![]() |
![]() |
![]() |
قال صاحب الجواهر (قدس سره) :
لا خلاف ولا إشكال في أصل القصاص فيه ، بل الإجماع بقسميه ، مضافاً إلى الكتاب عموماً وخصوصاً والسنّة المتواترة.
أقول :
على ما نذهب من المبنى من عدم اعتبار الإجماع كدليل مستقلّ ، فلا حاجة لنا إليه في وجوب قصاص الطرف ، بعد ما لنا من الأدلّة القطعيّة من الكتاب الكريم والسنّة الشريفة.
فمن الآيات الكريمة قوله تعالى :
( النفس بالنفس والعين بالعين )[1].
ومن الروايات ما يذكرها صاحب الوسائل (قدس سره) :
بسنده عن الكليني بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) : تقطع يد الرجل ورجليه في القصاص[2].
ومثله في التهذيب.
ولا يخفى أنّ المحقّق الأردبيلي وتلامذته كصاحب المعالم وصاحب المدارك يذهبون إلى حجّية الخبر فيما لو كان كلّ واحد من رواته مذكّى بشهادة عدلين . وهذا بنظري ممّـا يوجب طرح كثير من الروايات وضرب الإجماعات والشهرات ، وهذا أمر بعيد ، بل يكفي في حجّية الخبر وثاقة رواته ، فكلّ خبر موثوق الصدور فهو حجّة ، كما عليه الأكثر ، وهو المختار ، وعلى هذا المبنى روايات المقام موثوقة الصدور ، ولا تعارضها روايات اُخرى ، كما لم تصدر للتقيّة ، ولم يعرض عنها الأصحاب ، ولم تخالف حكم العقل ، فلا بدّ حينئذ مع اجتماع شرائط العمل بالخبر الواحد الموثّق أن يعمل به ، ومن أراد النقاش في سند الخبر المزبور على أنّ إسحاق بن عمّـار فطحيّ المذهب ، فلا يؤخذ به ، فهو مردود لوثاقة الرجل ـ كما هو ثابت في محلّه[3] ـ ولا سيّما في سند الخبر الثاني ففيه ابن محبوب ، وهو من أصحاب الإجماع.
وهناك روايتان في الباب أيضاً[4] ، وربما يناقش في الثلاثة باعتبار دلالتها ، بأنّ المذكـور فيـها لفـظ الجناية دون العمـد ، وهي أعمّ من العمد وشبهه ومن الخطأ.
وجوابه واضح : بأ نّـه قـد ثبت من الدليل الخارجي أنّ الخطأ لا قصاص فيه ، لحديث الرفع والروايات الخاصّة في المقام ، وكذلك شبه العمد ـ كما مرّ في قصاص النفـس ـ فيبقى العمد ، وهو المقصود فلا حاجة إلى قيده في الروايات ، فثبت العمـل بها لصحّـة سندها وتماميّة دلالتها ، فثبت المطلوب من قصاص الطرف.
عودٌ على بدء :
لقد ذكرنا بعض شرائط الجاني المقتصّ منه ، والشرائط إجمالا ، كما يلي[5] :
1 ـ البلوغ : فالصبيّ لا يقتصّ منه لحديث الرفع ، فإنّه رفع القلم ـ قلم التكليف ـ عن الصبيّ حتّى يبلغ (بالاحتلام أو إنبات الشعر الخشن أو إكمال خمس عشر سنة هلاليّة ، والصبيّة بعد إكمال تسع سنوات)[6].
2 ـ العقل : فلا قصاص على المجنون لحديث الرفع أيضاً ، فإنّ القلم مرفوع عنه حتّى يفيق.
3 ـ الاختيار : فإنّ المضطرّ والمكره مرفوع عنهما القلم لحديث الرفع.
4 ـ العلم بالموضوع : بأنّ اليد مثلا محترمة في الإسلام فلا يجوز التعدّي عليها.
