مسائل الاُولى[1]

[2]قال المحقّق (قدس سره) في الشرائع : (إذا قطع يداً كاملة ويده ناقصة إصبعاً ، كان للمجني عليه قطع الناقصة ، وهل تؤخذ دية الإصبع ؟ قال في الخلاف : نعم وفي المبسوط : ليس له ذلك إلاّ أن يكون يأخذ ديتها).

توضيح ذلك : تعدّ اللغة العربية من أعظم اللغات في سعتها ودقّتها ، حتّى كاد أن لا يكون فيها المترادف كما قيل ، فإنّه قد وضع فيها لكلّ معنى ولكلّ شيء لفظاً خاصّاً ، فعندهم لليد أسماء عديدة باعتبار أعضائها ، فالأنامل يتكوّن منها الأصابع ، واُصولها الأشاجع الواصلة بين الأصابع والكفّ ، فالكفّ راحة اليد باطنة ، فالرسق ، فالكوع ، فالذراع ، والكوع جمعه أكواع بين السرق بفتح السين أو سكونها وبين الذراع وهو متّصل بالمفصل وقابل للقصاص ، وهناك عظم في الذراع متّصل بالرسق ، ثمّ بعد الذراع ويسمّى الساعد ، ثمّ يكون المرفق وهو الواصل بين الذراع والعضد ، ثمّ الكتف ، وحينئذ لو قطع الجاني يداً كاملة من المجني عليه ـ ولليد إطلاقات عديدة تارةً على الكفّ كما في آية التيمّم ، واُخرى على الذراع كما في آية الوضوء ، وثالثة على الكتف وما دونه ـ وكانت يد الجاني ناقصة إصبعاً ، فذهب المشهور إلى أنّ له قطع الناقصة قصاصاً أو يأخذ الدية ، ولكن اختلف الفقهاء والشيخ الطوسي على قولين في كتابيه الخلاف والمبسوط ، أ نّه في صورة القصاص هل له أن يأخذ دية الإصبع ؟ فقال الشيخ في الخلاف نعم وفي المبسوط ليس له ذلك ، إلاّ أن يكون أخذ ديتها فقيل بالتفصيل بين قطع الأصابع الأربعة دون الإبهام ، فيقتصّ للأربعة وتؤخذ الدية للخامس وقيل : بين ما لو قطعت أصابعه بالقصاص أو أخذ ديتها فسقطت فلا يقتصّ وتؤخذ الدية ، وإلاّ فيقتصّ منه لرواية سورة بن كليب[3] ، وهو مشترك بين نفرين ، وكلاهما من المجهولين كما عند بعض ، وقيل : أحدهما معتبر والآخر مجهول ، إلاّ أ نّه لا يمكن تعيّنهما بالمميّزات بين
المشتركين . فالرواية تكون ضعيفة السند ، اللهمّ إلاّ أن يقال فيها ابن محبوب وهو من أصحاب الإجماع ، ولكن مرّ الكلام في ضعف هذا الإجماع الذي يدّعيه الكشّي في رجاله ، فتأمّل . كما أ نّه ما يستفاد من الرواية إنّما هو باعتبار الملاك ، إلاّ أ نّه ليس من الاطميناني حتّى يعتمد عليه ، فلا يؤخذ به ، لا سيّما في قصاص النفس فإنّ الوارد فيه (النفس بالنفس) لا البدن بالبدن حتّى يقال بأخذ الدية للسالمة ، فلا مجال للعمل بهذه الرواية سنداً ودلالة.

