![]() |
![]() |
![]() |
قال الله تعالى في كتابه العظيم :
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ سَبَّحَ للهِ ما في السَّماواتِ وَالأرْضِ وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ لَهُ مُلـْكُ السَّماواتِ وَالأرْضِ يُحْيي وَيُميتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْء قَديرٌ هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَليمٌ هُوَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأرْضَ في سِتَّة أ يَّام ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ في الأرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فيها وَهُوَ مَعَكُمْ أيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلونَ بَصيرٌ لَهُ مُلـْكُ السَّماواتِ وَالأرْضِ وَإلى اللهِ تُرْجَعُ الاُمورُ يولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ وَيولِجُ النَّهارَ في اللَّيْلِ وَهُوَ عَليمٌ بِذاتِ الصُّدورِ آمِنوا بِاللهِ وَرَسولِهِ وَأنْفِقوا مِمَّـا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفينَ فيهِ فَالَّذينَ آمَنوا مِنْكمْ وَأنْفَقوا لَهُمْ أجْرٌ كَبيرٌ )[1].
سورة الحديد هي سورة الإيمان ونوره في القلوب ، والإنفاق والقرض الحسن في سبيل الله ، والزهد في الدنيا ، والعدالة الاجتماعية وحكومة التقوى في الحياة.
وفي صدرها يبيّن الله سبحانه ـ لاُولئك القوم الذين يتعمّقون كما ورد في الخبر الشريف ـ بعض أسمائه الحسنى فهو العزيز الحكيم المالك المحيي والمميت والقادر والأوّل والآخر والظاهر والباطن والعليم والخالق والمحيط والبصير.
وبمثل هذه الصفات الأزليّة الأبديّة والسرمديّة ، استوى واستولى على عرش العلم كلّه ، فهو سبحانه يعلم ما في الأرض وما في السماء ، وهو معنا ، فإنّا في محضر الله سبحانه ، وهو السميع البصير بكلّ ما يفعله الإنسان ، وهو العليم بذات الصدور من النوايا والخفايا ، فله ملك السماوات والأرض ، فهو المالك على الإطلاق ، وإليه ترجع الاُمور كلّها ، وأزمّتها طرّاً بيده.
فعرش الله علمه الذي يسع كلّ شيء.
يقول شيخنا الصدوق (قدس سره) في الاعتقادات : اعتقادنا في الكرسي أ نّه وعاء جميع الخلق من العرش والسماوات والأرض وكلّ شيء خلق الله تعالى في الكرسي ، وفي وجه آخر الكرسي هو العلم.
وقد سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتُ وَالأرْضُ ) ، قال : علمه.
وقال (قدس سره) : وأمّا العرش الذي هو العلم فحملته أربعة من الأوّلين ، وأربعة من الآخرين ، فأمّا الأربعة من الأوّلين : فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام) ـ وهم أنبياء اُولي العزم أصحاب الرسالات العالمية في زمانهم ـ وأمّا الأربعة من الآخرين فمحمّد ـ من أنبياء اُولي العزم ورسالته خالدة إلى يوم القيامة وناسخة الأديان السابقة ـ وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) . هكذا روى بالأسانيد الصحيحة عن الأئمة (عليهم السلام) في العرش وحملته.
وإنّما صار هؤلاء حملة العرش الذي هو العلم ، لأنّ الأنبياء الذين كانوا قبل نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) على شرائع الأربعة من الأوّلين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام) ، ومن قبل هؤلاء الأربعة صارت العلوم إليهم ، وكذلك صار العلم بعد محمّد (صلى الله عليه وآله)وعليّ والحسن والحسين إلى من بعد الحسين من الأئمة (عليهم السلام) . انتهى كلامه رفع الله مقامه.
أقول : وهذا يعني أنّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) هم يحملون علم الله وعرشه العلمي المحيط بالمخلوقات ، وأنّ حامل العرش وعلم الله ، في عصرنا هذا ، إنّما هو قطب عالم الإمكان وناموس الدهر ، بقيّة الله الأعظم في الأرض ، إمامنا المنتظر الحجّة الثاني عشر ، صاحب الزمان وقاطع البرهان وترجمان القرآن ، حافظ الشريعة ومحيي السنّة ، القائم من آل محمّد (عليهم السلام) ، عجّل الله فرجه الشريف ، وجعلنا من خيرة أنصاره وأعوانه وشيعته والمستشهدين بين يديه على محبّته وولايته ودينه.
