![]() |
![]() |
إلى أجدادي الطاهرين الأئمة المعصومين (عليهم السلام) .
إلى الفقهاء العظام والعلماء الكرام وخطباء الإسلام .
إلى جميع إخوتي أهالي الكاظميّة ومواكبهم الحسينيّة جيلا بعد جيل .
إلى كلّ مؤمن ومؤمنة يحبّ العلم والعلماء ويقتدي بهداهم الصالح وينهل من علمهم النافع .
اُقدّم مجهودي المتواضع هذا برجاء القبول والدعاء والشفاعة .
العبد
عادل العلوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العليم العلاّم ، والصلاة على خير الخلق والأنام ، محمّد المصطفى نبيّ الإسلام ، وعلى آله الطاهرين الكرام ، أئمة الحقّ العظام ، ورثة الأنبياء عليهم السلام ، واللعن الدائم على أعدائهم اللئام .
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في محكم كتابه ومبرم خطابه :
( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ )[1].
وقال سبحانه :
( لَقَدْ كانَ في قِصَصِهِمْ عِبْرَةً )[2].
إنّ الله عزّ وجلّ هو أوّل من قصّ القصص ذات المعنى الأصيل والمحتوى الرفيع ، يطفح منها الفوائد والعِبر والدروس النافعة للحياة الأفضل ولكمال الإنسان وسعادته في الدارين ، فكتابه الكريم القرآن الحكيم يحتوي على (268) قصّة تربويّة ، تجمع بين كلماتها المبدأ والمعاد ، وما فيه سعادة الإنسان ورشده وكماله ، وارتقاء المجتمع في كلّ جوانب الحياة ، من القضايا الاقتصاديّة والإراديّة التي يُعبّر عنها بالسياسة والمفاهيم الثقافيّة والمعاني السامية وغير ذلك ، وقد ربّى النبيّ الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) بهذه القصص الإلهيّة كباراً وعباقرة وأفذاذاً مثل سلمان وأبي ذر والمقداد وشهداء بدر واُحد ، ولا تزال الشموس تطلع من الآفاق البشريّة نتيجة القصص القرآنيّة ...
ثمّ قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) في وصيّته لابنه : « فأحيي قلبك بالموعظة ـ إلى أن قال : ـ وأعرض عليه أخبار الماضين ».
وقال (عليه السلام) : « يا بنيّ ، إنّي وإن لم أكن قد عمّرت عمر من كان قبلي ، فقد نظرت في أعمارهم ، وفكّرت في أخبارهم ، وسرت في آثارهم ، حتّى عدت كأحدهم ، بل كأ نّي بما انتهى إليَّ من اُمورهم قد عمّرت مع أوّلهم وآخرهم ، فعرفت صفو ذلك من كدره ، ونفعه من ضرره ».
وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على عظمة مطالعة التأريخ ، والوقوف على ما فيه من العِبَر والدروس ، فإنّ التأريخ دروس وعِبَر لمن اعتبر وتفكّر.
وأمير المؤمنين إنّما ينصح البشرية أن تعود إلى تأريخها ، لتستلهم منه ما ينفعها ويضرّها ، وما فيه حياتها وموتها ، تقدّمها وانحطاطها ، إزدهارها وهلاكها.
ومن التأريخ النافع : حياة العظماء من العلماء والاُدباء والمصلحين والمفكّرين والمخترعين والمكتشفين والخطباء والشعراء الرساليّين ، ومن ساهم في صنع التأريخ وحضارة الاُمم وتمدّنها وتقدّمها ، أضف إلى ذلك أ نّه من ورّخ مؤمناً فقد أحياه.
عن الجلبي في كشف الظنون : قد ورد في الأثر عن سيّد البشر : « من ورّخ مؤمناً فكأ نّما أحياه ».
قال الله تعالى :
( وَمَنْ أحْياها فَكَأ نَّما أحْيا النَّاسَ جَميعاً )[3].
فحياة
علماء الدين الإسلامي مدارس ومشاعل تنير الدرب وتضيء
السبيل ،
وتحافظ على المجتمع البشري من السقوط والانحطاط ، والتيه والضلال.
والحياة إمّا مادّية جسمانيّة ، وإمّا معنوية مجرّدة.
