكَ مَعَ الَّذينَ أنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحينَ ) يعني الذين آمنوا بنا وبأمير المؤمنين وملائكته وأنبيائه وجميع حججه عليه وعلى محمّد وآله الطيّبين الطاهرين الأخيار الأبرار السلام[432].
188 ـ أجل هذه هي الولاية التي بها يكون المؤمن مؤمناً صالحاً كامل الدين.
عن المفضّل عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): اُعطيت تسعاً لم يعطها أحد قبلي سوى النبيّ (صلى الله عليه وآله) لقد فتحت لي السُّبل ، وعلمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب . ولقد نظرت في الملكوت بإذن ربّي فما غاب عنّي ما كان قبلي ولا ما يأتي بعدي ، وإنّ بولايتي أكمل الله لهذه الاُمّة دينهم وأتمّ عليهم النعم ورضي لهم إسلامهم إذ يقول يوم الولاية لمحمّد (صلى الله عليه وآله): يا محمّد أخبرهم أ نّي أكملت لهم اليوم دينهم وأتممت عليهم النعم ورضيت إسلامهم ، كلّ ذلك منّاً من الله عليّ فله الحمد[433].
قال العلاّمة المجلسي في بيان الخبر: لقد فتحت لي السبل ، أي طرق العلم بالمعارف والغيوب ، أو القرب إلى الله وعلمت المنايا أي آجال الناس ، والبلايا أي ما يمتحن الله به العباد من الأمراض والآفات أو الأعمّ منها ومن الخيرات ، والأنساب أي أعلم والد كلّ شخص فأعرف أولاد الحلال من الحرام . وفصل الخطاب أي الخطاب الفاصل بين الحقّ والباطل ، أو الخطاب المفصول الواضح الدلالة على المقصود ، أو ما كان من خصائصه.
189 ـ ولا يخفى أنّ معرفة الولاية لها مراتب كمراتب النور الحسّي ، فمن الناس الموالين من يعرف الولاية في أدنى مراتبها ، ومنهم من يعرف حقّ المعرفة مع البرهان القاطع والدليل الساطع ، والعجب أنّ الداني يعترض على العالي ويعيبه حتّى ينقص من حقّ الأئمّة (عليهم السلام)جهلا.
عن ضريس الكناسي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول وعنده اُناس من أصحابه وهم حوله: إنّي لأعجب من قوم يتولّونا ويجعلونا أئمّة ويصفون أنّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة الله ، ثمّ يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم لضعف قلوبهم فينقصونا حقّنا ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حقّ معرفتنا والتسليم لأمرنا ، أترون الله افترض طاعة أوليائه على عباده ثمّ يخفي عليهم أخبار السماوات والأرض ويقطع عنهم موادّ العلم فيما يرد عليهم ممّـا فيه قوام دينهم.
فقال له حمران: يا بن رسول الله أرأيت ما كان من قيام أمير المؤمنين والحسن والحسين وخروجهم وقيامهم بدين الله وما اُصيبوا به من قبل الطواغيت والظفر بهم حتّى قتلوا وغلبوا ؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا حمران إنّ الله تبارك وتعالى قد كان قدّر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار ، ثمّ أجراه عليهم فيتقدّم علم إليهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله)قام عليّ والحسن والحسين (عليهم السلام) ويعلم صمت من صمت منّا ، ولو أ نّهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من ذلك سألوا الله أن يدفع عنهم وألحّوا عليه في إزالة ملك الطواغيت وذهاب ملكهم لزال أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدّد ، وما كان الذي أصابهم لذنب اقترفوه ولا لعقوبة معصية خالفوا فيها ، ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغهم إيّاها فلا تذهبنّ بك المذاهب فيهم[434].
قال العلاّمة المجلسي في بيان الخبر الشريف: ثمّ يكسرون حجّتهم ، أي على المخالفين ، لأ نّه حجّته عليهم أنّ إمامهم كامل في العلم ، وإمام المخالفين ناقص ، فإذا اعترفوا في إمامهم أيضاً بالنقص والجهل فقد كسروا وأبطلوا حجّتهم عليهم ، ويخصمون أنفسهم ، أي يقولون بشيء إن تمسّك به المخالفون غلبوا عليهم ، فإنّ لهم أن يقولوا: لا فرق بين إمامنا وإمامكم ، يقال: خصمه كضربه: إذا غلب عليه في الخصومة . ويقال: نقصه حقّه: إذا لم يؤدّه إليه ، ويعيبون ذلك أي أداء حقّنا وعرفان أمرنا وبرهان حقّ معرفتنا ، أي من الكتاب والسنّة فأقرّوا بغاية علمنا ، ثمّ يخفى ، ثمّ التراخي الرتبي ، ومواد العلم . ما يمكنهم استنباط علوم الحوادث والأحكام وغيرهما منه ممّـا ينزّل عليهم في ليلة القدر وغيره ، والمادّة: الزيادة المتّصلة ، فيما يرد عليهم أي من القضايا وما يسألون عنه من الأخبار ، وقوام دينهم كما يكون في الأحكام كذلك يكون في الإخبار بالحوادث فإنّه يصير سبباً لزيادة يقينهم فيهم . أرأيت: أي أخبرني ما كان من تلك الاُمور لأيّ سبب كان ؟ فإنّ هذه توهم عدم علمهم بما يكون ، على سبيل الاختيار: أي أخبرهم بذلك ورضوا به ولذا لم يفرّوا منه ، كما سيأتي في الأخبار.
وفي بعض النسخ بالباء الموحّدة ـ الاختبار ـ والأوّل أظهر لقوله: بتقدّم علم ، وكذا قوله: ولو أ نّهم بيان لكون تلك الاُمور باختيارهم ، وحيث ظرف مكان استعمل في الزمان . من سلك ، أي من انقطاع سلك . والتبدّد: التفرّق والاقتراف: الاكتساب.
والحاصل: أ نّهم ليسوا بداخلين تحت قوله تعالى: ( ما أصابَكُمْ مِنْ مُصيبَة )الآية ، بل الخطاب فيها إنّما توجّه إلى أرباب الخطايا من الاُمّة ، وفيهم إنّما هي رفع درجاتهم ، فلا تذهبنّ بك المذاهب: الباء للتعدية ، والمذاهب: الأهواء المضلّة أي لا تتوهّمنّ أنّ ذلك لصدور معصية منهم أو لنقص قدرهم ، أو لأ نّهم لم يعلموا ما يصيبهم.
هذا ولا بأس أن نستضيء بالولاية بنورها الآخر ، فمن أنوارها اللامعة أنّ مدحهم وذكر فضائلهم يوجب غفران الذنوب ، كما أنّ القائل فيهم بيتاً من الشعر بنى الله له بيتاً في الجنّة.
190 ـ عن الإمام الصادق (عليه السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ الله تعالى جعل لأخي عليّ بن أبي طالب فضائل لا تحصى كثرة ، فمن قرأ فضيلة من فضائله مقرّاً بها غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة يستغفرون له ما بقي لتلك الكتابة رسم ، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالسمع ، ومن نظر إلى كتابة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر[435].
191 ـ قال أبو عبد الله (عليه السلام): من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتاً في الجنّة.
192 ـ قال (عليه السلام): ما قال فينا قائل بيت شعر حتّى يؤيّد بروح القدس[436].
193 ـ عن الحسن بن الجهم قال: سمعت الرضا (عليه السلام)يقول: ما قال فينا مؤمن شعراً يمدحنا به إلاّ بنى الله تعالى له مدينة في الجنّة أوسع من الدنيا سبع مرّات يزوره فيها كلّ ملك مقرّب وكلّ نبيّ مرسل[437].
194 ـ قال نصر بن الصباح البلخي: عبد الله بن غالب الشاعر الذي قال له أبو عبد الله (عليه السلام) إنّ ملكاً يلقي عليه الشعر ، وإنّي لأعرف ذلك الملك[438].
وأمّا أخذ فضائل أهل البيت (عليهم السلام)من مخالفيهم فقد ورد النهي عن ذلك.
195 ـ عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا (عليه السلام): يا ابن رسول الله إنّ عندنا أخباراً في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)وفضلكم أهل البيت وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها عنكم ، أفندين بها ؟ فقال: يا بن أبي محمود لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جدّه (عليهم السلام)أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله عزّ وجلّ فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس.
ثمّ قال الرضا (عليه السلام): يا بن أبي محمود ، إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها في أقسام ثلاثة: أحدها الغلوّ ، وثانيها التقصير في أمرنا ، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا ، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيّتنا ، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا ، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا ، وقد قال الله عزّ وجلّ: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذينَ يَدْعونَ مِنْ دونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلـْم ) ، يا بن أبي محمود ، إذا أخذ الناس يميناً وشمالا فالزم طريقتنا فإنّه من لزمنا لزمناه ، ومن فارقنا فارقناه ، إنّ أدنى ما يخرج الرجل من الإيمان أن يقول للحصاة: هذه نواة ، ثمّ يدين بذلك ويبرأ ممّن خالفه ، يا بن أبي محمود ، احفظ ما حدّثتك به فقد جمعت لك فيه خير الدنيا والآخرة[439].
يقول العلاّمة المجلسي في بيان الخبر: النهي عن الاعتقاد بما تفرّد به المخالفون من فضائلهم لا ينافي جواز الاحتجاج عليهم بأخبارهم ، فإنّه لا يتأتّى إلاّ بذلك ، ولا ذكر ما ورد في طريق أهل البيت (عليهم السلام) من طريق المخالفين أيضاً تأييداً وتأكيداً.
196 ـ عن الإمام الصادق (عليه السلام)أ نّه قال: يا أبا بصير نحن شجرة العلم ونحن أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله)وفي دارنا مهبط جبرئيل ، ونحن خزّان علم الله ، ونحن معادن وحي الله ، ومن تبعنا نجا ومن تخلّف عنّا هلك ، حقّاً على الله عزّ وجلّ[440].
197 ـ عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول: إنّ لله عزّ وجلّ خلقاً خلقهم من نوره ورحمته لرحمته ، فهم عين الله الناظرة واُذنه السامعة ولسانه الناطق في خلقه بإذنه ، واُمناؤه على ما أنزل من عدر أو نذر أو حجّة ، فبهم يمحو الله السيّئات وبهم يرفع الضيم ، وبهم ينزل الرحمة ، وبهم يحيي ميتاً ويميت حيّاً ، وبهم يبتلي خلقه وبهم يقضي في خلقه قضيّة قلت: جعلت فداك ، من هؤلاء ؟ قال: الأوصياء.
198 ـ عن الإمام الباقر (عليه السلام): نحن حجّة الله ونحن باب الله ونحن لسان الله ونحن وجه الله ونحن عين الله في خلقه ونحن ولاة أمر الله في عباده[441].
199 ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام): نحن ولاة أمر الله وخزنة علم الله وعيبة وحي الله وأهل دين الله ، وعلينا نزل كتاب الله ، وبنا عبد الله ولولانا ما عرف الله ، ونحن ورثة نبيّ الله وعترته[442].
بيان:قوله: وبنا عُبد الله ، أي نحن علّمنا الناس طريق عبادة الله ، أو نحن عبدنا الله حقّ عبادته بحسب الإمكان ، أو بولايتنا عُبد الله فإنّها أعظم العبادات ، أو بولايتنا صحّت العبادات فإنّها من أعظم شرائطها ...
200 ـ قال أبو عبد الله (عليه السلام):
إنّ الله تبارك وتعالى انتجبنا صفوته من خلقه واُمناؤه على وحيه وخزّانه في أرضه
وموضع سرّه وعيبة علمه ، ثمّ أعطانا الشفاعة
فنحن
اُذنه السامعة وعينه الناظرة ولسانه الناطق بإذنه واُمناؤه على ما نزل من عذر ونذر
وحجّة[443].
201 ـ عن أبي خالد القمّـاط عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: قلت له: يا بن رسول الله ما منزلتكم من ربّكم ؟ فقال: حجّته على خلقه وبابه الذي يؤتى منه واُمناؤه على سرّه وتراجمة وحيه.
202 ـ عن خيثمة عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: سمعته يقول: نحن جنب الله ونحن صفوته ونحن خيرته ونحن مستودع مواريث الأنبياء ونحن اُمناء الله ونحن حجّة الله ونحن أركان الإيمان ونحن دعائم الإسلام ونحن رحمة الله على خلقه . ونحن الذين بنا يفتح الله وبنا يختم ، ونحن أئمّة الهدى ومصابيح الدجى ونحن منار الهدى ونحن السابقون ونحن الآخرون ونحن العلم المرفوع للخلق من تمسّك بنا لحق ومن تخلّف عنّا غرق.
ونحن قادة الغرّ المحجّلين ونحن خيرة الله ونحن الطريق وصراط الله المستقيم إلى الله ، ونحن من نعمة الله على خلقه ونحن المنهاج ونحن معدن النبوّة ونحن موضع الرسالة ونحن الذين إلينا مختلف الملائكة ونحن السراج لمن استضاء بنا ونحن السبيل لمن اقتدى بنا ، ونحن الهداة إلى الجنّة ، ونحن عزّ الإسلام ، ونحن الجسور والقناطر ، من مضى عليها سبق ، ومن تخلّف عنها محق ، ونحن السنام الأعظم ، ونحن الذين بنا تنزل الرحمة وبنا تسقون الغيث ونحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب ، فمن عرفنا ونصرنا وعرف حقّنا وأخذ بأمرنا فهو منّا وإلينا[444].
203 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام)قال: إنّ الله عزّ وجلّ طهّرنا وعصمنا وجعلنا
شهداء
على خلقه وحجّته في أرضه ، وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا
يفارقنا[445].
204 ـ عن زياد بن المنذر قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ (عليه السلام) وهو يقول: نحن شجرة أصلها رسول الله وفرعها أمير المؤمنين علي وأغصانها فاطمة بنت محمّد وثمرتها الحسن والحسين (عليهما السلام)فإنّها شجرة النبوّة وبيت الرحمة ومفتاح الحكمة ومعدن العلم وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وموضع سرّ الله ووديعته والأمانة التي عرضت على السماوات والأرض وحرم الله الأكبر وبيت الله العتيق وحرمه ـ إلى أن يقول والحديث طويل ـ: هؤلاء الذين افترض الله مودّتهم وولايتهم على كلّ مسلم ومسلمة فقال في محكم كتابه لنبيّه (صلى الله عليه وآله): ( قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ في القُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فيها حُسْناً إنَّ اللهَ غَفورٌ شَكورٌ )، فقال أبو جعفر(عليه السلام): اقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت[446].
205 ـ عن الإمام الصادق (عليه السلام)قال: أ يّها الناس إنّ أهل بيت نبيّكم شرّفهم الله بكرامته واستحفظهم سرّه واستودعهم علمه ، فهم عماد لدينه شهداء علمه ، برأهم قبل خلقه ، وأظلّهم تحت عرشه واصطفاهم فجعلهم علم عباده ودلّهم على صراطه.
فهم
الأئمّة المهديّة والقادة البررة والاُمّة الوسطى ، عصمة لمن لجأ إليهم ونجاة
لمن اعتمد عليهم ، يغتبط من والاهم ويهلك من عاداهم ويفوز من تمسّك بهم فيهم
نزلت الرسالة وعليهم هبطت الملائكة وإليهم نفث الروح الأمين ، وآتاهم الله
ما لم يؤتِ
أحداً من العالمين ، فهم الفروع الطيّبة والشجرة المباركة ومعدن العلم وموضع
الرسالة ومختلف الملائكة ، وهم أهل بيت الرحمة والبركة الذين أذهب الله عنهم
الرجس وطهّرهم تطهيراً[447].
206 ـ وروي عن محمّد بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: نحن جنب الله ونحن صفوة الله ونحن خيرة الله ونحن مستودع أحاديث الأنبياء ونحن اُمناء الله ونحن وجه الله ونحن آية الهدى ونحن العروة الوثقى ، وبنا فتح الله وبنا ختم الله ، ونحن الأوّلون ونحن الآخرون ، ونحن أخبار الدهر ونواميس العصر ، ونحن سادة العباد وساسة البلاد ونحن النهج القويم والصراط المستقيم ونحن علّة الوجود ـ علّة غائيّة ـ وحجّة المعبود لا يقبل الله عمل عامل جهل حقّنا . ونحن قناديل النبوّة ومصابيح الرسالة ونحن نور الأنوار وحكمة الجبّار ونحن راية الحقّ التي من تبعها نجا ومن تأخّر عنها هوى ، ونحن أئمة الدين وقائد الغرّ المحجّلين ونحن معدن النبوّة وموضع الرسالة وإلينا تختلف الملائكة ونحن سراج لمن استضاء والسبيل لمن اهتدى ونحن القادة إلى الجنّة ونحن الجسور والقناطر ونحن السنام الأعظم . وبنا ينزل الغيث وبنا ينزل الرحمة وبنا يدفع العذاب والنقمة ، فمن سمع هذا الهدى فليتفقّد في قلبه حبّنا فإن وجد فيه البغض لنا والإنكار لفضلنا فقد ضلّ عن سواء السبيل ، لأ نّا حجّة المعبود وترجمان وحيه وعيبة علمه وميزان قسطه . ونحن فروع الزيتونة وربائب الكرام البررة ونحن مصباح المشكاة التي فيها نور النور ، ونحن صفوة الكلمة الباقية إلى يوم الحشر المأخوذ لها الميثاق والولاية من الذرّ[448].
207 ـ عن ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد
الله (عليه
السلام):
إنّ الله واحد أحد
متوحّد
بالوحدانيّة متفرّد بأمره خلق خلقاً ففوّض إليهم أمر دينه ، فنحن هم يا ابن
أبي يعفور ، نحن حجّة الله في عباده وشهداؤه على خلقه واُمناؤه على وحيه
وخزّانه على علمه ووجهه الذي يؤتى منه وعينه في بريّته ولسانه الناطق وبابه الذي
يدلّ عليه ، نحن العالمون بأمره والداعون إلى سبيله ، بنا عرف الله وبنا
عبد الله ، نحن الأدلاّء على الله ، ولولانا ما عبد الله[449].
أقول: لنا مثل هذه الروايات الشريفة المئات ، وزبدة المخاض فيها أ نّها تذكر مقامات الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ، وأ نّهم عباد الله المكرمون من بيت الوحي والنبوّة ، ففضائلهم دون الاُلوهيّة ، فلا غلوّ حينئذ بل كلّ ما يقال فهو معشار عشر ، ولن نبلغ كما أخبروا (عليهم السلام)بذلك «نزّلونا عن الربوبيّة وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا».
ويقول شيخنا الصدوق عليه الرحمة في اعتقاداته ، وهي خلاصة معتقدات أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام): اعتقادنا أنّ حجج الله عزّ وجلّ على خلقه بعد نبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله)الأئمّة الاثنا عشر: أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ علي بن الحسين ثمّ محمّد بن علي ثمّ جعفر بن محمّد ثمّ موسى بن جعفر ثمّ علي بن موسى الرضا ثمّ محمّد بن علي ثمّ علي بن محمّد ثمّ الحسن بن علي ثمّ الحجّة الائم المنتظر صاحب الزمان وخليفة الرحمان صلوات الله عليهم أجمعين.
واعتقادنا فيهم أ نّهم اُولوا الأمر الذين أمر الله بطاعتهم ، وأ نّهم الشهداء على الناس وأ نّهم أبواب الله والسبيل إليه والأدلّة عليه وأ نّهم عيبة علمه وتراجمة وحيه وأركان توحيده وأ نّهم معصومون من الخطأ والزلل وأ نّهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وأنّ لهم المعجزات والدلائل وأ نّهم أمان أهل الأرض كما أنّ النجوم أمان أهل السماء وأنّ مثلهم في هذه الاُمّة كمثل سفينة نوح من ركبها نجا وكباب حطّة ، وأ نّهم عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.
ونعتقد أنّ حبّهم إيمان وبغضهم كفر ، وأنّ أمرهم أمر الله ونهيهم نهيه وطاعتهم طاعته ومعصيتهم معصيته ، ووليّ الله وليّهم وعدوّ الله عدوّهم.
ونعتقد أنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله على الخلق ظاهر أو خاف مغمور ونعتقد أنّ حجّة الله في أرضه وخليفته على عباده في زماننا هذا هو القائم المنتظر ابن الحسن وأ نّه هو الذي أخبر به النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن الله عزّ وجلّ باسمه ونسبه ، وأ نّه هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً ، وأ نّه هو الذي يظهر الله به دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون ، وأ نّه هو الذي يفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها حتّى لا يبقى في الأرض مكان إلاّ ينادى فيه بالأذان ويكون الدين كلّه لله ، وأ نّه هو المهدي الذي أخبر النبيّ (صلى الله عليه وآله)به: أ نّه إذا خرج نزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فصلّى خلفه ، ويكون إذا صلّى خلفه مصلّياً خلف رسول الله لأ نّه خليفته ، ونعتقد أن لا يكون القائم غيره باق في غيبته لأنّ النبيّ والأئمّة (عليهم السلام)باسمه ونسبه نصّوا ، وبه بشّروا صلوات الله عليه[450].
أقول: يا من تسألني عن الولاية ، ولماذا هذا الإصرار الشديد عليها ، إنّما أدعوك لولاية هذا الإمام القائم المنتظر عجّل الله فرجه صاحب العصر والزمان ، قطب عالم الإمكان ولولاه لساخت الأرض بأهلها ، فبيُمنه رزق الورى ، وبوجوده ثبت الأرض والسماء ، وأ نّه خليفة الله وخليفة رسوله ، وأ نّه خاتم الأوصياء (عليهم السلام) ، جمع علم الأوّلين والآخرين ، ومن مات ولم يعرفه مات ميتة الجاهليّة والكفر ، فمأواه جهنّم وبئس المصير ، وأ نّه يخسر الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين.
فتعال لنزداد معرفة وولاء وطاعةً ومودّة بأهل البيت (عليهم السلام) ، وقيمة كلّ امرئ في الدارين ما يحسنه من المعرفة والولاية.
208 ـ عن مولانا أبي محمّد العسكري (عليه السلام): أعوذ بالله من قوم حذفوا محكمات الكتاب ونسوا الله ربّ الأرباب والنبيّ وساقي الكوثر في مواقف الحساب ، وبطروا الطامة الكبرى ونعيم دار الثواب فنحن السنام الأعظم ، وفينا النبوّة والولاية والكرم ، ونحن منار الهدى والعروة الوثقى ، والأنبياء كانوا يقتبسون من أنوارنا ، ويقتفون آثارنا ، وسيظهر حجّة الله على الخلق بالسيف المسلول لإظهار الحقّ.
209 ـ وقال (عليه السلام): قد صعدنا ذُرى الحقائق بأقدام النبوّة والولاية ، ونوّرنا سبع طبقات أعلام الفتوى بالهداية ، فنحن ليوث الوغى ـ الحرب ـ وغيوث الندى وطعّان العدى ، وفينا السيف والقلم في العاجل ، ولواء الحمد والحوض في الآجل ، وأسباطنا خلفاء الدين وخلفاء النبيّين ومصابيح الاُمم ومفاتيح الكرم[451].
210 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام): نحن شجرة النبوّة ومحطّ الرسالة ومختلف الملائكة ومعادن العلم وينابيع الحكم ، ناصرنا ومحبّنا ينتظر الرحمة ، وعدوّنا ومبغضنا ينتظر السطوة[452].
211 ـ وقال (عليه السلام) في بعض خطبه: نحن الشعار والأصحاب والخزنة والأبواب لا تؤتى البيوت إلاّ من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمّي سارقاً ، فهم كرائم القرآن وكنوز الرحمن إن نطقوا صدقوا وإن صمتوا لم يسبقوا[453].
212 ـ وقال (عليه السلام) في خطبة يذكر فيها أنّ آل محمّد (عليهم السلام): هم عيش العلم وموت الجهل ، يخبركم حلمهم عن علمهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم ، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه ، هم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحقّ في نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية ، وإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل[454].
213 ـ عن تفسير القمّي بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: كان ممّـا ناجى الله موسى (عليه السلام): إنّي لا أقبل الله إلاّ ممّن تواضع لعظمتي وألزم قلبه خوفي ، وقطع نهاره بذكري ، ولم يبت مصرّاً على خطيئته ، وعرف حقّ أوليائي وأحبّائي ، فقال موسى: يا ربّ تعني بأوليائك وأحبّائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب ؟ فقال: هم كذلك ، إلاّ أ نّي أردت بذلك مَن مِن أجله خلقت آدم وحوّاء ، ومَن مِن أجله خلقت الجنّة والنار ، فقال: ومن هو يا ربّ ؟ فقال: محمّد أحمد شققت اسمه من اسمي لأ نّي أنا المحمود وهو محمّد ، فقال موسى: يا ربّ اجعلني من اُمّته ، فقال له: يا موسى أنت من اُمّته إذا عرفت منزلته ومنزلة أهل بيته ، إنّ مثله ومثل أهل بيته فيمن خلقت كمثل الفردوس في الجنان لا ينتشر ورقها ولا يتغيّر طعمها ، فمن عرفهم وعرف حقّهم جعلت له عند الجهل علماً ، وعند الظلمة نوراً ، اُجيبه قبل أن يدعوني واُعطيه قبل أن يسألني[455].
214 ـ عن جابر عن أبي جعفر عن أبيه عن جدّه (عليهم السلام): إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)قال لعليّ (عليه السلام): أنت الذي احتجّ الله بك في ابتدائه الخلق حيث أقامهم أشباحاً فقال لهم: ألست بربّكم ؟ قالوا: بلى . قال: ومحمّد رسولي ؟ قالوا: بلى . قال: وعليّ أمير المؤمنين ؟ فأبى الخلق جميعاً إلاّ استكباراً وعتوّاً عن ولايتك إلاّ نفر قليل ، وهم أقلّ الأقلّين وهم أصحاب اليمين[456].
215 ـ عن داود الرقّي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)عن قوله عزّ وجلّ: ( وَكانَ عَرْشُهُ عَلى الماءِ ) فقال لي: ما يقولون ؟ قلت: يقولون إنّ العرش كان على الماء والربّ فوقه . فقال: فقد كذبوا ، من زعم هذا فقد صيّر الله محمولا ووصفه بصفة المخلوقين ولزمه أنّ الشيء الذي يحمله أقوى منه . قلت: بيّن لي جعلت فداك ، فقال: إنّ الله حمّل دينه وعلمه الماء قبل أن تكون أرض أو سماء أو جنّ أو إنس أو شمس أو قمر ، فلمّـا أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم: من ربّكم ؟ فكان أوّل من نطق رسول الله وأمير المؤمنين والأئمة صلوات الله عليهم ، فقالوا: أنت ربّنا فحملهم العلم والدين ، ثمّ قال للملائكة: هؤلاء حملة علمي وديني واُمنائي في خلقي وهم المسؤولون . ثمّ قيل لبني آدم: أقرّوا لله بالربوبيّة ، ولهؤلاء النفر بالطاعة ، فقالوا: ربّنا أقررنا ، فقال للملائكة: اشهدوا ، فقالت الملائكة: شهدنا على أن لا يقولوا إنّا كنّا عن هذا غافلين ، أو يقولوا: إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ، يا داود ولايتنا مؤكّدة عليهم في الميثاق[457].
216 ـ عن أبي الحسن (عليه السلام)قال: ولاية عليّ مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، ولن يبعث الله نبيّاً إلاّ بنبوّة محمّد ووصيّه عليّ صلوات الله عليه[458].
217 ـ عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يا عليّ ما بعث الله نبيّاً إلاّ وقد دعاه إلى ولايتك طائعاً أو كارهاً[459].
218 ـ عن حذيفة بن اُسيد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما تكاملت النبوّة لنبيّ في الأظلّة حتّى عرضت عليه ولايتي وولاية أهل بيتي ومثّلوا له فأقرّوا بطاعتهم وولايتهم.
219 ـ قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما نبّئ نبيّ قطّ إلاّ بمعرفة حقّنا وبفضلنا على من سوانا.
220 ـ قال أبو جعفر (عليه السلام): ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبيّاً إلاّ بها.
قال العلاّمة المجلسي في بيان الخبر: ولاية الله: أي ولاية واجبة من الله على جميع الاُمم ، أو الحمل على المبالغة أي لا تقبل ولاية الله إلاّ بها.
أقول: بل يحمل على الحقيقة فإنّ ولايتهم حقيقة هي ولاية الله ، كما أنّ ولايته عزّ وجلّ ولايتهم (عليهم السلام)كما في الإرادة والمشيئة ، فلا يشاؤون إلاّ أن يشاء الله ومشيّة الله تتجلّى في مشيّتهم ، فمشيّتهم مرآة مشيّة الله سبحانه وتعالى فلا تغفل.
221 ـ عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): إنّ الله عرض ولايتي على أهل السماوات وعلى أهل الأرض أقرّ بها من أقرّ وأنكرها من أنكر ، أنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتّى أقرّ بها.
أقول: إنكار يونس لم يكن إنكاراً كلّياً فإنّ ذلك يوجب الكفر ، بل إنكاره إنكار الولاية العظمى التامّة التي لا يتحمّلها إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان ، ومعرفتها لها مراتب طولية وعرضية فهي من الكلي ذات التشكيك ، فتأمّل.
222 ـ عن جابر الجعفي عن الباقر صلوات الله عليه قال: سألته عن تعبير الرؤاى عن دانيال أهو صحيح ؟ قال: نعم ، كان يوحى إليه وكان نبيّاً ، وكان ممّـا علّمه الله تأويل الأحاديث وكان صدّيقاً حكيماً ، وكان والله يدين بمحبّتنا أهل البيت ، قال جابر: يمحبّتكم أهل البيت ؟ قال: إي والله وما من نبيّ ولا ملك إلاّ وكان يدين بمحبّتنا[460].
223 ـ ابن سنان عن المفضّل قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): إنّ الله تبارك وتعالى توحّد بملكه فعرّف عباده نفسه ثمّ فوّض إليهم أمره وأباح لهم جنّته فمن أراد أن يطهّر قلبه من الجنّ والإنس عرّفه ولايتنا ، ومن أراد أن يطمس على قلبه أمسك عنه معرفتنا . ثمّ قال: يا مفضّل ، والله ما استوجب آدم أن يخلقه الله بيده وينفخ فيه من روحه إلاّ بولاية عليّ (عليه السلام) ، وما كلّم الله موسى تكليماً إلاّ بولاية عليّ (عليه السلام) ، ولا أقام الله عيسى بن مريم آية للعالمين إلاّ بالخضوع لعليّ (عليه السلام) ، ثمّ قال: أجمل الأمر ما استأهل خلق من الله النظر إليه إلاّ بالعبوديّة لنا.
أقول:
ربما المراد (بالعبوديّة لنا) إطاعتنا ، فإنّ إطاعتهم إطاعة الله
سبحانه ،
أو
المراد الإقرار بأ نّهم معلّموا الخلق ، ومن علّمني حرفاً صيّرني
عبداً ، أو المراد الخضوع لمقامهم ومنازلهم الرفيعة ، فكمال الإنسان في
الدنيا والآخرة إنّما هو الإقرار بولايتهم العظمى التي منها الخضوع والعبوديّة
والطاعة والمودّة ، وهذا من معنى أن يكون أهلا للنظرة الإلهيّة ورحمته
الواسعة ، فتدبّر.
قال شيخنا الصدوق عليه الرحمة في اعتقاداته: يجب أن يعتقد أنّ الله عزّ وجلّ لم يخلق خلقاً أفضل من محمّد (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)وأ نّهم أحبّ الخلق إلى الله عزّ وجلّ وأكرمهم وأوّلهم إقراراً به لما أخذ الله ميثاق النبيّين في الذرّ ، وأنّ الله تعالى أعطى كلّ نبيّ على قدر معرفته نبيّنا (صلى الله عليه وآله) وسبقه الإقرار به ، ويعتقد أنّ الله تعالى خلق جميع ما خلق له ولأهل بيته (عليهم السلام) ، وأ نّه لولاهم ما خلق السماء ولا الأرض ولا الجنّة ولا النار ولا آدم ولا حوّاء ولا الملائكة ولا شيئاً ممّـا خلق صلوات الله عليهم أجمعين.
قال العلاّمة المجلسي (قدس سره): تأكيد وتأييد: اعلم أنّ ما ذكره (رحمه الله)من فضل نبيّنا وأئمتنا صلوات الله عليهم على جميع المخلوقات وكون أئمتنا (عليهم السلام)أفضل من سائر الأنبياء ، وهو الذي لا يرتاب فيه من تتبّع أخبارهم (عليهم السلام)على وجه الإذعان واليقين ، والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى ، وإنّما أوردنا في هذا الباب قليلا منها ، وهي متفرّقة في الأبواب لا سيّما باب صفات الأنبياء وأصنافهم (عليهم السلام) ، وباب أ نّهم (عليهم السلام)كلمة الله ، وباب بدو أنوارهم ، وباب أ نّهم أعلم من الأنبياء ، وأبواب فضائل أمير المؤمنين وفاطمة صلوات الله عليهما ، وعليه عمدة الإماميّة ولا يأبى ذلك إلاّ جاهل بالأخبار[461].
وقال الشيخ المفيد (رحمه
الله)في كتاب المقالات (42): قد قطع قوم من أهل
الإمامة
بفضل الأئمة من آل محمّد (عليهم السلام) على سائر من تقدّم من
الرسل والأنبياء سوى نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وأوجب فريق
منهم لهم الفضل على جميع الأنبياء سوى اُولي العزم منهم (عليهم السلام) ،
وأبى القولين فريق منهم آخر وقطعوا بفضل الأنبياء كلّهم على سائر الأئمة (عليهم
السلام).
وهذا باب ليس للعقول في إيجابه والمنع منه مجال ، ولا على أحد الأقوال إجماع ، وقد جاءت آثار عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في أمير المؤمنين (عليه السلام) وذرّيته من الأئمة(عليهم السلام)والأخبار عن الأئمة الصادقين (عليهم السلام) أيضاً من بعد ، وفي القرآن مواضع تقوّي العزم على ما قاله الفريق الأوّل في هذا المعنى ، وأنا ناظر فيه وبالله أعتصم من الضلال.
أقول: لمّـا كانت المعرفة من الكلّي ذات التشكيك ولها مراتب كثيرة ، كالنور الحسّي ، واُمّهاتها عبارة عن المعرفة الجلاليّة التي عند عامّة الناس ، والمعرفة الجماليّة التي يختصّ بها الخواصّ ، والمعرفة الكماليّة التي يتحلّى بها خاصّ الخواصّ ، ومنهم الفريق الأوّل من الإماميّة كالعلاّمة المجلسي (قدس سره) الذي بعدّ باب الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، فلا تغفل.
224 ـ شيخنا الصدوق بسنده عن الإمام الكاظم(عليه السلام)قال : لمّـا عرج النبيّ(صلى الله عليه وآله)إلى السماء قال العزيز عزّ وجلّ: ( آمَنَ الرَّسولُ بِما اُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) قال: قلت: ( وَالمُؤْمِنونَ )قال: صدقت يا محمّد ، من خلّفت لاُمّتك ؟ وهو أعلم ـ أي والله أعلم بمن خلّفت ـ قلت: خيرها لأهلها . قال: صدقت يا محمّد إنّي اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها ثمّ شققت لك اسماً من أسمائي ، فلا اُذكر في موضع إلاّ ذكرتَ معي ، وأنا المحمود وأنت محمّد ، ثمّ اطّلعت إليها اطّلاعة اُخرى فاخترت منها عليّاً فجعلته وصيّك ، فأنت سيّد الأنبياء وعليّ سيّد الأوصياء.
