ومن مظاهر حبّ الله حبّ حبيبه النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) وعترته الطاهرين وذرّيته الأبرار.
فعنه (صلى الله عليه وآله) : لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين.
لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه وأهلي أحبّ إليه من أهله ، وعترتي أحبّ إليه من عترته ، وذرّيتي أحبّ إليه من ذرّيته.
أحبّوا الله لما يغدوكم به من نعمة ، وأحبّوني لحبّ الله عزّ وجلّ ، وأحبّوا أهل بيتي لحبيّ.
قال الإمام الباقر (عليه السلام) : من أحبّنا أهل البيت فليحمد الله على أوّل النِّعَم . قيل : وما أوّل النعم ؟ قال : طيب الولادة ، ولا يحبّنا إلاّ من طابت ولادته.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : حبيّ وحبّ أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهنّ عظيمة : عند الوفاة ، وفي القبر ، وعند النشور ، وعند الكتاب ، وعند الحساب ، وعند الميزان ، وعند الصراط.
وقال : من لم يحبّ عترتي فهو لإحدى ثلاث : إمّا منافق ، وإمّا لزنية ، وإمّا امرئ حملت به اُمّه في غير طهر.
وقال : الأئمة من ولد الحسين هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله تعالى.
وقال : من أحبّ أن يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين ، فليوالِ عليّاً بعدي وليعادِ عدوّه وليأتمّ بالأئمة الهداة من ولده.
عن حارث الأعور قال : أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات يوم نصف النهار ، فقال : ما جاء بك ؟ قلت : حبّك والله . قال (عليه السلام) : إن كنت صادقاً لتراني في ثلاث مواطن : حيث تبلغ نفسك هذه ـ وأومأ بيده إلى حنجرته ـ وعند الصراط ، وعند الحوض.
عن اُصبغ بن نباتة ، قال : كنت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) فأتاه رجلٌ فسلّم عليه ثمّ قال : يا أمير المؤمنين ، إنّي والله لاُحبّك في الله واُحبّك في السرّ كما اُحبّك في العلانية واُدين بولايتك في السرّ كما اُدين بها في العلانية ـ وبيد أمير المؤمنين عود ـ فطأطأ رأسه ثمّ نكث بالعود ساعة في الأرض ثمّ رفع رأسه إليه فقال : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) حدّثني بألف حديث ، لكلّ حديث ألف باب ، وإنّ أرواح المؤمنين تلتقي فتشمّ وتتعارف ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ، وبحقّ الله لقد كذبت ، فما أعرف في الوجوه وجهك ، ولا اسمك في الأسماء.
ثمّ دخل عليه رجل آخر فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي لاُحبّك في الله واُحبّك في السرّ كما اُحبّك في العلانية . فقال : فنكت الثانية بعوده في الأرض ، ثمّ رفع رأسه إليه فقال له : صدقت ، إذهب فاتّخذ للفقر جلباباً ، فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)يقول : يا عليّ بن أبي طالب ، الفقر أسرع إلى محبّينا من السيل إلى بطن الوادي.
قال الإمام الصادق (عليه السلام) في صفة محبّيهم : ... وطبقة يحبّونا في السرّ والعلانية ، هم النمط الأعلى ، شربوا من العذب الفرات ، وعلموا بأوائل الكتاب وفصل الخطاب وسبب الأسباب ، فهم النمط الأعلى ، الفقر وأنواع البلاء أسرع إليهم من ركض الخيل ، مسّتهم البأساء والضرّاء وزلزلوا وفتنوا ، فمن بين مجروح ومذبوح متفرّقين في كلّ بلاد قاصية.
قال الإمام الباقر (عليه السلام) لجابر الجعفي الصحابي الجليل : يا جابر ، بلّغ شيعتي عنّي السلام وأعلمهم أ نّه لا قرابة بيننا وبين الله عزّ وجلّ ، ولا يتقرّب إليه إلاّ بالطاعة.
