![]() |
![]() |
![]() |
الأوّل : لو جنى بقطع إصبع فسرت الجراحة إلى الكفّ ، ثمّ اندملت ، فهل يثبت القصاص[1] ؟
توضيح ذلك : أنّ الإصبع له قصاص القطع كما أنّ الجرح له قصاص فإنّ (الجروح قصاص) كما ورد في قوله تعالى ، فلو جنى بقطع إصبع فسرت الجراحة إلى الكفّ إلاّ أ نّه اندملت الجراحة فهل يثبت القصاص القطعي والقصاص الجرحي ؟ أو أحدهما دون الآخر.
في المسألة صورتان : فتارة يندمل الجرح ، واُخرى لا يندمل ، والكلام في الصورة الاُولى ، فتارةً يسري الجرح عادة إلى الكفّ ، واُخرى لا يسري عادةً إلاّ أ نّه من باب الصدفة والاتّفاق سرى الجرح ثمّ اندمل.
فقيل : يقتصّ مطلقاً في الإصبع والكفّ لعموم الأدلّة ، وأنّ الجراحة مسبّبة بالقطع وإن لم يلتفت القاطع إليها ، ولكن يشكل إطلاق هذا القول ، فإنّه فيما لا يعلم الجاني بالسراية ولم يقصدها ولا يُعلم بالسراية عادة فكيف يقتصّ منه في الكفّ ، فإنّ الجرح لم يكن عمديّاً ، فالأولى أن يقال بالدية إن كانت مقدّرة ، وإلاّ يرجع إلى حكومة الحاكم بما يراه من المصلحة ، ومع هذا فإنّ المختار عندنا في مثل هذه الموارد المصالحة ، فإنّ الصلح خير ، وإنّه سيّد الأحكام كما ذكرنا ذلك تكراراً ومراراً.
وعند أبي حنيفة وتبعه أبو الحسن الشيباني أ نّه لا حكم للجراحة في مثل هذا المورد ، دون قطع الإصبع ، فإنّه يقتصّ منه في ذلك ، ولكن لماذا لم تؤخذ الدية في الجراحة أو الأرش أو الحكومة ، لا سيّما مع العلم بالسراية ، وأنّ العادة قاضية بها.
وقيل : بالتفصيل بين السراية الاتّفاقيّة وبين السراية العادية ، فإنّه يقال في الأوّل بالدية وفي الثاني بالقصاص ، وقيل بالرجوع إلى الحكومة في الجرح فيما لم يكن مقدّر شرعي في البين ، والمختار كما عند الشيخ في الخلاف : القصاص في الإصبع والدية في الجراحة ، لا سيّما لو كانت عادية ويعلم سرايتها ، وفي الاتّفاقية المصالحة ، فتأمّل.
الثاني : لو قطع الجاني يد المجني عليه من الكوع فما هو حكمه[2] ؟
على الجاني القصاص كما عند المشهور مع حفظ المماثلة والمساواة تمسّكاً بالإجماع والشهرة الفتوائيّة وعندنا لعموم الأدلّة ، ولو طلب الجاني قطع يده من المرفق ، فلا يجوز تلبيته وإجابته.
الثالث : لو قطع شيئاً من الذراع فما حكمه[3] ؟
في المسألة صورتان : فتارةً بضربة واحدة يقطع الكوع وشيء من الذراع ، واُخرى بضربتين ففي الاُولى أقوال : منها ما نسب إلى ابن إدريس القصاص مطلقاً سواء بضربة أو ضربتين ، وقيل بالقصاص في الكوع والدية في الذراع ، وقيل بالدية مطلقاً ، ونسب إلى ابن الشيخ الطوسي المعروف بالمفيد الثاني القصاص من المرفق بشرط تدارك الزيادة في القصاص بإرجاع وردّ الفاضل من الدية ، وقيل بالتفصيل بين الضربة الواحدة فالقصاص وبين الضربتين فالدية.
ومستند الأوّل عموم أدلّة القصاص ، ولكن يشكل ذلك للفرق بين الضربة والضربتين ، فإطلاق قول المشهور مشكل ، نعم العظم الذي لا مفصل فيه لا قصاص له ، وربما يوجب القصاص قطع العروق الأصليّة ، ففي مثل هذه الموارد فيما فيه احتمال الضرر العقلائي المختار الرجوع إلى الحكومة ولا مستند لقول ابن الشيخ ، ومستند الدية مطلقاً بناءً على أنّ القصاص مظنّة الخطر لو كان من الذراع ، وفي الكوع يلزم التبعيض في القصاص ، ولكن أيّ إشكال في ذلك ؟ ولو قلنا بمنع التبعيض لو كانت الجناية بضربة واحدة ، وأمّا مع الضربتين فنقول كما عند المشهور القصاص من الكوع والدية في الذراع إن كانت (وإلاّ فالحكومة ، والأولى المصالحة)[4].