أمّا الإشكال في التفصيل بأ نّه إحداث قول ثالث في الإجماعين ، فيكون من الإجماع المركّب وهو مردود للزوم مخالفة قول المعصوم (عليه السلام) على كلّ حال ، فجوابه أنّ الإجماع المركّب على نحوين : فتارة مركّب من لازم القولين وهو نفي القول الثالث ، فلا يجوز إحداثه فإنّه خرق للإجماعين ، واُخرى لا يلزم نفي أحد الإجماعين في القول الثالث ، فيجوز ذلك حينئذ ، وعند بعض للفرق بينهما ، فإنّ الجائز عدم القول بالفصل ، والذي لا يجوز القول بعدم الفصل ، فما قيل في ما نحن فيه : بأنّ المسألة ذات قولين : إمّا القصاص إمّا الدية ، فالقول بالتفصيل بإحداث قول ثالث وهو لا يجوز ، فجوابه أنّ المستفاد من القولين ليس نفي القول الثالث ، فهو من باب عدم
القول بالفصل لا من باب القول بعدم الفصل ، فتدبّر.

فالمختار فيما لو كان الجاني ذات أصابع أربعة ، القصاص في الأربعة وفي الخامسة الدية[4].


[1] 

[2]  الجواهر (42 : 397) : (مسائل : الاُولى : إذا قطع يداً كاملة ويده ناقصة إصبعاً كان للمجني عليه) الدية تامّة أو (قطع الناقصة) بلا خلاف ولا إشكال (و) لكن مع اختيار الثاني (هل تؤخذ دية الإصبع) المفقودة من اليد التي قطعها قصاصاً ؟ (قال في الخلاف) وموضع من المبسوط (نعم) تؤخذ مطلقاً سواء كانت مفقودة خلقة أو بآفة أو قصاصاً أو بجناية قد استوفى أو استحقّ ديتها . وقال (في المبسوط : ليس له ذلك إلاّ أن يكون آخذ ديتها) أو استحقّها ، أمّا إذا كانت مفقودة خلقة أو بآفة لم يستحقّ المقتصّ شيئاً ، وتبعه ابن البرّاج في محكيّ المهذّب والجواهر ، لما سمعته من خبر سورة بن كليب في القائل إذا كان أقطع اليد ، ولكن مقتضاه أنّ المقطوعة قصاصاً بحكم المأخوذ ديتها كما عن موضع من المبسوط ، بل يناسبه ما جزموا به في غير المقام في ما لو قطع إصبعاً من رجل ويداً من آخر من أ نّه يقتصّ للأوّل في الإصبع وللآخر في اليد مع دفع دية الإصبع . وعلى كلّ حال فقد عرفت أنّ الخبر المزبور مقصور على محلّه ، وإلاّ لكان مقتضاه عدم شيء على من قطع يداً مثلا ولا يد له خلقةً ، وهو معلوم البطلان ، فلا ريب في أنّ الأقوى الأوّل لا الثاني ... وللحديث صلة فراجع.

وفي تكملة المنهاج 2 : 173 ، مسألة 188 : كلّ عضو يقتصّ منه مع وجوده تؤخذ الدية بدله مع فقده ، فإذا قطع من له إصبع واحدة إصبعين من شخص ، قطعت الإصبع الواحدة قصاصاً عن إحداهما واُخذت دية الاُخرى ، وكذلك الحال فيما إذا قلع عين شخص من لا عين له ـ وذلك لأ نّه مضافاً إلى أنّ حقّ المسلم لا يذهب هدراً ، لا قصور في إطلاقات أدلّة الدية عن شمول مثل المقام الذي لا يمكن فيه الاقتصاص ـ .

أقول : لا بأس أن نذكر المسألة الآتية من تكملة المنهاج أيضاً مع الهوامش ، لما فيها من الفوائد والمنافع في مقام الاستدلال ، ومقصودي من ذكر الأقوال والمتون الفقهيّة من أصحابنا ومن أبناء العامّة إنّما هو ترويض القارئ الكريم وتمرينه على عمليّة استنباط الحكم الشرعي الفرعي من أدلّته التفصيليّة (الكتاب والسنّة والإجماع والعقل) كما إنّ في التكرار إفادة لزيادة التقرير ، فإنّ في الدرس حرف وفي التكرار ألف.

