الكاظميّة في سطور :

وفي العدد الثاني سنة 1413 كتبت هذه المقدّمة.

« مدينة الكاظمية المشرّفة منسوبة إلى لقب مولانا الإمام الهمام موسى بن جعفر الملقّب بالكاظم (عليه السلام) ، عرفت بهذه التسمية في عصرنا هذا ، وكانت تُعرف عند العامة بالكاظم على تقدير (بلدة الكاظم) ، وبالكاظمين على تقدير (بلدة الكاظمين) . وعُرفت قديماً بالمشهد الكاظمي ، وبمقبرة قريش ، وبمشهد باب التبن ، لقرب مقبرة قريش من مقبرة باب التبن ، وبلدة الكاظمين إشارة إلى مدفن الإمام الكاظم والإمام الجواد (عليهما السلام) ، ومن باب التغليب سمّيت بالكاظمين ، كما تسمّى بالجوادين ، يقول الشاعر فيهما :

ما خاب من أمّ جواداً *** فهل يخيب من أمّ جوادينِ ؟

وقال :

لُذْ إن دهتك الرزايا *** والدهرُ عيشك نكّد

بكاظم الغيظِ موسى *** وبالجواد (محمّد)

ويقول الشريف الرضي :

ولي قبران (بالزوراء) أشفي *** بقربهما نزاعي واكتئابي

أقود إليهما نفسي وأهدي *** سلاماً لا يحيد عن الجوابِ

لقاؤهما يطهّر من جناني *** ويدرأ عن ردائي كلّ عابِ

ويقول الشيخ صالح التميمي :

إذا ضلّ حاديها الطريق بدا له *** سنا بارق (بالكرخ) يهدي إلى الرشدِ

سنا نور (موسى) و (الجواد محمد) *** سناء يعيد البرء للأعينِ الرمدِ

هما شرعاً من لجّة العلم مورداً *** جداوله للناس أحلى من الشهدِ

أجل ، يعدّ المشهد الكاظمي المقدّس في مقدّمة العتبات المقدّسة التي يقصدها المسلمون للزيارة والتبرّك والاستلهام من روحي الإمامين (عليهما السلام) ، ويتعبّد في حرمهما الزوّار والمحبّين للأجر والثواب ، ولم يكتب لهذا المشهد المطهّر بأن تحظى تربته الزكية بمثل هذا التقديس ، إلاّ لكونها قد ضمّت بين طيّاتها جسدي الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) اللذين جاهدا في الله حقّ جهاده ، وحملا مشعل الإمامة المضطهدة عالياً في أحلك الظروف ، وقد خلّدا في قلوب الناس ، (وأقرّ بفضلهما وبفضل أجدادهما وأبنائهما المعصومين الداني والقاصي ، الشريف والوضيع ، الصالح والطالح ، فهم مظاهر أسماء الله وصفاته ، وحملة علمه وسرّه)[1].

وا شوقاه ويا لهفي إلى تلك البقعة المباركة ، مدينة الخير والسرور وبلدة طيّبة وربّ غفور ، معدن الشيعة والأبرار ، ومركز العلماء والأخيار ، فقد أنجبت فطاحل وعباقرة في العلوم والفنون والإصلاح والسياسة ، لا سيّما قدّمت للعالم الإسلامي الفقهاء العظام والمجتهدين الكرام ، زيّنت تراجمهم صفحات التأريخ ، وعموّا البلاد الخير والعلم والفضل والأدب والجهاد.

