الفصل  الرابع - سعة  العرش  الإلهي

لا يمكن للبشر أن يقف على سعة عرش الله سبحانه ، فإنّ العرش محيط بنا ، وكيف للمحاط أن يدرك المحيط ، ولكن أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم أدرى بما في البيت الكوني الواسع الرحيب ، فإنّ خلقة النبيّ وأهل بيته الأطهار في عالم الأنوار كان قبل خلق الخلق ، فهم العقل الأوّل والمخلوق الأوّل الصادر من الله سبحانه وتعالى[1].

فهؤلاء الأئمة المعصومون (عليهم السلام) أخبرونا عن سعة العرش بالمثال ، بما يطابق مقتضى الحال ، وبمقدار ما كان يمكن لاُولئك الرجال الذين من حولهم أن يدركوه في تلك الأحوال ، من باب ( كلّم الناس على قدر عقولهم ) فحاول النبيّ والأئمة الأطهار (عليهم السلام) أن يرفعوا بعض الستار عن تلك الحقائق النوريّة ، ذلك من خلال التشبيه والمثال ، وإليكم النماذج التالية :

1 ـ البحار عن الخصال والمعاني والعياشي والدرّ المنثور بسندهم في حديث أبي ذرّ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال :

يا أبا ذرّ ، ما السماوات السبع في الكرسي إلاّ كحلقة ملقاة في أرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة[2].

2 ـ عن ابن حميد ، قال : ذاكرت أبا عبد الله (عليه السلام) فيما يروون من الرؤية ـ أي رؤية الله بالبصر والعياذ بالله كما عند أصحاب العدوي والتيمي ـ فقال :

الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي ، والكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش ، والعرش جزء من سبعين جزءاً من نور الحجاب ، والحجاب جزء من سبعين جزءاً من نور السرّ ، فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب[3].

وفي إحدى زياراتي لبيت الله الحرام كنت أنظر إلى الكعبة الشريفة ، واُفكّر بطواف الناس حول البيت الشريف ، ثمّ طواف الملائكة حول البيت المعمور في السماء الرابعة ، وطواف الملائكة المقرّبين حول العرش الإلهي في السماء السابعة ، وأنّ الملائكة من الأجسام اللطيفة ، فيطوفون حول البيت المعمور المتلائم مع حالهم وخلقهم وكذلك المقرّبون ، فخطر على بالي :

أنّ الكعبة بحجمها المحسوس ، والمربّع الذي تربّع لمساواته لكلمات التسبيح الأربعة ، أي ( سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلاّ الله ، والله أكبر ) ، وإنّ المعرفة الإلهيّة تتلخّص في هذه الكلمات ، وأنّ الخلق كلّه يسبح حولها ويسبّح الله سبحانه ، فما من شيء إلاّ ويسبّح بحمده ( والتسبيح من السبح والسباحة ، وهي تعني الحركة بكلّ الإعضاء إلى الأمام والإمام ).

فالكعبة المربّعة والمكعّبة تعدّ بمنزلة النقطة في الحركة الدائريّة ، فهي المركز والمنطلق ، وكلّ من دخل في مدارها كان منها وإليها ، ومن خرج فقد شذّ وهلك.

ثمّ لو عرفنا ـ كما في علم الجغرافيا ـ مساحة الكرة الأرضيّة، ونسبة الكعبة إليها ، ثمّ بهذه النسبة لو كبّرنا الدائرة إلى أربع مرّات بعدد المساحة للكرّة الأرضيّة ، وقسنا بين الكعبة والبيت المعمور لعرفنا مساحة البيت المعمور ، وهكذا مساحة العرش الإلهي يوم القيامة ، الذي يجتمع في ظلّه المؤمنون من أوّل الخلق إلى آخره ، كما ورد في الروايات الشريفة الكثيرة.

وإنّما يكون هذا الحساب لو أمكن بالحساب الضوئي والنوري وبالحاسبة الآلية ، كما هو معروف عند أهله.

ثمّ المراد من الحجّ والعمرة والطواف ليس زيارة الأحجار وحسب ، إنّما المراد أن يعلم الزائر ولاءه لأصحاب الولاية الحقّة ، وهو الرسول الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأئمة المعصومين الأطهار (عليهم السلام) ، وأنّ الولاية هي مركز الحركة والطواف نحو الله سبحانه ، وهي نقطة الانطلاق ، كما هي نقطة الانتهاء ، وهي نقطة باء البسملة المتمثّلة حقيقةً بالمعرفة العلويّة ، بأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ، المتمثّل برسول الله (صلى الله عليه وآله).

فالكلّ في بواطنهم وحقائقهم يطوفون حول بيت الولاية آل محمّد (عليهم السلام) ، وإن خالف جمع في ظواهرهم كما في قوله تعالى :

( ما خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدون ).

فتدبّر.

وما ذكرته كنظريّة قابلة للأخذ والعطاء والمناقشة العلميّة الموضوعيّة ، ومن الله التوفيق والسداد والصواب.


[1]لقد تعرّضت لهذا الموضوع بالتفصيل في ( علي المرتضى (عليه السلام) نقطة باء البسملة ) و ( جلوة من ولاية أهل البيت (عليهم السلام) ) و ( فاطمة الزهراء (عليها السلام) ليلة القدر ) و ( أهل البيت (عليهم السلام) سفينة النجاة ) ، وكلّها مطبوعة ، فراجع.

[2]البحار 55 : 5.

[3]البحار 4 : 44.

الفصل الخامس