العلماء ورثة الأنبياء ، كيف ولماذا ؟[1]
عن الإمام الصادق ، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال :
« من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنّة ، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً به ، وإنّه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتّى الحوت في البحر ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر ، وإنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ، ولكن ورّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافر »[2].
المقصود من إيراد هذا الخبر الشريف أن نسلّط الأضواء على الفقرة الأخيرة من قوله (عليه السلام) : « العلماء ورثة الأنبياء » ، فإنّ كلام الإمام إمام الكلام ، فيه نور ، وله أشعّة وهّاجة ، وتحمل بطوناً من المعاني السامية كالقرآن الكريم ، إذ العترة الطاهرة الثقل الثاني وعدل القرآن الكريم ، الذي خلّفه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، لا سيّما والحديث حديثه.
فلا يخفى
أنّ الوراثة ـ وراثة العلماء للأنبياء ـ لها أبعاد مختلفة
وجوانب عديدة
نذكر
بعضها على نحو الإجمال والإشارة ، ليكون معالم رئيسيّة ، لمن أراد السير
العميق في طريق هذا الخبر الشريف ، وفوق كلّ ذي علم عليم.
من أبعاد الوراثة :
الوراثة الماليّة :
العلماء لا يرثون الأنبياء في أموالهم ، إنّما يرث النبيّ من كان من أرحامه ، يرثه على كتاب الله ، كما ورث سليمان داود ويوسف يعقوب ، فالعالم لا يرث النبي في ماله ومناله الدنيوي بنصٍّ منه في قوله : « إنّ الأنبياء لم يورّثوا ـ أي للعلماء لتناسب الحكم والموضوع ـ « ديناراً ولا درهماً » ، وفي رواية اُخرى : الأصفر والأبيض ، كناية عن الذهب والفضّة ، أو الدينار الذهبي والدرهم الفضّي الذي كان في صدر الإسلام.
2 ـ الوراثة العلميّة :
فإنّ العلماء يرثون الأنبياء في علومهم كما ورد في النصّ : « ولكن ورّثوا العلم » ، والمراد من العلم هو العلم النافع الذي ينفع من علمه ويضرّ من جهله ، أي علم الدين في اُصوله وفروعه وأخلاقه ( علم الفقه والعقائد والأخلاق ) ، كما ورد ذلك في الروايات الشريفة ، ففي قول النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) : « إنّما العلم ثلاث : آيةٌ محكمة ، وسنّة قائمة ، وفريضة عادلة ».
3 ـ الوراثة الخُلقيّة :
فإنّ العالم
يرث النبي في أخلاقه السامية وسلوكه الرفيع ، من التواضع وحبّ المساكين وحسن
الخلق والحلم والصبر على المصائب والمتاعب وتحمّل المشاكل من أجل
أداء الرسالة ، وكان النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) خلقه
القرآن ، وإنّه لعلى خُلق عظيم ،
فالعالم
الرسالي لا بدّ أن يتّصف بفضائل الأخلاق ومكارم الصفات اُسوة بنبيّه ، فإنّه وريثه
في أخلاقه الحسنة ، وإنّ الكلام إذا خرج من القلب الصالح المتّقي الخلوق دخل
في القلوب ، وإذا خرج من اللسان فإنّه لا يتجاوز الآذان ، العالم لا بدّ
أن يجسّد في وجوده ـ باطناً وظاهراً ـ أنوار النبوّة
وتجلّيات الولاية.
4 ـ الوراثة في الهداية وتبليغ الرسالة :
وتعليم
الناس وتزكيتهم وإنذارهم وتبشيرهم ، ودعوتهم إلى عبادة الله والإخلاص في
العمل والخوف من يوم المعاد كما كان يفعل الأنبياء في اُممهم ( وَجَعَلـْناهُمْ
أئِمَّـةً يَهْدونَ بِأمْرِنا )[3] ، ( لَقَدْ
مَنَّ اللهُ عَلى المُؤْمِنينَ إذْ بَعَثَ فيهِمْ رَسولا مِنْ أنْفُسِهِمْ يَتْلو
عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ
وَالحِكْمَةَ )[4] ، ( فَإنَّما
عَلَيْكَ البَلاغُ )[5] ، ( الَّذينَ
يُبَلِّغونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أحَداً إلاّ
اللهَ )[6] ، ( فَلَوْلا نَفَرَ
مِنْ كُلِّ فَرْقَة طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهوا في الدِّينِ وَلِيُنْذِروا قَوْمَهُمْ
إذا رَجَعوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرونَ )[7] ،
فالنبيّ كان طبيباً دوّاراً يعالج أمراض الناس والمجتمع بكتابه
الكريم : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ
وَرَحْمَةٌ لِلـْمُؤْمِنينَ )[8] ، ( هُدىً
لِلنَّاسِ )[9] ، ( هُدىً
لُلـْمُتَّقينَ )[10] ،
فالعلماء وكذلك الحوزات العلمية لا يحقّ لهم أن يكتفوا
بتدريس
الفقه ، فإنّ ذلك كتدريس الطبّ ، والمدرّس غير الطبيب ، فالعالم
الفقيه من يدرّس الفقه ، وينزل إلى الساحة لتربية الناس
وهدايتهم وتعليمهم وتزكيتهم ، ولازم تبليغ الرسالة كما هو واضح ، تحمّل
كلّ الأذى والمصائب من جميع شرائح المجتمع ، فيداويهم بالتي هي أحسن
« اُمرت بمداراة الناس » ، وكان الأنبياء ينشرون بالمناشير ،
ويسحب البساط من تحت أقدام الأئمة ، ولكلّ نبيّ فرعون ، وإنّ الناس
أعداء ما جهلوا ، وعلى العالم أن يراعي أحساسيس الناس ومشاعرهم ويداويهم بكلّ
ودّ وإخلاص ، فإنّه الطبيب الدوّار ، يعالج المجتمع كلّ حسب حاله
ومرضه ، وله حالات مع الجهّال ، فمنهم : ( إذا
خاطَبَهُمُ الجاهِلونَ قالوا سَلاماً )[11] ،
ومنهم : ( خُذِ العَفْوَ
وَأمُرْ بِالمَعْروفِ وَأعْرِضْ عَنِ الجاهِلينَ )[12] ،
ومنهم : ( فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما
اُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أهْواءَهُمْ )[13] ،
ومنهم : ( وَاصْبِرْ عَلى ما يَقولونَ وَاهْجُرْهُمْ
هَجْراً جَميلا )[14].
5 ـ الوراثة في الاصطفاء :
فإنّ الله يصطفي من بين خلقه الأنبياء والمرسلين ( وَاصْطَفى رَبُّكَ آدَمَ )وعصمهم بعصمة ذاتيّة من الذنوب والآثام والسهو والنسيان ، فكذلك الله يصطفي ويجتبي من خلقه العلماء ، إلاّ أ نّه عليهم أن يعتصموا بالتقوى وبالعصمة في الأفعال ، ويترّفعوا عن الذنوب والمعاصي والمكروهات ، وإلاّ يبتلون بعقوبات إلهية ، أدناها يسلب منهم حلاوة المناجاة ـ كما ورد في الروايات الشريفة ـ .
6 ـ الوراثة في البركة :
فإنّ النبيّ مبارك في حياته الفردية والاجتماعية ، ومظهر لبركة الله كما قال روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) ( وَجَعَلَني مُبارَكاً )[15] ، فالأنبياء منشأ البركات ، والبركة الخير الكثير المستمرّ والمستقرّ ـ كما في اللغة ـ والعالم وريث الأنبياء في بركاتهم ، فهو مبارك في حياته بقلمه وقدمه وبيانه ووجاهته ، إذ هو كالشمعة تحرق نفسها من أجل إضاءة المجتمع ، العالم لا بدّ أن يكون منشأ الخيرات والبركات في تأسيس وإدارة مشاريع دينية وثقافية وخيرية كبناء المدارس والمستشفيات الأهلية والجوامع والحسينيات ونشر المعارف الحقّة بكلّ أشكالها وغير ذلك.
7 ـ الوراثة الجهادية :
إنّ لكلّ نبيّ عدوّاً ، فإنّ الله أرسله لهداية الناس وليقوموا بالقسط ، ومن ثمّ يحارب الطغاة وأتباع الشيطان وأولياءه الذين يوحي إليهم الشيطان ، فالنبيّ منذ بداية دعوته وحتّى رحلته إلى ربّه في جهاد ونضال مستمرّ ودؤوب ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا تثني عزيمته عداوة المستكبرين وعراقيلهم ، فكذلك العالم فإنّه في خندقين ، خندق الهداية هداية الناس إلى الصراط المستقيم ، وخندق الجهاد والنضال ومحاربة الجبابرة والطغاة ، ومن يريد أن يستعبد الناس ويستثمرهم ويلهيهم عن عبادة الله والتقرّب إليه ، وقد فضّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً ، العلماء كالأنبياء يجاهدون في سبيل الله أعداء الله وأعداء دينه.