إحياءً لتراثنا الفقهي وتعظيماً لعلمائنا الأعلام وتكريماً لفقهائنا الماضين ، سنقدّم لقرّائنا الأعزّاء نبذة مختصرة عن تراجم بعض فقهاء خطّتنا وأعلامها الكرام ، تعظيماً لشعائر الله ، وإنّ من ورّخ مؤمناً فقد أحياه ، وحياة العلماء المؤمنين نبراس ومشاعل وضّاءة لمن رام الهداية وبحث عن الحقّ والحقيقة ، وكان بودّي أن أذكر وأتعرّض إلى البُعد الإخلاقي والجانب الاجتماعي من حياتهم المباركة ، ولا أكتفي بالاسم وسنة الولادة والوفاة وذكر المشايخ والتلامذة والمؤلفات والمصنّفات ، كما هو ديدن المؤرخين والمترجمين ، ولكن مثل هذه الصحيفة الموجزة لا تقبل أكثر من ذلك ، فأستميحكم عذراً . وساُقدّم لكم ـ إن شاء الله تعالى ـ مجمل ترجمة خمسين فقيهاً من الكاظمية عبر القرون المتمادية ، بدءاً بشيخنا المفيد وختاماً بالسيّدين العلمين الأخوين آية الله السيّد إسماعيل الصدر وآية الله العظمى الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر . ولا يخفى أنّ هناك المئات من العلماء والفقهاء تخرّجوا من مدرسة الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) ومن بلدتهما الطيّبة ، إلاّ أنّ المقصود الخلاصة وعدم الإطالة ، ومن الله التوفيق والسداد.

انتهى ما في الصحيفة.

وبعد مضيّ شوط في الكتابة اقترح بعض الأعزّة من العلماء الأعلام والفضلاء المعاصرين في جمع هذه السلسلة في كتاب لتعمّ الفائدة ويحفظ الأثر ، كما اقترح بعض آخر أن يضاف عليها ما يمكن جمعه من الشعراء البارزين والخطباء المعروفين والعلماء المشهورين لتسطّر حياتهم ولو على نحو الإجمال والخلاصة تحت عنوان (أعلام الكاظميّة المقدّسة) ، فبادرت إلى جمع ما سنحت لي الفرص جمعه ، من ترجمة ثلّة كبيرة من فقهاء وعلماء وخطباء وشعراء بلدتي الطيّبة الكاظمية المشرّفة ، إحياءً لتراثنا الإقليمي ، ووفاءً بحقّ أصحابنا الأعلام الماضين قدّس الله أسرارهم الزكيّة ، فإنّهم عيون البلد الصافية ، ودرر الإقليم الزاهية ، وشموس بلدتنا المشرقة ، ومن حقّهم الواجب على مَن تأخّر عنهم المسارعة والمشاركة إلى إحياء ذكرهم الأثيل ، ومجدهم السامي ، وعلومهم النافعة ، وكتبهم القيّمة ، وجهادهم الدؤوب ، وجهدهم المتواصل ، وسعيهم المشكور ، وذكر خيرهم الموفور ، وسيرتهم الحسنة ، وأخلاقهم الطيّبة.

ثمّ قصدت الإيجاز والخلاصة في ترجمة الأعلام ، كما اعتمدت في ذلك على أهمّ المصادر في التراجم كأعيان الشيعة للعلاّمة المحقّق السيّد محسن أمين العاملي ، ومؤلّفات الشيخ الكبير آقا بزرك الطهراني والشيخ الحرّ العاملي وغيرهم جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً.

كما قصدت من أعلام الكاظمية المقدّسة من جاورها وسكنها لسنين أو كانت ولادته وأيام شبابه فيها كالشهيد الصدر والسيّد صدر الدين الصدر ، أو كانت وفاته ومدفنه فيها كخواجة نصير الدين الطوسي ، ومن اشتهر في كتب التراجم بالكاظمي ، مرتّباً ذلك حسب الحروف الهجائيّة ، وسمّيته (النفحات القدسيّة في تراجم أعلام الكاظميّة المقدّسة) يضمّ بين دفتّيه ترجمة موجزة عن معظم فقهاء الكاظميّة وبعض العلماء والخطباء والشعراء ، ويعدّ هذا الكتاب الخطوة الاُولى لمسيرة ألف ميل ، وإنّه دلوٌ من بحر طويل ، أسأل الله أو يوفّق أصحاب الهمم الشامخة ، والنفوس العالية ، والأنظار السامية ، والأفكار المتفتّحة ، أن يشقّوا الشعرة ، ويجمعوا الكبير والصغير ، وكلّ ما يرتبط بهذا الموضوع ، ذي الأطراف الوسيعة والشِعب المترامية . كما قصدت من قبل أن أكتب وأجمع كلّ ما كتب عن الكاظميّة المقدّسة في موسوعة عامّة ، لاُعظيها لبعض تلامذتي لتكميلها وطبعها باسمه ، وسأفعل ذلك إن شاء الله تعالى ، فإنّ المقصود هو نشر تراث المدينة المقدّسة وإحياء معالمها ومآثرها لقداستها بالإمامين الهمامين الكاظمين الجوادين موسى الكاظم ومحمّد الجواد (عليهما السلام).

