السيّد علي الشريف المرتضى علم الهدى

355  ـ  436

السيّد المرتضى أبو القاسم عليّ بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر (عليهما السلام) الملقّب ذا المجدين علم الهدى.

أبوه النقيب أبو أحمد كان جليل القدر عظيم المنزلة ، واُمّه فاطمة بنت الحسين ابن أحمد من أولاد الإمام السجّاد (عليه السلام).

ولد السيّد المرتضى من أبوين كريمين في شهر رجب سنة خمس وخمسين وثلاثمائة هجريّة.

قرأ هو وأخوه الشريف الرضي على ابن نباتة وهما طفلان . ثمّ قرأ كلاهما على الشيخ الأعظم الشيخ المفيد (قدس سره) ، وكان المفيد قد رأى في منامه أنّ فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخلت عليه ، وهو في مسجده بالكرخ ، ومعها ولداها الحسن والحسين (عليهما السلام) صغيرين ، فسلّمتهما إليه وقالت : يا شيخ ، علّمهما الفقه . فانتبه الشيخ متعجّباً من ذلك ، فلمّـا تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا ، دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر ، وحولها جواريها وبين يديها ابناها علي المرتضى ومحمّد الرضي صغيرين ، فقام إليها وسلّم عليها ، فقالت له : أ يّها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما إليك لتعلّمهما الفقه ، فبكى الشيخ وقصّ عليها المنام ، وتولّى تعليمهما وأنعم الله عليهما ، وفتح الله لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا ، وهو باق ما بقي الدهر.

وإنّما لُقّب بعلم الهدى من قبل جدّه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، وذلك لمّـا مرض الوزير أبو سعيد محمد بن الحسين في سنة عشرين وأربعمئة ، فرأى في منامه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول له : قل لعلم الهدى يقرأ عليك حتّى تبرأ . فقال : يا أمير المؤمنين ، ومَن علم الهدى ؟ فقال (عليه السلام) : علي بن الحسين الموسوي . فكتب إليه الوزير بذلك . فقال المرتضى : الله الله في أمري ، فإنّ قبولي لهذا اللقب شناعة عليّ . فقال الوزير : والله ما كتبت إليك إلاّ بما لقّبك به جدّك أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فعلم القادر الخليفة بذلك فكتب إلى المرتضى : يا عليّ ، تقبّل ما لقّبك به جدّك . فقبل وأسمع الناس.

كان (رحمه الله) نحيف الجسم حسن الصورة ، وكان يدرس في علوم كثيرة ويجري على تلامذته رزقاً ، وقد أصاب الناس في بعض السنين قحط شديد ، فاحتال رجل يهودي على تحصيل قوت يحفظ نفسه ، فحضر يوماً مجلس السيّد المرتضى ، فاستأذنه أن يقرأ عليه شيئاً من علم النجوم ، فأذن له وأمر له بجائزة تجري عليه كلّ يوم ، فقرأ عليه برهة وتأ ثّر بأخلاق السيّد الرفيعة ، فأسلم على يديه ، وهكذا تفعل الأخلاق الحسنة.

كان السيّد المرتضى يلقّب بالثمانينيّ ، لأ نّه أحرز من كلّ شيء ثمانين حتّى أ نّه كان عمره ثمانين سنة وثمانية أشهر.

له مصنّفات ومؤلفات كثيرة وقيّمة ، وديوان يزيد على عشرين ألف بيت ، ذكر أبو القاسم التنّوخي صاحب الشريف قال : حصرنا كتبه ، فوجدناها ثمانين ألف مجلّد من مصنّفاته ومحفوظاته ومقروءاته ، ومهّد في مصنّفاته روح التحقيق وفتح أبواب التدقيق في كتبه النظريّة الكلاميّة والفقهيّة ، كان من أعرف الناس بالكتاب والسنّة ووجوه التأويل في الآيات والروايات ، وكان مجتهداً عبقريّاً واُصوليّـاً بحتـاً يتعلّق بالأدلّـة العقليّة والنقليّة في مباحثه ، ومن أهمّ مؤلفاته الرائعة :

1 ـ (الشافي) في إثبات الإمامة.

2 ـ (الذخيرة في الاُصول).

3 ـ (جمل العلم والعمل).

4 ـ (الغرر والدرر).

5 ـ (التنزيه في عصمة الأنبياء).

6 ـ (المقنع في الغيبة).

7 ـ (مسائل الخلاف) في الفقه.

8 ـ (مسائل الانفرادات) في الفقه.

9 ـ (مسائل الخلاف في اُصول الفقه).

10 ـ (الصرفة في إعجاز القرآن).

11 ـ (المصباح) في الفقه.

12 ـ (المسائل الطرابلسيّة الاُولى ، والأخيرة.

13 ـ الحلبيّة الاُولى ، والأخيرة.