8 ـ الوراثة في ثقل العقوبة :
فإنّ النبيّ بتركه الأولى يخرج من الجنّة ـ كآدم (عليه السلام) ـ وتخرج النبوّة من صلبه ـ كيوسف (عليه السلام) ـ ويبكي وينوح طيلة حياته حتّى سمّي نوحاً . كذلك العلماء ، فإنّه تعالى يغفر للجاهل سبعين ذنباً ، قبل أن يغفر للعالم ذنباً واحداً ، وإذا كانت حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين ـ كما ورد ـ فكذلك حسنات الجهّال سيّئات العلماء ، وأدنى ما يصنع بالعالم المذنب أن يسلب منه حلاوة المناجاة ، وكم من عالم سلب منه نعمة العلم ، وخرج من زيّ العلماء ، حينما لم يعمل بعلمه ، وتخلّى عن مسؤولياته الثقيلة من هداية الاُمّة وإرشاد الناس ، وعيش آلامهم وأحاسيسهم من قريب . وقد ورد في الخبر الشريف : العالم الذي لا يعمل بعلمه ، ويعصي ربّه ، يُبتلى بواحد من ثلاث : إمّا أن يموت شاباً ، أو يخدم السلطان ـ كوعّاظ السلاطين ـ أو يكون في الرساتيق.
9 ـ الوراثة في الحكومة :
النبوّة رئاسة عامّة في الدين والدنيا بنصّ من الله سبحانه ، فالنبيّ قائد الناس في دينهم ودنياهم ، وإنّ الدين نظام يقود المجتمع إلى الخير والصلاح ، وإنّ الأرض سيرثها عباد الله الصالحون بنصّ من القرآن الكريم ، وإنّ الغلبة لله ولرسله ( لأغْلِبَنَّ أنا وَرُسُلي )[16] والعلماء هم الذين يخشون الله ( إنَّما يَخْشى اللهَ مِنْ عِبادِهِ العُلَماءُ )[17] والعلم يدعو إلى الصلاح ، كما أنّ الصلاح لازم العلم ، والعباد الصالحون الذين يرثون الأرض هم العلماء الصلحاء الأخيار ، فإنّهم قادة وهداة ، وبيدهم زمام الاُمور ، ومقاليد الحكم ، وسياسة البلاد ، وبإشرافهم إدارة الحكومات ، فإنّهم ورثة الأنبياء.
10 ـ الوراثة في الطبقات :
قال الشيخ الصدوق عليه الرحمة في كتابه « التوحيد » : إنّ الأنبياء طبقات ، فمنهم من هو نبيّ نفسه ، ومنهم نبي اُسرته ، ومنهم نبيّ محلّته ، ومنهم نبيّ بلده ، ومنهم نبيّ العالم أجمع وهم اُولو العزم ، وأصحاب الرسالات العالمية في زمانهم ، وحتّى ختم النبوّة بمحمّد (صلى الله عليه وآله) فرسالته إلى الناس كافّة ، وإنّه رحمة للعالمين ، وحلاله حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة.
والعلماء ورثة الأنبياء ، فمنهم من يكون في مقام نجاة نفسه ، واُخرى : ( قوا أنْفُسَكُمْ وَأهْليكُمْ ناراً )[18] ، وثالثة : يقود سياسة محلّته ، ويكون إمام جماعة المسجد فيحلّ مشاكل الناس ويعيش آلامهم ، واُخرى يسوق البلد إلى شاطئ السعادة والخير ، وربما تكون رسالته عالمية ، وينتفع من علمه المبارك كلّ العالم ، كمراجع التقليد ـ جزاهم الله خيراً ـ والعلم إنّما يقذفه الله في قلب من يشاء ، والقلوب أوعية خيرها أوعاها ، وعلى كلّ عالم إسلامي أن ينظر إلى أقصى القوم ، ويوسّع في تفكيره وعزمه ونشاطه وسياسته ، ويخطّط لكلّ الأجيال ، ويهتمّ باُمور كلّ المسلمين ، فإنّ من أصبح ولم يهتمّ باُمور المسلمين فليس بمسلم ، فكيف بالعلماء وهم القادة والرعاة.
هذا ومن
افتخار العلماء الأعلام أ نّهم ورثوا كلّ الأنبياء ، حتّى قيل في
حقّهم : « علماء اُمّتي كأنبياء بني إسرائيل » ، وفي
رواية اُخرى : « أفضل من أنبياء
بني إسرائيل ».
كما عاصروا أربعة عشر معصوماً ـ الرسول الأكرم وفاطمة الزهراء وأمير المؤمنين وأولادهم المعصومين الأحد عشر (عليهم السلام) ـ إذ بين أيديهم كلمات أئمّتهم ، فكأ نّهم في عصرهم ومحافلهم يتلقّون العلم والأدب منهم ، وهذا يعني المعاصرة لهم ، فورثوهم في علومهم وأخلاقهم وكلامهم وجهادهم وبركاتهم وقدسيّاتهم وقيادتهم وسياستهم ، فإنّهم ساسة العباد وأركان البلاد.
هذا عرض موجز لبعض أبعاد الوراثة النبويّة ، وهناك العشرات ، كما يتفرّع من كلّ بُعد المئات ، وما اُوتيتم من العلم إلاّ قليلا.
ثمّ لا يخفى أنّ هذه الوراثة العظمى بأبعادها المختلفة لا تحصل لكلّ من حمل العلم ، بل لا تكون إلاّ بشرطها وشروطها ، كما ورد حقيقة ذلك في الآيات الكريمة والروايات الشريفة ، فإنّها تصنّف العلماء إلى صنفين أساسيّين : علماء الخير والصلاح ، وعلماء الشرّ والسوء ، ولكلّ من الصنفين مواصفات خاصّة ، ومن أبرز الصفات للأوّل : الخشية من الله والورع والتقوى.
( إنَّما يَخْشى اللهَ مِنْ عِبادِهِ العُلَماءُ إنَّ اللهَ عَزيزٌ غَفورٌ )[19].
( أوَ مَنْ كانَ مَيِّتاً فَأحْيَيْناهُ وَجَعَلـْنا لَهُ نوراً يَمْشي بِهِ في النَّاسِ )[20].
( يُؤْتي الحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ اُوتيَ خَيْراً كَثيراً وَما يَذَّكَّرُ إلاّ اُولو الألـْبابِ )[21].
ولقد عرفنا
ـ ولو بنظرة سريعة ـ كيف أنّ العلماء يرثون الأنبياء ،
ولماذا
وما هي
مسؤولياتهم.
فإنّهم شموع دروب الحياة ومشاعل طرق الأحرار ، والنبيّ الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)يصفهم ويمثّلهم بقوله : إنّ مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البرّ والبحر ، فإذا انطمست أوشك أن تضلّ الهداة[22].
وعن الإمام العسكري (عليه السلام) : قال محمد بن علي الباقر (عليه السلام) : العالم كمن معه شمعة تضيء للناس ، فكلّ من أبصر شمعته دعا له بخير ، كذلك العالم مع شمعة تزيل ظلمة الجهل والحيرة[23].
وما أكثر النصوص الدينية من الآيات الكريمة والروايات الشريفة التي تحثّ على طلب العلم وتذكر فضائل العالم ، فإنّ النبيّ الأكرم يقول : فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر[24] . وقال (صلى الله عليه وآله) : ألا إنّ الله يحبّ بغاة العلم.
( قُلْ هَلْ يَسْتَوي الَّذينَ يَعْلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعْلَمونَ إنَّما يَتَذَكَّرُ اُولو الألـْبابِ )[25].
يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : ركعتان من عالم خيرٌ من سبعين ركعة من جاهل ; لأنّ العالم تأتيه الفتنة فيخرج منها بعلمه ، وتأتي الجاهل فتنسفه نسفاً[26].
وقال (عليه
السلام)
لكميل بن زياد : يا كميل بن زياد ، إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها
أوعاها ، فاحفظ عنّي ما أقول لك : الناس ثلاثة : فعالم
ربّاني ، ومتعلّم على سبيل
نجاة ،
وهمج رعاع ، أتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كلّ ريح ، لم يستضيئوا
بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.