هذا ، ويقول العلاّمة الشيخ عبد النبي القزويني في مقدّمة كتابه (تتميم أمل الآمل) بعد بيان فضل العلم والعلماء وأنّ الآيات الصريحة والروايات الصحيحة الدالّة على علوّ مقامهم وسموّ مكانهم وقربهم عند الله وعند الرسول وحظوتهم لدى الأئمة من أولاد زوج البتول أكثر من أن تحصى وأزيد من أن تنسى ، يجدها المتتبّع كثيراً من غير استقصاء ويلقيها الممارس غير قليل من دون استيفاء.

ولقد وجد في طائفتنا الحقّة وفرقتنا المحقّة رضوان الله عليهم من لدن ظهور نور الإسلام وطلوعه وشروق ضوئه ولموعه إلى زماننا هذا ـ وهو العامّ الأوّل من العشر المتمّم للمائة الثانية بعد الألف من الهجرة المباركة الزاكية ـ منهم جموع كثيرة وجموم غفيرة ، كثير منهم جهابذة وأساطين ، وفي أهل العلم ملوك وسلاطين ، علماء راسخو البنيان وفضلاء نيّرو البرهان ، قد استنارت قلوب أهل الإيمان بأنوارهم وانزاحت ظلمات الشبهات والشكوك بأضوائهم ولهم حقوق جمّة على الاُمّة طيّب الله مثواهم وعطّر مضجعهم ومأواهم.

والملائم للمحصّلين والمناسب للمحقّقين أن يؤلّفوا مصنّفات ويصنّفوا مؤلّفات يجمعونهم فيها غضّهم وقضيضهم وغثّهم وسمينهم يذكرونهم فيها لما لهم من الصفات المحمودة والسمات الممدوحة والكرامات الفخيمة والمناقب العظيمة والأحوال العليّة والأعمال السنيّة ويذكرون كناهم وألقابهم وأسماءهم وأنسابهم ووفياتهم ومواليدهم وكيفيّات تحصيلهم ومقامات تدريسهم وتفصيل مصنّفاتهم وذكر مؤلّفاتهم وغير ذلك ممّـا يتعلّق بهم بقدر ما نالته أيديهم ومقدار ما وصل إلى يديهم إذ في ذلك فوائد منيعة وعوائد منيفة وثمرات عظيمة وغايات فخيمة ، يجدها من يتدبّر ويتفطّن بها من يتفكّر.

ولقد اهتمّ له جماعة من الفضلاء المتقدّمين وتصدّى له فرقة من العلماء المتأخّرين جعلوه نصباً لعين همّتهم ومحلاّ لكدّهم وفكرتهم.

فمنهم الشيخ المقدّم والعالم المكرّم شيخنا أبو عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي (رحمه الله) ـ من أعلام القرن الرابع الهجري عين ثقة بصير بالأخبار والرجال حسن الاعتقاد صحب العيّاشي وأخذ عنه وتخرّج عليه وفي داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم ـ فسعى فيه سعياً جميلا ـ شكره الله شكراً جزيلا ـ فصنّف كتاباً نبيلا فذكر أصحاب النبيّ وأصحاب الأئمة (عليهم السلام) ، ونقل كلّ ما وصل إليه من الروايات عنهم (عليهم السلام) في ذلك وما وصل إليه من مشايخه من تلك المسالك[2].