5 ـ العلم بالحكم : بأ نّه لا يجوز قطع يد المسلم من دون موجبات القطع.
6 ـ التساوي في محلّ القصاص[7] : ذكره العلاّمة ، فلو قطع اليد اليمنى ، فإنّه يقتصّ منه في يمينه ، فيشترط الاتّحاد في المحلّ.
7 ـ التساوي بالمساحة في الشجاج طولا وعرضاً[8].
8 ـ الاتّحاد في الأصالة والتبعيّة : مثلا لو كان للمجني عليه إصبع زائد من دون الأصلي ، فقطعه الجاني ، وهو سليم اليدين من الزيادة ، فلا يقتصّ منه ، لأنّ أصابعه أصليّة ، وما قطع من المجني عليه زائدة فرعيّة . فيتدارك حينئذ بالدية ، بالمراجعة إلى أهل الخبرة في هذا المقام ، وخير طريق في حقّ الناس المصالحة.
9 ـ التساوي في السلامة : فلو كانت يد المجني عليه شلاّء ، فقطعها الجاني ويده سالمة ، فإنّه لا يقتصّ منه ، بل يتدارك ذلك بالدية ، ويتمّ بالصلح ، فإنّ الأدلّة تنصرف إلى السالمة إلاّ في موارد مذكورة في كتاب الديات.
10 ـ المساواة في الحرية : فلا يقتصّ من الحرّ بالعبد.
11 ـ التساوي في الدين : فلا يقتصّ من المسلم بالكافر[9].
12 ـ انتفاء الابوّة : أن لا يكون الجاني أباً للمجني عليه ، فإنّه لا يقتصّ من الوالد بولده ـ كما مرّ بيان ذلك بالتفصيل في قصاص النفس ، فكذلك في قصاص الطرف لوحدة الملاك ـ ومقتضى الاحتياط الصلح بالدية.
ولا يخفى أنّ الأب يطلق مجازاً على غير الأب الحقيقي وهو المولّد حقيقة ، فيقال الآباء ثلاثة : أب ولّدك ، وأب زوّجك ، وأب علّمك وهو أفضلهم ، وكذلك يطلق على الأب الرضاعي كلمة الأب ، والقاعدة التي تقول : (لا يقتل الوالد بولده) إنّما المقصود من الوالد هو الأوّل ـ أي أبٌ ولّدك ـ صاحب الفراش والآخذ بالساق ، وذلك للانصراف وللتصريح بذلك في الروايات ، ثمّ ظهورها في الأب بلا واسطة ، لا سيما في قوله : (أبٌ ولّدك) فلا يشمل الجدّ إلاّ من باب الملاك إن كان وثبت ذلك.
وإنمّا لا يقتصّ من الولد بولده تمسّكاً بالإجماعات ـ بقسميها المحصّل والمنقول ـ والشهرة الفتوائيّة ، وهما كما مرّ منّا تكراراً لا يعتمد عليهما على نحو الدليل المستقلّ ، إنّما الدليل في المقام هو عموم روايات (لا يقتصّ الوالد بولده) ـ كما مرّ في الجزء الأوّل من هذا الكتاب ـ وذلك في النفس ، إلاّ أ نّه من باب وحدة الملاك يجري الحكم في قصاص الطرف أيضاً ، وبنظري لا يخلو ذلك من إشكال.
وأمّا الروايات : فمنها لظريف بن ناصح المدني الكوفي ثمّ البغدادي في منتهى الوثاقة ، كما إنّ الرواة بينه وبين أصحاب الكتب الأربعة ـ المحامد الثلاثة ـ من المعتبرين ، وإنّه يروي كثيراً في الديات والقصاص عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، وقد أيّد كتابه مولانا الإمام الرضا (عليه السلام).
