[2]إعلم أنّ الاقتصاص في الطرف إنّما يجوز لو اجتمعت شرائط خاصّة ، قد ذكرها الأعلام ، ووقع الاختلاف في بعضها ، كما هو الديدن ، وهذه الشرائط تارةً باعتبار المقتصّ من باب (اسم الفاعل) ، واُخرى باعتبار (اسم المفعول).
والمقتصّ كالمختار ، يعلم اسم فاعله من مفعوله بالإعلال وفكّ الإدغام ، فالمقتصّ الاسم الفاعلي هو المقتصص ـ بكسر ما قبل الآخر ـ والاسم المفعولي ـ بفتح ما قبل الآخر ـ وهو الجاني الذي يقتصّ منه.
وإنّما يقتصّ منه لو اجتمعت فيه الشرائط التالية :
أن يكون قاصداً للجناية[3] ، متعمّداً ، مختاراً ، فإنّه من الأحكام التكليفيّة والوضعيّة ، فالساهي والناسي والمشتبه للحكم الشرعي والمخطئ لا يقتصّ منه.
وأن لا يكون مكرهاً ، كما لو دار الأمر بين حفظ النفس أو قطع يد الآخر ، فإنّه يقطع ولا قصاص عليه ، ولا مجال للقول بأ نّه (لا تقيّة في الدماء) فإنّ ذلك إنّما يصدق في النفس ، لا ما دونها كالطرف.
وأمّا شرائط المقتصّ ـ بمعنى اسم المفعول ـ أن يكون بالغاً عاقلا قاصداً للقصاص ، وهناك شرائط اُخرى نتعرّض لها من خلال المباحث الآتية إن شاء الله تعالى.
(1) مباني تكملة المنهاج (2 : 145 ، مسألة 157) : يشترط في جواز الاقتصاص فيها البلوغ والعقل وأن لا يكون الجاني والد المجني عليه ، ويعتبر فيه أيضاً أمران : الأوّل : التساوي في الحرّية والرقّية فلا يقتصّ من الحرّ بالعبد ... الثاني : التساوي في الدين : فلا يقتصّ من مسلم بكافر ـ لما عرفت من اعتبار التساوي في الدين في القصاص ـ ...
وفي تحرير الوسيلة (4 : 540 ، مسألة 2) يشترط في جواز الاقتصاص فيه ـ ما دون النفس ـ ما يشترط في الاقتصاص في النفس من التساوي في الإسلام والحرية وانتفاء الاُبوّة وكون الجاني عاقلا بالغاً ، فلا يقتصّ في الطرف لمن لا يقتصّ له في النفس.
وفي جامع المدارك في شرح المختصر النافع لسيّدنا الأكرم السيّد أحمد الخوانساري (قدس سره) (7 : 269) (القسم الثاني في قصاص الطرف ويشترط فيه التساوي كما في قصاص النفس ، فلا يقتصّ في الطرف لمن لا يقتصّ له في النفس ، ويقتصّ للرجل من المرأة ولا ردّ وللمرأة من الرجل مع الردّ فيما زاد على الثلث ، ويعتبر التساوي في السلامة ، فلا يقطع العضو الصحيح بالأشلّ ويقطع الأشلّ بالصحيح ما لم يعرف أ نّه لا ينحسم ، ويقتصّ للمسلم من الذمّي ويأخذ منه ما بين الديتين ، ولا يقتصّ للذمي من المسلم ولا للعبد من الحرّ) ، يثبت القصاص في الأطراف بالجناية عليها عمداً كما ذكر في النفس وقد يفسّر العمد بقصد قتل يتحقّق معه التلف غالباً ، وقد يفسّر بقصد قتل يتحقّق معه التلف عادة ولو لم يقصد التلف . وكذا قصد الإتلاف بفعل ، ولو لم يكن موجباً غالباً ولا عادة ، والأولى تحقّق العمد بقصد فعل يكون معرّضاً ، ولذا ذكروا في كتاب الصوم أنّ فعل ما يكون معرضاً لتحقّق المفطر محسوب من العمد ، كما لو لاعب الزوج مع الزوجة بلا قصد الإمناء وكانت الملاعبة لها هذه المعرضية ، ويشترط في جواز الاقتصاص البلوغ والعقل ، وأن لا يكون الجاني والد المجني عليه كما سبق في قصاص النفس ، ويعتبر فيه أيضاً التساوي في الحرية والرقية فلا يقتص من الحرّ بالعبد ، وتدلّ عليه صحيحة أبي ولاّد الحنّاط قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مكاتب اشترط عليه مولاه حين كاتبه جنى إلى رجل جناية فقال : إن كان قد أدّى من مكاتبته شيئاً غرم في جنايته بقدر ما أدّى من مكاتبته للحرّ ، إلى أن قال : ولا تقاص بين المكاتب وبين العبد إذا كان المكاتب قد أدّى من مكاتبته شيئاً ، فالحرّ بطريق أولى . ومعتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن عليّ صلوات الله عليهم قال : « ليس بين العبيد والأحرار قصاص في ما دون النفس ـ الحديث ».
