![]() |
![]() |
![]() |
كما هو الديدن نذكر هنا تنبيهات نافعة إن شاء الله تعالى :
الأوّل ـ هل المراد من الكافر عموم الكفّار أو بعضهم دون بعض ؟
الظاهر أنّ الكفر ملّة واحدة ، فالمراد عموم الكفّار ، فلو قطع المسلم يد اليهودي أو النصراني أو غيرهما فإنّه لا يقتصّ منه ، وإنّه يقتصّ من اليهودي للنصراني وبالعكس.
الثاني ـ هل المراد من المسلم عموم المسلمين ؟
الظاهر عموم ذلك ، فيشمل كلّ من قال بالشهادتين ـ التوحيد والنبوّة ـ إلاّ الفرق المحكومة عليهم بالكفر[1] كالغلاة والنواصب والخوارج ، وعند الشكّ في الاختصاص نجري أصالة العدم.
الثالث ـ قال المحقّق الحلّي (قدس سره) في بيان شرائط جواز الاقتصاص (أن يكون المجني عليه أكمل)[2] أي يشترط في جواز الاقتصاص الاُمور الثلاثة : التساوي في الإسلام والحرية وأن يكون المجني عليه أكمل ، وعبارة المحقّق هكذا : (يشترط في جواز الاقتصاص التساوي في الإسلام والحرّية أو يكون المجني عليه أكمل) أي يكفي إحدى الاُمور الثلاثة الاشتراك في الحرية والدين والأكمليّة ، حتّى لو لم تكن بعض الشرائط متوفّرة ، وقد بحثت عن وجه التفصيل في الأكمل فلم أجد شيئاً يشفي الغليل.
وعند الاُصوليين وعلماء البلاغة أنّ حذف المتعلّق يفيد العموم ، فقوله بالأكمل من دون ذكر المتعلّق يفيد العموم كالأكمليّة من حيث الذكوريّة والاُنوثيّة ، ومن حيث الجسد ، ومن جهة الورع والتقوى وتهذيب الأخلاق ، وغير ذلك كالعلم والشجاعة والحرية ، وهذا العموم لا يراد به قطعاً ، والمذكور في كتب الأصحاب الذكوريّة والاُنوثيّة ، فالمجني عليه لو كان من الذكور والجاني من الإناث فهل يقتصّ منها مطلقاً أو يقال بالتفصيل ؟ وهذا يعني أنّ المراد من الأكمليّة من جهة الذكورة والاُنوثة ، لا كلّ ما يخطر على البال من عناوين الكمال ، فتأمّل.
الرابع ـ كيف يقتصّ من المرأة للرجل[3] في جناية الطرف ؟
لقد جاء في الأحاديث الشريفة[4] : أنّ جراحات النساء والرجال سواء ، وهذا التساوي ليس في المقدار ، إنّما هو باعتبار أصل القصاص في الجناية العمديّة . لهذا يقال : سنّ الرجل بسنّ المرأة ، وموضّحة المرأة بموضحة الرجل ، وهكذا حتّى تبلغ الجراحات ثلث الدية.
فمن الروايات الشريفة : رواية الحلبي ، والسؤال فيها عن الجراحات في النساء والرجال ، واُخرى عنه[5] في فقأ العين ، ورواية المقنع[6] للشيخ الصدوق عليه الرحمة بناءً على أنّ كتابه ألفاظ روايات مع حذف السند ، وغيرها ، وقد اجتمعت شرائط حجّية الخبر فيها ، إلاّ أ نّه يقال بوقوع المعارضة بينها وبين طائفة اُخرى من الروايات.
فلنا بعض الروايات يدلّ على خلاف ذلك.
منها : ما رواه التهذيب[7] بسنده عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال : ليس بين الرجال والنساء قصاص إلاّ في النفس.
وفي سند الرواية مناقشات لا سيّما في حسين بن علوان وعمرو بن خالد[8]فإنّهما من رؤساء الزيدية.
وفي الاستبصار[9] ذكر الشيخ (قدس سره) محملا لهذه الرواية ، بأ نّه لا قصاص فيما لم يكن ردّ فاضل الدية وهو كما ترى . فالرواية هذه لا تقاوم الطائفة الاُولى ، فالمختار ما جاء فيها من تساوي جراحات النساء مع الرجال في أصل القصاص ، وأمّا المقدار فما دام لم يبلغ ثلث الدية ، فإذا بلغ فإنّه يرجع إلى النصف[10].
الخامس ـ هل يقتصّ من المسلم للكافر[11] ؟
بعد أن اشترطنا أو اعتبرنا التكافؤ والتساوي في الدين في جواز القصاص ووجوبه ، فلا يقتصّ للكافر من المسلم لعدم التكافؤ ، نعم يقتصّ للذمّي من الذمّي ومن الحربي ، كما مرّ في قصاص النفس مفصّلا[12] ، فلا نعيد طلباً للاختصار.
يدلّ على ذلك رواية السكوني[13] عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)كان يقول : يقتصّ اليهودي والنصراني والمجوسي بعضهم من بعض ، ويقتل بعضهم بعضاً إذا قتلوا عمداً.
وصحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لا يقاد مسلم بذمّي في القتل ولا في الجراحات ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمّي على قدر دية الذمّي ثمانمائة درهم[14].
نعم في خبر أبي بصير ما ينافي ذلك ، فيلزم المعارضة بينهما حيث قال أبو بصير : سألته عن ذمّي قطع يد مسلم ، قال : تقطع يده إن شاء أولياؤه ، ويأخذون فضل ما بين الديتين وإن قطع المسلم يد المعاهد ، خُيّر أولياء المعاهد ، فإن شاؤوا أخذوا دية يده ، وإن شاؤوا قطعوا يد المسلم وأدّوا إليه فضل ما بين الديتين ، وإذا قتله المسلم صنع كذلك)[15].
فيقال : يؤخذ أصل القصاص من رواية محمّد بن مسلم ، وفاضل الدية من رواية أبي بصير ، كما ذهب إلى هذا المعنى ابن إدريس الحلّي (قدس سره) ، وبعض أراد تحكيم قوله برواية ضريس الكناسي[16] ... (قيل : وإن كان معه عين ] مال [ قال : دفع إلى أولياء المقتول هو وماله) قيل هنا بمعنى سُئل ، والرواية في قتل النفس ، وبناء على عدم الفرق بينه وبين الطرف يجري حكمها في قصاص الطرف أيضاً ، إلاّ أ نّه يشكل قبول ذلك ، فإنّه ليس في الرواية قصاص ، بل دفع الجاني إلى أولياء المقتول هو وماله ، وحينئذ إمّا أن يقتصّ منه أو يؤخذ ماله ، وذلك على نحو التخيير ، فإنّه يحتمل هذا المعنى (فتكون الرواية مجملة ، فتسقط عن الاستدلال بها)[17] فكيف يقال بهذا الوجه.
وقيل ـ كما في الوسائل وغيره ـ إنّما يقتصّ منه على أ نّه من المعتاد على قتل الذمّي ، إلاّ أ نّك خبير بأنّ هذا المجمل لا شاهد عليه ، فكيف يؤخذ به[18].
والعجب من ابن إدريس فإنّه لا يقول بحجّية الخبر الواحد فكيف عمل بخبر أبي بصير ، إلاّ أن يقال إنّه كان عنده محفوفاً بالقرائن القطعيّة ، وأ نّى لنا بإثبات ذلك ، فلا يقتصّ من الذمّي مع ردّ فاضل الدية لعدم التساوي في الدين.
السادس ـ هل يقتصّ للحرّ من العبد في قصاص الطرف[19] ؟
بعد اعتبارنا التساوي في الحرية والرقية ، لا يقتص للعبد من الحرّ في الطرف كما لا يقتصّ له منه في النفس لعدم المكافئة المعتبرة في القصاص.
وأمّا القصاص للحرّ من العبد ، فذهب المشهور إلى التخيير بين قصاص يد العبد مثلا ـ في قصاص الطرف ـ أو أخذ دية يده.
وهنا صور : فإمّا أنّ الدية تساوي قيمة العبد أو لا ؟ فعلى الأوّل : فله أن يسترقّ العبد أو يبيعه ، وإن امتنع يجبره الحاكم الشرعي على ذلك ، فإنّه وليّ الممتنع ، وذهب الشهيدان والفاضل الهندي والعلاّمة إلى أنّ التخيير هنا كأ نّه مخصّص للقصاص ، إلاّ أ نّه يبعد ذلك.
ثمّ الخيار لصاحب الحقّ لا المولى خلافاً لبعض العامّة ، ويدلّ على ذلك خبر فضيل بن يسار[20] ، وهو من أصحاب الإجماع ، ممدوح في كتب الرجال ، وبينه وبين الكليني ثقات ، فتكون الرواية صحيحة أو معتبرة.
فلا يقتصّ من الحرّ للعبد ، بل يضمن الدية ، فإذا كان للعبد قيمة ، فإمّا أن تساوي دية الحرّ أو أقلّ منها أو أكثر ، فالمشهور قال : لو زادت قيمته على الدية وأراد المجني عليه الاسترقاق فعليه أن يردّ فاضل قيمته إلى المولى ، فإنّ الزائد لا يضمن دون المساوي أو الأقلّ ، فإنّه يضمن وله أن يسترقّه.
ويدلّ على ذلك روايات[21] كرواية الشيخ في التهذيب ورواية الكافي عن عبيد بن زرارة ورواية جميل بن درّاج ورواية السكوني وهو موثّق وإن كان من أبناء العامّة ، كما إنّ رواية التهذيب عن يونس عمّن رواه ، ويونس من أصحاب الإجماع . إلاّ أنّ روايته هنا مضمرة فهي ضعيفة ، فإنّ قوله (قال) لا يعلم من هو القائل ، وأ نّها في المتن مطلقة ، كرواية السكوني ، وأمّا رواية عبيد بن زرارة ففي سندها سهل بن زياد والأمر فيه سهل ، نعم عندنا موثّقة أبي مريم[22] (قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيمن قطع أنف العبد أ نّه يؤدّي إلى مولاه قيمته) والرواية مطلقة أيضاً ، ولا يعلم التفصيل من الروايات الشريفة ، مع ما عندنا من المناقشات في سندها ، فمقتضى الاحتياط أن نتمسّك في المقام بالقواعد العامّة المسلّمة في الفقه كقولهم (لا يحلّ دم امرئ مسلم أن يذهب هدراً) وقاعدة الضمان (من أتلف مال الغير فهو ضامن) فإن كان مثليّاً فالمثل ، وإلاّ فالقيمة ، فبإطلاق هذه القاعدة يضمن القيمة سواء تساوت أو زادت أو قلّت في جناية النفس أو الأطراف ، وهو المختار.
