وهنا فروع

الأوّل : إذا كان للجاني القاطع إصبع زائدة وللمقطوع كذلك فهل يثبت القصاص[1] ؟

المسألة ذات صور : فتارة في كلاهما ـ الجاني والمجني عليه ـ زيادة إصبع في
محلّ واحد وبنحو واحد واُخرى يختلفان محلا وكيفية ، كما ربما يكون في الجاني دون المجني عليه أو بالعكس.

فلو جنى الجاني بقطع كفّ المجني عليه مثلا وكان في كفّه إصبعاً زائدة ، وكان كذلك في المجني عليه فإنّه يقتصّ منه حينئذ لعموم أدلّة القصاص.

ويرجع إلى أهل الخبرة في الزيادة والأصالة ، فلو كان كلّ منهما ذو أصابع ستّة ، فإنّما أن يكون كلاهما زائدتان أو أصليّتان أو أحدهما زائدة والآخر أصليّة أو بالعكس ، فلو اُحرز أصالتهما فلا ترديد في القصاص ، كما ذكرنا للعموم ، وكذلك لو اُحرز زيادتهما ، ولو كانت في الجاني أصليّة وفي المجني عليه زائدة ، فإنّه لا يقتصّ من الكفّ لقيام الأصليّة به ، بل يرجع إلى البدل وفي الزائدة ثلث الدية ، وفي الكفّ حكومة الحاكم بما يراه ، ولو انعكس الأمر فلا قصاص لعدم التماثل ، وإن قيل به . فيؤخذ ما به التفاوت ، وعند الشكّ فاشتغال ذمّة الجاني بالثلث مسلّم ، وهو
القدر المتيقّن . ويكون الأكثر مشكوك فيه فنجري البراءة فيه بناءً على انحلال العلم الإجمالي في الأقلّ والأكثر الاستقلالي بالانحلال الحكمي ، هذا في الشكّ بزيادتهما وكذلك في زيادة أحدهما ، فثلث الدية للإصبع وللكفّ يرجع إلى الحكومة الشرعيّة.

الثاني : لو كان الجاني ذا أربع أصابع وكذلك المجني عليه مع زيادة ففي الزائدة يرجع إلى البدل أي ثلث الدية . (ولو كانت الإصبع الزائدة للجاني خاصّة فإن كانت خارجة عن الكفّ بأن تكون على الساعد مثلا اقتصّ منه فيه للعموم ولأ نّها تسلم للجاني فلا تمنع من استيفاء الحقّ ، وإن كانت في سمت الأصابع منفصلة ثبت القصاص في الأصابع الخمس دون الزائدة ودون الكفّ وكان فيه الحكومة للتغرير بالإصبع عند تعذّر القصاص في الكفّ ، وقيل يقطع لخبر الحسن بن الجريش السابق)[2].

الثالث : لو اختلف محلّ الزائدة ، لم يتحقّق القصاص لعدم المماثلة والتساوي في المحلّ ، كما لا يقطع إبهام بخنصر.

الرابع : لو فرض أنّ للجاني أربع أصابع أصليّة مع إصبع زائدة ، وكذلك المجني عليه إلاّ أ نّه في محلّ آخر ، يجري القصاص لو قطع الزائدة بناءً على القصاص ، فيا ترى هل يحقّ له ذلك ؟ ليس له ذلك لاختلاف المحلّ والمكان فلا مماثلة والعرف يساعد على ذلك ، فبالنسبة إلى الكفّ يرجع إلى الحكومة الشرعيّة ، وبالنسبة إلى الأصابع الأربعة يقال بالقصاص وللزائدة ثلث الدية ، فيكون للمجني عليه على الجاني حقوق ثلاثة . ومقتضى اهتمام الشارع بمسألة الدماء أن لا يقتصّ منه ، بل تؤخذ الدية ، فإذا كانت الجناية من الأشاجع فلكلّ واحدة دية إصبع كاملة أي أربعين بعيراً ، وإذا اشتبه الزائدة بالأصليّة ، فالمختار القرعة فإنّها في مثل هذه الموارد كالبيّنة الشرعيّة ، فلا حقّ قصاص للمجني عليه في الزائدة ، ولو بادر بالقصاص في الزائدة فقد أساء وأثم وأتلف ما ليس له حقّ ، فعليه الدية أي ثلث الدية.

الخامس : لو كان للجاني خمسة أصابع أصليّة والمجني عليه أربعة أصليّة وواحدة زائدة[3] ، فإنّه لا يقتصّ بالنسبة إلى الزائدة ، وإن فعل المجني عليه ذلك عمداً ، فإنّه يؤخذ منه دية الإصبع الزائدة التي عبارة عن ثلث الدية.

السادس : لو قطع الجاني إصبعاً وقبل قصاصه تنازع مع المجني عليه في زيادتها ، فالمسألة ذات صورتين : فتارةً كلاهما يصدق عليهما عنوان المدّعي أحدهما للأصالة والآخر للزيادة فيكون من باب التداعي ، إن كان المدّعى به من الاُمور الوجوديّة ، واُخرى يدّعي المجني عليه الأصالة والجاني ينكر ذلك فيكون من باب المدّعي والمنكر ، فإن كان الأوّل فإنّه يمتاز باُمور ثلاثة : لو ترك كلّ واحد تترك الدعوى فيلزم أن يكون كلّ منهما مدّعياً ، ولكلّ واحد أن يقيم بيّنة ، أو التحالف أو النكول . ففي البيّنات تقدّم الأرجح منها ، وعند التساوي يلزم التعارض ثمّ التساقط ، وإن كانت البيّنة لأحدهما ، فيقدّم قول الجاني لقاعدة (لا يقتصّ الزائدة بالأصليّة) وعند عدمهما يقال بالتحالف ، وبيمين لكلّ واحد تسقط دعوى الآخر ، فيكون مثل باب التزاحم ، فيدور الأمر بين المحذورين واجتماع الأمر والنهي والجمع بين المقتضيين ، فيؤخذ حينئذ بالأهمّ.

وإن شكّ أ يّهما الأصلي وأ يّهما الزائد فهو من الشكّ السببي والمسبّبي ، فإن قيل الأصل عدم الزيادة فإنّه معارض بأصالة عدم الأصلي ، والقدر المتيقّن دية الزائدة ، والأولى في حقّ الناس المصالحة فإنّ الصلح خير ، هذا فيما لو كان بنحو التداعي ، فيما لو كانت ماهية الدعوى بين أمرين وجوديين ، ولو كانت بين وجود وعدم ، فهي من باب المدّعي والمنكر ، والبيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر ، وحكمهما واضح كما مرّ.

السابع : لو كان للجاني أربعة أصابع أصليّة والمجني عليه خمسة أصليّة فهل يقتصّ من الجاني[4] ؟

قيل بالقصاص مطلقاً من دون ردّ فاضل الدية للإصبع الزائد ، وقال ابن إدريس لا قصاص وإنّما يرجع إلى بدله من الدية ، وقيل يقتصّ للأربعة وفي الكفّ يرجع إلى الحكومة ، وقيل تقطع للخمسة.

ومستند الأوّل عموم الأدلّة ، والثاني لعدم المماثلة ، ولا يصحّ قصاص الكامل بالناقص ، وجوابه إمكان قصاص الأربعة ، والرابع تمسّكاً برواية ابن الجريش ، إلاّ أ نّها ضعيفة السند ومضطربة الدلالة في صدرها وذيلها ، فتدبّر.

الثامن : لو كان الجاني والمجني عليه لهما أصابع ستّة ، فإنّه يقتصّ من الجاني للمماثلة وعموم الأدلّة ، وإن كان أحدهما له ستّة أصابع دون الآخر ، فالمسألة ذات صور ثلاثة : فتارةً من له الستّة الزائدة خرجت من طرف الكفّ ، واُخرى من رأس الأنامل ، وثالثة بين الأصابع ، وعبارة المحقّق مطلقة من دون تعيين مكان الزيادة ، وفي القصاص لا بدّ من تقيّدها بالاتّحاد المكاني ، فإنّه لو كانت الزيادة من الساعد مثلا فإنّه لا يحسب على الكفّ أو الأصابع ، فعند الاختلاف في محلّ الزائدة يرجع إلى البدل . وإن كان الزائدة ملتصقاً بإصبع أصليّة قائم بالكفّ ، فإنّه لا تقطع الكفّ بل يرجع إلى حكومة الحاكم.

التاسع : إن كان للجاني ستّة أصابع وللمجني عليه خمسة ، فإن كانت الزيادة من الساعد فالقصاص في الخمسة ، وإن لم تكن في الساعد كأن يكون من الأنملة ، فلا يقتصّ من الإصبع الأصلي حينئذ ويرجع إلى البدل أو الحكومة . وإن كانت الزائدة بين إصبعين فإنّه يرجع إلى البدل أيضاً ، وكذلك لو نبتت من الأطراف ، وعند المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد أنّ الإصبع الزائدة هنا كاللحم الزائد وقطعه حسن فلا قصاص حينئذ لا سيّما مع رضاه ، ويكون كأ نّه بحكم السمن ، فلا يلاحظ عند القصاص ، إلاّ أ نّه يصدق عليه عنوان الظلم ، فلا بدّ من تداركه بالدية أو الحكومة.

وعند بعض الحنفيّة أنّ الزائدة تابع للأصلي ، فإن كان الأصلي قابلا للقصاص فكذلك تابعه ، وهذا مردود فإنّه من الاستحسانات الظنّية التي عندنا ليس بحجّة.

العاشر : لو كان الجاني ذا خمسة أصابع والمجني عليه ستّة[5] ، فإنّه يقتصّ بالخمسة وفي الزائدة ثلث الدية يردّ إلى المجني عليه ، فهنا عقوبتان مال إليهما صاحب
الجواهر وجماعة . وذهب المحقّق الأردبيلي أ نّه يقتصّ بالنسبة إلى الأصليّات وفي الزائدة لا شيء لأ نّه بحكم اللحم الزائد . وقيل في الأصليّات القصاص وفي الزائدة الحكومة ، وقيل بالتفصيل بين النابت من الساعد فالحكومة والنابت من اليد فثلث الدية.

