![]() |
![]() |
![]() |
يقع الكلام في كيفيّة استيفاء حقّ القصاص في الجراح ، فيقاس أوّلا محلّ الجناية بخيط أو عود أو ما شابه ذلك ليعلم مقدار الجرح والشجّة حتّى لا يزيد القصاص على الجناية ، وهذا من مقتضى الاحتياط وهو حسن على كلّ حال ، وقيل بوجوبه من باب المقدّمة العلميّة لا الوجودية ولا الوجوبيّة ، فيكون من الوجوب الغيري لا النفسي ، وقيل بوجوب المقدّمات الخارجيّة والداخليّة ، وعند المحقّقين من علماء اُصول الفقه ، ليس ذلك من الواجب الشرعي الغيري ، بل هو من العقلي فيكون إرشادياً ، فعلى المبنى ما نحن فيه لم يكن واجباً ولا حراماً ولا مباحاً ولا مكروهاً ، فلا يبقى من الأحكام التكليفيّة إلاّ الاستحباب وهو المختار.
ثمّ صاحب الجواهر[1] يذكر اُموراً في الاستيفاء : كان يحلق الشعر الذي على المحلّ فيما لو كان يمنع من سهولة استيفاء المثل ، وأن يربط الرجل الجاني على خشبة أو غيرها بحيث لا يضطرب حالة الاستيفاء ، وهو حسن للاحتياط وسهولة استيفاء الحقّ.
[1]الجواهر (42 : 360) : (وكيفية القصاص في الجراح أن) يحلق الشعر الذي على المحلّ إن كان عليه شعر يمنع من سهولة استيفاء المثل ، وأن يربط الرجل الجاني على خشبة أو غيرها بحيث لا يضطرب حالة الاستيفاء ثمّ (يقاس) محلّ الشجّة (بخيط وشبهه ، ويعلم طرفاه في) مثله وهو (موضع الاقتصاص) من الجاني (ثمّ يشقّ من إحدى العلامتين إلى الاُخرى ، فإنّ شقّ على الجاني) الاستيفاء دفعة (جاز أن يستوفي منه في أكثر من دفعة) وإن لم يمكنه الاستيفاء وكّل غيره.
وفي تكملة المنهاج 2 : 160 ، مسألة 170 : كيفية القصاص في الجروح هي أن يحفظ الجاني من الاضطراب حال الاستيفاء ، ثمّ يقاس محلّ الشجّة بمقياس ويعلّم طرفاه في موضع الاقتصاص من الجاني ، ثمّ يشرع في الاقتصاص من إحدى العلامتين إلى العلامة الاُخرى ـ الوجه في ذلك هو ما عرفت من اعتبار التساوي والمماثلة بين الجرحين ، فلا يجوز الاقتصاص بالأزيد ـ .
وفي تحرير الوسيلة 2 : 542 ، مسألة 11 ـ إذا اُريد الاقتصاص : حلق الشعر عن المحلّ إن كان يمنع عن سهولة الاستيفاء أو الاستيفاء بحدّه ، وربط الجاني على خشبة أو نحوها بحيث لا يتمكّن من الاضطراب ، ثمّ يقاس بخيط ونحوه ويعلم طرفاه في محلّ الاقتصاص ، ثمّ يشقّ من إحدى العلامتين إلى الاخرى . ولو كان جرح الجاني ذا عرض يقاس العرض أيضاً ، وإذا شقّ على الجاني الاستيفاء دفعة يجوز الاستيفاء بدفعات ، وهل يجوز ذلك حتّى مع عدم رضا المجني عليه ؟ فيه تأمّل.
أقول : الظاهر من تعيّن محلّ الجراحة بالخيط ليس خصوص الخيط ، بل بكلّ ما يمكن معرفة الجرح ومقداره به لا سيّما في عصرنا هذا حيث يوجد من الوسائل العصرية التي يعرف بها بالملليمتر وما دونه.
