![]() |
![]() |
![]() |
1299 ـ 1373
السيّد صدر الدين بن السيّد إسماعيل بن السيّد صدر الدين الموسوي العاملي الكاظمي[1].
فقيه جليل ، وعالم نبيل ، ومهذّب كامل ، ومؤرّخ متكلّم ، اُصولي جامع لفنون العلم ، من بيت علم وشرف.
ولد في الكاظمية سنة 1299 هـ ، وترعرع في بيت العلم والسيادة ، ونشأ على أبيه الذي كان من أكابر فقهاء عصره ، وقرأ الأوّليّات على بعض الفضلاء في سامراء ـ وكان والده يومئذ فيها ـ ثمّ هاجر مع والده إلى كربلاء المعلّى ، فقرأ السطوح فيها على جماعة كالشيخ حسن الكربلائي وغيره ، ثمّ هاجر بأمر والده إلى النجف الأشرف الحوزة العلمية الكبرى لتكميل دراساته ، فحضر بحث الآية العظمى الشيخ محمّد كاظم الخراساني صاحب الكفاية ، وأبحاث غيره من مشاهير عصره سنين عديدة.
وفي سنة 1339 هـ وبعد وفاة والده بسنة سافر إلى إيران ، فزار قبر ثامن الحجج مولانا الإمام الرضا (عليه السلام) وجاور القبر الشريف قرب عشر سنين مشتغلا بالتدريس والإرشاد والإصلاح ، وأصبح في عداد علماء البلد ، وتخرّج عليه كثير من أهل الفضل والعلم ، وفي سنة 1344 هـ عاد إلى النجف الأشرف ، ولازم درس الميرزا محمّد حسين النائيني ، وفي سنة 1349 هـ عاد إلى إيران ونزل قم المقدّسة برغبة الآية العظمى مؤسس حوزة قم العلمية المباركة الشيخ عبد الكريم الحائري (قدس سره) ، فاشتغل بالتدريس والإفادة ، وصار من أئمّة الجماعة ، وكان يرقى المنبر للوعظ والإرشاد فتستفيد منه الخاصّة قبل العامّة ، ولم يطل مكثاً بل سافر إلى مشهد الإمام الرضا (عليه السلام) للزيارة ، فالتفّ الناس حوله وطلبوا منه البقاء فأجابهم ، وأخذ يصلّي في (مسجد گوهر شاد) واشتغل بالتدريس ، وكان مجلس درسه غاصّاً بأهل الفضل والعلم ، فأحبّته القلوب وأقبلت عليه النفوس ، وبطلب من مؤسس الحوزة وزعيمها الشيخ عبد الكريم الحائري رجع إلى قم المقدّسة ، ليتولّى مع زميله الآية الحجّة السيّد محمّد الحجّة صاحب مدرسة الحجّتية بقم ـ قدّس الله أسرارهم الزكيّة ـ اُمور الحوزة وقد أجاد في إدارتها في تلك الظروف الحالكة الصعبة ، أيّام ملوكيّة رضا خان البهلوي عميل الاستعمار وزميل كمال أتاتورك في السياسة المدروسة من قبل الاستعمار البريطاني والغربي ، لمحق الإسلام من البلاد ، وتبديل الحكومة الإسلاميّة إلى حكومة علمانية ، فما توفّق رضا خان الملعون في مخطّطاته ، وإن روّج للسفور وفرض نظام التجنيد الإجباري على أهل العلم لتبديد نظام الهيئة العلميّة وتفريق شمل الطلاّب ، واُلقي القبض عليهم زرافات ، وزجّوا في السجون شيباً وشباباً ، وشاء الله أن تكسر شوكته ويعلو الإسلام مرّة اُخرى في إيران بعد انتصار الثورة الإسلاميّة.