وفي بعض كلمات الأعلام أن يكون بينهما الصلح أو التراضي ، وهذا معنى إجراء قاعدة (إلاّ أن يرضوا بالصلح) أو (الصلح خير) وهو كما ترى[23].
السابع ـ لو قطع صاحب اليد الشلاّء اليد السالمة فما هو حكمه[24] ؟
بعد أن اعتبرنا في قصاص الطرف التساوي في السلامة ، ذهب المشهور في المقام إلى عدم القصاص ، فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلاّء.
ومستند المشهور روايات منها : رواية ابن محبوب[25] في جناية العبد قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن عبد قطع يد رجل حرّ وله ثلاث أصابع من يده شلل ، فقال : وما قيمة العبد ؟ قلت : اجعلها ما شئت ، قال : إن كانت قيمة العبد أكثر من دية الاصبعين الصحيحتين والثلاث الأصابع الشلل ردّ الذي قطعت يده على مولى العبد ما فضل من القيمة وأخذ العبد ، وإن شاء أخذ قيمة الاصبعين الصحيحتين والثلاث أصابع الشلل) الخبر.
ومنها رواية سليمان بن خالد[26] في رجل قطع يد رجل شلاّء ؟ قال : عليه ثلث الدية.
فالقاعدة تقول : لا تقطع اليد السالمة بالشلاّء فيأخذ حينئذ ثلث الدية لروايات ولقوله تعالى : ( من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )[27] ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقتبم به )[28] ، فيشترط المماثلة في السلامة والشلل.
وقيل : لا يتمّ استدلال المشهور لمناقشة سند الروايات ، ففي الرواية الثانية حمّـاد بن زياد[29] ولم يرد في كتب الرجال فيه مدحاً أو قدحاً ، إلاّ أ نّه يجاب أنّ ابن محبوب من أصحاب الإجماع ، فلا يضرّ جهل من كان بعده ، إلاّ أن يرد بأنّ من يذهب إلى خلاف المشهور في المقام لا يقول بهذا الإجماع ، فيكون النزاع حينئذ مبنويّ.
وإشكال السند في الرواية الاُولى لمكان سهل بن زياد والأمر فيه سهل ، ولحسن بن صالح فلم يرد فيه مدحاً ولا قدحاً . إلاّ أن يقال ابن محبوب من أصحاب الإجماع ، والنزاع يكون مبنويّاً حينئذ.
وأمّا المناقشة في المتن فرواية سليمان بن خالد لم تصرّح بعدم القصاص ، فالسكوت عنه نفياً وإثباتاً لا يدلّ على عدم القصاص ، بل الرواية بصدد بيان مقدار الدية ، وكذلك الرواية الاُخرى.
وأمّا الآيتان فلا شاهد فيهما لقول المشهور ، فإنّهما في مقام بيان أصل عدم الزيادة في القصاص.
وأمّا ادّعاء الإجماع والشهرة على ذلك ، فهما كما ترى ، فيستشكل العمل بقول المشهور حينئذ ، فتأمّل.
وأمّا القول الآخر ، فإنّما يقال بالقصاص لعموم قوله تعالى : ( السنّ بالسنّ ) نعم ، يبقى ادّعاء الانصراف بأنّ الآية تنصرف إلى اليد السالمة باليد السالمة ، وإلاّ إنّ هذا الانصراف بدويّ يزول بأدنى التفات وتأمّل ، فلا تحمل الآية الشريفة عليه.
وخير جمع بين الروايات وعموم أدلّة القصاص ، أ نّه يقتصّ وإلاّ فالدية ، والروايات إنّما تعيّن مقدار الدية وأ نّها الثلث.
ثمّ بين الروايات الطائفة الاُولى وعموم أدلّة القصاص عموم وخصوص من وجه ، وحينئذ في مادّة الاجتماع يقع التعارض دون مادّتي الافتراق.
فمادّة الاجتماع في ما نحن فيه : أن يكون المقطوع يد شلاّء وللقاطع يد سالمة ، فيلاحظ الأقوى فالقوي ، كما في التزاحم يلاحظ الأهمّ فالمهمّ ، وأدلّة القصاص أتقن وأحكم من تلك الروايات المخدوشة سنداً ومتناً ، هذا بناءً على مذاق الأصحاب ، والمختار هو القول الثاني من القصاص.
الثامن ـ بناءً على ما ذهب إليه المشهور من القول بثلث الدية في اليد الشلاّء ، فإنّه لا فرق في ذلك بين الحرّ والعبد ، إلاّ أنّ الحرّ ثلث ديته ، والعبد ثلث قيمته.
التاسع ـ بناءً على القول المشهور أ نّه لا يقتصّ من السالم الصحيح بالشلاّء وإن رضي الجاني بذلك كما في عبارة المحقّق (فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلاّء ولو بذلها الجاني)[30] ، على المختار يقتصّ منه سواء رضي بذلك أم لم يرضَ به.
العاشر ـ هل تقطع الشلاّء بالصحيحة[31] ؟
ذهب الأشهر إلى ذلك لعموم الأدلّة ، وادّعي عليه الإجماع ، وقيل : كما عند بعض العامّة بالدية ، فإنّ القصاص في السالمتين أو المعيوبتين بالشلل مثلا ، ويردّه عموم أدلّة القصاص ولا يصحّ ضمّ الأرش إلى اليد الصحيحة للأصل ، ولتساويهما في الذات ، وإنّما الاختلاف في الصفة (الشلل والسلامة) التي لا تقابل بالمال.
ويؤيّد قول المشهور ما يذكره علماء الاُصول عند التزاحم من تقديم الأهمّ فالمهم ، وقطع اليد الشلاّء بالصحيحة أهمّ من يد الصحيحة ، والأصل في الباب هو القصاص ، والرجوع إلى الدية أو الأرش يحتاج إلى دليل ، وعدم الدليل دليل العدم.
نعم ، لو قال أهل الخبرة بأنّ قطع يد الشلاّء يوجب هلاك نفس الجاني ، وحفظ النفس أهمّ فإنّه يعوّض حينئذ بالدية.
وعند تحيّر أهل الخبرة واختلافهم في سراية القطع إلى موته ، ولا مرجّح في البين ، فإنّه ذهب الشهيدان لا سيّما الثاني منهما (قدس سرهما) كما في المسالك ، إلى القصاص للعموم ، وإنّه لم يحرز موته وهلاكه ، ونشكّ في السراية ، والأصل العدم . إلاّ أنّ الفاضل الهندي وبعض شرّاح قواعد العلاّمة قالوا : بأنّ القصاص يخالف الاحتياط ، ومقتضى ذلك أخذ الدية ، وصاحب الجواهر يميل إلى قول المشهور بعد تقوية القول بالاحتياط ، والمختار : إنّ عموم القصاص لا يؤخذ به فيما نحن فيه ، للشبهة المصداقيّة.
وأمّا الأصل : فهنا اُصول ثلاثة :
الأوّل : عدم حرمة القصاص لأصالة الإباحة فالقصاص مباح.
الثاني : الأصل عدم كفاية الدية.
الثالث : الأصل عدم السراية.
ونتيجة الاُصول الثلاثة القصاص ، ولكن الأصل الثالث من الأصل المثبت ، فعند عدم السراية يترتّب عليه عقلا أ نّه غير مسرف في القود ، فيجوز القصاص ، والأصل المثبت في الاُصول ليس بحجّة كما هو ثابت في محلّه.
وأمّا أصل الإباحة فهو من الشكّ في المسبّب أ نّه يوجب السراية أو لا يوجب ؟ ولا إشكال من جريان أصالة الإباحة في الشبهة التحريميّة . والأصل الثاني يزول الشكّ فيه يجريان الأصل الأوّل ، فلا مجال له . ويبقى الاحتياط فإنّه أمر مهمّ ، ولا سيّما اهتمام الشارع المقدّس في الاُمور الثلاثة : الدماء والفروج والأموال ، والحدود تدرأ بالشبهات ، فيخاف من السراية حيث توجب هلاكه ، فلا يقتصّ منه حينئذ ، بل تؤخذ الدية بدلا ، جمعاً بين (لا يحلّ دم امرئ مسلم) وبين (تلف النفس) فتأمّل.
الحادي عشر ـ هل يشترط ويعتبر في تساوي الطرفين في الصحّة والسلامة مطلقاً ومن كلّ الجهات أو يقال بتساويهما في السلامة مطلقاً ؟ كما لو كانت اليد معيبة بالبهق أو البرص ، والأوّل تكون قطع بيضاء على الجسد ، والثاني قطع سوداء ـ والعياذ بالله ـ فلو كانت يد الجاني برصاء دون المجني عليه ، فقيل بعدم القصاص لعدم صفة السلامة ، ولكن كما ذكرنا إنّ ما يقابل اليد الصحيحة هو ذات اليد لا الصفات ، ويجري هذا المعنى فيما لو كانت يد الجاني أضعف من المجني عليه ، وكذلك الأعرج والسالم ، فتدبّر[32].
الثاني عشر ـ هل يتصوّر وقوع الجناية من اليد الشلاّء على اليد الصحيحة ؟
أدّل دليل على إمكان الشيء وقوعه ، والحقّ وقوع ذلك ، فإنّ الشلل ذو مراتب ، ففي آخر المراتب يستلزم السلامة ، وحينئذ لو قطعت الصحيحة صحيحة ، وقبل القصاص شلّت اليد الجانية ، فإنّه يأتي الكلام والنزاع.
الثالث عشر ـ لا فرق في الكلام في اليد الشلاّء بين أن ينتهي الشلل إلى حدّ يبس اليد وسقوطها من الحركة نهائيّاً حتّى يقال لها : يد ميّتة وبين غيرها ، وإن كان البعض يقول بالتفصيل فيقتصّ في الاُولى دون الثانية ، وصاحب الجواهر عليه الرحمة يناقش ذلك ، بأ نّها لو كانت ميتة لجافت ونتنت ، ولمّـا لم يكن ذلك فهي ليست ميتة ، وإطلاق الميّت عليها مجازاً لا حقيقة[33].