فقال سيّدنا الخوئي (قدس سره) (مسألة 189) ذهب جماعة إلى أ نّه لو قطع كفّاً تامّة من ليس له أصابع أصلا ، أو ليس له بعضها قطعت كفّه واُخذت منه دية الناقص ، وفيه إشكال ، والأقرب عدم جواز أخذ الدية ـ الحكم المذكور وإن ادّعى الشيخ في الخلاف الإجماع عليه معلّلا بأ نّه أقرب إلى المثل بعد تعذّر الصورة ، إلاّ أ نّه لا دليل عليه فإنّ الإجماع لم يتمّ ، ولا يوجد دليل آخر . هذا وعن الشيخ في المبسوط التفصيل بين ما إذا أخذ القاطع دية أصابعه أو استحقّها ، وما إذا كانت أصابعه مفقودة خلقة أو بآفة ، فعلى الأوّل كان للمجني عليه أخذ دية الأصابع منه ، وعلى الثاني لم يستحقّ شيئاً ، واختار هذا التفصيل ابن البرّاج في المهذّب البارع والقاضي في الجواهر ، ومن الغريب أ نّهم استندوا في ذلك إلى رواية سورة بن كليب عن أبي عبد الله (عليه السلام) ... وجه الغرابة : (مضافاً إلى ضعف الرواية سنداً ، فإنّ سورة بن كليب الواقع في سند الرواية مردّد بين الأسدي الواقع في أسناد تفسير عليّ بن إبراهيم ، الذي روى عن أبي جعفر (عليه السلام) وبين النهدي الذي لم يثبت توثيقه ولا مدحه ، ومضافاً إلى أنّ موردها جناية النفس دون الطرف ، ولا نقول بالقياس) أنّ الرواية أجنبيّة عن المسألة ، فإنّ موردها نقصان يد المقتول دون القاتل ، ومورد مسألتنا هذه نقصان يد الجاني بإصبع أو أصابع ، فالنتيجة أ نّه لا دليل على هذا التفصيل ، ولا نصّ في المسألة ، فمقتضى أدلّة القصاص هو الاقتصار على قطع اليد ـ وأمّا إذا كان الناقص عضو المجني عليه كما إذا قطعت يده الناقصة إصبعاً أو أكثر ، فهل له قطع يد الجاني الكاملة أم لا ؟ فيه أقوال : الظاهر أنّ له القطع من دون وجوب ردّ شيء عليه ـ بيان ذلك : أنّ في المسألة أقوالا : منها : ما عن الفاضل في القواعد ، والشهيد الثاني في المسالك ومحكيّ التحرير : من أ نّه لا تقطع يد الجاني ، بل تقطع الأصابع منها بمقدار أصابع المجني عليه فحسب ، وتؤخذ منه دية الكفّ حكومة ، ومنها : ما عن ابن إرديس : من عدم جواز القصاص لفقد المماثلة ومنها : جواز القصاص بقطع اليد بعد ردّ دية الفاضل من الجاني ، وهذا القول هو المعروف والمشهور بين الأصحاب ، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه ، واستدلّ على هذا القول برواية الحسين بن العباس بن الجريش عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ... ويمكن الاستدلال على هذا القول أيضاً برواية سورة بن كليب المتقدّمة.

