6  ـ  تلقين  النفس  بالنجاح :

الإسلام يدعو معتنقيه إلى النجاح في كلّ عمل ، ولا يرضى منهم الكسل والفشل ، بل يعلّمهم أ نّه لا بدّ أوّلا من تخطيط كامل الأطراف ، ودراسة الموضوع المقدم عليه دراسة تامة الجوانب ، ثمّ الحزم والعزم ، وأن ينظر إلى القمّة حتّى يهون عليه صعود الجبل ، وأن ينظر إلى أقصى القوم حتّى يسهل عليه بداية الأمر ، ويفكّر بالنجاح ويلقّن نفسه بذلك ، وما أروع النصوص الدالّة على هذه المفاهيم القيّمة ، التي تفتح للمسلم آفاقاً جديدة في حياته السعيدة التي يسودها العمل الدؤوب والنشاط والحيوية والتقدّم المستمرّ والازدهار والتطوّر ، ويجعل من انكساره جسراً لنجاحه ، فالتلقين له أثر بالغ في الحياة ، بل في نظر الإسلام حتّى الموت وبعده ، فإنّه يستحبّ تلقين المحتضر الشهادتين ـ شهادة التوحيد وشهادة النبوّة ـ وكذلك الولاية ، وكذا الميّت في قبره يستحبّ تلقينه ، وإنّ الملقّن الأوّل هو الله سبحانه كما ورد في الأخبار ، وكذلك جبرئيل كان ملقّناً ، بل يقال : إنّ الأذكار والأوراد وتكرارها وتكرار الأدعية فيها فوائد دنيوية واُخروية ، منها : تلقين النفس بالشيء المدعوّ به ، بل يقال : تكرار الحمد في الصلوات اليومية ، وقول المصلّي : ( اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقيمَ ) هو من مصاديق التلقين ، بأن يكون على الصراط المستقيم ، ويفكّر بهذا الأمر في كلّ يوم خمس مرّات على أقلّ تقدير في الصباح وظهراً وفي المساء ، وهذا يعني أنّ المسلم يلقّن نفسه بالنجاح ، فإنّ النجاح والفلاح والصلاح إنّما هو في الصراط المستقيم.

ولا بأس أن نذكر نماذج من الأخبار الواردة بلفظ التلقين بالخصوص فضلا عن المعنى والمحتوى والمفهوم ، فهناك روايات كثيرة وآيات كريمة تدلّ على أهميّة دور التلقين في حياة المسلم.

من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) :

إنّ هذا القرآن فيه مصابيح النور وشفاء الصدور ، فليجل جال بضوئه ، ولينجم الصفة ، فإنّ التلقين حياة القلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور[1].

قال أبو محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) :

