محمّد (الشريف الرضي)

359  ـ  406

السيّد الشريف والعلم الغطريف والعالم العفيف أبو الحسن محمّد بن السيّد النقيب أبي أحمد حسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام الهمام
موسى بن الإمام جعفر الصادق (عليهما السلام) . أخو سيّدنا المرتضى علم الهدى والملقّب بالسيّد الرضي.

ولد سنة تسع وخمسين وثلاثمائة.

لم يبصر بمثله عين الزمان ، فسبحان الذي ورثه غير العصمة والإمامة ما أراد ، من قبل أجداده الأنجاد ، وجعله حجّة على قاطبة البشر في يوم الميعاد ، وجلالة أمره أشهر من أن يذكر كما جاء في كتب التراجم والسير.

يروي عن شيخنا المفيد كما يروي عنه شيخنا الطوسي.

كان يوماً عند الخليفة الطائع بالله العباسي وهو يمسح بمحاسنه ويرفعها إلى أنفه ، فقال له الطايع : أظنّك تشمّ منها رائحة الخلافة . فقال : بل أشمّ منها رائحة النبوّة.

جاء في كتاب أمل الآمل : ذكر ابن أبي الحديد أ نّه كان عفيفاً شريف النفس عالي الهمّة لم يقبل من أحد صلة ولا جائزة ، حتّى أ نّه ردّ صلات أبيه وناهيك بذلك ، وكانت تنازعه نفسه إلى اُمور عظيمة يجيش بها صدره ، وينظمها في شعره ، ولا يجد عليها من الدهر مساعداً ، فيذوب كمداً يعني وجداً حتّى توفّي ولم يبلغ غرضاً.

قال ابن خلكان : ذكر أبو الفتح بن حسين في بعض مجاميعه : إنّ الشريف الرضي اُحضر إلى ابن السيرافي النحوي وهو طفل جدّاً لم يبلغ عشر سنين ، فلقّنه النحو ، وقعد يوماً في الحلقة فذاكره بشيء من الإعراب على عادة التعليم ، فقال : إذا قلنا : رأيت عمر ، فما علامة النصب في عمر ؟ فقال : بغض عليّ ـ بمعنى من نصب في قلبه عداوة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فهو من النواصب لعنهم الله ـ فتعجّب السيرافي والحاضرون من حدّة خاطره.

ذكره الثعالبي في اليتيمة فقال في ترجمته : ابتدأ بقول الشعر بعد أن جاوز عشر
سنين بقليل ، وهو اليوم أبدع أبناء الزمان وأنجب سادة العراق ، يتحلّى مع محتده الشريف وفخره المنيف بأدب ظاهر وحظّ من جميع المحاسن وافر ، ثمّ هو أشعر جميع الطالبيين من مضى منهم ومن غبر.

العالي القدح ، الممتنع عن القدح ، الذي يجمع إلى السلاسة متانة ، وإلى السهولة رصانة ، ويشتمل على معان يقرب جناها ويبعد مداها.

ومن جيّد شعره :

رُمت المعالي فامتنعن ولم يزل *** أبداً يمانع عاشقاً معشوقُ

وصبرت حتّى نلتهنّ ولم أقل *** ضجراً : دواء الفارك التطليقُ

وقال عليه الرحمة :

يا صاحبيّ قفا لي واقضيا وطراً *** وحدّثاني عن نجد بأخبارِ

هل روّضت قاعة الوعاء أو مطرت *** خميلة الطلع ذات ألبان والغارِ

أو هل أبيت ودار دون كاظمة *** داري وسُمّـار ذاك الحيّ سمّاري

تضوع أرواح نجد مَن ثيابهم *** عند القدوم لقرب العهد بالدارِ

مؤلفاته :

1 ـ له ديوان كبير في مجلّدات.

2 ـ وصنّف كتاباً في (مجازات القرآن) فجاء نادراً في بابه.

3 ـ وآخر في (معاني القرآن) يتعذّر وجود مثله دلّ على توسّعه في علم النحو واللغة.

4 ـ وكتاب (مجازات الآثار النبويّة).

5 ـ (الخصائص).

6 ـ (سيرة والده الطاهر).

7 ـ (الحسن من شعر الحسين).

8 ـ (أخبار قضاة بغداد).

9 ـ (رسائله إلى أبي إسحاق الصحابي).

