![]() |
![]() |
![]() |
قال المحقّق الحلّي (قدس سره) في كتابه القيّم (شرائع الإسلام) (القسم الثاني : في قصاص الطرف ، وموجبه الجناية بما يتلف العضو غالباً ، أو الإتلاف بما قد يتلف لا غالباً ، مع قصد الإتلاف)[2].
أقول : قبل الورود في صلب الموضوع لا بأس بذكر مقدّمة ، وهي : المراد من الطرف هو العضو ، وسمّي بذلك ، لأنّ الطرف لغةً يأتي بمعان ، منها : طرف الشيء ، وهو ما ينتهى إليه من الجهات الستّة في مطلق الأجسام ، وفي مصطلح الفقهاء نقل من المعنى العامّ إلى المعنى الخاصّ ، فهو من النقل المألوف ، وذلك باعتبار منتهى إليه بدن الإنسان ، فإنّ الرأس مثلا والاُذنين واليدين والرجلين وغير ذلك إنّما هو منتهى إليه البدن والجسد.
وفي علم اُصول الفقه من مباحثه المتعلّقة بالألفاظ ، قد ذكر الأعلام مقدّمات ، منها : البحث حول المنقولات ، فهل عندنا منقول أو لم يقع ذلك ؟ فذهب أكثر الاُصوليّين إلى النقل ووقوعه ، فإنّ الدابّة لغةً بمعنى كلّ ما يدبّ على الأرض ، كما في القرآن الكريم ، ولكن استعمل في معنى خاصّ ونقل إلى الدوابّ ذوات الأربعة كالأنعام . وقيل : بعدم وجود المنقول ، وما يتصوّر في ذلك ، إنّما هو من إطلاق الكلّي على الفرد ، كإطلاق الإنسان على زيد ، ومن مشاهير هذا المذهب الشيخ أبو علي الفارسي من أعلام النحاة.
والمختار التفصيل بين المنقولات ، فمنها ما هو واقع قطعاً ، وإنّه من مصاديق النقل بالمعنى الأوّل ، ومنها ما يتصوّر فيها معنى النقل.
وما نحن فيه (الطرف) إنّما هو من النقل الأوّل ، وهو من النقل المألوف[3] أي من المعنى العامّ إلى المعنى الخاصّ كما ذكرنا ذلك.
ثمّ المصنّف قال (القسم الثاني) باعتبار أنّ الجناية على ثلاثة أقسام : جناية النفس ، والفعل فيه يكون متلفاً غالباً ، وجناية العضو ، وجناية الجراحة ، والقسم الثالث يذكره المصنّف (قدس سره) في طيّات القسم الثاني ، وموجب الجناية والسبب والباعث ، إمّا الإتلاف عمداً ، أو الإتلاف الذي لا يتلف غالباً ، لكن شاءت الأقدار أن يوجب التلف ، مع قصد الإتلاف.
[1]كتاب القصاص من كتاب (شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام للمحقّق الحلّي (قدس سره)) قسّمه المصنّف إلى قسمين : الأوّل : في قصاص النفس ، وفيه فصول أربعة : الأوّل : في الموجب وهو العمد وشبهه والخطأ ، والعمد إمّا بالمباشرة أو التسبيب ، والثاني : فى شروط القصاص من التساوي في الحرّية والدين وأن لا يكون القاتل أباً وكمال العقل وأن لا يكون المقتول محقون الدم ـ وقد مرّ تفصيل ذلك في الجزء الأوّل من كتابنا (القصاص على ضوء القرآن والسنّة) ـ والثالث : في دعوى القتل وما يثبت به ، والرابع : في كيفيّة الاستيفاء وفيه مسائل ـ وقد مرّ تفصيلها في الجزء الثاني ـ ، وأمّا القسم الثاني من كتاب القصاص فهو في قصاص الطرف ، وفيه مسائل ، كما سنذكر ذلك في هذا الجزء إن شاء الله تعالى.
[2]جاء في جواهر الكلام شرح شرائع الإسلام للمحقّق العظيم الشيخ حسن النجفي (قدس سره)(42 : 343) : (في قصاص الطرف) وهو ما دون النفس وإن لم يتعلّق بالأطراف المشهورة من اليد والرجل والأنف وغيرها ، كالجرح على البطن والظهر ونحوهما ، ولا خلاف كما لا إشكال في أصل القصاص فيه ، بل الإجماع بقسميه ـ المحصّل والمنقول ـ عليه مضافاً إلى الكتاب عموماً (البقرة : 2 ـ الآية 178 و 194) وخصوصاً (المائدة : 5 ـ الآية 3) والسنّة المتواترة الوسائل الباب 12 و 13 من أبواب قصاص الطرف.