إنّي خلقتك وخلقت عليّاً وفاطمة والحسن والحسين من شبح نور ، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة وسائر خلقي وهم أرواح فمن قبلها كان عندي من المقربّين ، ومن جحدها كان عندي من الكافرين . يا محمّد وعزّتي وجلالي لو أنّ عبداً عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشنّ البالي ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم لم اُدخله جنّتي ولا أظللته تحت عرشي[462].
225 ـ عن محمّد بن سليمان الديلمي عن أبيه قال: سألت جعفر بن محمّد(عليهما السلام): لِمَ سمّيت الجمعة جمعة ؟ قال: لأنّ الله تعالى جمع فيها خلقه لولاية محمّد وأهل بيته[463].
أجل أخي المؤمن الموالي لأهل بيت رسول الله (عليهم السلام) هذه هي الولاية التي نؤمن بها ، وندعو إليها ، ونضحّي بالنفس والنفيس من أجلها ، فلا نبالي بالموت وقع علينا أم وقعنا عليه ، فما أروع الشهادة في سبيلها ، اللهمّ إنّك تعلم عشقناها وطلبناها منك ليل ونهار وفي ليالي القدر ، فوفّقنا لها ولدرجاتها ومقاماتها في الدنيا والآخرة بحقّ من تستجيب الدعاء بهم محمّد وآل محمّد.
[431]وبهذه الرواية الشريفة نعرف ما جاء في زيارة السيّدة فاطمة المعصومة بقم المقدّسة ( فإنّ لك عن الله شأناً من الشأن ) ، فتدبّر.
[432]البحار 26: 88 ، عن بصائر الدرجات: 36.
[433]البحار 26: 141 ، عن أمالي ابن الشيخ: 128.
[434]البحار 26: 150 ، عن الخرائج والجرائح: 255.
[435]البحار 26: 229.
[436]المصدر ، عن عيون الأخبار: 5.
[437]المصدر والمرجع.
[438]المصدر ، عن رجال الكشّي: 217.
[439]البحار 26: 239 ، الباب 4 النهي عن أخذ فضائلهم من مخالفيهم ، وفي الباب رواية واحدة عن عيون الأخبار: 168.
[440]المصدر ، عن أمالي الصدوق: 184.
[441]المصدر ، عن بصائر الدرجات: 18.
[442]المصدر والمرجع.
[443]البحار 26: 247.
[444]المصدر ، عن بصائر الدرجات: 19.
[445]المصدر ، عن كمال الدين: 139.
[446]المصدر ، عن اليقين: 98.
[447]البحار 26: 652 ، عن بشارة المصطفى: 198.
[448]المصدر ، عن مشارق الأنوار.
[449]البحار 26: 260 ، عن توحيد الصدوق: 141.
[450]البحار 26: 263 ، عن اعتقادات الصدوق: 107.
[451]المصدر ، عن المختصر.
[452]المصدر ، عن نهج البلاغة 1: 215.
[453]النهج 1: 278.
[454]النهج: 467.
[455]البحار 26: 267 ، الباب 6 تفضيلهم (عليهم السلام) على الأنبياء وعلى جميع الخلق وأخذ ميثاقهم عنهم وعن الملائكة وعن سائر الخلق وأنّ اُولي العزم إنّما صاروا اُولي العزم بحبّهم صلوات الله عليهم ، وفي الباب 88 رواية.
[456]أمالي ابن الشيخ: 48.
[457]البحار 26: 278 ، عن توحيد الصدوق: 334.
[458]المصدر ، عن البصائر: 21.
[459]المصدر والمرجع.
[460]البحار 26: 282.
[461]البحار 26: 298.
[462]البحار 26: 308 ، عن المختصر: 147.
[463]المصدر ، عن أمالي ابن الشيخ: 71.
226 ـ عن معمّر بن راشد قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: أتى يهودي النبيّ (صلى الله عليه وآله)فقام بين يديه يحدّ النظر إليه فقال: يا يهودي ، ما حاجتك ؟ قال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبيّ الذي كلّمه الله وأنزل عليه التوراة والعصا وفلق له البحر وأظلّه بالغمام ؟ فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله): إنّه يكره للعبد أن يزكّي نفسه ، ولكنّي أقول: إنّ آدم (عليه السلام) لمّـا أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال: اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّـا غفرت لي ، فغفرها الله له ، وإنّ نوحاً لمّـا ركب في السفينة وخاف الغرق قال: اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّـا أنجيتني من الغرق فنجّاه الله منه.
وإنّ إبراهيم (عليه السلام)لمّـا اُلقي في النار ، قال: اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّـا أنجيتني منها فجعلها الله عليه برداً وسلاماً.
وإنّ موسى لمّـا ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال: اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّـا آمنتني فقال الله جلّ جلاله: لا تخف إنّك أنت الأعلى ، يا يهودي ، إنّ موسى لو أدركني ثمّ لم يؤمن بي وبنبوّتي ما نفعه إيمانه شيئاً ولا نفعته النبوّة ، يا يهودي ، ومن ذرّيتي المهدي إذا خرج نزل عيسى بن مريم (عليه السلام) لنصرته وقدّمه وصلّى خلفه[464].
اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لما غفرت لي ذنوبي صغيرها وكبيرها ، أعلمها وما لا أعلمها ، عمدها وسهوها ، وتبت عليّ إنّك أنت التوّاب الرحيم ، وأسعدتني في الدارين ، ورزقتني وأهل بيتي وذرّيتي وجميع المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات خير الدنيا والآخرة وحسن العاقبة ، ووفّقتني للشهادة في سبيلك مع مولانا وإمامنا صاحب الزمان المهديّ من آل محمّد (عليهم السلام) وعجّل الله فرجه الشريف ، وجعلنا من خلّص شيعته وأنصاره وأعوانه وحاملي ولايته ورسالته ، رسالات الله الإسلاميّة ، آمين آمين لا أرضى بواحدة حتّى يضاف إليه ألف آميناً ورحم الله عبداً قال آمين.
227 ـ قال الحسين بن عليّ (عليهما السلام): إنّ الله تعالى لمّـا خلق آدم وسوّاه وعلّمه أسماء كلّ شيء وعرضهم على الملائكة جعل محمّداً وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين أشباحاً خمسة في ظهر آدم وكانت أنوارهم تضيء في الآفاق من السماوات والحجب والجنان والكرسي والعرش ، فأمر الله الملائكة بالسجدة لآدم تعظيماً له أ نّه قد فضّله بأن جعله وعاء لتلك الأرواح التي قد عمّ أنوارها الآفاق.
فسجدوا إلاّ إبليس أبى أن يتواضع لجلال عظمة الله وأن يتواضع لأنوارنا أهل البيت ، وقد تواضعت لها الملائكة كلّها فاستكبر وترفّع فكان بإبائه ذلك وتكبّره من الكافرين.
قال عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما: حدّثني أبي عن أبيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: قال: يا عباد الله إنّ آدم لمّـا رأى النور ساطعاً من صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره رأى النور ولم يتبيّن الأشباح فقال: يا ربّ ، ما هذه الأنوار ؟ قال الله عزّ وجلّ: أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت وعاء لتلك الأشباح.
فقال آدم: يا ربّ بيّنها لي ، فقال الله تعالى: اُنظر يا آدم إلى ذروة العرش ، فنظر آدم (عليه السلام) ووقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش فانطبع فيه صور أشباحنا كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية فرأى أشباحنا.
فقال: ما هذه الأشباح يا ربّ ؟ فقال: يا آدم هذه الأشباح أفضل خلائقي وبريّاتي ، هذا محمّد وأنا الحميد المحمود في أفعالي ، شققت له اسماً من اسمي ، وهذا علي وأنا العليّ العظيم ، شققت له اسماً من اسمي ، وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرضين ، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي ، وفاطم أوليائي عمّـا يعتريهم ـ يصيبهم ـ ويشينهم ، فشققت لها اسماً من اسمي ، وهذا الحسن وهذا الحسين وأنا المحسن المجمل ، شققت لهما اسماً من اسمي.
هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريّتي ، بهم اُعطي وبهم اُعاقب وبهم اُثيب فتوسّل إليّ بهم يا آدم ، وإذا دهتك داهية فاجعلهم إليّ شفعاءك ، فإنّي آليت على نفسي قسماً حقاً لا اُخيّب بهم آملا ولا أردّ بهم سائلا ، فلذلك حين زلّت منه الخطيئة دعا الله عزّ وجلّ بهم فتاب عليه وغفر له[465].
228 ـ عن الهروي عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما خلق الله عزّ وجلّ خلقاً أفضل منّي ولا أكرم عليه منّي.
قال عليّ (عليه السلام): فقلت: يا رسول الله ، فأنت أفضل أو جبرئيل ؟ فقال (عليه السلام): يا عليّ ، إنّ الله تبارك وتعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين ، وفضّلني على جميع النبيّين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا عليّ وللأئمّة من بعدك ، وإنّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا . يا عليّ ، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا . يا عليّ ، لولانا نحن ما خلق الله آدم ولا حوّاء ولا الجنّة ولا النار ولا السماء ولا الأرض ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربّنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه ؟ لأنّ أوّل ما خلق الله عزّ وجلّ خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده ، ثمّ خلق الملائكة فلمّـا شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا فسبّحنا لتعلم الملائكة أ نّا خلق مخلوقون ، وأ نّه منزّه عن صفاتنا ، فسبّحت الملائكة بتسبيحنا ونزّهته عن صفاتنا ، فلمّـا شاهدوا عظم شأننا هلّلنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلاّ الله وأ نّا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نُعبد معه أو دونه ، فقالوا: لا إله إلاّ الله.
فلمّـا شاهدوا كبر محلّنا كبّرنا لتعلم الملائكة أنّ الله أكبر من أن ينال عظم المحلّ إلاّ به ، فلمّـا شاهدوا ما جعله لنا من العزّ والقوّة قلنا: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله لتعلم الملائكة أن لا حول لنا ولا قوّة إلاّ بالله . فلمّـا شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا: الحمد لله لتعلم الملائكة ما يحقّ لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه فقالت الملائكة: الحمد لله فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده.
ثمّ إنّ الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه ، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً ، وكان سجودهم لله عزّ وجلّ عبوديّة ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلّهم أجمعون.
ـ إلى أن يقول (صلى الله عليه وآله) ـ: فزخّ بي في النور زجّةً حتّى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من علوّ ملكه فنوديت: يا محمّد ، فقلت: لبّيك ربّي وسعديك تباركت وتعاليت ، فنوديت: يا محمّد ، أنت عبدي وأنا ربّك فإيّاي فاعبد وعليّ فتوكّل ، فإنّك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجّتي في بريّتي ، لك ولمن اتّبعك خلقت جنّتي ولمن خالفك خلقت ناري ، ولأوصيائك أوجبت كرامتي ، ولشيعتهم أوجبت ثوابي.
فقلت: يا ربّ ، ومن أوصيائي ؟ فنوديت: يا محمّد ، أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي ، فنظرت وأنا بين يدي ربّي جلّ جلاله إلى ساق العرش فرأيت اثني عشر نوراً في كلّ نور سطر أخضر عليه اسم وصيّ من أوصيائي ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب وآخرهم مهدي اُمّتي.
فقلت: يا ربّ هؤلاء أوصيائي من بعدي ؟ فنوديت: يا محمّد ، هؤلاء أوليائي وأوصيائي وأصفيائي وحججي على بريّتي ، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك . وعزّتي وجلالي لاُظهرنّ بهم ديني ولاُعلينّ بهم كلمتي ولاُطهِرَنّ الأرض بآخرهم من أعدائي ، ولاُمكّننه مشارق الأرض ومغاربها ، ولاُسخّرن له الرياح ولاُذلّلن له السحاب الصعاب ، ولاُرقينّه في الأسباب ولأنصرنّه بجندي ولأمدّنّه بملائكتي حتّى تعلو دعوتي ويجتمع الخلق على توحيدي ، ثمّ لاُديمنّ ملكه ولاُداولنّ الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة[466].
أخي الموالي ، هذا كلّه من الأمر المستصعب ، فاسأل الله سبحانه أن يجعلك من المؤمنين حقّاً الذي تتحمّله وتقرّ به.
229 ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: إنّ أمركم هذا ـ أي الولاية ـ عرض على الملائكة فلم يقرّ به إلاّ المقرّبون ، وعرض على الأنبياء فلم يقرّ به إلاّ المرسلون ، وعرض على المؤمنين فلم يقرّ به إلاّ الممتحنون[467].
230 ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: إنّ الله عرض ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)فقبلها الملائكة وأباها ملك يقال له: فطرس ، فكسر الله جناحه ـ وهذا يعني أنّ من لم يقبل الولاية فإنّه يكسر جناحه الذي به يمكنه أن يحلّق في سماء أسماء الله وصفاته جلّ جلاله ـ.
فلمّـا ولد
الحسين بن عليّ (عليه السلام) بعث الله جبرئيل في سبعين ألف ملك إلى
محمّد (صلى الله عليه وآله) يهنّئهم
بولادته ، فمرّ بفطرس فقال له فطرس: يا جبرئيل ، إلى أين
تذهب ؟ قال: بعثني الله إلى محمّد (صلى الله
عليه وآله)اُهنّئهم بمولود ولد في هذه الليلة . فقال له فطرس: احملني معك
وسل محمّداً يدعو لي . فقال له جبرئيل: اركب جناحي ، فركب
جناحه فأتى محمّداً فدخل عليه وهنّأه فقال له: يا رسول الله ،
إنّ فطرس
بيني وبينه
اُخوّة ، وسألني أن أسألك أن تدعو الله له أن يردّ عليه جناحه . فقال رسول
الله (صلى
الله عليه وآله) لفطرس: أتفعل ؟ قال:
نعم . فعرض عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولاية
أمير المؤمنين (عليه السلام) فقبلها ، فقال
رسول الله (صلى
الله عليه وآله): شأنك بالمهد فتمسّح به وتمرّغ فيه .
قال: فمضى فطرس إلى مهد الحسين بن عليّ (عليه السلام) ورسول
الله (صلى
الله عليه وآله) يدعو له قال: قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله):
فنظرت إلى ريشه وإنّه ليطلع ويجري منه الدم ويطول حتّى لحق بجناحه الآخر وعرج مع
جبرئيل إلى السماء وصار إلى موضعه[468].
231 ـ الصدوق بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)يقول: إنّ الله خلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة (عليهم السلام) من نور ، فعصر ذلك النور عصرة فخرج منه شيعتنا فسبّحنا فسبّحوا وقدّسنا فقدّسوا وهلّلنا فهلّلوا ومجّدنا فمجّدوا ووحّدنا فوحّدوا ، ثمّ خلق الله السماوات والأرضين وخلق الملائكة فمكثت الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحاً ولا تقديساً ولا تمجيداً ، فسبّحنا وسبّحت شيعتنا فسبّحت الملائكة لتسبيحنا ، وقدّسنا فقدّست شيعتنا فقدّست الملائكة لتقديسنا ، ومجّدنا فمجّدت شيعتنا فمجّدت الملائكة لتمجيدنا ، ووحّدنا فوحّدت شيعتنا فوحّدت الملائكة لتوحيدنا ، وكانت الملائكة لا تعرف تسبيحاً ولا تقديساً من قبل تسبيحنا وتسبيح شيعتنا . فنحن الموحّدون حين لا موحّد غيرنا ، وحقيق على الله تعالى كما اختصّنا واختصّ شيعتنا أن ينزلنا أعلى عليّين ، إنّ الله سبحانه وتعالى اصطفانا واصطفى شيعتنا من قبل أن نكون أجساماً ، فدعانا وأجبنا ، فغفر لنا ولشيعتنا من قبل أن نستغفر الله[469].
بيان: أجساماً أي نحلّ الأبدان العنصريّة ، وظاهره تجرّد الأرواح.
أقول: تدلّ هذه الرواية الشريفة على أنّ خلق الشيعة في عالم الأنوار والأرواح المجرّدة قبل خلق الملائكة ، فهم أفضل منهم كما في روايات اُخرى ، كما أ نّهم بمنزلة المعلّمين لهم ، فدونهم في المعرفة ومن ثمّ تجعل الملائكة أجنحتهم تحت أقدام طالب العلم ـ كما في روايات الفريقين ـ فتدبّر.
232 ـ عن المفضّل قال: قلت لمولانا الصادق (عليه السلام): ما كنتم قبل أن يخلق الله السماوات والأرض ؟ قال: كنّا أنواراً نسبّح الله تعالى ونقدّسه حتّى خلق الله الملائكة فقال لهم الله عزّ وجلّ: سبّحوا . فقالت: أي ربّنا لا علم لنا . فقال لنا: سبّحوا فسبّحنا فسبّحت الملائكة بتسبيحنا ، إلاّ إنّا خلقنا أنواراً وخلقت شيعتنا من شعاع ذلك النور فلذلك سمّيت شيعة ، فإذا كان يوم القيامة التحقت السفلى بالعليا ، ثمّ قرّب ما بين إصبعيه[470].
أ يّها القارئ الكريم لا تعجب ولا تنكر ، فإنّ الله سبحانه قادر على كلّ شيء ، وكلّ هذا من فضله وكرمه وحكمته وعلمه ، يؤتيه من يشاء ، أم يحسدون الناس على ما آتاهم من فضله ، هذا من فضل ربّي ، هذا عطاء ربّك فامسك أو أمنن بغير حساب ، فعلينا أن نعرف أئمتنا حقّ المعرفة ، بحسب الطاقة البشرية ، لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها ، وفوق كلّ ذي علم عليم ، وما اُوتيتم من العلم إلاّ قليلا ، فلا نعرفهم (عليهم السلام) إلاّ معشار عشر ، ولن تبلغوا ، ولكن مع هذا فإنّ المعرفة ممّـا يزداد فيها الإنسان ، فيرقى المعالي وسُلّم الإكبار ومدارج العُلا ومنازل الصادقين في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، قاب قوسين أو أدنى . فلا تجحد ولا تنكر فتندم يوم لا ينفع الندم.
233 ـ عن أبان بن الأحمر قال: قال الصادق
(عليه
السلام):
يا أبان ، كيف ينكر الناس
قول
أمير المؤمنين (عليه
السلام)لمّـا قال: «لو شئت لرفعت رجلي هذه فضربت بها صدر ابن أبي سفيان
بالشام فنكسته عن سريره» ، ولا ينكرون تناول آصف وصيّ سليمان عرش بلقيس
وإتيانه سليمان به قبل أن يرتدّ إليه طرفه ؟ أليس نبيّنا (صلى الله
عليه وآله)أفضل
الأنبياء ، ووصيّه أفضل الأوصياء ؟ أفلا جعلوه كوصيّ
سليمان ؟ حكم الله بيننا وبين من جحد حقّنا وأنكر فضلنا[471].
234 ـ عن سلمان الفارسي قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا سلمان ، الويل كلّ الويل لمن لا يعرفنا حقّ معرفتنا وأنكر فضلنا ، يا سلمان ، أ يّما أفضل ؟ محمّد (صلى الله عليه وآله) أم سليمان بن داود ؟ قال سلمان: بل محمّد (صلى الله عليه وآله) . قال: يا سلمان ، فهذا آصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من قارس في طرفة عين وعنده علم من الكتاب ، ولا أفعل أضعاف ذلك وعندي علم ألف كتاب ؟ أنزل الله على شيث بن آدم (عليهما السلام)خمسين صحيفة ، وعلى إدريس النبيّ (عليه السلام) ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم الخليل (عليه السلام)عشرين صحيفة ، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، فقلت: صدقت يا سيّدي ، فقال (عليه السلام): اعلم يا سلمان ، إنّ الشاكّ في أمرنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا وحقوقنا ، وقد فرض ولايتنا في كتابه في غير موضع ، وبيّن فيه ما وجب العمل به ، وهو غير مكشوف[472].
أجل: هذا كلّه من فضل الله أعطاه نبيّه محمّداً (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
235 ـ عن الثمالي عن عليّ بن الحسين (عليهما السلام)قال: قلت له: أسألك جعلت فداك عن ثلاث خصال ، أنفي عنّي فيه التقيّة ، قال: فقال: ذلك لك ، قلت: أسألك عن فلان وفلان قال: فعليهما لعنة الله بلعناته كلّها ، ماتا والله وهما كافران مشركان بالله العظيم ، ثمّ قلت: الأئمة يحيّون الموتى ويبرؤون الأكمه والأبرص ويمشون على الماء ؟ قال: ما أعطى الله نبيّاً شيئاً قطّ إلاّ وقد أعطاه محمّداً (صلى الله عليه وآله) ، وأعطاه ما لم يكن عندهم ، قلت: وكلّ ما كان عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد أعطاه أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟ قال: نعم ، ثمّ الحسن والحسين ثمّ من بعد كلّ إمام إماماً إلى يوم القيامة ، مع الزيادة التي تحدث في كلّ سنة وفي كلّ شهر ، إي والله في كلّ ساعة[473].
فالإمام (عليه
السلام)بإذن الله يعلم بما كان وما هو كائن وما سيكون ، فكلّ شيء من صنائع الله
ومخلوقاته حاضر عنده ، وإذا شاء أن لا يعلم ، فله ذلك ، وبهذا
اُخالف المشهور الذي يذهب إلى علم الإمامة بمشيّته ، يعني إن شاء علم فإنّه
يعلم ، وكأ نّما
الأشياء
عنده غير معلومة ، فإذا أراد أن يعلم بها يشعل الضوء أو السراج وهي مشيّته (عليه
السلام)بإذن الله وإرادته ومشيّته جلّ جلاله فيتّضح له كلّ شيء ويعلم به ، وإنّه
ينظر إلى عمود من نور قد كتب فيه الأشياء والحوادث والوقائع ، ولكن أذهب إلى
عكس ذلك بأ نّه يعلم بالأشياء أوّلا ، فإذا أراد أن لا يعلم فإنّه كمن
يطفئ السراج فيظلم المكان فلا يرى فيه شيئاً ، وحينئذ يسأل الإمام (عليه
السلام)عن جاريته كما في الخبر الشريف ، فتأمّل فلا اُريد أن أفتح هذا الموضوع فتحاً
تامّاً لحاجة في نفسي ، والله من وراء القصد.
نرجع مرّة اُخرى إلى ما عقدنا الكتاب من أجله ، ألا وهي الولاية وآثارها ومعالمها في حياة الإنسان في الدنيا والآخرة ، ولوازمها وما يترتّب عليها من المستلزمات العلميّة والعمليّة.
فمن آثار الولاية الكبرى الحبّ في الله سبحانه ، وهل الدين إلاّ الحبّ في الله والبغض في الله ، فلا يتمّ الدين ولا يكمل إلاّ بالتولّي والتبرّي ، التولّي لله ولرسوله ولأهل بيته (عليهم السلام) ، والتبرّي من أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء عترته الأطهار (عليهم السلام) ، ولا يتمّ أحدهما إلاّ بالآخر.
236 ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ( ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُل مِنْ قَلـْبَيْنِ في جَوْفِهِ ) فيحبّ بهذا ويبغض بهذا ، فأمّا محبّتنا فيخلص الحبّ لنا كما يخلص الذهب بالنار لا كدر فيه ، من أراد أن يعلم حبّنا فليمتحن قلبه فإن شاركه في حبّنا حبّ عدوّنا فليس منّا ولسنا منه ، والله عدوّهم وجبرئيل وميكائيل ، والله عدوّ الكافرين[474].
237 ـ عن البزنطي قال: كتب إليّ الرضا (عليه السلام): قال أبو جعفر (عليه السلام): من سرّه أن لا يكون بينه وبين الله حجاب حتّى ينظر إلى الله وينظر الله إليه فليتوال آل محمّد ويبرأ من عدوّهم ويأتمّ بالإمام منهم ، فإنّه إذا كان كذلك نظر الله إليه ونظر إلى الله[475].
بيان: نظره إلى الله كناية عن غاية المعرفة بحسب طاقته وقابليّته ، ونظر الله إليه كناية عن نهاية اللطف والرحمة.
238 ـ في خبر الأعمش عن الصادق (عليه السلام)قال: حبّ أولياء الله واجب ، والولاية لهم واجبة والبراءة من أعدائهم واجبة ، ومن الذين ظلموا آل محمّد صلّى الله عليهم وهتكوا حجابه وأخذوا من فاطمة (عليها السلام) فدك ومنعوها ميراثها وغصبوها حقوقها وهمّوا بإحراق بيتها وأسّسوا الظلم وغيّروا سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين واجبة ، والبراءة من الأنصاب والأزلام أئمّة الضلال وقادة الجور كلّهم أوّلهم وآخرهم واجبة ، والبراءة من أشقى الأوّلين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود قاتل أمير المؤمنين (عليه السلام)واجبة ، والبراءة من جميع قتلة أهل البيت (عليهم السلام)واجبة ، والولاية للمؤمنين الذين لم يغيّروا ولم يبدّلوا بعد نبيّهم (صلى الله عليه وآله) واجبة ، مثل سلمان الفارسي وأبي ذرّ الغفاري والمقداد بن الأسود الكندي وعمّـار بن ياسر وجابر بن عبد الله الأنصاري وحذيفة بن اليمان وأبي الهيثم بن التيهان وسهل بن حنيف وأبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن الصامت وعبادة بن الصامت وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبي سعيد الخدري ومن نحا نحوهم وفعل مثل فعلهم والولاية لأتباعهم والمقتدين بهم وبهداهم واجبة[476].
239 ـ عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما
السلام)قال: من جالس لنا عائباً أو مازح
لنا
قالياً أو واصل لنا قاطعاً أو قطع لنا واصلا أو والى لنا عدوّاً أو عادى لنا
وليّاً فقد كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم[477].
240 ـ عن الحسين بن مصعب قال: سمعت جعفر بن محمّد (عليهما السلام)يقول: من أحبّنا لله وأحبّ محبّنا لا لغرض دنيا يصيبها منه ، وعادى عدوّنا لا لإحنّة كانت بينه وبينه ، ثمّ جاء يوم القيامة وعليه من الذنوب مثل رمل عالج وزبد البحر غفر الله تعالى له[478].
241 ـ قال رسول الله لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبد الله ، أحبّ في الله وأبغض في الله ، ووالِ في الله وعادِ في الله ، فإنّه لا تنال ولاية الله إلاّ بذلك ، ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتّى يكون كذلك ، وقد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا ، عليها يتوادّون وعليها يتباغضون ، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً.
فقال له: وكيف لي أن أعلم أ نّي قد واليت وعاديت في الله عزّ وجلّ ؟ ومن وليّ الله عزّ وجلّ حتّى اُواليه ؟ ومن عدوّه حتّى اُعاديه ؟ فأشار له رسول الله (صلى الله عليه وآله)إلى عليّ (عليه السلام)فقال: أترى هذا ؟ فقال: بلى . قال: وليّ هذا وليّ الله فواله ، وعدوّ هذا عدوّ الله فعاده ، قال: والِ وليّ هذا ولو أ نّه قاتل أبيك وولدك ، وعادِ عدوّ هذا ولو أ نّه أبوك أو ولدك[479].
242 ـ عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: من لم يعرف سوء ما اُتي إلينا من ظلمنا وذهاب حقّنا وما ركبنا به ـ ما نكبنا به ـ فهو شريك من أتى إلينا فيما ولينا به.
أقول: هذا جواب من يقول بأنّ فلان وفلان لهما سوابق في الإسلام ويدافع عنهما ، فإنّه شريك لهما في ظلمهما وغصبهما ويحشر في زمرتهما ، فإنّ المرء مع من أحبّ ، ولا يعقل أن يحبّ أهل البيت (عليهم السلام) ويميل إلى أعدائهم أو يبرّء ساحاتهم من الظلم والجور ، أو يواليهم ويحبّهم أيضاً ، فهذا أمر غير معقول ، وما جعل الله لرجل في جوفه من قلبين ؟ ! وقد أشرنا إلى هذا المعنى بالتفصيل في كتابنا (هذه هي البراءة) ، فراجع.
243 ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام) لأصحابه يوماً: أيّ عرى الإيمان أوثق ؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم . فقال: قولوا ، فقالوا: يا بن رسول الله الصلاة ، فقال: إنّ للصلاة فضلا ، ولكن ليس بالصلاة ، قالوا: الزكاة ، قال: إنّ للزكاة فضلا وليس بالزكاة ، قالوا: صوم شهر رمضان ، فقال: إنّ لرمضان فضلا وليس برمضان ، قالوا: فالحجّ والعمرة ، قال: إنّ للحجّ والعمرة فضلا وليس بالحجّ والعمرة ، قالوا: فالجهاد في سبيل الله . قال: إنّ للجهاد في سبيل الله فضلا وليس بالجهاد ، قالوا: فالله ورسوله أعلم.
فقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله وتوالي وليّ الله وتعادي عدوّ الله[480].
أقول: الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) في مقام الولاية المتحلّية بالتولّي والتبرّي تارة يذكرون أصل الولاية واُخرى مصاديقها ، فتارة يقال: «وتوالي وليّ الله وتعادي عدوّ الله» واُخرى يشار إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، هذا وليّ الله تواليه ، كما يشار إلى عدوّ الله.
244 ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: ( وَإنْ تُبْدوا ما في أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفوهُ يُحاسِبْكُمُ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ) ، قال: حقيق على الله أن لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من حبّهما[481] ، الأوّل والثاني ، فلان وفلان ... وكلّ من كان في خطّ ومعسكر يقابل خطّ أهل البيت (عليهم السلام)ومعسكرهم.
245 ـ عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يا أبا حمزة ، إنّما يعبد الله من عرف الله ، وأمّا من لا يعرف الله كأ نّما يعبد غيره هكذا ضالا ، قلت: أصلحك الله وما معرفة الله ؟ قال: يصدّق الله ويصدّق محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله)في موالاة عليّ والائتمام به وبأئمّة الهدى من بعده ، والبراءة إلى الله من عدوّهم وكذلك عرفان الله . قال: قلت: أصلحك الله أيّ شيء إذا عملته أنا استكملت حقيقة الإيمان ؟ قال: توالي أولياء الله وتعادي أعداء الله وتكون مع الصادقين كما أمرك الله ، قال: قلت: ومن أولياء الله ؟ فقال: أولياء الله محمّد رسول الله وعليّ والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ثمّ انتهى الأمر إلينا ثمّ ابني جعفر ، وأومأ إلى جعفر وهو جالس ، فمن والى هؤلاء فقد والى أولياء الله وكان مع الصادقين كما أمره الله . قلت: ومن أعداء الله أصلحك الله ؟ قال: الأوثان الأربعة . قال: قلت: من هم ؟ قال: أبو الفصيل ورمع ونعثل ومعاوية ومن دان دينهم ، فمن عادى هؤلاء فقد عادى أعداء الله[482].
246 ـ من كتاب أنس العالم الصفواني قال: إنّ رجلا قدم على أمير المؤمنين (عليه السلام)فقال: يا أمير المؤمنين إنّي اُحبّك واُحبّ فلاناً ، وسمّى بعض أعدائه ، فقال (عليه السلام): أمّا الآن فأنت أعور ، فإمّا أن تعمى وإمّا أن تبصر.
247 ـ قيل للصادق (عليه السلام): إنّ فلاناً يواليكم إلاّ أ نّه يضعف عن البراءة من عدوّكم ، فقال: هيهات كذب من ادّعى محبّتنا ولم يتبرّأ من عدوّنا.
قال الصفواني: واعلم أ نّه لا يتمّ الولاية ولا تخلص المحبّة ولا تثبت المودّة لآل محمّد إلاّ بالبراءة من عدوّهم قريباً كان أو بعيداً ، فلا تأخذك به رأفة فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: ( وَلا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حادَّ اللهَ وَرَسولَهُ وَلَوْ كانوا آباءَهُمْ أوْ أبْناءَهُمْ أوْ إخْوانَهُمْ أوْ عَشيرَتَهُمْ ).
ولكي يتمّ المطلوب أذكر ما قاله شيخنا الصدوق (قدس سره) في كتابه القيّم الاعتقادات:
اعتقادنا في الظالمين أ نّهم ملعونون والبراءة منهم واجبة ، قال الله عزّ وجلّ: ( وَمَنْ أظْلَمُ مِمَّن افْتَرى عَلى اللهِ كَذِباً اُوْلـئِكَ يُعْرَضونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقولُ الأشْهادُ هؤلاءِ الَّذينَ كَذَبوا عَلى رَبِّهِمْ ألا لَعْنَةُ اللهِ عَلى الظَّالِمينَ الَّذينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبيلِ اللهِ وَيَبْغَوْنَها عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كافِرونَ ).
وقال ابن
عباس في تفسير هذه الآية: إنّ سبيل الله عزّ وجلّ في هذا الموضع هو
عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) والأئمة في كتاب الله عزّ وجلّ
إمامان: إمام هدى وإمام ضلالة ، قال الله جلّ ثناؤه:
( وَجَعَلـْناهُمْ
أئِمَّةً يَدْعونَ إلى النَّارِ وَيَوْمَ القِيامَةِ لا يُنْصَرونَ
وَأتْبَعْناهُمْ في هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيامَةِ هُمْ مِنَ
المَقْبوحينَ ) ، ولمّـا نزلت هذه الآية: ( وَاتَّقوا
فِتْنَةً لا تُصيبَنَّ الَّذينَ ظَلَموا مِنْكُمْ خاصَّةً ) قال
النبيّ (صلى
الله عليه وآله): من ظلم علياً مقعدي هذا بعد وفاتي
فكأ نّما جحد نبوّتي ونبوّة الأنبياء من قبلي ، ومن تولّى ظالماً فهو
ظالم ، قال الله عزّ وجلّ: ( يا
أ يُّها الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذوا آباءَكمْ وَإخْوانَكُمْ أوْلِياءَ إنِ
اسْتَحَبُّوا الكُفْرَ عَلى الإيْمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَاُولـئِكَ
هُمُ الظَّالِمونَ ) ، وقال الله
عزّ وجلّ:
( يا
أ يُّها الَّذينَ آمَنوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ
عَلَيْهِمْ ) ، وقال عزّ وجلّ: ( لا
تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حادَّ
اللهَ وَرَسولَهُ وَلَوْ كانوا آباءَهُمْ أوْ أبْناءَهُمْ أوْ إخْوانَهُمْ أوْ
عَشيرَتَهُمْ ) ، وقال عزّ وجلّ: ( وَلا
تَرْكَنوا إلى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) والظلم هو
وضع الشيء في غير موضعه.
فمن ادّعى الإمامة وليس بإمام فهو الظالم الملعون ، ومن وضع الإمامة في غير أهلها فهو ظالم ملعون ، وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): من جحد عليّاً إمامته من بعدي فإنّما جحد نبوّتي ومن جحد نبوّتي فقد جحد ربوبيّته ، وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): يا عليّ ، أنت المظلوم بعدي ، من ظلمك فقد ظلمني ومن أنصفك فقد أنصفني ومن جحدك فقد جحدني ومن والاك فقد والاني ومن عاداك فقد عاداني ومن أطاعك فقد أطاعني ومن عصاك فقد عصاني.
واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من بعده (عليهم السلام) بمنزلة من جحد نبوّة الأنبياء (عليهم السلام).
واعتقادنا فيمن أقرّ بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة (عليهم السلام)أ نّه بمنزلة من آمن بجميع الأنبياء ثمّ أنكر نبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله) . وقال الصادق (عليه السلام): المنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا . وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): الأئمة من بعدي اثنا عشر أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)وآخرهم القائم طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي ، من أنكر واحداً منهم فقد أنكرني.
