الشيخ حسين آل محفوظ

             ـ 1229

الشيخ حسين بن الشيخ علي آل محفوظ العاملي الكاظمي جدّ (آل محفوظ) في الكاظمية المقدّسة ، وهذه الاُسرة من أقدم البيوتات العلميّة ، فإنّهم ذات سلسلة علميّة أدبيّة متواصلة الحلقات ، وإنّ جدّهم الشيخ شمس الدين أبا محمّد محفوظ ابن وشاح بن محمّد الهرملي كان معاصراً للشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد الحلّي الشهير بالمحقّق المتوفّى سنة 676 هـ ، وبينهما مكاتبات ومراسلات.

فآل محفوظ بيت علم وأدب وفضل من قديم في جبل عامل والكاظمية والحلّة.

والمترجم أحد أفاضل علماء هذه الاُسرة العريقة ، اتّفقت الكلمة في عصره على زهده وورعه وعدالته وقداسته ، وكان في الكاظمية نظير الشيخ حسين نجف في النجف يضرب به المثل في تقواه وصلاحه ، حتّى كانوا يقولون : إنّ من حسنات هذا العصر الحسينين : الشيخ حسين محفوظ والشيخ حسين نجف.

تتلمذ على العلاّمة السيّد عبد الله الشبّر ، كما ذكر ذلك السيّد محمّد معصوم عند تعداد تلامذة شيخه السيّد الشبّر قائلا : « ومنهم العالم الفاضل والفقيه الكامل أفضل أهل زمانه على الإطلاق ، التقيّ النقيّ المولى الصفيّ شيخنا ومولانا ... إلى آخر ما يقول » ، وذكره السيّد الصدر في (التكملة) فاستظهر أنّ عمدة تتلمذه على المحقّق المقدّس الأعرجي الكاظمي ، وذكر صلاحه وأطراه إلى أن قال : كان صهر جدّنا السيّد صالح بن محمد بن إبراهيم شرف الدين العاملي على ابنته الشريفة (رحمة) عمّة والدي وشقيقة السيّد صدر الدين الموسوي.

اشتهر المترجم بكرامات تدلّ على مقامه الشامخ وأ نّه من أولياء الله المقرّبين وأ نّه قدوة للصالحين والسالكين إلى الله سبحانه.

فقد ذكر العلاّمة الكبير آقا بزرك الطهراني[1] بعضها عن حفيد المترجم العالم الثقة والفقيه الكامل الشيخ محمد جواد بن الشيخ موسى ، فقال في سبب هجرته إلى العراق : إنّه مرّ في بلاده يوماً وهو في الثانية عشرة من عمره راكباً على فرس حاملا سلاحه (كان يتصيّد ويتنزّه) فوقف على عين ماء ليورد فيها فرسه ، فلقيه رجل فسأله عن نسبه فقال : أنا ابن الشيخ علي من آل محفوظ ، فوبّخه الرجل كثيراً وقال له : ليس هذا شأنك بل شأنك طلب العلم كآبائك وأجدادك . فتأثّر الشيخ بذلك لحينه ، ولمّـا رجع إلى داره عزم على السفر إلى العراق للاشتغال بالدرس ، فهاجر إليها مختفياً عن كلّ أقاربه حتّى حطّ رحله في العراق وهو لا يعرف أحداً ولا يعرفه أحد ، فنفذت نفقته فاحتار في أمره ، فاُلقي في روعه أن يرفع طرف الحصير ، فوجد تحته من الدراهم ما يكفيه لسدّ حاجته ، وهكذا فقد كانت مؤونته تأتيه من الواحد الأحد الفرد الصمد جلّ جلاله ، فلم يحتج إلى الوجوه الشرعيّة طيلة حياته ، ولم يستعن بأحد حتّى أيامه الأخيرة ، ومن يتّقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتوكّل على الله فهو حسبه.

ومن كراماته :

أنّ نهر دجلة طغى مرّة بصورة هائلة حتّى أهلك الطوفان الزرع والضرع ، وفرّ الناس في الصحاري والبيداء ، فخرج الشيخ بعد الاستخارة إلى قرب حرم السيّد محمد بن الإمام علي الهادي (عليه السلام) ، فذات يوم قرب من الشطّ ليتوضّأ منه فجلس على الشريعة ، واتّفق أن سحبت البرصات ما تحت قدميه من الأرض فبقي على هيئته سائراً بمسير الماء حتّى بلغ قرب نصف الشطّ ، وأدركته القوارب لإنقاذه ، فلمّـا أخذوه رأوه يابساً لم يبتلّ حتّى أسفل قدميه ! ! فسُئل عن ذلك فأجاب : رأيت رجلين وضعا يديهما تحت رجلَيَّ حتّى وصلتم إليَّ . واشتهر منذ ذلك عند العرب بالشيخ اليابس.

وأيضاً عن الحفيد الشيخ محمد جواد عن والده الشيخ موسى وعن الثقة الصالح حمزة بن الحاج مهدي كلاهما عن الحاجّ مهدي الصالح المتّقي المتعبّد ، قال : أخبرني الشيخ بموته قبل وقوعه بيوم وهو صحيح وسالم ، فتوفّي في اليوم الثاني بعدما صلّى الفجر في الحرم الشريف ، فلمّـا رجع إلى أهله طلب منهم فطور الصباح فأكل قليلا قائلا لهم : هذا آخر زادي . ثمّ استقبل القبلة وتشهّد وفاضت نفسه الزكيّة راجعة إلى ربّها راضية مرضيّة . فاُحضر الأطبّاء وحكموا بإبقائه 24 ساعة ، ولمّـا كنت اُغسّله كان يتقلّب تقلّب الأحياء حتّى كنت أشكّ في موته . كانت وفاته سنة 1229 هـ.

وبعد تشييع ضخم دفن في الرواق الشريف في حرم الإمامين الجوادين (عليهما السلام)في الصفة المقابلة لمرقد الشيخ المفيد . ودُفن معه بعده بستّة أشهر ولده العلاّمة الشيخ محمد ، وأمّا ولده العالم الجليل الشيخ علي فقد توفّي بعدهما بمدّة في هرمل وقبره هناك مشهور.

خلّف المترجم خمسة ذكور ، ثلاثة منهم من العلماء الأعلام وهم الشيخ محمد والشيخ علي المذكورين وثالثهم الشيخ كاظم.

ومن رجال الاُسرة الشيخ أحمد بن محفوظ وولديه الشيخ محمد والشيخ إبراهيم والشيخ حيدر بن محفوظ الذي شوهد جسده طريّاً بعد سنين من وفاته وحفيده الشيخ حيدر بن زين بن حيدر بن محفوظ والحفيد والد الشيخ علي ، وأغلب رجال هذا البيت العلمي من الصلحاء الأخيار والعبّاد الأوتاد ، وذلك بالإضافة إلى ما نالوه من المراتب العلمية والمقامات الأدبية السامية قدّس الله أرواحهم الزكيّة[2].


[1]الكرام البررة 1 : 407.

[2]الأعيان 6 : 124 ، وتكملة أمل الآمل : 188 ، والكرام البررة 1 : 406 ، وصحيفة (صوت الكاظمين) العدد 28 لسنة 1415 تحت عنوان : آية العلم والتقى صاحب الكرامات.

86

«86»