وأمّا قول ابن إدريس أ نّه يلاحظ المساحة في قصاص الذراع ، فيشكل ذلك عندنا لاختلاف أذرع الناس.
الرابع : لو قطعها من المرفق فما هو حكمه[5] ؟
ذهب المشهور إلى القصاص لوجود المفصل وصدق المماثلة وتساوي المحلّ ، إلاّ أن يرضى المجني عليه بالبدل من الدية أو غيرها ، أو يكون القصاص معرضاً للخطر ، فيبدل إلى الدية ، والدليل على ذلك عمومات أدلّة القصاص من الكتاب الكريم والسنّة الشريفة ، وإذا طلب الجاني أن يقتصّ منه من الكوع وللباقي يعطى البدل لا يجب إجابته.
الخامس : لو وردت الجناية بين المنكب والمرفق على العضد ، فلا قصاص بالمرفق ولا المنكب إنّما الدية أو الحكومة ، قيل بالقصاص ولكن يلزم منه كسر العظم ، ويحتمل الخطر وعدم صدق المماثلة.
السادس : لو خلع المنكب[6] ويعبّر عنه بمشط الكتف ـ بفتح الميم أو كسره ـ فمع وجود المفصل يتحقّق القصاص ، وإلاّ فمن المرفق والباقي يرجع إلى الحكومة الشرعيّة أو الدية بالنسبة.
السابع : ما بين المنكب والكتف من العظم ليس من المفاصل ففي ورود الجناية عليه يرجع إلى أهل الخبرة في تعيّن الأرش أو الحكومة لتعيّن مقداره ، ولا يشترط العدلان كما قيل ، فإنّه ليس من البيّنة ومن باب الشهادات ، بل يكفي النفر الواحد ما لم يتّهم بالكذب.
وقيل بعدم القصاص مطلقاً للمثلة وقد نهى النبيّ عن ذلك حتّى بالكلب العقور ، ولكن لا تصدق المثلة فيما نحن فيه كما هو واضح.
الثامن : لو قطع نصف الكفّ[7] فلا مفصل في البين ، فيلزم أن يقتصّ ـ إن قيل بـه ـ من الأشاجع ، وفي الزائد يرجع إلى الحاكم بما يراه من الحكومة والمصلحة.
التاسع : كلّما يذكر في اليد من الأحكام والاختلاف كذلك يذكر في الرجل طابق النّعل بالنّعل والقذّة بالقذّة ، لوحدة الملاك.
العاشر : لو طالب الجاني بقطع الأنامل عند جناية قطع الأصابع من الأشاجع ، وفي الباقي يدفع البدل فلا يجب إجابته ، إلاّ أن يرضى المجني عليه بذلك ـ كما مرّ ـ .
الحادي عشر : لو طلب قطع الأنامل أوّلا ثمّ من الأشاجع في جناية قطع الأصابع كاملة ، لا يجوز إجابته لأ نّه زيادة ألم ، وقيل إنّه من المثلة ولا يصحّ ذلك ، وهذا عنوان بعيد ، فتأمّل.
الثاني عشر[8] : حكم القدم كالكفّ والساق كالذراع والفخذ كالعضد والورك كعظم الكتف ، وكلّ عضو يؤخذ قوداً مع وجوده يؤخذ الدية مع فقده ، للأخبار ولا نعرف فيه خلافاً كما تحقّق في أخذ الدية من تركه من قبل ثمّ مات.
[1]الجواهر (42 : 399) : (ولو قطع اصبع رجل) مثلا (فسرت إلى كفّه) بحيث قطعت (ثمّ اندملت ثبت القصاص فيهما) بلا خلاف معتدّ به أجده فيه لعموم الأدلّة بعد كون السراية من فعله ، بل عن المبسوط أ نّه الذي يقتضيه مذهبنا ، لكن عنه في موضع آخر أ نّه أثبت في السراية الدية دون القصاص ، وهو واضح الفساد ، وأوضح منه فساداً ما عن أبي حنيفة من أ نّه لا حكم للسراية أصلا (وهل له القصاص في الإصبع وأخذ الدية في الباقي) وإن لم يرض الجاني ؟ (الوجه لا) وفاقاً للفاضل (لإمكان القصاص فيها) مع تعمّد الجناية عليهما ، إذ السراية من توابع جنايته ، فهو كمقطوع الكفّ عمداً بضربة واحدة في عدم جواز اقتراح ذلك له ، بل لعلّ دخول الإصبع في الكفّ نحو دخول اليد مثلا في النفس لو جنى عليه بها فسرت إلى نفسه ، فإنّه ليس للوليّ القصاص في اليد وأخذ الدية عن النفس ، بل في المسالك وغيرها (ولأنّ الواجب في العمد القود والدية لا تثبت إلاّ صلحاً أو بسبب عارض وهو مفقود هنا ، حيث يمكن القود) وإن كان ذلك لا يخلو من نظر في قصاص الطرف ، ولعلّ وجه الجواز تغاير المحلّ وكون الجناية على أحدهما بالمباشرة ، وعلى الآخر بالسراية التي هي في قوّة السبب ، فهما كجنايتين ، لكنّه كما ترى.
