الاُبوّة  والبنوّة

الابن لغة واصطلاحاً :

من بني أو بنو ـ بالياء أو الواو ـ فإن كان الأوّل فهو بمعنى البناء ، وربما يكون من أبِن بمعنى القطع والإبانة.

يطلق على الذكور من الأولاد ، فهو قطعة من أبيه كما ورد ( أولادنا أكبادنا ) ، أو فلذّة من أكبادنا ، أو أنّ الولد يبتنى في وجوده على والده ، كما يقال : الولد على سرّ أبيه.

والأب لغة واصطلاحاً :

أصلة أبَو بالتحريك ، لأنّ جمعه آباء مثل قَفا وأقفاء ورحى وأرحاء ، فالذاهب منه واو لأ نّك تقول في التثنية أبوان ، والأب الوالد والأبوان الأب والاُمّ . والأب والوالد يعني من كان سبباً في إيجاد شيء أو إصلاحه ، ولمّـا كان الوالد هو المتكفّل الأوّل لتربية ولده وإصلاح شؤونه ، فإنّه يطلق عليه الأب.

ويطلق الأب على مصاديق مختلفة ، كما ورد في الأخبار الشريفة ، ومن المشهور والمعروف أنّ الآباء ثلاثة : أب ولّدك ، وأب زوّجك ، وأب علّمك وهو أفضلهم.

فيعدّ المعلّم من الآباء ، بل هو أفضلهم ، لأ نّه يربّي ويزكّي روح الولد الباقية إلى يوم القيامة ، بخلاف الأب المولّد وأب الزوجة فإنّهما باعتبار الأجساد الفانية ، وربما يكون الوالد أباً روحيّاً وجسديّاً لولده ، فيجمع بين الفضيلتين.

ثمّ ورد في أحاديث كثيرة وصحيحة عند الفريقين ـ السنّة والشيعة ـ أنّ النبيّ الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) والد هذه الاُمّة المرحومة.

قال (صلى الله عليه وآله) : أنا وعليّ أبوا هذه الاُمّة.

والإمام الحسين (عليه السلام) لمّـا كان نفس رسول الله لقوله (صلى الله عليه وآله) ( حسين منّي وأنا من حسين ) فهو كجدّه (عليهما السلام) له مقام الاُبوّة ، كما علّم الخلق كلّه منذ عالم الأنوار ، فسبّح الله وسبّحت الملائكة بتسبيحه ، وبه وبجدّه وأبيه واُمّه وأخيه وبنيه المعصومين عُرف الله وعُبد ـ كما ورد في الأخبار الصحيحة ـ وأ نّهم كلّهم من نور واحد ( أوّلنا محمّد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد (عليهم السلام) ) ، فلهم مقام الاُبوّة والتعليم لكلّ الخلائق ، فهم آباء كلّ من كان عبداً لله جلّ جلاله ، ولكلّ من أتى الرحمن عبداً ، فالكون كلّه عبداً لله سبحانه وتعالى.

أقسام  الكنى :

هذا والكنية عند العرب تكون بأب واُمّ وابن ، كما يقال ( أبو علي ) وهي على نحوين : إمّا حقيقيّة أو تشريفيّة :

والاُولى : تطلق على من يلد له مولود فيسمّيه ثمّ يكنّى به ، كما كنّي أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بولده الحسن المجتبى (عليه السلام).

والثانية : تطلق على من سمّي باسم صاحب هذه الكنية لجلالته وعلوّ مقامه تشريفاً ، فيكنّى بكنيته أيضاً ، حتّى لو لم يكن له ولد مسمّى بذلك ، كما يقال لكلّ من اسمه علي : أبو الحسن ، كما كُني بذلك الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين (عليه السلام) والإمام الرضا عليّ بن موسى (عليه السلام) ، فيقال : أبو الحسن الثاني وأبو الحسن الثالث.

وأمّا كنية سيّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) بأبي عبد الله ، فلم يكن من الأوّل ، إذ ولده الأكبر علي (عليه السلام) ، ولم يكن من الثاني ، إذ لم يكن له من قبل سميّاً فهو يشترك مع يحيى النبيّ في ذلك ، كما يشترك في موارد اُخرى تبلغ العشرين.

زيدة  المخاض :

فنقول : هناك قسم ثالث في الكنى اُسمّيه ( الكنية التكوينيّة ) ، وهي منحصرة بالحسين (عليه السلام) وتعدّ من خصائصه وخصاله . فإنّه لمّـا كان الخلق في وجودهم من بركات وجوده ، باعتبار أ نّه نفس النبيّ (صلى الله عليه وآله) وهو الصادر الأوّل ، والواسطة في الفيض الإلهي ، فهو صنع الله والخلق صنايعه ، كما إنّه هو المعلّم للخلائق ومعلّم البشريّة ، والمعلّم أب ، والخلق عبد الله ، فالحسين أبو عبد الله.

ولمثل هذا يكنّى الإمام الحسين (عليه السلام) في زيارة عاشوراء منذ بدء الخلق ومن الأزل على لسان الله بأبي عبد الله.

فالصلاة والسلام عليك يا مولاي يا أبا عبد الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار بعدد ما في علم الله ، ورزقنا الله في الدنيا زيارتك وفي الآخرة شفاعتك ، وحشرنا في زمرتك ، ورزقنا الشهادة في سبيلك ، سبيل الله.

« يا ربّ الحسين بحقّ الحسين اشفِ صدر الحسين بظهور الحجّة (عليهما السلام) ».

في كشف الغمّة : قال كمال الدين بن طلحة : كنية الحسين (عليه السلام) أبو عبد الله لا غير ، وأمّا ألقابه فكثيرة.

الرشيد والطيّب والوفيّ والزكيّ والمبارك والتابع لمرضاة الله والسبط والسيّد[1].

قال المحقّق الشيخ جعفر التستري (قدس سره) في مدح الله الإمام الحسين (عليه السلام) :

إنّه مدحه بمدائح منها : أ نّه من أعلى أفراد الوالد الذي قضى ربّك بالإحسان إليه ، فهل أحسنت إلى هذا الوالد يوماً[2].


[1]العوالم 17 : 28 ، وفي البحار 43 : 237 ، الحديث 2.

[2]الخصائص الحسينية : 46.

خلاصة الكلام في العرش الإلهي( )