كلّ واحد منّا يعرف الأمل والتمنّي ، إلاّ أ نّه ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه ، تجري الرياح بما لا تشتهي السَّفَن ، فكم اُمنية في الحياة لم يتوفّق لها الإنسان ، إلاّ أ نّه على المرء أن يسعى وليس عليه أن يكون موفّقاً ، فربما يتوفّق في حصول اُمنياته وبلوغ آماله ، وربما يصاب بالحرمان والخذلان . ولكن من المفروض أن يبذل ما في وسعه في بلوغ ما يتأمّله في حياته ، فإنّه إذا لم يتوفّق للوصول والحصول ، فإنّه يبيت مرتاح الوجدان والضمير ، على أ نّه سعى ولم يتوفّق ، بخلاف من لم يسعَ ولم يتوفّق ، فإنّ ضميره يؤنّبه ، بأ نّه لو كان ساعياً ربما كان موفّقاً.
ثمّ الأمل ينقسم إلى قسمين : أمل مذموم وأمل ممدوح ، والأوّل ما كان عليه صبغة شيطانية وأ نّه غير معقول وباطنه الكذب والكسل . والثاني أمل رحماني يقرّه العقلاء ، كأمل الزارع من زرعه بأن يحصد نتاجه في المستقبل ، والطالب من دراسته بأن يحوز شهادة التفوّق . وأ نّه من مصاديق الرحمة الإلهية ومن الأماني الصادقة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
الأمل رحمة لاُمّتي ، ولولا الأمل ، ما رضعت والدة ولدها ، ولا غرس عارس شجراً[1].
بينما عيسى (عليه السلام) جالس وشيخ يعمل بمسحاة يثير الأرض ، قال (عليه السلام) : اللهمّ انزع منه الأمل ، فوضع الشيخ المسحاة واضطجع ، فلبث ساعة فقال عيسى : اللهمّ اردد إليه الأمل ، فقام فجعل يعمل[2].
قال الله تعالى :
( وَالباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أمَلا )[3].
وأمّا الأمل المذموم وأ نّه من مصاديق الباطل ، فقد قال الله سبحانه وتعالى :
( ذَرْهُمْ يَأكُلوا وَيَتَمَتَّعوا وَيُلـْهِهُمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمونَ )[4].
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
اتّقوا باطل الأمل ، فربّ مستقبل يوم ليس بمستدبره ، ومغبوط في أوّل ليل قامت بواكيه في آخره.
وقال (عليه السلام) :
اتّقوا خداع الآمال ، فكم من مؤمّل يوم لم يدركه ، وباني بناء لم يسكنه ، وجامع مال لم يأكله.
وقال (عليه السلام) :
الأمل كالسراب ، يغرّ من رآه ، ويخلف من رجاه.
وقال (عليه السلام) :
الأمل خادع غارّ ضارّ.
وقال (عليه السلام) :
الأماني تعمي عيون البصائر.
« الأمل سلطان الشياطين على قلوب الغافلين ».
« الأمل أبداً في تكذيب ».
« ثمرة الأمل فساد العمل »[5].
« إنّ الأمل يسهي القلب ، ويكذب الوعد ، ويكثر الغفلة ، ويورث الحسرة ».
وفي دعاء الإمام الصادق (عليه السلام) في يوم عرفة :
« أعوذ بك من دنيا تمنع خير الآخرة ، ومن حياة تمنع خير الممات ، ومن أمل يمنع خير العمل ».
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
« إنّ الأمل يذهب العقل ويكذّب الوعد ، ويحثّ على الغفلة ، ويورث الحسرة ، فأكذبوا الأمل فإنّه غرور ، وإنّ صاحبه مأزور ... ».
« اعلموا أنّ الأمل يسهي العقل ، وينسي ، فأكذبوا الأمل ، فإنّه غرور وصاحبه مغرور ... ».
« طوبى لمن لم تلهه الأماني الكاذبة ».
« لو رأى العبد أجله وسرعته إليه ، أبغض الأمل ».
« من جرى في ميدان أمله ، عثر بأجله ».
« الأمل ينسي الأجل ».
« الأمل حجاب الأجل ».
« الأمل يفسد العمل ، ويفني الأجل ».
« إنّي محارب أملي ومنتظر أجلي ».
« لا تخلو النفس من الأمل حتّى تدخل في الأجل ».