وفي تكملة المنهاج 2 : 177 ، مسألة 190 : المشهور أ نّه لو قطع اصبع شخص وسرت الجناية إلى كفّه اتّفاقاً ، ثبت القصاص في الكفّ وفيه إشكال ، والأظهر عدم ثبوته ـ وذلك لما تقدّم من أنّ موضوع القصاص هو الجناية العمدية ، والمفروض أنّ السراية لم تكن مقصودة وأنّ الجناية على الإصبع لم تكن ممّـا يوجب السراية عادة ، فلم يثبت موضوع القصاص بالإضافة إلى الكفّ فإذن لا وچه لما عن المشهور من أنّ السراية توجب القصاص مطلقاً ، وإن كانت اتّفاقيّة ـ وإنّما له قطع إصبع الجاني وأخذ دية الكفّ منه ـ وفاقاً لما عن الشيخ في موضع من المبسوط ، فإنّه إذا لم يثبت القصاص ثبتت الدية لا محالة لأنّ حقّ المسلم لا يذهب هدراً ، وأمّا إذا تعمّد السراية أو كانت الجناية ممّـا تسري عادة ، فليس له القصاص في الإصبع وأخذ دية الكفّ ، بل هو بالخيار بين القصاص في تمام الكفّ وبين العفو وأخذ الدية مع التراضي ـ لتحقّق موضوع القصاص حينئذ . وعليه فبطبيعة الحال يثبت حقّ القصاص للمجني عليه ، وبما أنّ الجناية واحدة ، فهو مخيّر بين الاقتصاص والدية مع التراضي ، وليس له التبعيض بالاقتصاص من الأصابع ومطالبة الدية بالإضافة إلى الكفّ ـ .
وفي تحرير الوسيلة (2 : 549) : الفرع الثاني ـ لو قطع إصبع رجل فسرت إلى كفّه بحيث قطعت ثمّ اندملت ثبت القصاص فيهما ، فتقطع كفّه من المفصل ، ولو قطع يده من مفصل الكوع ثبت القصاص ، ولو قطع معها بعض الذراع اقتصّ من مفصل الكوع ، وفي الزائد يحتمل الحكومة ويحتمل الحساب بالمسافة ، ولو قطعها من المرفق بالقصاص وفي الزيادة ما مرّ ، وحكم الرجل حكم اليد ، ففي القطع من المفصل قصاص ، وفي الزيادة ما مرّ.
وفي كشف اللثام (2 : 474) : المطلب الثاني في الأحكام : لو قطع إصبعاً مثلا فسرت إلى الكفّ فسقطت واندملت الجراحة ثبت له القصاص في الكفّ لأنّ سراية الجناية عمداً كالجناية عمداً خلافاً لموضع من المبسوط فأثبت في السراية الدية دون القصاص ، ولأبي حنيفة فلا يرى للسراية حكماً ، وهل له اختيارية القصاص في الإصبع وأخذ دية الباقي وإن لم يرض بها الجاني ؟ الأقرب المنع لإمكان القصاص فيهما ، مع تعمّد الجناية عليهما لما عرفت فلا يثبت الدية إلاّ بالتراضي ، ويحتمل الجواز لتغاير المحلّ وكون الجناية بالسراية بمنزلة التسبيب.
وفي المسالك (2 : 384) : في قوله (ولو قطع إصبع رجل) لأنّ الواجب في العمد القود والدية لا تثبت إلاّ صلحاً ، أو بسبب رضى وهو مفقود هنا حيث يمكن القود تاماً ووجه الجواز تغاير المحلّ وكونها جنايتين مغايرتين ثبت أحدهما بالمباشرة والاُخرى بالسراية التي هو في قوّة التسبيب والأصحّ الأوّل.