يا كميل ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق ، وصنيع المال يزول بزواله.
يا كميل ، معرفة العلم دين يدان به ، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته ، وجميل الاُحدوثة بعد وفاته ، والعلم حاكم والمال محكوم عليه.
يا كميل ، هلك خزّان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة[27].
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أكثر الناس قيمة أكثرهم علماً ، وأقلّ الناس قيمة أقلّهم علماً[28].
وقال الإمام الكاظم (عليه السلام) : تفقّهوا في دين الله ، فإنّ الفقه مفتاح البصيرة ، وتمام العبادة ، والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا ، وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب ، ومن لم يتفقّه في دينه لم يرضَ الله له عملا[29].
( يَرْفَعِ اللهُ الَّذينَ آمَنوا مِنْكُمْ وَالَّذينَ اُوتوا العِلـْمَ دِرَجات وَاللهُ بِما تَعْمَلونَ خَبيرٌ )[30].
أجل ،
من مثل هذه النصوص يعرف قيمة العلم النافع والعلماء الصلحاء ،
يكفيك
أنّ النظر إلى وجه العالم عبادة ، ذلك العالم الذي يصدق قوله فعله وفعله
قوله ، فإنّ رؤيته تذكّر الله ، وبها يتعبّد الإنسان ، ويمهّد
الطريق للوصول إلى الله سبحانه ، وبذلك يكون النظر إليه عبادة ، كما لمن
نظر إلى الكعبة المشرّفة التي تذكّر الإنسان بربّه.
يقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) : النظر إلى وجه العالم خيرٌ لك من عتق ألف رقبة[31].
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : من وقّر عالماً فقد وقّر ربّه[32].
وقال الإمام السجّاد (عليه السلام) في رسالته في الحقوق : أمّا حقّ سائسك بالعلم فالتعظيم له والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه ، والمعونة له على نفسك ، فيما لا غنى بك عنه من العلم ، بأن تفرّغ له عقلك وتحضره فهمك ، وتزكّي له قلبك وتجلّي له بَصَرك بترك اللذات ونقص الشهوات[33].
وإذا كان لزيارة العلماء هذا الفضل والثواب ، فما للعالم نفسه من مقام شامخ عند الله سبحانه ، فإنّ العالم يتجلّى فيه أبرز صفة من صفات الله الذاتيّة ، التي ترجع إليه جميع الصفات ، وهو صفة العلم ، فزيارة العالم تعدّ من زيارة الله سبحانه ، والنبيّ الأكرم يقول : زيارة العلماء أحبّ إلى الله تعالى من سبعين طوافاً حول البيت ، وأفضل من سبعين حجّة وعمرة مبرورة مقبولة ، ورفع الله تعالى له سبعين درجة ، وأنزل الله عليه الرحمة ، وشهدت له الملائكة أنّ الجنّة وجبت له[34].
هذا لمن
زاره ، وأمّا من جلس عنده ليتعلّم منه ، فقد قال النبيّ في
حقّه :
ما من مؤمن
يقعد ساعة عند العالم إلاّ ناداه ربّه عزّ وجلّ : جلست إلى
حبيبي ، وعزّتي وجلالي لاُسكننّك الجنّة معه ، ولا اُبالي[35].
وقال (صلى الله عليه وآله) : يا أبا ذرّ ، الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم ، أحبّ إلى الله من قيام ألف ليلة ، يصلّي في كلّ ليلة ألف ركعة ، والجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحبّ إلى الله من ألف غزوة ، وقراءة القرآن كلّه[36].
وعلى من يجلس عند العالم ، أن يراعي آداب الحضور ، فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول : إنّ من حقّ العالم أن لا يكثر عليه السؤال ، ولا تأخذ بثوبه ، وإذا دخلت عليه وعنده قوم ، فسلّم عليهم جميعاً ، وخصّه بالتحيّة دونهم ، واجلس بين يديه ، ولا تجلس خلفه ، ولا تغمز بعينك ، ولا تشِر بيدك ، ولا تكثر من القول : قال فلان وقال فلان خلافاً لقوله ، ولا تضجَر بطول صحبته ، فإنّما مثل العالم مثل النخلة تنتظرها حتّى يسقط عليك منها شيء[37].
وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : إذا جلست إلى عالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول ، وتعلّم حسن الاستماع كما تتعلّم حسن القول ، ولا تقطع على أحد حديثه[38].
ثمّ بعد المجالسة فالمفروض هو الاتّباع ، فإنّ طاعته مكسبةٌ للحسنات ، ممحاة للسيّئات ، وذخيرهٌ للمؤمنين ورفعةٌ في حياتهم[39].
ومن المعلوم الذي لا ريب فيه ، أنّ هذه المقامات الجليلة والدرجات الرفيعة ، ليس لكلّ واحد من العلماء ، فإنّ فيهم من هو عين الفساد وجرثومة الضلال كعلماء السوء ووعّاظ سلاطين الجور ، واُولئك الذين لا يعملون بعلمهم.
( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا لِمَ تَقولونَ ما لا تَفْعَلونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهَ أنْ تَقولوا ما لا تَفْعَلونَ )[40].
يقول الإمام الكاظم (عليه السلام) ، عن المسيح (عليه السلام) : بحقّ أقول لكم : إنّ الناس في الحكمة رجلان : فرجل أتقنها بقوله وصدقها بفعله ، ورجلٌ أتقنها بقوله وضيّعها بسـوء فعـله ، فشتّان بينـهما ، فطوبى للعلماء بالفعل ، وويلٌ للعلماء بالقول[41].
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : تعلّموا ما شئتم أن تعملوا ، فلن ينفعكم الله بالعلم حتّى تعملوا به[42].
وقال (عليه السلام) : فإن أردت العلم فاطلب أوّلا في نفسك حقيقة العبودية ، واطلب العلم باستعماله ، واستفهم الله يُفهّمك[43].
وفي الأحاديث
الشريفة : آفة العلم ترك العمل به ، والعلم وحشي إن تركته
يمشي ،
والعلم يهتف بالعمل فإن وجده بقي ، وإلاّ ارتحل.
ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : نعوذ بالله من علم لا ينفع ، وهو العلم الذي يضادّ العمل بالإخلاص ، واعلم أنّ قليل العلم يحتاج إلى كثير العمل ، لأنّ علم ساعة يلزم صاحبه استعماله طول عمره[44].
وأمّا من لم يعمل بعلمه فإنّه لا يرى خير العلم وآثاره في حياته ، ولا بركاته في الآخرة ، بل كما قال النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) : من ازداد في العلم رشداً ، فلم يزدد في الدنيا زهداً ، لم يزدد من الله إلاّ بعداً.
وقال : من ازداد علماً ولم يزدد هدىً لم يزدد من الله إلاّ بعداً.
وعن الإمام السجّاد (عليه السلام) : مكتوب في الإنجيل : لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ولمّـا تعملوا بما علمتم ، فإنّ العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلاّ كفراً ، ولم يزدد من الله إلاّ بعداً[45].
وقال (صلى الله عليه وآله) : إنّ أهل النار ليتأذّون من ريح العالم التارك لعلمه ، وإنّ أشدّ أهل النار ندامةً وحسرة رجل دعا عبداً إلى الله فاستجاب له وقبل منه ، فأطاع الله فأدخله الجنّة ، وادخل الداعي النار بتركه علمه واتّباعه الهوى[46].
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : أشدّ الناس عذاباً عالم لا ينتفع من علمه بشيء ، والعالم بلا عمل جاهل ، فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : كفى بالعالم جهلا أن ينافي علمه عمله.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : من لم يصدّق فعله قوله فليس بعالم[47].
وقال الأمير (عليه السلام) : فإنّ العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق ، بل الحجّة عليه أعظم ، والحسرة له ألزم ، وهو عند الله ألزم.
هذا من الآثار السيّئة لمن لم يعمل بعلمه ولم يزدد به رشداً وهدىً ، وذلك في عين الله سبحانه ، فإنّه لم يزدد إلاّ بعداً وكفراً ، وأمّا من آثار السوء لمن لم يعمل بعلمه عند الناس وفي أعينهم ، فإنّه يهان ويهون ، ولا يقدّر ولا يحترم ، بل تفرّ الناس منه ، فعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، قال : لو أنّ حَمَلة العلم حملوه بحقّه لأحبّهم الله وملائكته وأهل طاعته من خلقه ، ولكنّهم حملوه لطلب الدنيا فمقتهم الله ، وهانوا على الناس[48].