وقال الصادق (عليه السلام): من شكّ في كفر أعدائنا والظالمين لنا فهو كافر.
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): ما زلت مظلوماً منذ ولدتني اُمّي حتّى أنّ عقيلا كان يصيبه رمد فقال: لا تذروني حتّى تذروا عليّاً فيذروني وما بي رمد.
واعتقادنا فيمن قاتل
علياً (عليه
السلام)كقول النبيّ (صلى
الله عليه وآله): من قاتل علياً فقد قاتلني ،
وقوله:
من حارب علياً فقد حاربني ، ومن حاربني فقد حارب الله عزّ وجلّ.
وقوله (صلى الله عليه وآله)لعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام): أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم.
وأمّا فاطمة صلوات الله عليها فاعتقادنا أ نّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وإنّ الله عزّ وجلّ يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ، وإنّها خرجت من الدنيا ساخطة على ظالمها وغاصبها ومانعي إرثها . وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني ومن غاظها فقد غاظني ومن سرّها فقد سرّني . وقال (صلى الله عليه وآله): فاطمة بضعة منّي وهي روحي التي بين جنبيّ ، يسوؤني ما ساءها ويسرّني ما سرّها.
واعتقادنا في البراءة إنّها واجبة من الأوثان الأربعة والإناث الأربع ، ومن جميع أشياعهم وأتباعهم وأ نّهم شرّ خلق الله عزّ وجلّ ، ولا يتمّ الإقرار بالله وبرسوله وبالأئمة (عليهم السلام)إلاّ بالبراءة من أعدائهم[483].
248 ـ عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عليّ ، أنت أمير المؤمنين وإمام المتّقين ، يا عليّ ، أنت سيّد الوصيّين ووارث علم النبيّين وخير الصدّيقين وأفضل السابقين . يا عليّ ، أنت زوج سيّدة نساء العالمين ، وخليفة خير المرسلين ، يا عليّ ، أنت مولى المؤمنين والحجّة بعدي على الناس أجمعين ، استوجب الجنّة من تولاّك واستوجب دخول النار من عاداك . يا عليّ ، والذي بعثني بالنبوّة واصطفاني على جميع البريّة لو أنّ عبداً عبد الله ألف عام ما قبل ذلك منه إلاّ بولايتك وولاية الأئمة من ولدك ، وإنّ ولايتك لا تقبل إلاّ بالبراءة من أعدائك وأعداء الأئمة من ولدك ، بذلك أخبرني جبرئيل (عليه السلام) ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر[484].
أقول: قوله (صلى الله عليه وآله): «بذلك أخبرني جبرئيل (عليه السلام)» أي هذا من الوحي السماوي والنصّ الإلهي ، هكذا أراد الله واقتضت مشيّته وحكمته ، والإنسان خلق مخيّراً ، وقد هداه الله النجدين فإمّا شاكراً وإمّا كفوراً ، فمن شاء فليؤمن بما قاله الله وبما جاء به جبرئيل ، وقال النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): ومن شاء فليكفر ، وما للكافرين إلاّ نار جهنّم وبئس المصير.
ربّنا إنّنا آمنّا بما أنزلت واتّبعنا الرسول وتولّينا أوليائك الأطهار محمّداً وآله الأبرار ، وتبرّأنا من أعدائك وأعداء رسولك وعترته الأخيار ، فاشهد علي ذلك يا مدبّر الليل والنهار ، وأحينا وأمتنا عليه وتوفّنا مسلمين واحشرنا مع محمّد وأهل بيته المعصومين الطيّبين ، آمين ربّ العالمين ، وآخر دعوانا أنّ الحمد لله ربّ العالمين.
اللهمّ إنّا نسألك الخير كلّه:
249 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من منّ الله عليه بمعرفة أهل بيتي وولايتهم فقد جمع الله له الخير كلّه[485].
250 ـ عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)قال: من سرّه أن ينظر إلى الله بغير حجاب وينظر الله إليه بغير حجاب فليتولّ آل محمّد وليتبرّأ من عدوّهم وليأتمّ بإمام المؤمنين منهم فإذا كان يوم القيامة نظر إليه بغير حجاب ونظر إلى الله بغير حجاب[486].
بيان: لعلّ المراد بنظره إليه تعالى النظر إلى نبيّنا وأئمتنا صلوات الله عليهم كما ورد في الخبر ـ فإنّهم مظاهر لأسماء الله وصفاته وهم وجه الله عزّ وجلّ ـ أو ينظر إلى رحمته وكرامته ، أو هو كناية عن غاية العرفان ، وبنظره تعالى إليه لطفه وإحسانه ، وهو مجاز شائع في القرآن والحديث وكلام العرب ، فالمراد بقوله (عليه السلام): بغير حجاب: بغير واسطة[487].
251 ـ عن الحسين بن عليّ (عليهما السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الزموا مودّتنا أهل البيت فإنّه من لقي الله وهو يودّنا أهل البيت دخل الجنّة بشفاعتنا ، والذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعمله إلاّ بمعرفة حقّنا[488].
252 ـ عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)أ نّه قال: حدّثني العبد الصالح الكاظم موسى بن جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين قال: حدّثني أخي وحبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من سرّه أن يلقى الله عزّ وجلّ وهو مقبل عليه غير معرض عنه فليتوالك يا عليّ ، ومن سرّه أن يلقى الله عزّ وجلّ وهو راض عنه فليتوالَ ابنك الحسن (عليه السلام) ، ومن أحبّ أن يلقى الله ولا خوف عليه فليتوال ابنك الحسين (عليه السلام) ، ومن أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ وقد محا الله ذنوبه عنه فليوالِ عليّ بن الحسين (عليه السلام)فإنّه ممّن قال الله عزّ وجلّ: ( سيماهُمْ في وُجوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجودِ ) ، ومن أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ وهو قرير العين فليتوالَ محمّد بن عليّ الباقر ، ومن أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ ويعطيه كتابه بيمينه فليتوال جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) ، ومن أحبّ أن يلقى الله طاهراً مطهّراً فليتوال موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) ، ومن أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ وهو ضاحك فليتوال عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) ، ومن أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ وقد رفعت درجاته وبدّلت سيّئاته حسنات فليتوال محمّد بن عليّ الجواد ، ومن أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ ويحاسبه حساباً يسيراً ويدخله جنّات عدن عرضها السماوات والأرض اُعدّت للمتّقين فليتوال عليّ بن محمّد الهادي (عليه السلام) ، ومن أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ وهو من الفائزين فليتوال الحسن بن عليّ العسكري (عليه السلام) ، ومن أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ وقد كمل إيمانه وحسن إسلامه فليتوال الحجّة بن الحسن المنتظر صلوات الله عليه ، هؤلاء أئمة الهدى وأعلام التقى من أحبّهم وتوالاهم كنت ضامناً له على الله عزّ وجلّ الجنّة[489].
[464]البحار 26: 320 ، عن جامع الأخبار: 8 ، وأمالي الصدوق: 131 ، وفي البحار ، باب 7 أنّ دعاء الأنبياء استجيب بالتوسّل والاستشفاع بهم صلوات الله عليهم أجمعين ، وفي الباب 16 رواية.
[465]البحار 26: 328.
[466]البحار 26: 338 ، عن إكمال الدين: 147 ، والعيون: 144 ، والعلل: 13.
[467]المصدر ، عن البصائر: 20.
[468]البحار 26: 341 ، عن بصائر الدرجات: 20.
[469]البحار ، عن جامع الأخبار: 9.
[470]المصدر ، عن المختصر.
[471]البحار 26: 28 ، عن الاختصاص: 212.
[472]المصدر.
[473]البحار 27: 29 ، عن البصائر: 76 ، ولا يخفى أنّ لعن الظالمين من التبرّي الذي لا بدّ منه وأ نّه من روح الدين ، فهل الدين إلاّ الحبّ والبغض ، الحبّ لله ولأوليائه من الأنبياء والأوصياء وأتباعهم ومواليهم ، والبغض لأعداء الله وأعداء أوليائه وقد ذكرت تفصيل ذلك في ( هذه هي البراءة ) فراجع ، ومن الروايات الشريفة: عن عجلان أبي صالح قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قبّة آدم فقلت له: هذه قبّة آدم ؟ فقال: نعم ولله قبّات كثيرة ، أما إنّ خلف مغربكم هذا تسعة وثلاثين مغرباً أرضاً بيضاء مملوّة خلقاً يستضيئون بنورنا ، لم يعصوا الله طرفة عين ، لا يدرون أخلق الله آدم أم لم يخلق ؟ يتبرّأون من فلان وفلان . قيل له: كيف هذا يتبرّأون من فلان وفلان وهم لا يدرون أخلق الله آدم أم لم يخلقه ؟ فقال للسائل: أتعرف إبليس ؟ قال: لا إلاّ بالخبر . قال: فاُمرت باللعنة والبراءة منه ؟ قال: نعم . قال: فكذلك أمر هؤلاء . ( البحار 27: 35 ، عن البصائر: 145 ) وفي هذا المعنى روايات كثيرة جدّاً ، والحمد لله ربّ العالمين ولعنة الله على الظالمين من الأوّلين والآخرين.
[474]البحار 27: 51 ، عن تفسير القمّي: 514.
[475]المصدر ، عن قرب الإسناد: 153.
[476]المصدر ، عن الخصال 2: 153.
[477]المصدر ، عن أمالي الصدوق: 34.
[478]المصدر ، عن أمالي ابن الشيخ: 97.
[479]البحار 27: 55 ، عن معاني الأخبار: 113 ، والعيون: 161 ، والعلل: 58.
[480]المصدر ، عن المحاسن: 165.
[481]المصدر ، عن تفسير العياشي 1: 156.
[482]البحار 27: 50 ، عن تفسير العياشي 2: 116.
[483]البحار 27: 63 ، عن اعتقادات الصدوق: 111 ـ 114.
[484]البحار 27: 63 ، أبواب ولايتهم وحبّهم وبغضهم صلوات الله عليهم ، باب 1 وجوب موالاة أوليائهم ومعاداة أعدائهم ، وفي الباب 22 رواية.
[485]البحار 27: 88 ، عن أمالي الصدوق: 283.
[486]المصدر ، عن المحاسن: 60.
[487]البحار 27: 90.
[488]المصدر ، عن المحاسن: 61.
[489]البحار 27: 108.
253 ـ وقال أمير المؤمنين في فضائل الشيعة ـ إلى أن يقول: ـ وإنّكم جميعاً لأهل دعوة الله وأهل إجابته وأهل ولايته لا خوف عليكم ولا حزن ، كلّكم في الجنّة ، فتنافسوا في فضائل الدرجات . والله ما من أحد أقرب من عرش الله تعالى يوم القيامة من شيعتنا ، ما أحسن صنع الله إليكم ، والله لولا أن تفتنوا فيشمت بكم عدوّكم ويعلم الناس ذلك لسلّمت عليكم الملائكة قبلا ، وقد قال أمير المؤمنين(عليه السلام): يخرج أهل ولايتنا من قبورهم يوم القيامة مشرقة وجوههم قرّت أعينهم قد اُعطوا الأمان يخاف الناس ولا يخافون ويحزن الناس ولا يحزنون ، والله ما من عبد منكم يقوم إلى صلاته إلاّ وقد اكتنفته الملائكة من خلفه يصلّون عليه ويدعون له حتّى يفرغ من صلاته ، ألا وإنّه لكلّ شيء جوهر وجوهر ولد آدم صلوات الله عليه وسلامه نحن وشيعتنا.
قال سعدان بن مسلم: وزاد في الحديث عيثم بن أسلم عن معاوية بن عمّـار عن أبي عبد الله (عليه السلام)والله لولاكم ما زخرفت الجنّة ، والله لولاكم ما خلقت الحور ، والله لولاكم ما نزلت قطرة ، والله لولاكم ما نبتت حبّة ، والله لولاكم ما قرّت عين ، والله لاَلله أشدّ حبّاً لكم منّي ، فأعينونا عن ذلك بالورع والاجتهاد والعمل بطاعته.
أجل يا آل رسول الله عليكم صلوات الله أبداً وسلامه وبركاته أبداً ما بقينا وبقي الليل والنهار ، نشكر الله سبحانه أن جعلنا من محبّيكم ومواليكم ونسأله أن يجعلنا من خلّص شيعتكم وحواريكم من المؤمنين المطيعين والعلماء الصالحين المخلصين ، وأنا على دربكم لسائرون ، وفي ولايتكم ومودّتكم وشعائرها الإلهيّة نضحّي بالنفس والنفيس.
254 ـ روى صاحب الكشّاف الزمخشري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)في قوله تعالى: ( قُلْ لا اسْألَكُمْ عَلَيْهِ أجْراً ) قال (صلى الله عليه وآله): ألا من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد يزفّ إلى الجنّة كما تزفّ العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله زوّار قبره الملائكة بالرحمة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة الله ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة[490].
255 ـ عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عليّ ، إنّ جبرئيل أخبرني فيك بأمر قرّت به عيني وفرح به قلبي ، قال لي: يا محمّد ، إنّ الله تعالى قال لي: إقرأ محمّداً منّي السلام ، وأعلمه أنّ علياً إمام الهدى ومصباح الدجى والحجّة على أهل الدنيا ، فإنّه الصديق الأكبر والفاروق الأعظم ، وإنّي آليت بعزّتي أن لا اُدخل النار أحداً تولاّه وسلّم له وللأوصياء من بعده ، ولا اُدخل الجنّة من ترك ولايته والتسليم له وللأوصياء من بعده ، وحقّ القول منّي لأملأنّ جهنّم وأطباقها من أعدائه ، ولأملأنّ الجنّة من أوليائه وشيعته[491].
256 ـ عن ابن عمر قال: سألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)فغضب فقال: ما بال أقوام يذكرون من له منزلة عند الله كمنزلتي ومقام كمقامي إلاّ النبوّة.
ألا ومن أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن أحبّني رضي الله عنه ، ومن رضي الله عنه كافأه بالجنّة ، ألا ومن أحبّ علياً استغفرت له الملائكة وفتحت له أبواب الجنّة يدخل من أيّ باب شاء بغير حساب.
ألا ومن أحبّ علياً أعطاه الله كتابه بيمينه وحاسبه حساب الأنبياء ، ألا ومن أحبّ عليّاً لا يخرج من الدنيا حتّى يشرب من الكوثر ويأكل من شجرة طوبى ويرى مكانه من الجنّة ، ألا ومن أحبّ علياً يهوّن الله عليه سكرات الموت وجعل قبره روضة من رياض الجنّة ـ الحديث طويل[492] ـ.
257 ـ عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أراد التوكّل على الله فليحبّ أهل بيتي ومن أراد أن ينجو من عذاب القبر فليحبّ أهل بيتي ، ومن أراد الحكمة فليحبّ أهل بيتي ، ومن أراد دخول الجنّة بغير حساب فليحبّ أهل بيتي ، فوالله ما أحبّهم أحد إلاّ ربح في الدنيا والآخرة.
258 ـ قال زياد الأسود لأبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام): إنّي ألمّ بالذنوب فأخاف الهلكة ثمّ أذكر حبّكم فأرجوا النجاة ، فقال (عليه السلام): وهل الدين إلاّ الحبّ ؟ قال الله تعالى: ( وَحَبَّبَ إلَيْكُمُ الإيْمانَ ) ، وقال: ( إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعوني يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) ، وقال رجل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّي اُحبّك . فقال: إنّك لتحبّني ؟ فقال الرجل: إي والله ، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): أنت مع من أحببت[493].
259 ـ عن أبي بصير قال: قال الصادق (عليه السلام): يا أبا محمّد ، تفرّق الناس شعباً ورجعتم أنتم إلى أهل بيت نبيّكم فأردتم ما أراد الله وأحببتم من أحبّ الله واخترتم من اختاره الله ، فابشروا واستبشروا فأنتم والله المرحومون المتقبّل منكم حسناتكم ، المتجاوز عن سيّئاتكم فهل سررتك ؟ فقلت: نعم.
فقال: يا أبا محمّد ، إنّ الذنوب تساقط عن ظهور شيعتنا كما تسقط الريح الورق من الشجر ، وذلك قوله تعالى: ( وَتَرى المَلائِكَةَ حافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرونَ لِلَّذينَ آمَنوا ) ، والله يا أبا محمّد ما أراد الله بهذا غيركم ، فهل سررتك ؟ قلت: نعم زدني . فقال: قد ذكركم الله في كتابه عزّ من قائل: ( رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدوا اللهَ عَلَيْهِ ) يريد أ نّكم وفيتم بما أخذ عليكم ميثاقه من ولايتنا ، وإنّكم لم تستبدلوا بنا غيرنا ، وقال: ( الأخِلاّءُ يَوْمَئِذ بِعْضُهُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ إلاّ المُتَّقينَ ) والله ما عنى بهذا غيركم فهل سررتك يا أبا محمّد ؟ فقلت: زدني . قال: لقد ذكركم الله في كتابه حيث يقول: ( إخْوانٌ عَلى سُرُر مُتَقابِلينَ ) والله ما أراد الله بهذا غيركم هل سررتك ؟ فقلت: نعم زدني . قال: وقد ذكركم الله تعالى بقوله: ( اُوْلـئِكَ الَّذينَ أنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقينَ وَالشُّهَداء وَالصَّالِحينَ )فرسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذا الموضع النبيّون ونحن الصدّيقون والشهداء وأنتم الصالحون وأنتم والله شيعتنا ، فهل سررتك ؟ فقلت: نعم زدني . فقال: لقد استثناكم الله تعالى على الشيطان فقال: ( إنَّ عِبادي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلـْطانٌ ) والله ما عنى بهذا غيركم ، فهل سررتك ؟ فقلت: نعم زدني . فقال: قال الله: ( يا عِبادي الَّذينَ أسْرَفوا عَلى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنوبَ جَميعاً ) ، والله ما عنى بهذا غيركم ، هل سررتك يا أبا محمّد ؟ قلت: زدني ، فقال: يا أبا محمّد ما استثنى الله تعالى به لأحد من الأنبياء ، ولا أتباعهم ما خلا شيعتنا ، فقال عزّ من قائل: ( يَوْمَ لا يُغْني مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرونَ إلاّ مَنْ رَحِمَ اللهُ ) وهم شيعتنا يا أبا محمّد ، هل سررتك ؟ قلت: زدني يا ابن رسول الله ، قال: لقد ذكركم الله تعالى في كتابه حيث قال: ( هَلْ يَسْتَوي الَّذينَ يَعْلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعْلَمونَ إنَّما يَتَذَكَّرُ اُولوا الألـْبابِ )فنحن الذين نعلم ، وأعداؤنا الذين لا يعلمون ، وشيعتنا هم اُولو الألباب ، قلت: زدني يا ابن رسول الله.
قال: يا أبا محمّد ، ما يحصى تضاعف ثوابكم ، يا أبا محمّد ما من آية تعود إلى الجنّة وتذكر أهلها بخير إلاّ وهي فينا وفيكم ، ما من آية تسوق إلى النار إلاّ وهي في عدوّنا ومن خالفنا ، والله ما على دين محمّد وملّة إبراهيم (عليه السلام)غيرنا وغيركم ، وإنّ سائر الناس منكم براء ، يا أبا محمّد هل سررتك ؟ قلت: نعم يا ابن رسول الله صلّى الله عليك وجعلت فداك ، ثمّ انصرفت فرحاً[494].
أقول: كلّ هذا من بركات الإيمان بالولاية ، والمؤمن حقّاً حينما يرى هذه الفضائل يزداد شوقاً وعملا وطاعة ، فلا يصدر منه ما يشينه ويشين أهل بيت رسول الله (عليهم السلام) ، فإنّه يشايعهم في كلّ شيء في اعتقاداته الصحيحة وسلوكه الطيّب وأعماله الصالحة ونواياه الحسنة ، فيعينهم بالورع والاجتهاد والعفّة والسداد ، كما طلبوا ذلك من شيعتهم (عليهم السلام).
260 ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ( فَلا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ )فقال: من انتحل ولايتنا فقد جاز العقبة ، فنحن تلك العقبة التي من اقتحمها نجا ، ثمّ مهلا اُفيدك حرفاً هو خير لك من الدنيا وما فيها: قوله تعالى: ( فَكُّ رَقَبَة ) إنّ الله تعالى فكّ رقابكم من النار بولايتنا أهل البيت ، وأنتم صفوة الله ، ولو أنّ الرجل منكم يأتي بذنوب مثل رمل عالج لشفعنا فيه عند الله تعالى ، فلكم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم.
261 ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول لرجل من الشيعة: أنتم الطيّبون ونساؤكم الطيّبات ، وكلّ مؤمن صدّيق ، وقال: سمعته يقول: شيعتنا أقرب الخلق من عرش الله عزّ وجلّ يوم القيامة بعدنا ، وما من شيعتنا أحد يقوم إلى الصلاة إلاّ اكتنفته فيها عدد من خالفه من الملائكة يصلّون عليه جماعة حتّى يفرغ من صلاته ، وإنّ الصائم منكم ليرتع في رياض الجنّة تدعو له الملائكة حتّى يفطر[495].
262 ـ روى عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)أ نّه قال لعليّ (عليه السلام): يا
عليّ ، إنّي سألت الله عزّ وجلّ
أن
لا يحرم شيعتك التوبة حتّى تبلغ نفس أحدهم حنجرته ، فأجابني إلى ذلك وليس ذلك
لغيرهم[496].
263 ـ عن زيد بن يونس الشحّام قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): الرجل من مواليكم عاص يشرب الخمر ويرتكب الموبق من الذنب نتبرّأ منه ؟ فقال: تبرّأوا من فعله ولا تتبرّأوا من خيره ، وأبغضوا عمله ، فقلت: يسع لنا أن نقول: فاسق فاجر ؟ فقال: لا ، الفاسق الفاجر الكافر الجاحد لنا ولأوليائنا ، أى الله أن يكون وليّنا فاسقاً فاجراً وإن عمل ما عمل ، ولكنّكم قولوا: فاسق العمل فاجر العمل مؤمن النفس خبيث الفعل طيّب الروح والبدن.
لا والله لا يخرج وليّنا من الدنيا إلاّ والله ورسوله ونحن عنه راضون ، يحشره الله على ما فيه من الذنوب مبيضّاً وجهه ، مستورة عورته ، آمنة روعته ، لا خوف عليه ولا حزن . وذلك أ نّه لا يخرج من الدنيا حتّى يصفّي من الذنوب إمّا بمصيبة في مال أو نفس أو ولد أو مرض ، وأدنى ما يصنع بوليّنا أن يريه الله رؤيا مهولة فيصبح حزيناً لما رآه ويكون ذلك كفّارة له أو خوفاً يرد عليه من أهل دولة الباطل ، أو يشدّد عليه عند الموت فيلقى الله عزّ وجلّ طاهراً من الذنوب آمنة روعته بمحمّد وأمير المؤمنين صلّى الله عليهما ، ثمّ يكون أمامه أحد الأمرين: رحمة الله الواسعة التي هي أوسع من أهل الأرض جميعاً ، أو شفاعة محمّد وأمير المؤمنين (عليهما السلام) ، فعندهما تصيبه رحمة الله الواسعة التي كان أحقّ بها وأهلها ، وله إحسانها وفضلها[497].
وعندنا في فضائل
الشيعة روايات كثيرة جدّاً تجاوزت حدّ التواتر المعنوي
الدالّ
على مقام الشيعة العظيم لتشرّفهم بنور الولاية وروحها وريحانها ، فنالوا بها
مقام الشهادة والحياة الأبديّة ، فهم أحياء عند ربّهم يرزقون العلم والتحلّي
بأسماء الله وصفاته جلّ جلاله.
264 ـ الحسين بن حمزة عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك ، قد كبر سنّي ودقّ عظمي واقترب أجلي وقد خفت أن يدركني قبل هذا الأمر الموت ، قال: فقال لي: يا أبا حمزة ، أوَ ما ترى الشهيد إلاّ من قتل ؟ قلت: نعم ، جعلت فداك.
فقال لي: يا أبا حمزة ، من آمن بنا وصدّق حديثنا وانتظرنا كان كمن قتل تحت راية القائم ، بل والله تحت راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)[498].
265 ـ عن أبي بصير قال: قال لي الصادق (عليه السلام): يا أبا محمّد ، إنّ الميّت على هذا الأمر شهيد ، قال: قلت: جعلت فداك ، وإن مات على فراشه ؟ قال: وإن مات على فراشه فإنّه حيّ يرزق[499].
266 ـ هذه هي الولاية التي يجوز بها المؤمن على الصراط: من مناقب ابن المغازلي بإسناده عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على شفير جهنّم لم يجز عليه إلاّ من معه كتاب ولاية عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)[500].
267 ـ عن محمّد بن مسلم عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن أبيه عن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)قال: يا عليّ ، إنّ شيعتنا يخرجون من قبورهم يوم القيامة على ما بهم من العيوب والذنوب ووجوههم كالقمر في ليلة البدر ، قد فرّضت ـ أي قد قطعت ـ عنهم الشدائد وسهّلت لهم الموارد ، واُعطوا الأمن والأمان وارتفعت عنهم الأحزان ما يخاف الناس ولا يخافون ، ويحزن الناس ولا يحزنون ، شراك نعالهم تتلألأ نوراً ، وعلى نوق بيض لها أجنحة قد ذلّلت من غير مهانة ، ونجّت من غير رياضة ، أعناقها من ذهب أحمر ألين من الحرير لكرامتهم على الله عزّ وجلّ[501].
هذه هي الكرامة الإلهيّة لمن حمل الولاية ومعالمها كالحبّ والمعرفة والطاعة وغيرها ، فإنّها تنفع الموالي في الدنيا والآخرة ، تخلّصه من أهوال عظيمة.
268 ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حبّي وحبّ أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهنّ عظيمة ، عند الوفاة وفي القبر وعند النشور وعند الكتاب وعند الحساب وعند الميزان وعند الصراط[502].
269 ـ عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهم السلام)قال رسول الله لأمير المؤمنين: يا عليّ ، ما بين من يحبّك وبين أن يرى ما تقرّ به عيناه إلاّ أن يعاين الموت ، ثمّ تلا: ( رَبَّنا أخْرِجْنا نَعْمَلُ صالِحاً ) في ولاية علي ( غَيْرَ الَّذي كُنَّا نَعْمَلُ )في عداوته ، فيقال لهم في الجواب: ( أوَ لَمْ نُعَمِّرُكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمْ النَّذيرُ ) وهو النبيّ (صلى الله عليه وآله) ( فَذوقوا فَما لِلظَّالِمينَ ) لآل محمّد ( مِنْ نَصير ) ينصرهم ولا ينجّيهم منه ولا يحجبهم عنه.
270 ـ أعلام الديلمي بسنده عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)أ نّه قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): بشّر شيعتك ومحبّيك بخصال عشر:
أوّلها: طيب مولدهم ، وثانيها: حسن إيمانهم ، وثالثها: حبّ الله لهم ، والرابعة: الفسحة في قبورهم ، والخامسة: نورهم يسعى بين أيديهم ، والسادسة: نزع الفقر من بين أعينهم وغنى قلوبهم ، والسابعة: المقت من الله لأعدائهم ، والثامنة: الأمن من البرص والجذام ، والتاسعة: انحطاط الذنوب والسيّئات عنهم ، والعاشرة: هم معي في الجنّة وأنا معهم ، فطوبى لهم وحسن مآب.
أ يّها القارئ الكريم هذا كلّه من بركات الولاية العظمى ، وأزيدك علماً أنّ الأعمال لا تقبل إلاّ بها ، فهي شرط القبول ، كما أنّ الإسلام شرط الصحّة ، فيصحّ العمل مع الإسلام ، إلاّ أ نّه لا يقبل إلاّ مع الولاية.
271 ـ روى عليّ بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى: ( مَثَلُ الَّذينَ كَفَروا بِرَبِّهِمْ أعْمالُهُمْ كَرَماد اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْم عاصِف لا يَقْدِرونَ مِمَّـا كَسَبوا عَلى شَيْء ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ البَعيدِ )[503] ، أ نّه قال: من لم يقرّ بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)بطل عمله مثل الرماد الذي تجيء الريح فتحمله.
والأخبار المستفيضة وردت بإطلاق الكافر على المخالفين لإنكارهم النصوص على الأئمّة (عليهم السلام).
واعلم أنّ الإماميّة أجمعوا على اشتراط صحّة الأعمال وقبولها بالإيمان الذي من جملته الإقرار بولاية جميع الأئمّة (عليهم السلام)وإمامتهم ، والأخبار الدالّة عليه متواترة بين الخاصّة والعامّة[504].
272 ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: إنّ أوّل ما يُسئل عنه العبد إذا وقف بين يدي الله جلّ جلاله عن الصلوات المفروضات وعن الزكاة المفروضة وعن الصيام المفروض وعن الحجّ المفروض وعن ولايتنا أهل البيت ، فإن أقرّ بولايتنا ثمّ مات عليها قبلت صلاته وصومه وزكاته وحجّه ، وإن لم يقرّ بولايتنا بين يدي الله جلّ جلاله لم يقبل الله عزّ وجلّ منه شيئاً من أعماله[505].
273 ـ عن محمّد بن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام)قال: نزل جبرئيل على النبيّ (صلى الله عليه وآله)فقال: يا محمّد ، السلام يقرئك السلام ويقول: خلقت السماوات السبع وما فيهنّ والأرضين السبع ومن عليهن وما خلقت موضعاً أعظم من الركن والمقام ، ولو أنّ عبداً دعاني هناك منذ خلقت السماوات والأرضين ثمّ لقيني جاحداً لولاية عليّ لأكببته في سقر[506].
274 ـ عن الصادق (عليه السلام): إنّ علياً (عليه السلام)كان يقول: لا خير في الدنيا إلاّ لأحد رجلين: الرجل يزداد كلّ يوم إحساناً ، ورجل يتدارك سيّئته بالتوبة ، وأنّى له بالتوبة ؟ والله لو سجد حتّى ينقطع عنقه ما قبل الله منه إلاّ بولايتنا أهل البيت[507].
275 ـ عن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول: من خالفكم وإن تعبّد واجتهد منسوب إلى هذه الآية ( وُجوهٌ يَوْمَئِذ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً )[508].
276 ـ عن الحسين بن عليّ (عليهما السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألزموا مودّتنا أهل البيت فإنّه من لقي الله يوم القيامة وهو يودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا ، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلاّ بمعرفة حقّنا.
277 ـ عن معاذ بن كثير قال: نظرت إلى الموقف والناس فيه كثير فدنوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام)فقلت: إنّ أهل الموقف كثير ، قال: فضرب ببصره فأداره فيهم ثمّ قال: اُدنُ منّي يا أبا عبد الله ، فدنوت منه فقال: غثاء يأتي به الموج من كلّ مكان ، والله ما الحجّ إلاّ لكم ، لا والله ما يتقبّل الله إلاّ منكم.
278 ـ عن عليّ بن الحسين (عليه السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما بال أقوام إذا ذكر عندهم آل إبراهيم (عليه السلام) فرحوا واستبشروا ، وإذا ذكر عندهم آل محمّد اشمأزّت قلوبهم ، والذي نفس محمّد بيده لو أنّ عبداً جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبيّاً ما قبل الله ذلك منه حتّى يلقاه بولايتي وولاية أهل بيتي[509].
279 ـ عن أبي حمزة الثمالي قال: قال لنا عليّ بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام): أيّ البقاع أفضل ؟ فقلنا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم . فقال: إنّ أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ، ولو أنّ رجلا عمّر ما عمّر نوح في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك الموضع ، ثمّ لقي الله بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً[510].
280 ـ عن فضيل بن عثمان قال: سئل أبو عبد
الله (عليه
السلام)فقيل له: إنّ هؤلاء
الأجانب
ـ يراد بهم الخطابية ـ يروون عن أبيك يقولون:
إنّ أباك (عليه
السلام)قال: إذا عرفت فاعمل ما شئت فهم يستحلّون من بعد ذلك كلّ محرّم .
قال: ما لهم لعنهم الله ، إنّما قال أبي (عليه
السلام):
إذا عرفت الحقّ فاعمل ما شئت من خير يقبل منك.
281 ـ عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أ يّها الناس الزموا مودّتنا أهل البيت فإنّه من لقى الله بودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا ، فوالذي نفس محمّد بيده لا ينفع عبداً عمله إلاّ بمعرفتنا وولايتنا[511].
282 ـ من مناقب الخوارزمي عن عليّ (عليه السلام)عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: يا عليّ ، لو أنّ عبداً عبد الله مثل ما قام نوح في قومه وكان له مثل اُحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله ومُدّ في عمره حتّى حجّ ألف عام على قدميه ، ثمّ قتل بين الصفا والمروة مظلوماً ، ثمّ لم يوالكَ يا عليّ لم يشمّ رائحة الجنّة ولم يدخلها[512].
283 ـ عن جعفر بن محمّد عن آبائه (عليهم السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عليّ ، أنت أمير المؤمنين وإمّا المتّقين ، يا عليّ ، أنت سيّد الوصيّين ووارث علم النبيّين وخير الصدّيقين وأفضل السابقين ، يا عليّ ، أنت زوج سيّدة نساء العالمين وخليفة المرسلين ، يا عليّ ، أنت مولى المؤمنين ، يا عليّ ، أنت الحجّة بعدي على الناس أجمعين ، استوجب الجنّة من تولاّك واستحقّ دخول النار من عاداك ، يا عليّ ، أنت والذي بعثني بالنبوّة واصطفاني على جميع البريّة لو أنّ عبداً عبد الله ألف عام ما قبل الله ذلك منه إلاّ بولايتك وولاية الأئمة من ولدك ، وإنّ ولايتك لا تقبل إلاّ بالبراءة من أعدائك وأعداء الأئمة من ولدك ، بذلك أخبرني جبرئيل (عليه السلام) ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
أقول: اللهمّ اشهد إنّا آمنّا بذلك ، ونسألك الشهادة في سبيل الولاية ، والحشر مع أوليائك الأبرار الرسول المختار والأئمة الأطهار وفاطمة الأخيار عليهم صلواتك في الليل والنهار أبد الآبدين من بدء الخلق إلى قيام يوم الدين.
284 ـ روى ابن شاذان بإسناده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليلة اُسري بي إلى الجليل جلّ جلاله اُوحي إليّ: ( آمَنَ الرَّسولُ بِما اُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) قلت: ( وَالمُؤْمِنونَ ) ، قال: صدقت يا محمّد ، من خلّفت في اُمّتك ؟ قلت: خيرها ، قال: علي بن أبي طالب ؟ قلت: نعم يا ربّ ، قال: يا محمّد ، إنّي اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترك منها ، فشققت لك اسماً من أسمائي فلا اُذكر في موضع إلاّ ذُكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمّد (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ اطّلعت الثانية فيها فاخترت منها عليّاً ، وشققت له اسماً من أسمائي فأنا الأعلى وهو عليّ . يا محمّد ، إنّي خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من سنخ نور من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرضين ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من الكافرين ، يا محمّد ، لو أنّ عبداً من عبيدي عبدني حتّى ينقطع ويصير كالشنّ البالي ثمّ أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم ، يا محمّد ، تحبّ أن تراهم ؟ قلت: نعم يا ربّ . فقال لي: التفت على يمين العرش ، فالتفتّ فإذا أنا بعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمّد والحسن بن عليّ والمهدي في ضحضاح من نور ، قيام يصلّون وفي وسطهم المهدي يضيء كأ نّه كوكب درّي ، فقال: يا محمّد ، هؤلاء الحجج والقائم من عترتك ، وعزّتي وجلالي له الحجّة الواجبة لأوليائي وهو المنتقم من أعدائي ، بهم يمسك الله السماوات أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه[513].