وفي تحرير الوسيلة لسيّدنا الإمام الخميني (قدس سره) (2 : 540) القسم الثاني في قصاص ما دون النفس (مسألة 2) الموجب له ها هنا كالموجب في قتل النفس ، وهو الجناية العمديّة مباشرة أو تسبيباً حسب ما عرفت ، فلو جنى بما يتلف العضو غالباً فهو عمد ، قصد الإتلاف به أو لا ، ولو جنى بما لا يتلف به غالباً فهو عمد مع قصد الإتلاف ولو رجاءً.
وفي مباني تكملة المنهاج لسيّدنا الإمام الخوئي (قدس سره) (2 : 144) فصل في قصاص الأطراف (مسألة 156) : يثبت القصاص في الأطراف الجناية عليها عمداً ـ لقوله تعالى : ( وَكَتَبْنا فيها أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالأنْفَ بِالأنْفِ وَالاُذْنَ بِالاُذْنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُروحُ قصاص ) (المائدة : 45) ، وللروايات المستفيضة التي تأتي في ضمن المسائل الآتية منها : معتبرة إسحاق بن عمّـار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : « قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما كان من جراحات الجسد : أنّ فيها القصاص أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها » ومثلها معتبرته الثانية ، وقد تقدّم أنّ حقّ القصاص إنّما يثبت في القتل العمدي دون الخطأي الشبيه بالعمد أو الخطأ المحض حيث لا يثبت فيه إلاّ الدية ، وقد عرفت الفرق بين هذه الأقسام . ومن المعلوم أ نّه لا فرق في ذلك بين قصاص النفس وقصاص الطرف ، فلا يثبت حقّ القصاص فيه إلاّ في الجرح العمدي دون الخطأي ، فالثابت فيه إنّما هو الدية على تفصيل تقدّم ، وهي تتحقّق بالعمد إلى فعل ما يتلف به العضو عادة أو بما يقصد به الإتلاف ، وإن لم يكن ممّـا يتحقّق به الإتلاف عادة.
وفي رياض المسائل للمحقّق السيّد علي الطباطبائي (قدس سره) (الطبعة الحجريّة 2 : 524) القسم الثاني (في قصاص الطرف) والمراد به ما دون النفس وإن لم يتعلّق بالأطراف المشهورة من اليد والرجل والاُذن والأنف وغيرها كالجرح على البطن والظهر وغيرها.
وفي كشف اللثام (2 : 470) الباب الثاني في قصاص الطرف والعفو عنه وعن قصاص النفس والنزاع الواقع في السراية وفيه فصول سبعة : الأوّل : في قصاص اليد والرجل إذا اُبينتا كلاّ أو بعضاً ، وفيه مطلبان : الأوّل : في الشرائط الموجبة للقصاص وهي بعد وجود محلّ القصاص خمسة : الأوّل : العمد ... الثاني : التساوي بين الجاني والمجني عليه في الإسلام والحرية ويكون المجني عليه أكمل ... الثالث : التساوي في السلامة من الشلل ... الرابع : التساوي في المحلّ مع الوجود ... الخامس : التساوي في الأصالة والزيادة.
وفي اللمعة الدمشقيّة (10 : 76 ، طبع كلانتر ـ النجف الأشرف) (الفصل الثاني في قصاص الطرف) والمراد به ما دون النفس وإن لم يتعلّق بالأطراف المشهورة ـ كاليد والرجل ـ (وموجبه) بكسر الجيم أي سببه (إتلاف العضو) وما في حكمه (بالمتلف غالباً) وإن لم يقصد الإتلاف (أو بغيره) أي غير المتلف غالباً (مع القصد إلى الإتلاف) كالجناية على النفس.