الرابع عشر ـ بعد اعتبار التساوي في المحلّ لو كانت يد الجاني من قبل مقطوعة فكيف يقتصّ منه[34] ؟
توضيح ذلك : لو أورد الجاني جناية قطع يد اليمنى من المجني عليه ، وعند القصاص منه تكون يد اليمنى من الجاني مقطوعة في حادث أو غيره ، فكيف يكون القود منه ؟ فهل يقتصّ منه أو يرجع إلى الدية أو تقطع اليسرى بيمنى المجني عليه ؟ فمن جهة القول بالمماثلة والتساوي في المحلّ ينتقل إلى البدل من القول بالدية ، ومن حيث (اليد باليد) تقطع يساره.
في المسألة قولان : ذهب المشهور إلى قصاص اليسار ، وقيل بالرجوع إلى الدية لفقد المماثلة.
ومستند المشهور : عموم أدلّة القصاص ، وأ نّه عند العرف تكون اليسرى بدلا عن اليمنى عند فقدها ، وقيل بالإجماع والشهرة ، وإطلاق صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) في أعور فقأ عين صحيح ؟ فقال : تفقأ عينه[35] ...
ومستند القول الثاني عنوان المماثلة ، إلاّ أ نّه لا يكفي في ردّ إطلاق اليد باليد ، فتأمّل.
والمختار ما ذهب إليه المشهور ، فإنّ الذات تقابل الذات ولا مدخليّة للأوصاف.
الخامس عشر ـ لو كان كلتا يدي الجاني مقطوعة فهل ينتقل إلى الدية أو إلى رجليه[36] ؟
هذه المسألة من المسائل الخلافيّة بين العامّة والخاصّة ، فأكثر أبناء العامّة ذهبوا إلى قطع رجله اليمنى عند فقد اليدين ـ لا يخفى أنّ المثال في الجناية على اليد اليمنى ـ وكذلك عند أكثر الخاصّة ، وقيل بالدية ، فإنّه لا دليل لنا على قطع الرجل باليد ، (مع المنافاة للقول « اليد باليد »)[37].
أمّا مستند القول الأوّل : فدعوة الإجماع والشهرة وهما كما ترى ، وتمسّكاً برواية حبيب السجستاني[38].
والرواية في جنايتين ، والكلام في يد واحدة مقطوعة.
وجمع من الأعلام أشكلوا على الرواية سنداً ومتناً.
أمّا السند وهو العمدة في المناقشات ، فإنّ حبيب السجستاني لم ير فيه مدحاً أو قدحاً[39] ، إلاّ أنّ البحراني من معاصري العلاّمة المجلسي (قدس سرهما) في بلغته ، والوحيد البهبهاني في تعليقته على رجال (منتهى المقال) وثّقا حبيب ، ولكن عند المراجعة في توثيقهما نرى أ نّهما تمسّكا باُمور لا تكفي في الوثاقة ، نعم من قال بأصحاب الإجماع وما قاله الكشّي في ذلك ، فإنّ ابن محبوب منهم ، إلاّ أ نّه من الأعلام من لا يقول بأصحاب الإجماع والمبنى المذكور عندهم.
وقيل : تقطع الرجل اليسرى ، وإلاّ فلا ليتمكّن من المشي على اليمنى ، فهي أقوى من الاُخرى ، ولم أجد عليه نصّاً.
وأمّا القول بأ نّه ليس لنا دليل معتبر يدلّ على أنّ الرجل باليد فهو المختار لعدم الدليل دليل العدم ، ولا سيّما اهتمام الشارع في الدماء ، وأنّ الحدود تدرأ بالشبهات ، فيرجع حينئذ إلى الدية.
السادس عشر ـ لو قطع الجاني اليد اليمنى من المجني عليه وهو فاقد لليدين والرجلين فما هو حكمه ؟
اتّفق العامّة والخاصّة إلى الرجوع إلى الدية ، إلاّ أ نّه قيل ولم يعلم قائله أ نّه تفقأ عينه اليمنى ، ولكن على أيّ ملاك يكون ذلك ، ولا مماثلة في البين لا في الذات ولا في الصفات ، فكيف يقال به ؟ ومع الشكّ فمقتضى الأصل العدم[40].
السابع عشر ـ لو قطع الجاني أيادي متعدّدة فما هو حكمه[41] ؟
أي مع وحدة الجاني وتعدّد المجني عليه فلو قطع خمسة أيادي يمنى مثلا ، فإمّا أن يكون ذلك على نحو التعاقب أو دفعة واحدة ، وأصحابنا ومنهم المحقّق الحلّي في شرائعه تعرّضوا إلى صورة التعاقب دون الدفعة الواحدة ، فذهب المشهور إلى أ نّه يقتصّ لأربعة منها بيديه ورجليه ، وللخامسة تؤخذ الدية منه ، لصدق اليدين على اليد للمماثلة ، والرجلان باعتبار رواية حبيب السجستاني ، إلاّ أنّ في الرجل اليمنى في مقابل اليد الثالثة يكون الاختلاف في الموصوف ، وفي الرابعة يكون الاختلاف في الصفة والموصوف.
والمختار ـ للمناقشة في الرواية سنداً ومتناً ـ من باب الاحتياط أن يتدارك الرجلان بالدية فمنه إن كان له مال ، وإلاّ فمن بيت المال كما مرّ سابقاً.
الثامن عشر ـ لو كان القصاص في الشجاج فكيف يكون ذلك[42] ؟
يعتبر التساوي بالمساحة في الشجاج طولا وعرضاً ، لعموم أدلّة القصاص وحكم العدل الإسلامي ، وادّعي عليه الإجماع والشهرة ، ويكفي صدق عنوان الشجة ، وربما يقال بعدم اعتبار العمق والنزول في الشجة لتفاوت الرؤوس في السمن والهزال وغلظ الجلد ورقّته على وجه لو اعتبر ، انتفى القصاص ، وربما بهذا يلزم خلاف العدل فإنّه لو كان عمق المتلاحمة مثلا ـ كما في الجواهر ـ نصف أنملة جاز في القصاص الزيادة عليه ما لم ينته إلى السمحاق واختلاف الرؤوس لا يقتضي سقوط اعتبار النزول ، فإنّه يقال باعتبار القدر الممكن وما زاد يؤخذ عليه الأرش ـ أي ما به التفاوت بين الزائد والناقص أو بين المعيب والسالم ، كما ذكروا في المساحة طولا بأ نّه يعتبر التساوي فيها حتّى لو كان يستلزم ذلك استيعاب رأس الجاني لصغره بالنسبة إلى رأس المجني عليه ، إلاّ أ نّه لا يكمل الزائد من شجّ القفا ولا من الجبهة ، بل يقتصر على ما يحتمله العضو الرأسي مثلا ، ويأخذ للزائد بنسبة المتخلّف إلى أصل الجرح من الدية.
التاسع عشر ـ لو كان في قصاص النفس أو الطرف يلزم التغرير فهل يثبت القصاص فيه[43] ؟
ادّعى صاحب الجواهر عدم الخلاف نصّاً وفتوىً في عدم القصاص في النفس والطرف لو كان في قصاصهما تغرير كالجائفة والمأمومة ، كما ادّعى الإجماع عليه بقسميه المحصّل والمنقول.
كما يدلّ على ذلك الخبر المقطوع (الجائفة ـ ما وقعت في الجوف ـ ليس لصاحبها قصاص إلاّ الحكومة)[44].
مضافاً إلى وجوب المحافظة على النفس والطرف المحترمين ، فلا يجوز وقوع النفس في الهلكة ، فحينئذ بالقصاص يتعذّر استيفاء الحقّ مع حصول التغرير ، وكذا التغرير بالزيادة عليه.
وربما يقال بالاقتصار على الأقلّ في الجائفة والمأمومة مع دفع الأرش للزائد ، وجزم بهذا المعنى المحقّق الحلّي في ديات الشرائع ، كما حكى عن شيخ الطائفة في المبسوط والعلاّمة الحلّي في القواعد والتحرير ، لكن الشيخ في الخلاف ذهب إلى عدم جواز الاقتصار على الأقلّ مستدّلا بإجماع الفرقة وأخبارهم ، والسيّد الطباطبائي في رياض المسائل يقول : (ظاهر الأصحاب على الظاهر المصرّح به في المسالك الاقتصار على الدية مطلقاً) ، وصاحب الجواهر يرى ذلك لعدم صدق القصاص فيه ، فالمسألة اختلافيّة بين الأعلام منهم من قال بالقصاص على الأقلّ ودفع الأرش للزائد ، ومنهم من قال بالدية مطلقاً في الأقلّ وغيره.
العشرون ـ هل يثبت القصاص في مثل الحارصة والباضعة ؟
قال المحقّق الحلّي في شرائعه (يثبت في الحارصة والباضعة والسمحاق والموضحة وفي كلّ جرح لا تغرير في أخذه) بزيادة على الحقّ أو بتلف طرف آخر ، فالملاك هو صدق التغرير وعدمه بشرط (سلامة النفس مع القصاص غالباً) ويدلّ عليه عموم أدلّة القصاص ، كما ادّعى عليه الإجماع بقسميه ، وللشهرة.
الحادي والعشرون ـ هل يثبت القصاص في الهاشمة والمنقلة[45] ؟
لا يثبت القصاص في مثل الهاشمة التي تهشم العظم ولا المنقلة التي تنقل العظم من مكان لآخر ولا في كسر شيء من العظام ، بناءً على صدق عنوان التغرير بالنفس أو الطرف ، ويدلّ على ذلك ما جاء في الروايات ، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) : (لا قصاص في العظم)[46] وفي الخبر المقطوع الذي قطع سنده عن المعصوم (عليه السلام) براو أو أكثر أو عدم ذكر المعصوم (عليه السلام) . (والمنقلة وهي ينتقل منها العظام ، وليس فيها قصاص إلاّ الحكومة)[47].
وادّعى الشيخ في المبسوط والخلاف وابن زهرة في الغنية والحلّي في السرائر نفي الخلاف في الجميع . إلاّ أ نّه يحكى عن الشيخين الطوسي والمفيد عليهما الرحمة في المقنعة والنهاية وابن حمزة في الوسيلة وسلاّر في المراسم خلاف ذلك ، إلاّ أنّ في المقنعة والنهاية أثبت القصاص في جميع الجراح ، إلاّ أ نّه استثنى المأمومة والجائفة فيهما ، لصدق التغرير فيهما ، ولازم ذلك أن يتعدّى الحكم حينئذ إلى كلّ ما فيه التغرير لوحدة الملاك ، كما يتحقّق ذلك في الهاشمة والمنقلة.