وهذا هو من أهمّ الأسباب في ابتعاد الناس عن أهل العلم ، وهناك أسباب اُخرى ترجع إلى الناس أنفسهم ، فإنّهم لشقاوتهم هجروا العلماء وتركوا العلم وأهله.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إنّما زهّد الناس في طلب العلم كثرة ما يرون من قلّة من عمل بما علم[49].
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : يا أبا ذرّ ، مثل الذي يدعو بغير عمل ، كمثل الذي يرمي بغير وتر.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال : إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه ، زلّت موعظته عن القلوب كما يزلّ المطر عن الصفا[50].
وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، قال : رأيت ليلة اُسري بي إلى السماء ، قوماً تُقرض شفاههم بمقاريض من نار ، ثمّ تُرمى ، فقلت : يا جبرئيل ، من هؤلاء ؟ فقال : خطباء اُمّتك يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم ، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون[51].
وقال (صلى الله عليه وآله) : مثل الذي يعلم الخير ولا يعمل به ، مثل السراج يضيء للناس ويحترق نفسه[52].
وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : علمٌ بلا عمل ، كشجر بلا ثمر[53].
وقال (عليه السلام) : وانهوا غيركم عن المنكر وتناهوا عنه ، فإنّما اُمرتم بالنهي بعد التناهي[54].
ومثل هؤلاء العلماء ـ علماء السوء ـ لا بدّ من نصيحتهم أوّلا ، وإلاّ فقطيعتهم وإنكارهم ، وكشف القناع عن وجوههم المكفهرّة.
قال حارث بن المغيرة : لقيني أبو عبد الله (عليه السلام) في بعض طرق المدينة ليلا فقال لي : يا حارث ، فقلت : نعم . قال : أما ليُحملنّ ذنوب سفهائكم على علمائكم ، ثمّ مضى ، قال الحارث : ثمّ أتيته فاستأذنت عليه فقلت : جعلت فداك ، لِمَ قلت : ليُحملنّ ذنوب سفهائكم على علمائكم ، فقد دخلني من ذلك أمرٌ عظيم ! فقال لي : نعم ، ما يمنعكم إذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهونه ـ ممّـا يدخل به علينا الأذى والعيب عند الناس ـ أن تأتوه فتؤنّبوه وتعظوه وتقولوا له قولا بليغاً ، فقلت له : إذا لا يقبل منّـا ولا يطيعنا ، فقال : فإذاً فاهجروه عند ذلك ، واجتنبوا مجالسته[55].
أجل إذا أردت أن تعرف خطر علماء السوء على الاُمّة ، وأ نّهم ثعالب وسرّاق دين الله من الناس ، فاقرأ معي هذا الخبر المرويّ عن الإمام العسكري (عليه السلام) : قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام) : ومن شرّ خلق الله بعد إبليس وفرعون و ... ؟ قال : العلماء إذا فسدوا[56].
وقيل للنبيّ (صلى الله عليه وآله) : أيّ الناس شرّ ؟ قال : العلماء إذا فسدوا[57].
فالعالم العامل المخلص المتّقي هو الناجح الموفّق في حياته العلمية والعملية ، ومثل هذا يكون وريثاً للأنبياء ، وتشمله الرحمة الإلهية والنبويّة ، كما قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) :
« رحم الله خلفائي ، فقيل : يا رسول الله ، ومن خلفاؤك ؟ قال : الذين يحيون سنّتي ويعلّمونها عبادَ الله[58].
عن الإمام الرضا (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : اللّهم ارحم خلفائي ـ ثلاث مرّات ـ قيل : يا رسول الله ، ومن خلفاؤك ؟ قال : الذين يأتون من بعدي ويروون أحاديثي وسنّتي ، فيسلّمونها الناس من بعدي[59].
وقال الإمام الحسين (عليه السلام) : مجاري الاُمور والأحكام على أيدي العلماء بالله ، الاُمناء على حلاله وحرامه[60].
وما أخطر اُولئك العلماء الذين دخلوا في سلك خدمة الدول الظالمة ، والحكومات الجائرة ، وارتزقوا من أموال الطغاة والظَلَمة.
اُنظر إلى ما يقوله الإمام السجّاد (عليه السلام) في كتابه المعروف إلى محمّد بن مسلم الزهري من فقهاء المدينة : ... فانظر أيّ رجل تكون غداً ، إذا وقفت بين يدي الله ... ولا تحسبنّ الله قابلا منك بالتعذير ، ولا راضياً منك بالتقصير ، هيهات ! هيهات ! ليس كذلك ، أخذ الله على العلماء في كتابه إذا قال : ( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمونَهُ )واعلم أنّ أدنى ما كتمت وأخفّ ما احتملت أن آنستَ وحشة الظالم ، وسهّلت له طريق الغيّ ، بدنوّك منه حين دنوت ، وإجابتك له حين دعيت ، فما أخوفني أن تكون تبوء بإثمك غداً مع الخونة ، أو أن تسأل عمّـا أخذت بإعانتك على ظلم الظَلَمة ، إنّك أخذت ما ليس لك ممّن أعطاك ، ودنوت ممّن لم يَرّدّ على أحد حقّاً ، ولم تردّ باطلا حين أدناك ، وأحببت من حادّ الله ، أوَ ليس بدعائه إيّاك ـ حين دعاك ـ جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم وسلّماً إلى ضلالتهم ، داعياً إلى غيّهم ، سالكاً سبيلهم ! ! يدخلون بك الشكّ على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم ، فلم يبلغ أخصّ وزرائهم ولا أقوى أعوانهم ، ألا دون ما بلغتَ من إصلاح فسادهم ، واختلاف الخاصّة والعامّة إليهم ، فما أقلّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك ؟ وما أيسر ما عمروا لك ، فكيف ما خرّبوا عليك ؟ فانظر لنفسك ! فإنّه لا ينظر لها غيرك ، وحاسبها حساب رجل مسؤول ، فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلَفٌ وَرِثوا الكِتابَ يَأخُذونَ عَرَضَ هذا الأدْنى وَيَقولونَ سَيغْفرْ لَنا ) أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك ، وبقيت بعدهم كقرن أعضب ، اُنظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت ، أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه ، أم هل تراهم ذكرت خيراً أهملوه ، وعلمت شيئاً جهلوه ، بل حظيت بما حلّ حالك في صدور العامّة ، وكلّفهم بك ، إذ صاروا يقتدون برأيك ويعرفون بأمرك ، إن أحللت أحلّوا وإن حرّمت حرّموا ، وليس ذلك عندك ولكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك ، وذهاب علمائهم وغلبة الجهل عليك وعليهم ، وحبّ الرئاسة ، وطلب الدنيا منك ومنهم.
أمّا بعد فأعرض عن كلّ ما أنت فيه ! حتّى تلحق بالصالحين ، الذين دفنوا في أسمائهم لاصقةً بطونهم بظهورهم ، ليس بينهم وبين الله حجاب ، ولا تفتنهم الدنيا ولا يفتنون بها ، فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ مع كبر سنّك ، ورسوخ علمك ، وحضور أجلك ، فكيف يسلم الحدث في سنّه ، الجاهل في علمه ، المأفون في رأيه ، المدخول في عقله ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ! على مَن المعوّل ؟ وعند من المستعتب ؟ نشكو إلى الله بثّنا وما نرى فيك ، ونحتسب عند الله مصيبتنا بك ...[61].
فمن المصائب العظمى دخول العالم في متاهات السلاطين والحكومات الجائرة.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كِظة ظالم ، ولا سغب مظلوم[62].
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : إيّاكم وأبواب السلطان وحواشيها ، فإنّ أقربكم من أبواب السلطان وحواشيها أبعدكم من الله تعالى ، ومن آثر السلطان على الله عزّ وجلّ أذهب الله عند الورع وجعله حيراناً.
وقال (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الفقهاء اُمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ، قيل : يا رسول الله ، وما دخولهم في الدنيا ؟ قال : اتّباع السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم[63].
وقال الإمام الحسين (عليه السلام) : اعتبروا أ يّها الناس بما وعظ الله به أولياءه ، من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول : ( لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبارُ عَنْ قَوْلِهُمُ الإثْمَ ) ، وقال : ( لُعِنَ الَّذينَ كَفَروا مِنْ بَني إسْرائيلَ ) إلى قوله : ( لَبِئْسَ ما كانوا يَفْعَلونَ ) ، وإنّما عاب الله ذلك عليهم ، لأ نّهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد ، فلا ينهونهم عن ذلك ، رغبة فيما كانوا ينالون منهم ، ورهبة ممّـا يحذرون ، والله يقول : ( فَلا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ )[64].