285 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهوديّاً ، ولو أنّ عبداً عبد الله بين الركن والمقام ألف سنة ثمّ لقي الله بغير ولايتنا أكبّه الله على منخريه في النار ، ومن مات لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، والله ما ترك الله الأرض منذ قبض آدم إلاّ وفيها إمام يُهتدى به حجّة على العباد من تركه هلك ومن لزمه نجا[514].
286 ـ قال عبد الله بن أبي يعفور: سألت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام): ما العلّة أن لا دين لهؤلاء وما عتب لهؤلاء ؟ قال: لأنّ سيّئات الإمام الجائر تغمز حسنات أوليائه وحسنات الإمام العادل تغمز سيّئات أوليائه.
أقول: ما أروع هذا الحديث الشريف ، وكيف يبن الإمام (عليه السلام) واقع الأمر ، وأ نّه من اتّبع الإمام الجائر وخلفاء الجور ووالاهم ، فإنّه وإن عمل صالحاً يحبط عمله ، فإنّ سيّئات الإمام الجائر تذهب بحسنات المأموم ، وكأ نّما بالولاية أصبحا بمنزل واحد ، وإنّ المأموم يتأثّر بإمامه ، لإطاعته ومحبّته وولايته ، وكذلك من اتّبع الإمام العادل المعصوم (عليه السلام) فإنّ حسنات الإمام (عليه السلام)تؤثّر في محو سيّئات المأموم ، وهذا من العدل الإلهي ، حفاظاً على مقام الإطاعة والمتابعة والولاية ، فتدبّر ، فالولاية الكلّ بالكلّ ، وفاتحة الأعمال وخاتمتها الولاية التي يتشعّب منها المعرفة والمودّة والإطاعة والتخلّق بأخلاق الله ورسوله والأئمة الأطهار (عليهم السلام).
287 ـ عن زريق عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: قلت له: أيّ الأعمال أفضل بعد المعرفة ؟ قال: ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة ولا بعد المعرفة والصلاة شيء يعدل الزكاة ، ولا بعد ذلك شيء يعدل الصوم ، ولا بعد ذلك شيء يعدل الحجّ ، وفاتحة ذلك كلّه معرفتنا وخاتمته معرفتنا[515].
أجل هذه هي الولاية ، أوَ تدري ما لمن أنكرها وسخطها ونقض عهدها ، وتولّى غير أئمّة الحقّ ؟
288 ـ عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) تلا هذه الآية ( لا يَسْتَوي أصْحابُ النَّارِ وَأصْحابُ الجَنَّةِ أصْحابُ الجَنَّةِ هُمُ الفائِزونَ )فقال: أصحاب الجنّة من أطاعني وسلّم لعليّ بن أبي طالب بعدي وأقرّ بولايته ، فقيل: وأصحاب النار ؟ قال: من سخط الولاية ونقض العهد وقاتله بعدي.
289 ـ عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: لمّـا نزلت هذه الآية ( يَوْمَ نَدْعو كُلَّ اُناس بِإمامِهِمْ ) قال: فقال المسلمون: يا رسول الله ، ألست إمام الناس كلّهم أجمعين ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا رسول الله إلى الناس أجمعين ، ولكن سيكون بعدي أئمة على الناس من الله من أهل بيتي يقومون في الناس فيكذّبون ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم ، ألا ومن والاهم واتّبعهم وصدّقهم فهو منّي ، وسيلقاني ، ألا ومن ظلمهم وأعان على ظلمهم وكذّبهم فليس منّي ولا معي وأنا منه بريء[516].
290 ـ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل عن الله عزّ وجلّ قال: من عادى أوليائي فقد بارزني بالمحاربة ، ومن حارب أهل بيتي فقد حلّ عليه عذابي ، ومن تولّى غيرهم فقد حلّ عليه غضبي ، ومن أعزّ غيرهم فقد آذاني ومن آذاني فله النار[517].
291 ـ عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً . قيل: يا رسول الله ، وإن شهد الشهادتين ؟ قال: نعم ، فإنّما احتجز بهاتين الكلمتين عن سفك دمه أو يؤدّي الجزية عن يد وهو صاغر ، ثمّ قال: من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً . فقيل: وكيف يا رسول الله ؟ قال: إن أدرك الدجّال آمن به[518].
292 ـ عن سعيد بن أبي سعيد قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام)يقول: إنّ الله عزّ وجلّ في كلّ وقت صلاة يصلّيها هذا الخلق يلعنهم قال: قلت: جعلت فداك ، ولِمَ ؟ قال: بجحودهم حقّنا وتكذيبهم إيّانا[519].
293 ـ عن حنان بن سدير عن أبيه قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)يقول: إنّ عدوّ عليّ (عليه السلام) لا يخرج من الدنيا حتّى يجرع جرعة من الجحيم ، وقال: سواء على من خالف هذا الأمر صلّى أو زنا[520].
يقول الناصر العباسي من المخالفين:
قسماً بمكّة والحطيم وزمزم *** والراقصات وسعيهنّ إلى منى
بغض الوصيّ علامة مكتوبة *** كتبت على جبهات أولاد الزنا
من لم يوالِ في البريّة حيدراً *** سيّان عند الله صلّى أم زنا
إيه يا
صاحبي الكريم ، هذه هي الولاية التي ندعو إليها ، فإنّها روح الإسلام
وجوهره
وحقيقته ، ولا تتمّ إلاّ بالبراءة ، فهما وجهان لحقيقة واحدة ، فلا
ولاية إلاّ بالبراءة ولا براءة إلاّ بالولاية ، ومن مظاهر البراءة الدعاء على
الظالمين الغاصبين لآل محمّد ، الناكرين فضلهم ومقامهم الشامخ ، والدعاء
على الكافرين والظالمين هو اللعن المحبّذ الذي يثاب عليه.
294 ـ قال جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام): قوله عزّ وجلّ: ( اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقيمَ ) يقول: أرشدنا الصراط المستقيم ، أي أرشدنا للزوم الطريق المؤدّي إلى محبّتك والمانع أن نتّبع أهواءنا فنعطب ونأخذ بآرائنا فنهلك ، ثمّ قال الصادق (عليه السلام): طوبى للذين هم كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يحمل هذا العلم من كلّ خلق عدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» ، فقال له رجل: يا ابن رسول الله إنّي عاجز ببدني عن نصرتكم ، ولست أملك إلاّ البراءة من أعدائكم واللعن عليهم فكيف حالي ؟
فقال له الصادق (عليه السلام): حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن رسول الله صلوات الله عليهم أ نّه قال: من ضعف عن نصرتنا أهل البيت فلعن في خلواته أعداءنا بلّغ الله صوته جميع الأفلاك من الثرى إلى العرش ، فكلّما لعن هذا الرجل أعداءنا لعناً ساعدوه ولعنوا من يلعنه ثمّ ثنّوا فقالوا: اللهمّ صلّ على عبدك هذا الذي قد بذل ما في وسعه ، ولو قدر على أكثر منه لفعل ، فإذا النداء من قبل الله عزّ وجلّ: قد أجبت دعاءكم وسمعت نداءكم وصلّيت على روحه في الأرواح ، وجعلته عندي من المصطفين الأخيار[521].
أقول: لقد
ورد في الأخبار الصحيحة «هل الدين إلاّ البغض» ، فالمتديّن
الملتزم
حقيقة هو الذي يحبّ الله ورسوله وأهل بيته الأطهار فيتبعهم ويطيعهم ، فإنّ
المحبّ لمن يحبّ مطيع ، ثمّ يبغض أعداءهم وظهر بغضه بلعنهم والبراءة
منهم ، فإنّهم نصبوا في قلوبهم عداوة محمّد (صلى الله عليه وآله) أو عداوة
آله الأطهار (عليهم
السلام)أو عداوة شيعتهم الكرام رضي الله عنهم ، فهؤلاء من الناصبين الملعونين
أيضاً ، وإليك هذا الخبر الصحيح:
295 ـ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت ، لأ نّك لا تجد رجلا يقول: أنا أبغض محمّداً وآل محمّد ، ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم أ نّكم تتولّونا وأ نّكم من شيعتنا.
ومثل هؤلاء في عصرنا هذا هم الوهابيّة ، أتباع محمّد بن عبد الوهاب النجدي ، فإنّ قلوبهم ملئت نصباً وعداوة لشيعة أهل البيت (عليهم السلام) ، فما من كتاب تقرأ لهم إلاّ وتجد الحقد يطفح على أقلامهم السامّة المقيتة ، فيتّهمون الشيعة بشتّى التهم ويفترون عليهم ، ويحرّفون الكلم عن مواضعه ، ويموّهون على الناس السذّج البسطاء بتلفيقاتهم وأكاذيبهم ، بقضايا ما أنزل الله بها من سلطان ، وتجلّ ساحة الشيعة منها ، كلّ هذا ليخدموا أسيادهم الاستعمار والاستكبار العالمي ليفرّقوا بين الاُمّة الإسلامية الواحدة ـ فرّق تسد ـ فتمزّق وحدتهم واعتصامهم بحبل الله ، فتنهب ثرواتهم وتستثمر جهودهم في صالح الرأسمالية المتمثّلة بالقوى الكافرة كأمريكا الشيطان الأكبر.
296 ـ قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنّ المؤمن ليشفع لحميمه إلاّ أن يكون ناصباً ، ولو أنّ ناصباً شفع له كلّ نبيّ مرسل وملك مقرّب ما شفّعوا.
297 ـ عنه (عليه السلام): إنّ نوحاً (عليه السلام)حمل في السفينة الكلب والخنزير ولم يحمل فيها ولد الزنا ، والناصب شرّ من ولد الزنا[522].
298 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما خلق الله عزّ وجلّ شيئاً أشرّ من الكلب ، والناصب أشرّ منه[523].
هذه جملة من الروايات الشريفة في ولاية أهل البيت (عليهم السلام) والبراءة من أعدائهم ، وحكم من خالفهم ونصب في قلبه عداوتهم وعداوة مواليهم ومحبّيهم وشيعتهم ، ولا يخفى أ نّهم من القلّة التي على الحقّ ، ولا تستوحش في طريق الهدى من قلّة أهله ، فإنّ النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد أخبر في مواضع أ نّه ستفترق اُمّته إلى اثنين أو ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة ناجية ، والباقي في النار.
299 ـ عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ بني إسرائيل تفرّقت على عيسى (عليه السلام)إحدى وسبعين فرقة ، فهلك سبعون فرقة وتخلّص فرقة ، وإنّ اُمّتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة ، فتهلك إحدى وسبعون ، وتتخلّص فرقة ، قالوا: يا رسول الله من تلك الفرقة ؟ قال: الجماعة الجماعة[524].
قال الصدوق (رحمه الله): الجماعة أهل الحقّ وإن قلّوا ، وقد روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)أ نّه قال: المؤمن وحده حجّة ، والمؤمن وحده جماعة.
300 ـ عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيأتي على اُمّتي ما أتى على بني إسرائيل مثل بمثل وإنّهم تفرّقوا على اثنتين وسبعين ملّة ، وستفرق اُمّتي على ثلاث وسبعين ملّة تزيد عليهم واحدة كلّها في النار غير واحدة ، قال: قيل: يا رسول الله ، ما تلك الواحدة ؟ قال: هو ما نحن عليه اليوم أنا وأهل بيتي.
301 ـ عن أبي هريرة عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)قال: لتاُخذنّ كما اُخذت الاُمم من قبلكم ذراعاً بذراع وشبراً بشبر ، وباعاً بباع حتّى لو أنّ أحداً من اُولئك دخل جُحْرَ ضبّ لدخلتموه ، قالوا: يا رسول الله ، كما صنعت فارس والروم وأهل الكتاب ؟ قال: فهل الناس إلاّ هم.
وفي هذا المضمون روايات كثيرة عند الفريقين السنّة والشيعة ، فلا بدّ لنا أن نعرف الحقّ أوّلا ثمّ نعرف أهله ، ونعرف الرجال بالحقّ لا الحقّ بالرجال ، والنبيّ قد بيّن لنا الحقّ أنّ عليّاً مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ أينما دار يدور ، وأنّ الهداية في اتّباع الثقلين كتاب الله وعترة النبيّ (صلى الله عليه وآله)وأ نّهم سفينة النجاة ومصباح الهدى إلى يوم القيامة.
[490]البحار 27: 112 ، وبعض الروايات تكرّر في هذا الكتاب لما في التكرار من إفادة وزيادة تقرير ، فلا تغفل.
[491]البحار 27: 114.
[492]البحار 27: 114.
[493]البحار 27: 122.
[494]البحار 27: 125.
[495]المصدر 27: 132.
[496]كنز جامع الفوائد: 304.
[497]البحار 27: 138 ، عن كنز جامع الفوائد: 304.
[498]المصدر والمرجع.
[499]المصدر والمرجع.
[500]البحار 27: 141 ، عن العمدة: 193.
[501]البحار 27: 142 ، عن العمدة: 193.
[502]البحار 27: 158 ، الباب 6 ما ينفع حبّهم فيه من المواطن وأ نّهم (عليهم السلام) يحضرون عند الموت وغيره وأ نّه يسئل عن ولايتهم في القبر ، وفي الباب 22 رواية.
[503]إبراهيم: 21.
[504]البحار 27: 167.
[505]المصدر ، عن أمالي الصدوق: 154.
[506]المصدر والمرجع.
[507]المصدر والمرجع.
[508]المصدر ، عن تفسير القمّي: 723.
[509]البحار 27: 172 ، الباب 7 أ نّه لا تقبل الأعمال إلاّ بالولاية ، وفي الباب 71 رواية.
[510]) المصدر ، عن أمالي ابن الشيخ: 72.
[511]المصدر ، عن أمالي المفيد: 82 .
[512]المصدر ، عن كشف الغمّة: 30.
[513]البحار 27: 200.
[514]البحار 27: 201 ، عن إعلام الورى.
[515]المصدر ، عن أمالي الشيخ: 74.
[516]المصدر ، عن البصائر: 10.
[517]البحار 27: 206 ، عن العيون: 226 ، وفي البحار الباب 9 ، وفي الباب 19 رواية.
[518]البحار 27: 218 ، الباب 10 ذمّ مبغضيهم وأ نّه كافر حلال الدم وثواب اللعن على أعدائهم ، وفي الباب 62 رواية.
[519]المصدر ، عن ثواب الأعمال: 201.
[520]المصدر والمرجع.
[521]البحار 27: 223 ، وقد ذكرت تفصيل موضوع البراءة واللعن على ضوء القرآن والسنّة في كتاب ( هذه هي البراءة ) ، فراجع.
[522]الروايات من البحار 27: 226 ، وهذه الرواية عن المحاسن: 185.
[523]المصدر ، عن أمالي الشيخ: 171.
[524]البحار 28: 2 ، عن الخصال: 584 ، وفي البحار الباب 1 افتراق الاُمّة بعد النبيّ على ثلاث وسبعين فرقة ، وفي الباب 60 فرقة.
302 ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَق ) قال: يا زرارة ، أوَ لم تركب هذه الاُمّة بعد نبيّها طبقاً عن طبق في أمر فلان وفلان وفلان.
303 ـ عن أبي عقيل قال: كنّا عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)فقال: لتفرّقنّ هذه الاُمّة على ثلاث وسبعين فرقة ، والذي نفسي بيده إنّ الفِرَق كلّها ضالّة إلاّ من اتّبعني وكان من شيعتي[525].
304 ـ عن عائشة قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)يقول: إنّي على الحوض أنظر من يرد عليّ منكم ، وليقطعنّ برجال دوني ، فأقول: يا ربّ ، أصحابي أصحابي فيقال: إنّك لا تدري ما عملوا بعدك ، إنّهم ما زالوا يرجعون على أعقابهم القهقرى.
305 ـ عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّكم محشورون حفاة عراة عُزّلا ، ثمّ قرأ ( كَما بَدَأنا أوَّلَ خَلـْق نُعيدُهُ وَعْداً عَلـَيْنا إنَّا كُنَّا فاعِلينَ ) ألا وإنّ أوّل من يكسى إبراهيم (عليه السلام) ، ألا وإنّ اُناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: أصحابي أصحابي ، قال: فيقال: إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح عيسى (عليه السلام) ( وَكُنْت عَلَيْهِمْ شَهيداً ما دُمْت فيهِمْ ) إلى قوله ( العَزيزَ الحَكيمَ ).
يقول الكنجي صابح الكفاية ـ من كتب العامّة ـ هذا حديث صحيح متّفق على صحّته رواه البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه[526].
306 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليجيئنّ قوم من أصحابي من أهل العليّة والمكانة منّي ليمرّوا على الصراط ، فإذا رأيتهم ورأوني ، وعرفتهم وعرفوني ، اختلجوا دوني ، فأقول: أي ربّ أصحابي أصحابي ، فيقال: ما تدري ما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم حيث فارقتهم ، فأقول: بُعداً وسحقاً[527].
وفي بعض الروايات قوله: فأقول سحقاً لمن بدّل بعدي.
بالله عليك أ يّها القارئ الكريم المنصف أيّ شيء بدّلوا بعد نبيّهم ؟ أليس إنكارهم الوصاية والولاية والإمامة الحقّة والخلافة الصادقة ؟ كما ورد في الحديث الشريف: ارتدّ الناس بعد رسول الله إلاّ ثلاث أو خمس أو سبع ، وهذا يعني القلّة ، فإنّ أكثر الناس للحقّ كارهون ارتدّوا عن ولاية أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) وغرّتهم الدنيا الدنيّة والرئاسات المزيّفة والجاه والمقام المقيت ، وغرّهم الشيطان بالله الغرور واستحوذ عليهم فأضلّهم ، وقليل من عباد الله الشكور ، ولا زالت هذه القلّة المؤمنة المظلومة إلى أن يظهر المهدي من آل محمّد (عليهم السلام)ليملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً.
وعليك أ يّها القارئ الكريم أن تحدّد موقفك وسيرك ففي أيّ المعسكرين والحزبين: معسكر القلّة وحزب الله الغالب أو معسكر الكثرة وحزب الشيطان المندحر ؟ فهل أنت في خطّ الولاية أو في خطّ الغواية ؟
307 ـ من الصحيحين عن أبي هريرة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)قال: يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي ـ أو قال: من اُمّتي ـ فيحلّون عن الحوض ـ أي يطردون ـ فأقول: يا ربّ أصحابي فيقول: لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أعقابهم القهقرى.
308 ـ ومن البخاري أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)قال: بينا أنا قائم على الحوض إذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال لهم: هلمّ ، قلت: إلى أين ؟ قال: إلى النار والله ، فقلت: وما شأنهم ، قال: إنّهم قد ارتدّوا على أدبارهم القهقرى ، ثمّ إذا زمرة اُخرى حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال له: هلمّ ، فقلت: إلى أين ؟ قال: إلى النار والله ، قلت: وما شأنهم ؟ قال: إنّهم قد ارتدّوا على أدبارهم ، فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم.
الهَمل الإبل التي ترعى بلا راع مثل النفش ، وقال السندي في شرحه على البخاري: أي لا يخلص منهم من النار إلاّ قليل ، وقال القسطلاني في شرحه على البخاري: يعني أنّ الناجي منهم قليل في قلّة النعم الضالّة ، وهذا يشعر بأ نّهم صنفان: كفّار وعصاة.
وفي خبر آخر: فيقول: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، ما زالوا يرجعون على أعقابهم[528].
309 ـ ومن الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّي على الحوض أنظر من يرد عليّ منكم ، وسيؤخذ ناس دوني فأقول يا ربّ منّي ومن اُمّتي ـ وفي رواية اُخرى ـ فأقول: أصحابي ، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك ؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم.
ما ذكرته من الروايات إنّما هو من كتب العامّة وصحاحهم ليكون أبلغ في الحجّة مع القوم ، وهو على ما يعتقدوه في النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، وإلاّ فنحن نعتقد أ نّه يعلم بذلك كلّه ، وقد أخبر وحتّى بيّن الفرقة الناجية ، كما بيّن الفرق الهالكة ، وهذا يعني على كلّ مسلم واع ورسالي أن يعرف الحقّ فيتّبعه ، ويجتنب الباطل ويدمغه ، ولا بمعنى تفرّق الاُمّة الإسلامية وتشتّتها ، وزرع النفاق والاختلاف بين المسلمين ، فهذه اُمنيّة أعداء الإسلام والمسلمين قاطبة سنّة وشيعة ، كما هي أساس سياسة الاستعمار والاستكبار العالمي ـ فرّق تسد ـ فلا بدّ من الوحدة والاتّحاد بين المسلمين أمام أعداء الإسلام ، الصهيونية العالميّة والاستعمار الغربي والشرقي والشيوعية والامبرياليّة ، لا بدّ أن ندعو ونطلب من الله سبحانه هداية الناس إلى الحقّ وأن يعرف المسلمون ما هو الحقّ ومن هو الحقّ بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
والدنيا دار البلوى والامتحان والاختبار ، أيحسب الناس أن يتركوا سدىً أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون ولا يختبرون ، فقفوهم إنّهم مسؤولون ، وإنّما يسأل الله عزّ وجلّ عن الولاية كما في كثير من الأخبار الشريفة.
310 ـ في كتاب سليم بن قيس عن سلمان أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لتركبنّ اُمتّي سنّة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وحذو القذّة بالقذّة شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، وباعاً بباع ، حتّى لو دخلوا حجراً لدخلوا فيه معهم ، إنّ التوراة والقرآن كتبته يد واحدة في رقّ واحد بقلم واحد ، وجرت الأمثال والسنن سواء.
ثمّ قال أبان: قال سليم: وسمعت عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)يقول: إنّ الاُمّة ستفرق على ثلاث وسبعين فرقة: ثنتان وسبعون فرقة في النار ، وفرقة في الجنّة ، وثلاث عشرة فرقة من الثلاث وسبعين تنتحل محبّتنا أهل البيت ، واحدة منها في الجنّة واثنتا عشرة في النار ، وأمّا الفرقة الناجية المهديّة المؤمنة المسلمة الموفّقة المرشدة ، فهي المؤتمّة بي المسلّمة لأمري ، المطيعة لي ، المتبرّئة من عدوّي المحبّة لي ، المبغضة لعدوّي ، التي قد عرفت حقّي وإمامتي ، وفرض طاعتي من كتاب الله وسنّة نبيّه ، فلم ترتدّ ولم تشكّ لما قد نوّر الله في قلبها من معرفة حقّنا وعرّفها من فضلنا ، وألهمها وأخذ بنواصيها ، فأدخلها في شيعتنا حتّى اطمأنّت قلوبها ، واستيقنت يقيناً لا يخالطه شكّ أ نّي أنا وأوصيائي بعدي إلى يوم القيامة هداة مهتدون ، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيّه في آي من كتاب الله كثيرة ، وطهّرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه ، وحجّته مع القرآن والقرآن معنا ، لا نفارقه ولا يفارقنا ، حتّى نرد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حوضه كما قال.
وتلك الفرقة الواحدة من الثلاث والسبعين فرقة هي الناجية من النار ، ومن جميع الفتن والضلالات والشبهات ، هم من أهل الجنّة حقّاً هم يدخلون الجنّة بغير حساب ، وجميع تلك الفرق الاثنتين والسبعين فرقة هم المتديّنون بغير الحقّ الناصرون دين الشيطان ، الآخذون عن إبليس وأوليائه ، هم أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء المؤمنين يدخلون النار بغير حساب ، برؤوا من الله ومن رسوله وأشركوا بالله وكفروا به ، وعبدوا غير الله من حيث لا يعلمون ، وهم يحسبون أ نّهم يحسنون صنعاً ، يقولون يوم القيامة والله ربّنا ما كنّا مشركين يحلفون لله كما يحلفون لكم ، ويحسبون أ نّهم على شيء ألا إنّهم هم الكاذبون.
قال: قيل: يا أمير المؤمنين ، أرأيت من وقف فلم يأتمّ بكم ولم يضادّكم ولم ينصب لكم ، ولم يتولّكم ولم يتبرّأ من عدوّكم ، وقال: لا أدري وهو صادق ؟ قال: ليس اُولئك من الثلاث والسبعين فرقة ، إنّما عنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالثلاث والسبعين فرقة الباغين الناصبين الذين قد شهروا أنفسهم ، ودعوا إلى دينهم ، ففرقة واحدة منها تدين بدين الرحمن ، واثنتان وسبعون تدين بدين الشيطان ، وتتولّى على قبولها ، وتتبرّأ ممّن خالفها ، فأمّا من وحّد الله وآمن برسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولم يعرف ولايتنا ولا ضلالة عدوّنا ، ولم ينصب شيئاً ولم يحلّ ولم يحرّم ، وأخذ بجميع ما ليس بين المختلفين من الاُمّة خلاف في أنّ الله أمر به أو نهى عنه ، فلم ينصب شيئاً ، ولم يحلّل ولم يحرّم ولا يعلم ، وردّ علم ما أشكل عليه إلى الله ، فهذا ناج وهذه الطبقة بين المؤمنين وبين المشركين هم أعظم الناس وجلّهم ، وهم أصحاب الحساب والموازين والأعراف والجهنّميون الذين يشفع لهم الأنبياء والملائكة والمؤمنون ، ويخرجون من النار فيسمّون الجهنّميين ، فأمّا المؤمنون فينجون ، ويدخلون الجنّة بغير حساب ، وإنّما الحساب على أهل هذه الصفات بين المؤمنين والمشركين والمؤلّفة قلوبهم والمقترفة والذين خلطوا عملا صالحاً وآخر سيّئاً والمستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ، لا يستطيعون حيلة الكفر والشرك ، ولا يحسنون أن ينصبوا ، ولا يهتدون سبيلا إلى أن يكونوا مؤمنين عارفين ، فهم أصحاب الأعراف وهؤلاء كلّهم لله فيهم المشيّة إن أدخل أحدهم النار فبذنبه وإن تجاوز عنه فبرحمته.
قلت:
أيدخل النار المؤمن العارف الداعي ؟ قال: لا .
قلت: أيدخل الجنّة من لا يعرف إمامه ؟ قال:
لا ، إلاّ أن يشاء الله . قلت: أيدخل النار إلاّ كافر أو
مشرك ؟
قال: لا يدخل النار إلاّ كافر إلاّ أن يشاء الله .
قلت: فمن لقي الله مؤمناً عارفاً بإمامه مطيعاً له ، أمن أهل
الجنّة هو ؟ قال: نعم ، إذا لقي الله وهو مؤمن ،
قال الله عزّ وجلّ: ( الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا
الصَّالِحاتِ ) ( الَّذينَ آمَنوا
وَكانوا يَتَّقونَ )( الَّذينَ آمَنوا وَلَمْ
يَلـْبِسوا إيْمانَهُمْ بِظُلـْم ) قلت: فمن
لقي الله منهم على الكبائر ؟ قال: هو في مشيّته إن عذّبه
فبذنبه ، وإن تجاوز عنه فبرحمته . قلت: فيدخله النار وهو
مؤمن ؟ قال: نعم ، بذنبه لأ نّه ليس من المؤمنين
الذين عنى أ نّه لهم وليّ ، وأ نّه لا خوف عليهم ولا هم
يحزنون ، هم المؤمنون الذين يتّقون الله والذين يعملون الصالحات والذين لم
يلبسوا إيمانهم بظلم[529].
أقول: أي لم يلبسوا إيمانهم بمعصية فإنّ المعاصي من الظلم على النفس ، ثمّ هذه الرواية الشريفة وغيرها تصنّف الناس إلى أصناف ، فمنهم الكفّار المشركون ويقابلهم المسلمون بصورة عامّة ، ثمّ المسلمون على صنفين: منهم المؤمنون بالولاية والبراءة ويقابلهم المخالفون من أبناء العامّة ، ثمّ المخالفون على صنفين: منهم العالمون والناصبون فهم من أهل النار ، ومنهم المحبّون الجاهلون خلطوا عملا صالحاً وآخر سيّئاً ، وهؤلاء يرجع أمرهم إلى الله سبحانه فإنّ عذّبهم فبذنبهم وإن غفر لهم فبرحمته ، والمؤمنون على صنفين: منهم المؤمنون حقّاً المتّقون الذين لم يلبسوا إيمانهم بظلم من المعاصي والذنوب فهؤلاء يدخلون الجنّة بغير حساب ، ومنهم الذين خلطوا عملا صالحاً وآخر سيّئاً فهؤلاء الفسّاق في عملهم الطيّبون في ذواتهم ومواليدهم ، فيدخلون الجنّة بعد التطهير أو حصول شفاعة النبيّ والعترة الطاهرة (عليهم السلام).
فهذه هي الولاية التي
ندعو إليها ، ونعتقد بصوابها وحقّانيّتها ، ونستقبل
الشهادة
في سبيلها.
311 ـ عن ابن عباس قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن (عليه السلام) فلمّـا رآه بكى ، ثمّ قال: إليّ يا بنيّ ، فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليمين ، ثمّ أقبل الحسين (عليه السلام) فلمّـا رآه بكى ثمّ قال: إليّ يا بنيّ ، فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليسرى ، ثمّ أقبلت فاطمة (عليها السلام) فلمّـا رآها بكى ثمّ قال: إليّ إليّ يا بنيّة ، فأجلسها بين يديه ، ثمّ أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام)فلمّـا رآه بكى ، ثمّ قال: إليّ إليّ يا أخي ، فما زال يدنيه حتّى أجلسه إلى جنبه الأيمن ، فقال له أصحابه: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ما ترى واحداً من هؤلاء إلاّ بكيت ، أو ما منهم من تسرّ برؤيته ؟ فقال (عليه السلام): والذي بعثني بالنبوّة وأصطفاني على جميع البريّة إنّي وإيّاهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجلّ ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم.
أمّا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)فإنّه أخي وشقيقي ، وصاحب الأمر بعدي وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة ، وصاحب حوضي وشفاعتي ، وهو مولى كلّ مسلم وإمام كلّ مؤمن ، وقائد كلّ تقيّ ، وهو وصيّي وخليفتي على أهلي واُمّتي في حياتي وبعد موتي ، محبّه محبّي ومبغضه مبغضي ، وبولايته صارت اُمّتي مرحومة ، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة ، وإنّي بكيت حين أقبل لأ نّي ذكرت غدر الاُمّة به بعدي حتّى أ نّه ليُزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي ، ثمّ لا يزال الأمر به حتّى يضرب على قرنه ضربة تخضّب منها لحيته في أفضل الشهور ( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذي اُنْزِلَ فيهِ القُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنات مِنَ الهُدى وَالفُرْقانِ )[530]ـ إلى آخر الخبر الطويل الذي يذكر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)فيه مظلوميّة الزهراء (عليها السلام) وكسر ضلعها وإسقاط جنينها بعد أن يذكر فضلها وبعض مقاماتها ، كما يذكر من فضائل الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)ومظلوميّتهما وقتلهما بالسمّ والسيف ـ فراجع[531].
312 ـ عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)قال: بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)إذ التفت إلينا فبكى ، فقلت: ما يبكيك يا رسول الله ؟ فقال: أبكي ممّـا يصنع بكم بعدي ، فقلت: وما ذاك يا رسول الله ؟ قال: أبكي من ضربتك على القرن ، ولطم فاطمة خدّها ، وطعنة الحسن في الفخذ والسمّ الذي يُسقى ، وقتل الحسين.
قال: فبكى أهل البيت جميعاً ، فقلت: يا رسول الله ما خلقنا ربّنا إلاّ للبلاء ؟ قال: أبشر يا عليّ فإنّ الله عزّ وجلّ قد عهد إليّ أ نّه لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق[532].
هذا ولا يخفى أنّ إبليس اللعين هو الذي يوحي إلى أوليائه أن يشكّكوا في فضل أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)وفاطمة الزهراء (عليها السلام) وأهل بيتهما الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ، ففي حديث طويل عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) في آخره يقول:
313 ـ ... إنّ إبليس في ذلك اليوم ـ يوم عاشوراء وقتل سيّد الشهداء في الطفّ بكربلاء ـ يطير فرحاً ، فيجول الأرض كلّها في شياطينه وعفاريته ، فيقول: يا معشر الشياطين قد أدركنا من ذرّية آدم الطلبة ، وبلغنا في هلاكهم الغاية ، وأورثناهم السوء إلاّ من اعتصم بهذه العصابة ، فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم ، وحملهم على عداوتهم وإغرائهم بهم وبأوليائهم ، حتّى تستحكم ضلالة الخلق وكفرهم ، ولا ينجو منهم ناج ، ولقد صدّق عليهم إبليس ظنّه ، وهو كذوب إنّه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح ، ولا يضرّ مع محبّتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر.
قال زايدة: ثمّ قال عليّ بن الحسين (عليه السلام) بعد أن حدّثني بهذا الحديث: خذه إليك ، أما لو ضربت في طلبه آباط الإبل حولا لكان قليلا[533].
314 ـ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل: يا عليّ ، إنّ أصحاب موسى اتّخذوا بعده عجلا فخالفوا خليفته ـ هارون ـ وستتّخذ اُمّتي بعدي عجلا ثمّ عجلا ثمّ عجلا ، ويخالفونك ، وأنت خليفتي على هؤلاء ، يضاهئون اُولئك في اتّخاذهم العجل ، ألا فمن وافقك وأطاعك فهو معنا في الرفيق الأعلى ، ومن اتّخذ بعدي العجل وخالفك ولم يتب فاُولئك مع الذين اتّخذوا العجل زمان موسى ، ولم يتوبوا في نار جهنّم خالدين مخلّدين[534].
315 ـ عن المناقب بسنده ، لمّـا نزل قوله تعالى: ( ألم أحَسِبَ النَّاسُ )الآيات ، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) لعمّـار ـ ابن ياسر ـ: إنّه سيكون بعدي هنات حتّى يختلف السيف فيما بينهم ، وحتّى يقتل بعضهم بعضاً وحتّى يتبرّأ بعضهم من بعض فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني ، عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، فإذا سلك الناس كلّهم وادياً وسلك عليّ وادياً فاسلك وادي علي ، وخلّ عن الناس ، يا عمّـار إنّ عليّاً لا يردّك عن هدىً ولا يردك إلى ردى ، يا عمّـار طاعة عليّ طاعتي وطاعتي طاعة الله[535].
أقول: قتل عمّـار في صفّين في ركاب أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) قتلته الفئة الباغية ، أصحاب معاوية ، عليهم الهاوية نار الله الحامية.
وفي رواية الناصر بإسناده عن جابر الأنصاري قال عليّ (عليه السلام): والله نزلت هذه الآية ( أحَسِبَ النَّاسُ ) فيّ وفي شيعتي وفي عدوّي وفي أشياعهم.
وإنّما ذكرت لك اختلاف الاُمّة بعد نبيّها (صلى الله عليه وآله) ، وفيما اختلفوا فيه لتعرف الحقّ وتقف على الحقيقة منذ اليوم الأوّل من الإسلام ، ولترى نفسك وغيرك في أيّ الصفّين: صفّ أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين أسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، أو في صفّ أعدائه ومناوئيه وغاصبي حقوقه وخلافته وظالميه وأهل بيته (عليهم السلام).