وفي إيضاح الفوائد (4 : 639) : لو قطع إصبعاً فسرت إلى الكفّ واندملت ثبت القصاص في الكفّ وهل له القصاص في الإصبع وأخذ دية الباقي ؟ الأقرب المنع لإمكان القصاص فيهما ،ـ قال ابن العلاّمة فخر المحقّقين : ويحتمل الجواز لتغاير المحلّ فهما جنايتان متمايزان والأصحّ الأوّل لأنّ السبب واحد والعمد لا يثبت فيه الدية إلاّ صلحاً ـ .
وفي المبسوط (7 : 80) : إذا قطع إصبع رجل فسرت إلى كفّه فذهب كفّه ، ثمّ اندملت فعليه في الإصبع التي باشر قطعها دون السراية القصاص ، ولا يجب القصاص في السراية ، وقال بعضهم لا قصاص فيها أصلا والذي يقتضيه مذهبنا أنّ فيهما معاً القصاص . ومن قال لا قصاص في الكفّ قال ضمان بدلها على الجاني دون العاقلة ، وكان المجني عليه بالخيار بين العفو عن القصاص وأخذ الدية وبين القصاص في الإصبع ، وأخذ الدية فيما بقي ، فإن عفا عن القود كان له دية كاملة خمسون من الإبل ، وإن اختار القطع قطع الإصبع بإصبعه ، وأخذ منه دية أربع أصابع ، أربعين من الإبل مع الكفّ التي تحتها ، فدخل ما تحت الأصابع التي لا قصاص فيها في حكمها في باب الدية . فأمّا ما تحت الإصبع التي باشر قطعها وذهب ما تحتها بالسراية قال بعضهم ليس له المطالبة بأرشها ، لأ نّه لمّا دخل ما تحت الأصابع في حكم الأصابع في الدية دخل ما تحت هذه الإصبع في حكم الإصبع في القود ، وقال آخرون لا يدخل ما تحتها في حكمها ، وله المطالبة بأرشها ، لأ نّها تلفت عن جناية مضمونة ، فكانت السراية مضمونة وهو الأقوى . إذا اختار المجني عليه أن يأخذ قود الإصبع فأخذه كان له المطالبة بدية ما بقي في الحال ، وليس عليه أن يصبر حتّى ينظر ما يكون من الكفّ بعد القطع لأنّ القصاص وجب في إصبعه ودية الباقي واجبة في ذمّته لا يؤثّر فيها اندمال القصاص ولا سرايته إلى الكفّ ولا إلى النفس ، فإذا لم يؤثّر فيما عليه من الدية فلا معنى لتأخير استيفاء دية ما بقي . وللبحث صلة وفروع فراجع ، كما عنده فصل كامل في القصاص في الأصابع من صفحة 84 إلى 89 يحتوي على فروع كثيرة فراجع.
وفي كتب العامّة : جاء في المغني (9 : 456) : (فصل) وإذا قطع إصبعه فأصابه من جرحها أكلة في يده وسقطت من مفصل ففيها القصاص وإن بادرها صاحبها فقطعها من الكوع لئلاّ تسري إلى سائر جسده ثمّ اندمل جرحه ، فعلى الجاني القصاص في الإصبع والحكومة فيما تأكل من الكفّ ولا شيء عليه فيما قطعه المجني عليه لأ نّه تلف بفعله ، وإن لم يندمل ومات من ذلك فالجاني شريك نفسه فيحتمل وجوب القصاص عليه ، ويحتمل أن لا يجب بحال لأنّ فعل المجني عليه إنّما قصد به المصلحة فهو عمد الخطأ وشريك الخاطئ لا قصاص عليه ، ويكون عليه نصف الدية وإن قطع المجني عليه موضع الآكلة نظرت فإن قطع لحماً ميتاً ثمّ سرت الجناية فالقصاص على الجاني لأ نّه سراية جرحه خاصّة ، وإن كان في لحم حي فمات فالحكم فيه كما لو قطعها خوفاً من سرايتها.
وفي المهذّب في الفقه الشافعي (2 : 181) : (فصل) فإن قطع إصبع رجل فتأكل منه الكفّ وجب القصاص في الإصبع لأ نّه أتلفه بجناية عمد ، ولا يجب في الكفّ لأ نّه لم يتلفه بجناية عمد لأنّ العمد فيه أن يباشره بالإتلاف ، ولم يوجد ذلك ويجب عليه دية كلّ إصبع من الأصابع لأ نّها تلفت بسبب جنايته ، ويدخل في دية كلّ إصبع أرش ما تحته من الكفّ لأنّ الكفّ تابع للأصابع في الدية ، وهل يدخل ما تحت الإصبع التي اقتصّ منها في قصاصها على الوجهين.