ومستند الأوّل عموم الأدلّة ، ومستند الثلث دعوى الإجماع والشهرة تمسّكاً بروايات[6] تدلّ أ نّه في الإصبع الزائدة إذا قطعت ثلث دية الصحيحة ، إلاّ أ نّه هناك رواية حكم بن عتيبة[7] تعارضها تدلّ على أ نّه لا دية في الزائدة ، و (لا) لنفي الجنس ويؤيّده ما في الاختصاص للمفيد (قدس سره) ، إلاّ أنّ الحكم بن عتيبة كان مذموماً ، من البتريّة ، وهم طائفة من الزيديّة ، وإن قيل في الرواية ابن محبوب وهو من أصحاب الإجماع ، قلنا : قاعدة الكشّي إنّما تنفع من قال بها ، ونحن قد ناقشناها فليست بحجّة عندنا . فهذه الرواية لا تقاوم تلك الطائفة من الروايات فحملت على التقيّة ، أو على الدية المقدورة ، إلاّ أ نّه لا شاهد على مثل هذه المحامل ، فالأولى طرحها ، ويكون المختار القول الأوّل لقوّة دليله.

الحادي عشر : لا فرق بين السمين والضعيف في اليد ، فإنّ الإصبع الزائدة يعدّ من العضو الخارجي والسمن ليس من الخارج ، كما لا فرق بين المملوكة والحرّة والصغيرة والكبيرة في أصل الزيادة ، والإصبع السادس على نحوين فتارة زائدة واُخرى أصليّة ، وفي المسالك تصريح بأنّ الإصبع السادس أصلي ، فإن اُحرز أصالته فلا إشكال في القصاص ، وإلاّ فثلث الدية أو الحكومة ، والأولى الصلح.

الثاني عشر : لو كان الجاني له أربعة أصابع أصليّة وإصبع زائدة والمجني عليه له خمسة أصابع أصليّة ، فقد ذهب الفاضل الهندي إلى القصاص لعدم الإشكال في الزائدة مقابل الأصليّة ، ولا فرق أن يكون القطع من الكفّ أو الكوع ، والمستند عموم الأدلّة ، وقيل بعدم القصاص في الزائدة لعدم المماثلة وإن اتّحد مكاناً ، وفيه أنّ تعيّن التماثل بيد العرف كما هو الظاهر لا بيد الشارع ، والعرف ببابك ، فإن يحكم بعدم التماثل فيرجع حينئُ إلى البدل وهو عشرة من الإبل ، وإلاّ فالقصاص . وقيل بالدية مطلقاً لكلّ الأصابع ، وخير الأقوال الأوّل.

الثالث عشر : لو كان للجاني خمسة أصابع أحدها زائدة ، وكذلك للمجني عليه ، فلو كان الزائدة في الجاني عند إبهامه وفي المجني عليه عند خنصره ، فالظاهر عدم القصاص لعدم المماثلة ، إلاّ أ نّه في الأربعة نقول بالقصاص إن كان القطع من الأشاجع ، ويتدارك للزائدة بثلث الدية ، وإن كان من الكوع أو الرصد فلا يقطع يد الجاني فإنّ الإصبع الزائدة قائمة بالكفّ ، فيقال بالحكومة بالنسبة إلى الكفّ وبثلث الدية للزائدة.

الرابع عشر : لو كان للجاني خمسة أصابع أحدها زائدة وللمجني خمسة أصليّة ، إلاّ أنّ الزائدة في الجاني لم تتشخّص من بين الأصابع ، فإنّه يقتصّ في ثلاثة مسلّمة الأصالة وفي المشكوكة يرجع إلى البدل ، قيل : الإبهام يعدّ أصليّاً ، ثمّ إن كان أطراف الشبهة أربعة أصابع فإنّه يتولّد عندنا علماً إجماليّاً حينئذ بينها وبين الإصبع الزائدة الذي لا يجوز القصاص فيها ، والثلاثة الأصليّة التي يجوز فيها القصاص ، فتكون الشبهة محصورة ، وبمقتضى حفظ الدماء والفروج واهتمام الشارع بهما يرجع إلى جانب الحرمة ، فلا يقتصّ من الجاني وإنّما يؤخذ منه البدل ، فإن كانت الجناية من الأشاجع بالنسبة إلى أربعة أصابع كلّ إصبع عشرة من الإبل وفي الزائدة ثلث الدية . وإن قطع المجني عليه الإصبع الزائدة من الجاني فإنّه قد أساء وأتلف ما ليس له بحقّ ، فعليه الدية.

الخامس عشر : لو فرض أنّ اللحم الزائد لا يصدق عليه عنوان الإصبع ، فإنّه لا يشمله (في الإصبع الزائدة ثلث الدية) فنقول حينئذ بالحكومة الشرعيّة بما يراه الحاكم من المصلحة.

السادس عشر : لو كان للمجني عليه في سبّابته مثلا أنملتان[8] ملتصقتان في طرفي الإصبع ، ويقطع الجاني السبّابة وأنملة فهنا صور ثلاثة : فتارةً يكون في سبّابة المجني عليه زيادة ، واُخرى عدمها ، وثالثة في الجاني دونه ، ففي الاُولى يقتصّ للعموم ، وفي الثانية حيث اشتملت على أنملتين فقد جنى بجنايتين ، فإمّا أن يكون وسطهما مفتوحاً قابلا للقطع أو ملتصقاً غير قابل ، فإن كان الأوّل فإنّه يقتصّ من الأصلي دون الزائدة ، وإلاّ فالبدل ، والأولى القول بالتفصيل . وفيما لم يكن قابلا للتفريق بين المتّصلتين من الأنملتين في السبّابة مثلا ، فذهب المحقّق إلى القصاص فيهما ، ويؤخذ الأرش للزائدة وتبعه جماعة منهم العلاّمة والشهيدان . وقيل بالقصاص وبالنسبة إلى الزائدة يرجع إلى الحاكم ، وقيل : يقتصّ وتؤخذ ثلث الدية للزائدة ، وقيل : بالتفصيل بين المنفصل فيقتصّ والمتّصل فبما يراه الحاكم من الحكومة ، ومستند الأوّل عموم الأدلّة ، والأرش باعتبار التفاوت بين المعيب والصحيح ، ومستند الثاني القصاص للعموم والدية بدل عن قصاص الزائدة ، ومستند الثالث : فقصاصه للعموم وثلث الدية من باب تنقيح المناط في الإصبع الزائدة ، وفي الإصبع عشرة من الإبل وفي كلّ أنملة ثلثها . والمختار التفصيل بين الانفكاك وعدمه ، فإن لم يمكن الانفصال نقول ثلث الدية لا يخلو من قوّة ، والأولى المصالحة فإنّ الصلح خير.

وإن كان الجاني صاحب الأنملة الزائدة ، فلا يقتصّ منه إنّما تؤخذ ثلث الدية ، وقيل نصف دية الإصبع بناءً على أنّ الإبهام ذو أنملتين ولكلّ أنملة نصف الدية أي خمسة من الإبل ، وقيل القصاص مطلقاً ، وقيل : به وفي الزائدة بما يراه الحاكم ، وقيل : لو كان متّصلا فالبدل الثلث أو بما يراه الحاكم ـ أي الحكومة ـ وقيل التفصيل بين الإبهام وغيره ، فلو كان في الجاني إبهاماً فيه زيادة فلا يقتصّ منه بل تؤخذ منه نصف الدية ، فإنّ الإبهام ذو أنملتين ، وعند بعض العامّة : ذو أنامل ثلاثة ، وأشكل عليه أنّ الأنملة الثالثة داخلة في الكفّ ، ولمّـا لم يمكن القصاص مع الزيادة إذ يستلزمه قطعها أيضاً ، فلهذا يرجع إلى بدله جمعاً بين الحقّين ، وعند الشكّ في شمول الأدلّة يكون من الشبهة المصداقيّة التي لا يتمسّك فيها بالعموم.

السابع عشر : لو كان في إصبع سبّابة المجني عليه أنملة زائدة[9] . فإن كان ذلك في الجاني أيضاً فإنّه يقتصّ منه حينئذ للمماثلة والعموم ، وإذا كانت الزيادة في المجني عليه دون الجاني ، فالمسألة ذات أقوال : فعند المحقّق وجماعة القصاص ويؤخذ البدل للزيادة وهو الأرش ، وقيل : بالقصاص وللزيادة الحكومة ، وقيل بالقصاص في الأصليّة وللزيادة ثلث الدية ، ومستند الأوّل عموم الأدلّة ، والثاني حكومة الحاكم والتحيّر في الأقوال : والثالث الروايات الدالّة على ثلث الدية في الإصبع الزائدة ، وبتنقيح المناط الاطميناني نقول بالموارد الاُخرى كذلك.

وإذا كان المجني عليه خالياً من الزيادة دون الجاني ، فقيل بعدم القصاص للزيادة في الجاني ، فإنّ قصاصه يخالف قاعدة (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) وقاعدة (حرمة دم المسلم) فيرجع إلى البدل وهو ثلث الدية ، وقيل : لا يقتصّ ويرجع إلى البدل وهو نصف الدية ، وقيل : يقتصّ منه ويدفع له ثلث الدية إليه للزيادة ، وهذا إنّما يستفاد من مناط رواية بن جريش ، وقيل : بالتفصيل بين المنفكّ والمتّصل ، ففي المنفصل يقتصّ ، وفي المتّصل البدل ، وقيل : بالتفصيل بين الإبهام وغيره ، ووجه كلّ واحد واضح يعرف من خلال ما ذكرناه سابقاً ، والمختار في مثل هذه الموارد الصلح فإنّه سيّد الأحكام ، فتأمّل.

الثامن عشر : لو قطع الجاني من شخص أنملته العليا ومن آخر الوسطى[10] ، فيقطع منه العليا والوسطى للأوّل والثاني ، وإن لم يكن له عليا فيؤخذ منه بدلها ثلث الدية ، وتردّ إلى المجني عليه الأوّل وقيل لا يحقّ للمجني عليه الثاني القصاص ، وتوقّف العلاّمة في ذلك.

