الشيخ محمّد حسن آل كبّة

1269  ـ  1333

الشيخ الحاجّ محمّد حسن بن الحاجّ محمّد صالح بن الحاجّ مصطفى بن الحاجّ درويش علي بن الحاجّ جعفر بن الحاجّ علي بن الحاجّ معروف آل كبّة الربيعي البغدادي الكاظمي.

ولد في الكاظمية 8 رمضان 1269 هـ.

عالم جليل وفقيه بارع وأديب كبير ، نشأ ببغداد في كنف والده مشتغلا بالتجارة ، ودرس خلال ذلك العلوم العربيّة وبعض كتب الأدب ، ومالت نفسه إلى الشعر فقرضه وساجل أعلامه وطارحهم وجرى في حلباته.

في الثامنة عشر من عمره توفّي والده فتسلّم اُمور التجارة واستمرّ على اتّصالاته بأعلام العلم والأدب ، وفي حدود سنة 1298 هـ قلب الدهر له ظهر المجنّ وحلّ في أمواله خسران عظيم حتّى لم يبقَ له شيء يعتدّ به ، فلم يكن للمترجم همّة إلاّ الانصراف إلى العلم والاشتغال بالتكميل والتخلّي عن شؤون التجارة . فلم يكن له سبيل إلى ذلك ، فبقي يتوسّل بصاحب الزمان (عليه السلام) إلى أن تهيّأت له أسباب الحركة إلى النجف الأشرف بعد اليأس ، وكان ذلك في 1299 هـ وهو ابن ثلاثين سنة ، واشتغل في مدّة قليلة بتكميل العلوم العربية وقليل من سطوح الفقه والاُصول عند جمع من الأعلام والمجتهدين الشائقين إلى تربيته للمحبّة القديمة كالشيخ أحمد بن الشيخ عبد الحسين بن الشيخ محمّد حسن مؤلف (الجواهر) ، والشيخ جعفر بن الشيخ محمّد الشرقي سبط مؤلف (الجواهر) ، والشيخ حسين بن الشيخ علي الطريحي ، والسيّد مهدي بن السيّد صالح الحكيم ، ثمّ عاد إلى الكاظمية المقدّسة ، فكان يقرأ فيها على الشيخ محمّد بن كاظم صهر الشيخ محمّد حسن آل ياسين ، وعلى الشيخ عباس بن الشيخ محمّد حسين الجصّاني ، ثمّ عاد ثانياً إلى النجف الأشرف فخصّه الشيخ عبد الله المازندراني ببحث في (الرسائل) في داره ، وكذا الشيخ آقا رضا الهمداني ببحث في مسجده قرب داره . ورجع ثانياً إلى الكاظميّة وعاد ثالثاً إلى النجف حتّى قرب المجموع من سبع سنين فهاجر إلى سامراء في 1306 هـ فكان يحضر على السيّد المجدّد ويستفيد منه وكان يحضر خلال ذلك على الشيخ الميرزا محمّد تقي الشيرازي والسيّد محمّد الإصفهاني ، وبقي المترجم له بعناية ربانية يواصل أوقاته بالتدريس والتأليف حتّى بلغ درجة الاجتهاد مع صلاح وسداد وشهد بذلك جماعة من فقهاء الإسلام كالشيخ محمّد طه نجف والشيخ آقا رضا الهمداني والشيخ عبد الله المازندراني والميرزا محمّد تقي الشيرازي في إجازاتهم الروائية للمترجم له ، أمّا الشيخ الشيرازي فإنّه أرجع إليه الاحتياطات اعتماداً عليه ووثوقاً به وإيماناً بفقاهته.

ففاق المترجم أقرانه حتّى ضرب به المثل وعاش سعيداً في حياته التجاريّة وحياته العلميّة ، ففي أيام تجارته كان من الأعيان الذين يشار إليهم بالبنان ، وفي أيام دراسته كان من الأجلاّء الذين يرجع إليهم الفضلاء.

مؤلفاته :

وللمترجم له مصنّفات قيّمة عديدة أ لّفها في النجف وبغداد وسامراء ، منها :

1 ـ (شرح قطر الندى) في غاية الجودة.

2 ـ (الرحلة المكّيّة) اُرجوزة في ألف بيت نظمها في سفره إلى الحجّ في سنة 1292 هـ وعليها تقريضات كثيرة.

وأمّا تصانيفه في الفقه والاُصول فمنها :

3 ـ (كتاب الطهارة) مختصراً اقتصر فيه على المسائل المهمّة كتعيين الكرّ واعتبار التساوي واعتبار الامتزاج وكلم الغالة وغير ذلك.

4 ـ كتاب (المواقيت) مبسوطاً في الصلاة.

5 ـ (المواسعة والمضايقة).

6 ـ (صلاة الجماعة).

7 ـ (كتاب الخلل).

8 ـ (صلاة المسافر).

9 ـ شرح (كتاب الصوم) من كتاب الإرشاد للعلاّمة الحلّي (قدس سره).

10 ـ (شرح كتاب الحجّ) من كتاب الدروس للشهيد الأوّل (قدس سره).

11 ـ (حاشية على كتاب الطهارة) للشيخ الأنصاري (رحمه الله).

12 ـ (حاشية على المكاسب).

13 ـ (حاشية على قاعدة من ملك).

14 ـ (حاشية على المدارك).

15 ـ (الفوائد الرجالية).

16 ـ الأحكام الشرعيّة في المواريث الجعفريّة.

17 ـ إرشاد أهل الحجى في حرمة حلق اللحى.

