![]() |
![]() |
![]() |
1143 ـ 1212
الشيخ كاظم بن الحاجّ محمّد الاُزري.
كان فاضلا متكلّماً حكيماً أديباً شاعراً تقدّم على جميع شعراء عصره.
اُسرته من بيوت العلم والأدب في الكاظمية وبغداد ومن أعلامها الشيخ كاظم والشيخ محمد رضا ثمّ الحاجّ عبد الحسين.
ولد الشيخ في بغداد سنة 1143 على الأصحّ ، ولم تزل داره التي وُلد فيها قائمة في محلّة رأس القرية في بغداد وهي من جملة أوقاف والده التي وقفها عليه وعلى إخوته سنة 1159 . وبقي في طفولته مقعداً سبع سنوات ثمّ مشى.
درس العلوم العربية ومقداراً غير قليل من الفقه والاُصول على فضلاء عصره ولكنّه ولع بالأدب وأخذ ينظم الشعر ولم يبلغ العشرين عاماً . كان سريع الخاطر حاضر النكتة وقّاد الذهن قويّ الذاكرة ، كما كان محترم الجانب لدى العلماء والوجهاء من أبناء عصره حتّى أنّ السيّد مهدي بحر العلوم كان يقدّمه على كثيرين من العلماء لبراعته في المناظرة ولطول باعه في التفسير والحديث ولاطلاعه الواسع على التأريخ والسير.
كان قصير القامة مع سمنة فيه ولا يفارقه السلاح ليلا ونهاراً خشية على نفسه من أعدائه من المخالفين ، وفي سنة ألف ومئة ونيّف وستين من الهجرة حجّ بيت الله الحرام.
استقبل الناس شعره كفصل الربيع من السنة في نسيمه المنعش وأزهاره العبقة ، فقد جمع بين جزالة اللفظ وجمال الاُسلوب ورصانة التركيب وحسن الديباجة . وعدّ عند أهل الخبرة أ نّه في طليعة شعراء العراق ومن فحولهم البارزين.
صاحب الهائيّة التي تنوف على أكثر من خمسمئة بيت ويعرفها الناس بقرآن الشعر وبالملحمة الكبرى ، وهذه القصيدة الفذّة في بابها هي صدى نفسه الكبيرة وفكره الخصب.
أمّا
ديوانه فقد تلاقفته الأيدي حين طبعه وأصبح شعره يدور على الألسن
كالأمثال
السائرة ومنها قوله :
وما أسفي على الدنيا ولكن *** على إبل حداها غير حادِ
وقوله :
وقد تأتي الخديعة من صديق *** كما تأتي النصيحة من معادِ
وقوله :
إنّ من كان همّه في المعالي *** هجر الظلّ واستظلّ الهجيرا
وقوله :
لا تعجباً لفساد كلّ صحيحة *** فالناس في زمن كجلد الأجرب
وقوله :
لا تنوحي إلاّ عليّ لديهم *** ما على كلّ من يموت نياحُ
وقوله :
ولسوف يدرك كلّ باغ بغيه *** المرء ينسى والزمان يؤرّخُ
وقوله :
ذريني أذق حرّ الزمان وبرده *** فلا خير فيمن عاقه الحرّ والبرد
وقوله :
فتيقّظ إذا رأيت عيون *** الحظّ يقظى ونم إذا الحظّ ناما
وقوله :
بأيّ جناية منع الوصال *** أبخلٌ بالمليحة أم دلالُ
تحرم أن يمسّ جفني *** مخافة أن يمرّ به خيالُ[1]
وقوله :
إنّ دهراً يذلّ كلّ عزيز *** هو دهر يعزّ كلّ ذليل
أ يّها الواشيان لا تهزآ بي *** ربّ عود يخضرّ بعد ذبول
وله :
عذراً إلى الشعر كم أبني بجوهره *** بيتاً لكلّ دني بيته شعر
وربّ مادح قوم فوق قدرهم *** أطال في هجوهم لو أ نّهم شعروا
وله :
لا تكثرنّ من الشباب وذكره *** أنت ابن يومك لا ابن ماضي الأحقب
وتلاف من قبل الفوات فربما *** أعياك غمز العود بعد تصلّب
كم من أخ لك غير اُمّك اُمّه *** تنسيك سيرته إخاء المنسب
واحفظ مغيب القوم حفظ حضورهم *** أنعم بهم من حاضرين وغُيّب
من لم تؤدّ به خلائق طبعه *** ألفيته بالسيف غير مؤدّب
وله :
ما لي أراك تطول فخراًفي الندى *** قل لي بأيّ يد بلغت المفخرا
أبرأي رسطاليس أم برضاعة *** أم لطف تبريز حكت اسكندرا
أمّا العلوم فقد جهلت وجوهها *** فكأنّ هيكل ذاته ما صوّرا
إنّ الفخور لجائرٌ في قصده *** والله يمقت من بغى وتجبّرا
فاخفض جناحك لاتكن متكبّراً *** ما شيمة النجباء أن تتكبّرا