وإذا طلب المجني عليه الأوّل الإمهال فإنّه يجاب على ذلك ما دام لا يستلزم الضرر على الثاني ، ويشكل عدم إعطاء بدل العليا إلى الجاني وردّها إلى المجني عليه الأوّل رأساً ، لعدم عفوه . وإن كان لنا علم إجمالي بقطع العليا والوسطى ولا ندري من أ يّهما كان ، فالقدر المتيقّن ثلث الدية لتساويهما في دية الأنملة الواحدة ، ولكن في الإبهام يختلف الحكم ، في ذهابنا إلى نصف الدية لكلّ أنملة ، فحينئذ يتردّد الأمر بين الأقلّ والأكثر (نصف الدية) فالأحوط المصالحة ، وإلاّ فيعطى لكلّ خمسة.

التاسع عشر : لو قطع الجاني صباحاً أنملة زيد ، وظهراً أنملة عمرو ، فالمسألة ذات أقوال : قيل يقتصّ المجني عليه الأوّل ويعطى لعمرو ثلث الدية ، وقيل يقطع للثاني من يده الثانية ، وقيل يقطع الإصبع الأكبر من رجله اليسرى ، ومستند الأوّل تعلّق حقّ زيد أوّلا ولا محلّ لعمرو وهذا هو المشهور بين الأصحاب وهو المختار.

ومستند الثاني ما جاء في قضاء أمير المؤمنين (عليه السلام) فيمن لم يكن له اليد اليمنى فإنّه اقتصّ منه في يسراه ، ومن باب استفادة الملاك وتنقيح المناط قالوا فيما نحن فيه كذلك ، وتمسّكوا برواية حبيب السجستاني ، إلاّ أ نّها ضعيفة بحبيب كما عند النجاشي ، وقيل في السند ابن محبوب من أصحاب الإجماع فالجواب عدم قبول ما قاله الكشّي في أصحاب الإجماع ، ومستند الثالث ما جاء في هذه الرواية أيضاً وهو كما ترى ، فالحقّ الحقيق هو القول الأوّل.


[1]الجواهر (42 : 403) : و (إذا كان للقاطع) كفّاً مثلا فيه (إصبع زائدة) في محلّ مخصوص من يمناه مثلا (وللمقطوع كذلك ثبت القصاص ، لتحقّق التساوي) في الزائدة ومحلّها كما هو المفروض ، لا أنّ الزيادة لأحدهما في اليمنى ، وللآخر في اليسرى ، ولا أنّ لأحدهما إبهاماً وللآخر خنصراً ، وربما احتمل في نحو عبارة المتن عدم اعتبار تساوي المحلّ ، فيكفي الزيادة في كلّ منهما وإن كانت في أحدهما إبهاماً وفي الآخر خنصراً ، وهو في غير محلّه ، لتصريح المصنّف بذلك في اعتباره ، مضافاً إلى توقّف اسم القصاص عليه.

وفي تكملة المنهاج 2 : 179 ، مسألة : 192 ، لو كانت للقاطع إصبع زائدة وللمقطوع كذلك ثبت القصاص ـ بلا خلاف ولا إشكال ـ للتساوي وعموم أدلّة القصاص ـ بل لا يبعد ذلك فيما إذا كانت الزائدة في الجاني فقط ـ خلافاً للمشهور حيث ذهبوا إلى أنّ القصاص ـ والحال هذه ـ إنّما يثبت في الأصابع الأصليّة دون الزائدة ، لأ نّها أزيد من الحقّ ، فلا حقّ للمجني عليه فيها ، ودون الكفّ أيضاً ، لاستلزام القصاص فيها التغرير بها وهو غير جائز ، ولكن الظاهر هو ثبوت القصاص من الكفّ ، لأطلاق أدلّة القصاص . وما ذكر من التعليل لا يصلح أن يكون مقيّداً لها ، فإنّه وإن لم يتعلّق للمجني عليه حقّ بالزائدة ، إلاّ أنّ حقّه تعلّق بالكفّ ، وله قطعها ، ومعه لا حكم للزائدة ، هذا مضافاً إلى أ نّه لو لم يجز الاقتصاص من الكفّ انتقل الأمر إلى الدية دون قطع الأصابع وأخذ الدية من الكفّ حكومة ، فإنّه يحتاج إلى دليل ، ولا دليل على ذلك ، فإنّ الجناية واحدة وحكمها القصاص في صورة الإمكان ، وإلاّ فالدية . والانتقال إلى موضع آخر لا وجه له أصلا . والإجماع غير موجود في المقام ـ وأمّا إذا كانت الزائدة في المجني عليه فقط فالمشهور أنّ له الاقتصاص ، وأخذ دية الزائد ، وهي ثلث دية الأصليّة ، وفيه إشكال والأقرب عدمه ـ وجه الإشكال هو : أنّ هذا الحكم وإن كان مشهوراً ومعروفاً بين الأصحاب ، بل ادّعي عدم الخلاف فيه إلاّ أ نّه لا دليل عليه ، فإن تمّ إجماع عليه فهو ، ولكنّه غير تامّ ، فإذن مقتضى الإطلاقات أنّ اليد تقطع باليد ومعه لا حكم للزائدة . ومن هنا قال الأردبيلي (قدس سره) : ويحتمل إسقاطها لأ نّها لحمة زائدة لا عوض لها كالسنّ في يد المجني عليه دون الجاني أو بالعكس ـ .

وفي تحرير الوسيلة 2 : 551 ، الفرع الثالث : يشترط في القصاص التساوي في الأصالة والزيادة ، فلا تقطع أصليّة بزائدة ولو مع اتّحاد المحلّ ، ولا زائدة بأصليّة مع اختلاف المحلّ ، وتقطع الأصليّة بالأصليّة مع اتّحاد المحلّ ، والزائدة بالزائدة كذلك ، وكذا الزائدة بالأصليّة مع اتّحاد المحلّ وفقدان الأصليّة ، ولا تقطع اليد الزائدة اليمنى بالزائدة اليسرى وبالعكس ولا الزائدة اليمنى بالأصليّة اليسرى وكذا العكس.

الرابع ـ لو قطع كفّه فإن كان للجناني والمجني عليه إصبعاً زائدة في محلّ واحد كالإبهام الزائدة في يمينها وقطع اليمين من الكفّ اقتصّ منه ، ولو كانت الزائدة في الجاني خاصّة ، فإن كانت خارجة عن الكفّ يقتصّ منه وتبقى الزائدة ، وإن كانت في سمت الأصابع منفصلة فهل يقطع الكفّ ويؤتى دية الزائدة أو يقتصّ الأصابع مع الخمس دون الزائدة ودون الكفّ وفي الكفّ الحكومة ؟ وجهان ، أقربهما الثاني ولو كانت الزائدة في المجني عليه خاصّة فله القصاص في الكفّ ، وله دية الإصبع الزائدة وهي ثلث دية الأصليّة ، ولو صالح بالدية مطلقاً كان له دية الكفّ ودية الزائدة ، ولو كان للمجني عليه أربع أصابع أصليّة وخامسة غير أصليّة لم تقطع يد الجاني السالمة ، وللمجني عليه القصاص في أربع ودية الخامسة وأرش الكفّ.

وفي كشف اللثام (2 : 473) : ولو كان من الجاني والمجني عليه بقطع يده إصبع زائدة ثبت القصاص مع تساوي المحلّ للزائدة فيهما بأن كانت في يديهما المتساويتين ولا يكون لأحدهما في يمناه والآخر في يسراه ولا يكون لأحدهما إبهاماً زائدة مثلا ، لللآخر خنصر زائدة ولو كانت الإصبع الزائدة للجاني خاصّة اقتصّ منه في الكفّ إن أمكن بدون قطعها بأن يخرج عن حدّ الكفّ المقطوعة أو ما قطع منها ، وإلاّ قطعت الأصابع الخمس من الجاني إن لم يستلزم قطع زائدة بأن لم يكن متّصلة في أحد إحداهما ويؤخذ حكومته في الكفّ ولو كانت الزائدة متّصلة بإحداهنّ اقتصّ منه في أربع وأخذ منه دية إصبع وحكومة كفّه ولو أمكن قطع ما تحت الأربع عن الكفّ قطع وكانت الحكومة في باقي الكفّ ، وللعامّة قول بأنّ دية الكفّ ودية الزائدة . ولو كانت الزائدة للمجني عليه خاصّة اقتصّ في الكفّ وطالب بدية الزائدة ، وإن سامح على الدية كانت له دية الكفّ ودية الزائدة ، ولو كانت لكلّ من كفّيهما خمس أصابع لكن كانت خمس الجاني أصليّة وبعض أصابع المجني عليه زائدة قال في المبسوط وإنّما يعلم ذلك بضعفها ودقّتها وصلبها عن الأصابع لم يقتصّ في الجميع بل في الأصليّة خاصّة ، ويطالب بدية الزائدة وحكومة الكفّ أو لا يقتصّ ويطالب بدية الجميع . ولو انعكس الأمر فكانت إحدى أصابع الجاني زائدة وأصابع المجني عليه أصليّة يثبت القصاص في الكفّ إن كانت الزائدة في سمت الأصليّة أي مساوية لها في المحلّ بالمعنى الذي عرفته ، وإلاّ فكالأوّل لعدم جواز الاقتصاص مع الاختلاف في المحلّ . وللبحث صلة فراجع ، ففيه زيادة صور وفروع غير ما أشار إليه سيّدنا الاُستاذ (قدس سره).

وفي المسالك (2 : 384) : في قوله (إذا كان للقاطع) من شرائط القصاص المماثلة في الاستيفاء كما مرّ ، ومن فروعها أنّ الزائد يقطع بالزائد إن اتّحد المحلّ كالأصلي فلو فرض شخصان لكلّ منهما إصبع زائدة فقطع أحدهما زائدة الآخر أو مجموع اليد اقتصّ منه ، ولو قطع شخص معتدل الخلقة يداً عليها إصبع زائدة قطعت يده واُخذت منه دية الزائدة سواء كانت معلومة بعينها أم لم تكن ... وهنا فروع من أرادها فليراجع فإنّ المقصود الإشارة وبيان أصل المسألة في أهمّ الكتب الفقهيّة الاستدلاليّة على مرّ العصور من المعاصرين إلى عصر العلمين الشيخين المفيد والطوسي عليهما الرحمة.

