اللمحة  السادسة - وميض  من  سيرة  الأئمة  الأطهار  (عليهم السلام) في  تكريم  الشعر  والشعراء

إنّ لغة الحضارة الإسلامية هي لغة القرآن الكريم ، وإنّ لغة القرآن هي لغة الفطرة الإنسانية ، ومن أركان الحضارة وأعمدة الثقافة الإسلامية : الأدب ، ومن شعبه وفنونه : الشعر .

ومن الواضح أنّ للشعر العربي في تاريخ الاُمّة العربية والإسلامية أصالته ومقامه السامي ، فإنّه قبل بزوغ فجر الإسلام الصادق كان يمتاز بمكانة رفيعة وصرح شامخ ، إلاّ أ نّه قد توهّج وازداد بهجةً وروعةً بهدى الرسالة الإسلامية ، وقد خرج من اُفقه الضيّق الذي كان يتلخّص بالنعرات القبلية أو الحروب الفتّاكة أو التشبيب وما شابه ، وإن كان منه ما هو من الحكمة والموعظة والشعر المعقول إلاّ أ نّه يعدّ نادراً .

وفي ظلال الإسلام بدأت حركة الشعر وقافلة الشعراء تشقّ طريقها وتأخذ أبعاداً جديدة واُفقاً واسعاً ليرسم صوراً جماليّة وبديعة ، تمثّل العقيدة الصادقة في مدح ورثاء الرسول الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) ، ومن ثمّ عترته بيت الوحي والرسالة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) .

وقد أثنى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) على الشعر ومن ينشده ما دام في خطّ الفضائل والمكارم والحِكَم . وإنّه أكرم الشعراء كأبي طالب والعباس بن
عبد المطّلب وحسّان بن ثابت وعمرو بن سالم وغيرهم .

ودام تكريم وتبجيل الشعر والشعراء حتّى في عصر الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، وأحبّ المسلمون شعراء أهل البيت (عليهم السلام) ، وتأثّروا بأهازيجهم واُرجوزاتهم وأشعارهم النابعة من شعور صادق وولاء دافق وحقيقة ناصعة ، كالشمس في رابعة النهار .

وقد أحسن الأئمة الأبرار (عليهم السلام) إكرام الشاعر ، وأوصلوه بصلات وكرامات بكلّ حفاوة وتعظيم ، حتّى ضرب بسيرتهم المباركة الأمثال ، وأصبحت قصصاً ودروساً للأجيال في كلّ الأعصار والأمصار .

والذي نلمسه من حياة الأئمة الأطهار وسيرتهم الذاتية أنّ تركيزهم الخاصّ أوّلا كان على تعليم القرآن الكريم وحفظه ، يكفيك شاهداً ما قاله أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لوالد الفرزدق[1] غالب بن صعصعة التميمي ، فإنّه أتى به إلى الإمام (عليه السلام) عام الجمل ( 36 هـ ) وقال له : إنّ ابني هذا يقول الشعر ويوشك أن يكون شاعراً مجيداً ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : علّمه القرآن فهو خيرٌ له .

ولكن هذا لا يعني تجاهل الشعر والشعراء ، بل هناك عشرات من النماذج
الدالّة على الاهتمام البالغ بالشعر الإيماني الصادق وبالشاعر الرسالي الناطق .

ومن أروع ما يروى في هذا المضمار حكاية الإمام الصادق (عليه السلام) مع الشاعر العظيم الكميت بن زيد الأسدي ، فإنّه دخل على الإمام (عليه السلام) أيّام التشريق بمنى ، فقال له : جعلت فداك ألا اُنشدك ، فقال الإمام : إنّها أيام عظام ، فقال الكميت : إنّها فيكم ، فلمّا سمع مقاله بعث إلى ذويه ، فقرّبهم إليه وقال : هات ، فأنشده لاميّته المعروفة من الهاشيمات ، فحظى بدعائه وأمر له بألف دينار وكسوة .

وبمثل هذه الرواية الشريفة أفتى الفقهاء العظام بكراهة الشعر في الأيام المقدّسة والأماكن المقدّسة كالمسجد ، إلاّ إذا كان في مدح أهل البيت (عليهم السلام) أو رثائهم ، فإنّ ذكرهم من ذكر الله سبحانه وتعالى ، فهو من مصاديق العبادة .

ودعا الإمام الباقر (عليه السلام) للكميت في مواطن شتّى وقال له : لا تزال مؤيّداً بروح القدس .

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : اللهمّ اغفر للكميت ما قدّم وأخّر وما أسرّ وأعلن وأعطه حتّى يرضى .

واسترحم له النبيّ (صلى الله عليه وآله) واستجزى له بالخير وأثنى عليه ، ودعا له الإمام زين العابدين (عليه السلام) بقوله : اللهمّ أحيه سعيداً وأمته سعيداً وأره الجزاء عاجلا وأجزل له جزيل المثوبة آجلا .

