إنّ شواهد القرآن متظافرة على أنّ الله عزّ وجلّ يحبّ عبده ، كقوله تعالى :
( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )[1].
وقال عزّ وجلّ :
( إنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذينَ يُقاتِلونَ في سَبيلِهِ صَفَّاً )[2].
وقال سبحانه :
( إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرينَ )[3].
وقد ردّ سبحانه على من ادّعى أ نّه حبيب الله ، فقال :
( قُلْ فَلِمَ يُعِذِّبُكُمْ بِذُنوبِكُمْ )[4].
فحبّ الله عبده يستوجب غفران ذنبه ، وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أ نّه قال : « إذا أحبّ الله عبداً لم يضرّه ذنب ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له » ، ثمّ تلا :
( إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابينَ ).
ومعناه أ نّه إذا أحبّه تاب عليه قبل الموت فلم تضرّه الذنوب الماضية ، وإن كثرت وزادت ، كما لا يضرّ الكفر الماضي بعد الإسلام ، فإنّ الإسلام يجبّ عمّـا قبل.
وقد اشترط الله للمحبّة غفران الذنوب ، فقال :
( قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعوني يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنوبَكُمْ )[5].
وقال زيد بن أسلم : إنّ الله ليحبّ العبد حتّى يبلغ من حبّه له أن يقول : إعمل ما شئت فقد غفرت لك.
ومعلوم أنّ العبد المحبّ لا يعمل إلاّ بطاعة الله وما يوجب رضوانه وقربه وجنانه ، فيتقرّب إليه بالنوافل ، حتّى يصل إلى درجة الحبّ ، فيكون تقرّبه بالنوافل سبباً لصفاء باطنه وارتفاع الحجاب عن قلبه وحصوله في درجة القرب من ربّه ، فينبسط في حضرته القدسيّة ، ويرتع في رياض قدسه ، ويكون كالعبد والملك ، حينما يتقرّب إليه حتّى يكون بين يديه ، ولا يكون ذلك إلاّ بالبعد عن صفات البهائم والسباع والشياطين ، والتخلّق بمكارم الأخلاق الإلهيّة ، فهو قريب بالصفة لا بالمكان ، فقرب كلّ واحد بقدر كماله ومعرفته وحبّه وطاعته وشوقه ، وعلامة حبّ الله للعبد أن يوحشه من غيره ، حتّى يأنس به ، فإنّ من استأنس بالله استوحش من الناس ، ويحول بينه وبين غيره ، وفي الخبر : « إذا أحبّ الله عبداً ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، وإن رضي اصطفاه ».
وقال (عليه السلام) : « إذا أحبّ الله عبداً جعل له واعظاً من نفسه وزاجراً من قبله يأمره وينهاه » . « وإذا أراد الله بعبد خيراً بصّره بعيوب نفسه ».
ومن أخصّ علامات الحبّ أن يحبّ الإنسان ربّه ، ومن علامات حبّ الله لعبده بعد غفران ذنبه أن يتولّى أمره وصلاحه ، ويدبّر ظاهره وباطنه ، ويزيّن أخلاقه ويحييه حياة طيّبة ، راضية مرضيّة ، ويناجيه في سرّه ، ويحبّب إليه طاعته ومعرفته ، وغير ذلك من عنايته وألطافه العامّة والخاصّة ، الظاهرة والباطنة ، في السرّ والعلن ، ولمثل هذا فليعمل العاملون ، وليتنافس المتنافسون.
[1]المائدة : 59.
[2]الصفّ : 4.
[3]البقرة : 222.
[4]المائدة : 21.
[5]آل عمران : 29.