هذا وقد ذكرنا بعض فروع المسألة في المسألة الاُولى حيث كان الكلام حول الناقصة والكاملة وفي الثانية حول الأصليّة والزائدة ، ونقلنا من إيضاح الفوائد ما يتعلّق بالاُولى ، ونذكر هنا تتمّته ففيه بعض الفروع التي ذكرناها كما ستعلم كما فيه زيادة ومن باب تعميم الفائدة أذكر لك كلّ ما تبقّى من المسألة باعتبار الشرط الخامس من شروط قصاص الطرف وهو التساوي في الأصالة أو الزيادة ، لتكون عندك زيادة فروع تنفعك في مقام الاجتهاد والاستنباط ، فتدبّر.

فقال العلاّمة الحلّي (قدس سره) في قواعده كما جاء في الإيضاح (3 : 635) : ولو كان لكلّ من الجاني والمجني عليه إصبع زائدة ثبت القصاص مع تساوي المحلّ ، ولو كانت للجاني خاصّة اقتصّ إن أمكن بدون قطعها بأن يخرج عن حدّ الكفّ ، وإلاّ قطعت الأصابع الخمس إن لم تكن متّصلة بأحدها ، وتؤخذ حكومة في الكفّ ، وإن كانت متّصلة بإحداهن اقتصّ في أربع وأخذ دية إصبع وحكومة كفّه ، ولو كانت للمجني عليه اقتصّ في الكفّ وطالب بدية الزائدة ، ولو كانت خمس الجاني أصليّة وبعض أصابع المجني عليه زائدة لم يقتصّ في الجميع بل في الأصليّة ، ويطالب بدية الزائدة وحكومة الكفّ ، ولو انعكس ثبت القصاص في الكفّ إن كانت في سمت الأصليّة وإلاّ فكالأوّل ، ولو كان على اليد الجاني إصبع زائدة في سمت أصابعه وعلى نسقها غير متميّزة لم يقطع اليد من الكوع ولا شيء من الأربع ، ويقطع الإبهام ويطالب بدية باقي الأصابع وحكومة الكفّ ، فلو قطعه المجني عليه استوفى وأساء وعليه دية الزائدة ، ولو قطع خمس أصابع أساء واستوفى لكن أخذ حقّه ناقصاً ، لجواز أن يكون منها زائدة ويطالب بحكومة الكفّ . وكذا لو قطع إصبعاً من الستّ لم يكن عليه قصاص ، وما الذي يجب عليه يحتمل دية الزائدة لأصالة البراءة ونصف الديتين وسدس دية الكفّ وسدس دية الزائدة ، لأنّ الكف لو قطعت ضمنت بدية يده ودية إصبع زائدة فعند الاشتباه قسّطت الدية ودية الزائدة على الجميع ـ قال فخر المحقّقين يريد بقوله (وكذا لو قطع إصبعاً) أ نّه لو كان له ستّ أصابع في كفّ واحد ولم يتميّز الزائدة عن الأصليّات فقطع واحد منها إصبعاً ما الذي يجب عليه ؟ ذكر المصنّف هنا وجوهاً ، أحدها : دية إصبع زائدة وهو ثلث دية الأصلية ، لأ نّه المتيقّن وما زاد عليه مشكوك فيه والأصل البراءة . والثاني : نصف الديتين لأنّ المقطوعة يحتمل أن يكون زائدة ويحتمل أن تكون أصلية والاحتمالان متكافيان فكان عليه نصف الديتين كجنين ولجته الروح قتله جان ولم يعلم كونه ذكراً ولا اُنثى فإنّه يلزم نصف الديتين وتوريث الخنثى نصف النصيبين فإنّ سببه تكافؤ الاحتمالين أعني احتمال الذكورة والاُنوثة . الثالث : سدس دية الكف وسدس دية الزائدة لأ نّه لو قطع الكفّ مع الأصابع الستّ لزمه دية اليد وهو خمسمئة دينار وثلث دية الإصبع الأصليّة الزائدة وهي ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار ، فمع قطع الواحدة منفردة يقسّط ذلك على نسبته لأنّ الإصبع واحدة من ستّة ، لا يقال : إنّما يكون له السدس من دية مجموع الكفّ والأصابع لو كانت الإصبع سدساً من المجموع وليس كذلك ، بل هي سدس الأصابع لا غير ، لأ نّا نقول : دية الكف مع الأصابع هي مساوية لدية مجموع الأصابع فإنّ القاطع لو قطع الأصابع الستّ لكان عليه مثل ذلك وهو خمسمائة دينار عن الأصابع الخمس الأصليّة ودية الزائدة وهو ثلث دية الأصلية وهو ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار فكان عليه عند الاشتباه سدس دية المجموع ، ثمّ قال العلاّمة : ـ وكذا لو قُطع صاحب الستّ إصبع من يده صحيحة ، فلا قصاص وعليه دية الإصبع الكاملة ، فلو بدر المقطوع وقطع إصبعاً استوفى ، ولو كان لأنملة المجني عليه طرفان فإن ساواه الجاني اقتصّ ، وإلاّ قطع أنملته وأخذ دية الزائدة ، ولو كان الطرفان للجاني فإن تميّزت الأصليّة وأمكن قطعها منفردة فعل ، وإلاّ أخذ دية الأنملة . ولو قطع أنملة عليا ووسطى من آخر فإن سبق صاحب الوسطى اُخّر إلى أن يقتصّ صاحب العليا ، فإن عفى على مال أو مطلقاً كان لصاحب الوسطى القصاص بعد ردّ دية العليا على إشكال ـ قال فخر المحقّقين : منشأ الإشكال أنّ اقتصاصه يؤدّي إلى الجناية في غير حقّه ، لأ نّه يتلف عليه أنملتين وله واحدة وهذا لا يجوز لقوله تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) ولأ نّه يمنع من استيفاء القصاص بما فيه خطر حذراً من زيادة مظنونة في المعلومة المتيقّنة أولى وأحسن ، ولأنّ الزيادة عن الحقّ تعدٍّ والتعدّي منهيّ عنه ، يجب الاحتراز عنه ، ولا يتمّ إلاّ بترك القصاص إلى الدية وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب وما يستلزم الحرام فهو حرام ، ولا يقلّب بأ نّه لا يتمّ الواجب إلاّ بإبانتها ودفع الدية وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب ، لأنّ شرط الواجب خلوّه عن وجوه القبائح وليس هنا ، ومن أنّ القصاص إذا توقّف على زائد في النفس أجازه الشارع مع ردّ الزائد على الجاني كما لو عفى أحد الوليّين أو كان المشارك في القتل ممّن لا يقتصّ فيه فإذا كان جائزاً في النفس ففي الطرف أولى . ثمّ قال العلاّمة الحلّي (قدس سره) : ولو قطع صاحب الوسطى أوّلا أساء واستوفى حقّه وزيادة فيطالب بديتها ولصاحب العليا مطالبة الجاني بدية أنملته ، ولو كان لإصبع أربع أنامل فإن كان طولها مثل طول الأصابع فحكمها حكم باقي الأصابع عند قطعها أجمع حتّى لو قطع تلك الإصبع من يد إنسان قطعت هذه ، ولو قطعها إنسان اقتصّ منه من غير مطالبة بحكومة ، وإن وقعت الجناية على بعضها بأن قطع إنسان الأنملة العليا وللقاطع ثلاث أنامل سقط القصاص لأ نّه فوت ربع إصبع ويلزمه ربع دية الإصبع ، ولو قطع أنملتين فقد فوّت نصف الإصبع فله نصف دية إصبع أو يقطع أنملة واحدة ويطالب بأرش الباقي وهو التفاوت بين النصف والثلث وليس له قطع اثنين ، ولو قطع ثلاث أنامل فله قطع أنملتين قصاصاً ويطالب بالتفاوت بين ثلثي دية الإصبع وثلاثة أرباعها وهو نصف سدس دية إصبع . ولو كان الجاني فإن قطع أنملة واحدة فللمجني عليه قطع أنملته قصاصاً ويطالب بالتفاوت وهو نصف سدس دية إصبع ، ولو قطع أنملتين فللمجني عليه قطع أنملتين ويطالب بالتفاوت بين نصف دية إصبع وثلثي ديتها ، وإن كان طول إصبعه زائداً على ما هو طول الأصابع في العادة ، فإن قطع إصبع رجل لم يقتصّ منه للزيادة في إصبعه ، فإن زالت تلك الأنملة كان للمجني عليه القطع ، وإن قطع إنسان إصبعه فعليه دية إصبع وحكومة ، وإن قطع أنملته فعليه ثلث دية الأنملة ، وإن قطع أنملتين اقتصّ منه في واحدة وعليه ثلث دية الاُخرى وإن قطع صاحب الزائدة في غير محلّ الأصليّة لوجود الأصلية فإن زالت كان للمجني عليه أن يقتصّ منه ، ولو كان له كفّان على ساعد أو ذراعان على عضد أو قدمان على ساق وأحدهما زائد ، فإن علمت الزائدة إمّا ببطش الاُخرى دونها أو بضعف بطشها عنها أو بكونها خارجة عن السمت ، والاُخرى عليه أو بنقص أصابعها وكمال الاُخرى ، فالأصليّة كغيرها يثبت فيها القصاص دون الاُخرى ، ولو لم يتميّزا بوجه من الوجوه فقطعهما إنسان اقتصّ منه وكان عليه أرش الزائدة ولا قصاص لو قطع إحداهما وعليه نصف دية كفّ ونصف حكومة ، وكذا لو قطع منهما إصبعاً لزمه نصف دية إصبع ونصف حكومة على ما تقدّم من الاحتمالات . فلو قطع ذو اليدين يداً احتمل القصاص لأ نّها إمّا أصليّة أو زائدة وعدمه لعدم جواز أخذ الزائدة مع وجود الأصليّة ، ولو قطع الباطشة قاطع اقتصّ منه ، فإن صارت الاُخرى باطشة ففي إلحاقها بالأصليّة إشكال ـ قال فخر المحقّقين : العضو الزائد يتميّز عن الأصليّة بالبطش فإنّ الأصليّة باطشة والزائد لا يساويها في البطش . إذا تقرّر ذلك فنقول : إذا كان لشخص يدان أحدهما باطشة والاُخرى غير باطشة فقطع واحد يده الباطشة وصارت الزائدة باطشة كالاُولى ففي مساواتها الأصليّة في الأحكام ومقدار الدية والقصاص إشكال ينشأ من أ نّها زائدة لأ نّه التقدير فلا يتغيّر حكمها بتغيّر القوّة من النقصان إلى الزيادة ولأ نّه قد كانت ديتها ثلث الأصليّة فلا يقطع الأصليّة بها والأصل بقاء ما كان على ما كان فلا يتغيّر ، ومن اشتراكها في الجسميّة وأجزائها وإنّما تميّزت وانفردت في الحكم بالبطش وبه كانت أصليّة ووجود السبب يقتضي وجود المسبّب فيساويها في الأحكام ، وفيه نظر لأنّ المقتضي لكون الأصليّة أصليّة هو الطبيعة لا المعنى النادر فيها والأقوى عندي أ نّها لا تلحق بالأصليّة ـ انتهى كلامهما رفع الله مقامهما.