وإليك الخبر الشريف رواه الشيخ الصفّار بسنده في بصائر الدرجات عن جابر قال : دخلت على الإمام الباقر (عليه السلام) فشكوت إليه الحاجة فقال : ما عندنا درهم ، فدخل الكميت فقال : جعلت فداك اُنشدك ؟ فقال : أنشد فأنشده قصيدة فقال الإمام (عليه السلام) : يا غلام ، أخرج من ذلك البيت ( غرفة ) كيساً وادفعه إلى الكميت ، فقال : جعلت فداك ، اُنشدك اُخرى ؟ فأنشده فقال : يا غلام أخرج كيساً وادفعه إليه . فقال : جعلت فداك اُنشدك اُخرى ؟ فأنشده فقال : يا غلام أخرج له كيساً آخر ، فقال الكميت : جعلت فداك ، والله ما اُحبّكم لعرض الدنيا وما أردت بذلك إلاّ صلة رسول الله وما أوجب الله عليَّ من الحقّ ، فدعا له الباقر (عليه السلام) فقال يا غلام ردّها إلى مكانها ، فقال جابر يخاطب الإمام (عليه السلام) : جعلت فداك ، قلت ليس عندي درهم وأمرت للكميت بثلاثين ألف ، فقال الإمام (عليه السلام) : ادخل ذلك البيت ، فدخلت فلم أجد شيئاً ، فقال : ما سترنا عنكم أكثر ممّا أظهرنا .

روى أبو الفرج الاصبهاني في الأغاني[2] بإسناده عن محمّد بن علي النوفلي قال : أتى الكميت وهو في أوّل نظمه للهاشميات إلى الفرزدق فقال له : يا أبا فراس إنّك شيخ مضر وشاعرها وأنا ابن أخيك الكميت بن زيد الأسدي . قال له : صدقت أنت ابن أخي فما حاجتك ؟ قال : نفث على لساني فقلت شعراً فأحببت أن أعرضه عليك فإن كان حسناً أمرتني بإذاعته ، وإن كان قبيحاً أمرتني بستره وكنت أولى من ستره عليّ ، فقال له الفرزدق : أمّا عقلك فحسن ، وإنّي لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك ، فأنشدني ، فقال الكميت : طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب ، فقال الفرزدق : فيم تطرب يا ابن أخي ؟ فقال : ولعباً منّي وذو الشيب يلعبُ . فقال : بلى يا ابن أخي فالعب فإنّك في أوان اللعب .

فقال الكميت :

ولم يُلهني دارٌ ولا رسم منزل *** ولم يطرّبني بنان مخضّب

فقال : ما يطرّبك يا ابن أخي فقال :

ولا السانحات البارحات عشيّة *** أمرَّ سليم القرن أم مرّ أغضب

فقال : أجل لا تتطيّر فقال الكميت :

ولكن إلى أهل الفضائل والتقى *** وخير بني حوّاء والخير يُطلبُ

فقال الفرزدق : ومن هؤلاء ويحك ؟ قال :

إلى النفر البيض الذين بحبّهم *** إلى الله في ما نابني أتقرّبُ

قال : أرحني ويحك من هؤلاء ؟ فقال :

بني هاشم رهط النبيّ فإنّني *** بهم ولهم أرضى مراراً وأغضبُ

خفضتُ لهم منّي جناحي مودّة *** إلى كنف عطفاه أهل ومرحبُ

وكنت لهم من هؤلاء وهؤلا *** محبّاً على أ نّي أذُمّ وأغضبُ

واُرمى وأرمي بالعداوة أهلها *** وإنّي لاُؤذى فيهمُ واُؤنّبُ

فقال له الفرزدق : يا ابن أخي أذع ثمّ أذع ، فأنت والله أشعر من مضى وأشعر من بقي .

روى المسعودي في مروجه[3] ، وروى أبو الفرج في أغانيه[4] بإسناده عن إبراهيم بن سعد الأسدي قال : سمعت أبي يقول : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام فقال : من أيّ الناس أنت ؟ قلت : من العرب ، قال : أعلم فمن أيّ العرب ؟ قلت : من بني أسد ، قال : من أسد بن خزيمة ؟ قلت : نعم ، قال : أهلاليٌّ أنت ؟ قلت : نعم ، قال : أتعرف الكميت بن زيد ؟ قلت : نعم يا رسول الله إنّه عمّي ، قال : أتحفظ من شعره ؟ قلت : نعم ، قال : أنشدني : طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب

قال : فأنشدته حتّى بلغت إلى قوله :

فما لي إلاّ آل أحمد شيعة *** وما لي إلاّ مشعب الحقّ مشعب

فقال لي : إذا أصبحت فاقرأ عليه السلام وقل له : قد غفر الله لك بهذه القصيدة .

وحكى ياقوت في معجم الاُدباء[5] : كان في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر : كان خطيب أسد ، فقيه الشيعة ، حافظ القرآن الكريم ، ثبت الجنان ، كاتباً حسن الخطّ ، نسّابة جدلا ، وهو أوّل من ناظر في التشيّع ، رامياً ماهراً لم يكن في بني أسد أرمى منه ، فارساً شجاعاً ، سخيّاً ديّناً .