316 ـ عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)أ نّه قال يوماً لحذيفة: يا حذيفة ، لا تحدّث الناس بما لا يعلمون فيطغوا ويكفروا ، إنّ من العلم صعباً شديداً محمله ، لو حملته الجبال عجزت عن حمله ، إنّ علمنا أهل البيت يستنكر ويبطّل ويقتل روايته ، ويساء إلى من يتلوه بغياً وحسداً لما فضّل الله به عترة الوصيّ وصيّ النبيّ (صلى الله عليه وآله).
يا ابن اليمان: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) تفل في فمي وأمرّ على صدري وقال: اللهمّ اعطِ خليفتي ووصيّي وقاضي ديني ومنجز وعدي وأمانتي ووليّي ووليّ حوضي وناصري على عدوّك وعدوّي ومفرّج الكرب عن وجهي ما أعطيت آدم من العلم وما أعطيت نوحاً من الحلم ، وما أعطيت إبراهيم من العترة الطيّبة والسماحة ، وما أعطيت أيوب من الصبر عند البلاء ، وما أعطيت داود من الشدّة عند منازلة الأقران ، وما أعطيت سليمان من الفهم ، لا تخف عن عليّ شيئاً من الدنيا حتّى تجعلها كلّها بين عينيه مثل المائدة الصغيرة بين يديه ، اللهمّ اعطهِ جلادة موسى واجعل في نسله شبيه عيسى ، اللهمّ إنّك خليفتي عليه وعلى عترته وذرّيته الطيّبة المطهّرة التي أذهبت عنها الرجس والنجس ، وصرفت عنها ملامسة الشيطان ، اللهمّ إن بغت قريش عليه وقدّمت غيره عليه فاجعله بمنزلة هارون إذ غاب عنه موسى.
ثمّ قال: يا عليّ كم من ولدك من ولد فاضل يقتل ، والناس قيام ينظرون لا يغيّرون ، فقبّحت اُمّة ترى أولاد نبيّها يقتلون ظلماً ولا يغيّرون ، إنّ القاتل والآمر والمساعد الذي لا يغيّر كلّهم في الإثم واللعان مشتركون ـ الحديث طويل[536] ـ.
أقول: إذا أردت تفصيل ما حدث بعد رحلة النبيّ الأعظم إلى جوار ربّه ، وذلك من خلال الروايات الشريفة فعليك بمراجعة (بحار الأنوار ، المجلّد 28 إلى 32) ، وسوف تعجب ممّـا جرى ، وتقف على حقيقة البراءة من أعداء الله ، وأ نّها الوجه الثاني للولاية ، ولا تتمّ إلاّ بها.
317 ـ عن عبد الله بن العباس قال: لمّـا حضرت النبيّ (صلى الله عليه وآله) الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطّاب ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هلمّوا أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ، فقال عمر: لا تأتوه بشيء فإنّه قد غلبه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول: قوموا يكتب لكم رسول الله ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمّـا كثر اللغط والاختلاف قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قوموا عنّي ، قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: وكان ابن عباس (رحمه الله)يقول: الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين أن يكتب لنا ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم[537].
318 ـ عن أبي رجاء العطاردي قال: لمّـا بايع الناس لأبي بكر دخل أبو ذرّ الغفاري (رضي الله عنه) المسجد فقال: أ يّها الناس ، ( إنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنوحاً وَآلَ عِمْرانَ عَلى العالَمينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْض وَاللهُ سَميعٌ عَليمٌ ) ، فأهل بيت نبيّكم هم الآل من إبراهيم ، والصفوة والسلالة من إسماعيل ، والعترة الهادية من محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فبمحمّد شرّف شريفهم ، فاستوجبوا حقّهم ، ونالوا الفضيلة من ربّهم كالسماء المبنيّة والأرض المدحيّة والجبال المنصوبة والكعبة المستورة والشمس الضاحية والنجوم الهادية والشجرة النبويّة ، أضاء زيتها وبورك ما حولها ، فمحمّد(صلى الله عليه وآله)وصيّ آدم ووارث علمه وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين وتأويل القرآن العظيم ، وعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم ووصيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) ووارث علمه وأخوه.
فما بالكم أ يّتها الاُمّة المتحيّرة بعد نبيّها ، لو قدّمتم من قدّم الله ، وخلّفتم الولاية لمن خلّفها له النبيّ ، والله لما عال وليّ الله ، ولا اختلف اثنان في حكم الله ، ولا سقط سهم من فرائض الله ، ولا تنازعت هذه الاُمّة في شيء من أمر دينها ، إلاّ وجدتم علم ذلك عند أهل بيت نبيّكم ، لأنّ الله تعالى يقول في كتابه العزيز: ( الَّذينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَتْلونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ) فذوقوا وبال ما فرّطتم ، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون[538].
أجل هذه هي الولاية ، فما أعظمها وأعظم شأنها على الاُمّة الإسلامية ، بل البشرية جمعاء فلو أقمناها وتمسّكنا بها كما هي ، لما اختلف اثنان في حكم الله ولا سقط سهم من فرائض الله ولا تنازعت هذه الامّة في شيء من أمر دينها إلاّ وجدتم علم ذلك وحقيقته عند أهل بيت النبيّ المختار الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، فهم باب الله الذي منه يؤتى.
319 ـ عن محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)قال: قلت له: إنّا نرى الرجل من المخالفين عليكم له عبادة واجتهاد وخشوع فهل ينفعه ذلك شيئاً ؟ فقال: يا محمّد إنّما مثلنا أهل البيت مثل أهل بيت كانوا في بني إسرائيل ، وكان لا يجتهد أحد منهم أربعين ليلة إلاّ دعا فاُجيب ، وإنّ رجلا منهم اجتهد أربعين ليلة ثمّ دعا فلم يستجب له ، فأتى عيسى بن مريم (عليه السلام) يشكو إليه ما هو فيه ، ويسأله الدعاء له ، فتطهّر عيسى وصلّى ثمّ دعا فأوحى الله إليه: يا عيسى إنّ عبدي أتاني من غير الباب الذي اُوتى منه ، إنّه دعاني وفي قلبه شكّ منك ، فلو دعاني حتّى ينقطع عنقه وتنتثر أنامله ما استجبت له ، فالتفت عيسى (عليه السلام)فقال: تدعو ربّك وفي قلبك شكّ من نبيّه ؟ قال: يا روح الله وكلمته قد كان والله ما قلت ، فأسأل الله أن يذهب به عنّي ، فدعا له عيسى (عليه السلام)فتقبّل الله منه وصار في حدّ أهل بيته ، كذلك نحن أهل البيت لا يقبل الله عمل عبد وهو يشكّ فينا[539].
320 ـ عن الحسين بن عليّ (عليهما السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الزموا مودّتنا أهل البيت فإنّه من لقي الله وهو يحبّنا دخل الجنّة بشفاعتنا ، والذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعمله إلاّ بمعرفتنا[540].
321 ـ عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام)قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سفر إذ نزل فسجد خمس سجدات ، فلمّـا ركب قال له بعض أصحابه: رأيناك يا رسول الله صنعت ما لم تكن تصنعه ؟ قال: نعم ، أتاني جبرئيل فبشّرني أنّ عليّاً في الجنّة ، فسجدت شكراً لله تعالى ، فلمّـا رفعت رأسي قال: وفاطمة في الجنّة فسجدت شكراً لله تعالى ، فلمّـا رفعت رأسي قال: والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة فسجدت شكراً لله تعالى ، فلمّـا رفعت رأسي قال: ومن يحبّهم في الجنّة ، فسجدت لله تعالى شكراً ، فلمّـا رفعت رأسي قال: ومن يحبّ من يحبّهم في الجنّة فسجدت شكراً لله تعالى[541].
322 ـ عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام)أ نّه قال: من أحبّنا بقلبه ونصرنا بيده ولسانه فهو معنا في الغرفة التي نحن فيها ، ومن أحبّنا بقلبه ونصرنا بلسانه فهو دون ذلك بدرجة ، ومن أحبّنا بقلبه وكفّ بيده ولسانه فهو في الجنّة[542].
323 ـ عن الحسين بن عليّ (عليهما السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الزموا مودّتنا أهل البيت فإنّه من لقى الله وهو يحبّنا دخل الجنّة بشفاعتنا ، والذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعمله إلاّ بمعرفته بحقّنا[543].
324 ـ عن عبد الله بن عباس قال: إنّ عليّ
بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس دخلوا على رسول الله (صلى الله
عليه وآله)في مرضه الذي قُبض فيه فقالوا: يا رسول الله هذه الأنصار في المسجد
تبكي رجالها ونساؤها عليك ، فقال: وما يبكيهم ؟
قالوا: يخافون أن تموت ، فقال: أعطوني أيديكم ،
فخرج في ملحفة وعصابة حتّى جلس على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ
قال: أمّا بعدُ ، أ يّها الناس !
فما
تنكرون من موت نبيّكم ؟ ألم اُنْعَ إليكم وتنع إليكم
أنفسكم ؟ لو خلّد أحد قبلي ثمّ بعث إليه ، لخُلّدت فيكم .
ألا إنّي لاحق بربّي ، وقد تركتُ فيكم ما إن تمسّكتم به لن
تضلّوا: كتاب الله تعالى بين أظهركم ، تقرؤونه صباحاً
ومساءً ، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ، وكونوا
إخواناً كما أمركم الله ، وقد خلّفت فيكم عترتي أهل بيتي وأنا اُوصيكم بهم[544].
أجل هكذا أوصى النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) بأهل بيته ولكن ماذا فعل القوم ؟ !
325 ـ المفيد بسنده عن سروان بن عثمان قال: لمّـا بايع الناس أبا بكر دخل علي (عليه السلام) والزبير والمقداد بيت فاطمة (عليها السلام) ، وأبو أن يخرجوا ، فقال عمر بن الخطاب: اضرموا عليهم البيت ناراً ، فخرج الزبير ومعه سيفه ، فقال أبو بكر: عليكم بالكلب فقصدوا نحوه ، فزلّت قدمه وسقط إلى الأرض ووقع السيف من يده ، فقال أبو بكر: اضربوا به الحجر ، فضرب بسيفه الحجر حتّى انكسر ، وخرج عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام)نحو العالية ، فلقيه ثابت بن قيس بن شماس ، فقال: ما شأنك يا أبا الحسن ؟ فقال: أرادوا أن يحرقوا عليّ بيتي وأبو بكر على المنبر يبايع له ولا يدفع عن ذلك ولا ينكره ؟ فقال له ثابت: ولا تُفارق كفّي يدك حتّى اُقتل دونك ، فانطلقا جميعاً حتّى عادا إلى المدينة ، وإذا فاطمة (عليها السلام)واقفة على بابها ، وقد خلت دارها من أحد من القوم وهي تقول: لا عهد لي بقوم أسوأ محضراً منكم ، تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ، وصنعتم بنا ما صنعتم ولم تروا لنا حقّاً[545].
أقول: هذا
إنّما هو من الظلم القليل الذي فعله القوم ، فهناك ما يشيب المرء
وتذهل
كلّ مرضعة عمّـا أرضعت من الظلم الفظيع ، وإنّهم خالفوا رسول الله وآذوه في
حياته وبعد مماته في أهل بيته ، فأحرقوا بيته وضربوا بنته سيّدة النساء فاطمة
الزهراء (عليها
السلام) ،
وكسروا ضلعها ، وأسقطوا جنينها ، وروّعوها في بعلها وبنيها ،
وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون ، والعاقبة للمتّقين شيعة أمير
المؤمنين وسيّد الوصيّين عليّ وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام).
326 ـ عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام)عن آبائه (عليهم السلام)عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): الجنّة محرّمة على الأنبياء حتّى أدخلها ، ومحرّمة على الاُمم كلّها حتّى تدخلها شيعتنا أهل البيت[546].
327 ـ عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليهما السلام)عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: نزل جبرئيل على النبيّ (صلى الله عليه وآله)فقال: إنّ الله يأمرك أن تقوم بتفضيل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)خطيباً على أصحابك ليبلّغوا من بعدهم ذلك عنك ، وقد أمر جميع الملائكة أن تسمع ما تذكره ، والله يوحي إليك يا محمّد إنّ من خالفك في أمره فله النار ، ومن أطاعك فله الجنّة.
فأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله)منادياً فنادى: الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس وخرج حتّى علا المنبر ، وكان أوّل ما تكلّم به: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم» ثمّ قال: أ يّها الناس أنا البشير وأنا النذير وأنا النبيّ الاُميّ ، إنّي مبلّغكم عن الله تعالى في أمر رجل لحمه من لحمي ودمه من دمي ، وهو عيبة العلم ، وهو الذي انتخبه الله من هذه الاُمّة واصطفاه وتولاّه وهداه وخلقني وإيّاه من طينة واحدة ، ففضّلني بالرسالة ، وفضّله بالتبليغ عنّي ، وجعلني مدينة العلم وجعله الباب ، وجعله خازن العلم والمقتبس منه الأحكام ، وخصّه بالوصيّة ، وأبان أمره ، وخوّف من عداوته ، وأوجب موالاته ، وأمر جميع الناس بطاعته ، وإنّه عزّ وجلّ يقول: من عاداه عاداني ، ومن والاه والاني ، ومن ناصبه ناصبني ، ومن خالفه خالفني ، ومن عصاه عصاني ، ومن آذاه فقد آذاني ، ومن أبغضه فقد أبغضني ، ومن أحبّه فقد أحبّني ، ومن أطاعه فقد أطاعني ، ومن أرضاه فقد أرضاني ، ومن حفظه حفظني ، ومن حاربه حاربني ، ومن أعانه أعانني ، ومن أراده أرادني ، ومن كاده فقد كادني.
أ يّها الناس اسمعوا لما آمركم به وأطيعوه ، فإنّي اُخوّفكم عقاب الله عزّ وجلّ ويوم تجد كلّ نفس ما عملت من خير محضراً ، وما عملت من سوء تودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذّركم الله نفسه.
ثمّ أخذ بيد أمير المؤمنين (عليه السلام)فقال: معاشر الناس هذا مولى المؤمنين وقاتل الكافرين وحجّة الله على العالمين ، اللهمّ إنّي قد بلّغت وهم عبادك ، وأنت القادر على صلاحهم فأصلحهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
ثمّ نزل عن المنبر ، فأتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمّد إنّ الله يقرئك السلام ويقول لك: جزاك الله عن تبليغك خيراً ، فقد بلّغت رسالات ربّك ونصحت لاُمّتك وأرضيت المؤمنين ، وأرغمت الكافرين ، يا محمّد إنّ ابن عمّك مبتلىً ومبتلى به ( وَسَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَموا أيَّ مُنْقَلَب يَنْقَلِبونَ )[547].
328 ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخذاً بيد الحسن والحسين (عليهما السلام)فقال: إنّ ابنيّ هذين ربّيتهما صغيرين ودعوت لهما كبيرين وسألت الله تعالى لهما ثلاثاً ، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة ، سألت الله لهما أن يجعلهما طاهرين مطهّرين زكيّين ، فأجابني إلى ذلك ، وسألت الله أن يقيهما وذرّيتهما وشيعتهما النار فأعطاني ذلك ، وسألت الله أن يجمع الاُمّة على محبّتهما فقال: يا محمّد إنّي قضيت قضاءً وقدّرت قدراً ، وإنّ طائفة من اُمّتك ستفي لك بذمّتك في اليهود والنصارى والمجوس ، وسيخفرون ذمّتك في وُلدك ، وإنّي أوجبت على نفسي لمن فعل ذلك ألاّ اُحلّه محلّ كرامتي ، ولا اُسكنه جنّتي ، ولا أنظر إليه بعين رحمتي إلى يوم القيامة[548].
329 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أبغض أهل البيت بعثه الله يهودياً ولو أنّ عبداً عبد الله بين الركن والمقام ألف سنة ، ثمّ لقي الله بغير ولايتنا أكبّه الله على منخريه في النار ، ومن مات لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية[549].
330 ـ عن يحيى بن عبد الله بن الحسن قال: سمعت جعفر بن محمّد (عليهما السلام)يقول ـ وعنده ناس من أهل الكوفة ـ: عجباً للناس يقولون: أخذوا علمهم كلّه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعملوا به واهتدوا ، ويرون أنّا أهل البيت لم نأخذ علمه ، ولم نهتد به ونحن أهله وذرّيته ، في منازلنا اُنزل الوحي ، ومن عندنا خرج إلى الناس العلم ، أفتراهم علموا واهتدوا ، وجهلنا وضللنا ؟ إنّ هذا محال[550].
331 ـ عن أبي هارون العبدي قال: كنت أرى الخوارج لا رأي لي غيره حتّى جلست إلى أبي سعيد الخدري (رحمه الله) فسمعته يقول: اُمِرَ الناس بخمس ، فعملوا بأربع وتركوا واحدة ، فقال له رجل: يا أبا سعيد ما هذه الأربع التي عملوا بها ؟ قال: الصلاة والزكاة والحجّ وصوم شهر رمضان ، قال: فما الواحدة التي تركوها ؟ قال: ولاية عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) . قال الرجل: وإنّها المفترضة معهن ؟ قال أبو سعيد: نعم وربّ الكعبة ، قال الرجل: فقد كفر الناس إذن ! ! قال أبو سعيد: فما ذنبي ؟[551]
332 ـ عن عبد الله بن مسعود قال: كنّا مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) في بعض أسفاره إذ هتف أعرابي بصوت جهوري فقال: يا محمّد . فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله): ما تشاء ؟ فقال: المرء يحبّ القوم ولا يعمل بأعمالهم ؟ فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): المرء مع من أحبّ.
فقال: يا محمّد ، اعرض عليّ الإسلام . فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأ نّي رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم شهر رمضان وتحجّ البيت . فقال: يا محمّد ، تأخذ على هذا أجراً ؟ فقال: لا إلاّ المودّة في القربى . قال: قرباي أو قرباك ؟ قال: بل قرباي . قال: هلمّ يدك حتّى اُبايعك لا خير فيمن لا يودّك ولا يودّ قرباك[552].
333 ـ عن الإمام الحسين (عليه السلام)قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)يخطب الناس فقال في خطبته: والله لقد بايع الناس أبا بكر وأنا أولى الناس بهم منّي بقميصي هذا ، فكظمت غيظي وانتظرت أمر ربّي ، وألصقت كلكلي بالأرض ، ثمّ إنّ أبا بكر هلك ، واستخلف عمر ، وقد علم والله أ نّي أولى الناس بهم منّي بقميصي هذا ، فكظمت غيظي ، وانتظرت أمر ربّي ، ثمّ إنّ عمر هلك ، وقد جعلهاشورى ، فجعلني سادس ستّة كسهم الجدة ، وقال: اقتلوا الأقلّ ، وما أراد غيري ، فكظمت غيظي وانتظرت أمر ربّي وألصقت كلكلي بالأرض ، ثمّ كان من أمر القوم بعد بيعتهم لي ما كان ، ثمّ لم أجد إلاّ قتالهم أو الكفر بالله[553].
[525]البحار 28: 11 ، عن أمالي المفيد: 132.
[526]المصدر: 23 ، صحيح البخاري 8: 157.
[527]البخاري ، كتاب الرقاق ، الباب 53 ، مسند أحمد 1: 439.
[528]البحار 28: 28 ، عن جامع الاُصول 11: 121.
[529]البحار 28: 15.
[530]البحار 28: 37.
[531]البحار 28: 37 ، الباب 2 إخبار الله تعالى نبيّه وإخبار النبيّ (صلى الله عليه وآله)اُمّته بما جرى على أهل بيته صلوات الله عليهم من الظلم والعدوان ، وفي الباب 43 رواية.
[532]البحار 28: 51 ، عن أمالي الصدوق: 81 .
[533]البحار 28: 61 ، عن كامل الزيارات: 259.
[534]المصدر 28: 68.
[535]المصدر ، عن المناقب 3: 203.
[536]البحار 28: 72 ، عن غيبة النعماني: 70.
[537]أمالي المفيد: 49.
[538]البحار 28: 247.
[539]أمالي المفيد: 15.
[540]المصدر نفسه: 24.
[541]المصدر نفسه: 33.
[542]أمالي المفيد: 46.
[543]المصدر: 56.
[544]المصدر: 59.
[545]أمالي المفيد: 62.
[546]المصدر: 86 .
[547]أمالي المفيد: 91.
[548]المصدر نفسه: 92.
[549]البحار 26: 201.
[550]أمالي المفيد: 135.
[551]أمالي المفيد: 153.
[552]المصدر نفسه: 167.
[553]المصدر نفسه: 169.
بالله عليك أ يّها المسلم الواعي ، لو كنت في زمن الخلف ، والله سبحانه أعطاك البصيرة التامّة ، فمن أيّ الفريقين تكون ؟ وفي أيّ المدرستين ؟ مدرسة الخلفاء أو مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ؟ وماذا أراد الله ورسوله منك ؟ وقفوهم إنّهم مسؤولون ، فعمّا تُسأل يومئذ ، وهل يحقّ لك أن تقول: ما كان في صدر الإسلام والانقلاب بعد رسول الله على الأعقاب إنّما يتعلّق بالماضي الدموي ، والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها ، ونريد إسلاماً جديداً من دون مذهب ، فيا ترى هل الإسلام إلاّ من صدره ؟ فلا بدّ أن تحدّد موقفك وخطّك ومدرستك ، وما جعل الله من قلبين في جوف واحد ، فإمّا موالاة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)والبراءة من أعدائه ، وإمّا موالاة فلان وفلان ، ولا يخفى أنّ الأصدقاء ثلاثة ، كما أنّ الأعداء ثلاثة[554]: صديقك وصديق صديقك وعدوّ عدوّك ، فإمّا أن تصدق مع أمير المؤمنين في عقيدتك ومبدئك وسلوكك وأعمالك فتواليه وتحبّه وتودّه مطيعاً متفانياً فتكون صديقه حقيقة كسلمان المحمّدي رضوان الله عليه فتنجو بموالاته (عليه السلام) ، كما تنجو بموالاة وليّه فتكون صديق صديقه ، وفي أكثر الزيارات للأئمة الأطهار (عليهم السلام)تجد هذه العبارة الشريفة «إنّي موال لوليّكم ومعاد لعدوّكم» ، وهي إشارة إلى الدرجة الثانية من المحبّة والنجاة ، وأمّا الدرجة الثالثة: فتعادي عدوّ أمير المؤمنين (عليه السلام)لتكون من أصدقائه أيضاً ، وأكثر الشيعة الكرام إنّما ينجون يوم القيامة بهذه الدرجة المباركة[555].
فأنت أ يّها القارئ الكريم: من أيّ الحزبين ؟ وتلميذ أيّ المدرستين ؟ ومن توالي وتحبّ ؟ والمرء مع من أحبّ ، وهل الدين إلاّ الحبّ والبغض ؟ !
334 ـ عن الحسن بن سلمة قال: لمّـا بلغ أمير المؤمنين صلوات الله عليه مسير طلحة والزبير وعائشة من مكّة إلى البصرة نادى: الصلاة جامعة ، فلمّـا اجتمع الناس حمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال: أمّا بعد فإنّ الله تبارك وتعالى لمّـا قبض نبيّه (صلى الله عليه وآله) قلنا: نحن أهل بيته وعصبته وورثته وأولياؤه وأحقّ خلائق الله به ، لا ننازع حقّه وسلطانه ، فبينما نحن على ذلك إذ نفر المنافقون ، فانتزعوا سلطان نبيّنا (صلى الله عليه وآله)منّا ، وولّوه غيرنا ، فبكت لذلك والله العيون والقلوب منّا جميعاً ، وخشّنت والله الصدور ، وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعودوا إلى الكفر ويعوّر الدين ، لكنّا قد غيّرنا ذلك ما استطعنا.
وقد ولي ذلك ولاة ، ومضوا لسبيلهم ، وردّ الله الأمر إليّ ، وقد بايعني هذان الرجلان طلحة والزبير فيمن بايعني ، وقد نهضا إلى البصرة ليفرّقا جماعتكم ، ويلقيا بأسكم بينكم ، اللهمّ فخذهما بغشّهما لهذه الاُمّة ، وسوء نظرهما للعامّة.
فقام أبو
الهيثم بن التيهان (رحمه الله) وقال: يا أمير المؤمنين ،
إنّ حسد قريش إيّاك على وجهين: أمّا خيارهم فحسدوك منافسة في
الفضل ، وارتفاعاً في الدرجة ، وأمّا أشرارهم فحسدوك حسداً أحبط الله به
أعمالهم ، وأثقل به أوزارهم ، وما رضوا أن يساووك حتّى أرادوا أن
يتقدّموك ، فبعُدت عليهم الغاية ، وأسقطهم المضمار ، وكنت أحقّ
قريش بقريش ، نصرت نبيّهم حيّاً ، وقضيت عنه الحقوق ميّتاً ، والله
ما بغيهم
إلاّ
على أنفسهم ، ونحن أنصارك وأعوانك ، فمرنا بأمرك . ثمّ أنشأ
يقول:
إنّ قوماً بغو عليك وكادوك *** وعابوك بالاُمور القباحِ
ليس من عيبها جناح بعوض *** فيك حقّاً ولا كعشر جناحِ
أبصر وأنعم عليك من الله و *** قرماً يدقّ قرن النطاحِ
وإماماً تأوى الاُمور إليهِ *** ولجاماً يلينُ غربَ الجماحِ
حاكماً تجمع الإمامة فيه *** هاشمياً له عِراض البِطاحِ
حسداً للذي أتاك من الله *** وعادوا إلى قلوب قراحِ
ونفوس هناك يكنُهُ حجبُ الغيب *** ومن مظهر العداوة لاحِ
يا وصيّ النبيّ نحن من الحـ *** ـقّ على مثل بهجة الإصباحِ
فخذ الأوس والقبيل من الخز *** رج بالطعن في الوغى والكفاحِ
ليس منّا من لم يكن لك في اللـ *** ـه وليّاً على الهدى والفلاحِ
فجزاه أمير المؤمنين (عليه السلام)خيراً ، ثمّ قام الناس بعده فتكلّم كلّ واحد بمثل مقاله[556].
335 ـ عن سلمان الفارسي (رحمه الله)قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم عرفة فقال: أ يّها الناس إنّ الله باهى بكم في هذا اليوم ليغفر لكم عامّة ، ويغفر لعليّ خاصّة ، ثمّ قال: اُدن منّي يا عليّ ، فدنا منه ، فأخذ بيده ، ثمّ قال: إنّ السعيد كلّ السعيد حقّ السعيد من أطاعك وتولاّك من بعدي ، وإنّ الشقيّ كلّ الشقيّ حقّ الشقيّ من عصاك ونصب لك عداوة من بعدي[557].
ولا يخفى أنّ الأعداء
ثلاثة: عدوّك وصديق عدوّك وعدوّ صديقك ، فمن
يوالي
ويتبع ويؤمن بعدوّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فلان وفلان ،
فإنّه بهذا نصب العداوة من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير
المؤمنين علي (عليه
السلام) ،
وهذا المعنى يجري من صدر الإسلام إلى يوم القيامة ، لعموم النبوّة
والإمامة ، فيكون الإنسان حينئذ في خسر ، وإنّه الشقيّ كلّ الشقيّ حقّ
الشقيّ.
فمن تتولّى من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ وهل بعد الحقّ إلاّ الضلال ؟ ! !
هذه هي الولاية التي ندعو العالم والبشرية إليها ، فإنّها السعادة الحقّة الخالدة والهداية الإلهيّة والحياة الطيّبة والكلمة الصادقة.
336 ـ عن جابر الأنصاري قال: أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت: يا رسول الله من وصيّك ؟ قال: فأمسك عنّي عشراً لا يجيبني ثمّ قال: يا جابر ألا اُخبرك عمّـا سألتني ؟ فقلت: بأبي واُمّي أنت ، أما والله لقد سكت عنّي حتّى ظننت أ نّك وجدت عليّ . فقال: ما وجدت عليك يا جابر ، ولكن كنت أنتظر ما يأتيني من السماء فأتاني جبرئيل (عليه السلام)فقال: يا محمّد ، إنّ ربّك يقرئك السلام يقول لك: إنّ عليّ بن أبي طالب وصيّك وخليفتك على أهلك واُمّتك والذائد عن حوضك وهو صاحب لوائك يقدمك إلى الجنّة . فقلت: يا نبيّ الله ، أرأيت من لا يؤمن بهذا أقتِلهُ ؟ قال: نعم يا جابر ، ما وضع هذا الموضع إلاّ ليتابع عليه ، فمن تابعه كان معي غداً ، ومن خالفه لم يرد عليّ الحوض أبداً[558].
337 ـ عن أبي عقيل قال: كنّا عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فقال لتفرقن هذه الاُمّة على ثلاث وسبعين فرقة ، والذي نفسي بيده إنّ الفرق كلّها ضالّة ، إلاّ من اتّبعني وكان من شيعتي[559].
338 ـ عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)لعليّ (عليه السلام): يا عليّ ، أنت منّي وأنا منك ، وليّك وليّي ووليّي وليّ الله ، وعدوّك عدوّي وعدوّي عدوّ الله ، يا عليّ ، أنا حرب لمن حاربك ، وسلم لمن سالمك ، يا عليّ ، لك كنز في الجنّة وأنت ذر قرنيها ، يا عليّ ، أنت قسيم الجنّة والنار ، لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفك وعرفته ، ولا يدخل النار إلاّ من أنكرك وأنكرته ، يا عليّ ، أنت والأئمة من ولدك على الأعراف يوم القيامة تعرف المجرمين بسيماهم ، والمؤمنين بعلاماتهم ، يا عليّ ، لولاك لم يعرف المؤمنون بعدي[560].
339 ـ عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين ، عن أبيه عن جدّه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام): يا عليّ ، أنا وأنت وابناك الحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين أركان الدين ودعائم الإسلام ، من تبعنا نجا ، ومن تخلّف عنّا فإلى النار[561].
340 ـ عن حنش بن المعتمر ، قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو في الرحبة ـ من محلاّت الكوفة ـ متّكئاً ، فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، كيف أصبحت ؟ قال: فرفع رأسه وردّ عليّ وقال: أصبحت محبّاً لمحبّنا ، صابراً على بغض من يبغضنا ، إنّ محبّنا ينتظر الروح والفرج في كلّ يوم وليلة ، وإنّ مبغضنا بنى بناءً فأسس بنيانه على شفا جرف هار ، فكان بنيانه قد هار فانهار به في نار جهنّم.
يا أبا المعتمر ، إنّ محبّنا لا يستطيع أن يبغضنا ، وإنّ مبغضنا لا يستطيع أن يحبّنا ، إنّ الله تبارك وتعالى جبل قلوب العباد على حبّنا وخذل من يبغضنا فلن يستطيع محبّنا بغضنا ، ولن يستطيع مبغضنا حبّنا ، ولن يجتمع حبّنا وحبّ عدوّنا في قلب واحد وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، يحبّ بهذا قوماً ، ويحبّ بالآخر أعداءهم[562].
341 ـ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)قال: أنا شجرة وفاطمة فرعها وعليّ لقاحها والحسن والحسين ثمرتها ومحبّوهم من اُمّتي ورقها[563].
342 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): أما والله لو أنّ رجلا صفّ قدميه بين الركن والمقام مصلّياً ولقى الله ببغضكم أهل البيت لدخل النار[564].
343 ـ عن محمّد بن زيد الطبري قال: كنت قائماً على رأس الرضا عليّ ابن موسى (عليه السلام) بخراسان وعنده جماعة من بني هاشم منهم إسحاق بن العباس ابن موسى فقال له: يا إسحاق ، بلغني أ نّكم تقولون: إنّا نقول: إنّ الناس عبيد لنا ، لا وقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله)ما قلته قطّ ، ولا سمعته من أحد من آبائي ، ولا بلغني عن أحد منهم قاله ، لكنّا نقول: الناس عبيد لنا في الطاعة ، موال لنا في الدين ، فليبلغ الشاهد الغائب[565].
344 ـ في كتاب أمير المؤمنين علي (عليه السلام)لأهل مصر لمّـا ولّى محمّد بن أبي بكر: «... يا عباد الله ، إن اتّقيتم الله ، وحفظتم نبيّكم في أهل بيته فقد عبدتموه بأفضل ما عبد وذكرتموه بأفضل ما ذكر ، وشكرتموه بأفضل ما شكر ، وأخذتم بأفضل الصبر والشكر ، واجتهدتم بأفضل الاجتهاد ، وإن كان غيركم أطول منكم صلاة ، وأكثر منكم صياماً ، فأنتم أتقى لله عزّ وجلّ منهم ، وأنصح لاُولي الأمر[566].
345 ـ عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام)قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: أين خليفة الله في أرضه ؟ فيقوم داود النبيّ (عليه السلام) فيأتي النداء من عند الله عزّ وجلّ لسنا إيّاك أردنا وإن كنت لله خليفة . ثمّ ينادي ثانية: أين خليفة الله في أرضه ؟ فيقوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فيأتي النداء من قبل الله عزّ وجلّ ، يا معشر الخلائق هذا علي بن أبي طالب خليفة الله في أرضه وحجّته على عباده ، فمن تعلّق بحبله في دار الدنيا فليتعلّق بحبله في هذا اليوم ليستضيء بنوره ، وليتبعه إلى الدرجات العلى من الجنان.
قال: فيقوم اُناس قد تعلّقوا بحبله في الدنيا فيتبعونه إلى الجنّة ، ثمّ يأتي النداء من عند الله جلّ الجلالة: ألا من ائتمّ بإمام في دار الدنيا فليتبعه إلى حيث شاء ويذهب به ، فحينئذ ( يَتَبَرَّأ الَّذينَ اتُّبِعوا مِنَ الَّذينَ اتَّبَعوا وَرَأوا العَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبابُ وَقالَ الَّذينَ اتَّبَعوا لَوْ أنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأُ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّأوا مِنَّا كَذلِكَ يُريهمُ اللهُ أعْمالَهُمْ حَسَرات عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجينَ مِنَ النَّارِ )[567].
346 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام)قال: لمّـا نزلت على النبيّ (صلى الله عليه وآله): ( إذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ ) قال لي: يا عليّ ، إنّه قد جاء نصر الله والفتح ، فإذا رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبّح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان توّاباً.
يا عليّ ، إنّ الله قد كتب على المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدي كما كتب عليهم جهاد المشركين معي . فقلت: يا رسول الله ، وما الفتنة التي كتب علينا فيها الجهاد ؟ قال: فتنة قوم يشهدون أن لا إله إلاّ الله وأ نّي رسول الله وهم مخالفون لسنّتي وطاعنون في ديني ، فقلت: فعلام نقاتلهم يا رسول الله ؟ وهم يشهدون أن لا إله إلاّ الله وأ نّك رسول الله ؟ فقال: على إحداثهم في دينهم وفراقهم لأمري ، واستحلالهم دماء عترتي.
قال: فقلت: يا رسول الله ، إنّك كنت وعدتني الشهادة ، فسل الله تعالى أن يعجّلها ] لي [ ، فقال: أجل ، قد كنت وعدتك الشهادة ، فكيف صبرك إذا خضّبت هذه من هذا ـ وأومأ إلى رأسي ولحيتي ـ ؟ فقلت: يا رسول الله أمّا إذا بيّنت لي ما بيّنت فليس بموطن صبر ، ولكنّه موطن بشري وشكر ، فقال: أجل ، فأعدّ للخصومة ، فإنّك تخاصم اُمّتي ، قلت: يا رسول الله أرشدني الفلج ، قال: إذا رأيت قوماً قد عدلوا عن الهدى إلى الضلال فخاصمهم ، فإنّ الهدى من الله ، والضلال من الشيطان.