وقال (عليه السلام) : لو صبرتم على الأذى وتحمّلتم المؤونة في ذات الله كانت اُمور الله عليكم ، وعنكم تصدر ، وإليكم ترجع ، ولكنّكم مكّنتم الظلمة من منزلتكم وأستسلمتم اُمور الله في أيديهم ، يعملون بالشبهات ، ويسيرون في الشهوات ، سلّطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم[65].
وقال (عليه السلام) : والعمى والبكم والزمنى في المدائن مهملة لا ترحمون ، ولا في منزلتكم تعملون ، ولا من عمل فيها تعينون ، وبالإدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون ، كلّ ذلك ممّـا أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون ، وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء ولو كنتم تشعرون ...
فأسلمتم الضعفاء في أيديهم فمن بين مستعبد مقهور ، وبين مستضعف على معيشته مغلوب ، والناس لهم خول لا يدفعون يدَ لامس ، فمن بين جبّار عنيد ، وذي سطوة على الضعفة شديد ، مطاع لا يعرف المبدئ المعيد ، فيا عجباً ، ومالي لا أعجب ؟ والأرض من غاش غشوم ، ومتصدّق ظلوم ، وعامل على المؤمنين بهم غير رحيم.
وقال (عليه السلام) : فقد علمتم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قال في حياته : « من رأى سلطاناً جائراً مستحلا لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنّة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، ثمّ لم يغيّر بقول ولا فعل ، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله[66].
وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : من تولّى خصومة ظالم أو أعان عليها ، ثمّ نزل به ملك الموت ، قال له : أبشر لعنة الله ونار جهنّم وبئس المصير ، وقال : من دلّ جائراً على جور ، كان قرين هامان في جهنّم[67].
وقال : ما قرب عبد من سلطان إلاّ تباعد من الله تعالى[68].
وقال : من نكث بيعة أو رفع لواء ضلالة أو كتم علماً ، أو اعتقل مالا ظلماً أو أعان ظالماً على ظلمه ، وهو يعلم أ نّه ظالم ، فقد بُرئ من الإسلام[69].
وقال : أفضل التابعين من اُمّتي من لا يقرب أبواب السلطان[70].
وقال : من أرضى سلطاناً بما أسخط الله تعالى خرج من دين الإسلام[71].
وقال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين الظَلَمة وأعوان الظلمة ، من لاق لهم دواة أو ربط لهم كيساً ، أو مدّة لهم مدّةً ، اُحشروه معهم[72].
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول : يا طالب العلم ، إنّ للعالم ثلاث علامات : العلم والحلم والصمت ، وللمتكلّف ثلاث علامات ، ينازع من فوقه بالمعصية ويظلم من دونه بالغلبة ويظاهر الظلمة[73].
وقال (عليه السلام) : من دخل على إمام جائر فقرأ عليه القرآن ، يريد بذلك عرضاً من عرض الدنيا ، لعن القارئ بكلّ حرف عشر لعنات ، ولعن المستمع بكلّ حرف لعنة[74].
وقال الإمام العسكري (عليه السلام) : سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة ، وقلوبهم مظلمة منكدرة ، السنّة فيهم بدعة ، والبدعة فيهم سنّة ، المؤمن بينهم محقّر ، والمنافق بينهم موقّر ، اُمراؤهم جاهلون جائرون ، وعلماؤهم في أبواب الظلمة[75].
فمن أبرز صفات علماء السوء أن يكونوا على أبواب الظالمين ، وهذا من آفات العلم وهلاك المجتمع ، كما هناك آفات اُخرى ، كما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : آفة العلم العالم الفاجر[76].
وقال الإمام الصادق ، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، إنّ في جهنّم رحىً تطحن خمساً أفلا تسألوني ما طحنها ، فقيل له : وما طحنها يا أمير المؤمنين ؟ قال : العلماء الفجرة والقرّاء الفسقة والجبابرة الظلمة والوزراء الخونة والعرفاء الكذبة[77].
وقال (عليه السلام) : ... ها إن هنا لعلماً جمّاً ( وأشار بيده إلى صدره الشريف ) لو أصبتُ حملةً ، بلى أصبت لِقناً غير مأمون عليه مستعملا آلة الدين للدنيا ، ومستظهراً بنعم الله على عباده ، وبحججه على أوليائه ، أو منقاداً لحملة الحقّ لا بصيرة له في أحنائه ينقدح الشكّ في قلبه لأوّل عارض من شبهة ، ألا لا ذا ولا ذاك ، أو منهوماً باللذّة سلس القياد للشهوة ، أو مغرماً بالجمع والادخار ، ليسا من رعاة الدين في شيء أقرب شيء شبهاً بهما الأنعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه[78].
وقال (عليه السلام) : قد سمّـاه أشباه الناس عالماً وليس به ، بكّر فاستكثر من جمع ، ما قلّ منه خيرٌ ممّـا كثر ، حتّى إذا ارتوى من ماء أجن ، واكتنز من غير طائل[79].
وقال (عليه السلام) : لم يعضّ على العلم بضرس قاطع ، يُذري الروايات إذراء الريـح الهشـيم ، لا ملي ـ والله ـ بإصـدار مـا ورد عليـه ، ولا هو أهل لما فوّض إليه.
قال الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية : ( الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوونَ )هم قوم تعلّموا وتفقّهوا بغير علم ، فضلّوا وأضلّوا[80].
وقال الأمير (عليه السلام) : زلّة العالم كانكسار السفينة تَغرق وتُغرق[81].
نستنتج من أمثال هذه الروايات الشريفة : أنّ العالم لا بدّ أن يكون عاملا بعلمه ، فإنّ له المقام والمنزلة العظيمة عند الله وعند الناس ، وعلى الناس إطاعة العلماء الصلحاء وتوقيرهم وإكبارهم وزيارتهم والجلوس عندهم للاستضاءة بنورهم وتقواهم ، ومراعاة حقوقهم فإنّهم ورثة الأنبياء وخلفاء الرسول واُمناؤه وحكّام على الناس وعلى الملوك ، ومراجع الاُمّة في التحاكم والقضاء ومراجعهم في العمل والإفتاء.
كما على العلماء أن يواجهوا المنكرات والظلم والجبابرة والمستبدّين ، وعليهم إرشاد الناس وتوعيتهم وتثقيفهم وتنبيههم ، وعليهم نفي البدع ، وإيقاظ الأفكار ، ونشر الوعي الإسلامي واليقظة الاجتماعية ، وبثّ روح الإنسانية وطرد اليأس ، ومراعاة حقوق المحرومين والبؤساء المادية والمعنوية ، وصيانة أموال الناس ورفع الظلم عنهم ، ومعرفة الزمان وأهله ، فإنّ العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس.
كما واجبهم الديني النهوض والقيام لله مثنىً وفرادى ، وإنّ سكوتهم عن الحقّ والعدالة مبغوض عند الله تعالى ، وأنّ الساكت عن الحقّ شيطانٌ أخرس ، ولا يقبل منهم الفرار من الموت ، وتسليم اُمور الدنيا والدين بيد الظالمين ، بل عليهم بذل الدماء لإنقاذ الاُمم ، فإنّ المصيبة الكبرى إهمالهم واجباتهم السياسية والاجتماعية ، ودخولهم فلك السلاطين ، فإنّ واجبهم الجهاد ومحاربة الظلم والفساد ، واستلام زمام الاُمور بأيديهم ، فإنّهم ورثة الأنبياء في مسؤولياتهم ومقاماتهم ، إن عقلوا الدين الإسلامي كما هو ، والمسؤولية الإلهية التي وقعت على عاتقهم ، أعني القيادة بشؤونها وأعبائها وأهميّتها البالغة ، فإنّ كلّ دين ونظام وكلّ جمهور واُمّة ، لا يرجى لها البقاء والسعادة إلاّ بقيادة صالحة ، تعرف وظائفها ، وتؤمن برسالتها الخالدة.
وتربية هؤلاء الأعلام من العلماء الصالحين الأتقياء إنّما يكون في المدارس والحوزات الدينية ، فإنّها تحفظ رسالات الأنبياء التي تعني صنع الإنسان ، والعالم اليوم متعطّش إلى الروحانيين وعلماء الدين ، فإنّ البشرية منذ اليوم الأوّل وحتّى عصرنا الراهن وغداً ، تبحث عن الحقيقة وسرّ الحياة ، وتريد كشف العلائق والارتباطات بين الإنسان ونفسه ، ومع ربّه ، ومع الآخرين ، وقد اختلفت الآراء والعقائد والمذاهب في ذلك ، ولا يزال الناس لم يتمكّنوا من معرفة الوجود وما دور الإنسان فيه ؟ ! ولا زالت الأسئلة الرئيسية التي تطرحها البشرية غامضة الجواب.