وبمثل هؤلاء الشعراء الفقهاء الأبطال حفظ الله التشيّع ونصر مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، وممّا يشهد على ذلك بائية الناشئ الصغير أبي الحسن علي بن عبد الله الناشئ البغدادي :

بآل محمّد عُرف الصوابُ *** وفي أبياتهم نزل الكتابُ

همُ الكلمات والأسماء لاحت *** لآدمَ حين عَزَّ له المتابُ

وهم حججُ الإله على البرايا *** بهم وبحكمهم لا يسترابُ

إلى أن يقول :

عليّ الدرّ والذهب المصفّى *** وباقي الناس كلّهمُ ترابُ

لقد برع في الفقه ونبغ في الحديث وتقدّم في الأدب وظهر أمره في نظم القريض وتضلّع في النظر في علم الكلام ، حاز السبق ونال الشرف .

روى عنه الشيخ المفيد ، ويروي عنه الشيخ الطوسي وكذلك الشيخ الصدوق عليه الرحمة .

ذكره ابن خلكان في تاريخه : إنّ له تصانيف كثيرة . وفي الوافي بالوفيات إنّ شعره مدوّن وإنّ مدايجه في أهل البيت لا تحصى كثرة .

وقد عدّه ابن شهرآشوب في معالم العلماء من مجاهدي شعراء أهل البيت (عليهم السلام) . وفي معجم الاُدباء قال الخالع : كان الناشئ يعتقد الإمامة ويناظر عليها بأجود عبارة . فاستنفد عمره في مديح أهل البيت (عليهم السلام) حتّى عرف بهم وأشعاره فيهم كثيرة[6] .

قد ولد سنة 271 هـ وتوفّي سنة 365 ودفن في مقابر قريش .

وقد برز في ميادين الشعر والشعراء أبو علي دعبل بن علي بن رزين الخزاعي ، فإنّه كان من أجرأ شعراء أهل البيت (عليهم السلام) حتّى اشتهر بكلمته الخالدة ( أنا أحمل خشبتي على كتفي منذ خمسين عاماً لست أجد أحداً يصلبني عليها ) .

قيل للوزير محمّد بن عبد الملك الزيّات : لِمَ لا تجيب دعبلا عن قصيدته التي هجاك فيها ؟ فقال : إنّ دعبلا جعل خشبته على عنقه يدور بها يطلب من يصلبه بها منذ ثلاثين سنة وهو لا يبالي .

أجل : لقد سجّل بنضاله البطولي أروع آيات الشجاعة والتضحية والفداء من أجل المبادئ القيّمة والعقيدة الحقّة ، لقد تحدّى بشعره الخالد ظلم الخلفاء الظالمين وبطش الحكّام الجائرين ، فلم تأخذه في الله لومة لائم ، ولم يبالِ بالموت وقع عليه أم وقع على الموت .

قد عدّه ابن شهرآشوب في المعالم أ نّه من أصحاب الإمام الكاظم والإمام الرضا (عليهما السلام) ، وقد أدرك الإمام محمّد بن عليّ الجواد (عليهما السلام) .

قال أبو الفرج في الأغاني[7] : قصيدة دعبل التائية من أحسن الشعر وأفخر المدائح المقولة في أهل البيت (عليهم السلام) ، قصد بها الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام)قال : دخلت على الإمام الرضا (عليه السلام) فقال لي : أنشدني شيئاً ممّا أحدثت فأنشدته التائية :

مدارس آيات خلت من تلاوة *** ومنزل وحيٍّ مقفر العرصاتِ

حتّى انتهيت إلى قولي :

إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم *** أكفّاً عن الأوتار منقبضاتِ

قال : فبكى حتّى اُغمي عليه ، وأومأ إليَّ الخادم الذي على رأسه أن اسكت فسكت فمكث ساعة ثمّ قال لي : أعد فأعدت حتّى انتهيت إلى هذا البيت أيضاً ، فأصابه مثل الذي أصابه في المرّة الاُولى ، فأومأ الخادم إليّ أن اسكت فسكتّ ، فمكث ساعة اُخرى ثمّ قال لي : أعد ، فأعدت حتّى انتهيت إلى آخرها فقال لي : أحسنت ( ثلاث مرّات ) ثمّ أمر لي بعشرة آلاف درهم ممّا ضرب باسمه ولم تكن دفعت إلى أحد بعد ، وأمر لي من منزله بحليّ كثير أخرجه إليّ الخادم . فقدمت العراق فبعت الدراهم كلّ درهم منها بعشرة دراهم فحصل لي مائة ألف درهم .