لا تفخرن فيما بحقّ بمن غدا *** من طينة مسنونة أن يفخرا
والمرء يفصح فعله عن أصله *** وكفى بفعل المراء عنه مخبرا
وله :
اُنظر إليّ ولا تسل عن حالتي *** فالعين ليس يفيدها ما لا ترى
النفس تأنس حيث بات حبيبها *** ولو أ نّها باتت مجاورة الثرى
وله :
والحرّ تصلحه الخطوب كما يشا *** كافورة القرطاس مسك مداد
ومنها :
إن أفسدوا فالسيف يصلح بيننا *** والسيف يصلح كلّ ذات فساد
إيّاك أن ترد الغدير مكدّراً *** واقنع من الصافي ولو بثماد
وذر التصدّر في الاُمور أما ترى *** شأن الملوك توسّط الأجناد
وله :
والنفس مولعةٌ بما عوّدتها *** فدع الطبيب وعد إلى المعتادِ
واترك معاتبه الصديق إذا جنى *** ما العتب غير إثارة الأحقادِ
والعشق شبه دوائر فلكيّة *** غاياتهنّ من المدار مبادي
وله :
مضى كلّ حرّ طيّب الفعل يشتكي *** إذى كلّ جبّار الفعال عنيد
فأين علي من مقام ابن ملجم *** وأين حسينٌ من مقام يزيدِ
ولم تبرح الدنيا تذلّ كرامها *** ولا سيّد إلاّ بكفّ مسودِ
وله :
إن كنت في سِنة من غارة الزمن *** فانظر لنفسك واستيقظ من الوسن
ليس الزمان بأمون على أحد *** هيهات أن تسكن الدنيا إلى سكنِ
وكيف يحمد للدنيا صنيع يد *** وغاية البشر منها غاية الحزنِ
هن الليالي تراها غير خائنة *** إلاّ بكلّ كريم الطبع لم يخنِ
أمّا قصيدته الهائيّة الكبرى التي عُرفت باسم الاُزريّة واشتهرت اشتهاراً عظيماً والتي كان السيّد مهدي بحر العلوم الطباطبائي إذا اُنشدت أمامه لا يسمعها إلاّ قائماً إجلالا واحتراماً والتي تعتبر بحقّ ملحمة من ملاحم الشعر العربي فقد بدأها بالغزل على عادة الشعر القديم وافتتحها بهذا المطلع :
لمن الشمس في قباب قباها *** شفّ جسم الدجى بروح ضياها
وبعد أن مضى في الغزل على هذا النحو في نحو خمسين بيتاً تخلّص إلى مدح النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) ثمّ وصيّه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قائلا :
ملك شدّ أزره بأخيه *** فاستقامت من الاُمور قناها
أسد الله ما رأت مقلتاه *** نار حرب تشبّ إلاّ اصطلاها
فارس المؤمنين في كلّ حرب *** قطب محرابها إمام وغاها
لم يخض في الهياج إلاّ وأبدى *** عزمة يتّقي الردى إيّاها
ذاك رأس الموحّدين وحامي *** بيضة الدين من أكفّ عداها
ذاك قمقامها الذي لا يروّي *** غير صمصامه أوام صداها
وبه استفتح الهدى يوم بدر *** من طغاة أبت سوى طغواها
إلى أن يقول :
ونجم ماذا جرى يوم خمّ *** تلك اكرومة أبت أن تضاهى
ذاك يوم من الزمان أبانت *** ملّة الحقّ فيه عن مقتداها
كم حوى ذلك (الغدير) نجوماً *** ما جرت أنجم الدجى مجراها
إذ رقى منبر الحدائج هاد *** طاول السبعة العلى برقاها
موقفاً للأنام في فلوات *** وعرات بالقيظ يشوي شواها
أ يّها الناس حدّثوا اليوم عنّي *** وليبلّغ أدنى الورى أقصاها
كلّ نفس كانت تراني مولى *** فلترَ اليوم حيدراً مولاها
ربّ هذي أمانة لك عندي *** وإليك الأمين قد أدّاها
والِ من لا يرى الولاية إلاّ *** لعليٍّ وعادِ من عاداها
توفّي حسب المشهور سنة 1212 ، ودفن في مقبرة اُسرته في الكاظمية ، غير أنّ الحجر الذي وجد في داخل السرداب يدلّ على أنّ تأريخ وفاته سنة 1201 ، والله العالم[2].
[1]ذكر صاحب أعيان الشيعة جملة من قصائده الرنّانة ، فراجع 9 : 12.
[2]أعيان الشيعة 9 : 18 ، وصحيفة (صوت الكاظمين) ، العدد 62 لسنة 1418 تحت عنوان : شاعر القصيدة الاُزريّة.
149«149»
![]() |
![]() |
![]() |