الشيخ محمّد حسين الكاظمي

1224  ـ 1308

الشيخ محمّد حسين بن الشيخ هاشم الكاظمي مولداً ومنشأً ، النجفي مسكناً ومدفناً.

ولد بالكاظمية المقدّسة سنة 1224 هـ ، (وفي النقباء سنة 1230 هـ) ونشأ فيها.

كان عالماً فقيهاً زاهداً ، من تلامذة الشيخ حسن صاحب الجواهر والشيخ كاشف الغطاء ، جاء ذكره في كتاب المآثر والآثار ، الصفحة 187.

انتهت إليه رئاسة الإماميّة في بلاد العرب ، وقلّده كافة العرب ، ووصلت إليه الأموال الكثيرة ، وكان يوزّعها بين الفقراء والمساكين ولا يتناول منها أزيد ممّـا يحتاجه على وجه الاقتصاد والتعفّف والتجمّل ، ولم يخلّف بعد وفاته داراً ولا عقاراً.

لقد تخرّج من مدرسته كثير من الفقهاء العرب والفرس ، وكان من عبّاد زمانه وزهّاد عصره ، خشناً في ذات الله لا تأخذه لومة لائم ، سهل المؤونة سريع الإجابة كثير الاهتمام باُمور الناس لا سيّما حملة العلم على طريقة سلفنا الصالح وعلمائنا الأعلام في كلّ ذلك.

أخلاقه الحسنة :

لقد ضرب أروع الأمثلة في الأخلاق الطيّبة حتّى ضُرب به المثل ، ومن طريف ما يذكر من حياته وكيف تاقت نفسه لطلب العلم ، أنّ أباه كان كاسباً في الكاظمية له دكان ، فلمّـا تعلّم المترجم القرآن الكريم وقرأه وضعه أبوه معه في دكانه يستعين به ، فسأل يوماً بعض أهل العلم : كيف يصنع من يريد طلب العلم ؟ قال : يحفظ أوّلا الأجروميّة ، فطلب منه أن يكتبها له ، وجعل يقرأ فيها في دكان أبيه ، فلمّـا رآه أبوه غضب منه وضربه وقال له : إنّ هذا يلهيك عن الكسب فدعه ، فجعل إذا غاب أبوه قرأ فيها وإذا حضر خبّأها ، فلمّـا أكملها ، سأل مرشده ماذا يصنع بعد هذا ؟ فأشار عليه بالرحيل إلى حوزة نجف العلميّة يتنهّل من مناهلها الصافية وينابيعها العذبة ، فخرج إلى النجف الأشرف وليس معه غير كراء دابة فاكتراها وكان المكاري يطعمه في الطريق من فاضل زاده ، فوصل إلى النجف فدخل صحن أمير المؤمنين (عليه السلام) وليس معه شيء فجلس فيه حتّى الليل ، وبعد انصراف الناس بقي وحده فجاء السدنة وخدّام الحرم ليخرجوه فأخبرهم بحاله ، فأعطوه حجرة ونام فيها وكانوا يحضرون له العشاء والأكل ، وتعرّف على بعض الطلبة ورجال الدين فدرس وبقي في تلك الحجرة يطالع على ضوء بيت الخلاء ويعيش من دعوة إن حصلت له أو هبة أو يطوي الليل جوعاً حتّى اشتهر أمره في العلم وظهر فضله وصار مرجعاً ، وأتته الأموال فكان يصرفها على طلبة العلم لترويج الدين ويلبس الخشن ويأكل الجشب ويزهد في حطام الدنيا وجعلها لأهلها ، وكان يلبس هو وأولاده وخادمه عباءات بطرائق بيض وسود لا يلبسها غيرهم ، فإذا أقبلوا قال أهل العلم من أهل النجف : أقبلت الكتيبة الشهباء ، ولمّـا مات لم يخلّف لوارثيه شيئاً مع ما كان يصل إلى يده من الأموال العظيمة على الدوام فيصرفها على مستحقّيها ، وهذه سنّة الأوّلين من علمائنا الماضين.