قال الحافظ بن عساكر في تاريخ دمشق[8] : إنّ المأمون لمّا ثبتت قدمه في الخلافة وضرب الدنانير باسمه ، أقبل يجمع الآثار في فضائل آل الرسول فتناهى إليه فيما تناهى من فضلهم قول دعبل :

مدارس آيات خلت من تلاوة *** ومنزل وحيٍّ مقفر العرصاتِ

فما زالت تردّد في صدر المأمون حتّى قدم عليه دعبل فقال له : أنشدني قصيدتك التائية ، ولا بأس عليك ولك الأمان من كلّ شيء فيها فإنّي أعرفها وقد رويتها إلاّ أنّي اُحبّ أن أسمعها من فيك ، قال : فأنشده حتّى صار إلى هذا الموضع :

ألم ترَ أنّي منذ ثلاثين حجّةً *** أروح وأغدو دائم الحسراتِ

أرى فيئهم في غيرهم مقتسّماً *** وأيديهم من فيئهم صفراتِ

إذا وُتروا مدّوا إلى واتريهم *** أكفّاً على الأوتار منقبضاتِ

فبكى المأمون حتّى اخضلّت لحيته وجرت دموعه على نحره ، وكان دعبل أوّل داخل عليه وآخر خارج من عنده .

قال ياقوت الحموي في معجم الاُدباء[9] : قصيدة دعبل التائية في أهل البيت من أحسن الشعر وأسنى المدائح . قصد بها عليّ بن موسى الرضا بخراسان ، ويقال إنّه كتبها في ثوب وأحرم فيه وأوصى بأن يكون في أكفانه .

روى الشيخ الصدوق في العيون[10] والأمالي عن الهروي قال : دخل دعبل على عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) بمرو فقال له : يا بن رسول الله إنّي قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك ، فقال : هاتها ، فأنشدها وعندما وصل إلى :

إذا وُتروا مدّوا إلى واتريهم *** أكفّاً على الأوتار منقبضاتِ

جعل أبو الحسن (عليه السلام) يقلّب كفّيه ويقول : أجل والله منقبضات ، فلمّا بلغ إلى قوله :

لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها *** وإنّي لأرجو الأمن بعد وفاتي

قال الرضا (عليه السلام) : آمنك الله يوم الفزع الأكبر ، فلمّا انتهى إلى قوله :

وقبرٌ ببغداد لنفس زكيّة *** تضمّنها الرحمن في الغرفاتِ

فقال الرضا (عليه السلام) : أفلا اُلحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك ؟ فقال : بلى يا بن رسول الله ، فقال :

وقبرٌ بطوس يا لها من مصيبة *** ألحّت على الأحشاء بالزفراتِ

إلى الحشر حتّى يبعث الله قائماً *** يفرّج عنّا الهمّ والكرباتِ

قال دعبل : ثمّ قرأت باقي القصيدة فلمّا انتهيت إلى قولي :

خروج إمام لا محالةَ واقعٌ *** يقوم على اسم الله والبركاتِ

بكى الإمام (عليه السلام) ثمّ قال : يا دعبل نطق روح القدس بلسانك . أتعرف من هذا الإمام ؟ قلت : لا ، إلاّ أ نّي سمعت بخروج إمام منكم يملأ الأرض قسطاً وعدلا ، فقال : إنّ الإمام بعدي ابني محمّد ، وبعده ابنه علي ، وبعده ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم ، وهو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره ( عجّل الله فرجه الشريف وجعلنا من خلّص شيعته وأنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه ، آمين ) .

وجاء في مستدرك الوسائل[11] ( باب استحباب مدح الأئمة (عليهم السلام) بالشعر ورثائهم به وإنشائه فيهم ، ولو في شهر رمضان ، ويوم الجمعة ، وفي الليل ) :

الشيخ المفيد في أماليه : عن أبي الحسن عليّ بن بلال المهلّبي ، عن النعمان ابن أحمد القاضي الواسطي ، عن إبراهيم بن عرفة النحوي ، عن أحمد بن رشيد ابن خيثم الهلالي ، عن عمّه سعيد بن خيثم ، عن مسلم الغلابي قال : جاء أعرابي إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وذكر أ نّه شكا الجدب وقلّة المطر ، وأنشد أبياتاً ، فاستسقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فما ردّ يده إلى نحره حتّى أحدق السحاب بالمدينة كالإكليل فمطروا ، ثمّ انجاب السحاب ، فضحك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال : « لله درّ أبي طالب لو كان حيّاً لقرّت عيناه ، من ينشدها ؟ » فأنشد ابن الخطّاب بيتاً ، فقال (صلى الله عليه وآله) : « هذا من قول حسّان » فقام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وقال : « كأ نّك أردت يا رسول الله :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ***  ثمال اليتامى عصمة للأرامل »

وذكر أبياتاً بعدها ، فقال (صلى الله عليه وآله) : « أجل » ، فقام رجل من كنانة فقال :

لك الحمد والحمد ممّن شكر ، وأنشد أبياتاً ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « بوّأك الله يا كناني بكلّ بيت قلته بيتاً في الجنّة » .