والصحيح في المقام أن يقال : (أمّا القول الأوّل) فهو باطل جزماً ، ضرورة أنّ الأمر في المقام يدور بين أمرين لا ثالث لهما : إمّا أن نقول بقطع يد الجاني نظراً إلى إطلاقات أدلّة القصاص كتاباً وسنّة التي تدلّ على ذلك ، من دون فرق بين اليد الكاملة والناقصة ، وإمّا أن لا نقول بقطع يده ، نظراً إلى أنّ اليد الكاملة لا تقطع بالناقصة ، وإمّا قطع أصابعه فحسب ، وأخذ دية الكفّ بالحكومة فلا وجه له أصلا ، و (أمّا القول الثاني) فأيضاً لا وجه له ، فإنّ المماثلة إنّما هي بين اليدين والمفروض أ نّها موجودة ولا دليل على اعتبار أزيد من صدق اليد ، وعليه فالإطلاقات محكمة ، ولا أثر لوجود النقص في إحداهما بإصبع أو أكثر دون الاُخرى و (أمّا القول الثالث) فهو وإن تمّ بالإضافة إلى القصاص ، لما عرفت من أ نّه مقتضى الإطلاقات ، ولا دليل على التقييد ، إلاّ أ نّه غير تامّ بالإضافة إلى وجوب ردّ دية الإصبع الفاضلة في الجاني ، وذلك لأنّ الإجماع في المسألة غير متحقّق ، وأمّا رواية الحسين بن العباس بن الجريش فهي ضعيفة سنداً ، فإنّ في سندها سهل بن زياد ، وهو لم يثبت توثيقه ، والحسين بن الجريش ضعيف جدّاً ، على أنّ الرواية مقطوعة البطلان جزماً ، فإنّ ابن العباس لم يدرك زمان أبي جعفر الأوّل (عليه السلام) وأمّا رواية سورة بن كليب فقد عرفت ، مضافاً إلى ضعف سندها ، واردة في جناية النفس دون جناية الطرف ، فلا يمكن قياس المقام بموردها ، فالنتيجة هي ثبوت القصاص بمقتضى الإطلاقات وعدم وجوب ردّ شيء عليه ـ .

وفي كشف اللثام (2 : 473) : في شرائط قصاص الطرف : الخامس : التساوي في الأصالة أو الزيادة أو الزيادة في الجاني اتفاقاً كما هو الظاهر فلا يقطع أصلية بزائدة مطلقاً اتّحد محلّهما أو اختلفا لأنّ الكامل لا يؤخذ بالناقص ولا زائدة بأصليّة مع تغاير المحلّ لما مرّ من اشتراط الاتحاد فيه ، ويقطع بالصحيحة ونصّ في المبسوط على العدم ، ولا يقطع زائدة بمثلها مع تغاير المحلّ وجد المثل المساوي في المحلّ أو لا ؟ ... وللبحث صلة فراجع.

وفي اللمعة (10 : 88) : (ولو قطع إصبع رَجُل ويد آخر) مناسبة لذات الإصبع (اقتصّ لصاحب الإصبع إن سبق) في الجناية لسبق استحقاقه إصبع الجاني قبل تعلّق حقّ الثاني باليد المشتملة عليها (ثمّ يستوفى لصاحب اليد) الباقي من اليد ويؤخذ دية الإصبع ، لعدم استيفاء تمام حقّه فيدخل فيما تقدّم من القاعدة ـ إنّ كلّ عضو وجب فيه القصاص لو فقد انتقل إلى الدية ـ لوجوب الدية لكلّ عضو مفقود (ولو بدأ) الجاني (بقطع اليد قطعت يده) للجناية الاُولى (وألزمه الثاني دية إصبع) لفوات محلّ القصاص ـ انتهى كلامه رفع الله مقامه.

وفي إيضاح الفوائد (4 : 635) : الخامس : التساوي في الأصالة أو الزيادة فلا يقطع أصلية بزائدة ولا زائدة بأصلية مع تغاير المحلّ ، ويقطع بمثلها وبالأصلية مع التساوي في المحلّ ولا يقطع زائدة بمثلها مع تغاير المحل ، ولو كان لكلّ من الجاني والمجني عليه إصبع زائدة ثبت القصاص مع تساوي المحلّ ولو كانت للجاني خاصّة اقتصّ إن أمكن بدون قطعها بأن يخرج عن حدّ الكفّ وإلاّ قطعت الأصابع الخمس إن لم تكن متّصلة بأحدها وتؤخذ حكومة في الكفّ وإن كانت متّصلة بأحداهن اقتصّ في أربع وأخذ دية إصبع وحكومة كفّه ولو كانت للمجني عليه اقتصّ في الكفّ وطالب بدية الزائدة ، ولو كانت خمس الجاني أصلية وبعض أصابع المجني عليه زائدة لم يقتصّ في الجميع ، بل في الأصلية ويطالب بدية الزائدة وحكومة الكفّ ، ولو انعكس ثبت القصاص في الكفّ إن كانت في سمت الأصليّة ، وإلاّ فكالأوّل . ولو كان على اليد الجاني إصع زائدة في سمت أصابعه وعلى نسقها غير متميّزة لم يقطع اليد من الكوع ولا شيء من الأربع ويقطع الإبهام ويطالب بدية باقي الأصابع وحكومة الكفّ ، فلو قطعه المجني عليه استوفى وأساء وعليه دية الزائدة ، ولو قطع خمس أصابع أساء واستوفى لكن أخذ حقّه ناقصاً لجواز أن يكون منها زائدة ويطالب بحكومة الكفّ ... وللبحث صلة فراجع.