إنّ رجلا جاء إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) برجل يزعم أ نّه قاتل أبيه ، فاعترف ، فأوجب عليه القصاص ، وسأله أن يعفو عنه ليعظم الله ثوابه ، فكأنّ نفسه لم تطب بذلك ، فقال علي بن الحسين (عليه السلام) للمدّعي للدم الوليّ المستحقّ للقصاص : إن كنت تذكر لهذا الرجل عليك فضلا فهب له هذه الجناية واغفر له هذا الذنب . قال : يا ابن رسول الله ، له عليّ حقّ ، ولكن لم يبلغ أن أعفو له عن قتل والدي . قال : فتريد ماذا ؟ قال : اُريد القود ، فإن أراد لحقه عليّ أن اُصالحه على الدية صالحته ، وعفوت عنه . فقال علي بن الحسين (عليهما السلام) : فماذا حقّه عليك ؟ قال : يا ابن رسول الله ، لقّنني توحيد الله ونبوّة محمّد رسول الله وإمامة عليّ والأئمة (عليهم السلام) . فقال عليّ بن الحسين (عليهما السلام) : فهذا لا يفي بدم أبيك ؟ بلى والله هذا يفي بدماء أهل الأرض كلّهم من الأوّلين والآخرين سوى الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) إن قتلوا ، فإنّه لا يفي بدمائهم شيء أن يقنع منه بالدية . قال : بلى . قال عليّ بن الحسين للقاتل : أفتجعل لي ثواب تلقينك له حتّى أبذلك لك الدية فتنجو بها من القتل ؟ قال : يا ابن رسول الله ، أنا محتاج إليها ، وأنت مستغن عنها ، فإنّ ذنوبي عظيمة ، وذنبي إلى هذا المقتول أيضاً بيني وبينه ، لا بيني وبين وليّه هذا . قال عليّ بن الحسين (عليهما السلام) : فتستسلم للقتل أحبّ إليك من نزولك عن هذا التلقين ؟ قال : بلى يا ابن رسول الله . فقال عليّ بن الحسين لوليّ المقتول : يا عبد الله ، قابل بين ذنب هذا إليك وبين تطوّله عليك ، قتل أباك حرّمه لذّة الدنيا وحرّمك التمتّع به فيها ، على أ نّك إن صبرت وسلّمت فرفيقك أبوك في الجنان ، ولقّنك الإيمان فأوجب لك به جنّة الله الدائمة وأنقذك من عذابه الدائم ، فإحسانه إليك أضعاف جنايته عليه ، فإمّا أن تعفو عنه جزءاً على إحسانه إليك لاُحدّثكما بحديث من فضل رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيرٌ لك من الدنيا بما فيها ، وإمّا أن تأبى أن تعفو عنه حتّى أبذل لك الدية لتصالحه عليها ، ثمّ أخبرته بالحديث دونك فما يفوتك من ذلك الحديث خير من الدنيا بما فيها لو اعتبرت به . فقال الفتى : يا ابن رسول الله ، لقد عفوت عنه بلا دية ولا شيء إلاّ ابتغاء وجه الله ولمسألتك في أمره ، فحدّثنا يا ابن رسول الله بالحديث . قال علي بن الحسين (عليهما السلام) : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)لمّـا بعث إلى الناس كافّة بالحقّ بشيراً ونذيراً ... إلى آخر ما سيأتي في أبواب معجزاته (صلى الله عليه وآله)[2].

وفي قصّة يوسف ويعقوب (عليهما السلام) ، ورد في تفسير قوله : ( أخافُ أنْ يَأكُلَهُ الذِّئْبُ ) ، إنّ يعقوب لقّن أولاده العلّة وكانوا لا يدرون . وروي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أ نّه قال :

لا تلقّنوا الكذب فتكذبوا ، فإنّ بني يعقوب لم يعلموا أنّ الذئب يأكل الإنسان حتّى لقّنهم أبوهم[3].

ونستنتج من هذا الخبر النبويّ الشريف أنّ التلقين على نحوين : إيجابي وسلبي ، مثبت ومنفي ، ممدوح ومذموم.

والذي ندعو إليه هو التلقين الصادق الناجح في ناجح الأعمال ليتوفّق الإنسان في حياته ، ويسعد في اُموره.

وهذا التلقين عامّ يشمل الفرد والمجمع الصغير ـ كالاُسرة ـ والكبير ـ كالاُمّة ـ ، فالتلقين الصادق ناجح حتّى في الاُمور السياسية التي هي في إصلاح الاُمّة ورعاية شؤونهم وتدبير اُمورهم بما يقتضيه الحال والمقام.

ولا بأس أن نذكر من الروايات ما ورد بلفظ التلقين ومشتقّاته :