كان المترجم له عابداً ، فإنّه كما ورد في الخبر الشريف ثمرة العلم العبادة ، فكان عالماً حقّاً وعابداً حقّاً يقضي ليله بالتهجّد والعبادة ونهاره بالورع والزهد والخشوع ، كان يطيل صلاته في ركوعه وسجوده حتّى كان كثير من الناس ممّن لا يعرف حاله إذا صلّى خلفه مرّة لا يصلّي غيرها ، وقيل له مرّة : أليس ورد أ نّه يستحبّ لإمام القوم أن يصلّي بصلاة أضعفهم ؟ فقال : ليس فيهم أضعف منّي.

كان يحمل الولاء والعشق لأهل البيت (عليهم السلام) ، فكانت لا تفوته زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلّ يوم ، وكان يأتي الحضرة الشريفة سحراً فيصلّي الفجر فيعقّب ويزور ثمّ يعود إلى داره فيلقي درسه العامّ ـ وفي زماننا كان سيّدنا الاُستاذ آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي كذلك كما ذكرت حياته في كتاب قبسات[1] ـ .

كان المترجم له يراعي الاُمور الاجتماعية فلا يفوته عيادة مريض ولا حضور جنازة ولا زيارة قادم ولا تشييع مسافر ، حتّى قال عنه أهل النجف : إنّ الشيخ حسين يعلم بالمريض قبل أن يعلم به أهله.

كان يهتمّ باُمور أهل العلم فكان حازماً محافظاً على كرامتهم وقداستهم ، ومن طريف ما يحكى أ نّه تعدّى بعض السدنة على رجل من أهل العلم فبلغه ذلك ، فجاء إلى رئيس سدنة وخدمة الحضرة الشريفة ويعدّ يومئذ أجلّ من في البلد ، فتهدّده الشيخ قائلا : لئن لم تردع أتباعك لاُخرجنّك من النجف بليلة ظلماء ، ثمّ زاره في منزله ولاطفه معتذراً بأ نّي إنّما فعلت ذلك لاُؤدّب بك السدنة والخدم.

وقد توفّي بعض العلماء أيام الوباء وكانت الحكومة تمنع من دخول الجنائز إلى الحرم الشريف ومن تشييعها ، فجاءه العلماء والطلبة منكرين ذلك فمشى بهم قائلا : « وآية السيف تمحو آية القلمِ » وأدخلوا الجنازة إلى الحضرة ومشوا خلفها في تشييع عظيم ، ممّـا اضطرّت الحكومة إلى السكوت خوفاً من الغضب الجماهيري.

كان يهتمّ بالدراسة والتدريس غاية الاهتمام فكان لا يترك التدريس لشيء من العوائق المتعارفة ولا يصدّه عنه شيء ، حتّى إنّه يوم وفاة الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره) لم يترك الدرس ، فقيل له في ذلك ، فقال : ندرس ونجعل الثواب للشيخ ـ فاعتبروا يا أهل العلم في عصرنا هذا الذي بمجرّد صداع زوجته أو دونه يترك الدرس ، وعندما يُسئل لِمَ لَم تحضر ؟ يقول : كان عندي شغل ، وكأنّ هذا الدرس للعاطلين والبطّالين الذين لا شغل لهم ، فالمفروض أن يقول للشغل عندي درس لا العكس ، كما كان سلفنا الصالح الذي بقي الدين بجهودهم وجهادهم ـ .

لقد ضعف بصر المترجم في آخر عمره ، فكان يكتب بالقلم العريض ، ثمّ اُضرّ فكانت زوجته تقرأ له وتكتب.

لقد خلّف ولدين فاضلين ، الشيخ محمّد جواد وله ذرّية فضلاء والشيخ أحمد مات عقيماً.

