من وحي التربية والتعليم

السيد عادل العلوي

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

لك الحمد يا إلهي الكريم على ما أنعمت وأوليت وخلقت وهديت وربّيت ، فأنت ربّ العالمين . ولك الشكر والمنّة على آلائك الجمّة التي لا تعدّ ، ونعمك اللامتناهية التي لا تحصى ، فالحمد لله الذي خلق الخلق ليعرفوه ، وجعل معرفة النفس أنفع المعارف وسبيلا لمعرفته ، وألهم النفس فجورها وتقواها ، وأنار طريق الإنسان وهداه الصراط المستقيم بالكتب والرسل ، وختم النبوّة بمحمّد (صلى الله عليه وآله)والكتب السماويّة بالقرآن الكريم ، فالصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمّد وآله الطاهرين.

كثرة المحن تغيّر الأحوال ، وفي تقلّب الحال يعرف جواهر الرجال ، فخطر على بالي حينما تغيّر حالي ، وتلاقفتني أيدي المشاكل ، وضمّتني أحضان المسائل إلى صدرها الخوّان ، وقلبها الفتّان ، وقلّدتني من شغفها أساور المصائب ، وزيّنتني من حبّها قلائد المتاعب ، وطوّقتني بأطواق البلايا ، وأرضعتني من ثدي الرزايا ، فلا سرور ولا مرح ولا طرب ولا فرح ، فهي الدنيا الفانية والأيّام البالية ، تغرّ الرجال وتريك الأهوال ، فلا تدري ما ضمّ لك الدهر الخوّان ، ولا تعلم ما يجري عليك في
هذا الزمان ، فالناس حيارى وما هم بسكارى ، غرّتهم الدنيا بابتسامتها القاتلة ، ووعودها الخادعة.

فطوبى لمن عرف حقيقتها ووقف على عيوبها ، فتحذّرها وطلّقها وخلّ سبيلها ، طوبى لمن فهم الحياة واستعدّ لما بعد الممات وتزوّد بخير الزاد وما فيه السداد وبه الرشاد ... فهيّا يا إخوان الصفا وخلاّن الوفا ، هبّوا لمعرفة أنفسكم وإضاءة سبلكم ، واطرقوا أبواب علم النفس قبل التسويف والآمال وحلول الرمس وانقضاء الآجال . وعليكم بتربية النفوس وتكميلها ، وتزكية الأرواح وتهذيبها ، ولا تغرّنكم الدنيا الدنيّة بزينتها ، ولا الشهوات والملاذّ بطغيانها ، بل تزوّدوا ، فإنّ العمر قصير والسفر طويل ، وإنّ خير الزاد التقوى ، ومخالفة النفس والهوى ، رحمنا الله وإيّاكم وأسعدنا لما فيه الخير والصلاح والكمال والفلاح.

هذا وحينما كنت في حيص وبيص الزمان ومشكلات الحدثان ، توكلّت على الله الحنّان ذي المواهب والإحسان ، أن أكتب ما يفيد الإنسان ، معتذراً من سوء البيان وزلّة البنان ، وإنّ الله سبحانه لا يكلّف النفس إلاّ وسعها ولا يحمّلها إلاّ ما آتاها ، فسامحوني من العثرات ، واعفوني في الهفوات ، ولا تؤاخذوني بالشهوات ، وجزاكم الله خير الجزاء على ما تفضّلتم من الإغماض والإعفاء[1].


[1]لقد رأيت هذه الكلمات في قصاصات أوراقي الماضية ، وأظنّها ترجع إلى العقد الثاني من عمري ، وإنّها مقدّمة لكتاب أردت تحريره في علم الأخلاق والمعرفة ، وكنت ـ آنذاك ـ أعيش مع علمائنا الماضين في مصنّفاتهم القيّمة ومؤلفاتهم الثمينة ، وبطبيعة الحال يتأثّر المطالع باُسلوبهم القديم من السجع والنثر الخاصّ ، فكنت أحذو منهجهم في التأليف والكتابة من السبك القديم.

التربية والتعليم