[2]الجواهر (42 : 400) : (ولو قطع يده) مثلا (من مفصل الكوع ثبت القصاص) بلا خلاف ولا إشكال ، لعموم الأدلّة بعد معلوميّة كون القصاص في ما دون النفس يجرح ويشقّ أو عضو يقطع ، والمراد به كلّ عضو ينتهي إلى مفصل ، لأنّ له حدّاً ينتهي إليه ، فلا تغرير في القصاص.
وفي تكملة المنهاج 2 : 178 ، مسألة 191 : لو قطع يده من مفصل الكوع ، ثبت القصاص ، ولو قطع معها بعض الذراع ، فالمشهور أ نّه يقتصّ من الكوع ويأخذ الدية من الزائد حكومة ، ولكن لا وجه له ، بل الظاهر هو القصاص من بعض الذراع إن أمكن ، وإلاّ فالمرجع هو الدية ـ بيان ذلك أنّ في المسألة وجوهاً : الأوّل : أ نّه يقتصّ من الكوع ، ويؤخذ من الزائد الدية حكومتها وهذا هو المشهور والمعروف بين الأصحاب ، بل ادّعى عدم الخلاف فيه . الثاني : ما عن أبي علي من أنّ للمجني عليه ـ والحال هذه ـ القصاص من المرفق بعد ردّ فاضل الدية . الثالث : ثبوت الدية عند تعذّر القصاص من الذراع ، وهذا الوجه هو الصحيح ، وذلك لأنّ الجناية في المقام واحدة ، فالثابت فيها هو القصاص عند التمكّن منه . وأمّا عند التعذّر فلا دليل على الاقتصاص من الكوع المغاير للجناية وأخذ الدية على الزائدة حكومة ، فإن تمّ إجماع على ذلك فهو ، ولكنّه غير تامّ ، فإذن لا يمكن الالتزام به . وعليه فبطبيعة الحال ينتقل الأمر إلى الدية ، لأنّ حقّ المسلم لا يذهب هدراً . وأمّا ما عن أبي علي فلا وجه له أصلا ، لما عرفت من أ نّه لا يجوز الاقتصاص بالزائد على مقدار الجناية ، فالنتيجة ثبوت القصاص إن أمكن ، وإلاّ فالدية ـ كما أ نّه لو قطع يده من المرفق اقتصّ منها ، وليس له الاقتصاص من الكوع ، وأخذ الأرش في الزائد ، وكذا الحال إذا قطعت من فوق المرفق ـ ظهر الحال في كلّ ذلك ممّـا تقدّم ـ .
وفي كشف اللثام (2 : 474) : ولو قطع يده من مفصل الكوع ثبت القصاص لوضوح المفصل فلا تغرير في القصاص ، ولو قطع معها بعض الذراع اقتصّ منه في اليد أي الكفّ من الكوع وله الحكومة في الزائدة دون القصاص لعدم المفصل واختلاف أوضاع العروق والأعصاب وفاقاً للشيخ والقاضي وجماعة ، وقال ابن إدريس : يعتبر المساحة فلو قطع نصف الذراع كان عليه نصف دية الذراع وهكذا . وقال أبو علي له القصاص من المرفق بعد ردّ الفاضل . قال في التحرير وهل له أن يقطع الأصابع خاصّة ويطالب بحكومة في الكفّ الأقرب أ نّه ليس له ذلك لإمكان أخذه قصاصاً ، فليس له الأرش ، قلت : ولعلّ احتمال الجواز لأ نّه لمّـا لم يمكن القصاص كاملا وجاز التبعيض فكما يجوز أخذ الكفّ يجوز أخذ الأصابع خاصّة.
وفي المسالك (2 : 384) : في قوله (ولو قطع يده من مفصل الكوع) أنّ الفرق القطع في الاُولى لم يقع على مفصل ينضبط معه القصاص فيستوفي منه في المفصل وتؤخذ حكومة الزائد بخلاف الثانية فإنّ القطع من المرفق مضبوط لتمكّن المماثلة فيه فلا يقتصر على استيفاء بعض المقطوع وأخذ دية الباقي لأنّ الواجب بالعمد القصاص ، ولا ينتقل إلى الدية إلاّ مع الاتّفاق والعجز عن استيفاء الحقّ وكلاهما منتف هنا.
وفي إيضاح الفوائد (4 : 639) : ولو قطع يده من مفصل الكوع ثبت القصاص ولو قطع معها بعض الذراع اقتصّ في اليد وله الحكومة في الزائد ولو قطعها من المرفق اقتصّ منه وليس له القصاص في اليد وأخذ أرش الزائد، وكلّ عضو يؤخذ قوداً مع وجوده تؤخذ الدية مع فقده ، كأن يقطع إصبعين وله واحدة أو يقطع كفّاً كاملا وليس له أصابع.