ومنهم شيخ الفرقة الناجية وعظيم الطائفة النامية الشيخ الأعزّ الأجلّ محمّد ابن الحسن الطوسي أعلى الله مقامه وأحسن إكرامه فأ لّف فيه كتابين: أحدهما مشهور بين العلماء بـ (رجال الشيخ)[3] وثانيهما الكتاب المسمّى بـ (الفهرست)[4]ذكر أجلاّء الرواة والفضلاء الناقلين للروايات وغيرهم مع ما تحقّق لديهم من أحوالهم إمّا بالنقل والسماع أو المشاهدة ونحوها.

ومنهم الشيخ الفاضل الضابط الذي هو بين معاقد الحقائق رابط أحمد بن العباس النجاشي الأسدي طاب ثراه فأ لّف كتاباً فيه هو بين العلماء معروف وبالضبط والإتقان موصوف[5] ، وغيرهم من معاصريهم من العلماء أيضاً قد نهج على ذلك المنوال وهم مذكورون في كتب الرجال.

ثمّ تصدّى لذلك الشيخ الأديب والفاضل الأريب الشيخ منتجب الدين عليّ ابن عبيد الله بن بابويه (رحمه الله) فأ لّف كتاباً ذكر فيه العلماء المعاصرين للشيخ (رحمه الله)[6]والمتأخّرين عنه إلى زمانه فجمع جملة من الأماثل وجلّة من الأكامل فجزاه الله عنهم خير الجزاء.

والشيخ الفاضل الكامل العالم العامل محمّد بن شهرآشوب المازندراني فصنّف كتاباً سمّـاه (معالم العلماء)[7] ينحو نحو الكتاب السابق وإن لم يكن بذاك.

ثمّ تعقّبهما الفاضل المكرّم الحسن بن داود الحلّي فصنّف كتاباً زعم أ نّه جمع فيه كتاب الكشّي والشيخ والنجاشي وغيرها وكتابه مشهور بين العلماء بـ (رجال ابن داود)[8].

والعلم العلاّمة وآية الله العامّة الذي يكلّ اللسان عن ذكر محامده بل يحسر القلب عن استيفاء مجمل ممادحه الشيخ حسين بن يوسف بن المطهّر الحلّي قدّس الله روحه وأكثر فتوحه فأ لّف فيه كتابين أحدهما مفقود ـ المسمّى بكشف المقال في معرفة الرجال ـ والآخر مشهور مشهور وفي ألسنة العلماء وكتبهم معروف موجود ـ المسمّى بـ (خلاصة الأقوال في معرفة الرجال) ويعرف أيضاً برجال العلاّمة وهو مرتّب على الحروف في قسمين ثقات وضعاف ـ أودع (رحمه الله) في ذلك الكتاب ما تضمّنته الكتب الأربعة السابقة ـ رجال النجاشي ورجال الكشّي ورجال الطوسي والفهرست له ـ وغيرها.

إلاّ أنّ كتابه هذا وكتاب ابن داود لم يشتملا على جميع ما ذكر في تلك الاُصول، بل حذف فيهما منها كثير واختصر ولم يذكر فيهما من تأخّر عن زمن الشيخ وعاصره من العلماء إلاّ من شذّ وندر.

والفضلاء الذين تأخّروا عن هؤلاء الأجلاّء والعلماء الذين تعقّبوا هؤلاء الكبراء ، ممّن اعتنى بهذا الأمر الجزيل والخطب الجليل ، وإن أحسنوا غاية الإحسان وصنعوا ما يعدّ بديعاً من البيان ، فجمعوا رمة ما اُودع في تلك الاُصول وغيرها ممّـا أشرنا إليه وكتابي أبي داود والعلاّمة (رحمهما الله) من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله)وأصحاب الأئمة في كتاب واحد بتهذيب متين وترصيف رزين وترتيب قمين يناسب تلك المقاصد كالفاضل المحقّق والعالم المدقّق مولانا ميرزا محمّد الاسترآبادي طاب ثراه[9] والسيّد العالم العلم والشريف الفاضل المكرّم السيّد مصطفى التفريشي[10] وغيرهما . فكفونا عن تجشّم الطلب وإتعاب النفس في ذلك المأرب ، ولم يتعرّضوا لذكر العلماء الذين تأخّروا عن زمان الشيخ ونشأوا بعده ولم يبيّنوا أحوالهم ولم يتصدّوا لذلك بل لم يتعرّضوا لجميع معاصريه أيضاً في ذلك وإن تعرّضوا للمصنّفين فإنّما هو تعرّض لقليل منهم.