وفي رياض المسائل (2 : 524) : (ويشترط فيه التساوي) في الإسلام والحرية أو كون المقتصّ من أخفض ، وانتفاء الاُبوّة إلى آخر ما فصّل سابقاً ، وبالجملة الحكم هنا في الشروط بل العمد وشبهه والخطأ (كما في قصاص النفس) قد مضى بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في صريح الغنية وظاهر غيره ، وهو الحجّة مضافاً إلى الإجماع القطعي بل الضرورة والكتاب والسنّة المتقدّم بعضها ، والآتي جملة منها الإشارة في أصل ثبوت القصاص في الأطراف ، قال سبحانه : ( وَالجُروحُ قصاص ) ( والاذن بالاذن والأنف بالأنف ) ( فمن اعتدى عليكم باعتدوا )الآية ، وفي الخبر في اُمّ الولد يقاص منها للمماليك ولا قصاص بين الحرّ والعبد) . وهو ظاهر في اشتراك التساوي في الحرية حتّى في الأطراف للإطلاق ، ويستفاد اشتراط التساوي في غيرها بعد الإجماع المركّب ، مضافاً إلى الإجماع البسيط من تتبّع النصوص بل الاعتبار أيضاً ، فتدبّر (فلا يقتصّ في الطرف لمن لا يقتصّ له في النفس).
[3]كشف اللثام (2 : 470) في الشرائط : الأوّل : العمد ، فلا قصاص بقطع العضو خطأً أو شبه العمد اتّفاقاً ، ويتحقّق العمد بإتلاف العضو إمّا بفعل ما يتلفه غالباً وإن لم يقصد الإتلاف كما هو في القتل ، أو بإتلافه بما لا يتلف غالباً مع قصد الإتلاف سواء كان مباشرةً كقطع اليد أو تسبيباً كما لو ألقى ناراً على يده فاحترقت أو حيّة فنهشتها أو قطع إصبعاً فسرت الجراحة أو الجناية أو الإصبع أي قطعها إلى كفّه أو جرحه في عضو فسرى إليه في عضو آخر أو سرى إلى نفسه، ويكون استطراداً وقد مرّ تفسير المباشرة والتسبيب.
وفي مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام للشهيد الثاني (2 : 483) (في قصاص الطرف) : من شرائط القصاص في الطرف تساويهما في السلامة لا مطلقاً لأنّ اليد الصحيحة يقطع بالرضا ، بل المراد سلامته خاصّة وهي التي يؤثر التفاوت فيها ، أو يتخيّل تأثيره كالصحّة والشلل ، فلا يقطع اليد والرجل الصحيحتان بالشلاّوين وإن رضي به الجاني كما أ نّه لا يقتل الحرّ بالعبد والمسلم بالذمّي وإن رضي الحرّ والمسلم ، وأمّا اليد الشلاّء والرجل الشلاّء فالمشهور أ نّه يراجع فيه إلى أهل الخبرة فإن قالوا إنّها لو قطعت لم يفسد فم العروق بالجسم ولم ينقطع الدم فلا يقطع بها لما فيه من استيفاء النفس بالطرف والمجنى عليه الدية ، وإن قالوا ينقطع فله قطعها أو يقع قصاصاً كقتل الذمّي بالمسلم والعبد بالحرّ وليس له أن يطلب سبب الشلل أرشاً ووجه ذلك بأنّ الصحيحة والشلاّء متساويتان في الجرم والاختلاف بينهما في الصفة والصفة المجرّدة تقابل بالمال وكذلك إذا قتل الذمّي بالمسلم والعبد بالحرّ لم يجب لفضيلة الإسلام والحرية شيء ...
