الاُستاذ أحمد أمين

1320  ـ  1388

ومن ورّخ مؤمناً فقد أحياه ، وحياته حياة الاُمّة.

ومن هذا المنطلق والمفهوم الإسلامي يسعدني أن اُترجم عبقرياً من أبناء خطّتنا مدينة الكاظمية المقدّسة ، ألا وهو الاُستاذ الكبير والعلاّمة الشهير المرحوم أحمد أمين قدّس سرّه الشريف.

درس والدي الراحل (رحمه الله) أيّام شبابه عند الاُستاذ علم التجويد ومسائل الإرث والفرائض ، وكتب بعد ذلك كتابه المعروف (مخطّط كتاب الإرث) ، وكثير من علماء الكاظمية حضروا درس الاُستاذ ، فإنّه كان يحمل الشيء الكثير من العلوم القديمة والجديدة.

حدّثني الوالد (قدس سره) أنّ الاُستاذ كان من تلامذة آينشتاين صاحب نظرية النسبية الشهيرة ، وكان آينشتاين ينادي الاُستاذ بآينشتاين الشرق ، أو آينشتاين الثاني ، حيث كان يمتاز بنبوغ وتفوّق وذكاء مفرط.

وقد درست قبل أن أبلغ الحلم علم التجويد عند الوالد ، فأرى الاُستاذ أحمد أمين هو اُستاذي أيضاً ، وبركة العلم في تعظيم الاُستاذ كما ورد في الأثر . فوفاءً بحقّه وتعظيماً لمقامه الشامخ ، أودّ أن اُحيي مآثره مرّة اُخرى ، واُترجمه ولو من خلال سطور ، لنستلهم من روحه الطاهرة العلم والتقوى والأخلاق الحميدة ، ونقتدي برجال العلم والدين ، ونتأسّى بهم في سلوكنا ونشاطنا وأخلاقنا.

حدّثني الوالد (قدس سره) يوماً :

إنّ المرحوم آية الله السيّد إسماعيل الصدر (قدس سره) في ارتحال الاُستاذ أحمد امين إلى جوار ربّه قال : حين وضع جنازة الاُستاذ في لحده كان بعض الشباب من تلامذة الاُستاذ يلقون بأنفسهم في القبر ، يصرخون في بكاء ونحيب على أ نّه ادفنونا قبل الاُستاذ ، ولا نريد حياة ليس فيها أحمد أمين ، ثمّ كان السيّد الصدر يقول للوالد : انظر كيف أثّر هذا الرجل في نفوس الشباب ؟ هل سمعت يوماً في موت معمّم قد فعل تلامذته هكذا ؟ ...

أجل ، سرّ نجاح الاُستاذ إنّما يكمن في علمه الوافر ، وخلقه السامي ، وحلمه الرفيع ، وتقواه الساطع ، وعمله المتواصل.

كان نابغة أقرانه ، وكوكباً دُرّياً في سماء العلم والفضائل ، وفيلسوفاً جليل القدر ، وفلكيّاً عظيم الشأن ، ورياضياً رفيع المستوى ، وفقيهاً عظيم المنزلة ، ومفسّراً ومتكلّماً في القرن العشرين ، من مفاخر العلم والأدب في عالم التشيّع.

ولد من أبوين كريمين سنة 1320 هـ في مدينة الكاظمية المقدّسة ، وترعرع في أحضان التقوى والفضيلة ، وتربّى في حجر الإيمان والملكات الفاضلة.

ظهرت آثار النبوغ من وجناته من اليوم الأوّل من حياته ، ممّـا أعجب أساتذته من قوّة فهمه وحَلّه المسائل الرياضيّة الصعبة ، فقد جمع بين العلوم القديمة والحديثة.

سافر إلى تركيا ليكمل دراساته العليا وحاز على شهادة الدكتوراه في الفلسفة والرياضيات.