وكتاب منتجب الدين وابن شهرآشوب وإن وضعا لذلك لكنّهما غير وافيين لما تصدّوا له ، أمّا كتاب منتجب الدين فلاشتماله على أسماء قليلة ، وأمّا كتاب ابن شهرآشوب فإنّه وإن زاد على ما ذكره منتجب الدين لكنّهم أيضاً قليلون ، يظهر ذلك كلّه بالرجوع وتصفّح تلك الكتب.

وبالجملة لم يوفّق أحد من العلماء لذلك فيذكره مستوفى ولا دعاه قائد التوفيق إليه فيورده مستقصى إلاّ الشيخ الجليل والحبر النبيل الفاضل المحقّق والعالم المدقّق عين أعيان العلماء وزبدة الفضلاء الأجلاّء الشيخ محمّد بن الحسن بن علي الحرّ العاملي (رحمه الله) فإنّه صنّف كتاباً في ذلك وألف مقالا في تلك المسالك اعتنى فيه بذكر العلماء المتأخّرين عن زمان الشيخ ومن قارب زمانه وأسمائهم وأحوالهم ومؤلفاتهم إلى زمانه ، وبذل جهده فيه وصرف عدّة عمره فيه وأتعب نفسه له ، يظهر ذلك ممّـا ذكره في مقدّمات الكتاب من الكتب والاُصول التي هي مآخذه ، فجمع كثيراً وذكر غفيراً وزبر أحوالا ونقل أقوالا وسطر مناقب وسفر مطالب فجاء بالعجيب وأتى بالغريب بحيث يهتزّ منه اللبيب ويلتذّ به الأريب وكأ نّه حقيقة أمل الآمل وبهجة العامل إلاّ أنّ فيه أمرين :

الأوّل : أ نّه لم يفصّل الكلام ولم يشبع المقام عند ذكر بعض أعاظم الأعلام في أحوالهم وكثرة فضلهم ودقّة فهمهم وغزارة تحقيقهم وجزالة تدقيقهم ونحو ذلك.

الثاني : إهماله بعض معاصريه المشهورين من الأفاضل وعدم ذكره إيّاهم في الكتاب.

ولعلّ له ـ طاب ثراه ـ عذراً فيهما إذ يظهر منه (رحمه الله) في الكتاب أ نّه لم يضرب عنه صفحاً ولم يطوِ كشحاً.

وهذا الكتاب مع ما ذكر من الأمرين أحسن ما صنّف في هذا الشأن وخير ما نسج فيه ببنان البيان.

ويقول سيّدنا الاُستاذ آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي[11] :

وبعد ، لا يذهب على من ألقى السمع وهو شهيد أنّ من أجلّ العلوم التأريخيّة ها هو علم التراجم سيّما تراجم علماء الإسلام وخاصّة تراجم علماء الشيعة ، فمن ثمّ توجّهت انظار الفطاحل ورجالات الفضل إلى التأليف والتنسيق حول هذا المشروع الهامّ فجادت جياد أقلامهم بمئات بل اُلوف من الزبر والأسفار لفهرس شيخ الطائفة ومتمّمه فهرس الشيخ منتجب الدين وأمل الآمل لصاحب الوسائل ورياض العلماء للميرزا عبد الله الأفندي وروضات الجنّات للميرزا محمّد باقر الخوانساري وجلد من رياض الجنّة للحاجّ الميرزا حسن الخوئي والرياض وروضات الجنّات للحافظ حسين الكربلائي وعلماء الدولة الصفويّة للمولى محمّد باقر المنشي وعلماء كاشان للمولى محمّد حسن القمصري وعلماء قم للشيخ محمّد علي الكچوئي نزيل قم وعلماء خراسان للمولى عبد الرحمن الفارسي المشهدي وعلماء شيراز للحاج الميرزا حسن الحائري الشيرازي وعلماء خراسان للفاضل البسطامي وعلماء يزد للمفيدي وعلماء شاهرود للشيخ محمّد كاظم الشاهرودي وعلماء تبريز للمولى محمّد شريف الشيرواني وعلماء المعاصرون للحاجّ المولى علي التبريزي الخياباني وريحانة الأدب للميرزا محمّد علي التبريزي الخياباني وعلماء الحلّة للسيّد محسن الحسيني القزويني الحلّي من مشايخنا في الرواية وعلماء الكوفة للشيخ محمّد الكوفي الخطيب الحائري والهدية الرضوية للشيخ عباس القمّي وضيافة الإخوان في تراجم علماء قزوين لآقا رضي الدين محمّد القزويني والحصون المنيعة في طبقات الشيعة للشيخ علي آل كاشف الغطاء النجفي وآثار الشيعة الإماميّة للشيخ عبد العزيز آل صاحب الجواهر وتراجم علماء النجف الأشرف للعلاّمة اُستاذي في علم النسب السيّد رضا الموسوي البحراني الغريفي النجفي الصائغ صاحب كتاب مشجّرات الأنساب وماضي النجف وحاضرها للشيخ جعفر آل محبوبة النجفي وغيرها ممّـا يعسر عدّها . انتهى كلامه.