السيّد المرتضى في الغرر والدرد : أخبرنا عليّ بن محمّد الكاتب قال : أخبرنا محمّد بن يحيى الصولي قال : لمّا بايع المأمون لعليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام)بالعهد ، وأمر الناس بلبس الخضرة ، صار إليه دعبل بن عليّ وإبراهيم بن العبّاس الصولي ، وكانا صديقين لا يفترقان ، فأنشد دعبل :

مدارس آيات خلت من تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصات

وأنشد إبراهيم بن العباس على مذهبه قصيدة أوّلها

أزالت عزاء القلب بعد التجلّد *** مصارع أولاد النبيّ محمّد

قال : فوهب لهما عشرين ألف درهم من الدراهم التي عليها اسمه ، وكان المأمون أمر بضربها في ذلك الوقت ، فأمّا دعبل فصار بالشطر منها إلى قم ، فاشترى أهلها منه كلّ درهم بعشرة دراهم ، فباع حصّته بمائة ألف درهم ، وأمّا إبراهيم بن العباس فلم يزل عنده بعضها إلى أن مات .

أبو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد : حدّثني الشريف محمّد بن عبيد الله الحسيني ، عن أبيه ، عن أبي الحسن أحمد بن محبوب قال : سمعت أبا جعفر الطبري يقول : حدّثنا هناد بن السرّي قال : رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) ] في المنام ، فقال لي : يا هناد ، قلت : لبّيك يا أمير المؤمنين [ قال : « أنشدني قول الكميت :

ويوم الدوح دوح غدير خمّ *** أبان لنا الولاية لو اُطيعا

ولكنّ الرجال تبايعوها *** فلم أر مثلها أمراً شنيعا »

قال : فأنشدته فقال : « خذ إليك يا هناد » فقلت : هات يا سيّدي ، فقال :

« ولم أرَ مثل ذاك اليوم يوما *** ولم أر مثله حقّاً اُضيعا »

أبو علي ابن شيخ الطائفة في أماليه : عن أبيه ، عن الفحام ، عن المنصوري ، عن عمّ أبيه ، عن عليّ بن محمّد العسكري (عليه السلام) ، عن آبائه ، عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) ، قال : « كنت عند سيّدنا الصادق (عليه السلام) ، إذ دخل عليه أشجع السلمي يمدحه ، فوجده عليلا فجلس وأمسك ، فقال له سيّدنا الصادق (عليه السلام) : عد عن العلّة واذكر ما جئت له ، فقال :

ألبسك الله منه عافية *** في نومك المعترى وفي أرقك

يخرج من جسمك السقام كما *** أخرج ذلّ السؤال من عنقك

فقال : يا غلام ايش معك ؟ قال : أربعمائة درهم ، قال : اعطها للأشجع قال : فأخذها وشكر وولّى ، فقال : ردّوه ، فقال : يا سيّدي سألت فأعطيت وأغنيت ، فلم رددتني ؟ قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أ نّه قال : خير العطاء ما أبقى نعمة باقية ، وأنّ الذي أعطيتك لا يبقي لك نعمة باقية ، وهذا خاتمي فإن اُعطيت به عشرة آلاف درهم ، وإلاّ فعد إليّ وقت كذا وكذا أوفك إيّاها ، قال : يا سيّدي قد أغنيتني » الخبر .

الكشّي في رجاله : عن نصر بن الصباح ، عن إسحاق بن محمّد البصري ، عن عليّ بن إسماعيل ، عن فضيل الرسّان قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) ، بعدما قتل زيد بن عليّ (عليه السلام) ، فاُدخلت بيتاً جوف بيت ، فقال : « يا فضيل قتل عمّي زيد » فقلت : نعم جعلت فداك ، قال : « رحمه الله ، أما أ نّه كان مؤمناً ، وكان عارفاً ، وكان عالماً ، وكان صدوقاً ، أما أ نّه لو ظفر لوفى ، أما أ نّه لو ملك لعرف كيف يضعها » قلت : يا سيّدي ألا اُنشدك شعراً ؟ قال : « امهل » ثمّ أمر بستور فسدلت ، وبأبواب ففتحت ثمّ قال : « انشد » فأنشدته .

لاُمّ عمرو ... الأبيات .

قال : سمعت نحيباً من وراء الستر ، وقال : « من قال هذا الشعر ؟ » قلت : السيّد ابن محمّد الحميري ، فقال : « رحمه الله » فقلت : إنّي رأيته يشرب النبيذ ، فقال : « رحمه الله » قلت : إنّي رأيته يشرب النبيذ الرستاق ، قال : « تعني الخمر » قلت : نعم ، قال : « رحمه الله ، وما ذلك على الله أن يغفر لمحبّ عليّ (عليه السلام) » .

وفيه : قال : قال نصر بن الصباح : عبد الله بن غالب ، الشاعر الذي قال له أبو عبد الله (عليه السلام) : « إنّ ملكاً يلقي عليه الشعر ، وإنّي لأعرف ذلك الملك » .