وصاحب الجواهر (قدس سره) هنا يشير إلى اعتذار العلاّمة الحلّي في كتابه المختلف عن الشيخين بأنّ الهشم والنقل خارجان عن الجراح الذي أثبتنا فيه القصاص ، وهذا يعني عدم الاختلاف بين الأعلام فيرتفع الخلاف منهما ، وينحصر المخالفة في ابن حمزة الذي صرّح بثبوت القصاص في الهاشمة والمنقلة ، وهذا القول نادر وواضح الضعف فيذكر المصنّف وجه الضعف ، فراجع[48].
الثاني والعشرون ـ هل يجوز الاقتصاص قبل الاندمال[49] ؟
اختلف الأعلام على خمسة أقوال : ومن دأبنا أن نذكر أقوال العامّة ، ثمّ أقوال أصحابنا الخاصّة.
فعند الشافعي لا يجوز لاحتمال السراية ، فلو كانت ومات فإنّه يقتصّ منه قصاص النفس ، وإلاّ فقصاص الطرف بعد الاندمال . وعند مالك وأبي حنيفة جواز الاقتصاص قبل الاندمال ، فإنّه يشكّ في السراية ، فيستصحب عدمها ، فيقتصّ منه ، فالمسألة بينهم خلافيّة.
أمّا عند أصحابنا الكرام فيستظهر من كلام شيخ الطائفة قولان : الأوّل : عدم الجواز ، والثاني : الجواز ، وقيل : بالتوقّف في المسألة ، إلاّ أنّ هذا لا يعدّ قولا ، بل هو من التحيّر وعدم الاختيار في المقام والفتوى ، فيعمل بالاحتياط . وقيل بالتفصيل بين الجراح القليل فيتقصّ منه ، فإنّه لا يحتمل السراية عند العقلاء عادةً ، بل لنا الظنّ الاطميناني بعدمها ، وبين الجراح الكبير والصغير الذي يظنّ منه السراية بظنّ معقول ، فلا يجوز الاقتصاص قبل الاندمال والبرء والتداوي.
وعند المتأخّرين : أنّ الشيخ على قولين : ففي المبسوط يقول بعدم الجواز ، وفي الخلاف يذهب إلى الجواز . نعم الأفضل ومن المستحبّ الصبر حتّى الاندمال ، وقيل بوجوب الصبر ، وعند الرجوع إلى المبسوط لم نرَ تصريح القول بعدم الجواز ، بل يستفاد منه التوقّف ، وفي موضع آخر قال بالاحتياط الاستحبابي ، وهو بتلائم مع قوله في الخلاف ، إلاّ أ نّه يفهم من قوله : إنّ المسألة خلافيّة عنده.
والمختار إنّما يكون بعد ملاحظة الأدلّة في المقام.
أمّا دليل قول عدم وجوب الصبر : فيتصوّر أوّلا : أصالة العدم عند الشكّ في لزومه ووجوبه أو أصالة عدم السراية ، وثانياً : عموم قوله تعالى : ( فإن عاقبتم بعاقبوا بمثل ما عوقبتم ) ، وثالثاً : عموم قوله تعالى : ( فاعتدوا بمثل ما اعتدوا عليكم ) ، ورابعاً : عموم قوله تعالى : ( والجروح قصاص ) وتقريب الاستدلال به تفريع القصاص بنحو الإخبار على الجروح ، وليس فيه الصبر ، بل المستفاد المبادرة ، وإذا كان المراد التأخير فعليه البيان ، إلاّ أ نّه يشكل ذلك بأنّ الآيات الكريمة غالباً في الأحكام الشرعيّة إنّما هي في مقام بيان أصل الحكم في مقام التشريع.
وأمّا استصحاب عدم السراية فإنّه من الاُصول العمليّة على ما هو التحقيق ، ولا يؤخذ بالأصل العملي إلاّ عند عدم النصّ أو إجماله أو تعارضه ، فالأصل دليل حديث لا دليل ، إلاّ فهو عليل.
وربما يكون الاستصحاب من الأصل المثبت الذي ليس بحجّة ـ كما هو ثابت في محلّه ـ إذ وجوب القصاص يترتّب على واسطة عقليّة ، وهي كونه يبقى سالماً بعد استصحاب عدم السراية.
وأمّا القول بوجوب الصبر فلوجهين :
الأوّل : لاحتمال حظر السراية ، وردّ بأ نّه يلزم سدّ باب القصاص ، وبنظري جوابه أنّ الدليل أعمّ من المدّعى ، فإنّ المدّعى الصبر مطلقاً ، والدليل لاحتمال السراية ، وعند عدم الاحتمال العقلاني للسراية كيف يصبر ، وعليه لا بدّ أن يقال بالتفصيل.
والثاني : رواية عمّـار بن إسحاق بسند الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ وهذا من التقيّة في السند ولا يضرّ ذلك في حجّية الخبر من هذه الجهة ـ كان يقول (عليه السلام) : (لا يقضى في شيء من الجراحات حتّى تبرأ)[50].
ولصاحب الجواهر كما عند غالب الأعلام النظر في ذلك . وعلينا أن نرى أوّلا جهة صدور الرواية فإنّ في سندها مجهول وهو غياث بن كلوب[51] . وإذا قيل قد نقلها الشيخ ويكفي لنا في مقام العمل بها اعتماده عليها ، قلنا يكون من تقليد المجتهد الآخر ، ونحن بصدد استنباط الحكم الشرعي وما نفهمه من الروايات الشريفة ، وعمل الشيخ لا يجبر ضعفها ، بل المجبر عمل الأصحاب الذين كانوا في زمن الأئمة (عليهم السلام)الذين يعرفون مذاقهم (عليهم السلام) ، فالسند مخدوش وإن قيل بقبوله ، فإنّه ترد الخدشة على متنها أيضاً ، فإنّها تحمل على احتمال السراية ، وإن قيل يُتمسّك بإطلاقها ، وقيل لو اُريد العموم والإطلاق فلا بدّ من أدواته أو من مقدّمات الحكمة ، ومن شرائطها أن لا يكون قدراً متيقّناً في البين ، وما نحن فيه نرى ذلك بناءً على ما قاله المرحوم المحقّق الآخوند عليه الرحمة في اُصوله في القدر المتيقّن بأن يكون المتكلّم في مقام التخاطب والمحاورة حتّى يعلم ذلك ، وللشيخ الأنصاري (قدس سره) مبنى آخر في القدر المتيقّن ـ كما هو في محلّه من علم اُصول الفقه ـ .
ثمّ يستفاد من تضاعيف الأحاديث الشريفة أنّ كثيراً من الأوامر تحمل على الاستحباب ، فإنّه من المجاز المشهور ، وعند ملاحظة أدلّة القول الآخر فإنّ الأوامر تحمل على الاستحباب ، كما أعرض الأصحاب عن العمل بهذه الرواية ، ثمّ الرجوع إلى الصبر إنّما هو بالمدلول الالتزامي لهذه الرواية.
وفي الرواية (لا) الناهية ، والغالب في الروايات أنّ (لا) الناهية تحمل على الكراهة والنهي التنزيهي ، لا النهي التحريمي ، فتأمّل.
فآيتا المثل تدلاّن على جواز البدار للماثلة ، إلاّ أنّ هذا لا يتمّ ، فإنّ آيات الأحكام كما ذكرنا نزلت لأصل التشريع دون بيان الشروط والتفاصيل ، فإنّ ذلك يعلم من السنّة الشريفة.
نعم يبقى ما قيل من أنّ الفاء في الآيتين ( فاعتدوا ) ( فعاقبوا ) تدلّ على الترتيب بلا تمهّل ، وهذا لا يتلاءم مع من يقول بالصبر وجوباً أو استحباباً أو احتياطاً.
وأمّا الأصل هنا فهو بمعنى القاعدة يتمسّك بها في الشبهات التكليفيّة أعمّ من التحريميّة أو الوجوبيّة.
ثمّ الشكّ تارةً في السبب واُخرى في المسبّب ، والأصل الجاري في الشكّ السببي يزيل الشكّ في المسبّبي ولا عكس ـ كما هو ثابت في محلّه من علم اُصول الفقه ـ وما نحن فيه أصالة البراءة في المسبّب ولا يجري ذلك بعد جريه في السبب.
وأمّا استصحاب عدم السراية ، فإنّه حين القصاص لم يسر ويشكّ في المستقبل سرايته ، فهو عكس الاستصحاب القهقرى ، فيجوز حينئذ البدار ، وفيه أ نّه من الأصل المثبت الذي ثبت عندنا عدم حجّيته إلاّ في موردين : فيما تكون الواسطة خفيّة أو الملازمة جليّة ، يلتفت إليها السامع بأدنى الالتفات ، ولم يكن هذا المعنى فيما نحن فيه ، فلا مجال للقول الثاني حينئذ ، والتوقّف في المسألة ليس قولا كما مرّ ، فيبقى القول بالتفصيل وهو المختار ، بأن يلاحظ حال المجني عليه وتحمّله للقصاص لاختلاف المراتب ، والعقل يحكم بذلك وهو الرسول الباطني ، فتأمّل.
وبناءً على من يقول بعدم وجوب الصبر ، بل لا بدّ من المبادرة ، فإنّه لو صبر حتّى مات المجني عليه ، فلو كان الجاني قد قصد القتل بآلة قتّالة ، فإنّه يقتصّ منه ، وإلاّ فمجرّد السراية لا يوجب القصاص والقود ، بل تأخذ منه الدية الكاملة.
ولو اقتصّ من الجاني بقصاص الطرف ، ثمّ مات المجني عليه من السراية ، فإن كانت الجناية بقصد وآلة قتّالة ، فإنّه يقتصّ منه لقصاص النفس (مع الردّ)[52] وإلاّ فدية النفس مع التصالح في طرفه.
ولو قلنا بوجوب الصبر ، فمات فإنّه يُقتصّ نفساً ، لو كان بقصد القتل مع آلة قتّالة ، وإلاّ فقيل لا شيء عليه ، وقيل يدفع الدية كاملة.