يا عليّ ، إنّ الهدى هو اتباع أمر الله دون الهوى والرأي ، وكأ نّك بقوم قد تأوّلوا القرآن ، وأخذوا بالشبهات ، واستحلّوا الخمر بالنبيذ ، والبخس بالزكاة ، والسحت بالهدية ، قلت: يا رسول الله ، فما هم إذا فعلوا ذلك ، أهم أهل ردّة أم أهل فتنة ؟ قال: هم أهل فتنة ، يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل ، فقلت: يا رسول الله العدل منّا أم من غيرنا ؟ فقال: بل منّا ، بنا يفتح الله وبنا يختم ، وبنا أ لّف الله بين القلوب بعد الشرك ، وبنا يؤلّف الله بين القلوب بعد الفتنة ، فقلت: الحمد لله على ما وهب لنا من فضله[568].
347 ـ عن أبي الورد قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) يقول: إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد من الأوّلين والآخرين عراة حفاة فيوقفون على طريق المحشر حتّى يعرقوا عرقاً شديداً ويشتدّ أنفاسهم ، فيمكثون بذلك ما شاء الله ، وذلك قوله تعالى: ( فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْساً ).
قال: ثمّ ينادي مناد من تلقاء العرش: أين النبيّ الاُمّي ؟ قال: فيقول الناس قد أسمعت ] كلا [ فسمّ باسمه ، قال: فينادي: أين نبيّ الرحمة محمّد بن عبد الله ، قال: فيقوم رسول الله (صلى الله عليه وآله)فيقف أمام الناس كلّهم حتّى ينتهي إلى حوض طوله ما بين أبلة ـ في الشام ـ وصنعاء ـ في اليمن ـ فيقف عليه ، ثمّ ينادي بصاحبكم فيقوم أمام الناس ، فيقف معه ، ثمّ يؤذن للناس فيمرّون.
قال أبو جعفر(عليه السلام): فبين وارد يومئذ وبين مصروف، فإذا رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله)من يصرف عنه من محبّينا أهل البيت بكى وقال: يا ربّ شيعة علي يا ربّ شيعة عليّ ، قال: فيبعث الله إليه ملكاً فيقول ] له [: ما يبكيك يا محمّد ؟ قال: وكيف لا أبكي لاُناس من شيعة أخي علي بن أبي طالب ، أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النار ، ومنعوا من ورود حوضي ؟ ! قال: فيقول الله عزّ وجلّ: يا محمّد إنّي قد وهبتهم لك وصفحت لك عن ذنوبهم ، وألحقتهم بك وبمن كانوا يتولّون من ذرّيتك ، وجعلتهم في زمرتك ، وأوردتهم حوضك ، وقبل شفاعتك فيهم ، وأكرمتك بذلك.
ثمّ قال أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين (عليهم السلام): فكم من باك يومئذ وباكية ينادون يا محمّداه إذا رأوا ذلك ، فلا يبقى أحد يومئذ كان يتولاّنا ويحبّنا إلاّ كان في حزبنا ومعنا وورد حوضنا[569].
348 ـ عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): معاشر الناس أحبّوا عليّاً فإنّ لحمه لحمي ودمه دمي ، لعن الله أقواماً من اُمّتي ضيّعوا فيه عهدي ونسوا فيه وصيّتي ، ما لهم عند الله من خلاق[570].
349 ـ عن عبد الله بن العباس قال: لمّـا نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ( إنَّا أعْطَيْناكَ الكَوْثَرَ ) قال له عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): ما هو الكوثر يا رسول الله ؟ قال: نهر أكرمني الله به . قال عليّ (عليه السلام): إنّ هذا النهر شريف ، فانعته لنا يا رسول الله . قال: نعم يا عليّ ، الكوثر نهر يجري تحت عرش الله عزّ وجلّ ، ماؤه أشدّ بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ، حصاؤه الزبرجد والياقوت والمرجان ، حشيشه الزعفران ، ترابه المسك الأذفر ، قواعده تحت عرش الله عزّ وجلّ . ثمّ ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده على جنب أمير المؤمنين (عليه السلام)وقال: يا عليّ ، إنّ هذا النهر لي ولك ولمحبّيك من بعدي.
أقول: الكوثر في سورة الكوثر بمعاني ومصاديق عديدة فإنّه بمعنى الشيء الكثير ـ الكثير من كلّ خير ـ النعم الجمّة ، كثرة الفضائل ، فضلناك على العالمين ، فضّلناك على الأنبياء والرسل فأنت سيّدهم ، جعلنا رسالتك أفضل الرسالات ، القرآن باق إلى آخر الدنيا نعمة التحدّي ونعمة البقاء ونعمة المحافظة فلا يتغيّر ولا يحرّفه المتلاعبون الذين يكتبون بأيديهم ولا يبدّلونه ( وَإنَّا لَهُ لَحافِظونَ ) كما تغيّرت وحرّفت كتب الرسل من قبلك . منك النسل الكثير والذرّية عوضاً عن أولادك الثلاثة الذين ماتوا وهم صغار ، نهر لك خاصّ في الجنّة يسمّى الكوثر مميّز على باقي أنهار الجنّة ، حوض ماء عذب في يوم القيامة يوم الفزع الأكبر يوم العطش والجوع لعامة البشرية وهو بين يديك يا رسول الله تسقي بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام)الظمأ لمن أحببت ولمن شئت . وهو من أعظم النعم ومظهر الكرم حيث يشحّ عن الآخرين ويعطش وأنت تهب لمن تشاء ماءً حلواً من حوضك (الكوثر) تروي الموالين كي لا يظمأوا بعدها أبداً ويبرد فؤادهم وينطفي عنهم لهيب الحرّ القائض الشديد ويسكن روعهم من الهول الأعظم ويُزال منهم الذهول الذي يصيب كلّ شخص ، في اُمّتك خير العلماء أعطيناك الحكمة ، أنت سيّد الكونين ، السخيّ صاحب يد كثيرة الخير ، وغيرها من معاني الكوثر.
وقد جاء وصف نهر الكوثر في الروايات: عن الرسول (صلى الله عليه وآله)قال: إنّ الله أكرمني به دون الأنبياء ، وإنّه ما بين أبلة إلى صنعاء ، يسيل فيه خليجان من الماء ماؤهما أبيض من اللبن وأحلى من العسل ، بطحاؤهما مسك أذفر ، حصباؤهما الدرّ والياقوت ، شرط مشروط من ربّي لا يردهما إلاّ الصحيحة نيّاتهم ، النقيّة قلوبهم ، الذين يعطون ما عليهم في يسر ولا يأخذون ما لهم في عسر ، المسلّمون للوصيّ من بعدي ، يذود من ليس من شيعته ، وهناك أوصاف اُخر.
الكوثر بمعنى فاطمة الزهراء والنسل الكثير ليقابل الأبتر في النسل لشانئ النبيّ الأعظم وهو (العاص بن وائل) فهو أبتر النسل والخير والذكر ، فإنّا أعطيناك الكوثر يا رسول الله فاطمة الزهراء الكوثر والتي منها الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ومنهم نسل الرسول الكثير.
وجميع معاني الكوثر التي سردها المفسّرون وغير ما ذكروه هو حاصل للرسول سواء قبل النزول للسورة أو بعدها ، وسواء في الحياة الدنيا أو في يوم القيامة ، أو في الجنّة ، والذي ذكره المفسّرون قليل في حقّ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)[571].
350 ـ روى الحنفي في ينابيعه عن ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة: إنّ رسول الله قال: يا عليّ ، إنّ الله قد غفر لك ولذرّيتك ولولدك ولأهلك ولشيعتك ولمحبّي شيعتك فأبشر ... وأنت وشيعتك تردون عليّ الحوض رواء مرويّين مبيضّة وجوهكم ، وإنّ عدوّك يردون عليّ الحوض ضماء مقمحين.
ومن مصاديق الكوثر الأتمّ ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) كما ورد في الروايات ، رزقنا الله التمسّك بهدي الرسول وولاية عليّ وشفاعة الكوثر الزهراء البتول (عليهم السلام).
والكوثر عطاء في عالم الذرّ حيث إضفاء النور على المحبّين ، وفي عالم الأرواح حيث إضفاء على الموالين ، وفي عالم الدنيا حيث إعطاء البركة على الشيعة التابعين ، وفي عالم المحشر حيث الشفاعة والنجاة ممّن تفطمهم أجمعين ، وفي الجنّة حيث الإكرام والضيافة عند المعصومين . فالكوثر بقاء وعطاء غير مجذوذ ولا محدود ، وهو كوثر متنامي غير متناهي[572].
351 ـ محمّد بن إسحاق قال: سمعت جعفر بن محمّد (عليهما السلام)يقول: نحن خيرة الله من خلقه وشيعتنا خيرة الله من اُمّة نبيّه (صلى الله عليه وآله)[573].
352 ـ عن هشام بن حسان قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن علي (عليه السلام) يخطب الناس بعد البيعة له بالأمر فقال: نحن حزب الله الغالبون ، وعترة رسوله الأقربون ، وأهل بيته الطيّبون الطاهرون ، وأحد الثقلين اللذين خلّفهما رسول الله (صلى الله عليه وآله)في اُمّته ، والتالي كتاب الله فيه تفصيل كلّ شيء ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فالمعوّل علينا في تفسيره ، لا نتظنّى تأويله بل نتيقّن حقائقه ، فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة ، إذ كانت بطاعة الله عزّ وجلّ ورسوله مقرونة ، قال الله عزّ وجلّ: ( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسولَ وَاُولي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإنْ تَنازَعْتُمْ في شَيْء فَرُدُّوهُ إلى اللهِ وَالرَّسولِ ) ( وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسولِ وَإلى اُولي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذينَ يَسْتَنْبِطونَهُ مِنْهُمْ ) واُحذّركم الإصغاء لهتاف الشيطان بكم فإنّه لكم عدوّ مبين ، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم: ( لا غالِبَ لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّـا تَراءَتِ الفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إنِّي بَريءٌ مِنْكُمْ إنِّي أرى ما لا تَرَوْنَ ) فتلقون إلى الرماح وزراً ، وإلى السيوف جزراً ، وللغمد حَطَماً ، وللسهام غرضاً ، ثمّ ( لا يَنْفَعُ نَفْساً إيْمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أوْ كَسَبَتْ في إيْمانِها خَيْراً )[574].
أجل يا من تسألني عن الولاية ، فهذه هي الولاية العظمى ، إنّها الإيمان بالله ورسوله وعترته الطاهرين (عليهم السلام) ، ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل بالولاية أو كسبت في إيمانها خيراً . وخير العمل الولاية ، وقد نظافرت وتواترت وكثرت الروايات المسندة عن النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) وعن أهل بيته الأطهار (عليهم السلام) ، وتكاثرت المؤلفات والمصنّفات حول الولاية وأ نّها من الحقّ العظيم على الإنسان ، وإنّها المحور والفصل بين الحقّ والباطل ، وبها نجا الموالون وعرف المنافقون ، وإنّما أصل من اُصول الدين من أنكرها أو شكّ فيها كان كافراً لا محال لمخالفة نصوص القرآن الكريم وسنّة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله).
فما أكثر النصوص الصريحة والصحيحة في هذا المضمار من اليوم الأوّل في دعوة النبيّ من يوم الدار والإنذار ومخالفة كفّار قريش إلى اليوم الأخير من حياة النبيّ يوم الدار أيضاً ومخالفة الرجل وقوله إنّ النبيّ ليهجر ـ والعياذ بالله ، فإنّه لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ـ.
قد قرن الله سبحانه وتعالى ولاية مولانا وإمامنا أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين علي بن أبي طالب (عليه السلام)بولايته وولاية الرسول الأعظم بقوله تعالى: ( إنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسولُهُ وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسولَهُ وَالَّذينَ آمَنوا فَإنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغالِبونَ ).
353 ـ أخرج الطبري والزمخشري والقرطبي والثعلبي والواحدي والحسكاني والسيوطي في درّه وغيرهم بإسناده عن أبي ذرّ وغيره قال: أما إنّي صلّيت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً من الأيام الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يُعطه أحد شيئاً فرفع السائل يديه إلى السماء وقال: اللهمّ اشهد أ نّي سألت في مسجد نبيّك محمّد (صلى الله عليه وآله)فلم يعطني أحدٌ شيئاً ، وكان عليّ (رضي الله عنه) في الصلاة راكعاً ، فأومأ إليه بخنصره اليمنى وفيه خاتم ، فأقبل السائل فأخذ الخاتم من خنصره وذلك بمرأى من النبيّ (صلى الله عليه وآله) وهو في المسجد فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) طرفه إلى السماء وقال: «اللهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال: ( رَبِّ اشْرَحْ لي صَدْري وَيَسِّرْ لي أمْري وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِساني يَفْقَهوا قَوْلي وَاجْعَلْ لي وَزيراً مِنْ أهْلي هارونَ أخي اشْدُدْ بِهِ أزْري وَاُشْرِكْهُ في أمْري ) فأنزلت عليه قرآناً ( سَنَشُدّ عَضُدَكَ بِأخيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلـْطاناً فَلا يَصِلونَ إلَيْكُما ) اللهمّ وإنّي محمّد نبيّك وصفيّك ، اللهمّ اشرح صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً اشدد به ظهري» ، فما استتمّ دعاءه حتّى نزل جبرئيل (عليه السلام) من عند الله عزّ وجلّ وقال: يا محمّد اقرأ ( إنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرسولُه وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعونَ ).
فأنشأ حسّان بن ثابت يقول أبياتاً منها قوله:
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي *** وكلّ بطيء في الهوى ومسارعِ
فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكعٌ *** فدتك نفوس القوم يا خير راكعِ
فأنزل فيك الله خير ولاية *** فأثبتها في محكمات الشرائعِ[575]
هذا ومن النصوص المتواترة عند الفريقين ـ السنّة والشيعة ـ حديث الغدير وحديث المنزلة وحديث الطائر وحديث الثقلين وغيرها ، كما ذكرت لك جملة منها في هذا الكتاب ، ولمزيد اليقين وزيادة الإيمان ورسوخ العقيدة لا زلت معك أ يّها القارئ الكريم في أحاديث الولاية العظمى المتمثّلة بولاية الله ورسوله وولاية أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين عليهم صلوات الله أجمعين أبد الآبدين.
354 ـ قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): إنّ الله عرض أمانتي على الأرضين ، فكلّ بقعة آمنت بولايتي جعلها طيّبة زكيّة ، وجعل نباتها وثمرها حلواً عذباً ، وجعل ماؤها زلالا ، وكلّ بقعة جحدت إمامتي وأنكرت ولايتي جعلها سبخاً ، وجعل نباتها مرّاً علقماً ، وجعل ثمرها العوسج والحنظل وجعل ماءها ملحاً اُجاجاً[576].
355 ـ قال الإمام الرضا (عليه السلام) في شأن يوم الغدير: وفي يوم الغدير عرض الله الولاية على أهل السماوات السبع فسبق إليها أهل السماء السابعة فزيّن بها العرش ، ثمّ سبق إليها أهل السماء الرابعة فزيّنها بالبيت المعمور ، ثمّ سبق إليها أهل السماء الدنيا فزيّنها بالكواكب ، ثمّ عرضها على الأرضين فسبقت مكّة فزيّنها بالكعبة ، ثمّ سبقت إليها المدينة فزيّنها بالمصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ سبقت إليها الكوفة فزيّنها بأمير المؤمنين (عليه السلام) ، وعرضها على الجبال ، فأوّل جبل أقرّ بذلك ثلاثة جبال: جبل العقيق وجبل الفيروزج وجبل الياقوت ، فصارت هذه الجبال جبالهنّ وأفضل الجواهر . ثمّ سبقت إليها جبال اُخر فصارت معادن الذهب والفضّة ، وما لم يقرّ بذلك ولم يقبل صارت لا تنبت شيئاً ، وعرضت في ذلك اليوم على المياه فما قبل منه صار عذباً ، وما أنكر صار ملحاً اُجاجاً ، وعرضها في ذلك اليوم على النباتات فما قبله صار حلواً طيّباً ، وما لم يقبل صار مرّاً . ثمّ عرضها في ذلك اليوم على الطير فما قبلها صار فصيحاً مصوّتاً ، وما أنكرها صار أخرس مثل اللكن[577].
356 ـ وقال رسول الله لأمير المؤمنين: إنّ الله تبارك وتعالى أخذ عقد مودّتنا على كلّ حيوان ونبت ، فما قبل الميثاق كان عذباً طيّباً ، وما لم يقبل الميثاق كان ملحاً زعاقاً[578].
357 ـ عن جابر الأنصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ الله تعالى لمّـا خلق السماوات والأرض دعاهنّ فأجبنه فعرض عليهن نبوّتي وولاية عليّ بن أبي طالب فقبلناهما ، ثمّ خلق الخلق وفوّض إلينا أمر الدين ، فالسعيد من سعد بنا ، والشقيّ من شقي بنا ، نحن المحلّلون لحلاله والمحرّمون لحرامه[579].
358 ـ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)قال: أتاني جبرئيل (عليه السلام) فقال: تختّموا بالعقيق فإنّه أوّل حجر أقرّ لله بالوحدانية ولي بالنبوّة ولعليّ ولولده بالولاية.
قال العلاّمة المجلسي في بيان الأخبار الواردة فيما أقرّ من الجمادات والنباتات بولايتهم (عليهم السلام): أقول: هذه الأخبار وأمثالها من المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلاّ الله والراسخون في العلم ، ولا بدّ من مثلها من التسليم وردّ تأويلها إليهم (عليهم السلام) ، ويمكن أن يقال: لعلّ الله تعالى أعطاها شعوراً وكلّفها بالولاية ثمّ سلبه عنها ، ويخطر بالبال أ نّه يحتمل أن تكون استعارة تمثيليّة لبيان حسن بعض الأشياء وشرافتها وقبح بعض الأشياء ورداءتها ، فإنّ للأشياء الحسنة والشريفة من جميع الأجناس والأنواع مناسبة من جهة حسنها ، وللأشياء القبيحة والرذيلة مناسبة من جهة قبحها ، فكلّ ما له جهة شرافة وفضيلة وحسن فهي منسوبة إلى أشرف الأشارف ، محمّد وأهل بيته صلوات الله عليهم ، فكأ نّه أخذ ميثاق ولايتهم عنها وقبلتها . أو المراد: إنّها لو كانت لها مدركة لكانت تقبلها ، وكذا كلّ ما له جهة رذالة وخباثة وقبح فهي بأجمعها منسوبة إلى أخبث الأخابث أعداء أهل البيت (عليهم السلام) ومبائنة لهم (عليهم السلام) ، فكأ نّه أخذ ميثاقهم عنها فأبت ، وأخذ ميثاق أعدائهم عنها فقبلت ، أو المعنى أ نّها لو كانت ذوات شعور وأخذ ميثاقهم عنها لكانت تأبى وأخذ ميثاق أعدائهم عنها لكانت تقبل . انتهى كلامه[580].
أجل هذه هي الولاية العظمى ، التي هي سرّ الوجود ، وأصل السجود ، ومظهر المعبود ، وكعبة المقصود.
359 ـ ومن مظاهرها الغنى ، فقد أرسل عثمان إلى أبي ذرّ عليه الرحمة موليين له ومعهما مئتا دينار ، فلم يقبلها أبو ذرّ ، وردّ المال إليه ، وقال: قد أصبحت غنيّاً بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)وعترته الهادين المهديّين[581].
360 ـ وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): من أقرّ بولايتي فقد فاز ، ومن أنكر ولايتي فقد خاب وخسر.
361 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شأن أمير المؤمنين (عليه السلام): من أخذ بولايته هداه الله ، ومن ترك ولايته أضلّه الله[582].
362 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): والله يا عليّ ما خلقت إلاّ ليعبد ربّك ، وليُعرف بك معالم الدين ، ويصلح بك دارس السبيل ، ولقد ضلّ من ضلّ عنك ، ولن يهدى إلى الله عزّ وجلّ من لم يهتدِ إليك وإلى ولايتك[583].
363 ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام): والله ما استوجب آدم أن يخلقه الله بيده وينفخ فيه من روحه إلاّ بولاية علي (عليه السلام) ، ولا أقام الله عيسى بن مريم آية للعالمين إلاّ بالخضوع لعليّ (عليه السلام)[584].
364 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي نفسي بيده ، ما كلّم الله موسى تكليماً ، ولا أقام عيسى آية للعالمين إلاّ بنبوّتي ومعرفة علي بعدي ، والذي نفسي بيده ما تنبّأ نبيّ قطّ ، إلاّ بمعرفته والإقرار لنا بالولاية[585].
365 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا عليّ ، تختّم باليمين ، فإنّها فضيلة من الله عزّ وجلّ للمقرّبين . فقال علي (عليه السلام): بِمَ أتختّم يا رسول الله ؟ قال: بالعقيق الأحمر ، فإنّه أوّل جبل أقرّ لله عزّ وجلّ بالوحدانيّة ، ولي بالنبوّة ، ولك بالوصيّة ، ولولدك بالإمامة ، ولشيعتك بالجنّة ، ولأعدائك بالنار[586].
366 ـ قال عبد الرحمن بن سمرة: قلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله ، أرشدني إلى النجاة . فقال: يا بن سمرة ، إذا اختلفت الأهواء وتفرّقت الآراء ، فعليك بعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، فإنّه إمام اُمّتي وخليفتي عليهم من بعدي ، وهو الفاروق الذي يميز به بين الحقّ والباطل ، من سأله أجابه ومن استرشده أرشده ، ومن طلب الحقّ عنده وجده ، ومن التمس الهدى لديه صادفه ، ومن لجأ إليه آمنه ، ومن استمسك به نجّاه ، ومن اقتدى به هداه . يا بن سمرة ، سلم منكم من سلم له ووالاه ، وهلك من ردّ عليه وعاداه[587].
367 ـ جاء في الحديث: أنّ آدم (عليه السلام)رفع رأسه فرأى في العرش مكتوباً: لا إله إلاّ الله ، محمد نبيّ الرحمة ، وعليّ مقيم الحجّة ، من عرف علي زكا وطاب ، ومن أنكر حقّه لعن وخاب[588].
368 ـ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن جبرائيل عن ميكائيل عن إسرافيل عن الله جلّ جلاله أ نّه قال: أنا الله لا إله إلاّ أنا ، خلقت الخلق بقدرتي ، فاخترت منهم من شئت من أنبيائي ، واخترت من جميعهم محمداً حبيباً وخليلا وصفيّاً ، فبعثته رسولا إلى خلقي ، واصطفيت له علياً ، فجعلته له أخاً ووصيّاً ووزيراً ومؤدّياً عنه من بعده إلى خلقي وخليفتي على عبادي ليبيّن لهم كتابي ، ويسير فيهم بحكمي ، وجعلته العلم الهادي من الضلالة وبابي الذي اُوتى منه ، وبيتي الذي من دخله كان آمناً من ناري ، وحصني الذي من لجأ إليه حصّنه من مكروه الدنيا والآخرة ، ووجهي الذي من توجّه إليه لم أصرف وجهي عنه ، وحجّتي في السماوات والأرضين على جميع من فيهنّ من خلقي ، لا أقبل عمل عامل منهم إلاّ بالإقرار بولايته ، مع نبوّة أحمد رسولي ، وهو يدي المبسوطة على عبادي ، وهو النعمة التي أنعمت بها على من أحببته من عبادي ، فمن أحببته من عبادي وتولّيته عرّفته ولايته ومعرفته ، ومن أبغضته من عبادي أبغضته ، لانصرافه عن معرفته وولايته . فبعزّتي حلفت ، وبجلالي أقسمت ، أ نّه لا يتولّى عليّاً عبد من عبادي إلاّ زحزحته عن النار وأدخلته الجنّة ، ولا يبغضه عبد من عبادي ، ويعدل عن ولايته ، إلاّ أبغضته وأدخلته النار وبئس المصير[589].
[554]الأعداء ثلاثة: عدوّك وصديق عدوّك وعدوّ صديقك ، ورد هذا المعنى عن أمير المؤمنين في نهج البلاغة.
[555]ذكرت تفصيل هذا المعنى في كتاب ( هذه هي البراءة ) فراجع.
[556]أمالي المفيد: 172.
[557]المصدر نفسه: 177.
[558]أمالي المفيد: 186.
[559]المصدر نفسه: 235.
[560]المصدر نفسه.
[561]المصدر: 239.
[562]المصدر نفسه: 259.
[563]أمالي المفيد: 275.
[564]المصدر: 281.
[565]المصدر: 382.
[566]المصدر: 294.
[567]المصدر: 323.
[568]أمالي المفيد: 326.
[569]أمالي المفيد: 330.
[570]المصدر: 333.
[571]راجع مجلّة الكوثر ، العدد 8 ، محرّم الحرام سنة 1419.
[572]مجلّة الكوثر ، العدد 8 ، الصفحة 48.
[573]أمالي المفيد: 351.
[574]المصدر: 400.
[575]حقوق آل البيت: 134 ، عن كفاية الطالب ، الباب 61 ، الصفحة 228.
[576]المناقب 2: 314 ، وبحار الأنوار ، الباب 17 ما أقرّ من الجمادات والنباتات بولايتهم (عليهم السلام) ، وفي الباب 8 روايات.
[577]إقبال الأعمال 2: 262.
[578]علل الشرائع: 464.
[579]البحار 27: 283.
[580]البحار 27: 283.
[581]اختيار معرفة الرجال: 28.
[582]كامل الزيارات: 52.
[583]أمالي الصدوق: 400.
[584]الاختصاص: 250.
[585]كتاب سليم: 248.
[586]مكارم الأخلاق 2: 336 ، وعلل الشرائع: 158.
[587]أمالي الصدوق: 31.
[588]إرشاد القلوب: 210.
[589]أمالي الصدوق: 158 ، وإرشاد القلوب: 406.
369 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ السعيد كلّ السعيد حقّ السعيد من أطاعك وتولاّك من بعدي ، وإنّ الشقيّ كلّ الشقيّ حقّ الشقيّ من عصاك ونصب لك عداوة من بعدي[590].
370 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اعلموا أ نّكم إن أطعتم علياً (عليه السلام) سعدتم ، وإن خالفتموه شقيتم[591].
371 ـ قال الله تعالى لموسى على نبيّنا وآله وعليه السلام ليلة الخطاب: يا بن عمران ، إنّي لا أقبل الصلاة إلاّ ممّن تواضع لعظمتي وألزم قلبه خوفي وعرف حقّ أوليائي الذين لأجلهم خلقت سماواتي وأرضي وجنّتي وناري ، محمد وعترته ، فمن عرفهم وعرف حقّهم جعلت له عند الجهل علماً وعند الظلمة نوراً ، وأعطيته قبل السؤال ، وأجبته قبل الدعاء[592].
372 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ معرفتي بالنورانية معرفة الله ، ومعرفة الله معرفتي ، وهو الدين الخالص[593].
373 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا علي ، نصر الله من نصرك ، وخذل الله من خذلك ، منصور من نصره ، ومخذول من خذله ، وملعون من جحد ولايته[594].
أجل هذه هي الولاية التي ندعو إليها ، ونعتقد أ نّها من أصل الدين وحقيقته ، وأساس المعرفة وواقعها.
374 ـ قال أبو جعفر (عليه السلام): إنّما يعبد الله من يعرف الله ، فأمّا من لا يعرف الله فإنّما يعبده هكذا ضلالا . قلت: جعلت فداك ، فما معرفة الله ؟ قال: تصديق الله عزّ وجلّ وتصديق رسوله (صلى الله عليه وآله)وموالاة علي (عليه السلام)والائتمام به وبأئمة الهدى (عليهم السلام)والبراءة إلى الله عزّ وجلّ من عدوّهم ، هكذا يعرف الله عزّ وجلّ[595].
375 ـ وعن جابر قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)يقول: إنّما يعرف الله عزّ وجلّ ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منّا أهل البيت ، ومن لا يعرف الله عزّ وجلّ ولا يعرف الإمام منّا أهل البيت ، فإنّما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالا[596].
376 ـ قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنّ الله عزّ وجلّ خلقنا فأحسن خلقنا ، وصوّرنا فأحسن صورنا ، وجعلنا عينه في عباده ، ولسانه الناطق في خلقه ، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ، ووجهه الذي يؤتى منه ، وبابه الذي يدلّ عليه ، وخزّانه في سمائه وأرضه ، بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار وجرت الأنهار ، وبنا اُنزل غيث السماء ونبت عشب الأرض ، وبعبادتنا عبد الله ، ولولا نحن ما عبد الله[597].
قال العلاّمة المجلسي في بيان الخبر: قوله: «لولا نحن ما عبد لله» إلى «نحن علّمنا الناس طريق عبادة الله وآدابها» ، أو: «لا تتأتّى العبادة الكاملة إلاّ بنا» ، أو: «ولايتنا شرط قبول العبادة» ، والأوسط أظهر.
377 ـ قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): أنا علم الله وأنا قلب الله الواعي ولسان الله الناطق وعين الله الناظرة وأنا جنب الله وأنا يد الله[598].
قال الشيخ الصدوق في بيان الخبر: معنى قوله (عليه السلام): «أنا قلب الله الواعي»: أنا القلب الذي جعله الله وعاءً لعلمه ، وقلبه إلى طاعته ، وهو قلب مخلوق لله عزّ وجلّ كما هو عبد الله عزّ وجلّ ويقال: قلب الله كما يقال: عبد الله وبيت الله جنّة الله ونار الله ، وأمّا قوله: «عين الله» فإنّه يعني به الحافظ لدين الله ، وقد قال الله عزّ وجلّ: ( تَجْري بِأعْيُنِنا ) أي بحفظنا وكذلك قوله عزّ وجلّ: ( وَلِتُصْنَعُ عَلى عَيْني ) معناه على حفظي.
378 ـ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته: أنا الهادي وأنا المهتدي أنا أبو اليتامى والمساكين وزوج الأرامل ، وأنا ملجأ كلّ ضعيف ومأمن كلّ خائف ، وأنا قائد المؤمنين إلى الجنّة وأنا حبل الله المتين وأنا عروة الله الوثقى وكلمة التقوى ، وأنا عين الله ولسانه الصادق ويده ، وأنا جنب الله الذي يقول: ( أنْ تَقولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتا عَلى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللهِ ) وأنا يد الله المبسوطة على عباده بالرحمة والمغفرة ، وأنا باب حطّة ، من عرفني وعرف حقّي فقد عرف ربّه ، لأ نّي وصيّ نبيّه في أرضه وحجّته على خلقه ، لا ينكر هذا إلاّ رادّ على الله ورسوله[599].
أقول: ومن الواضح أنّ الرادّ على الله ورسوله هو في حدّ الشرك والكفر وقد خسر خسراناً مبيناً.
379 ـ وعن أبي جعفر (عليه السلام)قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى ، الطاعة للإمام بعد معرفته ، ثمّ قال: إنّ الله تبارك وتعالى يقول: ( مَنْ يُطِعِ الرَّسولَ فَقَدْ أطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أرْسَلـْناكَ عَلَيْهِمْ حَفيظاً )[600].
380 ـ عن محمد بن زيد الطبري ، قال: كنت قائماً على رأس الرضا (عليه السلام)بخراسان وعنده عدّة من بني هاشم وفيهم إسحاق بن موسى بن عيسى العباسي فقال: يا إسحاق ، بلغني أنّ الناس يقولون: إنّا نزعم أنّ الناس عبيد لنا ، لا وقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قلته قطّ ، ولا سمعته من آبائي قاله ، ولا بلغني عن أحد من آبائي قاله ، ولكنّي أقول: الناس عبيد لنا في الطاعة ، موال لنا في الدين ، فليبلّغ الشاهد الغائب.
هذه هي الولاية التي ندعو الناس إليها ، ولها مراتب طولية وعرضية كالنور ، وتجلّيات عامّة: وأ نّها من مظاهر الرحمانيّة ، وتجلّيات خاصّة: وأ نّها من مظاهر الرحيميّة ، فأدناها وإنّها لجميع الناس ، والمطلوب الإيمان بها ، وليبلّغ الشاهد الغائب هي الولاية في الدين والمودّة والطاعة.
381 ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال: سمعته يقول: نحن الذين فرض الله طاعتنا ، لا يسع الناس إلاّ معرفتنا ، ولا يعذر الناس بجهالتنا ، من عرفنا كان مؤمناً ، ومن أنكرنا كان كافراً ، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالا ، حتّى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة ، فإن يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء.
382 ـ سألته عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى الله عزّ وجلّ ، قال: أفضل ما يتقرّب به العباد إلى الله عزّ وجلّ طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة اُولي الأمر ، قال أبو جعفر (عليه السلام): حبّنا إيمان وبغضنا كفر[601].
383 ـ عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): الأوصياء هم أبواب الله عزّ وجلّ التي يؤتى منها ، ولولاهم ما عُرف الله عزّ وجلّ ، وبهم احتجّ الله تبارك وتعالى على خلقه.
وهذا غيض من فيض في معرفة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، ولزومها على الناس جميعاً ، ولا يعذر فيها الجهل ، وإنّها من مظاهر الولاية التي اُمرنا الله ورسوله بها.
ومن مظاهرها زيارة قبور الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
384 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا الحسن ، إنّ الله تعالى جعل قبرك وقبور ولدك بقاعاً من بقاع الجنّة وعرصة من عرصاتها ، وإنّ الله تعالى جعل قلوب نجباء من خلقه ، وصفوة من عباده ، تحنّ إليكم ، وتتحمّل المذلّة والأذى فيكم ، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها ، تقرّباً منهم إلى الله عزّ وجلّ ومودّةً منهم لرسوله ، اُولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي ، والواردون حوضي ، وهم زواري وجيراني غداً في الجنّة ، يا علي ، من عمّر قبوركم وتعاهدها فكأ نّما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس ، ومن زار قبوركم عدل ذلك ثواب سبعين حجّة بعد حجّة الإسلام ، وخرج من ذنوبه حتّى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته اُمّه . فأبشر وبشّر أوليائك ومحبّيك من النعيم وقرّة العين بما لا عينٌ رأت ولا اُذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر ، ولكن حثالة من الناس يعيّرون زوّار قبوركم بزيارتكم كما تعيّر الزانية بزناها ، اُولئك شرار اُمّتي لا تنالهم شفاعتي ولا يردون حوضي[602].
385 ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام): إنّ أبواب السماء لتفتح عند دعاء الزائر لأمير المؤمنين (عليه السلام) ، فلا تكن عن الخير نوّاماً[603].
386 ـ قال حسّان بن مهران الجمّـال: قال الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام) لي: يا حسّان ، أتزور قبور الشهداء قِبَلكم ؟ قلت: أيّ الشهداء ؟ قال (عليه السلام): علي والحسين (عليهما السلام) . قلت: إنّا لنزورها فنكثر . قال (عليه السلام): اُولئك الشهداء المرزوقون ، فزورهم وافزعوا عندهم بحوائجكم[604].
387 ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام): إنّ ولايتنا ولاية الله عزّ وجلّ التي لم يبعث نبيّ قطّ إلاّ بها ، إنّ الله عزّ اسمه عرض ولايتنا على السماوات والأرض والجبال والأمصار فلم يقبلها قبول أهل الكوفة ، وإنّ إلى جانبهم لقبراً ما لقاه مكروب إلاّ نفّس الله كربته ، وأجاب دعوته ، وقلّبه إلى أهله مسروراً[605].
ومن مظاهر الولاية أ نّها سارية في كلّ المخلوقات السماوية والأرضية.