وإنّما نقلت كلّ ذلك مع أنّ الفروع كلّها نادرة الوجود والنادر كالمعدوم إلاّ أنّ المقصود هو أن يملك القارئ الكريم قوّة وملكة الاستنباط ، ويكون ذلك من خلال الممارسة والتمرين في مثل هذه الفروع والمسائل ولها نظائر فتأمّل وتدبّر.

وفي المهذّب (2 : 374) : فإذا قطع يداً كاملة الأصابع ويده ناقصة الأصابع كان المجني عليه مخيّراً بين العفو على مال وله دية اليد ـ خمسون من الإبل ـ وبين أن يقتصّ فيأخذ يداً ناقصة إصبعاً قصاصاً.

وفي الصفحة 378 : وإذا كانت له إصبع زائدة فقطع يداً ، فإن كانت مثل يده في الزيادة وكانت الزيادة من المقطوع في محلّ الزيادة من القاطع ، مثل أن يكون مع الإبهامين أو مع الخنصرين منهما ، قطعت يده بيده ، لأ نّهما متساويتان في الخلقة والزيادة وإن كانت المقطوعة ذات خمس أصابع وللقاطع إصبع زائدة فإن كانت الزائدة على ساعد القاطع قطعت يده بذلك ، لأنّا نأخذ ليد مثل يد والزيادة تسلّم للقاطع ، وإن كانت الزيادة على كف القاطع لم يقطع يده بيده ، لأ نّها تزيد إصبعاً ، فلا يقطع بما هي ناقصة إصبعاً ، فإذا كانت لا تقطع على ما ذكرناه فالزيادة إمّا تكون منفردة ـ كإحدى الأصابع ـ أو يكون ملصقة بواحدة منها ، أو يكون على إصبع من الأصابع ، فإن كانت منفردة كإحدى الأصابع كان مخيّراً بين العفو وله أخذ دية كاملة ، وبين أن يقتصّ فيأخذ خمس أصابع قصاصاً ويترك الزائدة ، وإن كانت ملصقة بإحدى الأصابع كان مخيّراً بين العفو وله أن يأخذ دية كاملة وبين أن يقتصّ فيأخذ أربع أصابع قوداً ، وليس له أخذ الخامسة ، لأ نّها ملصقة بالزائدة وله ديتها عشرة من الإبل ، وإن كانت الزائدة على إصبع من الأصابع وكانت وكانت نابتة على الأنملة العليا ، كان الحكم فيها كالحكم فيها إذا كانت ملصقة بالزائدة وقد تقدّم ذلك ، وإن كانت نابتة على الأنملة الثانية كان القصاص في ثلاث أصابع ، وفي الأنملة العليا ودية الأنملتين الباقيتين وإن كانت على السفلى كان له القصاص في أربع أصابع والأنملتين العليا والوسطى ودية الأنملة السفلى التي عليها الإصبع الزائدة.

ذكرت لك هذا التفصيل لما فيه من الفروع التي ذكرناها في المتن وزيادة ، كما هناك فروع اُخرى ، فراجع.

وفي المبسوط (7 : 86) : إذا كانت له إصبع زائدة فقطع يداً نظرت فإن كانت مثل يده في الزيادة وكانت الزيادة من المقطوع في محلّ الزائدة من القاطع مثل أن كانت مع الخنصرين منهما أو مع الإبهامين منهما قطعنا يده بيده ، لأ نّهما في الخلقة سواء وفي الزيادة . وإن كانت المقطوعة ذات خمس أصابع وللقاطع إصبع زائدة لم يخل الزيادة من أحد الأمرين إمّا أن يكون على ساعد القاطع أو على كفّه ، فإن كانت على ساعد القاطع مثل أن كانت على آخر الذراع منه عند الكوع أو أعلى منه ، قطعنا يده بتلك لأنّا نأخذ له مثل يده ، والزيادة تسلّم للقاطع ، وإن كانت الزيادة على كفّ القاطع لم يقطع يده بيده ، لأ نّها تزيد إصبعاً فلا يقطعها بما هي ناقصة إصبع كما لو كانت يده ذات خمس أصابع والمقطوعة أربع أصابع فإنّما تقرّر أ نّا لا نقطع التي فيها إصبع زائدة بتلك ، لم تخل الزائدة من ثلاثة أحوال إمّا أن يكون منفردة كإحدى الأصابع ، أو ملصقة بواحدة منها ، أو يكون على إصبع من الأصابع فإن كانت منفردة كإحدى الأصابع مثل أن كانت إلى جنب الخنصر أو الإبهام كان المجني عليه بالخيار بين أن يعفو فيأخذ دية كاملة ، وبين أن يقتصّ فيأخذ خمس أصابع قصاصاً ويترك الزائدة لا يأخذها ولا يأخذ الكفّ ، وهل يتبع الكفّ الأصابع في القصاص فلا يأخذ لأجل تركها حكومة ؟ على ما مضى منهم من قال : ياخذ أرش الكف ، ومنهم من قال يتبع الكف والأوّل أقوى . وإن كانت الزائدة ملتصقة بإحدى الأصابع ، كان المجني عليه بالخيار بين أن يعفو فيأخذ دية كاملة ، وبين أن يقتصّ فيأخذ أربع أصابع قوداً ، وهل يتبعها ما تحتها ؟ على ما مضى من الوجهين ، وليس له أخذ الخامسة لأ نّها ملتصقة بالزيادة . فمتى فتق ما بينهما أدخل الألم على الزائدة التي لا حقّ له فيها ، فلهذا لم يكن له أخذها قصاصاً ، وله ديتها عشر من الإبل ويتبعها ما تحتها في الدية وجهاً واحداً . وإن كانت الزيادة نابتة على إصبع نظرت ، فإن كانت نابتة على الأنملة الثانية كان له القصاص في ثلاث أصابع وفي الأنملة العليا ، ودية الأنملتين العليا والوسطى ودية الأنملة السفلى التي عليها الأصابع الزائدة يتبعها ما تحتها في الدية ، وأمّا الكف التي تحت الأصابع فعلى ما مضى من الوجهين . وجملته : أنّ كلّ إصبع اُخذت قصاصاً من أصلها ففي المحلّ الذي كانت عليه من الكفّ وجهان : وكلّ موضع أخذنا الدية في إصبع أو أنملة منها ، كان ما تحتها من الكفّ تبعاً لها وجهاً واحداً.

وفي الصفحة 87 قال : قد مضى الكلام إذا كانت يد القاطع أكمل من يد المجني عليه فأمّا إن كانت يد القاطع ذات خمس أصابع ويد المقطوع ذات ستّ أصابع فللمقطوع القصاص لأنّا نأخذ ناقصاً بكامل ، ويكون بالخيار بين العفو والاستيفاء ، فإن عفا على مال ثبت له دية كاملة وحكومة في الإصبع الزائدة وإن اختار القصاص اقتصّ وكان له حكومة في الإصبع الزائدة ، فلا يبلغ تلك الحكومة دية إصبع أصلية بحال ، لأنّا لا نأخذ في الخلقة الزائدة ما نأخذ في الأصلية . فإذا ثبت ذلك وفرضنا أ نّه قطعت الزائدة وحدها لأ نّها أوضح ، إذ لا فرق بين قطعها وحدها أو مع اليد فلا يخلو من أحد أمرين إمّا أن يكون لها شين بعد الاندمال أو لا شين لها ، فإن كان لها شين فالأرش عندنا على كلّ حال ثلث الإصبع الصحيحة ، وعندهم أن يقال : هذا الحرّ لو كان عبداً فلا شين فيه كم كان قيمته ؟ قالوا مائة وإذا كان به شين ؟ قالوا : خمسة وتسعون ، قلنا فقد بان أنّ النقص نصف العشر من القيمة فيؤخذ منه نصف عشر دية الحرّ وهذا أصل في التقويم ، وهو أنّ العبد أصل للحرّ فيما لا مقدّر فيه ، والحرّ أصل للعبد فيما فيه مقدّر . وأمّا إن لم يكن لها شين بحال أو اندملت وأحدثت جمالا فعندنا مثل ذلك لعموم الأخبار وعندهم الحكم فيها وفيمن شجّ في وجهه دون الموضحة فاندملت وأحدثت جمالا واحد . قال قوم لا شيء له فيها ، لأ نّه لا نقص ها هنا ، وقال بعضهم عليه الضمان ، لأ نّه إصبع على كفّ مضمونة ، فكانت مضمونة كالأصليّة . وللبحث صلة فراجع.

وفي كتب العامّة : جاء في (الفقه على المذاهب الأربعة 5 : 356) : قالوا : وفي الأصابع الزائدة حكومة عدل تشريفاً للآدمي لأ نّه جزء من يده ، ولكن لا منفعة فيه ولا زينة ، وكذلك السنّ الزائدة فيها حكومة عدل ، وإن كانت كف المجني عليه ناقصة الأصابع مثلا ، لم تقطع السليمة بها ، ولو قطع إصبعاً فتآكل غيرها أو شلّ إصبع بجوارها أو كف فلا قصاص في المتآكل والمشلول بالسراية لعدم تحقّق العمدية بل فيه الدية أو حكومة في مال الجاني ، ولو اقتصّ في إصبع من خمسة فسرى لغيرها لم تقع السراية قصاصاً ، بل يجب على الجاني للأصابع الأربع أربعة أخماس الدية ولا حكومة لمنابت الأصابع ، بل تدخل في ديتها ، ولو ضرب يده فتورّمت ، ثمّ سقطت بعد أيام وجب القصاص ولا أثر في القصاص في يد لخضرة أظفارها وسوادها لأ نّه علّة ومرض في الظفر وتقطع ذاهبة الأظفار بسليمتها لأ نّها دونها دون العكس ، لأنّ الكامل لا يؤخذ بالناقص ولو نقصت يده إصبعاً فقطع يداً كاملة قطع وعليه أرش الإصبع ، ولو قطع كامل اليد ناقصة فإن شاء المقطوع أخذ دية أصابعه الأربع وإن شاء قطعها ولو قطع كفاً بلا أصابع فلا قصاص إلاّ أن تكون كفّه مثلها ، ولقد قطع فاقد الأصابع كاملها قطع كفّه وأخذ دية الأصابع . انتهى كلامه.