يا جابر ، من أطاع الله وأحبّنا فهو وليّنا ، ومن عصى الله لم ينفعه حبّنا.
وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : أنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعي عترتي على الحوض ، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا وليعمل بعملنا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من رزقه الله حبّ الأئمة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة فلا يشكّن أ نّه في الجنّة ، وإنّ في حبّ أهل بيتي عشرين خصلة ، عشرٌ منها في الدنيا ، وعشرٌ في الإخرة ، أمّا في الدنيا فالزهد والحرص على العلم والعمل ، والورع في الدين ، والرغبة في العبادة ، والتوبة قبل الموت ، والنشأة في قيام الليل ، واليأس ممّـا في أيدي الناس ، والحفظ لأمر الله ونهيه عزّ وجلّ ، والتاسعة بغض الدنيا ، والعاشرة السخاء . وأمّا في الآخرة : فلا ينشر له ديوان ، ولا ينصب له ميزان ، ويعطى كتابه بيمينه ، ويكتب له برائة من النار ، ويبيّض وجهه ، ويكسى من حلل الجنّة ، ويشفع في مئة من أهل بيته ، وينظر الله عزّ وجلّ إليه بالرحمة ، ويتوّج من تيجان الجنّة ، والعاشرة يدخل الجنّة بغير حساب ، فطوبى لمحبّي أهل بيته[2].
الكافي : عن الحكم بن عتيبة ، قال : بينا أنا مع أبي جعفر (عليه السلام) والبيت غاصّ بأهله ، إذ أقبل شيخ يتوكّأ على عنزة له ، حتّى وقف على باب البيت فقال : السلام عليك يا بن رسول الله ورحمة الله وبركاته ، ثمّ سكت . فقال أبو جعفر (عليه السلام) : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، ثمّ أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال : السلام عليكم ، ثمّ سكت ، حتّى أجابه القوم جميعاً ، وردّوا عليه السلام ، ثمّ أقبل بوجهه على أبي جعفر (عليه السلام) ثمّ قال : يا بن رسول الله ، ادنني منك جعلني الله فداك ، فوالله إنّي لاُحبّكم ، واُحبّ من يحبّكم ، ووالله ما اُحبّكم واُحّب من يحبّكم لطمع في دنيا ، وإنّي لاُبغض عدوّكم وأبرأ منه ، ووالله ما اُبغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه ، والله إنّي لاُحلّ حلالكم واُحرّم حرامكم وأنتظر أمركم ، فهل ترجو لي جعلني الله فداك ؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام) : إليَّ إليَّ ، حتّى أقعده إلى جنبه ، ثمّ قال : أ يّها الشيخ ، إنّ أبي عليّ بن الحسين (عليه السلام) أتاه رجلٌ فسأله عن مثل الذي سألتني عنه ، فقال له أبي : إن تمت ترد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى عليّ والحسن والحسين (عليهم السلام) وعلى عليّ بن الحسين (عليهما السلام) ويثلج قلبك ، ويبرد فؤادك وتقرّ عينك ، وتستقبل الروح والريحان مع الكرام الكاتبين ، لو قد بلغت نفسك ها هنا ، وأشار بيده إلى حلقه ، وإن تعش ، ترى ما يقرّ الله به عينك ، وتكون معنا في السنام الأعلى ...[3].
قال أبو جعفر (عليه السلام) : إنّما يحبّنا من العرب والعجم أهل البيوتات وذو الشرف ، وكلّ مولود صحيح ، وإنّما يبغضنا من هؤلاء كلّ مدنّس مطرد[4].
العلوي (عليه السلام) : لا يحبّنا مخنّث ولا ديّوث ولا ولد زنا ولا من حملته اُمّه في حيضها.
وقد وردت روايات كثيرة في أنّ حبّ أمير المؤمنين (عليه السلام) علامة الإيمان ، وبغضه علامة النفاق[5].