وفي المهذّب (2 : 373) : ... وإذا كان كذلك وقطع يده من مفصل الكوع ـ الزند ـ فيقطع يده من المفصل المذكور بعينه ، ويكون المجني عليه مخيّراً بين أخذ القصاص وبين العفو على مال ، فإن عفى على مال كان فيها نصف الدية خمسون من الإبل.
وفي كتب العامّة : جاء في (الفقه على المذاهب الأربعة 5: 349) : اتّفق الأئمة الأربعة (رض) على أنّ من قطع يد غيره من المفصل عمداً قطعت يده من المفصل وإن كانت يده أكبر من اليد المقطوعة لقوله تعالى: ( والجروح قصاص ) وهو ينبئ عن المماثلة فكلّ ما أمكن رعايتها فيه يجب فيه القصاص وما لا يمكن رعاية المماثلة فيه فلا تجب فيه القصاص ، وقد أمكن رعاية المماثلة في القطع من المفصل فاعتبر ، ولا معتبر بكبر اليد وصغرها لأنّ منفعة اليد لا تختلف بذلك ، وكذلك قطع الرجل وقطع مارن الأنف وقطع الاذن الظاهرة لإمكان رعاية المماثلة ، فإن قطع الأصابع ثمّ قطع الكفّ هو أو غيره بعد الاندمال أو قبله وجب حكومة في الكفّ وكذلك إن قطع فوق الكفّ.
وفي كتب العامّة : جاء في المهذّب في الفقه الشافعي (2 : 180) : (فصل) وتؤخذ اليد باليد والرجل بالرجل والأصابع بالأصابع والأنامل بالأنامل لقوله تعالى: ( والجروح قصاص ) ولأنّ لها مفاصل يمكن القصاص فيها من غير حيف فوجب فيها القصاص ، وإن قطع يده من الكوع اقتصّ منه لأ نّه مفصل ، وإن قطع من نصف الساعد فله أن يقتصّ من الكوع لأ نّه داخل في الجناية يمكن القصاص فيها ، ويأخذ الحكومة في الباقي ، لأ نّه كسر عظم لا تمكن المماثلة فيه ، فانتقل فيه إلى البدل ، وإن قطع من المرفق فله أن يقتصّ منه لأ نّه مفصل ، وإن أراد أن يقتصّ من الكوع ويأخذ الحكومة في الباقي لم يكن له ذلك لأ نّه يمكنه أن يستوفي جميع حقّه بالقصاص في محلّ الجناية فلا يجوز أن يأخذ القصاص في غيره ، وإن قطع يده من نصف العضد فله أن يقتصّ من المرفق ويأخذ الحكومة في الباقي ، وله أن يقتصّ من الكوع ويأخذ الحكومة في الباقي لأنّ الجميع مفصل داخل في الجناية ، ويخالف إذا قطعها من المرفق ، وأراد أن يقتصّ من الكوع لأنّ هناك يمكنه أن يقتصّ في الجميع في محلّ الجناية وها هنا لا يمكنه أن يقتصّ في موضع الجناية ، وإن قطع يده من الكتف ، وقال أهل الخبرة إنّه يمكنه أن يقتصّ في الجميع في محلّ الجناية وها هنا لا يمكنه أن يقتصّ في موضع الجناية ، وإن قطع يده من الكتف وقال أهل الخبرة : إنّه يمكنه أن يقتصّ منه من غير جائفة اقتصّ منه لأ نّه مفصل يمكن القصاص فيه من غير حيف ، وإن أراد أن يقتصّ من المرفق أو الكوع لم يجز لأ نّه يمكنه أن يقتصّ من محلّ الجناية ... وللبحث صلة فراجع.
[3]الجواهر (42 : 400) : (ولو قطع معها بعض الذراع اقتصّ في اليد) من الكوع بلا خلاف أجده (وله الحكومة في الزائد) دون القصاص ، لعدم المفصل واختلاف أوضاع العروق والأعصاب وعدم القصاص في كسر العظام . ولعلّ المراد من الحكومة هنا ما لا ينافي المحكي عن ابن إدريس من اعتبار المساحة ، فلو قطع نصف الذراع كان عليه نصف ديته وهكذا ، وإن كان خلاف الظاهر ، بل قد يشكل ما ذكره بعدم الدليل عليه ، فإنّ ثبوت الدية للعضو لا يقتضي التوزيع المزبور ، فالأولى الأوّل ، ... نعم قد يشكل ما عن أبي علي من أنّ له القصاص من المرفق بعد ردّ الفاضل بأ نّه استيفاء زائد على الحقّ يخرج به عن أدلّة القصاص ومن هنا ـ لولا ظهور الاتّفاق ـ أمكن القول بالانتقال إلى الدية ، لتعذّر القصاص من محلّ الجناية ، ولا دليل في غيرها ، اللهمّ إلاّ أن يقال إنّه قطع للكفّ وزيادة . وللحديث صلة.
