![]() |
![]() |
![]() |
1258 ـ 1338
السيّد إسماعيل الصدر بن السيّد صدر الدين[1] بن السيّد صالح[2] بن السيّد إبراهيم شرف الدين.
من أعاظم العلماء وأكابر المراجع ، انحدر من أصلاب طاهرة وتربّى في حجر الأعيان ، وتغذّى من ثدي العلم والأدب ، كان فقيهاً مدقّقاً ، له المعلومات الواسعة في العلوم العقليّة والنقليّة ، جليلا مهاباً وقوراً عابداً ، فهو من الأعاظم العاملين والعلماء الجامعين ، يقظ الفؤاد ، ملتهب الذكاء ، قويّ الحجّة ، سديد البرهان.
ولد في إصفهان من مدن إيران سنة 1258 هـ ونشأ بها ، وما بلغ التاسعة من عمره الشريف حتّى اُصيب بأبيه ، وكان على غاية من الذكاء والفطنة وجودة الفهم ، فاحتضه بعد أبيه أخوه الأكبر السيّد محمد علي المدعو آقا مجتهد ، فلم يألُ في تربيته جهداً ، وزقّه العلوم العربيّة وما إليها من آداب وعلم المنطق وسطوح الفقه والاُصول والرياضيات زقّاً ، وفي التاسعة عشر اُصيب بفقد أخيه ، فتتلمذ في الفقه على العلاّمة الشيخ محمد باقر الإصفهاني صاحب (هداية المسترشدين) ـ المتوفّى سنة 1301 ـ حضر عليه الفقه والاُصول حضوراً كاملا حوالي ثمان سنين على ما رواه البعض من العلماء ، وكان من خاصّته ، وصرّح الشيخ أ نّه أحرز ملكة الاجتهاد . ثمّ هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1271 هـ وحجّ بيت الله الحرام بها ، ثمّ رجع فلازم بحث العلاّمة الفقيه الآية الشيخ راضي بن محمد آل خضر النجفي المتوفّى سنة 1290 هـ ، وبحث الفقيه البارع الشيخ مهدي بن علي ابن الشيخ الأكبر كاشف الغطاء المتوفّى 1289 هـ ، ثمّ اختصّ بالمجدّد الشيرازي مدّة حياته مروّجاً للدين وحافظاً للعلماء ومساعداً للمشتغلين وعوناً للضعفاء والمساكين ، يوصل الوجوه والحقوق الشرعيّة إلى أهلها بلا منّة ولا شرط ، وكان يخوض من أساتذته عباب العلوم فيغوص على أسرارها مرهف العزم في استخراج مخبّآتها ، نافذ الهمّة في جمع أشتاتها.
وفي سنة 1287 هـ تأهّل بالعقيلة الجليلة اُمّ أولاده الأبطال الميامين ، وهي كريمة ابن عمّه الإمام أبي الحسن الهادي بن السيّد محمد علي بن السيّد صالح فجمع الله بها شمله وأرغد بها عيشه . وفي سنة 1291 أصابه ضعف في قواه وهزال في جسمه بجهوده في العلم والعمل آناء الليل وأطراف النهار ، مع زهده في الدنيا وتقشّفه في العيش ، فألزمه الأطباء بتغيير الهواء ، فأمّ إصفهان مسقط رأسه ، ففتحت له باع الترحيب ، واجتمع حوله جمع كثير وغصّ المسجد الجامع في إصفهان بجماعته في الفرائض الخمس ، وبعد برهة من الزمن أتى سامراء ثمّ رجع إلى النجف فكربلاء فسامراء مرّة اُخرى بأمر من اُستاذه الإمام السيّد الشيرازي (قدس سره) ، وكان السبب في ذلك أنّ السيّد اُستاذه لمّـا كثرت أشغاله وكبر سنّه ضعف عن التدريس ، فرأى أن يقيم عنه بدلا في ذلك ، فاستدعى السيّد لهذه المهمّة ، ففوّضها إليه وإلى كلّ من الإمامين آيتي الله السيّد محمد الإصفهاني الحسيني المتوفّى في النجف الأشرف سنة 1318 هـ والشيخ ميرزا محمد تقي الشيرازي المتوفّى في كربلاء سنة 1338 هـ قدّس الله أسرارهم الزكيّة . فحضر عليه وجوه العلماء وأهل الفضل منهم الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ باقر آل ياسين والسيّد ميرزا علي نجل اُستاذه الشيرازي والميرزا حسين النائيني والسيّد علي السيستاني ، كما حضر عليه جماعة في كربلاء عند إقامته فيها ، وكذلك في الكاظمية المقدّسة.
ويمكن أن يقال : إنّه قلّ من لم يستفد منه من أهل العلم في العراق ، لأ نّه كلّما كان يسافر ويدخل بلداً يشرع في التدريس ويحضر فضلاؤها ، ولا سيّما الكاظمية أيام إقامته فيها أو تردّده للزيارة إليها . وأصبح من مراجع التقليد في أغلب الأطراف.
وعقّب أربعة أولاد كلّهم من العلماء الأجلاّء وفحول الفقهاء وهم : السيّد محمد مهدي المتولّد 1298 هـ ، والسيّد محمد الجواد المتولّد 1301 هـ ، والسيّد صدر الدين محمد علي المتولّد 1308 هـ ، والسيّد حيدر المتولّد 1309 هـ ، واُمّ الجميع اُخت السيّد حسن الصدر.