مجموعة الشهيد (رحمه الله) : نقلا عن كتاب الأنوار لأبي علي محمّد بن همّام ، قال : حدّثني ابن أبي الثلج قال : حدّثنا ، كذا .

الهاشمي ، عن زكريا بن يحيى الطائي ، عن أبي حصين ، عن جمعة بن كذا ، قال : أتى العباس بن عبد المطّلب رضي الله عنه ، رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال : يا رسول الله إنّي اُريد أن أمتدحك ، فقال : « قل يا عمّ لا فض الله فاك » فقال :

من قبلها كنت في الظلال وفي ... الأبيات .

البحار : وجدت في بعض تأليفات أصحابنا ، أ نّه روى بإسناده عن سهيل ابن ذبيان ، قال : دخلت على الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام) في بعض الأيام ، قبل أن يدخل عليه أحد من الناس ، فقال لي : « مرحباً بك يا بن ذريان ، الساعة أراد رسولنا أن يأتيك لتحضر عندنا » فقلت : لماذا يا بن رسول الله ؟ فقال (عليه السلام) : « لمنام رأيته البارحة وقد أزعجني وأرقني » فقلت : خيراً يكون إن شاء الله تعالى ، فقال (عليه السلام) : « يا بن ذبيان رأيت كأ نّي قد نصب لي سلّم فيه مائة مرقاة فصعدت إلى أعلاه » فقلت : يا مولاي اُهنّئك بطول العمر ، وربما تعيش مائة سنة لكلّ سنة مرقاة ، فقال لي (عليه السلام) : ما شاء الله كان ـ ثمّ قال ـ يا بن ذبيان ، فلمّا صعدت إلى أعلى السلم رأيت كأ نّي دخلت في قبّة خضراء يرى ظاهرها من باطنها ، ورأيت جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالساً فيها ، وإلى يمينه وشماله غلامان حسنان يشرق النور من وجوههما ، ورأيت امرأة بهيّة الخلقة ، ورأيت بين يديه شخصاً بهيّ الخلقة جالساً عنده ، ورأيت رجلا واقفاً بين يديه ، وهو يقرأ هذه القصيدة :

لاُمّ عمرو باللوى مربع ، فلمّا رآني النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، قال لي : مرحباً بك يا ولدي يا عليّ بن موسى الرضا ، سلّم على أبيك عليّ (عليه السلام) ، فسلّمت عليه .

ثمّ قال لي : سلّم على اُمّك فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، فسلّمت عليها ، فقال لي : وسلّم على أبويك الحسن والحسين (عليهما السلام) ، فسلّمت عليهما ، ثمّ قال لي : وسلّم على شاعرنا ومادحنا في دار الدنيا السيّد إسماعيل الحميري ، فسلّمت عليه وجلست ، فالتفت النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى السيّد إسماعيل ، وقال له : عد إلى ما كنّا فيه من إنشاد القصيدة ، فأنشد يقول :

لاُمّ عمرو باللوى مربع *** طامسة أعلامه بلقع

فبكى النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فلمّا بلغ إلى قوله :

ووجهه كالشمس إذ تطلع :

بكى النبيّ وفاطمة ( صلوات الله عليهما ) ومن معه ، ولمّا بلغ إلى قوله :

قالوا له لو شئت أعلمتنا *** إلى من الغاية والمفزع

رفع النبيّ (صلى الله عليه وآله) يديه وقال : إلهي أنت الشاهد عليّ وعليهم ، إنّي أعلمتهم أنّ الغاية والمفزع عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، وأشار بيده إليه ، وهو جالس بين يديه ( صلوات الله عليه ) ، قال عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام) : فلمّا فرغ السيّد إسماعيل الحميري من إنشاد القصيدة ، التفت النبيّ (صلى الله عليه وآله) إليّ وقال : يا عليّ بن موسى ، احفظ هذه القصيدة ، ومر شيعتنا بحفظها ، وأعلمهم أنّ من حفظها وأدمن قراءتها ضمنت له الجنّة على الله تعالى ، قال الرضا (عليه السلام) : ولم يزل يكرّرها عليّ حتّى حفظتها منه » الخبر .

الصدوق في العيون : عن أحمد بن زياد الهمداني ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي الصلت الهروي قال : سمعت دعبل بن عليّ الخزاعي يقول : أنشدت مولاي عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام) ، قصيدتي التي أوّلها :

مدارس آيات خلت من تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصات

فلمّا انتهيت إلى قولي :

خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم الله والبركات

يميّز فينا كلّ حقّ وباطل *** ويجزي على النعماء والنقمات

بكى الرضا (عليه السلام) بكاء « شديداً » ، ثمّ رفع رأسه إليّ فقال لي : « يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين » الخبر .