وفي إيضاح الفوائد (4 : 649) : وإذا اقتصّ حُلق الشعر من المحلّ وربط الرجل على خشبة أو غيرها بحيث لا يضطرب حالة الاستيفاء ، ثمّ يقاس بخيط أو شبهه ويعلم طرفاه في موضع الاقتصاص ، ثمّ يشقّ من إحدى العلامتين إلى الاُخرى ، ويجوز أن يستوفى منه في دفعات إذا شقّ على الجاني ، فإن زاد المقتصّ لاضطراب الجاني فلا شيء لإسناد التفريط إليه باضطرابه ، وإن لم يضطرب اقتصّ من المستوفي إن تعمّد وطولب بالدية مع الخطأ ، ويقبل قوله مع اليمين . وفي قدر المأخوذ منه إشكال ينشأ من أنّ الجميع موضحة واحدة فيقسّط على الأجزاء فيلزمه ما قابل الزيادة لما لو أوضح جميع الرأس ورأس الجاني أصغر فإنّا نستوفي الموجودة ، ولا يلزمه بسبب الزيادة دية موضحة بل يقسّط الدية على الجميع ، ومن أ نّها موضحة كاملة لأنّ الزيادة جناية ليست من جنس الأصل بخلاف مستوعب الرأس فإنّها هناك موضحة واحدة ويؤخّر من شدّة البرد والحرّ إلى اعتدال النهار ، ولو كان الجرح يستوعب رأس الجاني استوعب ، ولو كان المجني عليه صغير العضو فاستوعبته الجناية لم يستوعب في المقتصّ بل اقتصرنا على قدر مساحة الجناية ، ولو أوضع جميع رأسه بأن سلخ الجلد واللحم عن جملة الرأس ، فإن تساويا في القدر فعل به ذلك ، وإن كان الجاني أكبر رأساً لم يعتبر الاسم كما اعتبرناه في قطع اليد حيث قطعنا الكبيرة والسمينة بالصغيرة والمهزولة ، بل تعرف مساحة الشجّة طولا وعرضاً ، فيشجّ من رأسه بذلك القدر إمّا من مقدّم الرأس أو مؤخّره ، والخيار إلى المقتصّ ، ولو كان أصغر استوفى القدر الموجود وغرم بدل المفقود باعتبار التقسيط على جميع الموضحة ولا ينزل إلى الجبين ، ولا إلى القفا ، ولا إلى الاُذنين ولو شجّه فأوضح في بعضها فله دية موضحة ، ولو أراد القصاص استوفى القصاص في الموضحة والباقي على الوجه الذي وقعت الجناية عليه ، ولو أوضحه في اثنين وبينهما حاجز متلاحم اقتصّ منه كذلك ، ولو أوضح جبينه ورأسه بضربة واحدة فهما جنايتان ، ولو قطع الاذن فأوضح العظم منها فهما جنايتان.
وفي المهذّب (2 : 371) : فالقصاص في الموضحة جائز بعد الاندمال ، لأ نّها ربما صارت نفساً وأوّل العمل في ذلك ، أن يجعل على موضع الشجّة مقيساً من خيط أو عود فإذا علم قدرها حلق في مثل ذلك في الموضع بعينه من رأس الشجاج لأنّ الشعر إن كان قائماً لا يؤمن أن يؤخذ أكثر من الحلق ـ فإذا حلق الموضع جعل عليه المقياس وخطّ على الطرفين خطاً يكون مغيراً إمّا من سواد أو غيره ، حتّى لا يزيد على مقدار الحقّ ، ثمّ يضبط المقتصّ منه ، لئلاّ يتحرّك فيجني عليه بأكثر من ذلك ويكون الزيادة هدراً ، لأ نّه هو الذي يجني على نفسه ، فإذا ضبط وضع الحديدة من عند العلامة ثمّ أوضحه إلى العلامة الاُخرى.
وفي كتب العامّة : جاء في المغني (9 : 412) : فصل : ولا يستوفي القصاص فيما دون النفس بالسيف ولا بآلة يخشى منها الزيادة سواء كان الجرح بها أو بغيرها ، لأنّ القتل إنّما استوفى بالسيف لأ نّه آلته وليس ثمّة شيء يخشى التعدّي إليه فيجب أن يستوفى ما دون النفس بآلته ويتوقّى ما يخشى منه الزيادة إلى محلّ لا يجوز استيفاؤه ولأ نّنا منعنا القصاص بالكلّية فيما يخشى الزيادة في استيفائه فلأن نمنع الآلة التي يخشى منها ذلك أولى ، فإن كان الجرح موضحة أو ما أشبهها فبالموسى أو حديدة ماضية معدّة لذلك ، ولا يستوفي في ذلك إلاّ من له علم بذلك كالجرائحي ومن أشبهه فإن لم يكن للولي علم بذلك أمر بالاستنابة وإن كان له علم فقال القاضي ظاهر كلام أحمد أ نّه يمكن منه لأ نّه أحد نوعي القصاص فيمكن من استيفائه إذا كان يحسن كالقتل ، ويحتمل أن لا يمكن من استيفائه بنفسه ولا يليه إلاّ نائب الإمام أو من يستنيبه ولي الجناية ، وهذا مذهب الشافعي لأ نّه لا يؤمن مع العداوة وقصد التشفّي الحيف في الاستيفاء بما لا يمكن تلافيه ، وربما أفضى إلى النزاع والاختلاف بأن يدّعي الجاني الزيادة وينكرها المستوفي . (فصل) وإذا أراد الاستيفاء من موضحة وشبهها فإن كان على موضعها شعر حلقه وتعمد إلى موضع الشجّة من رأس المشجوج فيعلم منه طولها بخشبة أو خيط ، ويضعها على رأس الشاجّ ، ويعلم طرفيه بخطّ بسواد أو غيره ، يأخذ حديدة عرضها كعرض الشجّة فيضعها في أوّل الشامة ويجرّها إلى آخرها ويأخذ مثل الشجّة طولا وعرضاً ولا يراعي العمق لأنّ حدّه العظم ولو روعي العمق لتعذّر الاستيفاء لأنّ الناس يختلفون في قلّة اللحم وكثرته ... وللبحث تفصيل وصلة ، فراجع.
![]() |
![]() |
![]() |