المناقب : معاوية بن عمّـار عن الصادق (عليه السلام) : قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّ حبّ عليّ (عليه السلام) قذف في قلوب المؤمنين ، فلا يحبّه إلاّ مؤمن ، ولا يبغضه إلاّ منافق ، وإنّ حبّ الحسن والحسين (عليهما السلام) قذف في قلوب المؤمنين والمنافقين والكافرين ، فلا ترى لهم ذامّاً.
تفسير الفرات : النبويّ (صلى الله عليه وآله) : والذي بعثني بالحقّ ، لحبّنا أهل البيت أعزّ من الجوهر ومن الياقوت الأحمر ومن الزمرّد.
مجالس المفيد : بإسناده عن ابن فضّال ، عن عاصم بن حميد ، عن الثمالي ، عن جيش بن المعتمر ، قال : دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو في الرحبة متّكئاً ، فقلت : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، كيف أصبحت ؟ قال : فرفع رأسه وردّ عليّ وقال (عليه السلام) : أصبحت محبّاً لمحبّينا ، ومبغضاً لمن يبغضنا ، إنّ محبّنا ينتظر الروح والفرج في كلّ يوم وليلة ، فإنّ مبغضنا بنى بناءً فأسّس بنيانه على شفا جرف هار فكان بنيانه هار ، فانهار به في نار جهنّم ، يا أبا المعتمر : إنّ محبّنا لا يستطيع أن يبغضنا ، قال : فمبغضنا لا يستطيع أن يحبّنا ، إنّ الله تبارك وتعالى جبل قلوب العباد على حبّنا ، وخذل من يبغضنا ، فلن يستطيع محبّنا بغضنا ، ولن يستطيع مبغضنا يحبّنا ، ولن يجتمع حبّنا وحبّ عدوّنا في قلب أحد ، ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، يحبّ بهذا قوماً ويحبّ بالآخر أعدائهم[6].
قال النبيّ
الأكرم (صلى
الله عليه وآله) : ألا ومن أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن
أحبّني فقد رضي الله عنه ، ومن رضي عنه كافأه الجنّة ، ألا ومن أحبّ
علياً لا يخرج من الدنيا
حتّى
يشرب من الكوثر ، ويأكل من طوبى ، ويرى مكانه في الجنّة ، ألا ومن
أحبّ عليّاً فتحت له أبواب الجنّة الثمانية ، يدخلها من أيّ باب شاء بغير
حساب[7].
قال العلاّمة الحليّ في كتاب كشف الحقّ : وقال الرازي في تفسيره الكبير : روى الكلبي عن ابن عباس : قال : إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لمّا قدم المدينة ، كانت تنوبه نوائب وحقوق وليس في يده سعة ، فقال الأنصار : إنّ هذا الرجل قد هداكم الله تعالى على يده ، وهو ابن اُختكم وجاركم في بلدكم ، فاجمعوا له طائفة من أموالكم ، ففعلوا ، ثمّ أتوه به فردّه عليهم ونزل قوله تعالى : ( قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ في القُرْبى ) ، أي على الإيمان إلاّ أن تودّوا أقاربي ، فحثّهم على مودّة أقاربه ، ثمّ قال : نقل صاحب الكشّاف عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أ نّه قال : من مات على حبّ آل محمّد (صلى الله عليه وآله)مات شهيداً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ، ثمّ منكر ونكير ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد يُزفّ إلى الجنّة كما تزفّ العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنّة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة[8].
تفسير
العياشي : عن بريد بن معاوية العجلي ، قال : كنت عند
أبي جعفر (عليه
السلام)
إذ
دخل عليه قادم من خراسان ماشياً ، فأخرج رجليه وقد تفلّقتا ،
قال : أما والله ما جاء بي من حيث جئت إلاّ حبّكم أهل
البيت ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : والله
لو أحبّنا حجر حشره الله معنا ، وهل الدين إلاّ الحبّ[9].