الثالث والعشرون ـ لو وردت جنايات متعدّدة على الأطراف فهل تعدّد الديات[53] ؟
في المسألة صور : فإمّا أن ترد الجنايات دفعةً واحدة أو على نحو التدريج ، ثمّ إمّا أن تكون عمداً أو خطأً ، وكثير من الفقهاء يتعرّضون إلى مسألة الخطأ ، ونحن إنّما نذكر العمد أوّلا لاختصاره ثمّ نتعرّض إلى الخطأ.
فلو أورد جنايات متعدّدة عمداً أي بقصد الجرح ، فهل تأخذ منه الدية أو يقتصّ منه ؟ ذهب المشهور إلى أنّ قصاص الطرف يدخل في قصاص النفس ، فيكفي قصاص النفس فيما لو مات المجني عليه من الجراحات العديدة ، ولكن هذا القول على إطلاقه فيه نظر ، فإنّه لو قطع أذنه ثمّ قطع رجله ، ومات من سراية رجلة ، فإنّه كيف يدخل الطرفان في النفس ، والأصل عدم تداخل الأسباب والمسبّبات ، إلاّ ما خرج بالدليل . فلا بدّ من تعدّد المسبّبات عند تعدّد الأسباب ، فلو تعمّد التعدّد وكان بنحو التدريج فيقتصّ أوّلا منه بقصاص الطرف ثمّ قصاص النفس ، وباقي الصور في العمد واضح الحكم ، كما بحثناها بالتفصيل سابقاً.
وأمّا الخطأ ، فذهب المحقّق الحلّي في شرائعه قائلا : (ولو قطع عدّة من أعضائه خطأ جاز أخذ دياتها ، ولو كانت أضعاف الدية ، وقيل يقتصر على دية النفس حتّى يندمل ثمّ يستوفي الباقي أو يسري ، فيكون له ما أخذ وهو أولى ، لأنّ دية الطرف تدخل في دية النفس وفاقاً).
هذا ما قاله (قدس سره) ، ولم يتعرّض إلى أنّ الجنايات وردت دفعة واحدة أو على نحو التدريج.
وهنا صور : فإمّا دفعة أو تدريجاً ، ثمّ إمّا أن تسري الجنايات أو لا تسري ، وإمّا أن تكون بآلة قتّالة أو غيرها ، وإمّا أن تكون بنحو قصد القتل ـ كما لو تصوّر أ نّه مهدور الدم ـ أو غيره.
فلو كانت الجناية مسرية فهنا ـ حسب التتبّع ـ أقوال خمسة[54] :
قيل في تمام صور السراية لكلّ جناية وطرف دية ولو كانت أضعاف دية النفس.
وقيل بشرط أن لا تتجاوز دية النفس.
وقيل بالصبر حتّى يرى فإن سرت فيدخل الأقلّ في الأكثر ، وإلاّ فتعدّدت الدية.
وقيل بالتفصيل بين ما لو كان دفعة ، فتدخل في دية النفس الواحدة ، وإذا كان بنحو التدريج فتتعدّد الديات.
وقيل بالتفصيل بين الظنّ وعدمه.
ولا يخفى أنّ أكثر هذه الأقوال مخدوشة ، فتتدبّر.
وأمّا مستند الأقوال :
فمستند القول الأوّل مع قطع النظر عن دعوة الإجماع والشهرة ، أنّ تعدّد الأسباب يستلزم تعدّد المسبّبات ، وأنّ الأصل عدم التداخل إلاّ ما خرج بالدليل كما في الأغسال المستحبّة والواجبة مع غسل الجناية ، وكالصوم المستحبّ مع قضاء شهر رمضان فتعدّد السبب يقتضي تعدّد المسبّب سواء أكانت الأسباب عقليّة أو شرعيّة.
ثمّ لا فرق بين السراية وعدمها . إلاّ أ نّه يشكل قبول إطلاق هذا القول ، فإنّه لا بدّ من ملاحظة مثل هذه الاُمور بأنّ الجناية كانت بآلة قتّالة أو غيرها ؟ وهل كانت بقصد أو غيره ، وفي أيّ عضو وطرف كانت ؟ وهل دفعة واحدة أو تدريجيّاً ؟ فإنّه لو كانت دفعة واحدة ربما يصدق عليها عنوان السبب الواحد.
والدليل الآخر : الروايات الواردة في المقام[55] ، كرواية إبراهيم بن عمرو ، ورواية أبي حمزة الثمالي ، ورواية عبيدة الحذّاء ، وقول الصدوق في المقنعة ورواية البحار.
وفي روايتي إبراهيم والحذّاء القصاص والدية بنحو التعدّد ، وكذلك رواية التهذيب وقول الصدوق ، وكذا رواية العلاّمة المجلسي في بحاره عن مقصد الراغب في فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام) وسند إبراهيم لا ضير فيه إلاّ من ناحية البرقي وعندنا موثّق جليل القدر ، ومن قوله (عليه السلام) : بستّ ديات يعلم أ نّه في جناية الخطأ لا العمد ، وأ نّه مقيّد بعدم السراية ، وإلاّ فيدخل الأقلّ في الأكثر ، هذا في الدفعة الواحدة ، ويجري الحكم كذلك في التدريج بطريق أولى . وفي الرواية الثانية بعد البرء لا دية ، أمّا قول المقنعة ورواية البحار فهما مرسلتان ، وفي البحار يبيّن صورة الشكّ وعليه الفحص والامتحان.
أمّا القول بالتفصيل بين الظنّ في السراية وغيرها ، فلا بدّ أن يعرف في أيّ مرتبة من الظنّ فإنّه من الكلّي المشكّك له مراتب طوليّة وعرضيّة ، فإنّه لو كان متاخماً وقريباً من العلم فإنّه يؤخذ به ، وإلاّ فليس كلّ ظنّ يؤخذ به ، فالأصل عدم حجّية الظنّ إلاّ ما خرج بالدليل كخبر الثقة ، ومنه ما يعبّر عنه بالعلم العادي الذي يقرب عن العلم الوجداني وهو الظنّ الاطميناني المتاخم للعلم واليقين ، ففي إطلاق الظنّ نظر.
وأمّا القول بالصبر بأن ينظر في حاله من باب الاحتياط ، فإن اندمل فلا شيء على الجاني إلاّ التعزير لسدّ باب الفساد ، وإن اندمل بعض دون بعض ، فإنّه يقتصّ بمقدار ما لا يندمل إن كان عمداً ، أو الدية إن كان خطأً ، وإن سرت الجناية حتّى مات ، فإنّه يقتصّ منه إن كان عمداً ، ويدخل الجزء في الكلّ ، وإن كان خطأً فالدية كاملة على عاقلته ، إن كان محضاً ، وفي شبهه العمد على الجاني ، وهذا هو المختار.
[1]لقد ذكرت تفصيل ذلك في كتاب (زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار) المطبوع في موسوعة رسالات إسلاميّة، المجلّد الثاني، فراجع.
[2]ولا بأس أن أذكر هنا ما جاء في السرائر (3 : 412) من المطالب العامّة والمفيدة ، قال : والأطراف كالأنفس ، فكلّ نفسين جرى القصاص بينهما في الأنفس جرى بينهما في الأطراف سواء اتّفقا في الدية أو اختلفا فيها كالحرّين والحرّتين والحرّ والحرّة والعبدين والأمتين والعبد والأمة والكافرين والكافرتين والكافر والكافرة ، ويقطع أيضاً الناقص بالكامل ، دون الكامل بالناقص ، وكلّ شخصين لا يجري القصاص بينهما في الأنفس كذلك في الأطراف ، كالحرّ والعبد والكافر والمسلم طرداً وعكساً إلاّ أ نّه إذا اقتصّ للحرّة من الرجل الحرّ في الأطراف ردّت فاضل الدية على ما قدّمناه في ما مضى وشرحناه.
ثمّ قال في (الصفحة 415) القصاص في ما دون شيئان : جرح يشقّ وعضو يقطع ، فأمّا العضو الذي يقطع فكلّ عضو ينتهي إلى مفصل كاليد والرجل ففي كلّها القصاص ، لأنّ لها حدّاً ينتهى إليه ، وإنّما يجب القصاص فيها بثلاث شروط : التساوي في الحرّية أو يكون المجني عليه أكمل ، والثاني الاشتراك في الاسم الخاصّ يمين بيمين ويسار بيسار ، فإنّه لا تقطع يمين بيسار ولا يسار بيمين ، والثالث السلامة فإنّا لا نقطع اليد الصحيحة باليد الشلاّء ، فأمّا غير الأطراف من الجراح التي فيها القصاص وهو ما كان في الرأس والوجه لا غير فإنّ القصاص يجب فيها بشرط واحد وهو التكافؤ في الحرّية أو يكون المجني عليه أكمل . وأمّا التساوي في الاسم الخاصّ فهذا لا يوجد في الرأس لأ نّه ليس له رأسان ولا السلامة من الشلل فإنّ الشلل لا يكون في الرأس . والقصاص في الأطراف والجراح في باب الوجوب سواء ، وإنّما يختلفان من وجه آخر ، وهو أ نّا لا نعتبر المماثلة في الأطراف بالقدر من حيث الكبر والصغر ، ونعتبره في الجراح بالمساحة والفصل بينهما أ نّا لو اعتبرنا المماثلة في الأطراف في القدر والمساحة أفضى إلى سقوط القصاص فيها ، لأ نّه لا يكاد يدان يتّفقان في القدر ، وليس كذلك الجراح ، لأ نّه يعرف عرضه وطوله وعمقه ، فيستوفيه بالمساحة فلهذا اعتبرناها بالمساحة فبان الفصل بينهما . وجملته أنّا نعتبر في القصاص المماثلة ، وننظر إلى طول الشجّة وعرضها فأمّا الأطراف فلا نعتبر فيها الكبر والصغر بل تؤخذ اليد الغليظة بالدقيقة والسمينة بالهزيلة ولا يعتبر المساحة لما تقدّم ، وإنّما يعتبر الاسم مع السلامة ومع التكافؤ في الحرّية ، قال الله تعالى : ( وكتبنا عليهم فيها أنّ النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والاذن بالاذن والسنّ بالسنّ )فاعتبر الاسم فقط فلهذا رعيناه . فإذا ثبت ذلك فالقصاص يجوز من الموضحة قبل الاندمال عند قوم ، وقال قوم لا يجوز إلاّ بعد الاندمال وهو الأحوط ، والذي وردت الأخبار به عندنا ، لأ نّها ربما صارت نفساً . انتهى كلامه رفع الله مقامه.