وفي المبسوط (7 : 79) : ففي اليد أربع مسائل إحداها قطع يده من مفصل الكوع فيقطع بها يده من مفصل الكوع ، ويكون المجني عليه بالخيار بين أخذ القصاص والعفو على مال ، وإذا عفا كان فيها نصف الدية خمسون من الإبل.

أقول : سأذكر لك مسائل اليد هنا كلّها وعليك بالمطابقة مع ما جاء في المتن وما جاء في الهامش من أقوال العلماء الأعلام ـ عبر القرون الماضية وحتّى عصرنا الراهن ، وقد اخترت من كلّ قرن كتاباً ـ لتقف على حقيقة ، وهي أنّ من جاء بعد شيخنا الأجلّ إنّما هو عيال على الشيخ ، فما أعظم شيخ الطائفة (قدس سره) ؟ ! والعجيب أنّ بعض الأعلام يأتي بنصّ عبارة الشيخ من دون الإشارة إلى المصدر وربما يدلّ هذا على أنّ حقيقة الفقه حقيقة واحدة وإنّما الاختلاف في بعض العبارات وفي بعض الموارد الجزئيّة والفرعيّة ، فالكلّ عيال على الكتاب الكريم والسنّة الشريفة المتمثّلة بقول المعصوم (النبيّ والإمام (عليهما السلام)) وفعله وتقريره (عليه السلام) . فلا بدّ أن تكون مسائلنا الفقهية على ضوء القرآن والسنّة ... فقال الشيخ (قدس سره) : الثانية : إن قطع يده من بعض الذراع فلا قصاص فيها من بعض الذراع لأنّ نصف الذراع لا يمكن قبول قطعه خوفاً على إتلافه أو أخذ أكثر من حقّه ، فيكون المجني عليه بالخيار بين العفو على مال ، وله دية يد وحكومة فيما زاد عليها من الذراع ، وبين القصاص فيقتصّ اليد من الكوع ويأخذ حكومة فيما بقي من الذراع . الثالثة : قطع من مفصل المرفق فله القصاص من المرفق ، لأ نّه مفصل ، والمجني عليه بالخيار بين أن يعفو فيأخذ دية اليد خمسين من الإبل وحكومة في الساعدين ، وبين أن يقتصّ من المرفق . فإن قال : أنا أقتصّ من الكوع وآخذ منه حكومة في الذراع لم يكن له ، لأ نّه إذا أمكنه استيفاء حقّه أجمع قوداً فلا معنى لاستيفاء بعض وأخذ الحكومة فيما بقي ، ويفارق المسألة قبلها حيث كان له القصاص في الكوع وأخذ الحكومة فيما بقي من الذراع ، لأ نّه لا يمكنه استيفاء جميع حقّه قصاصاً ، لأنّ نصف الذراع لا مفصل له ، وهكذا إذا قطع يده من مفصل المنكب على هذا التفصيل . الرابعة : خلع كتفه واقتلع العظم الذي هو المشط من ظهره ، سئل أهل الخبرة فإن قالوا يمكن استيفاء ذلك قصاصاً ولا يخاف عليه الجائفة استوفاه قصاصاً لأنّ له حدّاً ينتهي إليه ، وإن قالوا لا نأمن عليه الجائفة فالمجني عليه بالخيار بين العفو وأخذ دية اليد خمسون من الإبل ، وفيما زاد على ذلك حكومة ، وبين أن يأخذ القصاص من المنكب وفيما زاد عليه حكومة . ثمّ يذكر المصنّف مسائل اُخرى في اليد كقطع يد كاملة الأصابع ويده ناقصة إصبع كما سنذكر ذلك ، فراجع.