388 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): أتدري ماذا سمعت في الملأ الأعلى فيك ـ ليلة اُسري بي ـ يا علي ؟ سمعتهم يقسمون على الله تعالى بك ويستقضونه حوائجهم ، ويتقرّبون إلى الله تعالى بمحبّتك ، ويجعلون أشرف ما يعبدون الله به الصلاة عليَّ وعليك.
389 ـ سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) درّاجاً ـ كان يسكن في الوادي ـ: من أين مطعمك ومشربك ؟ فقال الدرّاج لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا أمير المؤمنين ، إنّي كلّما جعتُ ، دعوت الله لشيعتك ومحبّيك فأشبع ، وإذا عطشت دعوت الله على مبغضيك وظالميك فأروى[606].
390 ـ وفي حديث آخر: سقط طير على يد أمير المؤمنين (عليه السلام)فأنطق الله الطير بلسان عربيٍّ مبين ، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته . فردّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عليه وقال له: من أين مطعمك ومشربك في هذه الفلاة القفراء التي لا نبات فيها ولا ماء ؟ فقال: يا مولاي ، إذا جعت ذكرت ولايتكم أهل البيت فأشبع ، وإذا عطشت فأتبرّأ من أعدائكم فأروى ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): بورك فيك ، بورك فيك . فطار[607].
391 ـ عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله تبارك وتعالى: استكمال حجّتي على الأشقياء من اُمّتك من ترك ولاية عليّ والأوصياء من بعدك ، فإنّ فيهم سنّتك وسنّة الأنبياء من قبلك وهم خزّاني على علمي من بعدك ، ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لقد أنبأني جبرئيل (عليه السلام) بأسمائهم وأسماء آبائهم[608].
392 ـ فما أجمل وأكمل هذه الولاية العظمى ، وما هذا النور الشامخ والمقام الرفيع ، تعال يا هذا لنستمع إلى ما يقوله الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال: ما جاء به علي (عليه السلام) آخذ به ونهى عنه أنتهي عنه ، جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد (صلى الله عليه وآله) ، ولمحمّد (صلى الله عليه وآله) الفضل على جميع من خلق الله عزّ وجلّ ، المتعقّب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقّب على الله وعلى رسوله ، والرادّ عليه في صغيرة أو كبيرة على حدّ الشرك بالله ، كان أمير المؤمنين (عليه السلام)باب الله الذي لا يؤتى إلاّ منه ، وسبيله الذي من سلك بغيره هلك ، وكذلك يجري الأئمة الهدى واحداً بعد واحد ، جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بأهلها ، وحجّته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى ، وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيراً ما يقول: أنا قسيم الله بين الجنّة والنار ، وأنا الفاروق الأكبر ، وأنا صاحب العصاء والميسم ، لقد أقرّت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقرّوا به لمحمّد (صلى الله عليه وآله)ولقد حُملت على مثل حمولته ، وهي حمولة الربّ ، وإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)يُدعى فيُكسى ، واُدعى فاُكسى ، ويُستنطق واُستنطق ، فأنطقُ على حدّ منطقه ، ولقد اُعطيت خصالا ما سبقني إليها أحدٌ من قبلي: عُلّمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب ، فلم يفُقني ما سبقني ، ولم يعزب عنّي ما غاب عنّي ، اُبشّر بإذن الله واُؤدّي عنه ، كلّ ذلك من الله مكّنني فيه بعلمه[609].
393 ـ أجل هذا الأمر يجري في كلّ الأئمّة الأطهار لأ نّهم نور واحد ، وأوّلنا محمد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد وكلّنا محمّد ، فعلمهم من منبع واحد من الله الواحد الأحد ، ومن رسوله الأمين الأمجد ، فهم موالي المؤمنين كما ورد في الخبر الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام)عن آبائه عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) قال: نحن أئمة المسلمين ، وحجج الله على العالمين ، وسادة المؤمنين ، وقادة الغرّ المحجّلين ، وموالي المؤمنين ، ونحن أمان أهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها ، وبنا ينزل الغيث ، وبنا ينشر الرحمة ، ويخرج بركات الأرض ، ولولا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها . ثمّ قال (عليه السلام): لم تخلُ الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة لله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة الله فيها ، ولولا ذلك لم يُعبد الله ، قال سليمان: فقلت للصادق (عليه السلام): فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور ؟ قال (عليه السلام): كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب[610].
394 ـ عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله وأبا جعفر (عليهما السلام) قالا: إنّ العلم الذي اُهبط مع آدم لم يرفع ، والعلم يتوارث وكلّ شيء من العلم وآثار الرسل والأنبياء لم يكن من أهل هذا البيت وهو باطل ، وإنّ عليّاً (عليه السلام)عالم هذه الاُمّة ، وإنّه لن يموت منّا عالم إلاّ خلّف من بعده من يعلم مثل علمه أو ما شاء الله[611].
فكلّهم من نور واحد ، ولا بدّ من معرفتهم معرفة تامّة وكاملة من دون شكّ وريب وترديد ، وإلاّ فقد ورد في الخبر الشريف عن ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل يتولاّكم ويبرأ من عدوّكم ويحلّل حلالكم ويحرّم حرامكم ، ويزعم أنّ الأمر فيكم لم يخرج منكم إلى غيركم ، إلاّ أ نّه يقول: إنّهم قد اختلفوا فيما بينهم وهم الأئمة القادة ، وإذا اجتمعوا على رجل فقالوا: هذا ، قلنا: هذا . فقال (عليه السلام): إن مات على هذا فقد مات ميتة جاهلية[612].
فإنّه من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهليّة[613].
395 ـ عن سليم بن قيس الهلالي ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)قال: قلت له: ما أدنى ما يكون به الرجل ضالا ؟ قال: أن لا يعرف مَن أمر الله بطاعته وفرض ولايته وجعله حجّة في أرضه ، وشاهده على خلقه ، قلت: فمن هم يا أمير المؤمنين ؟ فقال: الذين قرنهم الله بنفسه ونبيّه فقال: ( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسولَ وَاُولي الأمْرِ مِنْكُمْ ) ، قال: فقبّلت رأسه وقلت: أوضحت لي ، وفرّجت عنّي وأذهبت كلّ شكّ كان في قلبي[614].
396 ـ وعن الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي ، أنت والأئمة من ولدك بعدي حجج الله على خلقه وأعلامه في بريّته ، فمن أنكر واحداً منهم فقد أنكرني ، ومن عصا واحداً منهم فقد عصاني ، ومن جفا واحداً منهم فقد جفاني ، ومن وصلكم فقد وصلني ، ومن أطاعكم فقد أطاعني ، ومن والاكم فقد والاني ، ومن عاداكم فقد عاداني ، لأ نّكم منّي خلقتم من طينتي وأنا منكم[615].
397 ـ فهذه الولاية التي ندعو إليها حتّى الشهادة وسفك المهج في سبيلها ، فإنّ من آثارها العظمى في الآخرة ما جاء عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عليّ ، إذا كان يوم القيامة أقعد أنا وأنت وجبرئيل على الصراط ، ولم يجز أحد إلاّ من كان معه كتاب فيه براءة بولايتك[616].
398 ـ وكمال دين الله بولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام)والأئمة الأطهار من أهل بيته (عليهم السلام) ، فعن محمد الحلبي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): إنّه من عرف دينه من كتاب الله عزّ وجلّ زالت الجبال قبل أن يزول ، ومن دخل في أمر بجهل خرج منه بجهل . قلت: وما هو في كتاب الله عزّ وجلّ ؟ قال: قول الله عزّ وجلّ: ( ما آتاكُمُ الرَّسولُ فَخُذوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهوا ) ، وقوله عزّ وجلّ: ( مَنْ يُطِعِ الرَّسولَ فَقَدْ أطاعَ اللهَ ) ، وقوله عزّ وجلّ: ( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا أطيعوا الله وَأطيعوا الرَّسولَ وَاُولي الأمْرِ مِنْكُمْ ) ، وقوله تبارك اسمه: ( إنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسولُهُ وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعونَ ) ، وقوله جلّ جلاله: ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنونَ حَتَّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدوا في أنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّموا تَسْليماً ) ، وقوله عزّ وجلّ: ( يا أ يُّها الرَّسولُ بَلِّغْ ما اُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ، وعن ذلك قول رسول الله لعليّ (عليه السلام): من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، وأحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه[617].
399 ـ إيهاً يا صاح إنّ أكثر الناس لا يعقلون وأكثرهم للحقّ ولولاية أهل البيت كارهون ، فاستخفّوا بها كما قال الإمام الصادق (عليه السلام)عن آبائه عن الحسن بن علي (عليهما السلام) ، قال: إنّ الله افترض خمساً ولم يفترض إلاّ حسناً جميلا: الصلاة والزكاة والحجّ والصيام وولايتنا أهل البيت ، فعمل الناس بأربع واستخفّوا بالخامسة ، والله لا يستكملوا الأربع حتّى يستكملوها بالخامسة[618].
400 ـ وأمّا عقوبة المستخفّين والمبغضين فناهيك ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن جدّه (عليهم السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا ميزان العلم وعليّ كفّتاه ، والحسن والحسين حباله ، وفاطمة علاقته ، والأئمة من بعدهم يزنون المحبّين والمبغضين الناصبين الذين عليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين[619].
401 ـ عن فضيل قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)يقول: من مات وليس له إمام فموته ميتة جاهلية ، ولا يعذر الناس حتّى يعرفوا إمامهم ، ومن مات وهو عارف لإمامه لا يضرّه تقدّم هذا الأمر أو تأخّره ، ومن مات عارفاً لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه[620].
402 ـ عن أبي عبيدة الحذّاء قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إنّ سالم بن أبي حفصة يقول: ما بلغك أ نّه من مات وليس له إمام كانت ميتته ميتة جاهليّة ؟ فأقول: بلى . فيقول: مَن إمامك ؟ فأقول: أئمتي آل محمد عليه وعليهم السلام . فيقول: والله ما أسمعك عرفت إماماً ، قال أبو جعفر (عليه السلام): ويح سالم ، وما يدري سالم ما منزلة الإمام ، منزلة الإمام يا زياد أفضل وأعظم ممّـا يذهب إليه سالم والناس أجمعون.
أقول: بالله عليك إذا كانت الإمامة والإمام هكذا أمرهما أفضل وأعظم ، والإمامة شعبة من شعب الولاية ونور من أنوارها ، فما بالك بالولاية ، فإنّها أفضل من الأفضل ، وأعظم من الأعظم ، فتدبّر وتعال لنسمع ما يقوله أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)عن باب حطة النجاة.
403 ـ قال (عليه السلام): هؤلاء بنو إسرائيل نصب لهم باب حطّة ، وأنتم يا معشر اُمّة محمد نصب لكم باب حطّة أهل بيت محمد (عليهم السلام)واُمرتم باتّباع هداهم ، ولزوم طريقتهم ، ليغفر لكم بذلك خطاياكم وذنوبكم ، وليزداد المحسنون منكم ، وباب حطّتكم أفضل من باب حطّتهم ، لأنّ ذلك كان بأخاشيب ، ونحن الناطقون الصادقون المؤمنون الهادون الفاضلون ، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ النجوم في السماء أمان من الغرق ، وأهل بيتي أمان لاُمّتي من الضلالة في أديانهم لا يهلكون ما دام منهم من يتّبعون هديه وسنّته ، أما إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)قد قال: من أراد أن يحيى حياتي ويموت مماتي ، وأن يسكن جنّة عدن التي وعدني ربّي وأن يمسك قضيباً غرسه بيده ، وقال الله: كن فكان ، فليتوالَ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وليوالِ وليّه وليعادِ عدوّه ، وليتولّ ذرّيته الفاضلين المطيعين لله من بعده ، فإنّهم خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي ، فويلٌ للمكذّبين بفضلهم من اُمّتي القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي[621].
404 ـ عن ابن عباس قال: قال رسول الله لعليّ بن أبي طالب: يا علي ، أنا مدينة الحكمة وأنت بابها ، ولن تؤتى المدينة إلاّ من قِبَل الباب ، وكذب من زعم أ نّه يحبّني ويبغضك ، لأ نّك منّي وأنا منك ، لحمك من لحمي ، ودمك من دمي ، وروحك من روحي ، وسريرتك سريرتي وعلانيتك علانيتي ، وأنت إمام اُمّتي وخليفتي عليها بعدي ، سعد من أطاعك وشقي من عصاك ، مثلك ومثل الأئمة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ، ومثلكم مثل النجم كلّما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة[622].
405 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خذوا بحجزة هذا الأنزع ـ يعني علياً ـ فإنّه الصدّيق الأكبر ، وهو الفاروق يفرّق بين الحقّ والباطل ، من أحبّه هداه الله ، ومن أبغضه أبغضه الله ، ومن تخلّف عنه محقه الله ، ومنه سبطا اُمّتي: الحسن والحسين وهما إبناي ، ومن الحسين أئمة الهدى أعطاهم الله علمي وفهمي فتولّوهم ، ولا تتّخذوا وليجة من دونهم ، فيحلّ عليكم غضب من ربّكم ، ومن يحلل عليه غضب من ربّه فقد هوى ، وما الحياة الدنيا إلاّ متاع الغرور[623].
406 ـ وقال (صلى الله عليه وآله): من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن التي غرسها الله ، فليوالِ علياً من بعدي ، وليوالِ وليّه وليقتدِ بالأئمة من بعدي ، فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً ، ويل للمكذّبين بفضلهم من اُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي[624].
407 ـ عن ابن عباس قال: لمّـا رجعنا من حجّة الوداع جلسنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسجده فقال: أتدرون ما أقول لكم ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم . قال: اعلموا أنّ الله عزّ وجلّ منّ على أهل الدين إذ هداهم بي ، وأنا أمنّ على أهل الدين إذ أهديهم بعليّ بن أبي طالب ابن عمّي وأبي ذرّيتي ، ألا ومن اهتدى بهم نجا ، ومن تخلّف عنهم ضلّ وغوى ، أ يّها الناس ، الله الله في عترتي وأهل بيتي ، فإنّ فاطمة بضعة منّي ، وولديها عضدي ، وأنا وبعلها كالضوء ، اللهمّ ارحم من رحمهم ، ولا تغفر لمن ظلمهم ، ثمّ دمعت عيناه وقال: كأ نّي أنظر الحال[625].
408 ـ عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحبّ أن يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين ، فليوالِ علياً بعدي وليعادِ عدوّه وليأتمّ بالهداة من ولده ، فإنّهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي ، وسادة اُمّتي وقادة الأتقياء إلى الجنّة ، حزبهم حزبي وحزبي حزب الله عزّ وجلّ ، وحزب أعدائهم حزب الشيطان[626].
409 ـ يا صاحبي ، لا زلت معك في حديث الولاية ، فما أروعها ، وما أجمل ما فيها من الروائع والحقائق والمعاني السامية التي تخبرك عن عالم قدسي وساحة إلهية وميدان روحاني ، فإنّه من حديث العرش الإلهي.
فعن زياد بن المنذر قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) وهو يقول: نحن شجرة أصلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفرعها علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وأغصانها فاطمة بنت النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وثمرتها الحسن والحسين عليهما السلام والتحيّة والإكرام ، وأنا شجرة النبوّة وبيت الرحمة ، ومفتاح الحكمة ومعدن العلم ، وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ، وموضع سرّ الله ووديعته ، والأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال ، وحرم الله الأكبر وبيت الله العتيق وذمّته ، وعندنا علم المنايا والبلايا والقضايا والوصايا وفصل الخطاب ، ومولد الإسلام وأنساب العرب ، إنّ الأئمة (عليهم السلام)كانوا نوراً مشرقاً حول عرش ربّهم ، فأمرهم أن يسبّحوا فسبّح أهل السماوات لتسبيحهم ، وإنّهم لهم الصافون ، وإنّهم لهم المسبّحون ، فمن أوفى بذمّتهم فقد أوفى بذمّة الله ، ومن عرف حقّهم فقد عرف حقّ الله ، هؤلاء عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ومن جحد حقّهم فقد جحد حقّ الله ، هم ولاة أمر الله وخزنة وحي الله وورثة كتاب الله ، وهم المصطفون بأمر الله ، والاُمناء على وحي الله ، هؤلاء أهل بيت النبوّة ومفاض الرسالة والمستأنسون بخفق أجنحة الملائكة ، من كان يغدوهم جبرئيل بأمر الملك الجليل بخبر التنزيل وبرهان الدليل ، هؤلاء أهل البيت أكرمهم الله بشرفه ، وشرّفهم بكرامته ، وأعزّهم بالهدى ، وثبّتهم بالوحي ، وجعلهم أئمة هداة ، نوراً في الظلم للنجاة ، واختصّهم لدينه ، وفضّلهم بعلمه ، وآتاهم ما لم يؤتِ أحداً من العالمين ، وجعلهم عماداً لدينه ، ومستودعاً لمكنون سرّه ، واُمناء على وحيه ، وشهداء على بريّته ، واختارهم الله واجتباهم وخصّهم واصطفاهم وفضّلهم وارتضاهم وانتجبهم وجعلهم نوراً للبلاد ، وعماداً للعباد ، وحجّته العظمى ، وأهل النجاة والزلفى ، هم الخيرة الكرام ، هم القضاة الحكّام ، هم النجوم الأعلام ، وهم الصراط المستقيم ، هم السبيل الأقوم ، الراغب عنهم مارق ، والمقصّر عنهم زاهق ، واللازم لهم لاحق ، هم نور الله في قلوب المؤمنين والبحار السائغة للشاربين ، أمن لمن التجأ إليهم ، وأمان لمن تمسّك بهم ، إلى الله يدعون وله يسلّمون ، وبأمره يعملون وببيّناته يحكمون ، فيهم بعث الله رسوله ، وعليهم هبطت ملائكته ، وبينهم نزلت السكينة ، وإليهم بعث الروح الأمين ، منّاً منّ الله عليهم فضّلهم به ، وخصّهم بذلك ، وآتاهم تقواهم ، وبالحكمة قوّاهم ، هم فروع طيّبة ، واُصول مباركة ، خزّان العلم وورثة الحلم ، واُولو التقى والنهى والنور والضياء ... هؤلاء الذين افترض الله مودّتهم وولايتهم على كلّ مسلم ومسلمة ، فقال في محكم كتابه لنبيّه (صلى الله عليه وآله): ( قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ في القُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فيها حُسْناً إنَّ اللهَ غَفورٌ شَكورٌ ) . قال أبو جعفر محمد بن علي (عليهما السلام): اقتراف الحسنة حبّنا أهل البيت[627].
410 ـ هذا من حديث العرش والسماء ، وأمّا من حديث الفرش والأرض ، وأقصد به ما يجب علينا في الأرض وفي دنيانا هذه ، فقد قال الإمام المجتبى الحسن ابن علي (عليهما السلام): محمد وعلي أبوا هذه الاُمّة ، فطوبى لمن كان بحقّهما عارفاً ولهما في كلّ أحواله مطيعاً ، يجعله الله من أفضل سكّان جنانه ، ويسعده بكرامته ورضوانه.
411 ـ وقال الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام): من عرف حقّ أبويه الأفضـلين محمّـد وعلي وأطـاعهما حقّ طاعته قيـل لـه: تبجّح في أيّ الجنـان شئت.
412 ـ وقال الإمام السجّاد علي بن الحسين (عليهما السلام): إن كان الأبوان إنّما عظم حقّهما على أولادهما لإحسانهما إليهم ، فإحسان محمد وعلي إلى هذه الاُمّة أجلّ وأعظم ، فهما بأن يكونا أبويهم أحقّ.
413 ـ وقال الإمام الباقر محمد بن علي (عليهما السلام): من أراد أن يعلم كيف قدره عند الله فلينظر كيف قدر أبويه الأفضلين عنده: محمد وعلي (عليهما السلام).
414 ـ وقال الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): من رعى حقّ أبويه الأفضلين: محمد وعلي لم يضرّه ما أضاع من حقّ أبوي نفسه وسائر عباد الله ، فإنّهما يرضيانهم بسعيهما.
415 ـ وقال الإمام الكاظم موسى بن جعفر (عليهما السلام): يعظم ثواب الصلاة على قدر تعظيم المصلّي على أبويه الأفضلين: محمد وعلي.
416 ـ وقال الإمام الرضا علي بن موسى (عليه السلام): أما يكره أحدكم أن ينفي عن أبيه واُمّه اللذين ولداه ؟ قالوا: بلى والله . قال: فليجتهد أن لا ينفي عن أبيه واُمّه اللذين هما أبواه الأفضل من أبوي نفسه.
417 ـ وقال الإمام الجواد محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام): قال رجل بحضرته: إنّي لاُحبّ محمداً وعلياً حتّى لو قطعت إرباً ، أو قرضت لم أزل عنه ، فقال (عليه السلام): لا جرم أنّ محمداً وعلياً معطياك من أنفسهما ما تعطيهما أنت من نفسك ، إنّهما ليستدعيان لك في يوم فصل القضاء ما لا يفي ما بذلته لهما بجزء من مئة ألف جزء من ذلك.
418 ـ وقال الإمام الهادي علي بن محمد (عليه السلام): من لم يكن والدا دينه محمد وعليّ أكرم عليه من والدي نسبه ، فليس من الله في حلّ ولا حرام ولا قليل ولا كثير.
419 ـ وقال الإمام العسكري الحسن بن علي (عليهما السلام): من آثر طاعة أبوي دينه محمد وعليّ على طاعة أبوي نسبه ، قال الله عزّ وجلّ له: لاُوثرنّك كما آثرتني ، ولاُشرّفنّك بحضرة أبوي دينك كما شرّفت نفسك بإيثار حبّهما على حبّ أبوي نسبك.
420 ـ وقالت سيّدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)لبعض النساء: إرضي أبوي دينكِ محمداً وعلياً بسخط أبوي نسبكِ ، ولا ترضي أبوي نسبكِ بسخط أبوي دينكِ ، فإنّ أبوي نسبك إن سخطا أرضاهما محمد وعلي بثواب جزء من ألف ألف جزء من ساعة من طاعاتهما ، وإنّ أبوي دينكِ إن سخطا لم يقدر أبوا نسبكِ أن يرضياهما ، لأنّ ثواب طاعات أهل الدنيا كلّها لا تفي بسخطهما[628].
421 ـ عن حكيم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك ، أخبرني من اُولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم ؟ فقال لي: اُولئك علي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر أنا (عليهم السلام) ، فاحمدوا الله الذي عرّفكم أئمّتكم وقادتكم حين جحدهم الناس[629].
422 ـ عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأنبياء ورضى الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته ، ثمّ قال: إنّ الله يقول: ( مَنْ يُطِعِ الرَّسولَ فَقَدْ أطاعَ اللهَ )ـ إلى ـ ( حَفيظاً ) أما لو أنّ رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه ، ويكون جميع أعماله بدلالة منه إليه ، ما كان له على الله حقّ في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان ، ثمّ قال: اُولئك المحسن منهم يدخله الله الجنّة بفضله ورحمته[630].
423 ـ عن أبي إسحاق النحوي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول: إنّ الله أدّب نبيّه على محبّته فقال: ( إنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظيم ) قال: ثمّ فوّض إليه الأمر فقال: ( ما آتاكُمُ الرَّسولُ فَخُذوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهوا ) ، وقال: ( وَمَنْ يُطِعِ الرَّسولَ فَقَدْ أطاعَ اللهَ ) ، وإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)فوّض إلى عليّ (عليه السلام)وائتمنه فسلّمتم وجحد الناس ، فوالله لنحبّكم أن تقولوا إذا قلنا ، وأن تصمتوا إذا صمتنا ، ونحن فيما بينكم وبين الله ، والله ما جعل لأحد من خير في خلاف أمرنا[631].
424 ـ الامّة على قولين في معنى: ( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسولَ وَاُولي الأْمرِ مِنْكُمْ ) أحدهما أ نّها في أئمتنا ، والثاني أ نّها في اُمراء السرايا ، وإذا بطل أحد الأمرين ثبت الآخر ، وإلاّ خرج الحقّ عن الاُمّة ، والذي يدلّ على أ نّها في أئمتنا (عليهم السلام)أنّ ظاهرها يقتضي عموم طاعة اُولي الأمر ـ والظواهر حجّة ـ من حيث عطف الله تعالى الأمر بطاعتهم على الأمر بطاعته وطاعة رسوله ، ومن حيث اُطلق الأمر بطاعتهم ولم يخصّ شيئاً من شيء لأ نّه سبحانه لو أراد خاصّاً لبيّنه ، وفي فقد البيان منه تعالى دليلٌ على إرادة الكلّ ، وإذا ثبت ذلك ثبتت إمامتهم ، لأ نّه لا أحد تجب طاعته على ذلك الوجه بعد النبيّ إلاّ الإمام ، وإذا اقتضت وجوب طاعة اُولي الأمر على العموم لم يكن بُدّ من عصمتهم ، وإلاّ أدّى أن يكون تعالى قد أمر بالقبيح ، لأنّ من ليس بمعصوم لا يؤمن منه وقوع القبيح ، فإذا وقع كان الاقتداء به قبيحاً ، وإذا ثبتت دلالة الآية على العصمة وعموم الطاعة بطل توجّهها إلى اُمراء السرايا ، لارتفاع عصمتهم واختصاص طاعتهم ـ فيما لا يكون فيه محظور شرعاً ، أو في خصوص السرايا ـ وقال بعضهم: هم علماء الاُمّة العامّة ، وهم مختلفون وفي طاعة بعضهم عصيان بعض ، وإذا أطاع المؤمن بعضهم عصى الآخر ، والله تعالى لا يأمر بذلك ، ثمّ إنّ الله تعالى وصف اُولي الأمر بصفة تدلّ على العلم والإمرة جميعاً ، قوله تعالى: ( وَإذا جاءَهُمْ أمْرٌ مِنَ الأمْنِ أوِ الخَوْفِ أذاعوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسولِ وَإلى اُولي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذينَ يَسْتَنْبِطونَهُ مِنْهُمْ ) فردّ الأمن والخوف للاُمراء ، والاستنباط للعلماء ، ولا يجتمعان إلاّ لأمير عالم[632].
[590]أمالي المفيد: 161 ، وأمالي الصدوق: 313 ، وأمالي الطوسي: 426.
[591]تأويل الآيات 1: 37.
[592]مشارق الأنوار: 149.
[593]مشارق الأنوار: 160.
[594]أمالي الصدوق: 289 ، وأمالي الطوسي: 483.
[595]الكافي 1: 237.
[596]الكافي 1: 237.
[597]البحار 24: 197 ، عن توحيد الصدوق: 140.
[598]البحار 24: 198 ، عن التوحيد: 154.
[599]البحار 4: 8 .
[600]النساء: 80.
[601]الروايات من الكافي 1: 245 ، الباب 8.
[602]المزار ; للشيخ المفيد: 228 ، إرشاد القلوب: 441.
[603]جامع الأخبار: 74.
[604]فرحة الغري: 79.
[605]أمالي المفيد: 142.
[606]الفضائل: 162.
[607]المناقب 2: 305 ، ولا يخفى أنّ أكثر الروايات التي نقلتها مذكورة في كتاب ( آثار وبركات أمير المؤمنين (عليه السلام) في دار الدنيا ) ; لمؤلّفه الشابّ الفاضل السيّد هاشم الناجي صاحب موسوعة ( آثار الأعمال في دار الدنيا ) فجزاه الله خيراً.
[608]الكافي 1: 699.
[609]الكافي 1: 110.
[610]بحار الأنوار 2: 6.
[611]المصدر: 39.
[612]) و (4) المصدر: 79 ، الباب 4 وجوب معرفة الإمام وأ نّه لا يعذر بترك الولاية وإنّ من مات لا يعرف إمامه أو شكّ فيه مات ميتة الجاهلية وكفر ونفاق ، وفي الباب 40 رواية.
[614]البحار 23: 83 ، عن معاني الأخبار: 112.
[615]المصدر: 97 ، عن إكمال الدين: 230.
[616]المصدر: 101 ، عن معاني الأخبار: 14.
[617]المصدر: 103 ، عن بشارة المصطفى: 156.
[618]البحار 23: 105 ، عن بشارة المصطفى: 130.
[619]المصدر: 106 ، عن كنز جامع الفوائد: 49.
[620]المصدر نفسه ، عن محاسن البرقي: 155 و 556.
[621]) البحار 23: 122.
[622]المصدر: 126 ، عن أمالي الصدوق: 162.
[623]المصدر: 129 ، عن أمالي الصدوق: 130.
[624]المصدر: 138 ، عن بصائر الدرجات: 15.
[625]المصدر: 144 ، عن الروضة: 146.
[626]المصدر: 144 ، عن عيون الأخبار: 161.
[627]البحار 23: 246 ، عن تفسير الفرات: 147 ، ( وإنّ من مظاهر الولاية الاُبوّة ، والاُبوّة الولائية أعظم شأناً وأعزّ قدراً وأولى أمراً وأجلّ رعايةً ....
[628]الروايات من بحار الأنوار 23: 261 ، وفي الباب روايات اُخرى ، فراجع.
[629]البحار 23: 293 ، عن تفسير العياشي 1: 252.
[630]المصدر: 294 ، عن العياشي 1: 259.
[631]المصدر نفسه.
[632]المصدر: 297 ، عن مناقب آل أبي طالب 3: 218.
425 ـ عن عبيد بن كثير معنعناً أ نّه سئل جعفر بن محمد عن قول الله تعالى: ( أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسولَ وَاُولي الأمْرِ مِنْكُمْ )قال: اُولي الفقه والعلم . قلنا: أخاصّ أم عامّ ؟ قال: بل خاصّ لنا[633].
426 ـ عن إبراهيم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك ، ما تقول في هذه الآية: ( أمْ يَحْسُدونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إبْراهيمَ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلـْكاً عَظيماً )قال: نحن الناس الذين قال الله ، ونحن المحسودون ، ونحن أهل الملك ، ونحن ورثنا النبيّين ، وعندنا عصا موسى ، وإنّا لخزّان الله في الأرض ، لسنا بخزّان على ذهب ولا فضّة ، وإنّ منّا رسول الله (صلى الله عليه وآله)وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام)[634].
427 ـ عن عيسى بن السرّي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن دعائم الإسلام التي لا يسع أحداً من الناس التقصير عن معرفة شيء منها التي من قصّر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه ، ولم يقبل منه عمله ولم يضيّق ممّـا هو فيه بجهل شيء من الاُمور جهله ، قال: شهادة أن لا إله إلاّ الله والإيمان برسوله ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، والزكاة ، والولاية التي أمر الله بها ولاية آل محمد . قال: قلت له: هل في الولاية شيء دون شيء فضل يعرف لمن أخذ به ؟ قال: نعم ، قال الله تعالى: ( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسولَ وَاُولي الأمْرِ مِنْكُمْ )فكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
428 ـ عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام)قال: إنّ محمداً (صلى الله عليه وآله)كان أمين الله في أرضه ، فلمّـا انقبض محمداً (صلى الله عليه وآله) كنّا أهل البيت اُمناء الله في أرضه ، عندنا علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ومولد الإسلام ، وإنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق ، وإنّ شيعتنا لمكتوبون معروفون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، أخذ الله الميثاق علينا وعليهم يردون مواردنا ، ويدخلون مداخلنا ، ليس على ملّة إبراهيم خليل الله غيرنا وغيرهم ، إنّا يوم القيامة آخذون بحجزة نبيّنا ، ونبيّنا آخذ بحجزة ربّه ، وإنّ الحجزة النور ، وشيعتنا آخذون بحجزنا ، ومن فارقنا هلك ، ومن تبعنا نجا ، والجاحد لولايتنا كافر ، ومتّبعنا وتابع أوليائنا مؤمن ، لا يحبّنا كافر ولا يبغضنا مؤمن ، من مات وهو محبّنا كان حقّاً على الله أن يبعثه معنا ، نحن نور لمن تبعنا ، ونور لمن اقتدى بنا ، من رغب عنّا ليس منّا ، ومن لم يكن معنا فليس من الإسلام في شيء ، بنا فتح الله الدين وبنا يختمه ، وبنا أطعمكم الله عشب الأرض ، وبنا أنزل الله عليكم قطر السماء ، وبنا آمنكم الله من الغرق في بحركم ، ومن الخسف في برّكم ، وبنا نفعكم الله في حياتكم وفي قبوركم وفي محشركم وعند الصراط وعند الميزان وعند دخولكم الجنان ، إنّ مثلنا في كتاب الله كمثل المشكاة والمشكاة في القنديل ن فنحن المشكاة فيها مصباح ، والمصباح هو محمد (صلى الله عليه وآله) ( المِصْباحُ في زُجاجَة ) نحن الزجاجة ( كَأ نَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ توقَدُ مِنْ شَجَرَة مُبارَكَة زَيْتونَة لا شَرْقِيَّة وَلا غَرْبِيَّة ) لا منكرة ولا دعيّة ( يَكادُ زَيْتُها )نور ( يُضيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نورٌ ) الفرقان ( عَلى نور يَهْدي اللهُ لِنورِهِ مَنْ يَشاءُ )لولايتنا ( وَاللهُ بِكُلِّ شَيْء عَليمٌ ) بأن يهدي من أحبّ لولايتنا حقّاً على الله أن يبعث وليّنا مشرقاً وجهه ، نيّراً برهانه ، عظيماً عند الله حجّته ، ويجيء عدوّنا يوم القيامة مسودّاً وجهه ، مدحضة عند الله حجّته ، حقّ على الله أن يجعل وليّنا رفيق النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن اُولئك رفيقاً ، وحقّ على الله أن يجعل عدوّنا رفيقاً للشياطين والكافرين وبئس اُولئك رفيقاً ، لشهيدنا فضل على شهداء غيرنا بعشر درجات ، ولشهيد شيعتنا على شهيد غيرنا سبع درجات ، فنحن النجباء ونحن أفراط الأنبياء ونحن أبناء الأوصياء ، ونحن أولى الناس بالله ، ونحن المخصوصون في كتاب الله ، ونحن أولى الناس بدين الله ونحن الذين شرع الله لنا فقال الله: ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نوحاً وَالَّذي أوْحَيْنا إلَيْكَ ) يا محمّد ( وَما وَصَّيْنا بِهِ إبْراهيمَ وَموسى وَعيسى ) فقد علمنا وبلّغنا ما علمنا واستودعنا علمهم ، ونحن ورثة الأنبياء ونحن ذرّية اُولي العلم ( أنْ أقيموا الدِّينَ )يا آل محمد (صلى الله عليه وآله)( وَلا تَتَفَرَّقوا فيهِ ) وكونوا على جماعتكم ( كَبُرَ عَلى المُشْرِكينَ )من أشرك بولاية عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)( ما تَدْعوهُمْ إلَيْهِ ) من ولاية علي (عليه السلام)إنّ ( اللهَ ) يا محمد ( يَجْتَبي إلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدي إلَيْهِ مَنْ يُنيبُ ) من يجيبك إلى ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)[635].
429 ـ روي عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خلق الله من نور وجه علي ابن أبي طالب (عليه السلام) سبعين ألف ملك يستغفرون له ولمحبّيه إلى يوم القيامة[636].