[3]جاء هذا المعنى في الجواهر (42 : 344) : وحينئذ (فيقتصّ) فيه ـ في الطرف ـ (للرجل من) الرجل بل ومن (المرأة ولا يؤخذ) له (الفضل) على نحو ما سمعته في النفس (ويقتصّ لها منهـ) ـا ومن الرجل ولكن (بعد ردّ التفاوت في النفس والطرف) كما تقدّم الكلام في ذلك كلّه مفصّلا ، بل وفي تساوي ديتهما ما لم تبلغ ثلث دية الحرّ ، ثمّ يرجع إلى النصف فيقتصّ لها منه مع ردّ التفاوت في ما تجاوز ثلث دية الرجل ، ولا ردّ في ما نقص عن الثلث وفي ما بلغه خلاف ، فلاحظ وتأمّل ـ انتهى كلامه رفع الله مقامه ـ .
وفي تكملة المنهاج 2 : 150 ، مسألة 162 : إذا جنت المرأة على الرجل اقتصّ الرجل من المرأة من دون أخذ شيء منها ، وإن جنى الرجل على المرأة اقتصّت المرأة منه بعد ردّ التفاوت إليه إذا بلغت دية الجناية الثلث ـ تدلّ على ذلك عدّة روايات ، منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال : جراحات الرجال والنساء سواء ... ومنها معتبرة ابن أبي يعفور ... ومنها : صحيحة الحلبي الثانية قال : سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن جراحات الرجال والنساء في الديات والقصاص : السنّ بالسنّ والشجّة بالشجّة والإصبع والإصبع سواء ، حتّى تبلغ الجراحات ثلث الدية ، فإذا جازت الثلث صيرت دية الرجال في الجراحات ثلثي الدية ، ودية النساء ثلث الدية) بقي هنا شيء وهو أنّ ظاهر بعض الروايات هو تساوي المرأة والرجل في الدية فيما بلغت الجناية الثلث أيضاً ، ويختصّ تضعيف دية الرجل على دية المرأة بما إذا جازت الدية الثلث ولكنّك ستعرف أ نّها لا بدّ من رفع اليد عنها بمعارضتها لما دلّ على التضعيف فيما بلغ الثلث فيرجع إلى عموم ما دلّ على أنّ دية المرأة نصف دية الرجل ـ وإن جنى الرجل على المرأة اقتصّت المرأة منه بعد ردّ التفاوت إليه إذا بلغت دية الجناية الثلث ، وإلاّ فلا ، فلو قطع الرجل اصبع المرأة جاز لها قطع اصبعه بدون ردّ شيء إليه ، ولو قطع يدها جاز لها قطع يده بعد ردّ نصف دية يده إليه ـ تدلّ على ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ... ولا تعارضها موثّقة زيد بن علي عن آبائه (عليهم السلام) فإنّها رواية شاذّة لا عامل بها ومعارضة بالروايات المتقدّمة ، ولظاهر الكتاب ( والعين بالعين والأنف بالأنف ... ) فتطرح لا محالة ومن الغريب أنّ الشيخ حملها في الاستبصار على نفي التساوي في القصاص بين الرجل والمرأة ، وذلك لأ نّه ـ على ما ذكره (قدس سره) ـ لا يصحّ الاستثناء كما هو ظاهر.
وفي تحرير الوسيلة 2 : 540 ، مسألة 3 ـ لا يشترط التساوي في الذكورة والاُنوثة فيقتصّ فيه للرجل من الرجل ومن المرأة من غير أخذ الفضل ، ويقتصّ للمرأة من المرأة ومن الرجل لكن بعد ردّ التفاوت فيما بلغ الثلث كما مرّ.
وفي جامع المدارك (7 : 270) : وأمّا الاقتصاص للرجل من المرأة بلا ردّ التفاوت ، والاقتصاص للمرأة من الرجل مع ردّ التفاوت فيما زاد على الثلث ، فتدلّ عليه عدّة روايات ، منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ... ومنها معتبرة ابن أبي يعفور ... ومنها صحيحة الحلبي الثانية ...
وهل التنصيف بعد بلوغ الدية الثلث والتجاوز عن الثلث أو قبل التجاوز ؟ قد مرّ الكلام فيه فيما سبق.
وفي رياض المسائل (2 : 524) : ولا يشترط التساوي في الذكورة والاُنوثة (بل يقتصّ للرجل من المرأة ، ولا ردّ للمرأة عن الرجل مع الردّ فيما زاد عن الثلث) أو بلغه على الخلاف المتقدّم هو مع نقل الإجماع والنصوص المستفيضة على ثبوت أصل التقاصّ بينهما في بحث الشرط الأوّل من شرائط القصاص الخمسة فلا وجه للإعادة.
وفي كشف اللثام (2 : 470) : ولا يشترط التساوي في الذكورة والاُنوثة بل يقتصّ للرجل من مثله ومن المرأة ولا يرجع بالتفاوت مطلقاً نقصت دية العضو عن الثلث أو زادت ، ويقتصّ للمرأة من مثلها ومن الرجل بعد ردّ التفاوت فيما تجاوز ثلث دية الرجل ، ولا ردّ فيما نقص عن الثلث وفيما بلغ الثلث خلاف ، وقد مضى جميع ذلك.
وفي إيضاح الفوائد (4 : 633) : ويقتصّ للرجل من مثله ومن المرأة ولا يرجع بالتفاوت مطلقاً وللمرأة من مثلها وعن الرجل بعد ردّ التفاوت فيما تجاوز ثلث دية الرجل ولا ردّ فيما نقص عن الثلث.
وفي السرائر (3 : 390) : والمرأة تقاصص الرجل فيما تساويه في ديته من الأعضاء والجوارح والأسنان ولا قصاص بينهما وبينه فيما زاد على ذلك لكنّها تستحقّ به الأرش والديات ، هكذا أورده شيخنا المفيد في مقنعته . والذي يقتضيه الأدلّة ويحكم بصحّته اُصول مذهبنا أنّ لها القصاص ، فيما تساويه وفيما لا تساويه ، غير أنّ فيما تساويه لا تراد إذا اقتصتّ وفيما لا تساويه تردّ فاضل الدية ، وتقتصّ حينئذ لأنّ إسقاط القصاص بين الأحرار المسلمين يحتاج إلى دليل شرعي ، ولا دليل على ذلك بل القرآن والإجماع منعقد على ثبوته.
وإلى ما حرّرناه يذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) في الجزء الثالث من استبصاره في باب حكم الرجل إذا قتل امرأة ، وهو الصحيح الذي يقتضيه الأدلّة ولم يخالف فيه سوى من ذكرته وهو معلوم العين.
وفي السرائر (3 : 403) : ويقتصّ للرجل من المرأة وللمرأة من الرجل ، ويتساوى جراحتهما ما لم تتجاوز ثلث الدية ، فإن بلغ ثلث الدية نقصت المرأة وزيد الرجل . وإذا جرح الرجل المرأة بما يزيد عن الثلث وأرادت المرأة أن تقتصّ منه كان لها ذلك ، إذا ردّت عليه فضل ما بين جراحتهما . وإن جرحت المرأة الرجل وأراد أن يقتصّ منها لم يكن له عليها ، أكثر من جراحة مثلها أو المطالبة بالأرش على التمام من ديته ، مع تراضيهما لذلك ، وإلاّ فلا يستحقّ عليها سوى القصاص.
وفي الصفحة 389 : والمرأة تساوي الرجل في جميع ما قدّمناه من ديات الأعضاء والجوارح حتّى تبلغ ثلث دية الرجل ، فإذا بلغتها رجعت إلى النصف من ديات الرجال . وللبحث صلة فراجع.
وفي المقنعة (الصفحة 714) : والمرأة تقاصّ الرجل فيما تساويه في ديته من الأعضاء والجوارح والأسنان ولا قصاص بينها وبينه فيما زاد على ذلك لكنّها تستحقّ به الأرش والديات.
وأمّا في كتب أبناء العامّة فقد جاء في (الفقه على المذاهب الأربعة لعبد الرحمن الجزيري 5 : 287) : القصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس : الشافعية والمالكية والحنابلة قالوا : يجوز القصاص بين الرجال والنساء فيما دون النفس فقد اعتبروا الأطراف بالنفوس لأ نّها تابعة للنفوس ، فكما يجري القصاص بين الرجال والنساء في النفوس بالإجماع فكذلك يجري القصاص بينهم في الأطراف لكونها تابعة لها ، بل القصاص في الأطراف أحرى وأولى ، ولقوله تعالى : ( والعين بالعين والأنف بالأنف والاذن بالاذن والسنّ بالسنّ ) روى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : تقتل النفس بالنفس وتفقأ العين بالعين ويقطع الأنف بالأنف وتنزع السنّ بالسنّ وتقتصّ الجراح بالجراح ، فهذا يستوي فيه أحرار المسلمين فيما بينهم رجالهم ونساؤهم إذا كان عمداً في النفس ، وما دون النفس ويستوي فيه العبيد رجالهم ونساؤهم إذا عمداً في النفس وما دون النفس ، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم . الحنابلة في باقي قولهم : إنّ الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها إلاّ أن يدفع وليّها إلى أوليائه نصف الدية لأنّ ديتها على النصف من دية الرجل . الحنفية قالوا : لا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس ولا بين الحرّ والعبد ولا بين العبيد لأنّ الأطراف يسلك بها مسلك الأموال ، فينعدم التماثل بالتفاوت في القيمة والتفاوت معلوم قطعاً بتقويم الشرع ، فإنّ الشرع قوم اليد الواحدة للحرّ بخمسمائة دينار قطعاً ويقيناً ، ولا تبلغ يد العبد إلى ذلك ، فإن بلغت كانت بالحزر والظنّ فلا تكون مساوية ليد الحرّ يقيناً ، فإذا كان التفاوت معلوماً قطعاً أمكن لنا اعتباره بخلاف التفاوت في البطش لأ نّه لا ضابط له فاعتبر أصله . وقد سلكنا بالأطراف مسلك الأموال لأ نّها خلقت وقاية للأنفس كالمال فالواجب أن يعتبر التفاوت المالي مانعاً مطلقاً . والآية الكريمة وإن كانت عامّة في جميع الأطراف من غير تفاوت لكن قد خصّ منها الحربي والمستأمن والنصّ العامّ إذا خصّ منه شيء يجوز تخصيصه بخبر الواحد ، فخصّصوه بما روي عن عمران بن حصين أ نّه قال : قطع عبدٌ لقوم فقراء اُذنَ عبد لقوم أغنياء فاختصموا إلى رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم فلم يقضِ بالقصاص ، وقيل : إنّ الآية المذكورة آية القصاص ( يا أ يّها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد ) والقصاص ينبئ عن المماثلة فالمراد بما في الآية المذكورة ، ما يمكن فيه المماثلة لا غير.