وفي اللمعة (10 : 77) (وشروطه : شروط قصاص الطرف) من التساوي في الإسلام والحرية أو كون المقتصّ منه أخفض ، وانتفاء الاُبوّة إلى آخر ما فصّل سابقاً ، (ويزيد هنا) على شروط النفس اشتراط (التساوي) أي تساوي العضوين المقتصّ به ومنه (في السلامة) أو عدمها أو كون المقتصّ منه أخفض.
وفي إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد (4 : 633) الباب الثاني في قصاص الطرف وفيه فصول (الأوّل) في قصاص اليد والرجل وفيه مطلبان : الأوّل : في الشرائط وهي خمسة (الأوّل) العمد فلا قصاص بقطع العضو خطأ أو شبيه العمد ويتحقّق العمد بإتلاف العضو إمّا بفعل ما يتلفه غالباً أو بإتلافه بما لا يتلفه غالباً مع قصد الإتلاف سواء كان مباشرة كقطع اليد أو تسبيباً كما لو ألقى ناراً على يده أو جيبه أو قطع إصبعاً فسرت إلى كفّه أو جرحه فسرى إليه . الثاني : التساوي في الإسلام والحرية أو يكون المجني عليه أكمل فيقتصّ للمسلم من المسلم والذمّي وللذمّي من الذمّي خاصّة ولا يقتصّ له من المسلم بل يجب الدية . الثالث : التساوي في السلامة ... الرابع : التساوي في المحلّ ... الخامس : التساوي في الأصالة والزيادة ...
وفي المهذّب (2 : 373) فأمّا الأطراف فيجري القصاص فيها من المفاصل في اليدين والرجلين والعينين والاذنين والأنف والأسنان واللسان والذكر للآية ، ويجب ذلك بشروط وهي : الاتفاق في الحرية والسلامة والاشتراك في الاسم الخاصّ ـ يمين بيمين ويسار بيسار ـ ولا يعتبر القدر والمساحة ، بل يؤخذ اليد السمينة بالهزيلة والغليظة بالرقيقة للآية.
وفي المراسم في الفقه الإسلامي لحمزة بن عبد العزيز الديلمي المتوفّى سنة 463 هـ (الصفحة 242) ذكر : أحكام الجناية على ما هو دون النفس من الأعضاء : الأعضاء على ضربين : أحدهما : في الإنسان منه واحد فقط ، والآخر : فيه أكثر من واحد . فالواحد : اللسان والذكر وعين الأعور وخلفه والصلب والرقبة وما كان مثل ذلك وفي الجناية في هذا على ضربين : جناية باستئصاله وجناية بغير استئصاله ... وللبحث صلة فراجع ثمّ يقول : ولا قصاص بين المسلم والذمّي والعبد ، وإنّما القصاص مع التساوي في الحرية والدين ثمّ يذكر أحكام الجراح والشجاج وأ نّها على ثمانية أضرب : الحارصة والدامية والبافقة والسمحاق والموضحة والهاشمية والناقلة والمأمومة والجايفة ولا قصاص إلاّ في سبع منهن ما عدا المأمومة والجايفة فإنّ فيهما تعذر بالنفس ولا قصاص فيهما ... انتهى كلامه رفع الله مقامه.
وفي المبسوط في فقه الإمامية (7 : 78) : قد ذكرنا أنّ القصاص يجري في الأطراف من المفاصل في اليدين والرجلين والاذنين والعينين والأنف والأسنان واللسان والذكر لقوله : ( النفس بالنفس والعين بالعين ) الآية فنصّ على ما نصّ ، ونبّه على اليدين والرجلين إذا كان لها حدّ ينتهى إليه أمكن اعتباره بغير زيادة . وإنّما يجب بثلاثة شروط : الاتفاق في الحرية والسلامة والاشتراك في الاسم الخاصّ يمين بيمين ويسار بيسار ، ولا يعتبر القدر والمساحة بل يؤخذ اليد الغليظة السمينة باليد الدقيقة الهزيلة الضعيفة ، لظاهر الآية ولما تقدّم من أنّ اعتبار المساحة يؤدّي إلى سقوط القصاص ، لتعذّر الاتفاق بين الأيادي على صورة واحدة كبراً وصغراً ، فإذا ثبت ذلك ففي اليد أربع مسائل ... فراجع كما سيأتي.
