![]() |
![]() |
![]() |
( لَقَدْ أرْسَلـْنا نوحاً إلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إلـه غَيْره إنِّي أخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْم عَظيم * قالَ المَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إنَّا لَنَراكَ في ضَلال مُبين * قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بي ضَلالَةٌ وَلـكِنِّي رَسولٌ مِنْ رَبِّ العالَمينَ * ... فَكَذَّبوهُ فَأنْجَيْناهُ وَالَّذينَ مَعَهُ في الفُلـْكِ وَأغْرَقْنا الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا إنَّهُمْ كانوا قَوْماً عَمينَ )[1].
حقّاً ما نتلوه في كتاب الله الكريم في محكم آياته ومبرم خطابه ، وما أروع الدروس القرآنيّة لا سيّما في قصص الأنبياء والمرسلين وفي الأمثال والحِكم ، فإنّها تحكي ما جرى على الاُمم السالفة ، ببلاغة لا مثيل لها ، وفصاحة لا نظير لها ، إلاّ أ نّها تعطيك الحياة من جديد ، وتنير الدرب لمن أراد أن يعيش بنور ، ويموت بنور ، ويفوز بسعادة الدارين.
فهذه قصّة النبيّ نوح (عليه السلام) ، فما أكثر الدروس والعبر فيها ، وما أكثر ما فيها من المعالم النورانيّة التي يشعّ منها أنوار الهداية والمعرفة والعيش الرغيد . فإنّ الله يحكي رسالته وما جرى عليه من دعوة قومه وعدم استجابتهم ، فإنّه أرسله بلطف منه إلى قومه ، ليدعوهم إلى الحقّ ، إلى الحياة الطيّبة ، يدعوهم إلى عبادة الله سبحانه الذي لا شريك له ولا إله غيره ، والقائد الناصح من مواصفاته أ نّه يحزن لاُمّته ويحبّ هدايتهم ، ويخاف عليهم عذاب يوم عظيم ، إلاّ أنّ أصحاب الثروة والجاه ، ومن غرّته الدنيا الدنيّة وزخرفها وزبرجها ، واستحوذ عليه الشيطان ، يحارب الدعاة المصلحين ، والعجيب يرى أ نّه على هداية وحقّ واضح ، أمّا النبيّ والرسول ومن يحذو حذوهم من ورثتهم العلماء الصلحاء في ضلال مبين ، إلاّ أنّ الرسل يقولون لأقوامهم : ما بنا ضلالة ، لكنّا رسول من ربّ العالمين ، أمّا أكثر الناس يكذّبونهم كما كان ذلك بين نوح وقومه ، وما على الله سبحانه إلاّ أن ينجّي عبده والذين معه وإن كانوا قلائل ، فنوح (عليه السلام) نجّاه الله بالسفينة ، وأغرق الذين كذّبوا بآياته ، إنّهم كانوا قوماً عمين لا يرون الحقّ ، ومن كان في هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا.
وهذا المعنى جار في كلّ الاُمم ـ كلّها فإنّه من سنن الله التي لا تجد لسنّة الله تبديلا ـ وحتّى اُمّة خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فمن يكذّبه فيما جاء به من الأحكام والولاية والوصاية والخلافة ، وأ نّه خلّف من بعده الكتاب والعترة الطاهرة والأئمة المعصومين (عليهم السلام) ولم يركب سفنهم والسفينة الحسينيّة ، فإنّه أعمى القلب ، ولا تعمى الأبصار ، إنّما تعمى القلوب التي في الصدور ، فإنّ الله يغرقهم ويعذّبهم بعذاب شديد ، ومأواهم جهنّم وبئس المأوى والمصير.
( وَمن كانَ في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا )[2].
[1]الأعراف : 59 ـ 64.
[2]الإسراء : 72.
![]() |
![]() |
![]() |