وفي المهذّب (2 : 373) : فإن قطع يده من بعض الذراع ، لم يكن فيها القصاص من بعض الذراع لأنّ نصف الذراع ليس يمكن قطعه خوفاً من إتلافه أو أخذ أكثر من الحقّ فيكون المجني عليه مخيّراً بين العفو على مال وله دية يد وحكومة في ما زاد عليها من الذراع وبين القصاص فيقتصّ اليد من الكوع ويأخذ حكومة فيما بقي من الذراع.
[4]هذا المعنى لم يذكره سيّدنا الاُستاذ ، إلاّ أ نّه كان من مذاقه ذلك.
[5]الجواهر (42 : 401) : (ولو قطعها من المرفق) اقتصّ منه ، بلا خلاف ولا إشكال (ولا يقتصّ في اليد ويأخذ أرش الزائد) كما قلناه في السابقة (و) ذلك لأنّ (الفرق بيّن) باعتبار تعذّر استيفاء القصاص في الاُولى من محلّ الجناية بخلافه في الثانية التي لم يتعذّر فيها استيفاء الحقّ ، ولا دليل على التبعيض المزبور ، بل ظاهر الأدلّة خلافه ، خصوصاً على القول بأنّ الواجب في مثله القصاص ولا ينتقل إلى الدية إلاّ مع الاتّفاق أو العجز عن استبعاد الحقّ ، وهما معاً منتفيان ، بل لا يخلو جوازه مع التراضي منها من إشكال.
وفي كشف اللثام (2 : 474) : ولو قطعها من المرفق اقتصّ منه وليس له القصاص في اليد أي الكفّ وأخذ أرش الزائد لوجود المفصل ، وكذا لو قطعها من المنكب اقتصّ منه ولم يكن له القصاص من المرفق وأخذ أرش الزائد ولو قطعها من بعض العضد فلا قصاص منه بل يقتصّ من المرفق وفي ذلك الحكومة وليس له القصاص من الكوع أو الأصابع والحكومة في الباقي.
وفي المهذّب (2 : 374) : فإن قطع من مفصل المرفق فله القصاص من هذا المفصل بعينه ، والمجني عليه مخيّر بين العفو ويأخذ دية اليد خمسين من الإبل وحكومة في الساعد ، وبين أن يقتصّ من المرفق ، فإن قال : أنا أقتصّ من الكوع وآخذ من الذراع حكومة لم يجز له ذلك لأ نّه إذا أمكنه أن يستوفي حقّه أجمع قوداً لم يكن له استيفاء بعضه وأذ حكومة فيما بقي . وهذا يفارق المسألة المتقدّمة حيث كان له القصاص في الكوع وأخذ الحكومة فيما بقي من الذراع ، لأ نّه لا يمكنه استيفاء جميع حقّه قصاصاً لأنّ نصف الذراع لا ينفصل له ، وكذلك إذا قطع يده من مفصل المنكب على هذا التفصيل.
[6]الجواهر (42 : 402) : وكذا لو قطعها من المنكب اقتصّ منه وليس له القصاص من المرفق وأخذ أرش الزائد.
نعم لو قطعها من العضد فلا قصاص منه لما عرفت ، بل يقتصّ من المرفق وفي الباقي الحكومة ، نحو ما سمعته في السابقة ، وفي جواز القصاص له من الكوع أو الأصابع والحكومة في الباقي الكلام السابق . ولو خلع عظم المنكب الذي هو المشط فإن حكم أهل الخبرة بإمكان الاستيفاء بالمثل اقتصّ منه ، وإلاّ فالدية أو الاستيفاء والأرش في الباقي كما في كشف اللثام ومحكيّ المبسوط والتحرير ، نعم الظاهر اعتبار عدلين من أهل الخبرة كما في غير المقام . ثمّ لا يخفى عليك جريان جميع ما ذكرناه في اليد في الرجل ، ضرورة كون القدم كالكفّ ، الساق كالذراع والفخذ كالعضد والورك كعظم الكتف . كما أ نّه لا يخفى عليك بعد ما ذكرنا حكم ما لو قطع نصف الكفّ ، فإنّه ليس له القصاص من موضع القطع لعدم المفصل كنصف الذراع ، ولكن له قطع الأصابع والمطالبة بالحكومة في الباقي أو يعفو عنها ، وفي جواز قطع الأنامل والمطالبة بالحكومة في الباقي الكلام السابق ، وليس له قطع الأنامل ثمّ يكملها بقطع الأصابع ، لزيادة الألم ، ولكن لو فعل أساء ولا ضمان عليه ، ولكن عليه التغرير حتّى لو كان الجاني قد فعل به كذلك في وجه للمُثلة ، وفي آخر لا بأس به ، لأ نّه اعتداء بالمثل والله العالم ـ انتهى كلامه رفع الله مقامه ـ .