وفي كتب العامة جاء في المغني (9 : 410) فصل ويشترط لوجوب القصاص في الجروح ثلاثة أشياء : أحدها أن يكون عمداً محضاً فأمّا الخطأ فلا قصاص فيه إجماعاً ولأنّ الخطأ لا يوجب القصاص في النفس وهي الأصل ففيما دونها أولى ، ولا يجب بعمد الخطأ وهو أن يقصد ضربه بما لا يفضي إلى ذلك غالباً مثل أن يضربه بحصاة لا يوضح مثلها فتوضحه فلا يجب به القصاص لأ نّه شبه العمد ولا يجب القصاص إلاّ بالعمد المحض وقال أبو بكر يجب به القصاص ولا يراعى فيه ذلك لعدم الآية . الثاني : التكافؤ بين الجارح والمجروح وهو أن يكون الجاني يقاد من المجني عليه لو قتله كافر المسلم مع الحرّ المسلم فإمّا أن لا يقتل بقتله فلا يقتصّ منه فيما دون النفس له كالمسلم مع الكافر والحرّ مع العبد والأب مع ابنه لأ نّه لا تأخذ نفسه بنفسه فلا يؤخذ طرفه بطرفه ولا يجرح بجرحه كالمسلم مع المستأمن . الثالث : إمكان الاستيفاء من غير حيف ولا زيادة لأنّ الله تعالى قال : ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) وقال : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) ولأنّ دم الجاني معصوم إلاّ في قدر جنايته فما زاد عليها يبقى على العصمة فيحرم استيفاؤه بعد الجناية كتحريمه قبلها ومن ضرورة المنع من الزيادة المنع من القصاص لأ نّها من لوازمه فلا يمكن المنع منها إلاّ بالمنع منه وهذا لا خلاف فيه نعلمه . وممّن منع القصاص فيما دون الموضحة الحسن والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي ومنعه في العظام عمر بن عبد العزيز وعطاء والنخعي والزهري والحكم وابن شبرمة والثوري والشافعي وأصحاب الرأي إذا ثبت هذا فإنّ الجرح الذي يمكن استيفاؤه من غير زيادة هو كلّ جرح ينتهي إلى عظم كالموضحة في الرأس والوجه ولا نعلم في جواز القصاص في الموضحة خلافاً وهي كلّ جرح ينتهي إلى العظم في الرأس والوجه وذلك لأنّ الله تعالى نهى على القصاص في الجروح فلو لم يجب ها هنا لسقط حكم الآية وفي معنى الموضحة كلّ جرح ينتهي إلى عظم فيما سوى الرأس والوجه كالساعد والعضد والساق والفخذ في قول أكثر أهل العلم وهو منصوص الشافعي . وقال بعض أصحابه لا قصاص فيها لأ نّه لا يقدر فيها وليس بصحيح لقول الله تعالى : ( والجروح قصاص ) ولأ نّه أمكن استيفاؤها بغير حيف ولا زيادة لانتهائها إلى عظم فهى كالموضحة.
وفي الصفحة 416 قال : أجمع أهل العلم على جريان القصاص في الأطراف ، وقد ثبت ذلك بقوله تعالى : ( العين بالعين والأنف بالأنف والاذن بالاذن والسنّ بالسنّ والجروح قصاص ) وبخبر الربيع بنت النضر بن أنس ويشترط لجريان القصاص فيها شروط خمسة : أحدها : أن يكون عمداً على ما أسلفناه . والثاني : أن يكون المجني عليه مكافئاً للجاني بحيث يقاد به لو قتله . والثالث : أن يكون الطرف مساوياً للطرف ولا يؤخذ صحيح بأشلّ ولا كاملة الأصابع بناقصة ولا أصليّة بزائدة ولا يشترط التساوي في الدقّة والغلظ والصغر والكبر والصحّة والمرض لأنّ اعتبار ذلك يفضي إلى سقوط القصاص بالكلّية . والرابع : الاشتراك في الاسم الخاصّ فلا تؤخذ يمين بيسار ولا يسار بيمين ولا إصبع بمخالفة لها ولا جفن أو شفة إلاّ بمثلها . والخامس : إمكان الاستيفاء من غير حيف وهو أن يكون القطع من مفصل فإن كان من غير مفصل فلا قصاص فيه من موضع القطع بغير خلاف نعلمه ، وقد روى نمر بن جابر عن أبيه أنّ رجلا ضرب رجلا على ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل فاستعدى عليه النبيّ (صلى الله عليه وآله) فأمر له بالدية فقال إنّي اُريد القصاص ؟ قال : (خذ الدية بارك الله لك فيها) ولم يقضِ له بالقصاص ، رواه ابن ماجه.
