ومن أحسن من الله قولا ممّن دعا إلى الله.
أعتقد أنّ الحوزات الدينية هي التي تحفظ رسالات الأنبياء ، فعلماء الدين هم الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً ، وخلاصة الرسالات السماوية السمحاء هو صنع الإنسان وتكامله ، ووصوله إلى غايته ، والعالم اليوم متعطّش إلى العلماء الصالحين الواعين.
فإنّ هذا العالم الذي نعيش فيه ، وإنّا على مائدته لأيام قلائل ، يريد الإنسان سعادتها فيها ، وإنّه يفرّ من الشقاء ، ويبحث عن العيش الرغيد والحياة السعيدة ، ويريد أن يعرف نفسه ويعرف وظائفه ، وارتباط الإنسان مع نفسه ومع ربّه ومع الآخرين فيه كلام كثير ومباحث طويلة وعريضة ، فهناك المذاهب والعقائد والآراء في ذلك ، وكلّ يدّعي الوصل بليلى ، إلاّ أ نّهم لم يتمكّنوا من معرفة الوجود ، وما هو دور الإنسان في ذلك ؟ !
وأخيراً لم يتّضح الجواب الأخير ، وبقيت اُمّهات الأسئلة يسلّط عليها الأضواء ، ويبحث عن أجوبتها ، فبقيت الأسئلة : من أين أتيت ؟ وإلى أين أذهب ؟ ومع من ؟ وماذا يراد منّي ؟ وما هو المصير ؟ وكيف الخلاص ؟
والأجوبة إنّما هي عند الأنبياء أصحاب الوحي ورسالات السماء ، لأ نّهم أشرفوا على الطبيعة ، ووقفوا على أسرارها ، لارتباطهم مع الوحي ، فيحقّ لهم أن يقولوا للناس : هكذا تكون الحياة ، وهكذا كونوا أ يّها الناس ، والأنبياء خلفاء الله في الأرض.
والعلماء ورثة الأنبياء واُمناء الله في الأرض ، يحقّ لهم إرائة الطريق وهداية الناس أيضاً ، فإنّهم تخلّقوا بأخلاق الله ، فحكمة الخلق وفلسفة الحياة والجواب الأخير لاُمّهات السؤالات إنّما يكون في الدين ، إلاّ أنّ البشر لا يسمع ذلك ولا يعقل ، فلا بدّ أن نصنع شيئاً يكون الإنسان به ذا سمع وبصر ، يرى الحقّ حقّاً فيتّبعه ، ويسمع نغماته ويصلح سريرته وطبيعته ، ويهذّب فطرته ونفسه ، وإلاّ فإنّ أيّ شيء يقع بيد الإنسان لو حكمته الأنانية وحبّ الذات وجرّ النار إلى قرصه ، فإنّه يحرّف موارد استعماله الصحيح.
والمذهب اليوم بيد العلماء الصلحاء الأخيار الأبرار الأتقياء ، فهم الذين يأخذون بيد الإنسان ليصعد إلى الأعلى ، ويريه ما وراء الطبيعة من الملكوت والجبروت ، وإنّما فعل العلماء ذلك بعد كمالهم وإيمانهم الراسخ بما فعلوا ، فإنّهم ائتمروا أوّلا ثمّ أمروا ، وانتهوا ثمّ نهوا ، فبدأوا بأنفسهم إصلاحاً وصلاحاً وتهذيباً وتكميلا ، فطبّقوا الأحكام الإلهيّة في حياتهم الفردية والاجتماعية الظاهرية والباطنيّة ، واطمأنّوا بذكر الله ، بعد جهادهم الأكبر ومحاربة أنفسهم الأمّارة بالسوء ، والغلبة على الهوى ، ولولا هذا كلّه لأنكر البشر نفسه ، ووقع في حضيض الجهالة والتعاسة.
فالتقوى والعمل الصالح والعلم النافع يوجب نفوذ الكلام وتصحيح المسير وسعادة الدارين.