العرش  الرحماني

قال الله تعالى في كتابه الكريم :

( الرَّحْمنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوى )[1].

( الَّذي خَلَقَ السَّماوات وَالأرْضَ وَما بَيْنَهُما في سِتَّةِ أ يَّام ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبيراً )[2].

الرحمن من أسماء الله الحسنى ، وكذلك الرحيم ، والفرق بينهما كما يظهر من الروايات الشريفة أنّ الرحمان اسم عامّ ، فإنّ الله برحمته الرحمانيّة يخلق المؤمن والكافر ويرزقهما في الدنيا ، فرحمته هذه رحمة واسعة تشمل المؤمن وغيره في هذه الدنيا ، ولله رحمة خاصّة بالمؤمنين وإنّها قريبة بالمحسنين في دنياهم وآخرتهم ، فهي من اللطف الخاصّ والتي تسمّى بالرحمة الرحيميّة.

والعرش الرحماني يعني علم الله الذي يُنبئ عن رحمته الرحمانيّة ، وفي باطنها الرحمة الرحيمية.

فاستوى على العرش ، بمعنى أنّ ما يصدر منه جلّ جلاله عن حكمة وعلم وقدرة بلا نهاية ، فهو العالم بكلّ شيء والقادر على كلّ شيء ، فبعلمه وقدرته استولى وهيمن على ما سواه من مصنوعاته ومخلوقاته المجرّدة والمادّية ، العلويّة والسفليّة ، فله ما في السماوات والأرض ويدبّر بعلمه وقدرته ورحمته شؤون خلقه وكائناته ، وهو الرحمن الرحيم.

وعلى مثل هذا العرش الرحماني كتب بقلم إلهي وإرادة ربّانية « إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة » ، وهذا يعني أنّ الحقيقة الحسينية سارية في عروق الحياة الكوني ، ومن يركب سفينته الرحمانيّة ، فإنّه يعيش الرحمة الإلهيّة ، ويتّصل بالعالم الإمكاني بروح حسينيّة ، فيزداد علماً عرشيّاً ، ولا يرى إلاّ جميلا ، حتّى مصارع الشهداء الأطهار تكون بنظرة زينبيّة ، وبحدقة حسينيّة ، وبفيض قدسيّ إلهي من على العرش الرحماني جميلا ، كما قالت زينب الكبرى (عليها السلام) حينما سألها ابن زياد اللعين : كيف رأيتِ صنع الله بأخيك الحسين ؟ قالت : ما رأيت إلاّ جميلا.

وتتجلّى الرحمة الرحمانيّة في خاصّة أولياء الله سبحانه ، ومن رحمانيّة الإمام الحسين (عليه السلام) غفران ذنب حرّ بن يزيد الرياحي الذي أتى بذنب عظيم ، فإنّه جعجع بركب الإمام وكان من الأسباب في قصّة كربلاء الحزينة.

فكلّ الكون بنظر هؤلاء الأولياء العرفاء جميل في غاية الجمال ، وإنّه مظهر جمال الله وجلاله وكماله ، فإنّ الله جميل ويحبّ الجمال ، ولا يفعل إلاّ الجميل ، فهو الجمال المطلق ومطلق الجمال.


[1]طه : 5.

[2]الفرقان : 59.

العرش التدبيري