![]() |
![]() |
![]() |
قال الله تعالى :
( وَلَقَدْ أرْسَلـْنا نوحاً وَإبْراهيمَ وَجَعَلـْنا في ذُرِّيَّتِهِما النُبُوَّةَ وَالكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَد وَكَثيرٌ مِنْهُمْ فاسِقونَ )[1].
في حديث طويل في مجلس المأمون مع الإمام الرضا (عليه السلام) وعلماء ذلك الزمان ، قالت العلماء : أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة ، أهم الآل أم غير الآل ؟ فقال الرضا (عليه السلام) : هم الآل . فقالت العلماء : فهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤثر عنه ـ أي ينقل عنه ـ أ نّه قال : « اُمّتي آلي » ، وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض عن الذي لا يمكن دفعه : « آل محمّد اُمّته » ، فقال أبو الحسن (عليه السلام) : أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل ؟ قالوا : نعم ، قال : فتحرم على الاُمّة ؟ قالوا : لا ، قال : هذا فرق ما بين الآل والاُمّة ، ويحكم أين يذهب بكم ؟ أضربتم عن الذكر صفحاً أم أنتم قوم مسرفون ؟ أما علمتم أ نّه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم ؟ قالوا : ومن أين يا أبا الحسن ؟ قال : من قول الله عزّ وجلّ :
( وَلَقَدْ أرْسَلـْنا نوحاً وَإبْراهيمَ وَجَعَلـْنا في ذُرِّيَّتِهِما النُبُوَّةَ وَالكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَد وَكَثيرٌ مِنْهُمْ فاسِقونَ ).
فصارت وراثة النبوّة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين ، أما علمتم أنّ نوحاً (عليه السلام) حين سأل ربّه :
( فَقالَ رَبِّ إنَّ ابْني مِنْ أهْلي وَإنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ وَأنْتَ أحْكَمُ الحاكِمينَ ).
وذلك أنّ الله عزّ وجلّ وعده أن ينجّيه وأهله فقال له ربّه عزّ وجلّ :
( يا نوحُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِح فَلا تَسْألـْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلـْمٌ إنِّي أعِظُكَ أنْ تَكونَ مِنَ الجاهِلينَ ).
فقال المأمون : هل فضّل الله العترة على سائر الناس ؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام) : إنّ الله عزّ وجلّ أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه . فقال له المأمون : أين ذلك من كتاب الله ؟ قال له الرضا (عليه السلام) : في قوله عزّ وجلّ :
( إنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنوحاً وَآلَ إبْراهيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلى العالَمينَ ذِرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْض ).
وقال عزّ وجلّ في موضع آخر :
( أمْ يَحْسُدونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إبْراهيمَ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلـْكاً عَظيماً ).
ثمّ ردّ المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال :
( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسولَ وَاُولي الأمْرِ مِنْكُمْ ).
يعني الذين قرنهم بالكتاب والحكمة وحسدوا عليهما فقوله عزّ وجلّ :
( أمْ يَحْسُدونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إبْراهيمَ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلـْكاً عَظيماً ).
يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين ، فالملك ها هنا هو الطاعة لهم ، ـ الحديث[2] ـ .
هذه الرواية الشريفة تفسّر وتبيّن لنا مفهوم الآية الكريمة ، وأنّ ربّان السفينة لا بدّ أن يكون من المطهّرين بما لكلمة الطهارة من معاني ، كطهارة المولد وطهارة النفس وطهارة المعتقد وغير ذلك من معاني الطهارة باعتبار متعلّقاتها ومواردها.
فالكتاب وعلمه والنبوّة ومعالمها إنّما هي في ذرّية نوح وإبراهيم ، إلاّ أ نّه لا ينال هذا العهد العظيم عهد الإمامة والخلافة كلّ واحد من الذرّية بل :
( لا يَنالُ عَهْدي الظَّالِمينَ ).
فمن كان ظالماً في حياته بارتكاب الذنوب والمعاصي وإنّ الشرك لظلمٌ قبيح ، فمن كان مشركاً في قسط من حياته هيهات أن ينال عهد الله وهو عهد الإمامة ـ كما في صريح الآية الشريفة ـ ولا يخفى أنّ كثير من ذرّيتهما كانوا من الفاسقين ، فلا ينالون حكم الكتاب الكريم ، ولا حقّ النبوّة وديمومتها وحفظها ، حتّى ولو كان ابن نوح ، فكيف لو كان من صحابة النبيّ ، فإنّه ليس من أهله ولا صحابته ، فسحقاً لهم سحقاً ، لا تدري ما أحدثوا وما بدّلوا من بعدك يا رسول الله ـ كما في صحيح البخاري ، قسم الفتن ، فراجع ـ .
فلا يركب سفينة نوح ولا سفينة الحسين (عليهما السلام) إلاّ من كان طاهراً ، ويموت على الطهارة والاهتداء من التوبة النصوحة المقارنة مع الولاية الكبرى ـ كما في الخبر الشريف[3] ـ .
[1]الحديد : 26.
[2]البحار 25 : 222.
[3]ذكرت تفصيل ذلك في كتاب ( هذه هي الولاية ) ، فراجع.
![]() |
![]() |
![]() |