5  ـ  الاهتداء

قال الله تعالى :

( وَلَقَدْ أرْسَلـْنا نوحاً وَإبْراهيمَ وَجَعَلـْنا في ذُرِّيَّتِهِما النُبُوَّةَ وَالكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَد وَكَثيرٌ مِنْهُمْ فاسِقونَ )[1].

من أراد أن يعرف الطريق في ظلمات الليل في الصحراء القاحلة ، فإنّه يهتدي بالنجوم السماويّة ، وهناك في الحياة الدنيويّة لمن أراد أن يعرف طريقها ويستنير في ظلماتها بنجوم وكواكب درّيّة ، فإنّه يهتدي بأئمّة الحقّ ، فلا تتمّ الهداية إلاّ بمعرفة أئمّة الهدى ومصابيحها ، ثمّ اتّباعهم وإطاعتهم والاقتداء بهداهم ، والسير على منهاجهم وسلوكهم وقبول ولايتهم.

قال الله تعالى :

( وَإنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى )[2].

قال العلاّمة المجلسي : وفسّر الاهتداء في الآية في كثير من الأخبار بالاهتداء إلى الولاية.

ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله الله : ( وَإنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) قال : ألا ترى كيف اشترط ولم تنفعه التوبة أو الإيمان والعمل الصالح حتّى اهتدى ، والله لو جهد أن يعمل ما قبل منه حتّى يهتدي ، قال : قلت : إلى من ، جعلني الله فداك ؟ قال : إلينا[3].

                        ـ عن يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى : ( وَإنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) ، قال : ومن تاب من ظلم وآمن من كفر وعمل صالحاً ، ثمّ اهتدى إلى ولايتنا ، وأومأ بيده إلى صدره[4].

ـ عن سعد بن طريف ، قال : كنت جالساً عند أبي جعفر (عليه السلام) فجاءه عمرو ابن عبيد فقال : أخبرني عن قول الله تعالى : ( وَلا تَطْغَوْ فيهِ فَيَحِلّ عَلَيْكُمْ غَضَبي وَمَنْ يَحْلُلْ عَلَيْهِ غَضَبي فَقَدْ هَوى وَإنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) ، قال له أبو جعفر (عليه السلام) : قد أخبرك أنّ التوبة والإيمان والعمل الصالح لا يقبلها إلاّ بالاهتداء ، أمّا التوبة فمن الشرك بالله ، وأمّا الإيمان فهو التوحيد لله ، وأمّا العمل الصالح فهو أداء الفرائض ، وأمّا الاهتداء فبولاة الأمر ، ونحن هم ، فإنّما على الناس أن يقرأوا القرآن كما اُنزل ، فإذا احتاجوا إلى تفسيره ، فالاهتداء بنا وإلينا يا عمرو[5].

ـ عن أبي جعفر محمّد بن عليّ (عليهما السلام) قال : قال الله تعالى في كتابه :

( وَإنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) ، قال : والله لو أ نّه تاب وآمن وعمل صالحاً ولم يهتدِ إلى ولايتنا ومودّتنا ويعرف فضلنا ما أغنى عنه ذلك شيئاً[6].

ـ عن داود الرقّي قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له : جعلت فداك ،
قوله تعالى : ( وَإنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) ، فما هذا الهدى بعد التوبة والإيمان والعمل الصالح ؟ قال : فقال : معرفة الأئمة والله إمام بعد إمام[7].

ـ عن أبي ذرّ الغفاري (رضي الله عنه) في قوله تعالى : ( وَإنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) ، قال : آمن بما جاء به محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وعمل صالحاً ، قال : أداء الفرائض ، ثمّ اهتدى إلى حبّ آل محمّد . وقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : والذي بعثني بالحقّ نبيّاً لا ينفع أحدكم الثلاثة حتّى يأتي بالرابعة ، فمن شاء حقّقها ومن شاء كفر بها ، فإنّا منازل الهدى وأئمّة التقى ، وبنا يستجاب الدعاء ويدفع البلاء ، وبنا ينزل الغيث من السماء ، ودون علمنا تكلّ ألسن العلماء ، ونحن باب حطّة وسفينة نوح ، ونحن جنب الله الذي ينادي من فرّط فينا يوم القيامة بالحسرة والندامة ، ونحن حبل الله المتين الذي من اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم ، ولا يزال محبّنا منفيّاً مؤذياً منفرداً مضروباً مطروداً مكذوباً محزوناً ، باكي العين حزين القلب حتّى يموت ، وذلك في الله قليل[8].

أقول : سبحان الله ، لقد كان أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) سيّد المظلومين ، وإنّ المظلوميّة هذه جرت على أهل بيته الأئمة الأطهار (عليهم السلام) فما منهم إلاّ مقتول أو مسموم ، بل سرت المظلوميّة على طول التأريخ وإلى يومنا هذا ، حتّى على شيعتهم وأنصارهم ، فهذه زنزانات الظالمين يملؤها المؤمنون والمؤمنات من موالي وشيعة أهل البيت (عليهم السلام) وأتباع مذهب عترة المصطفى (عليهم السلام) ، فلا يزال الشيعي المخلص مطارد من قبل أعداء الدين ، ومن قبل حكّام الجور والفسوق والفساد ، ولا يزال الموالي لأهل البيت والمحبّ لهم منفيّاً من بلده ، منفرداً يؤذيه أعداء الله مضروباً ، لا يصدّق قوله ، حزين القلب باكي العين ، يعيش الآلام والأسقام والسجون ، سجون الطغاة والجبابرة حتّى يموت ، وكلّ هذا يهون ، فإنّه بعين الله ، وإنّه في الله قليل . وإنّه يبقى دين الله بالدماء الزكيّة وسفك المهج الطاهرة ، نسأل الله الشهادة ومقامها من أجل الولاية وأنوارها.

نسأله تعالى أن يحشرنا مع ربّان سفينة النجاة سيّد الشهداء والأحرار مولانا الإمام الحسين (عليه السلام).

عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : مثلي فيكم مثل الشمس ، ومثل عليّ مثل القمر ، فإذا غابت الشمس فاهتدوا بالقمر[9].

عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى : ( وعلامات وبالنجم هم يهتدون )فالنجم رسول الله (صلى الله عليه وآله) والعلامات الأوصياء بهم يهتدون.

عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) : مثل أهل بيتي مثل النجوم ، كلّما أفل نجم طلع نجم.

عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى ( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) قال : نحن النجم.


[1]الحديد : 26.

[2]طه : 84 .

[3]البحار 27 : 169 ، عن تفسير القمّي : 420.

[4]المصدر ، عن بصائر الدرجات : 23.

[5]المصدر ، عن تفسير الفرات : 91.

[6]المصدر والمرجع.

[7]البحار 27 : 198.

[8]المصدر.

[9]البحار 24 : 76 ، الباب 30 باب أ نّهم (عليهم السلام) النجوم والعلامات ، الحديث 13 ، وفي الباب 32 رواية ، فراجع.

6 ـ النجاة