وإنّما نقلت التفصيل وهذه الفروع الإضافية انطلاقاً من تعميم الفائدة والفقه المقارن وكثرة الفروع بتوسعة الذهن الفقهي ، وإنّ ما عند القوم إنّما أكثره ينبع من الاستحسانات الظنية والقياس المخرج وإنّه ليس بحجّة عندنا ، فما وافق كتاب الله وسنّة نبيّه (صلى الله عليه وآله) ومنهاج الأئمة الأطهار (عليهم السلام) نأخذ به ، وما خالف فإنّه يضرب به بعرض الجدار ، والله من وراء القصد.

وفي المحلّى (11 : 42) : ومن كانت له سنّ زائدة أو إصبع زائدة فقطعها قاطع اقتصّ له منه من أقرب سنّ إلى تلك السنّ وأقرب إصبع إلى تلك الإصبع لأ نّها سنّ وإصبع ولا فرق بين أن يبقى المقتصّ منه ليس له إلاّ أربع أصابع ويبقى للمقتصّ له خمس أصابع وبين أن يقطع من ليست له إلاّ السبابة وحدها سبابة سالم الأصابع ، ولا خلاف في أنّ القصاص في ذلك ويبقى المقتصّ ذا أربع أصابع ويبقى المقتصّ منه لا إصبع له ، وهكذا القول في الأسنان ولا فرق.

وفي المغني (9 : 452) : (فصل) ولا تؤخذ يد كاملة الأصابع بناقصة الأصابع ، ولو قطع من له خمس أصابع يد من له أربع أو ثلاث أو قطع من له أربع أصابع يد من له ثلاث لم يجب القصاص لأ نّها فوق حقّه ، وهل له أن يقطع من أصابع الجاني بعدد أصابعه ؟ فيه وجهان ذكرناهما فيما إذا قطع من نصف الكفّ وإن قطع ذو اليد الكاملة يداً فيها إصبع شلاّء وباقيها صحاح لم يجز أخذ الصحيحة بها لأ نّه أخذ كامل بناقص وفي الاقتصاص من الأصابع الصحاح وجهان فإن قلنا له أن يقتصّ فله الحكومة في الشلاّء وأرش ما تحتها من الكف ، وهل يدخل ما تحت الأصابع الصحاح في قصاصها أو تجب فيه حكومة ؟ على وجهين . (فصل) وإن قطع اليد الكاملة ذو يد فيها إصبع زائدة وجب القصاص فيها ... واختار القاضي أ نّها لا تقطع بها وهو مذهب الشافعي لأ نّها زيادة . وللبحث صلة فراجع.

وفي المهذّب في الفقه الشافعي (2 : 181) : (فصل) ولا تؤخذ أصلي بزائد فإن قطع من له خمس أصابع أصلية كفّ من له أربع أصابع أصلية وإصبع زائدة لم يكن للمجني عليه أن يقتصّ من الكفّ لأ نّه يأخذ أكثر من حقّه ، ويجوز أن يقتصّ من الأصابع الأصلية لأ نّها داخلة في الجناية ويأخذ الحكومة في الإصبع الزائدة وما تحت الزائدة من الكف يدخل في حكومتها ، وهل يدخل ما تحت الأصابع التي اقتصّ منها في قصاصها على الوجهين . ويجوز أن يأخذ الزائد بالأصلي فإن قطع من له أربع أصابع أصلية وإصبع زائدة كف من له خمس أصابع أصلية ، فللمجني عليه أن يقتصّ من الكفّ لأ نّه دون حقّه ولا شيء له لنقصان الإصبع الزائدة ، لأنّ الزائدة كالأصليّة في الخلقة ، وإن كان لكلّ واحد منهما إصبع زائدة نظرت فإن لم يختلف محلّهما أخذ أحدهما بالاُخرى ، لأ نّهما متساويان وإن اختلف محلّهما لم تؤخذ إحداهما بالاُخرى لأ نّهما مختلفان في أصل الخلقة.

أخي القارئ الكريم : ربما يتبادر إلى ذهنك لماذا هذا التطويل في مثل هذه المسألة التي ربما لم تحدث بالعمر مرّة واحدة ، والفرد النادر كالمعدوم ، ثمّ لماذا هذه الشواهد والمعلومات المتكرّرة ؟

فاعلم أنّ المقصود هو ترويض الذهن على الاجتهاد وقوّة الاستنباط والحصول على الملكة الفقهية والاُصولية من خلال هذه المسائل ، فمن حاز على المباني الأوّلية في الفقه واُصوله ، فإنّه بإمكانه لسيّاليّة المسائل أن يستنبط الفروع الاُخرى في كلّ الأبواب الفقهيّة ، هذا أوّلا.

وثانياً : المقصود ذكر نموذج من الفقه المقارن بين المذاهب لا سيّما بين الشيعة الإمامية الاثنى عشرية وبقية المذاهب ، فمن خلال بعض النماذج من الكتب الفقهية عند الطائفتين نقف على حقيقة أنّ أحقّية المذهب إنّما هو باُصوله أوّلا وأمّا الفروع فالاختلاف اجتهادي وحتّى في المذهب الواحد يوجد الاختلاف بين أعلامه وفقهائه ، فالفروع تابعة في الأحقائية للاُصول الكلامية العقائدية ، فاختلاف الاُمّة إلى ثلاث وسبعين فرقة إنّما هو في اُصول المبادئ والعقائد.

وثالثاً : ذكرت نماذج من السير الفقهي في المسألة الواحدة قرناً فقرن في المذهب الإمامي أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ، وكذلك نماذج من الكتب الفقهية والحديثية عند العامّة ، وكأ نّي بهما أحدهما يأخذ من الآخر ، فالمحتوى واحد وإنّما الاختلاف في الألفاظ ، والإجمال والتفصيل ، وذكر الفروع الجديدة . ومن خلال هذه الهوامش يكفيك أن تقف على هذه الحقيقة . وإذا كان الأمر هكذا فكيف لا يصحّ العمل بالمذهب الإمامي ؟ مع أ نّه يطابقه أحد المذاهب الاُخرى ؟ فلماذا هذا التعصّب والطائفيّة وحصر المذاهب الفقهيّة في المذاهب الأربعة ؟ ! وما أروع ما وصل إليه الشيخ محمود شلتوت رئيس جامعة الأزهر في زمانه إلى صحّة العمل بالمذهب الجعفري.

[2]هذا المعنى لم يذكره سيّدنا الاُستاذ ، إلاّ أ نّه جاء في الجواهر 42 : 404 ، فراجع.

[3]الجواهر (42 : 405) : (أمّا لو كانت الزائدة في المجني عليه) خاصّة (فله القصاص) في الكفّ من الكوع (و) له (دية) الإصبع (الزائدة وهو ثلث دية الأصليّة) وإن أخذ الدية كان له دية الكفّ ودية الزائدة بلا خلاف ولا إشكال في شيء من ذلك ، نعم احتمل بعض الناس سقوط دية الزائدة ، لأ نّها لحم زائد كالسمن ، وهو كما ترى . (ولو كان له) أي المجني عليه (أربع أصابع أصليّة وخامسة غير أصليّة لم تقطع يد الجاني إذا كانت أصابعه كاملة أصليّة) بلا خلاف ولا إشكال لعدم قطع الكامل بالناقص المستلزم للزيادة في استيفاء الحقّ ، نعم (كان للمجني عليه القصاص في أربع) لعموم الأدلّة (وأرش الخامسة) أي ديتها بتعذّر استيفائها وحكومة الكفّ كذلك أو لا يقتصّ ويطالب بدية الجميع.

وفي المبسوط (7 : 88) : إذا قطع يداً عليها أربع أصابع أصليّة وإصبع زائدة ، مثل أن كان له البنصر والوسطى والسبّابة والإبهام أصليّة ليس له خنصر أصليّة وفي محلّها إصبع زائدة ، وإنّما يعلم ذلك بضعفها ودقّتها وميلها عن الأصابع ، ولهذا القاطع يد كاملة ليس فيها إصبع زائدة فليس للمجني عليه القصاص في كفّ الجاني لأنّ يده كاملة فلا يأخذها بناقصة ، والناقصة الإصبع الزائدة فلا يأخذ بها إصبعاً أصليّة كما لا يأخذ ذكر الفحل بذكر الخنثى ، وله القصاص في الأربع الأصابع وهو بالخيار ، فإن اختار الدية أخذ أربعين من الإبل في الأربع الأصلية ، وحكومة في الزائدة ، ويكون الكف تبعاً للأصلية الزائدة ، وإن اختار القصاص أخذه من الأصلية ، وهل يتبعها ما تحتها من الكفّ ؟ على ما مضى وأخذ حكومة في الزائدة يتبعها ما تحتها من الكف . فإن كانت بالضدّ منها كانت المقطوعة كاملة ويد القاطع فيها أربع أصابع أصلية وإصبع زائدة وكان الخنصر على ما فصّلناه فللمجني عليه القصاص في الكفّ لأ نّه يأخذ ناقصاً بكامل . فإن اختار الدية فله دية كاملة خمسون من الإبل ، وإن اختار القصاص قطع الكفّ ولا شيء له سواها ، لأنّ الزائدة بمنزلة الشلاّء الأصليّة ولو كان شلاّء أصلية فأخذ القصاص لم يكن له معها سواها وإنّما يأخذ القصاص في الكف إذا كانت الزائدة مكان الخنصر في محلّ الأصلية فأمّا إن كانت في محلّ آخر غير محلّ المفقودة فلا يأخذ القصاص في الكف ها هنا ، لأ نّا لا نأخذ إصبعاً في محلّ بإصبع في محلّ آخر . وأمّا إن كان في يد كلّ واحد منهما إصبع زائدة فإن اختلفا في المحلّ فلا قصاص ، وإن كانا في المحلّ سواء وكانتا في الخلقة سواء أخذنا القصاص وإن اختلفا في الخلقة فكانت إحداهما أكثر أنامل لم يأخذ الكاملة بالناقصة.

