14  ـ  الصحابة

من  لم  يركب  السفينة  فليس  من  الصحابة

قال الله تعالى :

( إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ )[1].

إذا كان الولد الذي هو فلذّة من الكبد لا يعدّ من الأهل ، عند المخالفة والعصيان ، فبطريق أولى لا يكون من أصحابه ، حتّى ولو صاحبه وعاشره ليل ونهار ، ومجرّد المصاحبة ولو لدقائق أو ساعات لا يدلّ على الفضل والطهارة وصحّة العمل والعدالة ، فهذا ابن نوح خير شاهد ودليل ، إنّه لم يركب سفينة والده ، سفينة النبوّة والنجاة ، فإنّه يهلك لا محالة ، كما إنّه ليس من أهل نوح (عليه السلام) حتّى ولو كان في بيته وصاحبه في ليله ونهاره ، فلا تنفعه المصاحبة ، بل ولا النسب ولا السبب ، وكذا الكلام في زوجة لوط ، فإنّها من الهالكات ولم تنفعها صحبة النبيّ ومعاشرته ، بل والعلقة الزوجيّة والحياة المشتركة ، فالملاك هو الحقّ ومتابعته ، واعرف الحقّ تعرف أهله ، والحقّ مع عليّ (عليه السلام) وعليّ مع الحقّ ، أينما دار عليّ يدور الحقّ معه :

( وَمَنْ تَبِعَني فَإنَّهُ مِنِّي )[2].

فالملاك معرفة الحقّ ومتابعته ، لا مجرّد النسب أو السبب من الزوجيّة أو الصحبة أو ما شابه ذلك ، وهذا ما يقرّبه الوجدان ويدلّ عليه البرهان من الأدلّة العقليّة والنقليّة ، ومن هذا المنطلق نقول : ليس كلّ من صاحب الرسول فهو عادل لا يقدح فيه ويؤخذ منه الدين ويهتدى به ، فهذا غير معقول ، بل من أطاع النبيّ في حياته وبعد رحلته في وصيّه وخليفته بالحقّ ، ولم يرتدّ عمّـا أمر به النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فإنّه من الصحابة العدول الذين يُترضّى عليهم ويترحّم ، وإلاّ فلعنة الله على القوم الظالمين حتّى ولو كان ابن نوح ، فإنّه ليس من أهله ولا أصحابه.

والإمام الحسين سيّد الشهداء (عليه السلام) بتضحياته المقدّسة ودفاعه عن الإسلام وبدمه الطاهر ، وإنّه من بيت الوحي والنبوّة ، حامل الرسالة السماويّة السمحاء ، وعبء الإمامة العظمى ، والعصمة الكبرى ، جسّد لنا الحقّ ، وتجلّى الربّ بأسمائه وصفاته فيه ، فكتب على عرشه المقدّس : « إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة » ، فمن دخل هذه السفينة الحسينيّة فإنّه من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فإنّه قال : « حسين منّي وأنا من حسين » ، فسفينة الحسين سفينة الرسول ، فمن لم يركبها وترك ولايتها ، واختار وليجة دونها ، وتبع ولاية فلان وفلان ، فإنّه ليس من أهل النبيّ ولا من أصحابه الكرام ، بل هو من الهالكين في الدرك الأسفل من الجحيم ، كما هلك ابن نوح . ولا عداء شخصيّ لنا مع أحد ، إنّما الملاك هو الحقّ ، فقل الحقّ ولو على نفسك ، أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدي إلاّ أن يهدى ؟ ! ما لكم كيف تحكمون ؟ !


[1]هود : 45 ـ 46.

[2]إبراهيم : 36.

15 ـ الكافرون