وفي كتب العامّة : جاء في (الفقه على المذاهب الأربعة 5 : 357) : مبحث دية الأصابع والكفّ : الشافعية والمالكية والحنفية قالوا : في قطع أصابع اليد نصف الدية لأنّ في قطعها تفويت جنس منفعة البطش وهو الموجب ، فإن قطعها مع الكفّ ففيه أيضاً نصف الدية ، لقوله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم (وفي اليدين الدية وفي أحدهما نصف الدية) ولأنّ الكفّ تبع للأصابع لأنّ البطش بها وإن قطعها مع نصف الساعد ففي الأصابع والكفّ نصف الدية وفي الزيادة حكومة عدل ، لأنّ الشرع أوجب في اليد الواحدة نصف الدية ، واليد اسم لهذه الجارحة إلى المنكب ، فلا يزاد على تقدير الشرع ، وإن قطع الكفّ من المفصل وفيها إصبع واحدة ففيه عشر الدية ، وإن كان إصبعان فالخمس ، ولا شيء في الكفّ ، لأنّ الأصابع أصل ، والكفّ تابع حقيقة وشرعاً ، لأنّ البطش يقوم بها ، ولو كان في الكفّ ثلاثة أصبع يجب أرش الأصابع ولا شيء في الكفّ بالإجماع لأنّ الأصابع اُصول في التقوّم ، وللأكثر حكم الكلّ ، فاستتبعت الكفّ ، كما إذا كانت الأصابع قائمة بأسرها.

وفي المغني (9 : 417) : (فصل) وفي قطع اليد ثمان مسائل : أحدها : قطع الأصابع من مفاصلها فالقصاص واجب لأنّ لها مفاصل ويمكن القصاص من غير حيف ، وإن اختار الدية فله نصفها لأنّ في كلّ إصبع عشر الدية . الثانية قطعها من نصف الكفّ فليس له القصاص من موضع القطع ... الثالثة : قطع من الكوع فله قطع يده من الكوع ... الرابعة : قطع من نصف الذراع فليس له أن يقطع من ذلك الموضع ... الخامس : قطع من المرفق فله القصاص منه ... السادسة : قطعها من العضد فلا قصاص منه ... السابعة : قطع من المنكب فالواجب القصاص ... الثامنة : خلع عظم المنكب ويقال له مشط الكفّ فيرجع فيه إلى اثنين من ثقات أهل الخبرة فإن قالوا يمكن الاستيفاء من غير أن تصير جائفة استوفي ، وإلاّ صار الأمر إلى الدية ...

وفي المهذّب في الفقه الشافعي (2 : 181) : (فصل) ولا تؤخذ يد كاملة الأصابع بيد ناقصة الأصابع ، فإن قطع من له خمس أصابع كفّ من له أربع أصابع أو قطع من له ستّ أصابع كفّ من له خمس أصابع لم يكن للمجني عليه أن يقتصّ منه لأ نّه يأخذ أكثر من حقّه ، وله أن يقطع من أصابع الجاني مثل أصابعه لأ نّها داخلة في الجناية ، ويمكن استيفاء القصاص فيها ، وهل يدخل أرش ما تحت الأصابع من الكفّ في القصاص فيه وجهان : أحدهما يدخل كما يدخل في ديتها ، والثاني : وهو قول أبي إسحاق أ نّه لا يدخل بل يأخذ مع القصاص الحكومة لما تحتها ، والفرق بين القصاص والدية أنّ الكفّ يتبع الأصابع في الدية ولا يتبعها في القصاص ... وتؤخذ يد ناقصة الأصابع بيد كاملة الأصابع فإن قطع من له أربع أصابع كفّ من له خمس أصابع أو قطع من له خمس أصابع كفّ من له ستّ أصابع فللمجني عليه أن يقتصّ من الكفّ ويأخذ دية الإصبع الخامسة أو الحكومة في الإصبع السادسة لأ نّه وجد بعض حقّه وعدم البعض فأخذ الموجود وانتقل في المعدوم إلى البدل كما لو قطع عضوين ووجد أحدهما.