وفي صحيح البخاري (6 : 2524) باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات : وقال أهل العلم : يقتل الرجل بالمرأة . ويذكر عن عمر : تقاد المرأة من الرجل في كلّ عمد يبلغ نفسه فما دونها من الجراح وبه قال عمر بن عبد العزيز وإبراهيم وأبو الزناد عن أصحابه وجرحت اُخت الربيع إنساناً فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : القصاص.
وفي الفقه الإسلامي وأدلّته (6 : 359) : دية جراح المرأة : للفقهاء رأيان في تقدير ديات جراح المرأة : 1 ـ فقال الحنفية والشافعية : الجناية على ما دون النفس في المرأة تقدر بحسب ديتها ، وبما أنّ دية المرأة نصف دية الرجل ، فتكون جراحها وشجاجها نصف جراح الرجل وشجاجه ، إلحاقاً بجرحها بنفسها . 2 ـ وقال المالكية والحنابلة : دية جراح المرأة كدية جراح الرجل فيما دون ثلث الدية كاملة ، فإن بلغت الثلث أو زادت عليها رجعت إلى نصف دية الرجل وعلى هذا إن قطعت إصبع المرأة ففيها عشر من الإبل وإن قطعت ثلاث أصبع ففيها ثلاثون من الإبل ، فإن قطع أربعة أصابع ففيها عشرون من الإبل . ودليلهم ما روى النسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (عقل المرأة مثل عقل الرجل حتّى يبلغ الثلث من ديتها) وروى سعيد بن منصور عن ربيعة قال : قلت لسعيد بن المسيّب : كم في إصبع المرأة ؟ قال : عشر ، قلت : ففي إصبعين ؟ قال : عشرون . قلت : ففي ثلاث أصابع ؟ قال : ثلاثون ، قلت : ففي أربع ؟ قال : عشرون . قال ربيعة : لمّـا عظمت مصيبتها قلّ عقلها ؟ قال سعيد : هكذا السنّة يا ابن أخي . ويضيف البيهقي جواباً على اعتراض ربيعة قول ابن المسيّب : أعراقيّ أنت ؟ قال ربيعة : عالم متثبّت أو جاهل متعلّم . قال : يا ابن أخي ، إنّها السنّة . انتهى كلامه.
[4]الوسائل 19 : 122 ، باب 1 من أبواب قصاص الطرف ثبوت القصاص بين الرجل والمرأة في الأعضاء والجراحات حتّى تبلغ ثلث الدية فتضاعف دية الرجل ، وفي الباب أربع روايات ، الحديث 1 ـ محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّـاد عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال : جراحات الرجال والنساء سواء : سنّ المرأة بسنّ الرجل ، وموضحة المرأة بموضحة الرجل ، واصبع المرأة باصبع الرجل حتّى تبلغ الجراحة ثلث الدية ، فإذا بلغت ثلث الدية ضعفت دية الرجل على دية المرأة . ورواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن إبراهيم مثله.
[5]الوسائل 19 : 124 ، باب 2 حكم رجل فقأ عين أمرأة ، وامرأة فقأت عين رجل ، الحديث 1 ـ محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه وعن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد جميعاً عن ابن محبوب عن عليّ بن رئاب عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) أ نّه قال في عبد جرح حرّة فقال : إن شاء الحرّ اقتصّ منه ، وإن شاء أخذه إن كانت الجراحة تحيط برقبته ، وإن كانت لا تحيط برقبته افتداه مولاه ، فإن أبى مولاه أن يفتديه كان للحرّ المجروح ] حقّه [ من العبد بقدر رقبته دية جراحة ، والباقي للمولى يباع العبد فيأخذ المجروح حقّه ويردّ الباقي على المولى ، ورواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب ، وكذا الصدوق . أقول : وتقدّم ما يدلّ على ذلك ويأتي ما يدلّ عليه ـ انتهى كلامه ـ .
[6]مستدرك الوسائل 18 : 276 ، باب 2 من أبواب قصاص الطرف : الصدوق في المقنع : وإذا فقأ الرجل عين امرأة ، فإن شاءت أن تفقأ عينه فعلت ، وأدّت إليه ألفين وخمسمائة درهم ، وإن شاءت أخذت ألفين وخمسمائة درهم ، وإن فقأت هي عين الرجل غرمت خمسة آلاف درهم ، وإن شاء أن يفقأ عينها فعل ولا يلزم شيئاً.
[7]الوسائل 9 : 124 ، باب 1 ، حديث 7 : وبإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن أبي جعفر عن أبي الجوزاء عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد ابن علي ، عن آبائه ، عن علي (عليهم السلام) قال : ليس بين الرجال والنساء قصاص إلاّ في النفس . الحديث . قال الشيخ : معناه ليس بينهما قصاص يتساوى فيه الرجل والمرأة.
أقول : وتقدّم ما يدلّ على ذلك ، ويأتي ما يدلّ عليه.
[8]القصاص على ضوء القرآن والسنّة 1: 229، وراجع حياة حسين بن علوان ـ الكلبي: مولاهم كوفي عامي وأخوه الحسن يكنّى أبا محمّد ثقة رويا عن أبي عبد الله (عليه السلام) ذكره النجاشي قال ابن عقدة إنّ الحسن كان أوثق من أخيه وأحمد عند أصحابنا وقيل إنّه من رجال العامة كان له محبّة وعقلا شديداً وقيل كان مستوراً ولم يكن مخالفاً وقد وقع في أسناد عدّة من الروايات تبلغ 92 مورداً ـ معجم رجال الحديث 6: 31، وجامع الرواة 1: 247، وحياة عمرو بن خالد إلى المعجم أيضاً 13: 91، وجامع الرواة 1: 634، وفي نتائج التنقيح (برقم 2927) حسين بن علوان: عامي لم يوثّق.
[9]الاستبصار 4 : 365 ، باب 154 حكم الرجل إذا قتل امرأة فيذكر ستّ روايات ثمّ يقول عليه الرحمة : فلا ينافي الأخبار الأدلّة من وجهين أحدهما : أ نّه يجوز أن يكون (عليه السلام) لم يجعل بينهما قصاصاً من حيث لم يكن القتل عمداً يجب فيه القود ، والثاني : أ نّه لم يجعل بينهما قصاصاً لا يحتاج معه إلى ردّ فضل الدية لأنّ الأخبار الأولة وقد تضمّنت أنّ بينهما قصاصاً بشرط أن يردّوا فضل ديتها على أولياء الرجل ، فمتى لم يردّوا فليس لهم إلاّ الدية ، والذي يؤكّد ذلك ـ يذكر رواية حسين بن علوان وعمرو بن خالد عن زيد ابن علي كما ذكرناها ثمّ يقول : ـ فأثبت القصاص بينهما في النفس على الشرط الذي ذكرناه ، فأمّا ما تضمّنه هذا الخبر من أ نّه ليس بينهما قصاص إلاّ في النفس ، المعنى فيه أ نّه ليس بينهما قصاص يتساوى فيه الرجل والمرأة ، لأنّ ديات أعضاء المرأة على النصف من ديات أعضاء الرجل إذا جاوز ما فيه ثلث الدية على ما بيّناه في الكتاب الكبير ، والذي يدلّ على أ نّه يثبت بينهما القصاص في الأعضاء : ما رواه الحسن بن محبوب عن عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إنّ في كتاب عليّ (عليه السلام) : لو أنّ رجلا قطع فرج امرأته لأغرمته لها ديتها فإن لم يؤدّ إليها ديتها قطعت لها فرجه إن طلبت ذلك.
[10]راجع تفصيل ذلك إلى كتابنا (القصاص على ضوء القرآن والسنّة) 1 : 231 ، قصاص الأطراف بين الحرّ والحرّة.
[11]جاء في الجواهر (42 : 394) : (ويقتصّ للذمّي من الذمّي) والحربي (ولا يقتصّ له من مسلم لعدم التكافؤ.
وفي تكملة المنهاج (2 : 149) : الثاني التساوي في الدين فلا يقتصّ من مسلم بكافر ، فلو قطع المسلم يد ذمّي مثلا لم تقطع يده ولكن عليه دية اليد ـ بلا خلاف ولا إشكال بين الأصحاب ، وتدلّ على ذلك صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام)قال : (لا يقاد مسلم بذمّي في القتل ولا في الجراحات ، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمّي على قدر دية الذمّي ثمانمائة درهم) وأمّا ما في صحيحة أبي بصير قال : سألته عن ذمّي قطع يد مسلم ، قال : تقطع يده إن شاء أولياؤه ، ويأخذون فضل ما بين الديتين ، وإن قطع المسلم يد المعاهد خُيّر أولياء المعاهد ... فهي رواية شاذّة لا عامل بها من الأصحاب مع اشتمالها على اقتصاص المسلم من الذمّي وأخذ فضل الدية منه ، وهو خلاف ما تسالم عليه الأصحاب ولم يقل به أحد ، وعليه فلا بدّ من ردّ علمها إلى أهله ، أو حملها على من كان معتاداً على قتل الذمّي ـ فالنتيجة هي اعتبار التساوي في الدين في قصاص النفس والأطراف ، ولا فرق بينهما من هذه الناحية أصلا ـ .
وفي مدارك الأحكام (7 : 272) : أمّا الاقتصاص للمسلم من الذمّي وأخذ ما بين الديتين منه فاستدلّ عليه بالصحيح ما رواه الشيخ بإسناده عن أبي بصير ...
وفي الرياض في سنده إضمار ، وفي ذيله مخالفة للأصل ، لكن لم أجد خلافاً فيما تعلّق منه بما نحن فيه ، حتّى من نحو الحلّي وظاهر التنقيح عدم الخلاف فيه ، وحمل صاحب الوسائل (قدس سره) على صورة الاعتياد أعني اعتياد المسلم قتل الذمّي الظاهر أنّ نظره إلى ذيل الصحيح حيث إنّه لا يقتل المسلم بالذمّي ، ولا يخفى بعد هذا الحمل من جهة عدم ذكر الاعتياد وحمل المطلق على غير الغالب ، بل التبادر بعيد جدّاً.