القطب الراوندي في الخرائج : روي أنّ عليّ بن الحسين (عليهما السلام) ، حجّ في السنة التي حجّ فيها هشام بن عبد الملك وهو خليفة ، فاستجهر الناس منه (عليه السلام)وتشوّقوا وقالوا لهشام : من هو ؟ قال هشام : لا أعرفه ، لئلا يرغب الناس فيه ، فقال الفرزدق وكان حاضراً : أنا أعرفه :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

إلى آخر القصيدة ، فبعثه هشام وحبسه ومحا اسمه من الديوان ، فبعث إليه عليّ بن الحسين (عليهما السلام) بدنانير فردّها ، وقال : ما قلت ذلك إلاّ عن ديانة ، فبعث بها إليه أيضاً وقال : « قد شكر الله لك ذلك » فلمّا طال الحبس عليه وكان يوعده القتل ، فشكا ذلك إلى عليّ بن الحسين (عليهما السلام) ، فدعا له فخلّصه الله ، فجاء إليه وقال : يا بن رسول الله ، إنّه محا اسمي من الديوان ، فقال : « كم كان عطاؤك ؟ » قال : كذا ، فأعطاه لأربعين سنة ، وقال (عليه السلام) : « لو علمت أ نّك تحتاج إلى أكثر من هذا لأعطيتك » فمات الفرزدق بعد أن مضى أربعون سنة .

ورواه الكشّي في رجاله : عن محمّد بن مسعود ، عن محمّد بن جعفر ، عن محمّد بن أحمد بن مجاهد ، عن العلاء بن محمّد بن زكريا ، عن عبيد الله ابن محمّد بن عائشة ، عن أبيه ، قال : إنّ هشام بن عبد الملك حجّ في خلافة عبد الملك والوليد ، فطاف بالبيت فأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام ، فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام ، فبينا هو كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين (عليهما السلام) ، وعليه إزار ورداء من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحة ، بين عينيه سجّادة كأ نّها ركب عنز ، فجعل يطوف بالبيت فإذا بلغ موضع الحجر تنحّى الناس عنه حتّى يستلمه ، هيبة له وإجلالا ، فغاظ ذلك هشاماً ، فقال له رجل من أهل الشام : يا هشام من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة ، وأفرجوا له عن الحجر ؟ فقال هشام : لا أعرفه ، لئلاّ يرغب فيه أهل الشام ، فقال الفرزدق وكان حاضراً : لكنّي أعرفه ، فقال الشامي : من هذا يا أبا فراس ؟ فقال : هذا الذي ... الخ .

قال : فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق ، فحبس بعسفان بين مكّة والمدينة ، فبلغ ذلك عليّ بن الحسين (عليهما السلام) ، فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال : « اعذرنا يا أبا فراس ، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به » فردّها وقال : يا بن رسول الله ما قلت الذي قلت ، إلاّ غضباً لله ولرسوله ، وما كنت لأرزأ عليه شيئاً ، فردّها عليه ، وقال (عليه السلام) : « بحقّي عليك لما قبلتها ، فقد رأى الله مكانك وعلم نيّتك » فقبلها ... الخبر .

كتاب عبد الملك بن حكيم : عن الكميت بن زيد قال : لمّا أنشدت أبا جعفر (عليه السلام) مدائحهم ، قال لي : « يا كميت طلبت بمدحك إيّانا لثواب دنيا أو لثواب آخرة ؟ » قال قلت : لا والله ما طلبت إلاّ ثواب الآخرة ، قال : « أما لو قلت ثواب الدنيا قاسمتك مالي ، حتّى النعل والبغل » إلى أن قال : قلت : جعلت فداك ، فما تأمرني في الشعر فيكم ؟ قال : « أقول لك ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحسّان بن ثابت : لن يزال معك روح القدس ، ما دمت تمدحنا أهل البيت » .

دعائم الإسلام : عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنّ الكميت دخل عليه فأنشده أشعاراً قالها فيه ، فقال له أبو جعفر : « رحمك الله يا كميت ، لو كان عندنا مال حاضر لأعطيناك رضاك » فقال كميت : جعلت فداك والله ما امتدحتكم وأنا اُريد على ذلك عاجل دنيا ، ولكنّي أردت الله ورسوله ، قال (عليه السلام) : « فإنّ لك بامتداحنا ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعبد الله بن رواحة وحسّان بن ثابت ، قال لهما : لن تزالا تؤيّدان بروح القدس ، ما ذبيتما عنّا بألسنتكما » .

الشيخ المفيد في الاختصاص : عن الحسين بن أحمد بن سلمة اللؤلؤي ، عن محمّد بن المثنّى ، عن أبيه ، عن عثمان بن يزيد ، عن جابر ين يزيد ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : دخلت عليه فشكوت إليه الحاجة ، فقال : « يا جابر ما عندنا درهم » قال : فلم ألبثت أن دخل عليه الكميت ، فقال له : جعلت فداك ، أرأيت أن تأذن لي في أن اُنشدك قصيدة ؟ فقال : « انشدها » فأنشد قصيدة فقال : « يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت » ( فأخرج الغلام بدرة فدفعها إليه ) ، فقال له : جعلت فداك ، أرأيت أن تأذن لي أن اُنشدك اُخرى ؟ فقال : « انشد » فأنشده قصيدة اُخرى ، فقال : « يا غلام اخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت » فأخرج الغلام بدرة فدفعها إليها ، فقال له : جعلت فداك ، أرأيت أن تأذن لي أن اُنشدك ثالثة ؟ فقال له : « انشد » فأنشده فقال : « يا غلام اخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إليه » فقال له الكميت : والله ما امتدحتكم ( لعرض الدنيا ) أطلبه منكم ، وما أردت بذلك إلاّ صلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وما أوجبه الله لكم عليّ من الحقّ ، قال : فدعا له أبو جعفر (عليه السلام) ، ثمّ قال : « يا غلام ردّها إلى مكانها » الخبر .