وقال أيضاً في مقدّمة (تتميم أمل الآمل) :

وبعد ، لا يذهب على من ألقى السمع وهو شهيد أنّ من العلوم الهامّة والمآرب المهمّة ها هو العلم بحياة العلماء في طيلة أعمارهم . فمن ثمّ توجّهت عزائم الفطاحل إلى التدوين والتأليف في هذا الشأن من علماء أهل القبلة من أوائل قرون تأريخ الإسلام إلى العصر الحاضر على اختلاف مذاهبهم وتشتّت طرقهم ومسالكهم ولو أردنا سرد أسماء تلك المؤلّفات لطال الكلام وملّ الناظرون والمستفيدون ، فللّه درّهم وعليه تعالى أجرهم حيث جادوا فأجادوا بتنسيق أسفار وزبر.

ومن الكتب المشهورة في هذا الموضوع كتاب (أمل الآمل) للعلاّمة خرّيت الحديث وأبي بجدته مولانا الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي صاحب كتاب (وسائل الشيعة) المتوفّى سنة 1104 فإنّه مع صغر حجمه قد حوى تراجم جمّ غفير وجمع كثير فلأجل ذا جالت أقلام الأفاضل بالتعليق عليه والمستدرك له فجادت يراعهم بعدّة آثار نفيسة في هذا الأمر الخطير . كالعلاّمة الحرّ الوحيد مولانا الميرزا عبد الله أفندي من أعلام القرن الثاني عشر صاحب كتاب (رياض العلماء) فإنّه علّق على الأمل تعليقة نفيسة والعلاّمة الميرزا محمّد إبراهيم بن الميرزا محمّد معصوم الحسيني التبريزي الأصل القزويني المولد المتوفّى سنة 1145 صاحب كتاب (تحصيل الإيمان في شرح زبدة البيان) فإنّه أ لّف كتاباً في تتميم الأمل . وبعده نجله الأسعد وخلفه المير سيّد حسين المتوفّى سنة 1208 صاحب كتاب (المشتركات في الرجال) وكذا العلاّمة السيّد محمّد بن علي بن أبي شبانة الموسوي البحراني من أعلام القرن الثاني عشر . وكذا العلاّمة السيّد عبد علي الطباطبائي المتوفّى سنة 1245 وكذلك العلاّمة السيّد حسن الصدر المتوفّى سنة 1354 ألف تكملة أمل الآمل في ثلاثة أجزاء ... ومن المتمّمين للأمل أيضاً العلاّمة الشيخ عبد النبي القزويني المتوفّى بعد سنة 1200 فإنّه ذكر فيه بعض من لم يذكر في الأمل وكذا من العلماء الشامخين الذين كانوا بعد صاحب الوسائل ...