10 ـ وقد اشتهر بجمعه غرر كلمات وخطب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وسمّـاه (نهج البلاغة) الذي هو كلام فوق المخلوق ودون الخالق.

وكفى الشريف الرضي بذلك فخراً وكرامة.

توفّي يوم الأحد السادس من المحرّم سنة ست وأربعمئة ، ودفن في داره ، وإنّه مضى أخوه المرتضى من جزعه عليه إلى مشهد الإمام الكاظم (عليه السلام) لأ نّه لم يستطع أن ينظر إلى جنازته ودفنه.

وله مزار معروف في الكاظمية المقدّسة بقرب مزار أخيه المرتضى.

وقيل : نقل جسده الطاهر إلى مشهد جدّه الحسين (عليه السلام) ودفن بجوار جدّه ابراهيم المجاب.

وقيل : سبب موت الرضي فهمه وذكائه . عن السيّد نعمة الله الجزائري بسنده عن أبي الحسن النحوي أ نّه قال : دخلت على السيّد المرتضى طاب ثراه يوماً ، وكان قد نظم أبياتاً من الشعر ، فوقف به بحر الشعر ، فقال : يا أبا الحسن خذ هذه الأبيات إلى أخي الرضي وقل له : تمّمها ، وهي هذه :

سرى طيب سلمى طارقاً فاستفزّني *** سحيراً وصبحي في الفلاة رقودُ

فلمّا انتهينا للخيال الذي سرى *** إذا الأرض قفرى والمزار بعيدُ

فقلت لعيني عاودي النوم واهجعي *** لعلّ خيالا طارقاً سيعودُ

قال : فأخذتها ومضيت إلى السيّد الرضي وأعطيته القرطاسة ، فلمّـا رآها قال : عليَّ بالمحبرة ، فكتب :

قرّب جواباً والدموع بوادر *** وقد آن للشمس المشتّ ورودُ

فهيهات من ذكرى حبيب تعرّضت *** لنا دون لقياه مهامه بيدُ

فأتيت بها إلى المرتضى ، فلمّـا قرأ ضرب بعمامته الأرض وبكى وقال : يعزّ عليَّ أخي يقتله الفهم بعد اُسبوع.

فما دار الاُسبوع إلاّ وقد جاء نعي الرضيّ ، ومضى إلى ربّه بنفس مطمئنّة راضية مرضيّة.

فسلام عليه يوم ولد ويوم توفّي ويوم يُبعث حيّاً[1].


[1]روضات الجنّات 6 : 190 ، له ترجمة في أمل الآمل 2 : 261 ، والبداية والنهاية 12 : 3 ، وتأريخ بغداد 2 : 264 ، وتأسيس الشيعة : 338 ، وتحفة الأحباب : 326 ، وتنقيح المقال 3 : 107 ، وجامع الرواة 2 : 99 ، وخلاصة الأقوال : 164 ، والدرجات الرفيعة : 466 ، ودمية القصر : 73 ، والذريعة 7 : 16 ، ورجال ابن داود : 307 ، ورجال النجاشي : 283 ، وريحانة الأدب 3 : 121 ، وسفينة البحار 1 : 526 ، وشذرات الذهب 3 : 182 ، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني 1 : 89 ، وشرح النهج الحديدي 1 : 31 ، والعبر 3 : 95 ، وعمدة الطالب : 170 ، وفوائد الرضويّة : 495 ، والكامل في التأريخ 7 : 413 ، وكشكول البحراني 1 : 303 ، والكنى والألقاب 2 : 272 ، ولسان الميزان 5 : 141 ، ولؤلؤة البحرين : 322 ، ومجالس المؤمنين 1 : 503 ، ومجمع الرجال 5 : 199 ، والمختصر في أخبار البشر 2 : 145 ، ومرآة الجنان 3 : 18 ، والمستدرك 3 : 510 ، والمنتظم 8 : 279 ، وميزان الاعتدال 3 : 523 ، والنايس : 164 ، والنجوم الزاهرة 4 : 240 ، ونزهة الجليس 1 : 359 ، ونقد الرجال : 303 ، والوافي بالوفيات 2 : 374 ، وفيات الأعيان 4 : 44 ، ويتيمة الدهر 3 : 136 ، وانظر مقدّمة حقائق التأويل وعبقرية الشريف الرضي ، وصحيفة (صوت الكاظمين) العدد 7 لسنة 1413 تحت عنوان : الشريف الرضي جامع نهج البلاغة.

165

«165»