والاُولى : إمّا نباتية وهي عبارة عن القوى الثلاثة : الغاذية والنامية والمولّدة ، وهي موجودة في النباتات الحيّة والحيونات والإنسان ، وإمّا حيوانية : وهي عبارة عن القوى الثلاثة مع كون الحيوان الحيّ حسّاس متحرّك بالإرادة ، وإمّا إنسانيّة : وهي الحيوانية مع النفس الناطقة والقوّة الدرّاكة للكلّيات ، فإنّ الإنسان حيوان ناطق ، وبهذه النفس الناطقة المتجلّية في العقل ، يمتاز الإنسان عن العجماوات ، وإنّه من أشرف المخلوقات.
وأمّا الثانية : الحياة المعنوية ، فهي حكومة الأخلاق الفاضلة من العلوم والآداب والفنون في حياة الإنسان الفردية والاجتماعية ، فحياة الإنسان وحياة المجتمع إنّما هي بالهداية والاقتصاد السليم والسياسة والإدارة الصحيحة والعلم النافع والملكات الفاضلة والأخلاق الحميدة ، ومثل هذه الحياة مظهر من مظاهر الحياة الإلهيّة ، فإنّ الله سبحانه هو الحيّ القيوم الذي لا تأخذه سِنة ولا نوم ، وحياته اتّصاف ذاته بالقدرة والعلم ـ فإنّ العلم والقدرة والحياة من الصفات الذاتية في الله ، وهي عين ذات الله كما هو الحقّ[4] ـ وإلى مثل هذه الحياة يحرّض الله عباده ويأمرهم في قوله تعالى :
( اسْتَجيبوا للهِ وَلِرَسولِهِ إذا دَعاكُمْ لِما يُحْييكُمْ )[5].
( لَيَهْلَكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة )[6].
( أوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأحْيَيْناهُ وَجَعَلـْنا لَهُ نوراً يَمْشي بِهِ في النَّاسِ )[7].
( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أمْواتاً بَلْ أحْياءٌ وَلـكِنْ لا تَشْعُرونَ )[8].
فحياتنا وعزّنا في تلبية وإجابة دعوة الله ورسوله وأهل بيته الأطهار ، فهي دعوة كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة ، وكلّ الخيرات والعدل والإحسان وإقامة الصلاة والإيمان بالجنان والعمل بالأركان وكلّ ما جاء به القرآن وما عند عباد الرحمن ، فحياتنا عقيدة وجهاد ، شعور وشعار ، نابع من القرآن والسنّة المتمثّلة بالنبيّ وعترته (عليهم السلام).
ثمّ (من ورّخ مؤمناً فقد أحياه) ، وحياته حياة الاُمّة والشعوب جيلا بعد جيل ، وحياتهم حياة الفضائل والمكارم والأخلاق الطيّبة والآداب والسنن الحسنة ، فلا بدّ من خلال ترجمة المؤمن والعالم والمصلح ، أن يكون المقصود إحياء مآثره ومكارمه وعلومه وفنونه ، ومن ثمّ حياة المجتمع وازدهاره وتقدّمه.
هذا وقد وفّقني الله سبحانه وتعالى سنة 1410 هـ بتأسيس وافتتاح (المؤسسة الإسلامية العامة للتبليغ والإرشاد) وانبثقت منها مشاريع ثقافية واجتماعية دينية ، منها : صحيفة (صوت الكاظمين) الشهرية الثقافية ، وكنت أكتب فيها بعض المقالات والمباحث والمفاهيم الإسلامية العامة ، ومن أهمّها (سهام في نحر الوهابية) مسلسلا ، و (فقهاء الكاظمية المقدّسة) مسلسلا أيضاً ، يضمّ أكثر من خمسين فقيهاً ، وكذلك شعراء الكاظميّة.
[1] يوسف : 2.
[2] يوسف : 111.
[3] المائدة : 32.
[4] شرحنا ذلك بالتفصيل في كتاب (دروس اليقين في معرفة اُصول الدين) المجلّد الأوّل من موسوعة رسالات إسلامية ، وهو مطبوع ، وكذلك كتاب (عقائد المؤمنين) ، فراجع.
[5] الأنفال : 24.
[6] الأنفال : 42.
[7]الأنعام : 22.
[8]البقرة : 154.
![]() |
![]() |