وفي كشف اللثام (2 : 475) : ولو خلع عظم المنكب ويقال له مشط الكتف فإن حكم ثقتان من أهل الخبرة بإمكان الاستيفاء من غير أن يصير جايفة استوفى وإلاّ فالدية أو الاستيفاء من المنكب والأرش في الباقي.
[7]وفي إيضاح الفوائد (4 : 639) : ولو قطع من نصف الكف لم يكن له القصاص من موضع القطع لعدم وقوع القطع على مفصل محسوس يمكن اعتبار المساواة فيه ، وله قطع الأصابع والمطالبة بالحكومة في الباقي ، وليس له قطع الأنامل ومطالبة دية باقي الأصابع والحكومة فإن رضي بقطعها مع إسقاط الباقي جاز ، وليس له أن يقطع الأنامل ثمّ يكمل القطع في الأصابع لزيادة الألم.
وهنا فروع يذكرها المصنّف عليه الرحمة لا بأس أن نذكرها لما فيها من فوائد الاستنباط قال العلاّمة (قدس سره) : ولو قطع إصبع رجل فشلّت اُخرى بجنبها اقتصّ منه في القطع وطولب بثلثي دية الشلاّء ، ولو وقعت الآكلة في الموضع وسرت إلى اُخرى اقتصّ فيهما معاً ، ولو قطع إصبع رجل ويد آخر اقتصّ للأوّل ثمّ للثاني ، فإن كانت الإصبع أوّلا رجع صاحب الكفّ بدية الإصبع مع قطع الكف ، ولو كانت اليد اقتصّ لصاحبها واغرم دية الإصبع لصاحبها ، ولو قطع إصبعه فعفا قبل الاندمال فاندملت سقط حقّه ، وكذا لو قال عفوت عن الجناية . ولو أبرأه عن الجناية فسرت إلى الكفّ فلا قصاص في الإصبع بل في الكفّ إن ساواه في النقص أو في الباقي من الأصابع ويطالب بالحكومة ، ولو سرت إلى النفس كان للوليّ القصاص في النفس بعد ردّ ما عفى عنه على إشكال ـ قال فخر المحقّقين : إذا قطع إصبع غيره عمداً فعفى المجني عليه عنها فسرت إلى الكفّ كان الحكم ما ذكره ، وإن سرت إلى النفس قال الشيخ في المبسوط الذي رواه أصحابنا أنّ لأوليائه القود إذا ردّوا ما عفى عنه على أولياء المقتصّ منه ، وإن لم يردّوا لم يكن لهم القود فلم يجزم (رحمه الله) في ذلك بحكم والمصنّف استشكله وينشأ من أ نّه قتل عمداً عدواناً وعفوه عن الطرف لا يقتضي سقوط القصاص في النفس لأنّ ما عدا النفس من الجراحات والأطراف يدخل في النفس ، ومن أنّ الطرف سقط حكمه بالعفو فصار كالناقص والكامل لا يؤخذ بالناقص إلاّ بعد ردّ التفاوت ـ ثمّ قال العلاّمة (قدس سره) : ولو قال عفوت عنها وعن سرايتها صحّ العفو عنها ، وفي صحّته في السراية إشكال وقيل يصحّ عنها وعمّـا يحدث عنها من الثلث ... وللبحث صلة فراجع.
وفي المهذّب (2 : 374) : فإن خلع كتفه واقتلع العظم الذي هو المشط من ظهره ، سأل أهل الخبرة عن ذلك فإن قالوا : إنّ استيفاء ذلك يمكن قصاصاً ولا يخاف عليه الجائفة استوفى قصاصاً لأنّ له حدّاً ينتهي إليه فإن قالوا : ليس يؤمن عليه الجائفة ، كان المجني عليه مخيّراً بين العفو وأخذ دية اليد ـ خمسين من الإبل ـ وفيما يزيد على ذلك حكومة ، وبين أن يأخذه القصاص من المنكب ، وفيما يزيد عليه حكومة.
[8]هذا المعنى لم يذكره سيّدنا الاُستاذ ، إنّما جاء في كشف اللثام في شرح قواعد الإسلام للفاضل الهندي (2 : 475) ، واُثبته للفائدة.
![]() |
![]() |
![]() |