![]() |
![]() |
![]() |
إنّ الله سبحانه ربّ السماوات والأرض وما بينهما ، ومن لوازم مقام الاُلوهيّة والربوبيّة ، أنّ ما سواه يكون عبداً له ، كما يستخلفه في أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، بمقدار فنائه في العبوديّة ، فإنّها جوهرة كنهها الربوبيّة ، وكما ورد في الخبر الشريف : عبدي أطعني أجعلك مثلي أقول للشيء : كن فيكون ، وتقول للشيء : كن فيكون ، وإنّ العبد يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى اُحبّه ، فإذا أحببته أكون سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، وهذا من حقيقة العبوديّة لله سبحانه في الإنسان ، وإنّها سارية في كلّ المخلوقات :
( إنْ كُلُّ مَنْ في السَّماواتِ وَالأرْضِ إلاّ أتى الرَّحْمنَ عَبْداً )[1].
ومن علائم العبادة وحقيقتها التسبيح وتنزيه الله سبحانه عن القبائح ، وإنّه الكمال المطلق ومطلق الكمال ، وجميع ما سواه في حركة جوهريّة وذاتية إليه جلّ جلاله ، فكلّ شيء عاشق لله ويسبّح بحمده وجلاله :
( وَهُوَ الظَّاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الحَكيمُ الخَبيرُ )[2].
( سَبَّحَ للهِ ما في السَّماواتِ وَالأرْضِ وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ )[3].
( تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فيهِنَّ )[4].
( وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالمَلائِكَةُ مِنْ خيفَتِهِ )[5].
( وَإنْ مِنْ شَيْء إلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلـكِنْ لا تَفْقَهونَ تَسْبيحَهُمْ )[6].
( ألَمْ تَرَ أنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ في السَّماواتِ وَالأرْضِ والطَّيْرُ صافَّات كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبيحَهُ وَاللهُ عَليمٌ بِما يَفْعَلونَ )[7].
( يُسَبِّحُ للهِ ما في السَّماواتِ وَالأرْضِ لَهُ المُلـْكُ وَلَهُ الحَمْدُ )[8].
( وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ )[9].
فكلّ الخلق في تسبيح وعبادة لله سبحانه ، وهذا ممّـا لا يمكن إنكاره ، كما دلّت عليه الآيات الكريمة ، وعليه الروايات الشريفة والأدلّة العقليّة كما في الحكمة المتعالية . فكلّ الخلائق تسير نحو معبودها ومعشوقها الأوّل في حركة جوهريّة فإنّها عاشقة وعابدة لله سبحانه[10].
ثمّ ورد في
إرشاد القلوب بسنده والمفيد مثله عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه)
قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا
سلمان ، الويل كلّ الويل لمن لا يعرف لنا حقّ معرفتنا وأنكر فضلنا ، يا
سلمان ، أ يّما أفضل محمّد (صلى الله عليه وآله) أو سليمان
بن داود (عليه
السلام) ؟
قال سلمان : بل محمّد أفضل . فقال : يا سلمان ،
فهذا آصف بن برخيا ، قدر أن يحمل عرش بلقيس
من
فارس إلى سبأ في طرفة عين ، وعنده علم من الكتاب ، ولا أفعل أنا أضعاف
ذلك وعندي ألف كتاب ؟
أنزل الله على شيث بن آدم خمسين صحيفة ، وعلى إدريس (عليه السلام) ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم الخليل عشرين صحيفة ، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان . فقلت : صدقت يا سيّدي ، قال الإمام (عليه السلام) : يا سلمان ، إنّ الشاكّ في اُمورنا وعلومنا كالمستهزئ في معرفتنا وحقوقنا ، وقد فرض الله ولايتنا في كتابه في غير موضع وبيّن ما أوجب العمل به وهو مكشوف[11].
ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : أتى الحسين (عليه السلام) اُناس فقالوا له : يا أبا عبد الله ، حدّثنا بفضلكم الذي جعل الله لكم ، فقال : إنّكم لا تحتملونه ولا تطيقونه ، قالوا : بلى نحتمل ، قال : إن كنتم صادقين فليتنحّ اثنان واُحدّث واحداً فإن احتمله حدّثتكم ، فتنحّى اثنان وحدّث واحداً ، فقام طائر العقل ومرّ على وجهه وذهب ، فكلّمه صاحباه فلم يردّ عليهما شيئاً وانصرفوا.
ـ عن عبد العزيز بن كثير : إنّ قوماً أتوا إلى الحسين وقالوا : حدّثنا بفضائلكم ، قال (عليه السلام) : لا تطيقون وانحازوا عنّي لاُسرّ إلى بعضكم ، فإن أطاق ساُحدّثكم ، فتباعدوا عنه ، فكان يتكلّم مع أحدهم حتّى دهش ووله وجعل يهيم ولا يجيب أحداً وانصرفوا عنه[12].
وعندنا الكثير مثل هذه الأحاديث الشريفة الدالّة على صعوبة تحمّل أسرار النبوّة والإمامة وأسرار النبيّ والإمام وولايتهما ، فإنّه من الصعب المستصعب ، حتّى على الأنبياء والملائكة.
وربما ما أقوله في بيان ( السلام عليك يا أبا عبد الله ) يكون هذا الأمر الصعب ، الذي لا يهضم بسهولة ، إلاّ بعد الابتلاء والاختبار والامتحان ، فلا يتحمّله إلاّ مؤمن قد امتحن الله قلبه بالإيمان.
جعلنا الله وإيّاكم من المؤمنين الكمّلين الفائزين بالمعرفة التامّة وبالمعرفة الجماليّة ، بل والكماليّة . فنعرف قادتنا (عليهم السلام) حقّ المعرفة حسب الطاقة البشريّة ، ومن الله التوفيق والسداد والهداية والرشاد.
[1]مريم : 93.
[2]الأنعام : 18.
[3]الحديد : 1.
[4]الإسراء : 44.
[5]الرعد : 13.
[6]الإسراء : 44.
[7]النور : 41.
[8]التغابن : 1.
[9]الأنبياء : 79.
[10]راجع في ذلك ( الأسفار الأربعة ) الجزء 7 ، للمحقّق صدر الدين الشيرازي.
[11]البحار 26 : 222 ، عن إرشاد القلوب 2 : 228.
[12]موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) : 58 ، عن الخرائج والجرائح 2 : 795.
![]() |
![]() |
![]() |