![]() |
![]() |
![]() |
الأكثريّة في منطق القرآن من العُصاة الفاسقين
لو رجعنا إلى القرآن الكريم لرأينا حقيقة ناصعة لا يمكن إنكارها ، كما يدلّ عليها الشاهد العيان ، وهي أنّ الناس بالنسبة إلى القضايا الدينيّة والمعتقدات السماويّة على صنفين : فمنهم من يؤمن ومنهم من ينكر ويكفر ، ولا عجب أنّ أكثرهم من الصنف الثاني ، كما في قوله تعالى :
( إنَّ اللهَ لَذو فَضْل على النَّاسِ وَلـكِنَّ النَّاسَ لا يَشْكُرونَ )[1].
( وَإنْ تُطِعْ أكْثَرَ مَنْ في الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبيلِ اللهِ )[2].
( قُلْ إنَّما عِلـْمُها عِنْدَ اللهِ وَلـكِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمونَ )[3].
( إنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلـكِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنونَ )[4].
( وَما أكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنينَ )[5].
( فَأبى أكْثَرُ النَّاسِ إلاّ كُفوراً )[6].
( وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أكْثَرُ الأوَّلينَ )[7].
( وَإنَّ أكْثَرَكُمْ فاسِقونَ )[8].
( لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالحَقِّ وَلـكِنَّ أكْثَرَكُمْ لِلـْحَقِّ كارِهونَ )[9].
( مِنْهُمُ المُؤْمِنونَ وَأكْثَرَهُمُ الفاسِقونَ )[10].
( يَفْتَرونَ عَلى اللهِ الكَذِبَ وَأكْثَرَهُمْ لا يَعْقِلونَ )[11].
( ما كانوا لِيُؤْمِنوا إلاّ أنْ يَشاءَ اللهُ وَلـكِنَّ أكْثَرَهُمْ يَجْهَلونَ )[12].
( وَلا تَجِدُ أكْثَرَهُمْ شاكِرينَ )[13].
( وَما وَجَدْنا لأكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْد )[14].
( وَما يَتَّبِعْ أكْثَرُهُمْ إلاّ ظَنَّاً )[15].
( يَعْرِفونَ نِعْمَةَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرونَها وَأكْثَرُهُمُ الكافِرونَ )[16].
( بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمونَ الحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضونَ )[17].
( أمْ يَقولونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالحَقِّ وَأكْثَرُهُمْ لِلـْحَقِّ كارِهونَ )[18].
( أمْ تَحْسَبْ أنَّ أكْثَرَهُمْ يَسْمَعونَ أوْ يَعْقِلونَ )[19].
( إنَّ في ذلِكَ آيَةً وَما كانَ أكْثَرُهُمْ مُؤْمِنينَ )[20].
( يُلـْقونَ السَّمْعَ وَأكْثَرَهُمْ كاذِبونَ )[21].
( قُلِ الحَمْدُ للهِ بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلونَ )[22].
( إنَّ الَّذينَ يُنادونَكَ مِنْ وَراءِ الحُجُراتِ أكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلونَ )[23].
لو رجعنا إلى الآيات الكريمة مرّة اُخرى لخلص لنا :
أوّلا : أكثر الناس لا يشكرون ، لا يعلمون ، لا يؤمنون ، لا يعقلون ، أعرضوا عن الحقّ وهم له كارهون ، ويجرمون ، فهم من الكافرين الضالّين الفاسقين الكاذبين.
ثانياً : يتّصف هؤلاء الأكثريّة بمثل هذه الصفات : إنّهم لو أطعناهم لأضلّونا عن سبيل الله ، لأ نّهم يدعون إلى سبيلهم وأنفسهم ، ويفترون على الله الكذب ، ولا ذمّة لهم ولا يلتزمون بعهد وميثاق ، ويتبعون الظنّ الذي لا يغني من الحقّ شيئاً ، ويعرفون نعمة الله ثمّ ينكرونها ، ويعترضون على رسول الله ـ كما قال الرجل : إنّ الرجل ليهجر ـ فهم غير مؤدّبين في معاشرتهم مع النبيّ ، وإذا حدّثهم بما هو الحقّ كرهوا ذلك.
ثالثاً : نتيجة حديثي الافتراق والسفينة ـ كما مرّ ـ أنّ الذين يكونون في خطّ النبيّ حقّاً وفي منهاجه ونهجه حقيقةً هم من المؤمنين القلّة ، وأ نّه بعد رسول الله ستنقلب الاُمّة وترتدّ عن الحقّ وتكره ذلك ، وما أكثر الناس إلاّ للحقّ كارهون فهم لا يعقلون بالعقل الذي عبد به الرحمن واكتسب به الجنان ، فلا يسمعون وإن كان لهم السمع ، فهم كالأنعام بل أضلّ سبيلا ، لأنّ الله منحهم ووهبهم العقل ، فلم ينتفعوا به ، ولم يستعملوه كما هو المطلوب ، فانقلبوا على أعقابهم :
( أفَإنْ ماتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أعْقابِكُمْ )[24].
فالله سبحانه إنّما يجزي الشاكرين ـ بعد رحلة النبيّ ـ وهم قلّة من المؤمنين كما في قوله تعالى :
( وَقَليلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكورُ )[25].