أجل : هناك العشرات من الشواهد والبيّنات في سيرة الأئمة الأطهار (عليهم السلام)الدالّة على تكريم الشعر والشعراء ما داموا في خطّ الله ، وفي خطّ الولاية والبراءة ، وبقي هذا الاهتمام طيلة قرون وأحقاب حتّى عصر الغيبة الكبرى فتصدّى لذلك الفقهاء العظام الذين أمر صاحب الزمان (عليه السلام) بالرجوع إليهم فتجلّى التكريم والتعظيم للشعر الرسالي وللشعراء الرساليين عند زعماء الاُمّة الإسلامية ، عند الفقهاء والعلماء ، فاهتمّوا اهتماماً كبيراً من أجل تخليد ذكر أهل البيت (عليهم السلام)وترسيخ العقيدة الحقّة في النفوس والأجيال .

وكان الشعراء الأفذاذ يحملون أعواد المشانق على أعناقهم طيلة حياتهم يكابدون المشاقّ ، ويقاسون الشدائد والمصائب من سجن وزنزانات مخيفة وقطع لسان وحرق ونفي من الأوطان وإعدام وإلى مصائب اُخرى ، سجّلها لهم التاريخ في صحائف مشرقة وأيام خالدة ، وقصائدهم أصبحت مشاعل وهّاجة في طريق الثوّار والأحرار .

ومن الفقهاء والمحدثين الأعاظم من كان شاعراً مفوّهاً كالشيخ الكليني صاحب كتاب ( الكافي ) والعياشي والشيخ الصدوق والشيخ المفيد والسيّد علم الهدى والشريف الرضي وغيرهم الكثير .

وبقيت القصائد والأبيات في مدح ورثاء النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) خالدات مع الدهر ، وإنّها تتجدّد كلّما قدم الزمن ، وتشعّ أنواراً للسالكين والعارفين .

والعجيب ولا غرو أ نّه لم يقتصر مدح أهل البيت (عليهم السلام) على المسلمين من السنّة والشيعة فحسب ، بل سرى ذلك حتّى في النصارى أتباع المسيح (عليه السلام)كبولس سلامة وعبد المسيح أنطاكي وغيرهما ، ليجسّدوا الإنسانية التي تجلّت في سيرة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) بنظمهم وقوافيهم .

إنّ الشعر في أهل البيت (عليهم السلام) يختلف عن غيره ، فإنّه ينبع منه الصدق والحقيقة والوفاء ، إذ أ نّه نابع من حبّ صادق وولاء نزيه .

القصائد التي صاغها الحبّ الطاهر لأهل بيت النبوّة (عليهم السلام) والعشق الصافي لأركان التوحيد والرسالة المحمّدية السمحاء ، قد طارت بأجنحة الإبداع والروعة والصياغة الفنّية الفائقة إلى سماء الفضائل والأمجاد والتاريخ ، وقد أعطت العِبر والدروس والحضارة والتمدّن للبشرية جمعاء .


[1]  الفرزدق يعني في اللغة الرغيف ، وهو همام بن غالب ، يكنّى أبا فراس ، وهي من كنى بني الأسد ، ولد عام 25 هـ وتوفّي سنة 110 هـ  ، نشأ في البصرة واشتهر بقصيدته العصماء في مدح زين العابدين (عليه السلام) في بيت الله الحرام وكيف ردّ على تجاهل هشام الاُموي للإمام السجّاد عليّ بن الحسين (عليهما السلام) والمسلمون يشقّون له الطريق بالإكبار والإجلال حتّى استلم الحجر الأسود ، ومن قصيدته :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحلّ والحرمُ

[2] الأغاني 15 : 124 .

[3] مروج الذهب 2 : 194 .

[4]الأغاني 15 : 124 ، القصائد الخالدات 23 .

[5] معجم الاُدباء 1 : 410 .

[6]القصائد الخالدات في حبّ أهل البيت (عليهم السلام) : 36 .

[7] القصائد الخالدات : 46 ، عن الأغاني 18 : 29 .

[8] تاريخ دمشق 5 : 234 .

[9]معجم الاُدباء 4 : 196 ، القصائد الخالدات : 48 .

[10]عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 368 .

[11]مستدرك الوسائل 10 : 387 ، الباب 84 .