وفي السرائر (3 : 402) باب القصاص وديات الشجاج والجراح : من قطع شيئاً من جوارح الإنسان وجب أن يقتص منه إن أراد ذلك وكان مكافئاً له في الإسلام والحرية وسلامة العضو المجني عليه وإن جرحه جراحة فمثل ذلك إلاّ أن يكون جراحة يخاف في القصاص منها على هلاك النفس فإنّه لا يحكم فيها بالقصاص ، وإنّما يحكم فيها بالأرش وذلك مثل المأمومة والجايفة وما أشبه ذلك . وكسر الأعضاء التي يُرجى انصلاحها بالعلاج فلا قصاص أيضاً فيها ، بل يراعى حتّى ينجبر الموضع إمّا مستقيماً أو على عثم ـ بالعين غير المعجمة والتاء المنقطة فوقها ثلاث نقط وهو الفساد والعيب ـ فيحكم بالأرش، فإن كان ذلك شيئاً لا يرجى صلاحه فإنّه يقتصّ من جانبه على كلّ حال . والقصاص في النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والاُذن بالاُذن والسنّ بالسنّ والجروح قصاص.
وفي الوسيلة إلى نيل الفضيلة لمحمّد بن عليّ الطوسي المعروف بابن حمزة من أعلام القرن السادس (الصفحة 441) فصل في بيان أحكام الشجاج والجراح وما يصحّ فيه القصاص وما لا يصحّ وكيفية الاقتصاص وأحكام الديات وما يتعلّق بذلك : القصاص فيما دون النفس في شيئين : في جرح مشقوق وعضو مقطوع وكلّ عضو لا يكون منه التلف غالباً وينتهي إلى مفصل يدخله القصاص وقد يكون الاعتبار فيها بالمساحة طولا وعرضاً ، لا بالمقادير من الصغر والكبر والنحافة والسمن. وكلّ شخصين يجري بينهما القصاص في النفس يجري في الأطراف بشرطين : أحدهما الاشتراك بالاسم مثل اليمين واليسار إذا كان له عضوان إلاّ ما يستثنى منه ، والآخر التماثل في الصحّة والفساد ولا قصاص فيما يكون منه التلف غالباً مثل المأمومة والجائفة وما لا تلحقه الآفة لا يعتبر بالسلامة ، والاعتبار فيه بالتكافؤ في ثلاثة أشياء : الحرية والإسلام والعبودية . ويلزم الاقتصاص بين الكاملين والناقصين ويقتصّ من الناقص للكامل دون العكس.
وفي المهذّب للقاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي المتوفّى 481 هـ (2 : 370) باب القصاص والشجاج وما يلحق بذلك : قد تقدّم القول فيما يتعلّق بالنفس من القصاص فأمّا دون النفس فنحن نذكر منه جملة مقنعة بمشيّة الله . قال الله تعالى : ( النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنُ بِالعَيْنِ وَالأنْفُ بِالأنْفِ ) الآية ، ففصل الأعضاء ـ كما ترى ـ ثمّ عمّ بالقول الجميع فقال : ( وَالجُرُوحُ قصاص ) ولا خلاف في جواز القصاص في الشريعة وليس يصحّ إلاّ بشروط وهي : التساوي في الحرية بأن يكون المقتصّ والمقتصّ منه حرّين مسلمين ، أو يكون المجني عليه أكمل ، وأن يحصل الاشتراك في الخاصّ ، يمين بيمين ويسار بيسار ، لأ نّه لا يقطع يسار بيمين ولا يمين بيسار ، وأن تكون السلامة حاصلة لأ نّه لا يقطع اليد الصحيحة باليد الشلاّء ، فأمّا ما كان في الرأس والوجه من الجراح فليس يجب فيها القصاص إلاّ بشرط وهو : التكافؤ في الحرية ، أو يكون المجني عليه أكمل . وجملة القول من ذلك ، أنّا ننظر إلى طول الشجّة وعرضها ، فيعتبر بمساحة طولها وعرضها. وأمّا الأطراف فلا يعتبر فيها بكبر ولا صغر يؤخذ اليد السمينة بالهزيلة والغليظة بالرقيقة ، ولا يعتبر في ذلك المساحة ، وإنّما يعتبر الاسم مع السلامة مع التكافؤ في الحرية كما قال تعالى : ( وكتبنا عليهم فيها أنّ النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والاذن بالاذن والسنّ بالسنّ ) فاعتبر الاسم فقط.