وإلاّ فإنّ أكثر الناس لا يشكرون ، فالأكثريّة لا يدلّ على الحقّانيّة ، بل الفرقة الناجية إنّما هي فرقة واحدة من ثلاث وسبعين فرقة ، وهذا هو الحقّ من ربّك ، ولكنّ أكثر الناس لا يؤمنون ، فأبى أكثر الناس إلاّ كفوراً ، ولا تعجب فقد ضلّ من قبلهم في افتراق الاُمم كاُمّة موسى وعيسى (عليهما السلام) أكثر الأوّلين ، فإنّ أكثرهم الفاسقون.
ولقد
جئناهم بالحقّ وأقمنا البراهين الساطعة والأدلّة القاطعة من الكتاب الكريم والسنّة
الشريفة على حقّانيّة معتقدات الفرقة الناجية أتباع مذهب أهل بيت رسول الله (صلى الله
عليه وآله)
ولكنّ أكثرهم للحقّ كارهون ، يفترون على الله الكذب ويحرّفون
الكلم
عن مواضعها جهلا وعناداً ، فإنّهم لا يعقلون ، وبسوء اختيارهم نكبوا عن
الصراط المستقيم ، والنهج القويم والنبأ العظيم ، فإنّهم تقليداً
لآبائهم واتّباعهم الظنّ ما كانوا ليؤمنوا إلاّ أن يشاء الله ولكنّ أكثرهم
يجهلون ، وإن كانوا قد عرفوا نعمة الله من قبل في آية الإكمال وسبب
نزولها :
( اليَوْمَ أكْمَلـْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسْلامَ ديناً )[26].
ولكن أنكروها وجحدوها واستقنتها قلوبهم ، فما نجد أكثرهم إلاّ كفوراً ، فأعرضوا عن الحقّ وكفروا به وارتدّوا بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن ولاية أهل البيت(عليهم السلام)وأحرقوا بيوتهم التي نزل فيها الكتاب ، فشرّدوهم وقتلوهم وسبوا ذراري النبيّ المختار (صلى الله عليه وآله) ، فكان أكثر الناس من العصاة الفاسقين الظالمين ، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون والعاقبة للمتّقين ، وما الله بغافل عمّـا يعملون ، إنّما يمهلهم رويداً إلى حين ، ويمتّعهم قليلا ويملي لهم ليزدادوا إثماً وعذاباً ، وبئس المصير والقرار.
أجل إنّهم بدّلوا نعمة الله كفراً ، وليست النعمة إلاّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، فيقول في قوله تعالى :
( الَّذينَ بَدَّلوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً وَأحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ البَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ القَرار )[27].
نحن والله نعمة الله التي أنعم الله بها على عباده ، بنا فاز من فاز[28].
وسفينة
النعم بعد رسول الله إنّما هي سفن أهل بيته الأطهار (عليهم السلام) ،
إلاّ أنّ
سفينة
الحسين (عليه
السلام)
تمتاز بخصلتين : ( سعتها ) فينجو كلّ من ركبها ولو أتى بذنوب
الثقلين ، فإنّه بركوبها المبارك يتوب إلى ربّه ، ويكون كيوم ولدته
اُمّه ، و ( سرعتها ) فما أسرع الوصول بها إلى رضا الله
سبحانه ونيل رحمته الواسعة ودرك فيوضاته القدسيّة والسعادة الأبديّة.
كما أنّ سفينة الحسين (عليه السلام) سفينة النبوّة ( حسينٌ منّي وأنا من حسين ) ، وإنّها سفينة الإمامة ( والأئمة التسع من ولد الحسين (عليه السلام) ) ، وإنّها سفينة الهداية ( والإمام المهدي من ولد الحسين (عليه السلام) ).
[1]البقرة : 243 ، يوسف : 38 ، غافر : 61.
[2]الأنعام : 116.
[3]الأعراف : 187 ، يوسف : 21 و 40 و 68 ، النحل : 38 ، الروم : 36 ، سبأ : 28 و 36 ، غافر : 57.
[4]هود : 17 ، الرعد : 1.
[5]يوسف : 103.
[6]الإسراء : 89 .
[7]الصافّات : 71.
[8]المائدة : 59 ، الأعراف : 102 ، التوبة : 8 .
[9]الزخرف : 78.
[10]آل عمران : 110.
[11]المائدة : 102.
[12]الأنعام : 111.
[13]الأعراف : 17.
[14]الأعراف : 102.
[15]يونس : 36.
[16]النحل : 83 .
[17]الأنبياء : 24.
[18]المؤمنون : 70.
[19]الفرقان : 44.
[20]الشعراء : 8 و 67 و 103 و 102 و 139 و 158.
[21]الشعراء : 223.
[22]العنكبوت : 12 ، لقمان : 25 ، الزمر : 29 ، الدخان : 39.
[23]الحجرات : 40.
[24]آل عمران : 144.
[25]سبأ : 13.
[26]المائدة : 3.
[27]إبراهيم : 29.
[28]البحار 55 : 22 ، عن تفسير القمّي : 75.
![]() |
![]() |
![]() |