« إنّ المرء يشرف على أمله فيقطعه حضور أجله ».
كمن يبني قصراً على أمل أن يسكن فيه فيأتيه الأجل بغتةً فيحرم منه.
قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) :
« ألا وإنّكم في أيام أمل من ورائه أجل ، فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله ، فقد نفعه عمله ولم يضرّه أجله ».
عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، أ نّه أخذ ثلاثة أعواد ، فغرس عوداً بين يديه ، والآخر إلى جنبه ، وأمّا الثالث فأبعده وقال : هل تدرون ما هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هذا الإنسان ، وهذا الأجل وهذا الأمل ، يتعاطاه ابن آدم ويختلجه الأجل دون الأمل ».
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
« إذا بلغتم نهاية الآمال فاذكروا بغتات الآجال ».
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
إنّ آدم قبل أن يصيب الذنب كان أجله بين عينيه وأمله من خلفه ، فلمّـا أصاب الذنب جعل الله أمله بين عينيه وأجله خلفه ، فلا يزال يؤمّل حتّى يموت.
« ما أطال عبدٌ الأمل إلاّ أساء العمل ».
« أكثر الناس أملا أقلّهم للموت ذكراً ».
« من اتّسع أمله قصر عمله ».
« أمّا طول الأمل فينسي الآخرة ».
« من يأمل أن يعيش غداً فإنّه يأمل أن يعيش أبداً ، ومن يأمل أن يعيش أبداً يقسو قلبه ويرغب في الدنيا ».
« فيما ناجى الله تعالى موسى (عليه السلام) : يا موسى ، لا تطل في الدنيا أملك فيقسو قلبك ، والقاسي القلب منّي بعيد ».
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :
من أيقن أ نّه يفارق الأحباب ، ويسكن التراب ، ويواجه الحساب ، ويستغني عمّـا خلق ، ويفتقر إلى ما قدّم ، كان حريّاً بقصر الأمل وطول العمل.
قال الإمام الباقر (عليه السلام) :
استجلب حلاوة الزهادة بقصر الأمل.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابن مسعود :
قصّر أملك ، فإذا أصبحت فقل : إنّي لا أمسي ، وإذا أمسيت فقل : إنّي لا اُصبح ، واعزم على مفارقة الدنيا ، وأحبب لقاء الله.
وقال (صلى الله عليه وآله) :
خذ بالثقة من العمل ، وإيّاك والاغترار بالأمل ، ولا تدخل عليك اليوم همّ غد ... ولو أخليت قلبك من الأمل لجددت في العمل ، والأمل الممثّل في اليوم ، غداً أضرّك في وجهين : سوّفت به العمل ، وزدت في الهمّ والحزن.
وقال (صلى الله عليه وآله) :
يقول الله تعالى : لأقطعنّ أمل كلّ مؤمن أمل دوني الاُناس.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
انقطع إلى الله سبحانه ، فإنّه يقول : وعزّتي وجلالي لأقطعنّ أمل كلّ من يؤمّل غيري باليأس.
نتيجة الأحاديث الشريفة : أنّ الأمل الذي يبتني على الأوهام ، ويمنع عن العمل ، وينسي الأجل ، ولم يكن بالله سبحانه ، ويوجب حبّ الدنيا والرغبة فيها ، ويوجب قسوة القلب والتكالب على الدنيا الدنيّة ، فإنّه من الشيطان ، وإنّه مذموم عقلا ونقلا . وأمّا إذا كان يوجب العمل والتوكّل على الله سبحانه ، ورجاء الآخرة والعمل الصالح وصلاحه ، ولا يسهي العقل ، فإنّه من الأمل الممدوح الذي ندعو إليه ، ونعدّه من عوامل التوفيق في الحياة ، وإلاّ فإنّ من الأوّل التسويف والآمال التي يتعوّذ منها أئمتنا الأطهار (عليهم السلام) في مناجاتهم وأدعيتهم مع الله سبحانه « وأعوذ بك من الآمال والتسويف » ، فلا تغفل وتدبّر.
[1]ميزان الحكمة 1 : 140 ، عن البحار 77 : 173.
[2]البحار 14 : 329.
[3]الكهف : 46.
[4]الحجر : 3.
[5]ميزان الحكمة 1 : 142 ، من غرر الحكم.