وروايته في المقام : (وقضى أ نّه لا قود لرجل أصابه والده) اجتمعت فيها جهات الحجّية ، فلا معارض لها ، كما لم تخالف حكماً عقلياً ، ولم تصدر للتقيّة ، وصحّ السند وتمّت الدلالة ، فيكفينا أمثال هذه الرواية في إثبات المدّعى ، بأ نّه لا يقتصّ من الوالد بولده[10].
وأمّا أ نّه لا يقتصّ من الحرّ بالعبد[11] ، فقيل للإجماع والشهرة وهما كما ترى ، وللروايات في هذا المقام وهي العمدة.
عن ابن محبوب عن أبي ولاّد الحنّاط ـ أي يبيع الحنطة ـ قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مكاتب اشترط عليه مولاه حين كاتبه جنى إلى رجل جناية فقال : إن كان أدّى من مكاتبته شيئاً ، غرم في جنايته بقدر ما أدّى من مكاتبته للحرّ ـ إلى أن قال : ـ ولا تقاصّ بين المكاتب وبين العبد ...)[12].
ورواية مسمع بن عبد الملك[13] ، ورواية الصفّار عن السكوني (جراحات العبد على نحو جراحات الأحرار في الثمن)[14] ، وهناك روايات اُخرى تدلّ على المطلوب ، قد اجتمعت فيها شرائط العمل بالخبر الموثّق ، فلا يجوز قصاص الحرّ بالعبد ، خلافاً لكثير من العامّة.
وأمّا المماثلة والتساوي في الدين ، أي لا يقتصّ من المسلم بالكافر[15] ، فللروايات الدالّة على ذلك . وادّعي الإجماع والشهرة أيضاً.
فمن الروايات خبر محمّد بن قيس ، وهو من حواري الإمام الباقر (عليه السلام)[16] ، قال : لا يقاد مسلم بذمّي في القتل ، ولا في الجراحات.
ربما يقال هناك رواية أبي بصير[17] يستشمّ منها معارضتها لرواية محمّد بن قيس ، ففيها : (سألته عن ذمّي قطع يد مسلم ... خُيّر أولياء المعاهد فإن شاؤوا أخذوا دية يده ، وإن شاؤوا قطعوا يد المسلم).
فقيل في جوابها : إنّها مضمرة ، فلا تقاوم الاُولى سنداً لضعفها بالإضمار ، ولكن ليس كلّ إضمار يدلّ على الضعف ، فإنّ أبا بصير كان من العلماء الأعلام في عصره ، ومثله لا يسأل إلاّ من الإمام (عليه السلام) كمحمّد بن مسلم وزرارة عليهم الرحمة ، فالسند تامّ في ظاهره.
وقيل : قد أعرض الأصحاب عن الثانية ، وإعراضهم يدلّ على وهنها ، (ولكن ليس كلّ إعراض يدلّ على الوهن ، بل ما كان من المعاصرين للأئمة الأطهار العارفين بذوقهم (عليهم السلام))[18].
وقيل : رواية أبي بصير تحتمل التقيّة ، فلا يعمل بها ، فإنّ من العامّة من يقول بقصاص المسلم بالكافر ، ولكن عندنا صدور الخبر للتقيّة يشترط فيه أن يكون موافقاً للفتوى الرسمي عند الطغمة الحاكمة عند صدور الرواية ، بأن تصدر الرواية موافقة ومطابقة لفتوى الحكومة الجائرة ، فيعلم أ نّها صدرت للتقيّة ، وأنّى إثبات ذلك ؟
وقيل : إنّما نطرح رواية أبي بصير إذ لم يفت بمضمونها فقهيّاً ، فكيف تعارض الطائفة الاُولى فنطرحها عملا ، ونرد علمها إليهم (عليهم السلام) فهم أعرف بما قالوا ، كما أدّبونا بذلك.
