1  ـ  اغتنام  الفرصة :

جاء الإسلام ليكوّن للمسلم حياة سعيدة ، فدعاه إلى النشاط والحيوية والفرح المعقول ، ونهاه عن التضجّر والكسل والحزن المذموم ، الذي يُعدّ من وساوس الشيطان وتسويلاته ، وأمره أن يغتنم الفرص وينتهزها ، كما يغتنم خمساً قبل خمس ، كما ورد في الحديث النبويّ الشريف لأبي ذرّ الغفاري ، فقال (صلى الله عليه وآله) :

« يا أبا ذرّ ، اغتنم خمساً قبل خمس : اغتنم شبابك قبل هرمك ، وفراغك قبل شغلك ، وصحّتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وحياتك قبل مماتك ».

وأمّا اغتنام الفرصة ، فقد قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :

« انتهزوا فُرص الخير فإنّها تمرّ مرّ السحاب ».

« الفرصة تمرّ مرّ السحاب ، فانتهزوا فرص الخير ».

« الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود ».

e

« الفرصة خلسة ».

« الفرصة غُنم ».

« أ يّها الناس ، الآن الآن من قبل الندم ، ومن قبل أن تقول نفس : يا حسرتي على ما فرّطت في جنب الله ، وإن كنت لمن الساخرين ، أو تقول : لو أنّ الله هداني لكنت من المتّقين ، أو تقول حين ترى العذاب : لو أنّ لي كرّة فأكون من المحسنين ».

قال الإمام الحسين (عليه السلام) :

« يا ابن آدم ، إنّك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن اُمّك ، فخذ ممّـا في يديك لما بين يديك ، فإنّ المؤمن يتزوّد ، والكافر يتمتّع ».

« الأمس موعظة ، اليوم غنيمة ، وغداً لا تدري »[1].

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« كن على عمرك أشحّ منك على درهمك ودينارك ».

« إنّ العمر محدود لن يتجاوز أحد ما قدّر له ، فبادروا قبل نفاد الأجل ».

وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :

« لو اعتبرت بما أضعت من ماضي عمرك لحفظت ما بقي ».

« إنّ المغبون من غبن عمره ، وإنّ المغبوط من أنفذ عمره في طاعة ربّه ».

« إنّ ماضي عمرك أجل ، وآتيه أمل ، والوقت عمل ».

« إنّ ماضي يومك منتقل ، وباقيه متمّ ، فاغتنم وقتك بالعمل ».

« إنّ الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما ، ويأخذان منك فخذ منهما ».

« ما أسرع الساعات في اليوم ، وأسرع الأيام في الشهر ، وأسرع الشهور في السنة ، وأسرع السنين في العمر ! ».

« رحم الله امرءاً علم أنّ نفسه خُطاه إلى أجله ، فبادر عمله ، وقصّر أمله ».

« إعمل لكلّ يوم بما فيه ترشد »[2].

فمن كان يرى حياته وعمره هكذا ، وينظر بهذه الرؤية الإلهية ، كيف لا يستغلّ دقائق عمره ، ولم يغتنم فرص حياته ؟ ! ولا يجعلها غصّة بضياعها ، فإنّ إضاعة الفرصة غصّة ، فإنّها تمرّ كما تمرّ سحاب الربيع ، فهي سريعة الزوال وإن كان يتصوّرها الناظر كثيرة وفيها المطر الغزير ، فتدبّر فما أروع هذا التمثيل في لسان الروايات الشريفة.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :

« بادر الفرصة قبل أن تكون غصّة ».

قال الإمام الباقر (عليه السلام) :

« بادر بانتهاز البغية عند إمكان الفرصة ، ولا إمكان كالأيام الخالية مع صحّة الأبدان ».

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« والله ما يساوي ما مضى من دنياكم هذه بأهداب بُردي هذا ( الأهداب جمع هدب وهو خمل الثوب وطرّته ) ، ولما بقي منها أشبه بما مضى من الماء بالماء ، وكلّ إلى لقاء وشيك وزوال قريب ، فبادروا العمل وأنتم في مهل الأنفاس ، وجدّة الأحلاس ( الأحلاس جمع حلس : ما يوضع على ظهر الدابّة تحت السرج ) ، قبل أن تأخذوا بالكَظَم ( مخرج النفس ) فلا ينفع الندم ».

« من فتح له باب من الخير ، فلينتهز ، فإنّه لا يدري متى يغلق عنه ».

قال الإمام الصادق (عليه السلام) :

« ترك الفرص غصص ».

« من انتظر بمعاجلة الفرصة مؤاجلة الاستقصاء سلبته الأيام فرصته ، لأنّ من شأن الأيام السلب ، وسبيل الزمن الفوت ».