رجع الناس إلى المترجم له في التقليد بعد رحلة زعيم الحوزة ، وطبعت رسالته العملية وأصبح من زعماء العلم ومراجع الدين وكبار المدرّسين والمصلحين ، وكان مخلصاً في أعماله وأقواله ، وكان كثير التواضع يجالس عامّة الناس ، ويبدأ من لقيه بالسلام ، وامتاز بالبساطة في مأكله وملبسه ، فكانت له مكانة سامية في قلوب الناس ، وقد ترك من الباقيات الصالحات كثيراً في مشهد الرضا وقم وغيرهما . وكان يحبّ كلّ الناس ، ويشعر بآلامهم ، ويستمع إلى الآراء والشكاوى والمشاكل بنفسه ، ويحلّ ما استعصى بأنجع الأساليب وأخصر الطرق ، ولم تسمع له مقالة سوء في أحد من معاصريه ، ولم يسمع منه أ نّه دعا إلى نفسه ، أو ادّعى لها أكثر من قدرها ، كان يمدح كلّ العلماء ويوثّقهم ، ويثني على من يذكر عنده بالخير ، ويقدّم الغير على نفسه ، فكان زاهداً ، ومن زهده تقديم مكان صلاته للزعيم الديني آية الله العظمى السيّد البروجردي (قدس سره) ، وذلك من أجل توحيد المرجعيّة الدينيّة.
فكان كريم الأخلاق طيّب الأعراق ، حسيب نسيب شاعر خطيب ، يملك القلوب بحسن محاضرته وعذوبة كلامه ، عالي الفهم قويّ الفكر ، كريم الطبع أبيّ الضيم ، اجتمعت فيه المكارم.
مؤلفاته :
ترك السيّد ثروة علمية في الفقه والاُصول والتأريخ والأدب والكلام والعقائد والحديث والأخلاق وغيرها ، فمنها :
1 ـ (المهدي) في أحوال إمامنا ووليّ أمرنا صاحب الزمان (عليه السلام).
2 ـ خلاصة الفصول في علم الاُصول ، وهو تلخيص كتاب الفصول للشيخ محمّد حسين الإصفهاني الغروي.
3 ـ الحقوق ، رسالة نفيسة طبعت عدّة مرّات.
4 ـ التأريخ الإسلامي.
5 ـ حاشية العروة الوثقى.
6 ـ حاشية وسيلة النجاة.
7 ـ سفينة النجاة ، فارسي.
هذه الكتب المطبوعة . وأمّا المخطوطات :
8 ـ منظومة في الحجّ.
9 ـ منظومة في الصوم.
10 ـ رسالة في حكم ماء الغسالة.
11 ـ رسالة في التقيّة.
12 ـ رسالة في الحجّ.
13 ـ رسالة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
14 ـ رسالة في اُصول الدين.
15 ـ رسالة في ردّ شبهات الوهابيّة.
16 ـ رسالة في إثبات عدم تحريف الكتاب.
17 ـ لواء محمّد في أخبار الخاصّة والعامّة ، وهو في 12 مجلّد.
18 ـ مدينة العلم في أخبار أهل البيت ، في ستّة مجلّدات.
19 ـ ديوان شعر.
إلى غير ذلك من الآثار والمتفرّقات ، وبعض هذه الآثار باللغة الفارسية.
خلّف (قدس سره) ولدين صالحين علمين إمامين : السيّد موسى الصدر[2] والسيّد رضا الصدر[3] الفقيه العلاّمة الورع التقيّ (قدس سره) سيّدنا الاُستاذ قرأت عليه الأسفار في أربع سنوات ، وحضرت عليه خارج الفقه من كتاب الصلاة ، في سنتين فجزاه الله خير الجزاء ، وأسكنه الله فسيح جنانه وأنزل عليهما شآبيب رحمته.
كان المترجم له شاعراً ، ومن شعره :
أمولاي يا من قد أقرّ بفضله *** محبّوه طرّاً بل وأذعن حاسده
لقد جمعت فيك الفضائل كلّها *** فلا فضل إلاّ أنت لا شكّ واحده
إذا ذكرت بين الورى طرق العلى *** فكلّ طريق للعلى أنت رائده
وقال في تأريخ وفاة مؤسس الحوزة الشيخ عبد الكريم الحائري :
عبد الكريم آية الله قضى *** وانحلّ منه سلك العلوم عقده
دعاه مولاه فقل مؤرّخاً *** لدى الكريم حلّ ضيفاً عبده
وقال في تأريخ وفاة والده :
لئن يكُ أخفى القبر شخصك في الثرى *** فهيهات ما أخفى فضائلك القبرُ
لقد كنت سرّ الله بين عباده *** ومن سنن العادات أن يكتم السرّ
فطوبى لقبر أنت فيه مغيّبٌ *** فقد غاب في أطباق تربته الصدرُ
تخيّرت صدر الخلد مأوىً فأرّخوا *** من الخلد (إسماعيل) طاب (له الصدرُ)
كان له في الأدب باعٌ طويل وضلعاً في اللغتين العربيّة والفارسية ، فله قلم مطبوع مترسّل في النثر ، وسهل في الشعر.