وقال سماحته في (زهر الرياض في ترجمة صاحب الرياض) :

بعد الحمد والصلاة ، لا يخفى على ذوي الألباب الصافية والقرائح الوقّادة أنّ في العلوم والفنون أنواعاً متقاربة المدخل والمخرج ، فمنها علم الرجال والدراية والتراجم والسير والتأريخ وهذه الأشتات ممّـا كثر التوجّه إليها وتوفّرت الدواعي إلى التأليف والتنسيق حولها بحيث قد ركبت عزمات الفطاحل وهمم رجالات العلم على نياق الجدّ والاجتهاد وجالت في المفاوز والسباسب في تحصيلها ، فأ لّفوا وصنّفوا المئات بل الاُلوف في تلك الشؤون لا سيّما في التراجم ، فترى مخازن الكتب مشحونة من معاجمها على اختلاف محتوياتها من ذكر أحوال الفقهاء أو الاُصوليّين أو المفسّرين أو المنجّمين أو المتكلّمين أو الفلاسفة أو الاُدباء وغيرهم.

ومن أحسن ما وقفت عليه وأجود ما عثرت به الموسوعة الكبرى المسمّـاة بـ (رياض العلماء وحياض الفضلاء) الذي منّ على المستفيدين مؤلّفه الهمام المقدام ضرغام غابات الفضائل العلاّمة في العلوم العقليّة والنقليّة راوية صنوف العلم والكمال السائح الجوّال في أقطار الدنيا سيّما الممالك الإسلاميّة في جمع تراجم علماء الإسلام مولانا الميرزا عبد الله المشتهر بالأفندي فإنّ كتابه هذا أصبح مهيعاً للواردين وكعبة للقاصدين يحجّ إليه من كلّ فجٍّ عميق يستقى منه عطاشى الوقوف على تراجم الأعيان وأصبح من تأخّر عنه من المؤلفين حول هذا العلم الشريف عيالا عليه مستمدّاً ومستنفقاً منه ...[12].

ويقول الحجّة السيّد أحمد الحسيني في مقدّمته على كتاب (تكملة أمل الآمل) :

تناول شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي المتوفّى سنة 460 أسماء أصحاب الأئمة (عليهم السلام) ولُمعاً من ترجمهم في كتابيه المشهورين (الرجال) و (الفهرست) فكانا مع رجال النجاشي ورجال الكشّي مادّة خيّرة لمعرفة طبقات رواة الحديث وهي بمجموعها كوّنت النواة الاُولى من علم رجال الحديث عند الشيعة الإماميّة.

ومن القرن الرابع حتّى القرن العاشر فترة قلّت فيها المؤلّفات الرجاليّة واُهملت تراجم العلماء إهمالا كاد بسببه أن يضيع كثيرٌ من أسماء الأعلام الشيعيّة إلاّ ما جاء في كتابين صغيرين معروفين هما (معالم العلماء) لابن شهرآشوب السروي و (الفهرست) للشيخ منتجب الدين الرازي فحفظا أسماء قليلة لم تسدّ الفجوة الحادثة بسبب الإهمال في هذا المجال.

وفي القرن الحادي عشر قام الشيخ المحدّث الثقة محمّد بن الحسن الحرّ العاملي المتوفّى سنة 1104 بتأليف كتابه (أمل الآمل) في قسمين : الأوّل في علماء جبل عامل وسمّـاه بـ (أمل الآمل في علماء جبل عامل) والثاني في علماء بعد الشيخ الطوسي وسمّـاه بـ (تذكرة المتبحّرين في علمائنا المتأخّرين) وأدرج فيه ما ذكره ابن شهرآشوب والشيخ منتجب الدين في كتابيهما فسدّ بكتابه (أمل الآمل) بعض ما كان يحسن من الفراغ بهذا الصدد.

ولشخصيّة الحرّ العاملي الحديثيّة والعلميّة ولأهمّية كتابه (أمل الآمل) اهتمّ العلماء بشأن كتابه ، فتداولوه في مؤلفاتهم الرجاليّة واستدركوا عليه وقوّموا ما ربما وقع فيه من الأخطاء وفي الحقيقة أوجد هذا الكتاب حركة فيها كلّ البركة في مجال التراجم والرجال ، وكان محوراً بقي لفترة طويلة يدور عليه مدار التأليف في معرفة أحوال العلماء والشخصيات الشيعية الكبيرة.