وقيل : تحمل الرواية على محامل جمعاً بين الأخبار ـ والجمع مهما أمكن أولى من الطرح ـ إلاّ أنّ المحامل عندنا مخدوشة . فمنهم كصاحب الوسائل حملها على أنّ الجاني المسلم كان معتاداً للقطع كما ذهب إليه الشيخ ، إلاّ أ نّه لا شاهد عليه من كتاب أو سنّة قطعيّة أو عقل فطري سليم.
ومنهم من حمل المسلم على المسلم في الظاهر المحكوم عليه بالكفر كالنواصب والخوارج ، فيكون الكافر قد قطع يد كافر ، فيقتصّ منه به ، ولكن هذا يحتاج إلى شاهد وقرينة ، وأنّى لهم بذلك ؟
ومنهم : من أراد أن يتصرّف في كلمة (الولي) بأنّ المراد منه الوليّ المطلق وهو الله سبحانه وتعالى ، أو من نصبه الله سبحانه وهو المعصوم من النبيّ أو الإمام (عليهما السلام) ، فإنّهما أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، (وهذا بعيد جدّاً)[19].
[1]المائدة : 55.
[2]وسائل الشيعة 19 : 140 ، الباب 12 من أبواب قصاص الطرف ، الحديث 1 . محمّد ابن يعقوب عن أبي علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبّار عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمّـار قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : تقطع يد الرجل ورجليه (ورجلاه) في القصاص . ورواه الشيخ بإسناده عن أبي علي الأشعري مثله.
[3]قال الشيخ في الفهرست : إسحاق بن عمّـار الساباطي له أصل ، وكان فطحيّاً ، إلاّ أ نّه ثقة ، وأصله معتمد عليه . (رجال السيّد الخوئي 3 : 62 ، وجامع الرواة 1 : 82) روى عن الصادق والكاظم (عليهما السلام) ، وفي نتائج التنقيح (برقم 678) إنّه ثقة موثّق (المجلّد الأوّل : 117).
[4]الوسائل (19 : 141).
2 ـ وعن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن حبيب السجستاني قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين ، قال : فقال : يا حبيب ، تقطع يمينه الذي قطع يمينه أوّلا ، وتقطع يساره للرجل الذي قطع يمينه أخيراً ، لأ نّه إنّما قطع يد الرجل الأخير ويمينه قصاص للرجل الأوّل ، قال : فقلت : إنّ عليّاً (عليه السلام) إنّما كان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، فقال : إنّما كان يفعل ذلك فيما يجب من حقوق الله ، فأمّا يا حبيب حقوق المسلمين فإنّه تؤخذ لهم حقوقهم في القصاص اليد باليد إذا كانت للقاطع يد (يدان) والرجل باليد إذا لم يكن للقاطع يد ، فقلت له : أو ما تجب عليه الدية وتترك له رجله ؟ فقال : إنّما تجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان ، فثمّ تجب عليه الدية ، لأ نّه ليس له جارحة يقاس منها . ورواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن محبوب . ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب.
3 ـ ورواه البرقي في (المحاسن) عن ابن محبوب مثله إلى قوله : قصاص للرجل الأوّل ، ثمّ قال : فقلت : تقطع يداه جميعاً فلا تترك له يد يستنظف بها ؟ فقال : نعم إنّها في حقوق الناس فيقتصّ في الأربع جميعاً ، فأمّا في حقّ الله فلا يقتصّ منه إلاّ في يد ورجل ، فإن قطع يمين رجل وقد قطعت يمينه في القصاص قطعت يده اليسرى ، وإن لم يكن له يدان قطعت رجله باليد التي قطع ، ويقتصّ منه في جوارحه كلّها إذا كانت في حقوق الناس.
أقول : وتقدّم ما يدلّ على بعض المقصود ، ويأتي ما يدلّ عليه ـ انتهى كلامه رفع الله مقامه ـ .
