نصائح عامّة لطلاّب العلوم الدينية

طالب علوم الأنبياء والأولياء يسعد في الدارين ، وينال السبق في كمال الإنسانية ، ويصل القمّة في الفضائل والمعارف ، فيرث الأنبياء في علومهم ، وتكون مسؤوليّته هداية الناس إلى الخير والرشاد والسعادة ، ويبلغ المقام الشامخ وينال كالأنبياء وسام رُبّان سفينة نجاة البشرية من الظلمات والجهل ، إلى شاطئ العلم والسلامة ، وساحل الأمن والعيش الرغيد ، ويكون سفير الله في الأرض ، ونجوم يهتدى بهم في ظلمات الحياة وشموع وضّاءة في دروب العقيدة والجهاد ، فطوبى له ، والجنّة مأواهم.

ولكن يا طلاّب العلم والعمل الصالح ، لا ينال ذلك إلاّ بالمثابرة والمجاهدة ، وإليكم هذه النصائح العامّة :

1 ـ عليكم بالتقوى ; لقوله تعالى : (اتَّقوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْء عَليمْ)[1].

(فَاتَّقوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إلاّ وَأنْتُمْ مُسْلِمونَ)[2].

2 ـ عليكم بالأخلاق السامية وحسن الخلق مع الصديق والعدوّ ، وبين الأحباب تسمو الآداب ، ويسقط التكلّف ، فإنّ شرّ الإخوان من تُكلّف له.

3 ـ عليكم بالفصاحة والبلاغة وقوّة البيان للخطابة ، والقلم للكتابة ، فكثيراً ما يحتاجهما طالب العلم ، إذ مسؤوليّته هداية الناس ، ووعظهم وإرشادهم وخلاصهم من الموبقات الفردية والاجتماعية ، ونشر الفضائل والمكارم بينهم ، فسلاحهم وأدوات دعوتهم الكلمة والكلام ، وجاءت الأنبياء بكلمة الله العليا ، والعلماء ورثة الأنبياء.

4 ـ على طالب العلم أن يكون وجوده منشأ الخيرات والبركات ، ويكون زهرة المجتمع أينما حلّ ، فإنّه يعطّر الأجواء والفضاء وينتفع منه الناس على اختلاف طبقاتهم ، فعليكم بتأسيس المدارس وبناء المستشفيات والمراكز الثقافية ، وكلّ ما ينتفع منه الناس.

5 ـ على طالب العلم أن يكون يقظاً فطناً ذكيّاً واعياً ، يعرف أهل زمانه ، ويأخذ من جميع العلوم والفنون الحظّ الوافر ، فيتعلّم العلوم جميعاً مهما أمكن ، وإلاّ فلباب العلوم وجواهرها ، وعليه في هذا العصر ، أن يتعلّم العلوم الثلاثة : علم السياسة والاقتصاد والاجتماع ، ليعرف كيف يدير دفّة المجتمع ، ويسوق الناس إلى ما هو الأصلح والأولى ، ويهديهم إلى الله وإلى الخيرات والحسنى.

6 ـ يا إخواني في العلم ، الله الله بالدعاء ، فعليكم بالتوسّل بالله وشفاعة رسوله وأهل بيته (عليهم السلام) ; لقوله تعالى : (ما يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّـي لَوْلا دُعائكُمْ وَابْتَغوا إلى اللهِ الوَسيلَةَ) ، والدعاء مخّ العبادة ، وخلقنا لها ، وإنّما يصل الإنسان إلى ما يتمنّاه بالعمل والدعاء والشفاعة.