ومن أهمّ المستدركات ما أ لّفه العلاّمة المحقّق السيّد حسن الصدر في تكملته في قسمين أيضاً كالأصل : الأوّل في علماء جبل عامل ، والثاني في غير العامليّين ، وتراجم التكملة بعضها تفصيل لبعض تراجم الأصل أو تصحيح وتعليق عليها وبعضها وهي الأكثر تراجم مستقلّة فاتت مؤلف الأصل أو لأعلام عاشوا بعد عصر الحرّ العاملي ، و (التكملة) بمجموعه كتاب مهمّ حوى كثيراً من المعلومات الهامّة التي دخلت منها كتاب التراجم ...

فهذه صفحات مشرقة ونفحات قدسيّة وعبقات روحانيّة من حياة أعلام الكاظميّة المقدّسة وترجمة جهابذة الشريعة السمحة وسيرة أقطاب العلم والحلم ، ومحاور الدين وأئمّته ، عسى أن يكون ما كتبته من العلم النافع والعمل الصالح ، وخير موعظة في مثل عصرنا هذا ومن تأريخ اُمّتنا الإسلاميّة الكريمة ، ويكون أقوى حافز لها على السعي الدؤوب والفداء الصادق والعمل البنّاء ، في سبيل مثلها السامية ومبادئها السماويّة الرفيعة وإعلاء كلمة الحقّ وتحرير الإنسان من براثن الجهل ومخالب الشقاء والبؤس ، وليسود العدل والإيمان والأمان في ربوع الأرض.

هذا ومقدّمةً : اُقدّم اعتذاري من هفوة الكلم وزلّة القدم ، سائلا المولى القدير أن يوفّقني لما فيه الخير والصواب ، وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت وإليه اُنيب.


[1] راجع في معرفتهم (زيارة الجامعة الكبيرة) في مفاتيح الجنان لخاتم المحدّثين الشيخ عباس القمّي (قدس سره).

[2] وصف رجال الكشّي المسمّى بـ (معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين) في رجال النجاشي وغيره بأ نّه كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة وقد هذّبه الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي وحذف منه غير الصحيح وعرف هذا المهذّب بـ (اختيار معرفة الرجال) و (رجال الكشّي) وهجر الأصل وعرف هذا المهذّب حتّى يظنّ فقدان أصله.

[3] ويقال له أيضاً (الأبواب) وهو مشتمل على أصحاب النبيّ والأئمة (عليهم السلام) لكلّ واحد منهم باباً بالإضافة إلى باب في آخره لمن لم يروِ عنهم (عليهم السلام) وهو يحتوي على زهاء ثمانية آلاف وتسعمائة اسم من رواة الحديث.

[4] يحتوي على ما يقرب من تسعمائة ترجمة لأصحاب الكتب والاُصول من قدماء الرواة والعلماء مع ذكر ما لهم من المؤلفات والآثار.

[5] رجال النجاشي أوثّق الفهارس الرجاليّة القديمة وأتقنها ذكر رواة الحديث على ترتيب الحروف.

[6] فيه أكثر من خمسمائة وأربعين اسماً لمشايخ الشيعة ومصنّفيهم الذين عاشوا بعد الشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (قدس سره).

[7]  فيه أكثر من ألف ترجمة قصيرة مختصرة وهو تتمّة واستدراك على كتاب الفهرست لشيخ الطائفة الطوسي عليه الرحمة.

[8] جمع فيه أسماء الرواة المذكورين في الاُصول الرجاليّة مع رموز لمصادره وهو في قسمين الثقات والضعفاء وكلّ واحد منهما مرتّب على الحروف.

[9]له ثلاثة كتب في الرجال بسيط ووسيط ووجيز والبسيط يسمّى بـ (منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال).

[10]من أعلام القرن الحادي عشر كتابه في الرجال يسمّى (نقد الرجال) وهو مرتّب على الحروف.

[11]تكملة أمل الآمل : 5 ، المقدّمة.

[12]تعليقة أمل الآمل : 10.

باب « آ »