فلا زال الإنسان يسأل :
1 ـ من أنا ؟
2 ـ من أين أتيت ؟ من أوجدني ؟ من صنعني ؟
3 ـ وإلى أين أذهب ؟
4 ـ ومع من أكون ؟
5 ـ وماذا يراد منّي ؟
6 ـ وما هو المصير ؟
فجواب هذه الأسئلة إنّما هو عند الأنبياء وفي نطاق الوحي الإلهي ، فإنّه سبحانه أعرف بخلقه ، وإنّهم أشرفوا على الطبيعة ، وما فيها من الحقائق والأسرار لارتباطهم بالوحي ، ومن حقّهم حينئذ أن يقولوا : هكذا كونوا أ يّها الناس ، وهذه فلسفة الحياة وسرّ الخليقة ...
والعلماء ورثة الأنبياء فيحقّ لهم ذلك ، فإنّهم تخلّقوا بأخلاق الله سبحانه ، حتّى صاروا مظاهر أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، فعرفوا حكمة الخلق وأجوبة المسائل ، فإنّ الدين هو الوحيد الذي يجيب عن تلك الأسئلة ، إلاّ أنّ البشر صمّ لا يسمع ، وأعمى لا يرى ، فلا بدّ أن نسعى ونصنع شيئاً ليكون الإنسان ذا سمع وبصر ، يرى الحقّ ويسمع نغماته ، ويصلح سريرته وطبيعته ، ويهذّب فطرته ونفسه ، حتّى يعرف كيف يعيش وكيف يموت ، وما فيه خيره وصلاحه ؟ وإلاّ فأيّ شيء يقع بيد الإنسان الجاهل ، لو حكمت أنانيّته وحبّ الذات في وجوده ، فإنّه يحرّف موارد استعماله الصحيح ، فيخرّب بدلا من العمران ، ويهدّم عوضاً عن البناء ، ويجعل دنياه جهنّماً ، بعد أن كان بإمكانه أن يجعلها مزرعة آخرته ، وتكون جنّته التي يعيش فيها ، حياة طيّبة بعيش سعيد ورغيد.
والدين والمذهب الصحيح بيد العلماء الصلحاء ، فهم يأخذون بيد الإنسان ليصعـد القمّـة ، ويحلّق بمـا وراء الطبيعـة ، ويفنى في مطـلق الكمـال والكمال المطلق.
وإنّما فعلوا ذلك بعد طيّهم مراحل الكمال وإيمانهم بما فعلوا ، فإنّهم إنّما أمروا بعد الائتمار ، ونهوا بعد التناهي ، فبدأوا بأنفسهم أوّلا ، وطبّقوا القوانين الإلهية في سيرتهم وسريرتهم ، واطمأنّوا بذكر الله سبحانه ، بعد جهادهم النفس وغلبتهم الهوى بالعلم والتقوى ، ولولا ذلك لأنكر البشر نفسه ، ووقع في حضيض الجهالة والتعاسة.
وزبدة الكلام في هذا المقام :
إنّ هداية البشر إنّما كانت على يد الأنبياء ، ثمّ الأوصياء ، ثمّ العلماء ، في أدوار ثلاثة.
فإنّ الله سبحانه لمّا تعلّقت حكمته بخلق آدم ليجعله خليفة في الأرض يحمل علمه سبحانه وتعالى ، فأهبطه إلى الأرض ، وجعل يهيّئ له أسباب السعادة ويهديه إلى طرق التكامل ، وما فيه الخير والصلاح ، حتّى يعيش حياة طيّبة وعيشة سعيدة ، ويتمكّن من العود إلى مقام القرب ومنازل الكرامة والدرجات الرفيعة في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، فبعث لهذا المقصد في بنيه ( بني آدم ) رسله وأنبياءه ، وأنزل فيهم كتبه ، فقامت الأنبياء بتربية الناس وتعليمهم وإقامة الحقّ والعدالة ، يدعون إلى رسالة الله وحكومته في الأرض بكلّ ما في وسعهم ببذل النفس والنفيس ليقوم الناس بالقسط ، فحاربوا النفس الأمّارة بالسوء ، والطغاة والجبابرة ونفوذهم واخطبوطهم ، ليحـكم العلم والعـدل والإحسان على الأرض في كلّ ربوعه وأقطاره.
وكان للأنبياء في مقاماتهم ورسالاتهم ، أوصياء ونقباء وأئمة ، يخلفونهم في جميع وظائفهم ومسؤولياتهم ، من أجل أن يحفظ الدين ، ويستمرّ نشر التعاليم الإلهية والرسالات السماوية ، ويستحكم اُسس العدالة الاجتماعية.
فجاءت الرسالات هكذا تترى حتّى ختمت بنبيّنا الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) فبعثه ليكون سيّد المرسلين وخاتم النبيّين ، فأكمل دينه وأتمّ عليه نعمته بالوصاية والإمامة ، لينقطع الوحي من بعده ، وتختم النبوّة ، ورضي الله الإسلام للناس ديناً إلى يوم القيامة ، ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه ، فإنّ الدين عند الله الإسلام.
فبلّغ النبيّ بما اُمر واستقام على الدين ، وكان كمال الإبلاغ بنصب هاد للاُمّة وعلم للملّة حتّى لا يكون العمل بالدين بلا كافل ، ولا يتركون الناس بعد رسول الله سدىً بلا إمام ، ولا يكون الطريق بلا علم ، ولا يكون القرآن بلا ناطق ، ولا تكون المسائل الجديدة بلا مجيب ...
فوصّى النبيّ بخليفته إماماً للناس ، والوصاية سنّة ثابتة في الأنبياء قد تحقّقت في الماضين ، فلا بدّ أن تتحقّق في الآخرين ( سُنَّة اللهِ في الَّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْديلا )[82] ، ولا سيّما في الدين الإسلامي الحنيف ، فإنّ النبيّ الخاتم الذي ينقطع برحلته الوحي فلا نبيّ بعده ، أولى أن ينصب للاُمّة ـ بنصّ ووحي من الله وأمره ـ من يليق أن يخلفه ويديم رسالته ، يكون بمنزلة نفسه وبعصمته ، حتّى لا يخلو المجتمع عن ناطق عن الله وعن رسوله ودينه ، وهذا أمر يرشد إليه العقل ويحكم به الشرع والفطرة السليمة.
« ولأجل ذلك أقام نبيّنا (صلى الله عليه وآله) علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) علماً للاُمّة وناطقاً عن الكتاب والسنّة وناشراً للإسلام الصحيح ـ وذلك في واقعة الغدير وغيرها ـ .
وعند هذه المرحلة من التأريخ ـ تأريخ دين الله على الأرض ـ قد تمّ دور التشـريع والتقنين وبـدأ دور التفسير والتبيين ، وذهبت النبوّة وخلّفتها الإمامة.
وكان واجب الاُمّة حينئذ أن يعملوا بوصايا المشرّع الأعظم فيرتضوا عليّاً علماً لهم ، وإماماً ومرشداً وهادياً ، بعد موت النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، كما نصبه النبيّ نفسه ، غير أنّ الاُمور جرت على العكس من هذا الواجب ، فانقسم المسلمون قسمين : إمامي وغير إمامي ـ يتمثّل بالخلافة الظاهرية من قبل السقيفة ، فتكوّنت مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ـ يعني الذين اتّبعوا الإمام الذي نصبه النبي (صلى الله عليه وآله)والذين تركوه ، فبذلك بدأ دور الإمامة ـ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ـ من ناحية ، ودور الخلافة ـ مدرسة الخلفاء ـ من ناحية اُخرى . وكلّما بعد العهد عن الوحي وعن حياة النبيّ ، زادت الشقّة وكثر التباعد ، حتّى ظهرت في حقل الخلافات الإسلامية اُمور لا تمتّ إلى الإسلام بوشيج صلة ... وحيث جرت الوقائع على تلك الأحداث ، قد صعب الأمر على خلفاء الرسول الواقعيين ، وسدنة الإسلام الصادقين ، إذ مثّل أمامهم أمران مهمّان باهظان ، وهما :
1 ـ نشر الدين فيمن لا يعلم.
2 ـ حفظ الدين فيمن لا يعمل.