ما أروع هذه الكلمة الحكمية التي تخبرك عن واقع الأيام والزمان ، فمن الناس ، من لم يغتنم الفرصة المتاحة له في عمل من الأعمال ، فلا يعجل في الاستفادة منها ، بل يؤجّل العمل ويؤخّر الفرصة على أمل أن يستقصي أطراف العمل كلّه ، مثلا لو اُتيحت له الفرصة بأن يتزوّج ولو ببناء عشّ ذهبيّ متواضع ، تجده لا يقدم ويدّعي أ نّه لا بدّ لي من قصر فخم وسيارة آخر موديل وعمل تجاري ناجح وأثاث منزلية رائعة حتّى يتزوّج ، فمثل هذا الشخص تسلبه الأيام تلك الفرصة ، لأنّ من شأن الأيام السلب ، وطريقة الزمن الفوت.

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) :

« من أخّر الفرصة عن وقتها ، فليكن على ثقة من فوتها ».

« إذا أمكنت الفرصة فانتهزها ، فإنّ إضاعة الفرصة غصّة ».

« أشدّ الغصص فوت الفرص ».

« أفضل الرأي ما لم يفت الفرص ، ولم يوجب الغصص ».

« من ناهز الفرصة أمن الغصّة ».

« الصبر على المضض يؤدّي إلى إصابة الفرصة ».

« الاُمور مرهونة بأوقاتها ».

« من الخُرق ـ أي الحماقة ـ المعاجلة قبل الإمكان ، والإناءة بعد الفرصة »[3].

نتيجة الأحاديث الشريفة : أنّ العاقل من يستغلّ الفرص ويبادر إليها ، وذلك بعد التمكّن ، فلا يعجل قبل الإمكان ، فإنّه من مصاديق العجلة من الشيطان ، بل عليه أن ينتظر ، وبمجرّد أن تتاح له الفرصة فلا يتأنّى ، كلاعب كرّة القدم فإنّه يتحيّن وينتظر الفرصة ، حتّى يهجم على مرمى الحارس ، ويسجّل هدفاً ، ومثل هذا يعدّ لاعباً ناجحاً وموفّقاً.

فالمسلم يبادر إلى الفرصة ، ويعمل ولا يقضي حياته بالبطالة والفراغ.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« إنّ الله يُبغض الصحيح الفارغ لا في شغل الدنيا ولا في شغل الآخرة ».

وقال الإمام الكاظم (عليه السلام) :

« إنّ الله ليبغض العبد النوّام ـ أي الذي ينام كثيراً ـ إنّ الله ليبغض العبد الفارغ ».

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) :

« إن يكن الشغل مجهدة ، فاتّصال الفراغ مفسدة ».

وفي أدعية الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) :

« واشغل قلوبنا بذكرك عن كلّ ذكر ، وألسنتنا بشكرك عن كلّ شكر ، وجوارحنا بطاعتك من كلّ طاعة ، فإن قدّرت لنا فراغاً من شغل ، فاجعله فراغ سلامة لا تدركنا فيه تبعة ولا تحلقنا فيه سأمة ، حتّى ينصرف عنّا كتاب السيئات بصحيفة خالية من ذكرِ سيّئاتنا ، ويتولّى كتّاب الحسنات عنّا مسرورين ».

وقال في دعاء مكارم الأخلاق :

« اللهمّ صلّ على محمد وآله ، واكفني ما يشغلني الاهتمام به ، واستعملني بما تسألني غداً عنه ، واستفرغ أيّامي فيما خلقتني له ».

« وارزقني صحّة في عبادة ، وفراغاً في زهادة ».

« وأذقني طعم الفراغ لما تحبّ بسعة من سعتك ، والاجتهاد فيما يزلف لديك وعندك ، وأتحفني بتحفة من تحفاتك ، واجعل تجارتي رابحة ، وكرّتي غير خاسرة ، وأخفني مقامك ، وشوّقني لقاءك ».

ونتيجة الأحاديث الشريفة : إنّ الفراغ للمؤمن مذموم ، إلاّ إذا كان في طاعة الله من التفكّر والتأمّل والتدبّر في خلق الله ، فإنّ المؤمن يحتاج إلى مثل هذه الساعة في حياته ، كما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :

« ما أحقّ الإنسان أن تكون له ساعة لا يشغله عنها شاغل »[4].

فيخلو بنفسه وربّه لمحاسبة النفس ومناجاة الربّ عزّ وجلّ ، فتدبّر.

قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيّه الأكرم (صلى الله عليه وآله) :

( فَإذا فَرَغْتَ فانْصَبْ وَإلى رَبِّكَ فَارْغَبْ )[5].


[1]الروايات من ميزان الحكمة 7 : 442.

[2]الروايات من ميزان الحكمة 6 : 539.

[3]الروايات من ميزان الحكمة 7 : 444.

[4]الروايات من ميزان الحكمة 7 : 458.

[5]الانشراح : 7 ـ 8.