جاء في كتاب (بغية الراغبين للإمام شرف الدين 1 : 245) : قال مراسلا ومعاتباً ، وذلك في سنة 1322 هـ بعد مجيئنا إلى عاملة من هجرتنا العلميّة :
حتّى مَ بين حشاي النار تضطرمُ *** وفوق خدّي دمع العين ينسجمُ
ولا أرى نظرةً من أهل عاملة *** ممّن محضت لهم ودّي وقد علموا
رفقاً بمن قيل فيه بعد بعدكمُ *** (وجداننا كلّ شيء بعدكم عدمُ)
إلى أن يقول :
عبد الحسين ترفّق سيّدي بفتىً *** ما غيّرته الليالي بعد بُعدكمُ
عمّت مناقبك الآفاق واشتهرت *** وهل عن العين نور الشمس يكتتمُ
قرآن فضلك يتلوه ويسمعه *** حتّى البصير ومن في اُذنه صممُ
ماذا أقول وإن رمت البيان لما *** قد خصّك الله ضاقت دونه الكلمُ
بحر العلوم إذا أمواجه التطمت *** فليس إلاّ بأسنى الدرّ تلتطمُ
جواهر العلم فيه استبشرت وزهت *** به وأمست رياض العلم تبتسمُ
وقد أضاءت مصابيح العلوم به *** ففي سناها نجاة الخلق كلّهمُ
توفّي المترجم له بعد مرض قلب لازمه سنيناً منعه خلالها من التدريس وإمامة الصلاة ، لكنّ أخلاقه لم تتبدّل ، بل بقي والابتسامة مرتسمة على شفتيه ، والخلق السامي من سجيّته . وذلك يوم السبت 19 ربيع الثاني سنة 1373 هـ فثلم في الإسلام ثلمة ، وبكته طبقات الناس وفجعت به الحوزات العلميّة ، وصلّى عليه السيّد البروجردي وخلفه الاُلوف من أهل العلم والتقوى ، ودُفن في بقعة العلماء في رواق حرم سيّدتنا المعصومة فاطمة بنت الإمام الكاظم (عليهما السلام) بقم بجوار قبر المؤسس الشيخ عبد الكريم الحائري ، واُقيمت له الفواتح ومجالس العزاء في قم وطهران وخراسان وغيرها من مدن إيران وفي النجف وكربلاء والكاظمية وغيرها من مدن العراق وفي سوريا ولبنان وبعض البلاد الإسلامية الاُخرى.
ورثاه كثير من الشعراء والخطباء بالعربية والفارسية ، منهم السيّد محمد حسن آل الطالقاني صاحب مجلّة (المعارف) النجفية قائلا :
تبّت يد الزمان من خؤونِ *** يعبث في شمل الهدى والدينِ
فكم له من ضربة قاضية *** تستنزف الدمع من العيونِ
وفعلة منكرة عادت على الـ *** ـإسلامِ بالخسران والشجونِ
لهفي على الطلاّب مذ نعى لهم *** ناعي الردى شيخ ذوي اليقينِ
فقد تولّى شملهم أيدي سبأ *** وكان قبل فاقد القسرين
ومنذ فضى (فرد) الزمان أرّخوا *** (ألا مضى الدين وصدر الدينِ)[4]
[1]نقباء البشر 3 : 943 ، وتكملة أمل الآمل للسيّد حسن الصدر : 235 ، ومستدركات أعيان الشيعة 1 : 49 ، وبغية الراغبين 1 : 242.
[2]وقد سافر في إحدى سفراته إلى ليبيا فاختفت فيها آثاره ، ترجم في بغية الراغبين 1 : 259.
[3]وجاءت ترجمته في بغية الراغبين 1 : 257.
[4]نقباء البشر 3 : 943 ، وفي قوله فرد إشارة إلى إضافة واحد إلى مجموع أعداد التأريخ.
![]() |
![]() |
![]() |