430 ـ عن أبي إسحاق الحارث بن عبد الله عن علي (عليه السلام)قال: صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنبر فقال: إنّ الله نظر إلى أهل الأرض نظرة فاختارني منهم ، ثمّ نظر ثانية فاختار علياً أخي ووزيري ووارثي ووصيّي وخليفتي في اُمّتي ووليّ كلّ مؤمن بعدي ، من تولاّه تولّى الله ، ومن عاداه عادى الله ، ومن أحبّه أحبّ الله ، ومن أبغضه أبغضه الله ، والله لا يحبّه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ كافر ، وهو نور الأرض بعدي ، وركنها وهو كلمة التقوى والعروة الوثقى ، ثمّ تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( يُريدونَ لِيُطْفِئوا نورَ اللهِ بِأفْواهِهِمْ وَيَأبى اللهُ إلاّ أنْ يُتِمَّ نورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرونَ ) يا أ يّها الناس مقالتي هذه يبلّغها شاهدكم غائبكم ، اللهمّ إنّي اُشهدك عليهم . أ يّها الناس وإنّ الله نظر ثالثة واختار بعدي وبعد أخي علي بن أبي طالب (عليه السلام)أحد عشر إماماً واحداً بعد واحد ، كلّما هلك واحد قام واحد ، مثله كمثل نجوم السماء ، كلّما غاب نجم طلع نجم ، هداة مهديّون لا يضرّهم كيد من كادهم وخذلهم ، هم حجّة الله في أرضه ، وشهداؤه على خلقه ، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله ، هم مع القرآن والقرآن معهم ، لا يفارقونه حتّى يردوا عليَّ الحوض[637].
431 ـ يا سائلي عن الولاية ، إنّ في حديثها وأحاديثها لحقائق ناصعة ، وأنوار ساطعة ، لا يمكن إنكارها إلاّ من كان أرمداً عن رؤية الحقّ والحقيقة ، فتعال لنسمع ما يقوله ابن أبي يعفور عن إمامنا الصادق (عليه السلام) ، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّي اُخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتوالونكم ويتوالون فلاناً وفلاناً لهم أمانة وصدق ووفاء ، وأقوام يتوالونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق ! قال: فاستوى أبو عبد الله (عليه السلام)جالساً وأقبل عليَّ كالمغضب ، ثمّ قال: لا دين لمن دان بولاية إمام جائر ليس من الله ، ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله . قلت: لا دين لاُولئك ولا عتب على هؤلاء . قال: نعم ، لا دين لاُولئك ولا عتب على هؤلاء . ثمّ قال: ألا تسمع قول الله عزّ وجلّ: ( اللهُ وَلِيُّ الَّذينَ آمَنوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ ) من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة أو المغفرة ، لولايتهم كلّ إمام عادل من الله ، قال: ( وَالَّذينَ كَفَروا أوْلِياؤُهُمُ الطَّاغوتُ يُخْرِجونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُماتِ ) فأيّ نور يكون للكافر فيخرج منه ؟ إنّما عنى بهذا أ نّهم كانوا على نور الإسلام ، فلمّـا توالوا كلّ إمام جائر ليس من الله خرجوا بولايتهم إيّاهم من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر ، فأوجب الله لهم النار مع الكفّار فقال: ( اُولـئِكَ أصْحابُ النُّارِ هُمْ فيها خالِدونَ )[638].
قال العلاّمة المجلسي في بيان الخبر: العَجَب ـ بالتحريك ـ التعجّب ، والعَتب ـ بالفتح ـ: الغضب والملامة ، وبالتحريك: الأمر الكريه والشدّة ، ولعلّ المعنى لا عتب عليهم يوجب خلودهم في النار ، أو العذاب الشديد أو عدم استحقاق المغفرة ، وربما يحمل المؤمنون على غير المصرّين على الكبائر من ظلمات الذنوب كأ نّه (عليه السلام) استدلّ بأ نّه تعالى لمّـا قال ( آمَنوا ) بصيغة الماضي و ( يُخْرِجُهُمْ ) بصيغة المستقبل دلّ على أ نّه ليس المراد الخروج من الإيمان ، فإنّه كان ثابتاً ، ولمّـا كان ( الظُّلُماتِ ) جمعاً معرّفاً باللام مفيداً للعموم يشمل الذنوب كما يشمل الجهالات ، فإمّا أن يوفّقهم للتوبة فيتوب عليهم أو يغفر لهم بغير توبة إن ماتوا كذلك ، ويحتمل التخصيص بالأوّل لكنّه بعيد عن السياق.
كانوا على نور الإسلام أي على فطرة الإسلام ، فإنّ كلّ مولود يولد على الفطرة ، أو الآية في قوم كانوا على الإسلام قبل وفاة الرسول فارتدّوا بعده باتّباع الطواغيت وأئمة الضلال ، وهذا هو الظاهر ، فاستدلّ (عليه السلام) على كونها نازلة فيهم بأ نّه لا بدّ من أن يكون لهم نور حتّى يخرجوهم منه ، والقول بأنّ الإخراج قد يستعمل بالمنع عن شيء وإن لم يدخلوا فيه تكلّف ، فالآية نازلة فيهم كما اختاره مجاهد من المفسّرين أيضاً[639].
432 ـ هذه هي الولاية ، أنوار إلهية لمن كان مؤمناً يستضيء بها في حياته وبعد مماته ، وهذه الأنوار إنّما هي في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
عن أنس بن مالك وعن بريدة قالا: قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ( في بُيوت أذِنَ اللهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيها اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فيها بِالغُدُوِّ وَالآصالِ ) فقام إليه رجل فقال: أيّ بيوت هذه يا رسول الله ؟ فقال: بيوت الأنبياء . فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله ، هذا البيت منها ؟ وأشار إلى بيت عليّ وفاطمة (عليهما السلام) . قال: نعم من أفضلها[640].
433 ـ عن ابن نباتة قال: كنت جالساً عند أمير المؤمنين (عليه السلام)فجاء ابن الكوّا فقال: يا أمير المؤمنين ، قول الله عزّ وجلّ: ( لَيْسَ البِرَّ بِأنْ تَأتوا البُيوتَ مِنْ ظُهورِها وَلـكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى وَأتوا البُيوتَ مِنْ أبْوابِها ) قال (عليه السلام): نحن البيوت التي أمر الله أن يؤتى من أبوابها ، ونحن باب الله وبيوته التي يؤتى منه ، فمن بايعنا وأقرّ بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ، ومن خالفنا وفضّل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها.
434 ـ فبيوت الأئمة الأطهار بيوت الله وبيوت الأنبياء والرسل ، وهذا من آثار الولاية ومظاهرها ، كلّ هذا من فضل الله وعنايته ، هكذا أراد الله في عالمي التكوين والتشريع.
عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال: إنّ الله طهّرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجّته في أرضه وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا[641].
فالأئمة الأطهار شهداء الله على الخلق وإنّ الأعمال تعرض عليهم كما تعرض على النبيّ الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله).
عن يونس عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)قال: سمعته يقول في الأيام حين ذكر يوم الخميس فقال: هو يوم تعرض فيه الأعمال على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)وعلى الأئمة (عليهم السلام)[642].
435 ـ عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: سمعته يقول: ما لكم تسوؤن رسول الله ؟ فقال له رجل: جعلت فداك ، فكيف نسوؤه ؟ فقال: أما تعلمون أنّ أعمالكم تعرض عليه ، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك ؟ فلا تسوؤا رسول الله (صلى الله عليه وآله)وسرّوه.
وهذا من مقام الولاية ، ولا تختصّ برسول الله ، بل هو وعترته الأئمة الطاهرون كذلك ، فكلّهم نور واحد ، كما ورد في الخبر الشريف: أوّلنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد وكلّنا محمد ، فعلينا أن نتّقي الله حقّ تقاته لنسرّ بذلك الرسول وأهل بيته (عليهم السلام) ولا سيّما صاحب الزمان الحجّة الثاني عشر الإمام المنتظر (عليه السلام) ، فإنّه يعرض عليه الأعمال عصر الاثنين والخميس.
436 ـ عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: إنّ الله عزّ وجلّ يقول: ما توجّه إليِّ أحد من خلقي أحبّ إليَّ من داع دعاني يسأل بحقّ محمد وأهل بيته ، وإنّ الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه قال: «اللهمّ أنت وليّي في نعمتي والقادر على طلبتي وقد تعلم حاجتي فأسألك بحقّ محمّد وآل محمّد إلاّ ما رحمتني وغفرت زلّتي» فأوحى الله إليه: يا آدم ، أنا وليّ نعمتك والقادر على طلبتك وقد علمت حاجتك ، فكيف سألتني بحقّ هؤلاء ؟ فقال: يا ربّ ، إنّك لمّـا نفخت فيَّ الروح رفعت رأسي إلى عرشك ، فإذا حوله مكتوب: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله ، فعلمت أ نّه أكرم خلقك عليك ، ثمّ عرضت عليَّ الأسماء ، فكان ممّن مرّ بي من أصحاب اليمين آل محمد وأشياعهم ، فعلمت أ نّهم أقرب خلقك إليك ، قال: صدقت يا آدم[643].
نعم ، أ يّها الحبيب ، حينما نذكر الولاية وندافع عنها بأنفسنا وبكلّ ما نملك في الحياة ، إنّما هو من أجل هذه الحقائق والمظاهر التي تيقّنت أنفسنا بها ، واعتقدناها في ضمائرنا وقلوبنا بكلّ وجودنا ، وخلقت من اليوم الأوّل في طينتنا وتكويننا.
437 ـ عن جابر عن أبي جعفر عن أبيه عن جدّه (عليهم السلام): إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)قال لعليّ (عليه السلام): أنت الذي احتجّ الله بك في ابتدائه الخلق حيث أقامهم أشباحاً ، فقال لهم: ألست بربّكم ؟ قالوا: بلى . قال: محمد رسول الله ؟ قالوا: بلى . قال: وعلي أمير المؤمنين ؟ فأبى الخلق كلّهم جميعاً إلاّ استكباراً وعتوّاً عن ولايتك إلاّ نفر قليل وهم أقلّ القليل وهم أصحاب اليمين.
438 ـ عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: إنّ الله خلقنا من أعلى علّيّين وخلق قلوب شيعتنا ممّـا خلقنا منه ، وخلق أبدانهم من دون ذلك ، فقلوبهم تهوى إلينا لأ نّها خلقت ممّـا خلقنا منه ، ثمّ تلا قوله: ( كَلاّ إنَّ كِتابَ الأبْرارِ لَفي عِلِّيِّينَ وَما أدْراكَ ما عِلِّيُّونَ ) إلى قوله: ( يَشْهَدَهُ المُقَرَّبونَ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحيق مَخْتوم خِتامُهُ مِسْكٌ ) قال: ماء إذا شربه المؤمن وجد رائحة المسك فيه[644].
439 ـ عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عن آبائه (عليهم السلام) ، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال لعليّ (عليه السلام): يا عليّ ، قوله عزّ وجلّ: ( كُلُّ نَفْس بِما كَسَبَتْ رَهينَةٌ إلاّ أصْحابُ الَيمينِ في جَنَّات يَتَساءَلونَ عَنِ الُمجْرِمينَ ما سَلَكَكُمْ في سَقَر ) والمجرمون هم المنكرون لولايتك ( قالوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكينَ وَكُنَّا نَخوضُ مَعَ الخائِضينَ ) فيقول لهم أصحاب اليمين ليس من هذا اُوتيتم ، فما الذي سلككم في سقر يا أشقياء ؟ قالوا: ( وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أتانا اليَقينُ ) فقالوا لهم: هذا الذي سلككم في سقر يا أشقياء ويوم الدين يوم الميثاق حيث جحدوا وكذّبوا بولايتك وعتوا عليك واستكبروا.
440 ـ عن الثمالي عن علي بن الحسين (عليهما السلام)قال: ليس بين الله وبين حجّته حجاب فلا لله دون حجّته ستر ، نحن أبواب الله ونحن الصراط المستقيم ونحن عيبة علمه ونحن تراجمة وحيه ، ونحن أركان توحيده ونحن موضع سرّه[645].
441 ـ وما هذه الولاية والمحبّة التي يحدّثنا عنها سلمان الفارسي رضوان الله عليه ، قال: كنا عند النبيّ (صلى الله عليه وآله)في مسجده إذ جاء أعرابيّ فسأله عن مسائل الحجّ وغيره ، فلمّـا أجابه قال له: يا رسول الله ، إنّ حجيج قومي ممّن شهد ذلك معك ، أخبرنا أ نّك قمت بعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بعد قفولك ـ الرجوع من السفر ـ من الحجّ ووقفته بالشجرات من خمّ ، فافترضت على المسلمين طاعته ومحبّته ، وأوجبت عليهم جميعاً ولايته ، وقد أكثروا علينا من ذلك فبيّن لنا يا رسول الله ، أذلك فريضة علينا من الأرض لما أدنته الرحم والصهر منك ؟ أم من الله افترضه علينا وأوجبه من السماء ؟ فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): بل الله افترضه وأوجبه من السماء وافترض ولايته على أهل السماوات وأهل الأرض جميعاً ، يا أعرابي ، إنّ جبرئيل (عليه السلام) هبط عليّ يوم الأحزاب وقال: إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول لك: إنّي قد افترضت حبّ عليّ بن أبي طالب ومودّته على أهل السماوات وأهل الأرض فلم أعذر في محبّته أحداً ، فمر اُمّتك بحبّه فمن أحبّه فبحبّي وحبّك اُحبّه ، ومن أبغضه فببغضي وبغضك اُبغضه ، أما إنّه ما أنزل الله تعالى كتاباً ولا خلق خلقاً إلاّ وجعل له سيّداً ، فالقرآن سيّد الكتب المنزلة ، وشهر رمضان سيّد الشهور ، وليلة القدر سيّدة الليالي ، والفردوس سيّد الجنان ، وبيت الله الحرام سيّد البقاع ، وجبرئيل (عليه السلام)سيّد الملائكة ، وأنا سيّد الأنبياء ، وعليّ سيّد الأوصياء ، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، ولكلّ امرئ من عمله سيّد ، وحبّي وحبّ عليّ بن أبي طالب سيّد الأعمال ، وما تقرّب به المتقرّبون من طاعة ربّهم[646].
442 ـ وما هذه الولاية التي يقول فيها رسول الله لأبي ذرّ الغفاري في فضائل أمير المؤمنين علي (عليه السلام): يا أبا ذر ، إنّ الله تبارك وتعالى تفرّد بملكه ووحدانيّته فعرّف عباده المخلصين لنفسه وأباح لهم الجنّة ، فمن أراد أن يهديه عرّفه ولايته ، ومن أراد أن يطمس على قلبه أمسك عنه معرفته ، يا أبا ذرّ ، هذا راية الهدى وكلمة التقوى والعروة الوثقى ، وإمام أوليائي ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمها الله المتّقين ، فمن أحبّه كان مؤمناً ومن أبغضه كان كافراً ، ومن ترك ولايته كان ضالا مضلا ، ومن جحد ولايته كان مشركاً ، يا أبا ذرّ ، يؤتى بجاحد ولاية عليّ يوم القيامة أصمّ وأعمى وأبكم ، فيكبكب في ظلمات القيامة ينادي يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله ، وفي عنقه طوق من النار ، لذلك الطوق ثلاثمائة شعبة على كلّ شعبة منها شيطان يتفل في وجهه ، ويكلح من جوف قبره إلى النار.
قال أبو ذرّ: فقلت: فداك أبي واُمّي يا رسول الله ، ملأت قلبي فرحاً وسروراً فزدني ، فقال: نعم ... فزاده رسول الله[647].
أجل مثل سلمان الذي قمّة الإيمان ودرجاته العليا العشرة ، ومثل أبي ذرّ الذي هو أصدق لهجة ، وبلغ من درجات الإيمان تسعة ، إنّما يتحمّل مثل هذه الكلمات ويملأ قلبه فرحاً وسروراً ، ويريد الزيادة في معرفة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، وأمّا من خبثت نطفته ، وفي قلبه مرض ، فلم يزدد إلاّ مرضاً وجحوداً وإنكاراً وضلالا ، وله عذاب النار وبئس المصير.
443 ـ وأمّا حديث النبيّ الأعظم رسول الله وحبيبه ، فإنّ فحوى كلامه الشريف يختلف مع الأنصار ، فإنّه يقول لأنس: يا أنس ، انطلق فادعُ لي سيّد العرب ـ يعني عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ـ فقالت عائشة: ألست سيّد العرب ؟ قال: أنا سيّد ولد آدم ولا فخر ، وعليّ بن أبي طالب سيّد العرب . فلمّـا جاء عليّ بن أبي طالب بعث النبيّ (صلى الله عليه وآله)إلى الأنصار ، فلمّـا صاروا إليه قال لهم: معاشر الأنصار ، ألا أدلّكم على ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ؟ هذا عليّ بن أبي طالب فأحبّوه لحبّي وأكرموه لكرامتي ، فمن أحبّه فقد أحبّني ، ومن أحبّني فقد أحبّه الله ، ومن أحبّه الله أباحه جنّته وأذاقه برد عفوه ، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أكبّه الله على وجهه في النار وأذاقه أليم عذابه ، فتمسّكوا بولايته ولا تتّخذوا عدوّه من دونه وليجة فيغضب عليكم الجبّار.
444 ـ وما هذه الولاية التي لها أصالة في عمق الوجود ، فيروي الشيخ الصدوق بسنده عن أبي جعفر الإمام الباقر (عليه السلام) ، قال في قول الله ( وَلَقَدْ عَهِدْنا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) ، قال: عهد إليه في محمّد (صلى الله عليه وآله) والأئمّة من بعده فترك ولم يكن له عزم فيهم أ نّهم هكذا ، وإنّما سمّوا اُولو العزم لأ نّه عهد إليهم في محمّد وأوصيائه (عليهم السلام) من بعده والقائم (عليه السلام)وسيرته ، فأجمع عزمهم أنّ ذلك كذلك والإقرار به[648].
445 ـ وعن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لمّـا أن خلق الله تعالى آدم وقّفه بين يديه ، فعطس فألهمه الله أن حمده فقال: يا آدم ، حمدتني ، فوعزّتي وجلالي لولا عبدان اُريد أن أخلقهما في آخر الزمان ما خلقتك . قال آدم: يا ربّ ، بقدرهما عندك ، ما اسمهما ؟ فقال تعالى: يا آدم ، انظر نحو العرش فإذا بسطرين من نور أوّل السطر: «لا إله إلاّ الله محمّد نبيّ الرحمة وعليّ مفتاح الجنّة» ، والسطر الثاني: «آليت على نفسي أن أرحم من والاهما واُعذّب من عاداهما»[649].
446 ـ وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا عليّ ، بشّرني جبرئيل عن ربّ العالمين ، فقال: يا محمّد ، بشّر أخاك عليّاً (عليه السلام) أ نّي لا اُعذّب من تولاّه ، ولا أرحم من عاداه[650].
447 ـ وفي خبر آخر: عليّ مقيم حجّتي ، لا اُعذّب من والاه وإن عصاني ، ولا أرحم من عاداه وإن أطاعني[651].
448 ـ وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ حبّ أهل بيتي ينفع من أحبّهم في سبع مواطن مهولة: عند الموت ، وفي القبر ، وعند القيام من الأجداث ، وعند تطاير الصحف ، وعند الميزان ، وعند الصراط ، فمن أحبّ أن يكون آمناً في هذه المواطن فليوالِ علياً بعدي ، وليتمسّك بالحبل المتين عليّ بن أبي طالب وعترته من بعده.
449 ـ وما أعظم هذه الولاية العلوية العظمى التي تسعد الإنسان المؤمن في حياته وعند مماته ، وله في الآخرة الدرجات العلى ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا عليّ ، لا يموت وليّك ، فإنّه يراك عند الموت فتكون له شفيعاً ومبشّراً وقرّة عين[652].
450 ـ وقال الإمام الصادق (عليه السلام): إنّ وليّنا ليقبضه الله إليه فيصعد ملكاه إلى السماء فيقولان: يا ربّنا عبدك فلان ابن فلان انقطع واستوفى أجله ، ولأنت أعلم منّا بذلك . فأذن لنا نعبدك في آفاق سمائك وأطراف أرضك ، قال: فيوحي الله إليهما: إنّ في سمائي لمن يعبدني وما لي في عبادته من حاجة ، بل هو أحوج إليها ، وإنّ في أرضي لمن يعبدني حقّ عبادتي ، وما خلقت خلقاً أحوج إليَّ منه . فيقولان: يا ربّنا من هذا الذي يسعد بحبّك إيّاه . قال: فيوحي الله إليه: ذلك من أخذ ميثاقه بمحمد عبدي ووصيّه وذرّيّتهما بالولاية . إهبطا إلى قبر وليّي فلان بن فلان فصلّيا عنده إلى أن أبعثه في القيامة ، قال: فيهبط الملكان فيصلّيان عند القبر إلى أن يبعثه الله ، فيكتب ثواب صلاتهما له ، والركعة من صلاتهما تعدل ألف صلاة من صلاة الآدميّين[653].
451 ـ وقال (عليه السلام): والله ما من عبد من شيعتنا ينام إلاّ أصعد الله عزّ وجلّ بروحه إلى السماء ، فإن كان قد أتى عليه أجله جعله في كنوز رحمته ، وفي رياض جنّته وفي ظلّ عرشه ، وإن كان أجله متأخّراً عنه ، بعث به مع أمينه من الملائكة ليؤدّيه إلى الجسد الذي خرج منه ليسكن فيه[654].
452 ـ وخير الصحاب أبو حمزة الثمالي يحدّثنا قائلا: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما يصنع بأحدنا عند الموت ؟ قال: أما والله يا أبا حمزة ، ما بين أحدكم وبين أن يرى مكانه من الله ومكانه منّا إلاّ أن يبلغ نفسه ههنا ـ ثمّ أهوى بيده إلى نحره ـ ألا اُبشّرك يا أبا حمزة ؟ قلت: بلى جُعلت فداك . فقال: إذا كان ذلك أتاه رسول الله (صلى الله عليه وآله)وعليّ (عليه السلام)معه ، يقعد عند رأسه ، فقال له ـ إذا كان ذلك ـ رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما تعرفني ؟ أنا رسول الله ، هلمّ إلينا ، فما أمامك خيرٌ لك ممّـا خلّفت ، أمّا ما كنت تخاف فقد أمنته ، وأمّا ما كنت ترجو فقد هجمت عليه ، أ يّتها الروح اخرجي إلى روح الله ورضوانه ، ويقول له عليّ (عليه السلام)مثل قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ قال: يا أبا حمزة ، ألا اُخبرك بذلك من كتاب الله ؟ قول الله ( الَّذينَ آمَنوا وَكانوا يَتَّقونَ لَهُمُ البُشْرى في الحَياةِ الدُّنْيا وَفي الآخِرَة لا تَبْديلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظيمُ )[655]»[656].
453 ـ والعلاّمة المجلسي بسنده عن الأصبغ بن نباتة ، قال: دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين علي (عليه السلام)في نفر من الشيعة وكنت فيهم ، فجعل الحارث يتّئد في مشيته ويخبط الأرض بمحجنه وكان مريضاً ، فأقبل عليه أمير المؤمنين (عليه السلام)ـ وكانت له منه منزلة ـ فقال: كيف تجدك يا حارث ؟ فقال: نال الدهر يا أمير المؤمنين منّي ، وزادني أوباً غليلا اختصام أصحابك ببابك ، قال: وفيم خصومتهم ؟ قال: فيك وفي الثلاثة من قبلك ، فمن مفرط منهم غال ومقتصد تال ومن متردّد مرتاب لا يدري أيقدم أم يحجم ؟ فقال: حسبك يا أخا همدان ، ألا إنّ خير شيعتي النمط الأوسط ، إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التالي . فقال له الحارث: لو كشفت ـ فداك أبي واُمّي ـ الرين عن قلوبنا وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا . قال: عندك فإنّك امرؤ ملبوس عليك ، إنّ دين الله لا يعرف بالرجال بل بآية الحقّ ، فاعرف الحقّ تعرف أهله . يا حارث ، إنّ الحقّ أحسن الحديث والصادع به مجاهد ، وبالحقّ اُخبرك فارعني سمعك ثمّ خبّر به من كانت له حصانة من أصحابك ، ألا إنّي عبد الله وأخو رسوله وصدّيقه الأوّل ، قد صدّقته وآدم بين الروح والجسد ، ثمّ إنّي صدّيقه الأوّل من اُمّتكم حقاً ، فنحن الأوّلون ونحن الآخرون ونحن خاصّته . يا حارث ، وخالصته وأنا صفوه ووصيّه ووليّه وصاحب نجواه وسرّه ، اُوتيت فهم الكتاب وفصل الخطاب وعلم القرون والأسباب ، واستودعت ألف مفتاح ، يفتح كلّ مفتاح ألف باب ، يفضي كلّ باب إلى ألف عهد ، واُيّدت واتّخذت واُمددت بليلة القدر نفلا ، وإنّ ذلك ليجري لي ولمن تحفّظ من ذرّيتي ما جرى الليل والنهار حتّى يرث الله الأرض ومن عليها ، واُبشّرك ـ يا حارث ـ لتعرفني عند الممات وعند الصراط وعند الحوض وعند المقاسمة . قال الحارث: وماالمقاسمة ؟ قال: مقاسمة النار اُقاسمها قسمة صحيحة ، أقول: هذا وليّي فاتركيه وهذا عدوّي فخذيه . ثمّ أخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) بيد الحارث فقال: يا حارث ، أخذت بيدك كما أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله)بيدي فقال لي ـ وقد شكوت إليه حسد قريش والمنافقين لي ـ: إنّه إذا كان يوم القيامة أخذت بحبل الله وبحجزته ـ يعني عصمته ـ من ذي العرش تعالى ، وأخذت أنت يا عليّ بحجزتي وأخذ ذرّيتك بحجزتك ، وأخذ شيعتكم بحجزتكم ، فماذا يصنع الله بنبيّه ؟ وما يصنع نبيّه بوصّيه ؟ خذها إليك يا حارث قصيرة من طويلة ، أنت مع من أحببت ولك ما اكتسبت ـ يقولها ثلاثاً ـ فقام الحارث يجرّ رداءه ويقول: ما اُبالي بعدها متى لقيت الموت أو لقيني[657].
قال جميل بن صالح وأنشدني ابو هاشم السيّد الحميري (رحمه الله) فيما تضمّنه هذا الخبر:
قول عليّ لحارث عجب *** كم ثمّ اُعجوبة له حملا
يا حار همدان من يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قبلا
يعرفني طرفه وأعرفه *** بنعته واسمه وما عملا
وأنت عند الصراط تعرفني *** فلا تخف عثرة ولا زللا
اُسقيك من بارد على ظمأ *** تخاله في الحلاوة العسلا
أقول للنار حين توقف للعرض *** دعيه لا تقتلي الرجلا
دعيه لا تقربيه إنّ له *** حبلا بحبل الوصيّ متّصلا[658]
454 ـ وعن الإمام الصادق (عليه السلام)قال: ما يموت موال لنا مبغض لأعدائنا إلاّ ويحضره رسول الله (صلى الله عليه وآله)وأمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم فيردونه ويبشّرونه ، وإن كان غير موال لنا يراهم بحيث يسوؤه[659].
455 ـ وعن أبي القاسم العلوي معنعناً عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك ، يستكره المؤمن على خروج نفسه ؟ قال: لا والله . قلت: وكيف ذاك ؟ قال: إنّ المؤمن إذا حضرته الوفاة حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته ـ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وجميع الأئمة عليهم الصلاة والسلام ـ ولكن أكّنوا عن اسم فاطمة ـ أي لا تصرّحوا باسمها (عليها السلام) لئلاّ يصير سبباً لإنكار الضعفاء من الناس ـ ويحضره جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل (عليهم السلام) . قال: فيقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): يا رسول الله ، إنّه كان ممّن يحبّنا ويتولاّنا فأحبّه . قال: فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا جبرئيل إنّه ممّن كان يحبّ عليّاً وذرّيته فأحبّه ، وقال جبرئيل لميكائيل وإسرافيل (عليهم السلام)مثل ذلك ، ثمّ يقولون جميعاً لملك الموت: إنّه ممّن كان يحبّ محمّداً وآله ويتولّى عليّاً وذرّيته فارفق به . قال: فيقول ملك الموت: والذي اختاركم وكرّمكم واصطفى محمّداً (صلى الله عليه وآله)بالنبوّة وخصّه بالرسالة لأنا أرفق به من والد رفيق ، وأشفق عليه من أخ شفيق ، ثمّ قام إليه ملك الموت فيقول: يا عبد الله أخذت فكاك رقبتك ؟ أخذت رهان أمانك ؟ فيقول: نعم . فيقول الملك: فبماذا ؟ فيقول: بحبّي محمّداً وآله ، وبولايتي عليّ بن أبي طالب وذرّيته . فيقول: أمّا ما كنت تحذر فقد آمنك الله منه ، وأمّا ما كنت ترجو فقد أتاك الله به ، إفتح عينيك فانظر إلى ما عندك . قال: فيفتح عينه فينظر إليهم واحداً واحداً ، ويفتح له باب إلى الجنّة فينظر إليها فيقول له: هذا ما أعدّ الله لك ، وهؤلاء رفقاؤك ، أفتحبّ اللحاق بهم أو الرجوع إلى الدنيا ؟ قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أما رأيت شخوصه ورفع حاجبيه إلى فوق من قوله: لا حاجة لي إلى الدنيا ولا الرجوع إليها ؟ ويناديه مناد من بطنان العرش يسمعه من بحضرته: يا أ يّتها النفس المطمئنّة إلى محمّد ووصيّه والأئمّة من بعده ، ارجعي إلى ربّك راضية بالولاية مرضيّة بالثواب ، فادخلي في عبادي مع محمّد وأهل بيته وادخلي جنّتي غير مشوبة (بالمحن والآلام)[660].
وكلّ هذا من بركة ولايه محمد وآله (عليهم السلام).
456 ـ وعن أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو أنّ مؤمناً أقسم على ربّه عزّ وجلّ أن لا يميته ما أماته أبداً ، ولكن إذا حضر أجله بعث الله عزّ وجلّ إليه ريحين ـ وفي خبر آخر بريحانتين ـ ريحاً يقال له: المنسية ، وريحاً يقال له: المسخية . فأمّا المنسية فإنّها تنسيه أهله وماله ، وأمّا المسخية فإنّها تسخي نفسه عن الدنيا حتّى يختار ما عند الله تبارك وتعالى[661].
457 ـ وعن الإمام الجواد(عليه السلام)، عن آبائه(عليهم السلام)، قال: قيل لأمير المؤمنين(عليه السلام): صف لنا الموت ، فقال: على الخبير سقطتم ، هو أحد ثلاثة اُمور يرد عليه: إمّا بشارة بنعيم الأبد ، وإمّا بشارة بعذاب الأبد ، وإمّا تحزين وتهويل وأمره مبهم ، لا يدري من أيّ الفِرَق هو ، فأمّا وليّنا المطيع لأمرنا فهو المبشّر بنعيم الأبد ، وأمّا عدوّنا المخالف علينا فهو المبشّر بعذاب الأبد ، وأمّا المبهم أمره الذي لا يدري ما حاله فهو المؤمن المسرف على نفسه لا يدري ما يؤول إليه حاله يأتيه الخبر مبهماً مخوفاً ، ثمّ لن يسوّيه الله عزّ وجلّ بأعدائنا ، لكن يخرجه من النار بشفاعتنا . فاعملوا فأطيعوا ولا تتّكلوا ولا تستصغروا عقوبة الله عزّ وجلّ ، فإنّ من المسرفين من لا تلحقه شفاعتنا إلاّ بعد عذاب ثلاثمائة ألف سنة[662].
458 ـ وعن الإمام الباقر (عليه السلام)يقول: اتّقوا الله واستعينوا على ما أنتم عليه بالورع والاجتهاد في
طاعة الله ، فإنّ أشدّ ما يكون أحدكم اغتباطاً بما هو عليه لو قد صار في حدّ
الآخرة وانقطعت الدنيا عنه ، فإذا كان في ذلك الحدّ عرف أ نّه قد استقبل
النعيم والكرامة من الله والبشرى بالجنّة وأمن ممّن كان يخاف ، وأيقن أنّ
الذي كان
عليه
هو الحقّ ، وأنّ من خالف دينه على باطل هالك[663].
459 ـ وعن أبي عمرو البزّاز قال: كنّا عند أبي جعفر الإمام الباقر (عليه السلام)جلوساً فقام فدخل البيت وخرج فأخذ بعضادتي الباب ، فسلّم فرددنا عليه السلام ثمّ قال: والله إنّي لاُحبّ ريحكم وأرواحكم وإنّكم لعلى دين الله ودين ملائكته ، وما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقرّ به عينه إلاّ أن تبلغ نفسه ههنا ـ وأومأ بيده إلى حنجرته ـ وقال: اتّقوا الله وأعينوا على ذلك بورع[664].
460 ـ قال الإمام الباقر (عليه السلام): من والى علياً (عليه السلام)أذهب الله عنه الرجس وتاب عليه[665].
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أراد أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنّة عدن التي غرسها الله ربّي بيده ، فليتولّ علي بن أبي طالب (عليه السلام)وليتولّ وليّه وليعادِ عدوّه ، وليسلّم للأوصياء من بعده فإنّهم عترتي[666].
461 ـ وعن أبي جعفر (عليه السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سرّه أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنّة التي وعدنيها ربّي ، ويتمسّك بقضيب غرسه ربّي بيده (ويدخل جنّة غرسها ربّي بيده) ، فليتولّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)وأوصيائه من بعده ، فإنّهم لا يدخلونكم في باب ضلال ولا يخرجونكم من باب هدى[667].
[633]البحار 23: 298 ، عن تفسير الفرات: 28.
[634]المصدر نفسه.
[635]البحار 23: 314 ، عن تفسير الفرات: 103.
[636]المصدر: 320 ، عن كنز جامع الفوائد: 334.
[637]المصدر نفسه.
[638]البحار 23: 323 ، عن غيبة النعماني: 65.
[639]المصدر: 324.
[640]البحار 23: 325 ، الباب 19 رفعة بيوتهم المقدّسة في حياتهم وبعد وفاتهم (عليهم السلام)وأ نّها المساجد المشرّفة ، وفي الباب 19 رواية.
[641]المصدر: 343 ، عن بصائر الدرجات: 24.
[642]المصدر والمرجع.
[643]البحار 24: 2 ، الباب 23 أ نّهم (عليهم السلام) الأبرار والمتّقون والسابقون والمقرّبون وشيعتهم أصحاب اليمين وأعداؤهم الفجّار والأشرار ، وفي الباب 25 رواية.
[644]المصدر ، عن تفسير القمي: 716.
[645]البحار 24: 12 ، الباب 24 أ نّهم (عليهم السلام) السبيل والصراط وهم وشيعتهم المستقيمون عليها ، وفي الباب 56 رواية.
[646]البحار 40: 54 ، عن كنز جامع الفوائد.
[647]البحار 40: 56.
[648]البحار 11: 112 ، عن تفسير القمي.
[649]المصدر: 114 ، عن قصص الأنبياء.
[650]جامع الأخبار: 51.
[651]المناقب 3: 200.
[652]تفسير الفرات: 116.
[653]فضائل الشيعة: 28.
[654]أمالي الصدوق: 501.
[655]يونس: 64.
[656]بحار الأنوار 6: 178.
[657]وهذه هي البراءة ، وهذه هي الولاية.
[658]البحار 6: 180.
[659]المصدر: 181.
[660]البحار 6: 168.
[661]المصدر: 153.
[662]البحار 6: 154.
[663]المصدر: 187.
[664]المصدر: 189.
[665]تفسير الفرات: 153.
[666]الكافي 1: 209.
[667]المصدر نفسه.