وفي المبسوط لشيخ الطائفة شيخنا الطوسي (قدس سره) المتوفّى سنة 460 هجري (7 : 74) فصل في القصاص والشجاج وغير ذلك . قد مضى الكلام في القصاص في النفس وها هنا القصاص فيما دون النفس ، قال الله تعالى : ( النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف ) إلى قوله : ( والجروح قصاص ) ففصّل الأعضاء وعمّ في آخر الآية في القصاص فيما دون النفس شيئان جرح يشقّ وعضو يقطع ، فأمّا العضو الذي يقطع فكلّ عضو ينتهي إلى مفصل كاليد والرجل والعين والأنف واللسان والاذن والذكر ، ففي كلّها قصاص لأنّ لها حدّاً ينتهى إليه . وإنّما يجب القصاص فيها بثلاثة شرائط : التساوي في الحرية وهي أن يكونا حرّين مسلمين ، أو يكون المجني عليه أكمل ، والثاني : الاشتراك في الاسم الخاصّ يمين بيمين ويسار بيسار فإنّه لا يقطع يمين بيسار ولا يسار بيمين ، والثالث : السلامة فإنّا لا نقطع اليد الصحيحة باليد الشلاّء ، فأمّا غير الأطراف من الجراح التي فيها القصاص وهو ما كان في الرأس والوجه لا غير ، فإنّ القصاص يجب فيها بشرط واحد وهو التكافؤ في الحرية أو يكون المجني عليه أكمل . وأمّا التساوي في الاسم الخاصّ فهذا لا يوجد في الرأس لأ نّه ليس له رأسان ولا السلامة من الشلل ، فإنّ الشلل لا يكون في الرأس ، والقصاص في الأطراف والجراح في باب الوجوب سواء ، وإنّما يختلفان من وجه آخر وهو أنّا لا نعتبر المماثلة في الأطراف بالقدر من حيث الكبر والصغر ونعتبره في الجراح بالمساحة على ما نبيّنه فيما بعد . والفصل بينهما أنّا لو اعتبرنا المماثلة في الأطراف في القدر والمساحة أفضى إلى سقوط القصاص فيها ، لأ نّه لا يكاد يدان يتّفقان في القدر ، وليس كذلك الجراح لأ نّه يعرف عرضه وطوله وعمقه ، فيستوفيه بالمساحة ، فلهذا اعتبرناها بالمساحة فبان الفصل بينهما.
وأمّا في كتب أبناء العامة فقد جاء في (الفقه على المذاهب الأربعة) (5 : 335) مبحث الجناية على الأطراف : أمّا الجناية على الأطراف من يد أو عين أو سنّ فقد جعلت الشريعة الإسلامية عقوبتها القصاص أيضاً ، بمعين أ نّه يفعل بالجاني مثل ما فعل جزاءً وفاقاً ، ولكن يشترط المماثلة بين العضوين ، فلا تفقأ عين عوراء في نظير عين سليمة ولا يقطع لسان أخرس في لسان متكلّم ولا تقطع يد عاطلة بيد عاملة ونحو ذلك ممّـا هو مبيّن في محلّه. وهذا هو العدل المطلق فإنّ الذي يعتدي على إتلاف عضو إنسان لا جزاء له إلاّ أن يتلف منه ذلك العضو ، كما قال تعالى : ( وجزاء سيّئة مثلها )(الشورى : 40).
وربما يقال : إنّ ذلك الجزاء تكثيراً لأرباب العاهات بين أفراد الاُمّة فبعد أن كان الناقص هو المعتدى عليه أصبح المعتدي ناقصاً مثله وذلك ضارّ بقوّة الاُمّة وهيبتها.
والجواب : إنّ في هذا القصاص تقليلا لأرباب العاهات ـ لا تكثيراً ـ بل في القصاص قضاء على الجريمة ، من أصلها كما قال تعالى : ( ولكم في القصاص حياةٌ يا اُولي الألبابِ لعلّكم تتّقون ) (البقرة : 179) لأنّ الذي يوقن بالجزاء المماثل ويعلم أ نّه إذا اعتدى على عضو من أعضاء بدن غيره قطع مثله منه فإنّه يحجم عن ارتكاب الجريمة بتاتاً وبذلك يرتفع العدوان فلا يوجد ذو عاهة أصلا لا معتد ولا معتدىً عليه . أمّا الذي يعلم أنّ نتيجة عدوانه عقوبة بالسجن القليل فإنّه لا يبالي بتكرار فعله مع كثيرين فيزيد أرباب العاهات والمجرمون معاً ، على أنّ السجن إذا طال أمده فإنّه يكون من شرّ الآفات التي تقضي على حياة المجرم ، فإنّه يصبح عاطلا مستهتراً بالجرائم كما هو مشاهد في كثير من متعوّدي الإجرام والسجون ، فمتى أمكن القصاص بالتساوي بين العضوين يراه زاجراً عن العودة ورادعاً للأشرار عن ارتكاب الجرائم على أ نّك قد عرفت أنّ القصاص في نظر الشريعة الإسلامية حقّ المعتدى عليه ، فله أن يصطلح مع خصمه على مال أو غيره أو يعفو عنه ، فإذا رأى الحاكم أنّ العفو يترتّب عليه ضرر بالأمن فله أن يتّخذ الوسائل التي يراها لصيانة الأمن.