[4]الجواهر (42 : 405) : (أمّا لو) انعكس الأمر بأن (كانت) بعض (الأصابع التي ليست أصليّة للجاني) خاصّة (ثبت القصاص) في الكفّ (=نّ الناقص يؤخذ بالكامل) ولكن يشترط كون الزائد في سمت الأصليّة بمعنى مساواتها لها في المحلّ الذي عرفته (و) ذلك لأ نّه (لو اختلف محلّ الزائدة لم يتحقّق القصاص كما لا يقطع إبهام بخنصر).

[5]في المهذّب (2 : 379) : فإن كانت يد القاطع ذات خمس أصابع ويد المقطوع ذات ستّ أصابع ، كان للمقطوع القصاص لأ نّه يأخذ ناقصاً بكامل ، ويكون مخيّراً بين العفو والاستيفاء ، فإن عفى على مال كان له بيده يد كاملة ، وفي الإصبع الزائدة حكومة ولا تبلغ الحكومة في ذلك دية الإصبع الأصليّة ، لأ نّا نأخذ في الخلقة الزائدة ما نأخذه في الأصلية ، فإذا كان كذلك فكان لا فرق بين قطعها وحدها أو مع اليد ، فإن اندملت كان فيها الأرش ـ ثلث الإصبع الصحيحة ـ كان بها سبر (شين) بعد الاندمال أو لم يكن بها كذلك.

وفي كتب العامّة : جاء في المغني (9 : 455) : (فصل) وإن كانت يد القاطع والمجني عليه كاملتين وفي يد المجني عليه إصبع زائدة فعلى قول ابن حامد لا عبرة بالزائدة لأ نّها بمنزلة الخراج والسلعة ، وعلى قول غيره له قطع يد الجاني وهل له حكومة في الزائدة ؟ على وجهين . وإن قطع من له خمس أصابع أصلية كفّ من له أربع أصابع أصلية وإصبع زائدة أو قطع من له أربع أصابع وإصبع زائدة كف من له خمس أصابع أصلية فلا قصاص في الصورة الاُولى لأنّ الأصلية لا تؤخذ بالزائدة ، وله القصاص في الصورة الثانية في قول ابن حامد لأنّ الزائدة لا عبرة بها ، وقال غيره إن لم تكن الزائدة في محلّ الأصلية فلا قصاص أيضاً ، لأنّ الإصبعين مختلفتان ، وإن كانت في محلّ الأصلية فقال القاضي يجري القصاص وهو مذهب الشافعي ، ولا شيء له لنقص الزائدة وهذا فيه نظر ، فإنّها متى كانت في محلّ الأصلية كانت أصلية لأنّ الزائدة هي التي زادت عن عدد الأصابع أو كانت في غير محلّ الأصابع ، وهذا له خمس أصابع في محلّها فكانت كلّها أصلية ، فإن قالوا معنى كونها زائدة أ نّها ضعيفة مائلة عن سمت الأصابع ، قلنا ضعفها لا يوجب كونها زائدة كذكر العنين ، وأمّا ميلها عن الأصابع فإنّها إن لم تكن نابتة في محلّ الإصبع المعدومة فسد قولهم أ نّها في محلّها ، وإن كانت نابتة في موضعها وإنّما مال رأسها واعوجّت فهذا مرض لا يخرجها عن كونها أصليّة.

[6]الوسائل 19 : 229 ، باب 12 من أبواب ديات الأعضاء : (ديات أصابع اليدين) وفي الباب رواية واحدة : محمّد بن يعقوب ، بأسانيده إلى كتاب ظريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في دية الأصابع والقصب التي في الكفّ : ففي الإبهام إذا قطع ثلث دية اليد مائة دينار وستّة وستّون ديناراً وثلثا دينار ، ودية قصبة الإبهام التي في الكفّ تجبر على غير عثم خمس دية الإبهام ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار إذا استوى جبرها وثبت ودية صدعها ستّة وعشرون ديناراً وثلثا دينار ... وفي الأصابع في كلّ إصبع سدس دية اليد ثلاثة وثمانون ديناراً وثلث ] ثلثا [ دينار ، ودية قصب أصابع الكفّ سوى الإبهام دية كلّ قصبة عشرون ديناراً وثلثا دينار ـ والحديث مفصّل فراجع ، ورواه الشيخ والصدوق عليهما الرحمة ـ .

[7]الوسائل 19 : 132 ، باب 13 من أبواب قصاص الطرف ، الحديث 1 ـ محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن زياد بن سوقة عن الحكم ابن عتيبة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت : ما تقول في العمد والخطأ في القتل والجراحات ؟ قال : ليس الخطأ مثل العمد ، العمد فيه القتل والجراحات فيها القصاص ، والخطأ في القتل والجراحات فيها الديات . الحديث . محمّد بن عليّ بن الحسين بإسناده عن هشام بن سالم مثله.

أقول : ما وجدت من رواية الحكم بن عتيبة في الأبواب المظنونة هذه الرواية الدالّة على القصاص دون الدية ، فتعارض الرواية التي تدلّ على الدية ، إلاّ أ نّه ليس فيها (لا دية للزائدة) فلعلّ الاُستاذ يشير إلى رواية اُخرى ـ وعدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود ـ ثمّ الحكم قال عنه المحقّق المامقاني في نتائج تنقيحه (برقم : 3234) أ نّه مهمل أو مجهول.

[8]الجواهر (42 : 457) : (ولو كان للأنملة طرفان فقطعهما) قاطع (فإن كان للجاني أنملة مساوية) في ذلك (ثبت القصاص) بلا خلاف ولا إشكال (لتحقّق التساوي وإلاّ اقتصّ وأخذ أرش الطرف الآخر) لأ نّه لم يستوفِ تمام حقّه ، نعم عبّر غير واحد بالأرش كالمتن ، وفي القواعد ومحكي التحرير أخذ دية الزائدة ، وهي ثلث دية الأنملة الأصليّة ، وعن المبسوط والمهذّب أخذ الحكومة ، ولعلّ مراد الجميع الدية المزبورة ، نعم لو لم يمكن الطرف أنملة مثلا على وجه لا يدخل في ما ثبت له مقدار اتّجه الأرش الذي هو بمعنى الحكومة بخلاف الأوّل الذي ستسمع تصريح المصنّف فيه بثلث دية الأنملة.

وفي كشف اللثام (2 : 473) : ولو كان لأنملة المجني عليه طرفان قطعهما الجاني فإن ساواه الجاني اقتصّ وإلاّ قطع أنملته وأخذ دية الزائدة ، وهي ثلث دية الأنملة الأصلية كما في التحرير وفي المبسوط والمهذّب فيها حكومة . ولو كان الطرفان للجاني خاصة فإن تميّزت الأصلية وأمكن قطعها منفردة فعل قصاصاً ، وإلاّ أخذ دية الأنملة ثلث دية الإصبع أو نصفها.

وفي المهذّب (2 : 379) : وإذا قطع من غيره أنملة لها طرفان ، وكان للقاطع مثلها في تلك الإصبع ، كان عليه القصاص لتساويهما في ذلك ، وإن لم يكن له مثلها أخذ القصاص في الموجودة وحكومة في المفقودة ، وإن كانت أنملة القاطع لها طرفان وللمقطوعة طرف واحد ، فلا قصاص على الجاني لأنّا نأخذ زائدة بناقصة ، وله دية أنملة ـ ثلث دية الإصبع ـ ثلاث وثلث من الإبل.

وفي المبسوط (7 : 89) : القصاص في الأنملة : إذا قطع من رجل أنملة لها طرفان ، فإن كان للقاطع مثلها في تلك الإصبع كان عليه القصاص ، لأ نّهما قد تساويا ، وإن لم يكن له مثلها أخذنا القصاص في الموجودة وحكومة في المفقودة ، وإن كانت أنملة القاطع لها طرفان والمقطوعة لها طرف واحد فلا قصاص على الجاني ، لأنّا لا نأخذ زائدة بناقصة ، وله دية أنملة ثلث دية إصبع ثلاث من الإبل وثلث.

وفي كتب العامّة : جاء في المغني (9 : 456) : (فصل) وإذا قطع أنملة لها طرفان إحداهما زائدة والاُخرى أصلية ، فإن كانت أنملة القاطع ذات طرفين أيضاً اُخذت بها ، وإن لم تكن ذات طرفين قطعت وعليه حكومة في الزائدة ، وإن كانت المقطوعة ذات طرف واحد وأنملة القاطع ذات طرفين اُخذت بها في قول ابن حامد وعلى قول غيره لا قصاص فيها وله دية أنملته ، وإن ذهب الطرف الزائد فله الاستيفاء ، وإن قال : أنا أصبر حتّى يذهب الزائد ثمّ يقتصّ فله ذلك لأنّ القصاص حقّه فلا يجبر على تعجيل استيفائه.

وفي المحلّى (11 : 43) : ... فلو قطع إنسان أنملة لها طرفان فإن قطع كلّ طرف في أصله قطع من يده أنملتان كذلك فلو قطع في الإصبع قبل افتراق الأنملتين قطع له من ذلك الموضع فقط ولا مزيد ولا أرش له في الأنملة الثانية لأنّ الله تعالى يقول : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) فالواجب أن يوضع منه الحديد حيث وضع ويذاق من الألم ما أذاق ولا مزيد قال الله تعالى : ( ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين ) وقال الشافعي : له في الإصبع القود وله في الإصبع الزائدة حكومة . قال أبو محمّد (رح) : الحكومة غرامة مال والأموال محرّمة إلاّ بنصّ أو إجماع . انتهى كلامه.