أخلاقه :
كان آية في الأخلاق الحسنة ، ومن أخباره ونوادره ما تعرب عن مكارم أخلاقه ، فكان زاهداً متوكّلا ثابتاً متواضعاً ، ومن طريف ما يحكى أ نّه لمّـا كان في سامراء قدم إليها رجل من أهل كشمير أو تبّت للتحصيل ، فحضر على بعضهم وطلب رفيقاً للمباحثة معه فامتنع أقرانه من المشتغلين عن ذلك . فلقي يوماً سيّدنا صاحب الترجمة وهو لا يعرفه إذ ذاك فطلب منه ذلك ، فعرف السيّد منه صدق النيّة وأ نّه قد ترفّع عنه أقرانه من الطلاّب ، فأجابه إلى طلبه ، وأخذ يحضر بنفسه للمباحثة معه في بعض المقدّمات من كتب النحو والصرف ، وبينما يتباحثان يوماً إذ مرّ بهما آخر فعظم عليه الأمر ، فأعلم ذلك الطالب حقيقة الحال وعرّفه بمنزلته ، فأخذ يعتذر لجهله وجرأته ، ومهما طلب منه السيّد المداومة على البحث لم يطع ، ولم يستطع لسانه بعد ذلك على التكلّم بغير الاعتذار.
ومنها : أ نّه حضر الفقيد على السيّد اُستاذه زماناً في النجف الأشرف ، ولقي عنده منزلة سامية ولم يعرّف نفسه لاُستاذه مع أ نّه كان يعلم أنّ اُستاذه يعرف أباه المقدّس السيّد صدر الدين وله مع أخيه السيّد محمد علي المعروف بآقا مجتهد صحبة قديمة ، فاتّفق أنّ السيّد لمّـا رجع من حجّ بيت الله الحرام إلى دار هجرته النجف الأشرف زاره اُستاذه لأنّ بعض تلامذته أخبره بورود السيّد إسماعيل بن السيّد صدر الدين من مكّة ، فلمّـا ورد إلى الدار ونظر إلى السيّد وقف متعجّباً وهو يقوله بالفارسية : آقا شمائيد ـ أي أنت السيّد إسماعيل بن السيّد صدر الدين ؟ ـ فقال : نعم . فتعجّب من ذلك كثيراً وازدادت في نفسه معنوية هذا الرجل العظيم.
ومنها :
أ نّه ضاقت ذات يده في بعض أيام إقامته في النجف الأشرف فلم يملك ما يسدّ به
حاجته من القوت حتّى أدرك الضعف في نفسه ، فخاف على والدته أن
لا تستطيع على ذلك صبراً ، فخرج ليستقرض ما يرفع به ضرورته وهو
متردّد في ذلك ، فأتى الصحن الشريف يفكّر في أمره ، وإذا برجل قد وقف
عليه وقال له : أنت سيّد موسوي النسب ؟ قال :
نعم . فدفع إليه خمس توامين ، وقال : هذه نذر لمن ينتسب إلى
الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ، فأخذها وقام حامداً
شاكراً ، وكان يحدّث أولاده وأصحابه بمثل هذه النوادر ، تهذيباً لهم
وإرشاداً إلى مكارم الأخلاق ، وأنّ العلم والانتساب إلى الأكابر وشرف
العائلة ، لا ينبغي أن يكون سبب غرور الرجل وتكبّره ، بل الواجب
أ نّه كلّما ارتفع عند الناس درجةً ازداد تواضعاً لله وأنّ خير
معرّف
للرجل بين الناس علمه وتقواه.
ومن تواضعه كان لا يحبّ الشهرة ، يمشي وحده ليلا ونهاراً ، ولا يحبّ أن يمشي معه أحد ، فإنّه ورد في الخبر الشريف : « هلك من خفق النعال خلفه » ، وكان كثير الاحتياط في فتواه وله كتابات غير مدوّنة وتربّى على يديه ثلّة من العلماء الأعلام.
وفي سنة 1334 هـ أتى الكاظمية المقدّسة وتوفّي فيها 12 جمادى الاُولى 1338 هـ ، ودفن في مقبرته المشهورة في الرواق الكاظمي بعد تشييع ضخم حافل ضمّ جميع الطبقات ، وقيل في تأريخ وفاته :
لئن يكن أخفى القبر شخصك في الثرى *** فهيهات ما أخفى فضائلك القبرُ
لقد كنت سرّ الله بين عباده *** ومن سنن العادات أن يكتم السرُّ
فطوبى لقبر أنت فيه مغيّبٌ *** فقد غاب في إطباق تربته البدرُ
ولست بمستسق له القطر بعدما *** غدا بثراه اليوم ينتجع القطرُ
تخيّرت صدر الخلد مأوىً فأرّخوا *** (من الخلد إسماعيل طاب له الصدرُ)
*** سنة 1338
وقامت مجالس الفواتح في سائر أنحاء العراق ودامت إلى قريب من شهر ، وكذلك في سائر البلاد الإسلامية كإيران وأفغانستان والهند وجبل عامل ، وأبّنه العلماء والكبراء ورثاه الشعراء والاُدباء ، فسلام عليه يوم ولد ويوم ارتحل إلى جوار ربّه ويوم يبعث حيّاً[3].
[1]جاءت ترجمته مفصّلة في بغية الراغبين 1 : 147 ، وأ نّه أخذ العلوم من أعاظم فقهاء الكاظميّة كالسيّد محسن الأعرجي والشيخ أسد الله.
[2]جاءت ترجمة السيّد صالح مفصّلة في بغية الراغبين 1 : 129 ، وتكملة أمل الآمل : 233 ، وروضات الجنّات.
[3]نقباء البشر 1 : 160 ، ومعارف الرجال 1 : 115 ، وتكملة أمل الآمل : 104 ، وبغية الراغبين 1 : 190 ، والأعيان 3 : 403 ، وصحيفة (صوت الكاظمين) العدد 26 لسنة 1415.
33«33»
![]() |
![]() |
![]() |