[3]الوسائل 19 : 82 ، باب 50 من أبواب القصاص في النفس ، الحديث 1 ـ محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه وعن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن سورة بن كليب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سئل عن رجل قتل رجلا عمداً وكان المقتول أقطع اليد اليمنى فقال : إن كانت قطعت يده في جناية جناها على نفسه أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها ، فإن أراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدّوا إلى أولياء قاتله دية يده الذي قيد منها إن كان أخذ دية يده ويقتلوه . وإن شاؤوا طرحوا عنه دية يد وأخذوا الباقي قال : وإن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه ، ولا أخذ لها دية قتلوا قاتله ولا يغرم شيئاً ، وإن شاؤوا أخذوا دية كاملة ، قال : وهكذا وجدناه في كتاب علي (عليه السلام) . ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد.

أقول : جاء فى نتائج التنقيح (برقم 5350) عن سورة بن كليب بن معاوية الأسدي أ نّه حسن ، و (برقم 5351) سورة بن كليب النهدي الكوفي إمامي مجهول . وراجع ترجمتهما في المجلّد الثاني الصفحة 72 وإنّه روى الكشّي حديثاً يشهد بصحّة عقيدته في الباقر والصادق (عليهما السلام) إلاّ أ نّه نقل عنه حذيفة بن منصور وقد ضعّفه ابن الغضائري والأظهر عند المحقّق المامقاني وثاقته وصحّة حديثه فتحصل عنده أنّ الرجل إمامي حسن العقيدة وذلك لا يكفي في صحّة حديثه ولا حسنه ولكن ظاهر إثبات العلاّمة إيّاه في القسم الأوّل كونه من المعتمدين لزمنا قبول قوله وعدّ حديث الرجل من الحسان وإن ناقشه الشهيد الثاني في تعليقته بقوله : لا يخفى أنّ الخبر لا يدلّ على قبول روايته لو سلّم سنده فكيف مع ضعفه . انتهى . وفي رجال الكشّي : ممدوح وهم اسم لاثنين النهدي والأسدي وكلاهما كوفي وعند المامقاني (قدس سره) ينقل عنه جميل ويونس فهذا دلالة على وثاقته لكونهما من أصحاب الإجماع ولعلّه لذلك نعدّ حديثه في الحسان.

وفي تحرير الوسيلة (2 : 549) : وهنا فروع : الأوّل ـ لو قطع من كان يده ناقصة بإصبع أو أزيد كاملة صحيحة فللمجني عليه القصاص ، فعمل له بعد القطع أخذ دية ما نقص عن يد الجاني ؟ قيل : لا ، وقيل : نعم فيما يكون قطع إصبعه بجناية وأخذ ديتها أو استحقّها ، وأمّا إذا كانت مفقودة خلقة أو بآفة لم يستحقّ المقتصّ شيئاً ، والأشبه أنّ له الدية مطلقاً ، ولو قطع الصحيح الناقص عكس ما تقدّم فهل تقطع يد الجاني بعد أداء دية ما نقص من المجني عليه أو لا يقتصّ وعليه الدية أو يقتصّ ما وجد وفي الباقي الحكومة ؟ وجوه والمسألة مشكلة مرّ نظيرها.