14 ـ أهل مصر قديماً ، وأخيراً.

15 ـ المسائل الديلميّة.

16 ـ المسائل الناصريّة.

17 ـ الموصليّة الأوّليّة والثانية والثالثة.

18 ـ المسائل الجرجانية.

19 ـ الطوسية.

20 ـ وله (ديوان شعر).

21 ـ (البرق).

22 ـ (الطيف والخيال).

23 ـ (الشيب والشباب).

24 ـ (تتبّع الأبيات التي تكلّم عليها ابن جنّي في أبيات المتنبّي).

25 ـ (النقض على ابن الجنّي في الحكاية في المحكي).

26 ـ (الصرفة).

27 ـ (الذريعة) في اُصول الفقه.

28 ـ (ما انفردت به الإماميّة من المسائل الفقهيّة).

29 ـ (المسائل الصيداويّة).

30 ـ (المسائل المتباينات).

31 ـ (المرموق في أوصاف البروق).

32 ـ (الفقه البرقي).

33 ـ (الآيات الباهرة في العترة الطاهرة).

34 ـ (المسائل السلاّريّة).

35 ـ (مسائل الميافارقين).

36 ـ (المسائل الرازيّة).

37 ـ (المنع من تفضيل الملائكة على الأنبياء).

38 ـ (جواب الملاحدة في قدم العالم في أفعال المنجّمين).

39 ـ (إنكاح أمير المؤمنين ابنته من عمر).

40 ـ (الخطبة المقمّصة).

41 ـ (الحدود والحقائق).

42 ـ (إيقاظ البشر في القضاء والقدر).

43 ـ (رسالة المحكم والمتشابه).

وغيرها من المصنّفات القيّمة في شتّى العلوم والفنون.

وكان الشيخ عزّ الدين أحمد بن مقبل يقول : لو حلف إنسان أنّ السيّد المرتضى كان أعلم بالعربيّة من العرب لم يكن عندي آثماً.

وكان أحد مشايخ مصر يقول : والله إنّي استفدت من كتاب (الغرر) مسائل لم أجدها في (كتاب سيبويه) وغيره من كتب النحو.

وكان نصير الدين الطوسي عليه الرحمة إذا ذكره في درسه يقول صلوات الله عليه ، ويلتفت إلى القضاة والمدرّسين الحاضرين درسه ويقول : كيف لا يصلّي على السيّد المرتضى.

ومن شعره :

تجافَ عن الأعداء بقياً فربما *** كُفيتَ فلم تُجرح بناب ولا ظُفرِ

ولا تبرِ منهم كلّ عود تخافُهُ *** فإنّ الأعادي ينبتون مع الدهرِ

وكأ نّه يخاطب مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) متضرّعاً إلى حضرته المقدّسة في هذه الأبيات قائلا :

مولاي يا بدرَ كلّ داجية *** خذ بيدي قد وقعتُ في اللججِ

حُسنك ما تنقضي عجائبهُ *** كالبحر حدّث عنه بلا حرجِ

بحقّ من خطّ عذاريك ومن *** سلّط سلطانها على المهجِ

مُدّ يديك الكريمتين معي *** ثمّ ادعُ لي من هواك بالفرجِ

كانت وفاته قدّس سرّه الشريف لخمس بقين من شهر ربيع الأوّل سنة ستّ وثلاثين وأربعمئة ، وصلّى عليه ابنه أبو جعفر محمّد ، وتولّى غسله أبو الحسين أحمد ابن الحسين النجاشي ، وله مقام في الكاظمية المقدّسة بجوار صحن جدّه الإمام الكاظم (عليه السلام) ، وبجنبه الجامع المعروف باسمه (جامع الشريف المرتضى) ومكتبة عامّة عامرة ، وقال صاحب الدرجات الرفيعة السيّد علي خان الشيرازي : دُفن أوّلا في داره ، ثمّ نقل إلى جوار جدّه الحسين (عليه السلام) ، ودفن في مشهده المقدّس مع أبيه وأخيه ، وقبورهم ظاهرة مشهورة.

وقال الحسن بن علي الحسن صاحب كتاب (زهر الرياض) : وبلغني أنّ بعض قضاة الأروام ـ وأظنّه سنة اثنين وأربعين وتسعمئة ـ نبش قبره فرآه كما هو لم تغيّر الأرض منه شيئاً ، وحكى من رآه أنّ أثر الحنّاء في يديه ولحيته ، وقد قيل : إنّ الأرض لا تغيّر أجساد الصالحين[1].


[1]له ترجمة مفصّلة في مستدرك أعيان الشيعة 5 : 276 ، وفي المجلّد الثالث من الأعيان ، وروضات الجنّات 4 : 294 ، وصحيفة (صوت الكاظمين) العدد 6 لسنة 1413 تحت عنوان : الشريف المرتضى ولقب الثمانيني.

135

«135»