وفي خاتمة حياته الدنيوية المباركة زار كربلاء المعلّى في النصف من شعبان المعظّم سنة 1333 هـ ، ثمّ تشرّف إلى النجف الأشرف ومرض أ يّاماً حتّى توفّي عشيّة الخميس التاسع من شهر رمضان من السنة المذكورة ودفن مع أبيه وجدّه في مقبرتهم الواقعة بعد فتح الفلكة مقابل باب الطوسي وفي أوّل الشارع المؤدّي إلى وادي السلام على يسار القاصد إلى الوادي.

فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيّاً.

هذا و (آل كبّة) من البيوت العريقة التي أخذت دوراً هاماً في تأريخ الأدب العربي الإسلامي بتشجيعها لأهل العلم والأدب ، ولرجالها الأفذاذ يد بيضاء في تشجيع الحركة العلمية والأدبية وأسواق عكاظية تتسابق بها الشعراء والاُدباء ، وتنتمي الاُسرة إلى ربيعة ، وقد قطنت بغداد في أيام خلافة العباسيين ، فقد جاء في مقدّمة (العقد المفصّل) أنّ أحدهم رأى كتاباً مخطوطاً في طهران فيه ذكر بيوتات بغداد يومذاك ، ومنها آل كبّة ، وقد نبغ فيها أعلام في الفقه والأدب أشهرهم المترجم له (قدس سره) فحاز المرتبة العليا في العلم والأدب.

وهكذا يفعل العلم بأهله ويخلّده في التأريخ ، فإنّ العلماء باقون ما بقي الدهر ، كما ورد في الأثر ، وإنّ المترجم له قد سعد في الدارين حين عروجه من عالم التجارة إلى عالم العلم والفضيلة.

وفي زماني عاشرت مثالا آخر لرجل التجارة والعلم ، فقد التقيت به لأوّل مرّة في قم المقدّسة في مجالس العزاء الحسيني قبل سنين (سنة 1409 هـ) فرأيته ذا شيبة ووقار ، وعليه سيماء الصالحين ، ولا أدري كيف جمعتنا المودّة والمحبّة ، وكنت في بداية الأمر أتجبجب منه ، فإنّه ورد في الخبر الشريف : مجالسة الأغنياء يقسي القلوب ، ولكن هذا الرجل الصالح غلب إيمانه وولائه لأهل البيت (عليهم السلام) على ثروته وغناه وامتاز بالتواضع ، فشاء الله سبحانه أن تشتدّ الأواصر والصداقة بيننا ، فقلت له يوماً بعد أن عرفت أ نّه قد عاشر أيام حياته كثيراً من المراجع والعلماء الأعلام وفطاحل النجف الأشرف ، وكثرة أسفاره في العالم وخدماته الاجتماعية ومشاريعه الدينية كتذهيب باب القبلة لحرم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من أمواله الخاصّة ، وبناء منتدى النشر والجامع وملازمته للعلاّمتين الآيتين المرحوم الأميني والمرحوم المظفّر (قدس سرهما) ، أن يكتب عن حياته وأسفاره ، فأبى في البداية على أنّ عمره ناهز الخمس والستّين سنة قضاها بالتجارة والعمل وهاجر أخيراً إلى إيران الإسلام ومدينة قم المقدّسة عش آل محمّد ، بعد أن حكم عليه صدّام الكافر بالإعدام وسجن أولاده الكرام ، فكيف يكتب مع تشتّت البال ؟ فطلبت منه أن يريني بعض رسائله إلى أصدقائه لأرى قلمه وأدبه فوجدتها ذات اُسلوب رائع ، فبين آونة واُخرى كنت اُصرّ عليه بالكتابة واُشجّعه على ذلك ، ثمّ أخذته يوماً إلى محضر سيّدنا الاُستاذ آية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي (قدس سره) فارتاح له سيّدنا الاُستاذ وعرف والده في النجف الأشرف وأجازه في الرواية ، واسترّ الحاجّ كثيراً ، وكان هذا اللقاء وإجازة الرواية دافعاً للتأليف والتصنيف ، فخطّ يراعه الكريم على كبر سنّه أكثر من عشر مؤلفات ولا زال ، وذلك خلال سنين قلائل حتّى أدهش القريب والبعيد وصار محطّ اغتباط جميع المؤمنين ، وقد طبع له كتاب (الكبائر من الذنوب) و (أدعية الحجّ والعمرة) و (عليّ في الكتاب والسنّة) في ثلاث مجلّدات كبار حول أمير المؤمنين (عليه السلام) وغيرها ، وقد صدق فيه الحديث الشريف « إطلب العلم من المهد إلى اللحد » ، وفي ليالي شهر رمضان من بعد الإفطار كان يسهر الليل إلى السحر في المطالعة والكتابة ، ولله الحجّة البالغة ، وبأمثال هؤلاء الرجال يضرب المثل للشباب ويُتمّ الحجّة عليهم ، سائلا العليّ القدير أن يديم في توفيق الحاجّ حسين الشاكري ـ أبي علي ـ دام علاه ويوفّق الشباب للعلم والعمل الصالح.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين[1].


[1]معارف الرجال 2 : 240 ، وأعيان الشيعة ، ونقباء البشر 1 : 401 ، ومعجم المؤلفين 3 : 234 ، ودائرة المعارف بزرك إسلامي 2 : 116 ، وصحيفة (صوت الكاظمين) العدد 17 لسنة 1414 تحت عنوان : رجل التجارة والعلم.

188

«188»