[9]الجواهر (42 : 407) : (ولو كان الطرفان) المزبوران (للجاني) خاصّة فإن تميّزت الأصليّة وأمكن قطعها منفردة اقتصّ ، لعموم الأدلّة وإلاّ (لم يقتصّ منه) للتغرير بزيادة على الجناية (وكان للمجني عليه دية أنملته وهو ثلث دية إصبع) أو نصفها على ما تعرفه في محلّه إن شاء الله كما صرّح به الشيخ والفاضلان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل لا أجد فيه خلافاً بين من تعرّض له منهم ، لكن قد يأتي احتمال قطع الجميع ودفع دية الزائدة بناءً على ما سمعته في خبر الحسن بن الجريش الذي تكرّر الكلام فيه ، ويأتي للمصنّف قريباً الفتوى بما يناسبه ، بل قد يأتي احتمال قطع أحد الطرفين مع إمكانه ، نحو ما سمعته في الأصابع الزائدة ، إلاّ أ نّي لم أجد من أفتى بغير ما سمعته من المصنّف ، والله العالم.

[10]الجواهر (42 : 408) : (ولو قطع من واحد الأنملة العليا ومن آخر الوسطى ، فإن سبق صاحب العليا) وطالب بحقّه (اقتصّ له وكان للآخر الوسطى) فله القصاص فيها وله العفو (وإن سبق صاحب الوسطى) بالمطالبة (اُخّر) حقّه إلى انتهاء حال الآخر (فإن اقتصّ صاحب العليا اقتصّ لصاحب الوسطى بعده ، وإن عفا) على مال أو بدونه (كان لصاحب الوسطى القصاص إذا ردّ دية العليا) مقدّمة لتحصيل حقّه ، كما عن الشيخ والفاضل في بعض كتبه ، لخبر الحسن بن الجريش وغيره ممّـا تقدّم ، مؤيّداً بكونه كعفو أحد الشريكين ، وكردّ الامرأة الزائد على الرجل ، وغير ذلك من النظائر ثمّ يذكر المصنّف إشكالا ومناقشة فراجع ثمّ يقول : (ولو بادر صاحب الوسطى فقطع) قبل ذي العليا (فقد أساء بناءً على ما سمعته ، ولكن قد (استوفى حقّه وزيادة فعليه دية الزائد ، ولصاحب العليا على الجاني دية أنملته) بلا خلاف أجده بين من تعرّض له ، بل لم أجد من احتمل جواز رجوع ذي العليا على ذي الوسطى باعتبار كونه المتلف لحقّه بالاستيفاء قبله فضلا عن احتمال تعيّن ذلك.

وإن قطع العليا من سبّابتي يمنى رجلين مثلا فللسابق منهما القصاص ، وهل للاّحق القصاص من اليسرى ؟ احتمال ، لورود قطع اليسرى باليمنى كما عرفت ، واليد تشمل الكلّ والأبعاض ، ويحتمل العدم اقتصاراً في ما خالف الأصل على اليقين ، قيل : ويعطيه كلام المبسوط ، وبنى عليه أ نّه إن قطع عليا سبّابة رجل ثمّ العليا والوسطى من سبّابة آخر قدّم صاحب العليا ، فإن عفا كان للآخر القصاص ، وإن اقتصّ كان للآخر القصاص الباقية ، وأخذ دية العليا وإن انعكس قدّم صاحب العليا والوسطى ، فإن عفا كان لصاحب العليا الاقتصاص وإلاّ الدية ، وذلك كلّه واضح . انتهى كلامه رفع الله شأنه.

وفي تحرير الوسيلة 2 : 550 ، الفرع الخامس ـ لو قطع من واحد الأنملة العليا ومن آخر الوسطى فإن طالب صاحب العليا يقتصّ منه ، وللآخر اقتصاص الوسطى ، وإن طالب صاحب الوسطى بالقصاص سابقاً على صاحب العليا اُخّر حقّه إلى اتّضاح حال الآخر ، فإن اقتصّ صاحب العليا اقتصّ لصاحب الوسطى ، وإن عفا أو أخذ الدية فهل لصاحب الوسطى القصاص بعد ردّ دية العليا أو ليس له القصاص بل لا بدّ من الدية ؟ وجهان ، أوجههما الثاني ، ولو بادر صاحب الوسطى وقطع قبل استيفاء العليا فقد أساء ، وعليه دية الزائدة على حقّه ، وعلى الجاني دية أنملة صاحب العليا.

وفي كشف اللثام (2 : 473) : ولو قطع أنملة عليا لرجل ووسطى من آخر فإن سبق صاحب العليا إلى المطالبة اقتصّ ، ثمّ يقتصّ لصاحب الوسطى ولو سبق إليها صاحب الوسطى أخّر حقّه إلى أن يقتصّ صاحب العليا لامتناع اقتصاصه ما لم يذهب العليا إلاّ مع الزيادة مع كون الزيادة حقّاً لصاحب العليا فيفوت حقّه ، فإن عفا صاحب العليا على مال أو مطلقاً كان لصاحب الوسطى القصاص بعد ردّ دية العليا كما في المبسوط والشرايع على إشكال من أنّ له القصاص ولا يتمّ إلاّ بقطع العليا وجواز القود في النفس مع الاشتمال على الزيادة كما إذا عفا أحد الوليّين أو اشترك اثنان في قتل واحد أو قتل رجل امرأة ففي الطرف أولى وهو قضية ما مرّ عن الخلاف والغنية والإصباح ومن حرمة الاعتداء بمثل ما اعتدى عليه ، وهو أقوى فإن شاء صاحب الوسطى أخذ الدية وإن شاء صبر إلى أن يذهب العليا من الجاني بآفة أو جناية فيقتصّ ، وللبحث صلة فراجع.

وفي المبسوط (7 : 89) : إذا قطع الأنملة العليا من سبابة رجل ثمّ قطع الأنملة الوسطى من سبابة آخر لم يكن له العليا ، والجاني له الأعليان معاً ، وجب القصاص عليه في أنملتيه لهما ، ثمّ ينظر فيه فإن جاءا معاً قطعنا العليا لصاحب العليا ، ثمّ الوسطى لصاحب الوسطى ، وإن جاء صاحب العليا أوّلا قطعنا له العليا فإن جاء صاحب الوسطى قطعنا له الوسطى ، فأمّا إن جاء صاحب الوسطى أوّلا قلنا لا قصاص لك في الوسطى الآن لأنّ عليه عليا ، فلا نأخذ أعليين بواحدة ، وأنت بالخيار بين العفو عن الوسطى وأخذ الدية وبين أن تصبر حتّى تنظر ما يكون من صاحب العليا ، ثمّ ينظر فإن عفا أخذ الدية وإن صبر نظرت فإن حضر صاحب العليا فأخذ القصاص فيها ، كان لصاحب الوسطى أخذ القصاص في الوسطى ، فإن حضر وعفا ولم يقتصّ العليا قيل لصاحب الوسطى أنت بالخيار بين العفو على مال فيأخذ دية أنملة ، وبين أن يصبر فلعلّ العليا من الجاني تذهب فيما بعد ثمّ تستوفى الوسطى منه ، هذا قولهم . وللبحث صلة فراجع.

وفي كتب العامّة : جاء في المغني (9 : 457) : (فصل) ولو قطع أنملة رجل العليا ثمّ قطع أنملة آخر الوسطى ثمّ قطع السفلى من ثالث فللأوّل القصاص من العليا ، ثمّ للثاني أن يقتصّ من الوسطى ، ثمّ للثالث أن يقتصّ من السفلى سواء جاءوا دفعة واحدة أو واحداً بعد واحد ، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا قصاص إلاّ في العليا لأ نّه مكافئ حال الجناية ، ثمّ صار مكافئاً يده . ولنا أن تعذّر القصاص لإيصال محلّه بغيره لا يمنعه إذا زال الاتصال كما لو جنت الحامل ويفارق عدم التكافؤ لأ نّه تعذّر المعنى فيه وها هنا تعذّر لاتّصال غيره به ، فأمّا إن جاء صاحب الوسطى أو السفلى يطلب القصاص قبل صاحب العليا لم يعطه لأنّ في استيفائه إتلاف أنملة لا يستحقّها ، وقيل لهما إمّا أن تصبرا حتّى تعلما ما يكون من الأوّل فإن اقتصّ فلكما القصاص وإن عفا فلا قصاص لكما وأمّا إن تراضيا بالعقل فإذا جاء صاحب العليا فاقتصّ فللثاني الاقتصاص وحكم الثالث مع الثاني كحكم الثاني مع الأوّل ، وإن عفا فلهما العقل فإن قالا نحن نصبر وننظر بالقصاص أن تسقط العليا بمرض أو نحوه ثمّ نقتصّ لم يمنعا من ذلك ، وإن قطع صاحب الوسطى الوسطى والعليا فعليه دية العليا تدفع إلى صاحب العليا وإن قطع الإصبع كلّها فعليه القصاص في الأنملة الثالثة ، وعليه أرش العليا للأوّل وأرش السفلى على الجاني لصاحبها وإن عفا الجاني عن صاحبها وجب أرشها يدفعه إليه ليدفعه إلى المجني عليه (فصل) وإن قطع أنملة رجل العليا ثمّ قطع أنملتي آخر العليا والوسطى من تلك الإصبع فللأوّل قطع العليا لأنّ حقّه أسبق ثمّ يقطع الثاني الوسطى ، ويأخذ أرش العليا منه فإن بادر الثاني فقطع الأنملتين فقد استوفى حقّه وتعذّر استيفاء القصاص للأوّل وله الأرش على الجاني ، وإن قطع الأنملتين استوفى حقّه وتقطع الوسطى للأوّل ويأخذ الأرش للعليا ، ولو قطع أنملة رجل العليا ولم يكن للقاطع عليا فاستوفى الجاني من الوسطى فإن عفا إلى الدية تقاصا وتساقطا لأنّ ديتها واحدة . وإن اختار الجاني القصاص فله ذلك ويدفع أرش العليا ويجيء على قول أبي بكر أن لا يجب القصاص لأنّ ديتهما واحدة واسم الأنملة يشملها فتساقطا كقوله في إحدى اليدين بدلا عن الاُخرى . انتهى كلامه . ويذكر المصنّف فصول في العفو عن القصاص فراجع.

المسألة الثالثة( )