            ج         ص        س

1 ـ لا تحضر الحائض والجنب عند التلقين  80       230     13

2 ـ تعيّن عليه التلقين مرّة اُخرى   82       39       17

3 ـ أجب عمّـا اُلقّنك  75       405     18

4 ـ فادع بدعوات أنا اُلقّنك إيّاها            35       278     1

5 ـ أنا اليوم ـ اُلقّنك حجّتك     74       315     1

6 ـ تلقّننا به الحجج البالغة إذا سألنا الملكان            92       370     17

7 ـ إنّي أسألك رحمة ـ تلقّنني بها رشدي 79       257     13

8 ـ تلقّنني بها عند فراق الدنيا حجّتي         90       133     6

9 ـ اكتب لي هذه حتّى تلقّننيها يوم القيامة 90       76       5

10 ـ أدعاء كنت تلقّنه عند الدخول ؟    94       316     2

11 ـ عند المساءلة في القبور وأنت ـ تلقّنهم          6          200     20

12 ـ أنت هناك تلقّنهم عند العرض الأكبر            68       40       20

13 ـ اكتب لي هذه الشهادة عندك حتّى تلقّنيها      98       287     18

14 ـ اللهمّ ـ حتّى تلقّنيها وأنت عنّي راض          86       272     18

15 ـ لقّنه الله من غير تلقين         17       235     15

16 ـ رخّص في تلقين الإمام القرآن          88       111     7

17 ـ الأنبياء وأولادهم ـ اُوتوا العلم تلقيناً            17       225     14

18 ـ لا يقولون ذلك إلاّ تلقيناً وتأديباً وتسمية       10       243     15

19 ـ تلقينك ـ من فضل رسول الله         2          12       21

20 ـ فلقّنت أن تقول ـ أعوذ بالله منك   16       388     14

21 ـ فلقّنه جبرئيل قل : يا حميد بحقّ محمّد           44       245     3

22 ـ فلقّنه حجّته على خصم الدين          75       21       7

23 ـ إذا حضرت الميّت الوفاة فلقّنه شهادة ...       81       233     14

24 ـ فلقّنه كلمات الفرج           63       258     1

25 ـ فلقّنوا ألاّ حول ولا قوّة إلاّ بالله        58       19       14

26 ـ فلقّنوا موتاكم عند الموت    46       333     13

27 ـ إذا أعطيتموهم فلقّنوهم الدعاء        96       134     3

28 ـ فلقّنوهم شهادة أن لا إله إلاّ الله       6          195     16

29 ـ انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقّن حجّته      6          277     22

30 ـ لقد لقّن دعوات ما يدعو بهنّ مخلوق إلاّ ...   36       205     5

31 ـ لقّنّي الكلمات التي لقّنت آدم          97       265     7

32 ـ لقّنت فصل الخطاب           102     192     2

33 ـ عرضوا علي وحلّفوني فقلت كما لقّنتني         71       16       17

34 ـ لقّنك الله ـ قول شهادة أن لا إله إلاّ الله       43       72       6

35 ـ لقّنني علي بن أبي طالب (عليه السلام) كلمات الفرج   95       195     3

36 ـ من قوّى مسكيناً في دينه ـ لقّنه الله 2          7          21

37 ـ ما أنبأتكم بخبر طفل لقّنه الله           10       245     4

38 ـ فقال الناس : لقّنه جبرئيل ـ شيئاً   36       33       19

39 ـ قولوا : اللهمّ لقّنه حجّته وصعّد روحه          82       21       17

40 ـ اللهمّ ـ ولقّنه منك برهاناً  82       54       3

41 ـ اللهمّ اغفر لاُمّي فاطمة ـ ولقّنها حجّتها       35       179     17

42 ـ لقّنهم حكمته       26       258     16

43 ـ عظّموا أمرهم ـ ولقّنوا التسبيح      37       63       3

44 ـ لقّنوا موتاكم بلا إله إلاّ الله 93       203     19

45 ـ آمن روعتي ـ ولقّنّي حجّتي            90       145     18

46 ـ اللهمّ لقّنّي حجّتي عند الممات          90       166     7

47 ـ اللهمّ لقّنّي حجّتي يوم ألقاك 69       49       21

48 ـ لقّنّي عند المسألة حجّتي      95       449     14

49 ـ اللهمّ إنّي أسألك باسمك ـ يا ملقّن  94       386     13

50 ـ يلقّنه ما أنتم عليه   81       236     19[4]

هذه بعض الروايات التي وردت فيها كلمة التلقين ومشتقّاتها ، وهي بمعنى التعليم ، إلاّ أ نّه يمكن أن يستفاد منها المعنى العامّ الذي يعني تكرار الفعل وترسيخه في النفس حتّى تكون ملكة ، ويكون من العوامل ذات الأهميّة البالغة في توفيق الإنسان في حياته العلميّة والعملية ، فتدبّر.


[1]بحار الأنوار 75 : 112.

[2]البحار 2 : 13.

[3]البحار 12 : 221.

[4]المعجم المفهرس لألفاظ أحاديث بحار الأنوار 24 : 18178.