عن الإمام الرضا (عليه السلام) : لا تدعوا العمل الصالح والاجتهاد في العبادة اتّكالا على حبّ آل محمّد (عليهم السلام) ، لا تدعوا حبّ آل محمّد (صلى الله عليه وآله) والتسليم لأمرهم اتّكالا على العبادة ، فإنّه لا يقبل أحدهما دون الآخر[10].
وفي محبّة أهل البيت وأمير المؤمنين (عليهم السلام) أبواب كثيرة يذكرها العلاّمة المجلسي في موسوعته القيّمة بحار الأنوار ، كالأبواب التالية :
1 ـ باب وجوب طاعة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وحبّه والتفويض إليه ( البحار 17 / 1 )
2 ـ فضل حبّ آل محمّد ( 46 / 363 ) ( 22 / 143 ) ( 21 / 154 )
( 32 / 108 )
3 ـ باب أنّ حبّهم علامة طيب الولادة وبغضهم علامة خبث الولادة
( 27 / 145 ) ( 42 / 17 )
4 ـ باب حبّ أمير المؤمنين (عليه السلام) علامة الإيمان ، وبغضه علامة النفاق
( طبعة قديمة 8 / 15 / 182 )
5 ـ باب ما ينفع حبّهم فيه من المواطن ( 27 / 157 ) ( 38 / 68 )
( 46 / 362 )
6 ـ باب فيه أ نّه يسئل عن حبّهم وولايتهم في يوم القيامة ( 27 / 311 )
7 ـ باب ما يحبّهم من الدوابّ والطيور ( 27 / 261 )
8 ـ باب في أ نّه لا ينفع مع عداؤهم عمل صالح ، ولا يضرّ مع محبّتهم وولايتهم ذنب غير الكبائر ( 28 / 61 )
9 ـ باب في أنّ محبّيهم ثلاث طبقات : من أحبّهم في العلانية ، ومن أحبّهم في السرّ ، ومن أحبّهم في السرّ والعلانية ( 68 / 131 )
10 ـ باب فضل حبّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ( 7 / 221 ) ( 39 / 277 )
( 68 / 124 ) ( 27 / 114 ) ( 23 / 232 )
11 ـ باب ثواب حبّهم ونصرهم وولايتهم وأ نّها أمان من النار ( 27 / 73 )
( 27 / 111 ) ( 68 / 132 )
12 ـ باب أنّ عليّاً (عليه السلام) كان أخصّ الناس برسول الله وأحبّهم إليه
( 38 / 294 )
13 ـ باب خبر الطير وأنّ عليّاً أحبّ الخلق إلى الله ( 38 / 348 )
14 ـ باب قوله تعالى : ( فَسَوْفَ يَأتي اللهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) في عليّ (عليه السلام)
( 36 / 32 )
15 ـ باب في بيان أنّ جميع أنبياء الله ورسله وجميع الملائكة وجميع المؤمنين كانوا لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) محبّين ( 39 / 194 )
16 ـ باب أ نّه لو اجتمع الناس على حبّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ما خلق الله النار ( 39 / 246 ) ( 42 / 44 )
وهناك أبواب كثيرة يقف عليها الباحث المحقّق ، وقد ذكرت ما يقرب من مئة باب ونيّف في كتاب ( الأصل حبّنا أهل البيت (عليهم السلام) ) ، فراجع.
[1]لقد كتبت الشيء الكثير عن حبّ الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) في ( الأصل حبّنا أهل البيت (عليهم السلام) ) ، و ( هذه هي الولاية ) ، فراجع.
[2]المواعظ العددية : 269.
[3]سفينة البحار 2 : 14.
[4]بحار الأنوار 27 : 149 ، باب أنّ حبّهم علامة طيب الولادة.
[5]سفينة البحار 2 : 16 ، عن البحار.
[6]السفينة 2 : 18 ، عن البحار 68 : 38.
[7]المصدر ، عن البحار 7 : 221.
[8]السفينة 2 : 20 ، عن البحار 23 : 332.
[9]المصدر ، عن البحار 27 : 95.
[10]المصدر ، عن البحار 78 : 347.