وفي سنن البيهقي (8 : 64) جماع أبواب القصاص فيما دون النفس قال الله تعالى : ( وكتبنا عليهم فيها أنّ النفس بالنفس والعين بالعين ... ) الآية ، قال الشافعي (رحمه الله) ولم أعلم خلافاً في أنّ القصاص في هذه الآية كما حكى الله أ نّه حكم به بين أهل التوراة.
(وذكر أيضاً معنى ما أخبرنا أبو زكريا ... عن ابن عباس في قوله تعالى : ( النفس بالنفس ) قال تقتل النفس بالنفس وتفقأ العين بالعين ويقطع الأنف بالأنف وتنزع السنّ بالسنّ ويقتصّ الجراح بالجراح فهذا يستوي فيه أحرار المسلمين فيما بينهم رجالهم ونساؤهم إذا كان عمداً في النفس وما دون النفس . وروايات اُخرى في الباب.
وفي المهذّب في فقه الشافعي (2 : 177) : باب القصاص في الجروح والأعضاء : يجب القصاص فيما دون النفس من الجروح والأعضاء والدليل عليه قوله تعالى : ( وكتبنا عليهم فيها أنّ النفس بالنفس ) الآية ، روى أنس أنّ الربيع بنت النضر بن أنس كسرت ثنية جارية ـ إلى آخر الخبر ـ ولأنّ ما دون النفس كالنفس في الحاجة إلى حفظه بالقصاص فكان كالنفس في وجوب القصاص ... (فصل) والقصاص فيما دون النفس في شيئين في الجروح وفي الأطراف ، فأمّا الجروح فينظر فيها فإن كانت لا تنتهي إلى عظم كالجائفة وما دون الموضحة من الشجاج أو كانت الجناية على عظم ككسر الساعد والعضد والهاشمة والمنقلة لم يجب فيها القصاص لأ نّه لا تمكن المماثلة فيه ، ولا يؤمن أن يستوفى أكثر من الحقّ فسقط فإن كانت الجناية تنتهي إلى عظم فإن كانت موضحة في الرأس أو الوجه وجب فيها القصاص لا تمكن المماثلة فيه ويؤمن أن يستوفى أكثر من حقّه وإن كانت فيما سوى الرأس والوجه كالساعد والعضد والساق والفخذ وجب فيها القصاص ومن أصحابنا من قال لا يجب لأ نّه لما خالف موضحة الرأس والوجه في تقدير الأرش خالفها في وجوب القصاص والمنصوص هو الأوّل ، لأ نّه يمكن استيفاء القصاص فيها من غير حيف لانتهائها إلى العظم فوجب فيها القصاص كالموضحة في الرأس والوجه.
... (فصل) وأمّا الأطراف فيجب فيها القصاص في كلّ ما ينتهي منها إلى مفصل فتؤخذ العين بالعين لقوله تعالى : ( وكتبنا عليهم فيها أنّ النفس بالنفس والعين بالعين )الآية ولأ نّه يمكن المماثلة فيها لانتهائها إلى مفصل فوجب فيها القصاص ولا يجوز أن يأخذ صحيحة بقاتمة لأ نّه يأخذ أكثر من حقّه ، ويجوز أن يأخذ القاتمة بالصحيحة لأ نّه يأخذ دون حقّه ...
وفي الفقه الإسلامي وأدلّته تأليف الدكتور وهبة الزحيلي (6 : 331) : الفصل الثاني : الجناية على ما دون النفس . الجناية على ما دون النفس : هي كلّ اعتداء على جسد إنسان من قطع عضو أو جرح أو ضرب مع بقاء النفس على قيد الحياة . وهي عند الحنفيّة (والمالكية الذين لا يقولون بشبه العمد) : إمّا عمد أو خطأ . والعمد : ما تعمّد فيه الجاني الفعل بقصد العدوان ، كمن ضرب شخصاً بحجر بقصد إصابته . والخطأ : هو ما تعمّد فيه الجاني الفعل دون قصد العدوان كمن يلقي حجراً من نافذة فيصيب رأس إنسان فيوضحه أو يقع نتيجة تقصير كمن ينقلب على نائم فيكسر ضلعه.