وهناك قاموا بهذين الواجبين ، قياماً شاقّاً كادّاً مستوعباً فجرّعوا المصائب والآلام ، وكابدوا المشاقّ والمحن ، فاستمرّت حياتهم بين سجن وسبي وتشريد وقتل وما إلى ذلك ، وصار الأمر كما قال ابن خلدون : « وطُلَّت دماء أهل البيت في كلّ ناحية »[83] . وكما قال الدكتور علي سامي النشّار المصري : « ... وبدأ أبناء فاطمة يكتبون بدمائهم أكبر الملاحم ، ومات الحسن مسموماً ، وقُتل الحسين ابن علي وابن فاطمة مقتلةً لم يعرف الزمان لها مثيلا ، وتولّى آل مروان أعناق المسلمين بالسيف ... وقُتل زيد بن علي في ملحمة اُخرى قاسية وعنيفة ... »[84] . وكان كلّ ذلك حفظاً للإسلام عن التحريف ، وصيانة للعدل والإحسان عن الخذلان.
وقام الأئمة أيضاً بتربية اُناس من الاُمّة ، وثلّة من الجهابذة والأفاضل ، وطائفة من كبار الثوريين والمتحمّسين ، وهم وهؤلاء ، قد حفظوا تراث الدين وحقائق أحكام النبيين ، وحرسوا تعاليم القرآن في جميع أبعاده التوحيدية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والأخلاقية ، والعملية ، عن أيّ زوال أو تحريف ، رغم المضايقة والإرهاب الذي كان يحيطهم.
ولمّـا انتهى عصر الإمامة ـ بعد مضيّ 260 سنة من الهجرة القادسة ـ وجاءت دورة الغيبة للوصيّ الثاني عشر (عليه السلام) ( وذلك لسوء اختيار الناس في تركهم حماية الحقّ وأهله ) ، بدأ عصر العلماء ، وذلك لأنّ الأئمة قد أورثوهم علوم الإسلام وتعاليمه ، وحملوا الناس على أن يرجعوا إليهم ، لأخذ تلك العلوم والتعاليم والعمل على وفقها وتطبيقها ، فما جرى على وجه الأرض من اللطف الإلهي بالناس ، في تتابع رسالاته لهدايتهم وإرشادهم ، تتمثّل في ثلاثة عصور :
1 ـ عصر الأنبياء.
2 ـ عصر الأوصياء.
3 ـ عصر العلماء.
وإلى هنا قد ظهر للقارئ الكريم أنّ العالم الشيعي الاجتماعي ـ الذي يتصدّى للمناصب الدينية ولا سيّما المرجعية العظمى ـ هو خليفة النبيّين ووصيّ الصدّيقين ، ووارث النبيّين.
العالم الإسلامي ، هو الممثّل للعصر الثالث من العصور الثلاثة من رسالات الله على الأرض ، فهو حجّة الله ـ بالمعنى الأعمّ ـ لأ نّه حجّة الإمام ـ كما جاء في الحديث ـ والإمام حجّة الله تعالى ، فالعالم حجّة الله على الناس بواسطة الإمام . وعلى هذا لا يصحّ أن يتصدّى لهذا المقام إلاّ من له صلة تامّة ، من حيث المواصفات ، بأصحاب العصرين السابقين ، وبذلك يتمّ لطف الله على الناس وتدوم رسالة الله على الأرض.
وهناك أهمية اُخرى لهذا المقام في الأقاليم الشيعية ، وهي ما ترجع إلى كيان الإسلام وبقائه وبسطه واعتلائه ; وذلك لأنّ المرجع لدى الشيعة هو الحافظ للإسلام وديمومته ، والحارس لجميع ما يتعلّق بالمجموعة الإسلامية . وهو الملاذ الوحيد لما هناك من القوادح والمخاطرات من جهة السياسة والاقتصاد والثقافة ; وهو المكافح أمام التيّارات المضادّة الداخلية والخارجية من ناحية أعداء الإسلام من اليهود والمسيحيين وغيرهم ; ومن ناحية المقتدرين والجبابرة والخونة ، والذين ظهروا في مقامات الحكّام والاُمراء والرؤساء والسلاطين المسلمين ، غير أ نّهم عملاء الأجانب وخدمة أعداء الإسلام ; كذلك التيّارات والمضادّة من ناحية المذاهب الفكرية والاعتقادية الباطلة ، والشيوعية والماسونية والصهيونية والاستكبار العالمي ، والقوانين الموضوعة بيد الحكومات اللاإسلامية[85] . أضف إلى ذلك كلّه ، ما يجب أن يتمتّع به ذلك العالم المرجع ، من معايشته لآلام الناس واطّلاعه على مشاكلهم ، وتحنّنه عليهم والوقوف بجانب المستضعفين واسترداده حقوقهم ، ودفاعه عن مظلومهم ، وعدم قراره على كِظة ظالم ولا سغب مظلوم[86] ، وكذلك اطّلاعه على الثقافات العصرية والمواضيع الاقتصادية الحديثة[87] والمشاكل البشرية الحاضرة ( الحوادث الواقعة ).
وكلّ ما أشرنا إليه ، يدفع المسلمين إلى أن يمعنوا النظر في هذا الأمر ، وأن لا يغفلوا عمّـا له من الأهميّة الكبرى ، وأن يجعلوا رجوعهم إلى العالم على ميزان دينيّ دقيق وانتباه سياسي واجتماعي ، له أثره في بقاء عزّة الدين واعتلاء الإسلام.
ولأن نلقي ضوءاً على هذا الأمر ، أكثر من ذي قبل ، نقدّم هذا الموضوع إلى القارئ الكريم :
المرجعيّة ومؤهّلاتها :
لقد مرّت مواصفات ينبغي أن تتوفّر لدى العالم المسلم ، وهي التي يجب أن تكون في المرجع القائد ـ وهو الذي يخلف الإمام وينوب عنه في المجتمع ـ بشكل أولى ; غير أ نّنا نشير هنا إلى ميزات مهمّة لا بدّ من أن يكون المرجع الديني واجداً لها ، مستوعباً إيّاها ، حتّى تتاح له القيادة والتوجيه :
1 ـ العقليّة العملية بسعتها وعمقها المطلوب.
2 ـ الاعتداد التامّ بالاستشارة وتبنّيها أصلا ، كما حثّت عليها التعاليم الإسلامية حثّاً.
3 ـ تفهّم موقف الإسلام الصحيح ، تجاه مختلف القضايا المطروحة.
4 ـ الفطنة وحدّة الفهم والبصيرة ، والقدرة على معرفة الواقع الشرعي ، بالنسبة إلى ما يكتنفه من الحقائق الزمنيّة.
5 ـ الوعي السياسي الناضج.
6 ـ الوعي الاجتماعي الشامل.
7 ـ الوعي الاقتصادي في أشكاله الحديثة ، والتصلّب في تطبيق العدالة المالية والمعيشية بين الجماهير ، بأن يوضع كلّ شيء في موضعه ويصل كلّ واحد إلى حقّه.
8 ـ النزاهة و « الحياة القلبية » ، والتحلّي بمكارم الأخلاق.
9 ـ الشجاعة والجرأة في إحقاق الحقّ ، واسترداد حقوق المستضعفين ، حتّى يتسنّى له أن يجعل كلمة الله هي العليا.
10 ـ معايشة المشاكل التي تحيط بالجماهير ، والتفكّر الموضوعي لمعالجتها على ضوء تفهّمه لروح العصر الذي يعيش فيه.
11 ـ وعي الواقع الإنساني ولمس الفقر والآلام التي تكتنف المحرومين والمضطهدين.
12 ـ مقاطعة الأغنياء التاركين لواجباتهم الدينية ومسؤولياتهم الاجتماعية ، والمترفين الذين لا يحسّون بآلام الفقراء والمجتمع المحروم ، وقطع النظر عن أموالهم ونفقاتهم في أيّ سبيل كانت ( لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ مالا )[88] ، حتّى يتاح له الوقوف في صفوف المظلومين والمغصوبين ، قولا وعملا معاً.
المرجعية ومنافياتها :
بعد أن علمنا مؤهّلات المرجعية والميزات التي تجعلها تنوب عن دعوة الأنبياء والأوصياء ، لا بدّ من أن نتحرّى الاُمور التي تنافي القيادة الدينية ، فإنّ لكلّ شيء وأمر إيجاباً وسلباً ، فلا بدّ من الإشارة إلى سلبيات المرجعية ، لكي يكون الناس على بصيرة من أمرهم ، تجاه هذا الأمر المصيري في حياة الاُمّة ، وإليك بعضاً منها :
1 ـ ضحالة الفهم السياسي والاجتماعي وعدم استيعاب العلاقات المؤثّرة والمتأثّرة ، الفردية والاجتماعية ، بين المجتمع الإنساني[89].