عن الكافي بسنده عن صفوان بن يحيى قال : سألني أبو قرّة المحدّث أن اُدخله على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، فاستأذنته فأذن لي فدخل ، فسأله عن الحلال والحرام ثمّ قال له : أفتقرّ الله محمول ؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام) : كلّ محمول مفعول به ، مضاف إلى غيره ، محتاج ، والمحمول اسم نقص في اللفظ ، والحامل فاعل وهو في اللفظ مدحة ، وكذلك قول القائل : فوق وتحت وأعلى وأسفل ، وقد قال الله : ( وَلَهُ الأسْماءُ الحُسْنى فَادْعوهُ بِها ) ، ولم يقل في كتبه أ نّه المحمول ، بل قال : إنّه الحامل في البرّ والبحر والممسك السماوات والأرض أن تزولا ، والمحمول ما سوى الله ولم يسمع أحد آمن بالله وعظمته قطّ قال في دعائه : « يا محمول » . قال أبو قرّة : فإنّه قال : ( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذ ثَمانِيَةٌ ) ، وقال : ( الَّذينَ يَحْمِلونَ العَرْشَ ) ؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام) : العرش ليس هو الله ، والعرش اسم علم وقدرة وعرش فيه كلّ شيء ، ثمّ أضاف الحمل إلى غير خلق من خلقه ، لأ نّه استعبد خلقه بحمل عرشه ، وهم حملة علمه ، وخلقاً يسبّحون حول عرشه وهم يعملون بعلمه ، وملائكة يكتبون أعمال عباده ، واستعبد أهل الأرض بالطواف حول بيته ، والله على العرش استوى ، كما قال ، والعرش ومن يحمله ومن حول العرش ، والله الحامل لهم الحافظ لهم الممسك القائم على كلّ نفس ، وفوق كلّ شيء وعلى كلّ شيء ، ولا يقال : محمول ، ولا أسفل قولا مفرداً لا يوصل شيء فيفسد اللفظ والمعنى ، قال أبو قرّة : فتكذّب بالرواية التي جاءت : أنّ الله تعالى إذا غضب إنّما يعرف غضبه أنّ الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم ، فيخرّون سجّداً ، فإذا ذهب الغضب خفّ ورجعوا إلى مواقفهم ؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام) : أخبرني عن الله تبارك وتعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا هو غضبان عليه ، فمتى رضى وهو في صفتك لم يزل غضباًناً عليه وعلى أوليائه وعلى أتباعه ؟ كيف تجترئ أن تصف ربّك بالتغيّر من حال إلى حال ... إنّه يجري عليه ما يجري على المخلوقين ؟ سبحانه وتعالى ! لم يزل مع الزائلين ، ولم يتغيّر مع المتغيّرين ، ولم يتبدّل مع المتبدّلين ، ومن دونه في يده وتدبيره ، وكلّهم إليه محتاج ، وهو غنيّ عمّن سواه[2].
وللعلاّمة المجلسي بيان لطيف في معنى الرواية الشريفة فراجع.
ثمّ جاء في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي في قوله تعالى : ( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذ ثَمانِيَةٌ ) حملة العرش ثمانية : أربعة من الأوّلين وأربعة من الآخرين ، فأمّا الأربعة من الأوّلين فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام) ، وأمّا الأربعة من الآخرين فمحمّد وعليّ والحسن والحسين ، ومعنى ( يَحْمِلونَ العَرْشَ ) يعني العلم[3].
وفي التوحيد والمعاني بسنده عن حفص بن غياث قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماوات وَالأرْض ) ، قال : علمه[4].
وبسنده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماوات وَالأرْض ) فقال : السماوات والأرض وما بينهما في الكرسي ، والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره[5].
وعن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في قوله تعالى : ( الَّذينَ يَحْمِلونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ) قال : يعني محمّداً وعليّاً والحسن والحسين ونوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام).
فكتب على العرش العلمي بلون المعرفة: ( الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة ) ، وهذا من العلم الذي لا يقدر أحد قدره ، وإنّما حمله أربعة من الملائكة المقرّبين ، جبرئيل وميكائيل وإسرائيل وعزرائيل ، وأربعة من الأنبياء والمرسلين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام) ، وأربعة من الآخرين محمّد وعليّ والحسن والحسين (عليهم السلام) ، فهؤلاء الصفوة من الخلق تتجلّى في خلقهم وتدبيرهم لما سوى الله سبحانه بإذنه وعلمه العلم الإلهي ، المتجلّي بالمصباح الحسيني والمتبلور بالسفينة الحسينيّة ، فقد كتب على العرش : الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة.
[1]الحديد : 1 ـ 7.
[2]البحار 55 : 15 ، عن الكافي 1 : 130.
[3]المصدر 55 : 27 ، عن التفسير : 694.
[4]المصدر : 28 ، عن التوحيد : 239.
[5]المصدر نفسه.
![]() |
![]() |
![]() |