[5]جاء في الجواهر (42 : 343) : وكذا (يشترط في جواز الاقتصاص) فيه ما يشترط في قصاص النفس من انتفاء الاُبوّة ومن (التساوي في الإسلام والحرية أو يكون المجني عليه أكمل) كما عرفت سابقاً من أنّ من لا يقتصّ منه في النفس لا يقتصّ منه في الأطراف بلا خلاف أجده في شيء من ذلك بل ولا إشكال ، بل عن صريح الغنية وظاهر غيرها الإجماع عليه ، بل هو محصّل ، مضافاً إلى ما في النصوص السابقة من ظهور اعتبار التساوي في الحرّية في القصاص طرفاً ونفساً : كقوله (عليه السلام) في اُمّ الولد : (يقاصّ منها للمماليك ولا قصاص بين الحرّ والعبد) بل وغير الحرّية ممّـا تقدّم سابقاً كما هو واضح.
[6]هذا المعنى لم يذكره سيّدنا الاُستاذ (قدس سره).
وقد ثبت عندنا ذلك في مباحثنا الفقهيّة (درس الخارج) في الاجتهاد والتقليد ، كما سيطبع قريباً إن شاء الله تعالى من قبل بعض أجلاّء الحضور.
[7]في مسالك الأفهام (2 : 483) يعتبر أيضاً المماثلة في المحلّ ، فإنّها معتبرة في القصاص وهي في الطرف بمثابة الكفاة التي تطلق في النفس ، فلا يقابل طرف بطرف من غير جنيه كاليد والرجل والعين والأنف ، وإذا اتّحد الجنس لم يؤثر التفاوت في الصغر والكبر والطول والقصر والقوّة والضعف والضخامة والنحافة ، كما لا يعتبر مماثلة النفسين في هذه الاُمور والسرّ في ذلك أنّ مماثلة النفوس والأطراف في ذلك لا يكاد يتّفق وفي اشتراطها إبطال مقصود القصاص وعلى هذا فلا يقطع اليمنى باليسرى وبالعكس ، وكذلك في الرجل والعين والاذن وغيرها ، واستثني من ذلك ما إذا قطع يمينه فلم يكن للقاطع يمين فإنّه يقطع يسراه فإن لم يكن له يسار قطعت رجله ، ومستند الحكم رواية حبيب السجستاني ... والرواية صحيحة السند إلى حبيب المذكور أمّا هو نصّ على توثيقه فإطلاق جماعة من الأصحاب صحّة الرواية مدخول أو محمول على الصحّة الإضافيّة كما تقدّم في نظائره وهذا هو السرّ في نسبة المصنّف الحكم إلى الرواية من غير ترجيح له ، ولكن عمل بمضمونها الشيخ والأكثر وردّها ابن إدريس وحكم بالدية بعد قطع اليدين وهو أقوى ، لأنّ قطع الرجل باليد على خلاف الأصل فلا بدّ له من دليل صالح وهو منفي ، وفي قوله تعالى إنّ النفس بالنفس والعين بالعين الآية ما يدلّ على اعتبار المماثلة ، والرجل ليست مماثلة لليد ، نعم يمكن تكلّف مماثلة اليد وإن كانت يسرى لليمنى لتحقّق أصل المماثلة في الحقيقة وإن تغايرا من وجه.
[8]في المسالك (2 : 483) ويعتبر التساوي بالمساحة في الشجاج : الكلام في قصاص الشجّة في الرأس من الموضحة وغيرها في المساحة والمحلّ ، أمّا الثاني فسيأتي وأمّا المساحة فمرعية طولا وعرضاً ، فلا يقابل ضيقه بواسعه ، ولا يقنع بضيقه عن واسعه ، أمّا العمق فغير معتبر ، لأنّ المعتبر اسم الشجّة والتساوي في قدر العرض قليلا ما يتّفق خصوصاً مع اختلاف الرؤوس في السمن والضعف وغلظ الجلد ورقّته فيقطع النظر عنه قليلا كما يقع النظر عن الصغر والكبر في الأطراف ، وذهب بعض الشافعية إلى اعتبار التساوي في العمق أيضاً.