وفي المهذّب في الفقه الشافعي (2 : 182) (فصل) وما وجب فيه القصاص من الأعضاء وجب فيه القصاص وإن اختلف العضوان في الصغر والكبر والطول والقصر والصحّة والمرض لأ نّا لو اعتبرنا المساواة في هذه المعاني سقط القصاص في الأعضاء لأ نّه لا يكاد أن يتّفق العضوان في هذه الصفات فسقط اعتبارها (فصل) وما انقسم من الأعضاء إلى يمين ويسار كالعين واليد وغيرهما لم تؤخذ اليمين فيه باليسار ولا اليسار باليمين ، وما انقسم إلى أعلى وأسفل كالفة والجفن لم يؤخذ الأعلى بالأسفل ولا الأسفل بالأعلى ، ولا يؤخذ سنّ بسنّ غيرها ولا إصبع بإصبع غيرها ، ولا أنملة بأنملة غيرها لأ نّها جوارح مختلفة المنافع والأماكن ، فلم يؤخذ بعضها ببعض كالعين بالأنف واليد بالرجل ، ولا يؤخذ بعضه ببعض ممّـا ذكرناه لا يؤخذ وإن رضي الجاني والمجني عليه وكذلك ما لا يؤخذ من الأعضاء الكاملة بالأعضاء الناقصة كالعين الصحيحة بالقاتمة واليد الصحيحة بالشلاّء ، لا يؤخذ وإن رضي الجاني والمجني عليه بأخذها لأنّ الدماء لا تستباح بالإباحة.
وفي الفقه الإسلامي وأدلّته (6 : 333) : يشترط لتطبيق القصاص في الطرف والجروح ولغيرهما ممّـا دون النفس الشروط العامّة المشروطة للقصاص في النفس ويضاف إليها شروط خاصّة . أمّا الشروط العامّة : فهي عند الحنفية أن يكون الجاني عاقلا بالغاً متعمّداً مختاراً ، غير أصل للمجني عليه ، وكون المجني عليه معصوماً ليس جزءاً للجاني ولا ملكه ، وكون الجناية مباشرة لا تسبيباً ، وأن يكون القصاص ممكناً بإمكان المماثلة . وأضاف الجمهور كما بيّنا في القتل العمد : أن يكون المجني عليه مكافئاً للجاني لا فرق عندهم بين أن تكون الجناية مباشرة أو تسبيباً . وبناءً عليه تكون موانع القصاص العامّة ما يلي : 1 ـ الاُبوّة ... 2 ـ انعدام التكافؤ ... 3 ـ كون الاعتداء شبه عمد عند الشافعيّة والحنابلة ... 4 ـ أن يكون الفعل تسبيباً عند الحنفيّة ... 5 ـ أن تكون الجناية واقعة في دار الحرب عند الحنفيّة ... 6 ـ تعذّر استيفاء القصاص ... وأمّا الشروط الخاصّة للقصاص في الجناية على ما دون النفس : فهي التي ترجع إلى أساس واحد وهو تحقيق التماثل . ومقتضاه تحقيق التماثل بين الجناية والعقوبة في اُمور ثلاثة : التماثل في الفعل والتماثل في المحلّ (أو الموضع والاسم) والتماثل في المنفعة (أو الصحّة والكمال) وأضاف الحنفية التماثل في الأرشين ... والدليل على اشتراط التماثل قوله تعالى : ( والجروح قصاص ) وقوله عزّ وجلّ : ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) ولأنّ دم الجاني معصوم إلاّ بمقدار جنايته فما زاد عليها معصوم يمنع التعرّض له ، فلا تصحّ الزيادة في القصاص على قدر الجناية ، وبناء عليه تكون موانع القصاص الخاصّة بما دون النفس ثلاثة هي : 1 ـ عدم التماثل في الفعل (أو عدم إمكان الاستيفاء بلا حيف ولا زيادة) ... 2 ـ عدم المماثلة في الموضع قدراً ومنفعة ... 3 ـ عدم التماثل في الصحّة والكمال ... وأحسن نموذج تطبيقي للقصاص فيما دون النفس هو قوله تعالى : ( وكتبنا عليهم فيها أنّ النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والاذن بالاذن والسنّ بالسنّ والجروح قصاص ) (المائدة : 45).