وليس فيما دون النفس عند الحنفية شبه عمد ، وإنّما هو عمد أو خطأ ، لأنّ شبه العمد هو الضرب بما ليس بسلاح أو ما في حكمه ، كالضرب المثقل من حجر أو عصا كبيرة . فوجوده يعتمد على آلة الضرب ، والقتل هو الذي يختلف حكمه باختلاف الآلة ، أمّا إتلاف ما دون النفس فلا يختلف حكمه باختلاف الآلة ، وإنّما ينظر فيه إلى النتيجة الحاصلة ، وهو حدوث الإتلاف أو قصد الاعتداء ، فاستوت الآلات كلّها في دلالتها على قصد الفعل فكان الفعل إمّا عمداً أو خطأً فقط ، وعقوبة شبه العمد عندهم هي عقوبة العمد ، بدليل قولهم : (ما يكون شبه عمد في النفس فهو عمد فيما سواها) ويتصوّر الشافعية والحنابلة شبه العمد فيما دون النفس كأن يضرب رأس إنسان بعظمة ، أو بحجر صغير لا يشجّ غالباً ، فيتورّم الموضع إلى أن يتّضح العظم ويقولون : (لا قصاص إلاّ في العمد لا في الخطأ وشبه العمد) وعقوبة شبه العمد عندهم كعقوبة الخطأ . والكلام في هذا الفصل على نوعي الجناية على ما دون النفس عمداً أو خطأ في مبحثين : المبحث الأوّل : عقوبة الجناية العمدية على ما دون النفس . الجناية العمدية على ما دون النفس : إمّا أن تكون على الأطراف بقطعها أو تعطيل منافعها أو تكون بإحداث جرح في غير الرأس وهي الجراح ، أو في الرأس والوجه وهي الشجاج . والقاعدة المقرّرة في عقوبة هذه الجناية : هي أ نّه كلّما أمكن تنفيذ القصاص فيه (وهو الفعل العمد الخالي عن الشبهة) وجب القصاص ، وكلّ ما لا يمكن فيه القصاص (وهو الفعل الخطأ وما فيه شبهة) وجب فيه الدية أو الأرش ، وعلى هذا تكون في الجملة عقوبة إبانة الأطراف أو قطعها : هو القصاص أو الدية والتعزير ، وعقوبة تعطيل منافع الأعضاء (إذهاب معاني الأعضاء) في الواقع العملي : هو الدية أو الأرش . وعقوبة الجراح أو الشجاج : القصاص أو الأرش أو حكومة العدل.
ففي هذا المبحث أربعة مطالب : المطلب الأوّل عقوبة إبانة الأطراف (أو قطعها) الأطراف عند الفقهاء : هي اليدان والرجلان ويلحق بها أو يجري مجراها الإصبع والأنف والعين والاذن والشفة والسنّ والشعر والجفن ونحوها ، وعقوبة إبانة الأطراف : إمّا القصاص أو الدية والتعزير بدلا عنه ، إذا امتنع القصاص لسبب من الأسباب ... المطلب الثاني تعطيل منافع الأعضاء (الصفحة 348) ... المطلب الثالث عقوبة الشجاج (الصفحة 350) ... المطلب الرابع : عقوبة الجراح (الصفحة 355) ... المبحث الثاني : عقوبة الجناية على ما دون النفس خطأ (الصفحة 360) ، فراجع.
[3]لقد ذكرنا في الجزئين معنى النقل المألوف وغيره ، بأ نّه إذا نقل من معنى إلى آخر ، فإن كان بين المعنيين تباين ، فهو من النقل غير المألوف كما لو اُطلق على الإنسان لفظ الحديد ، فلا مناسبة بين المعنيين ، وإن كان بينهما نسبة العموم والخصوص بأن ينقل من المعنى العامّ إلى الخاصّ أو بالعكس ، فهنا يسمّى بالنقل المألوف ، للاُلفة بين المعنيين أو لما يألفه الناس وأهل الاصطلاح.
![]() |
![]() |
![]() |