[9]كشف اللثام (2 : 470) من الشرائط الثاني : التساوي بين الجاني والمجني عليه في الإسلام والحرية ويكون المجني عليه أكمل ، لما عرفت من أنّ من لا يقتصّ منه في النفس لا يقتصّ منه في الأطراف ، فيقتصّ للمسلم من المسلم والذمّي وللذمّي من الذمّي والحربي خاصّة ، ولا يقتصّ له من المسلم بل يجب له الدية إن جنى عليه مسلم.
[10]الوسائل 19 : 58 ، الباب 32 من أبواب القصاص في النفس ، وفي الباب 11 رواية ، الحديث 10 ، وبإسناده إلى كتاب ظريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : وقضى أ نّه لا قود لرجل أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه ما أصابه عيبه من قطع وغيره ، ويكون له الدية ، ولا يقاد . ورواه الصدوق والشيخ كما يأتي.
أقول : ظريف بن ناصح كما في نتائج التحقيق لشيخنا المامقاني (قدس سره) : ثقة وجاءت ترجمته برقم (5984) 2 : 111 ، الطبعة الحجريّة ، عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) ، له كتاب الديات أصله كوفي نشأ ببغداد بياع الأكفان وكان ثقة في حديثه صدوقاً ، وعدّه الحاوي في قسم الثقات ووثّقه في الوجيزة والبلغة أيضاً ، فالرجل مسلّم الوثاقة.
[11]مباني تكملة المنهاج (2 : 145) : بلا خلاف ولا إشكال بين الأصحاب قديماً وحديثاً ، وتدلّ على ذلك صحيحة أبي ولاّد الحنّاط ... فهي تدلّ على أنّ المكاتب الذي تحرّر مقدار منه لا يقتصّ بالعبد فضلا عن الحرّ ، ومعتبرة السكوني عن أبي جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) ... وتؤيّد ذلك رواية مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث اُمّ الولد قال : ويقاصّ منها للمماليك ولا قصاص بين الحرّ والعبد.
كشف اللثام (2 : 470) : ويشترط التساوي حريةً أو رقّاً أو كون المجني عليه أكمل ، ولذا يقتصّ للحرّ من العبد وله استرقاقه إن ساوت قيمته دية الجناية أو قصرت أوزادت وساوى أرش الجناية دية النفس كما في جنايته على النفس وله استرقاقه بما قابلها إن زادت عليها ولم يساو أرشها دية النفس الجاني والخيار في ذلك للمجني عليه ولا خيار للمولى فليس له افتكاكه إذا أراد المجني عليه استرقاقه كلا أو بعضاً إلاّ برضاه كما في قتل النفس ، خصوصاً إذا ساوت قيمة الجاني دية المجني عليه لاستلزامه تساوي عضو الجاني والمجني عليه في القيمة ... وللبحث صلة فراجع.
وفي إيضاح الفوائد (4 : 633) ويقتصّ للحرّ من العبد وله استرقاقه إن ساوت قيمته الجناية أو قصرت وما قابلها إن زادت ولا خيار للمولى ولا يقتصّ للعبد من الحرّ ويقتصّ للعبد من مثله لا من المكاتب إذا تحرّر بعضه ويقتصّ له من المدبّر واُمّ الولد ولمن انعتق منه أكثر القصاص من الأقلّ والمساوي ، ويشترط التساوي في القيمة أو نقص الجاني فإن زادت قيمة الجاني لم يكن للمولى الآخر الاقتصاص إلاّ بعد ردّ التفاوت.