2 ـ عدم وعي الإسلام بجميع جوانبه كدين حيّ حاكم في الحياة.
3 ـ الميل إلى الحياة الدنيا وتضاؤل ملكة التقوى والورع.
4 ـ تخلّل الأهواء وانحسار حاكميّة العقل والبصيرة.
5 ـ السكوت أمام الجبابرة والمعتدين ، وترك مواجهتهم ، تجنّباً لمكروههم.
6 ـ الإحساس بالضعف والذلّ ، والتشاؤم من العمل والتحرّك في الاُمّة ، والوقوف عند الأهداف المرحليّة الضيّقة.
7 ـ التفقّه بغير علم ( بمعناه الواسع الذي أشرنا إليه ).
8 ـ عدم الإخلاص في المواقف والمفاهيم والمشاعر.
وبشكل عامّ ، أيّة صفة أو حالة تضادّ ما عدّدناه في المؤهّلات ولا تناسب طبيعة موقفهم ، كخلفاء لخلفاء الله في الأرض ، اُوكِل إليهم استكمال المسيرة التي اُريقت فيها دماء الأنبياء والأوصياء ـ عبر القرون الطوال من صراع جند الحقّ وجند الباطل ـ فهي منافية لهذا المقام الديني والمسؤولية الكبرى[90].
هذا إجمال ما أردنا ذكره وبيانه ، في خصائص القائد الإسلامي ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ على الاُمّة الإسلامية في كلّ بلادها بحكومات إلهية تسلك شرائع الأنبياء ، وتنهج مناهج الإسلام ، وتطبّق القرآن الكريم والسنّة الشريفة في مجتمعاتنا بقيادة صالحة ، ومرجعية رشيدة ، وقائد إسلامي ورع تقيّ فقيه حاذق ، تجتمع فيه المواصفات الإسلامية والخصائص القرآنية ، وعلى كلّ مسلم أن يمهّد الطريق ويوطّئ السبيل لظهور دولة الحقّ العالمية ، فإنّه في ليله المدلهم يسرج الشموع ليضيء ما حوله ، وإن كان منتظراً لبزوغ الشمس وشروقها ، أليس الصبح بقريب ، نصر من الله وفتحٌ قريب ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
[1]طبع موجز هذا الموضوع في مجلّة ( نور الإسلام ) الصادرة في بيروت ، العدد 41 و 42 ، سنة 1414 هـ.
[2]سفينة البحار 3 : 319.
[3]الأنبياء : 73.
[4]آل عمران : 164 . الجمعة 2.
[5]آل عمران : 20.
[6]الأحزاب : 39.
[7]التوبة : 122.
[8]الإسراء : 82 .
[9]البقرة : 185.
[10]البقرة : 2.
[11]الفرقان : 63.
[12]الأعراف : 199.
[13]الشورى : 15.
[14]المزّمّل : 10.
[15]مريم : 31.
[16]المجادلة : 21.
[17]الفاطر : 28.
[18]التحريم : 6.
[19]فاطر : 28.
[20]الأنعام : 122.
[21]البقرة : 269.
[22]منية المريد : 12.
[23]البحار 2 : 4.
[24]الكافي 1 : 34.
[25]الزمر : 9.
[26]البحار 1 : 208.
[27]نهج البلاغة ، شرح محمّد عبده 3 : 186.
[28]أمالي الصدوق : 19.
[29]تحف العقول : 302.
[30]المجادلة : 11.
[31]البحار 1 : 204.
[32]غرر الحكم : 285.
[33]تحف العقول : 187.
[34]عدّة الداعي : 66.
[35]البحار 1 : 198 ، عن أمالي الصدوق.
[36]البحار 1 : 203 ، عن جامع الأخبار.
[37]الكافي 1 : 37.
[38]البحار 1 : 222 ، عن الاختصاص.
[39]تحف العقول : 141.
[40]الصفّ : 2 ـ 3.
[41]تحف العقول : 289.
[42]عدّة الداعي : 67.
[43]البحار 1 : 255.
[44]البحار 2 : 32.
[45]الكافي 1 : 44.
[46]عدّة الداعي : 67.
[47]الكافي 1 : 36.
[48]البحار 2 : 37 ، عن كنز الفوائد.
[49]غرر الحكم : 134.
[50]الكافي 1 : 44.
[51]الوسائل 11 : 420.
[52]عدّة الداعي : 70.
[53]غرر الحكم : 220.
[54]نهج البلاغة ، شرح محمّد عبده 1 : 202.
[55]البحار 100 : 85 .
[56]البحار 2 : 89 .
[57]تحف العقول : 31.
[58]منية المريد : 10.
[59]الوسائل 18 : 101.
[60]تحف العقول : 172.
[61]تحف العقول : 198.
[62]نهج البلاغة : 52.
[63]الكافي 1 : 42.
[64]تحف العقول : 171.
[65]تحف العقول : 172.
[66]المصدر.
[67]البحار 102 : 293 ، عن أمالي الصدوق.
[68])ـ (5) نوادر الراوندي : 4 ـ 27.
[73]) الكافي 1 : 37.
[74]البحار 92 : 184 ، عن الاختصاص.
[75]المستدرك 2 : 322.
[76]غرر الحكم : 137.
[77]الخصال 2 : 142.
[78]نهج البلاغة ، شرح محمد عبده 3 : 187.
[79]نهج البلاغة ، شرح محمد عبده 1 : 48.
[80]البحار 2 : 298 ، عن تفسير العياشي.
[81]غرر الحكم : 188.
[82]الأحزاب : 62.
[83]تأريخ ابن خلدون 4 : 3 ، طبعة بيروت.
[84]نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام 2 : و ـ ط ، طبعة مصر ، دار المعارف.
[85]جاء في تعاليم الإمام علي (عليه السلام) قوله هذا : « علّموا صبيانكم ما ينفعهم الله به ، لا تغلب عليهم المرجئة » ( الخصال : 614 ) . يدلّنا هذا الكلام على أنّ مجابهة الانحراف العقيدي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي وإنقاذ المجتمع منه ولا سيّما الناشئة ، لا طريق لها إلاّ العلم والانتباه والتوعية ، ولأجل ذلك فالإمام يأمر بأن نعلّم الصبيان ما ينفعهم الله به ، لكي لا تغلب عليهم الطوائف المنحرفة ، ولأن يكونوا قادرين على طرد الآراء الزائفة والأفكار المدسوسة التي تغرّ الشباب وتضرّهم.
هذه التعاليم تعلّمنا بوضوح ، أنّ حوزة الزعامة الدينية يجب عليها أن تكون مشرفة على جميع التيّارات الفكرية والعقيدية والقضايا الاقتصادية ومسائل الإنسان الحديث ، إشرافاً كاملا ، وأن تقوم بنقد الزائف منها وبتّ الصحيح الناجع وأن توقف النفوس عليها ـ حتّى الصبيان ـ إيقافاً يكون فيه سلامتها واستقامتها في سبيل الحقّ والفضيلة . وعليها أن لا تخاف ضجّة الغوغاء التي يقوم بإيجادها الجبابرة الاقتصاديون وأصحاب الثروات الطائلة حفظاً لكيانهم ومنافعهم.
[86]نهج البلاغة : 52 ، عبده 1 : 32.
[87]حتّى لا ينخدع بتمويهات الأغنياء المترفين والمتكاثرين.
[88]هود : 29.
[89]قالوا : إنّ الفقيه العالم الكبير ، السيّد محمد الطباطبائي الفشاركي الإصفهاني ( م 1316 هـ ق)، لمّـا رجعوا إليه ، بعد رحلة اُستاذه الميرزا محمد حسن الشيرازي الكبير ( م ـ 1312 هـ ق ) لتسلّم المرجعيّة والزعامة الدينية ، قال : « إنّي لست أهلا لذلك » لأنّ الرئاسة الشرعية تحتاج إلى اُمور ، غير العلم بالفقه والأحكام ، من السياسات ، ومعرفة مواقع الاُمور ... » ( فوائد الرضوية 2 : 594 ).
وهذا العالم الزاهد اليقظ المتثبّت ، كان من أعاظم فقهائنا الربّانيين ، وكان يدرّس في حياة اُستاذه الميرزا الشيرازي ، ولقد تخرّج عليه أعلام كالميرزا محمد حسن النائيني ( م 1355 هـ ق) والشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي ( م 1355 هـ ق ) ، ولقد وُصف في كلمات بعض الأجلّة بـ « الاُستاذ الكبير » ( ريحانة الأدب 3 : 220 ).
[90]اقتباس من كتاب « الحياة » 2 : 374.