[4]لا يخفى أنّ صاحب الجواهر ذكر هنا فروعاً لم يتعرّض لها سيّدنا الاُستاذ ، مثلا قول بعض متأخّري المتأخّرين من عدم ردّ شيء مع قطع اليد مطلقاً سواء كانت مفقودة خلقة أو بآفة أو أخذ ديتها لصدق (اليد باليد) إذ هو ـ مع أ نّه خرق للإجماع ـ واضح الفساد ، لعدم صدق المقاصّة مع فرض الاختلاف المزبور ، ولو كان الأمر بالعكس بأن كان النقصان في يد المجني عليه ففي القواعد والمسالك ومحكيّ التحرير لم يقطع يد الجاني ، بل يقطع منها الأصابع التي قطعها ويؤخذ منه حكومة الكفّ ، وزاد في الثاني ويؤخذ دية الجميع مع التراضي ... وكذا فيما لو نقصت بعض أصابع المقطوع أنملة ، وإن كان مقتضى ما سمعته أوّلا من الفاضل وغيره عدم قطع الجاني أيضاً ، بل إمّا الدية أو يقطع ما قابل الأصابع الكاملة ، ويؤخذ دية باقي الأصابع الباقية وحكومة الكفّ ، ولكن فيه ما عرفت ، والمتّجه أنّ له قطعها مع دفع دية الأنملة ، ولو نقصت أصابع القاطع أنملة قطعت يده ، وفي الأنملة المفقودة ما عرفته في الإصبع وكذا الكلام لو كانت أصابع القاطع أو المقطوع بغير أظفار أو بعضها فإنّ الحكم في الجميع متّحد بناءً على التعدية المستفادة من خبر الحسن بن الجريش إى غير المفروض فيه ، كاتّحاده على القول الآخر . وللحديث صلة فراجع.

ولا بأس أن أذكر فرعاً يذكره صاحب جامع المدارك عن مختصر النافع (ولو قطع كفّاً مقطوعة الأصابع ففي رواية يقطع كفّ القاطع ويرد عليه دية الأصابع) فقال في (ج 7 : ص 278) الرواية المشار إليها رواية الحسن بن العباس بن الجريش عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) قال أبو جعفر الأوّل (عليه السلام) لعبد الله بن العباس ... (الكافي 7 : 317 ، باب النادر والتهذيب باب القصاص تحت رقم 8) وذكر في المسألة أقوال : أحدها : أ نّه لا تقطع يد الجاني بل تقطع الأصابع بمقدار أصابع المجني عليه ، فحسبه ، وتؤخذ منه دية الكفّ حكومة ، ومنها ما عن ابن إدريس من عدم جواز القصاص لفقد المماثلة ، ومنها جواز القصاص بقطع اليد بعد ردّ دية المفاصل من الجاني ، وهذا القول هو المشهور بين الأصحاب ، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه ، واستدلّ على هذا القول برواية الحسن العباس بن الحريش عن أبي جعفر الثاني المتقدّمة ، واستشكل في هذا القول بأنّ الرواية ضعيفة سنداً فإنّ في سندها سهل بن زياد (وهو يروي عن الحسن بن العباس حريش الذي قال النجاشي : ضعيف جدّاً) وهو لم يثبت توثيقه ، على أنّ الرواية مقطوعة البطلان جزماً ، فإنّ ابن العباس لم يدرك زمان أبي جعفر (عليه السلام) ، ويمكن أن يقال : ضعف الرواية من جهة سهل منجبر بعمل الأصحاب مع كثرة رواية الكليني عنه ، وما ذكر من القطع بالبطلان لم يظهر وجهه ، فإنّ أبي جعفر هو الباقر (عليه السلام) وهو معاصر لابن عباس بحسب ما ذكر في التواريخ ، نعم الظاهر عدم حياة ابن عباس في زمان إمامة أبي جعفر (عليه السلام) ولا يلزم أن يكون الفتوى في زمان الإمامة فإنّ الحسن (عليه السلام) كان يفتي في زمان أبيه (عليه السلام) ، وكذا الكاظم (عليه السلام) في زمان أبيه (عليه السلام) ، ولا مجال لاحتمال الغفلة بالنسبة إلى الأكابر ـ قدّس الله تعالى أسرارهم ـ ومع الإشكال في ما ذكر يشكل ثبوت القصاص للإشكال من جهة عدم صدق الاعتداء بالمثل ، ومجرّد صدق اليد غير كاف ، وإلاّ لزم جواز قطع الجاني من الذراع ، مع قطع الجاني يد المجني عليه من الزند ـ انتهى كلامه رفع الله مقامه ورزقنا من روحه القدسيّة وعلومه الربّانية ـ .

وهنا فروع