[12]الوسائل 19 : 78 ، الباب 46 حكم القصاص بين المكاتب والعبد وبينه وبين الحرّ وحكم ما لو اُعتق نصفه ، وفي الباب روايتان : الحديث 1 ـ محمّد بن يعقوب عن محمّد ابن يحيى عن أحمد بن محمّد وعن عليّ بن إبراهيم عن أبيه جميعاً عن ابن محبوب عن أبي ولاّد الحنّاط قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مكاتب اشترط عليه مولاه حين كاتبه جنى إلى رجل جناية ، فقال : إن كان أدّى من مكاتبته شيئاً غرم في جنايته بقدر ما أدّى من مكاتبته للحرّ ـ إلى أن قال ـ : ولا تقاصّ بين المكاتب وبين العبد إذا كان المكاتب قد أدّى من مكاتبته شيئاً ، فإن لم يكن قد أدّى من مكاتبته شيئاً فإنّه يقاصّ العبد به ، أو يغرم المولى كلّ ما جنى المكاتب لأ نّه عنده ما لم يؤدّ من مكاتبته شيئاً.
[13]الوسائل 19 : 76 ، الباب 43 ، الحديث 1 ـ محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن نعيم بن إبراهيم عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : اُمّ الولد جنايتها في حقوق الناس على سيّدها ، وما كان من حقوق الله عزّ وجلّ في الحدود فإنّ ذلك في بدنها ، قال : ويقاصّ منها للمماليك ولا قصاص بين الحرّ والعبد . ورواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب.
[14]الوسائل 19 : 126 ، الباب 5 من أبواب قصاص الطرف ، حكم جراحات المماليك ، الحديث 1 ـ محمّد بن الحسن بإسناده عن الصفّار عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن عليّ (عليهم السلام) قال : جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن.
أقول : ويأتي ما يدلّ على ذلك.
[15]وفي السرائر (3 : 403) فإن جرح ذمّي مسلماً أو قطع شيئاً من جوارحه كان عليه أن يقطع جوارحه إن كان قطع ، أو يقتصّ منه إن كان جرح ، ويرد مع ذلك فضل ما بين الديتين ، فإن جرحه المسلم كان عليه أرشه بمقدار ديته التي ذكرناها . وروي أ نّه إن كان معتاداً لذلك جاز للإمام أن يقتصّ منه لأولياء الذمّي بعد أن يردّوا عليه فضل ما بين الديّتين.
[16]الوسائل 19 : 127 ، الباب 8 من أبواب قصاص الطرف ، إنّه لا قصاص على المسلم إذا جرح الذمّي وعليه الدية ، الحديث 1 ـ محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه وعن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لا يقاد مسلم بذمّي في القتل ولا في الجراحات ، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمّي على قدر دية الذمّي ثمانمائة درهم.
أقول : وتقدّم ما يدلّ على ذلك ، وتقدّم ما ظاهره المنافاة وأ نّه محمول على المعتاد.
[17]الوسائل 19 : 138 ، الباب 22 حكم القصاص في الأعضاء والجراحات بين المسلمين والكفّار والرجال والنساء والأحرار والمماليك والصبيان ، وفي الباب 3 روايات ، الحديث 1 ـ محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى عن يونس عن حريز وابن مسكان عن أبي بصير ، قال : سألته عن ذمّي قطع يد مسلم ، قال : تقطع يده إن شاء أولياؤه ويأخذون فضل ما بين الديتين ، وإن قطع المسلم يد المعاهد خيّر أولياء المعاهد فإن شاؤوا أخذوا دية يده ، وإن شاؤوا قطعوا يد المسلم وأدّوا إليه فضل ما بين الديتين ، وإذا قتله المسلم صنع كذلك.
أقول : تقدّم الوجه فيه وأ نّه مخصوص بالمعتاد لذلك ـ انتهى كلامه ـ .
[18]هذا المعنى لم يذكره سيّدنا الاُستاذ (قدس سره).
[19]لم يذكر سيّدنا الاُستاذ هذا المعنى ، إلاّ أنّ الظاهر ذلك ، فهذا الوجه أبعد من الوجهين الأوّلين ، فأنّى لهم الشاهد عليه.
![]() |
![]() |
![]() |