ويروي عنه السيّد محمّد علي شاه عبد العظيم وشيخ الشريعة الإصفهاني والشيخ عنوز الشيخ علي النهاوندي و ....

مؤلفاته :

منها :

1 ـ هداية الأنام إلى شرائع الإسلام ، خمسة وعشرين مجلّداً ـ في سبعة وعشرين جزءاً ـ وصل فيه إلى كتاب القضاء ، وتوفّي وهو مشغول به ، طبع منه الطهارة وبعض الصلاة.

2 ـ بغية الخاصّ والعامّ ، هو متن كتابة الهداية.

3 ـ نخبة العباد ، رسالة عمليّة.

4 ـ حاشية على كتاب القوانين.

5 ـ حاشية على الرسائل.

توفّي ليلة 11 من المحرّم الحرام (وفي الكرام 22 من المحرّم) سنة 1308 هـ في النجف الأشرف ودفن في الصحن الشريف في حجرة السيّد جواد صاحب مفتاح الكرامة من الجهة القبليّة[2] . وأعقب الشيخ محمّد جواد والشيخ محمّد حسن من كريمة
الشيخ محمّد حسن باقر والفاضل الأديب الشيخ أحمد ، ويوم وفاته في النجف يوم مشهود وأقام له الفاتحة الشيخ محمّد طه نجف ، ورثته الشعراء منهم السيّد جعفر الحلّي بقصيدة مطلعها :

كبا الدهر بالإسلام كبوة عاثرِ *** فما قام حتّى دكّه بالحوافرِ

وقد شنّت الأيام للمجد غارةً *** فما رجعت إلاّ بنهب الذخائرِ

لعمر الهدى قد فاجأ الدهر عنوةً *** بكسر به لم يجدِ لفّ الجبائرِ

أبا أحمد ما أنصفتكَ قلوبنا *** إذا لم نسلها من جروح المحاجرِ

فقدناك كالعلق النفيس مرصّفاً *** بجوهرة الإيمان لا بالجواهرِ

إلى أن يقول :

سقى روضة الإيمان صوب سحابة *** من العفو لا صوب السحاب المواطرِ

لقد كان ينهاني عن الشعر خيفةً *** عليَّ بأن ألهو ويشغل خاطري

ولو كان يدري ما أقول بمدحهِ *** لآنسه إذ لا يرى قول شاعرِ

وكانت وفاته في أيام الصيف ـ فاتّفق خلافاً للعادة ـ أن تراكمت السحب وأمطرت السماء ، وإلى ذلك أشار السيّد جعفر الحلّي في تأريخ وفاته بقوله :

بحر علم قد فقدناهُ *** فما أغزر علمه

قد بكته السحب صيفاً *** واكتسى العالم ظلمه

مذ توفّى أرّخوه *** ثلم الإسلام ثلمه

فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يُبعث حيّاً[3].


[1]طبع الكتاب من قبل المؤسسة الإسلامية العامّة للتبليغ والإرشاد ، ثمّ طبع مرّة اُخرى من قبل مكتبة السيّد (قدس سره) كما ترجم إلى الفارسية وإلى الاُوردو وطبعتها المكتبة.

[2]أعيان الشيعة 9 : 257 ، والمآثر والآثار : 187 ، ونقباء البشر 2 : 667.

[3]أعيان الشيعة 9 : 257 ، ومعارف الرجال 2 : 249 ، ونقباء البشر 2 : 665 ، ومعجم رجال الفكر 3 : 1057 ، وأحسن الوديعة 2 : 19 ، وتأسيس الشيعة : 23 ، والذريعة 3 : 131 ، وعلماء معاصرين : 36 ، وفوائد الرضويّة : 530 ، والمآثر والآثار : 178 ، وماضي النجف 3 : 218 ، والمطبوعات النجفية : 385 ، ومعجم المؤلفين 9 : 259 ، ومعجم المؤلفين العراقيين 3 : 155 ، ونجوم السماء 1 : 390.

195

«195»