وقرأ الحكمة المتعالية عند آية الله الشيخ نعمة الله الدامغاني وآية الله محمد جواد البلاغي ، وحضر الفقه والاُصول عند أساطين العلم ، وحاز على درجة الاجتهاد ، خدم الشريعة المقدّسة بقلمه ولسانه وقدمه.

كان كريم النفس سخيّ الطبع حلو المحضر جامع المنقول والمعقول ، يذكّر الله رؤيته ، ويزيد في العلم منطقه ، ويرغّب في الآخرة عمله ، ومن يراه يرى الدين الإسلامي قد تجسّد في وجوده.

طُبع من تآليفه القيّمة وتصانيفه الثمينة كتابه العظيم (التكامل في الإسلام) في سبعة أجزاء ، وترجم إلى لغات عديدة كالفارسية والإنجليزية والفرنسية والاُوردو.

هذا السفر العظيم يضمّ بين دفّتيه الفنون والعلوم ، كتاب قيّم يُطلعك على فلسفة الإسلام الحقّة ، ويزيل بإذن الله ما يختلج في بعض الصدور من شكوك وأوهام ، ويريك أنّ الإسلام إنّما هو دين العقل والمنطق السليم ، وأن لا تنافي بينه وبين العلم الصحيح (لا الظنون ولا الأهواء).

قال الاُستاذ في مقدّمة كتابه :

فأنت أ يّها القارئ الكريم ، ترى في فصول هذا الكتاب بعض ما جاء في الدين الإسلامي من أحكام ، وكيفية تكميل هذه الأحكام النفوس البشرية ، لو عملت بها لوجه الله دونما رياء ولا رغبة في مال أو سمعة ، وترى كيف تنقشع أمامك بعض الشُبَه التي أولدتها طغيان المادة وما أعقبت من شهوات ونزوات.

وبالختام أسأل الله تعالى أن تستفيد الشبيبة بعد مطالعة هذه السطور فائدة تحرّك جوارحهم إلى العمل بما أمر الله تعالى ، خاشعين خاضعين منيبين مستغفرين نادمين تائبين ، فتطهر بذلك نفوسهم وتتكامل أرواحهم فيروا أنفسهم في عالم من القدسيّة ، بعيد عن حدود الوصف والبيان.

أ يّها القارئ الكريم ، اُوصيك بمطالعة هذا السفر العظيم ، فإنّك لو علمت ما فيه لطلبته ولو بخوض اللجج ...

أجل ، أجاب الاُستاذ داعي ربّه صباح اليوم الثاني من صفر سنة 1390 هـ بعد فراغه من صلاة الصبح بسكتة دماغية في مكتبته الخاصّة بين تآليفه القيّمة.

اُعلن نبأ وفاته من إذاعة بغداد ، فعطّلت الأسواق ، وخرجت الجماهير الناحبة تشيّع جثمانه الطاهر في الكاظمية المقدّسة ، ثمّ في كربلاء المعلّى ، ثمّ في النجف الأشرف.

ودُفن في مثواه بجوار مولاه الأمير (عليه السلام) في مقبرتهم الخاصّة بالاُسرة ، واُقيمت الفواتح الكثيرة على روحه الطاهرة في مدن العراق وفي البلاد الإسلاميّة
والعربيّة.

وقد أرّخ رحلته العلاّمة الخطيب السيّد علي الهاشمي الكاظمي (قدس سره) قائلا :

أرى اُسرة العلم مفجوعةٌ *** بفقد المربّي والمرشدِ

ونابغة الفكر بحر الندى *** عميد الهدى العالمِ الأوحدِ

ففي صفر قال تأريخه : *** تضجّ بكاءً على أحمدِ

فسلام عليه يوم ولد.

وسلام عليه يوم ارتحل.

وسلام عليه يوم يبعث حياً.

عاش سعيداً ومات سعيداً[1].


[1]معجم العلماء العرب 3 : 16 ، وأعلام العراق الحديث 1 : 68 ، وصحيفة (صوت الكاظمين) ، العدد 2 و 3 ، سنة 1413 هـ.

16

«16»