7 ـ العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، والملائكة لا يدخلون بيتاً فيه تماثيل وكلاب ، فقلب طالب العلم لو كان فيه تماثيل وأصنام ، وفيه الكلاب الضارية ، وهي الصفات الذميمة والأخلاق السبعيّة الهمجيّة ، فكيف تدخل الملائكة في ذلك القلب ؟ وكيف تحمل نور الله ؟ وتحمل نور العلم إلى ذلك القلب ؟ فعليكم بترك المعاصي والذنوب . وممّـا يحكى أنّ شاباً كان كثير الحفظ والمطالعة ، ويوماً وقع بصره على امرأة جميلة ، فتشتّت فكره ، وفقد حافظته ، فشكى ذلك إلى اُستاذه وكيع ، فأشار إليه بترك المعاصي :

شكوتُ إلى وكيع سوء حظّي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بأنّ العلم نورٌ *** ونور الله لا يُهدى لعاصي

8 ـ عليكم يا أحبّائي الكرام بتدوين العلم وتقييده بالكتابة ، فما حُفظ فرّ ، وما كُتب قرّ ، وقيّدوا العلم بالكتابة ، فإنّها تنفعكم وتنفع الأبناء والأجيال القادمة ، وإنّ العلم وحشيّ إن تركته يمشي ، فلا بدّ من تقييد العلم بالكتابة ، ومن ثمّ يكون طالب العلم من المصنّفين والمؤلفين.

9 ـ أغلى وأثمن شيء للإنسان حياته وعمره ، وهو يمرّ كمرّ السحاب ، فيا طالب العلم والعمل الصالح ، عليك أن تستغلّ عمرك العزيز ، ولا تضيّعه بالقيل والقال والبطالة والكسل ، الله الله في عمرك الغالي ، لا سيّما أيام شبابك ، فمن أتعب نفسه في شبابه فقد نال الراحة في شيبته ، فاغتنم شبابك قبل هرمك ، وصحّتك قبل سقمك ، وحياتك قبل موتك ، وإنّ العلم إذا أعطيته كلّك أعطاك بعضه ، فلا بدّ أن تكون في طلب العلم ليل نهار ، فإنّه يطلب من المهد إلى اللحد ـ هذا من حيث الزمان ـ وإنّه يطلب ولو كان في الصين ـ وهذا من حيث المكان ، فإنّه إشارة إلى البلاد النائية ـ وإنّه يطلب ولو بسفك المهج وخوض اللجج ، كما ورد في الأخبار ـ وهذا من حيث الكمّ والكيف ـ فإنّ طالب العلم يبذل النفس والنفيس وما في وسعه من أجل طلب العلم.

10 ـ الله الله في الإخلاص والنيّة الخالصة (أخلص تنل) ، وإنّما الأعمال بالنيّات ، وللمرء ما نوى ، فاطلب العلم لله وفي الله ومن الله وإلى الله ، ولا يغرّنك زهرة الحياة الدنيا ، ودع الدنيا لأهل الدنيا ، وكن من أهل الدين ، ومن الذين يريدون حرث الآخرة ، ولا يُلقّاها إلاّ ذو حظٍّ عظيم.

11 ـ الله الله في الإصلاح ، فعليك أن تصلح السريرة ، فإنّ من أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، وعليك أن تصلح بينك وبين الله ، فإنّ من أصلح بينه وبين الله أصلح الله بينه وبين الناس ، وعليك أن تصلح آخرتك ، فإنّ من أصلح آخرته أصلح الله دنياه ، وابدأ بنفسك أوّلا ، وكن إمامها ، ومن ثمّ تكن بعهدتك إمامة الناس وهداية الاُمّة ، ومن لم يتمكّن على نفسه كيف يمتكّن على غيره ؟ !

12 ـ بركة العلم في تعظيم الاُستاذ ، فوقّر العلماء واحترم أساتذتك وعظّمهم واخدمهم ، لتنال بركات العلوم ، وتسعد في طلب العلم والعمل به . ومن تواضع لله رفعه الله ، ولا رافع لمن وضعه الله ، ولا واضع لمن رفعه ، فتعامل مع الله في كلّ حالاتك وحركاتك وسكناتك ، وتوجّه إليه ، فإنّه يكفيك الوجوه ، وليكن كلّ عمرك وقفاً لله ، وفي خدمة دين الله وخلقه ، فخير الناس من نفع الناس.


[1]البقرة : 282.

[2]آل عمران : 102.

شرائط المتعلّم