وفي رياض المسائل (2 : 524) : (ويقتصّ المسلم من الذمّي ويأخذ عنه فضل ما بين الديتين) للصحيح عن ذمّي قطع يد مسلم قال : تقطع يده إن شاء أولياؤه ويأخذون فضل ما بين الدتين . وفي سنده إضمار وفي ذيله مخالفة للأصل ، لكن لم أجد خلافاً فيما يتعلّق عنه بما نحن فيه ، حتّى من نحو الحلّي وظاهر (قيح) عدم الخلاف فيه حيث لم يتعرّض لذكر هذا الخبر ، ولو وجد فيه خلاف لنقله وتعرّض له كما هو دأبه ويعضده ما مرّ ، من ردّ فضل ما بين الديتين إذا قتل المسلم بالذمّي باعتياده القتل له أو مطلقاً ، وأ نّه لو قتل ذمّي مسلماً دفع هو وماله إلى أولياء المقتول وأنّ لهم الخيرة بين قتله واسترقاقه حيث إنّه لم يكتف في الاقتصاص منه بنفسه بل يضمّ إليه ماله فتدبّر (ولا يقتصّ للذمّي من المسلم ولا للعبد من الحرّ) بل يجب الديّة لفقده التساوي في الإسلام والحرية المشترط في القصاص كما مرّ إليه الإشارة ، مضافاً إلى خصوص الخبر المتقدّم قريباً ، ولا قصاص بين الحرّ والعبد في الثاني والصحيح لا يقاد مسلم بذمّي في القتل ولا في الجراحات ، ولكن يؤخذ من المسلم دية الذمّي على قدر دية الذمّي ثمانمائة درهم في الأوّل ، وأمّا ما في ذيل الصحيح المتقدّم من أ نّه إن قطع المسلم يد المعاهد خيّر أولياء المعاهد فإن شاؤوا أخذوا الدية وإن شاؤوا قطعوا يد المسلم وأدّوا إليه فضل ما بين الديتين وإذا قتل المسلم صنع كذلك فقد مرّ الجواب في أمثاله في الشرط الثاني من شرائط قصاص النفس من الشذوذ واحتمال التقيّة أو الاختصاص بصورة الاعتياد خاصّة كما فصّلته النصوص ثمّة.
[12]القصاص على ضوء القرآن والسنّة 1 : 250 ، الشرط الثاني التساوي في الدين . وفي السرائر 3 : 324 ، ولقوله تعالى ( لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) ، ولقوله (عليه السلام) : لا يقتل المسلم (المؤمن) بكافر.
[13]الوسائل 19 : 81 ، باب 48 ، الحديث 1 ـ محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني ... ورواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن إبراهيم.
[14]الوسائل 19 : 127 ، باب 8 من أبواب قصاص الطرف ، الحديث 1 ـ محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه وعن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن محمّد بن قيس ... الحديث.
[15]الوسائل 19 : 138 ، باب 22 من أبواب قصاص الطرف ، الحديث 1 ـ محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحى ، عن محمّد بن عيسى عن يونس عن حريز وابن مسكان عن أبي بصير قال : الحديث.
[16]الوسائل 19 : 81 ، باب 39 من أبواب القصاص في النفس ، الحديث 1 ـ محمّد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد وعن عليّ بن إبراهيم عن أبيه جميعاً ، عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن ضريس الكناسي عن أبي جعفر (عليه السلام) في نصراني قتل مسلماً فلمّـا أخذ أسلم قال : اقتله به ، قيل : وإن لم يسلم ، قال : يدفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوا ، وإن شاؤوا عفوا ، وإن شاؤوا استرقّوا ، قيل : وإن كان معه عين ] مال [ قال : دفع إلى أولياء المقتول هو وماله . ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن ابن محبوب . ورواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب عن عليّ بن رئاب عن ضريس الكناسي عن أبي جعفر (عليه السلام) . وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام).
أقول : وتقدّم ما يدلّ على ذلك . انتهى كلامه.
[17]هذا المعنى لم يذكره سيّدنا الاُستاذ.
[18]جاء في تكملة المنهاج للسيّد الخوئي (قدس سره) (2 : 150) في جواب رواية أبي بصير : بأ نّها شاذّة لا عامل بها من الأصحاب ، مع اشتمالها على اقتصاص المسلم من الذمّي وأخذ فضل الدية منه ، وهو خلاف ما تسالم عليه الأصحاب ولم يقل به أحد ، وعليه فلا بدّ من ردّ علمها إلى أهله ، أو حملها على من كان معتاداً على قتل الذمّي ، فالنتيجة هي اعتبار التساوي في الدين في قصاص النفس والأطراف ، ولا فرق بينهما من هذه الناحية أصلا.
[19]الجواهر 42 : 344 : (ويقتصّ للذمّي من الذمّي ولا يقتصّ له من المسلم وللحرّ من العبد) إن شاء وإن شاء استرقّه إن أحاطت جنايته بقيمته والخيار له في ذلك لا للمولى كما صرّح به الفاضل في القواعد هنا ، لظاهر قوله الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة (في عبد جرح رجلين هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته ، وأظهر منه في صحيح فضيل عن الصادق (عليه السلام) ... وبهما يخرج في العبد عن قاعدة إيجاب جناية العمد القصاص دون الدية ، نحو ما سمعته في جنايته على النفس التي حكي الإجماع عليها ، مضافاً إلى ظاهر النصوص المستفيضة فيها (الوسائل ، الباب 45 من أبواب القصاص في النفس ، الحديث 1) ـ ودعوى الفرق بين القتل والجرح ـ بأنّ له إزالته عن ملك المالك بالقتل فبالأولى تكون له إزالته بالاستراق بخلاف الجرح ، فإنّ القصاص فيه لا يزيل الملك ـ كالاجتهاد في مقابلة النصّ ، ونحوها الاستناد إلى قاعدة القصاص التي قد عرفت وجوب الخروج عنها بما سمعت ، وقد تقدّم الكلام في ذلك كلّه ، وقلنا هناك : إنّ ظاهر خبر الفضيل اعتبار إحاطة الجناية بالرقبة في ذلك بخلاف ما إذا لم تحط ، كما أ نّه ذكرنا أيضاً خلاف الفاضل وغيره في ذلك ، فلاحظ وتأمّل . (ولا يقتصّ للعبد من الحرّ) في الطرف وإن ساوت قيمته دية الحرّ أو زادت (كما لا يقتصّ له منه في النفس) لعدم المكافئة المعتبرة في القصاص بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كما عرفت الكلام فيه سابقاً.
وجاء في تكملة المنهاج 2 : 146 ، مسألة 158 : لو جرح العبد حرّاً ، كان للمجروح الاقتصاص منه كما أنّ له استرقاقه إن كانت الجراحة تحيط برقبته وإلاّ فليس له استرقاقه إذا لم يرض مولاه ، ولكن عندئذ إن افتداه مولاه وأدّى دية الجرح فهو ، وإلاّ كان للحرّ المجروح من العبد بقدر دية جرحه ، والباقي لمولاه ، فيباع العبد ويأخذ المجروح حقّه ، ويردّ الباقي على المولى بلا خلاف في ذلك عند الأصحاب ، وتدلّ على ذلك عدّة روايات : منها صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) ... ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام).
ثمّ يذكر سيّدنا الأجلّ هنا ثلاث مسائل في العبد كمسألة إذا جنى حرّ على مملوك فلا قصاص وعليه قيمة الجناية ـ من دون خلاف بين الأصحاب بل هو أمر مقطوع به بينهم ... ـ وكمسألة لو قطع حرّ يد عبد قاصداً قتله فاُعتق ثمّ جنى آخر عليه فكذلك فسرت الجنايتان فمات ... وكمسألة : لو قطع حرّ يد عبد ثمّ قطع رجله بعد عتقه كان عليه أن يردّ قيمة الجناية الاُولى إلى مولاه ، كما للمسائل تتمّة وهوامش ، فراجع.
وفي السرائر (3 : 403) : ولا قصاص بين الحرّ والعبد ولا بين المسلم والذمّي ولا بين الكامل والناقص ، بل يقتصّ للكامل من الناقص ، ولا يقتصّ لناقص العضو من السليم الكامل العضو . فإن جرح عبداً حرّ كان عليه أرشه بمقدار ذلك من ثمنه ، وكذلك الحكم في سائر أعضائه ، فإن كانت الجناية قيمته كان عليه القيمة ، ويأخذ العبد والسيّد بالخيار بين أن يمسكه ولا شيء له وبين أن يسلّمه ويأخذ كمال قيمته ، هذا إذا كانت الجناية تحيط بقيمته ، فإن كانت لا تحيط بقيمته فليس لمولاه سوى الأرش . وإن جرح عبد حرّاً كان على مولاه أن يسلّمه إلى المجروح يسترقّه بمقدار ما لزمه ، أو يفديه بمقدار ذلك . فإن استغرق أرش الجراحة ثمنه لم يكن لمولاه فيه شيء فإن لم يستغرق كان له منه بمقدار ما يفضل من أرش الجراح.
وفي المقنعة (الصفحة 715) : وليس بين العبيد وأهل الذمّة والأحرار من المسلمين في الجراح قصاص . وإذا جنى العبد على الحرّ المسلم جناية تحيط ديتها وأرشها بقيمته كان على مولاه أن يسلّمه إلى المجني عليه إلاّ أن يرضيه بشيء يتّفقان عليه . وإن كانت دية الجناية أرشها أكثر من قيمة العبد لم يكن على سيّده أكثر من تسليمه إلى المجني عليه إلاّ أن يصطلحا على شيء سواه ، فالصلح بينهما على ذلك جائز ، فإن رضي المجني عليه بالقصاص منه لم يكن له أكثر من ذلك ، ولا يتعدّ في القصاص.
[20]الوسائل 19 : 124 ، باب 3 من أبواب قصاص الطرف ، الحديث 1 ـ محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه ، وعن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعاً عن ابن محبوب عن عليّ بن رئاب عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) أ نّه قال في عبد جرح حرّاً ، فقال : إن شاء الحرّ اقتصّ منه ، وإن شاء أخذه إن كانت جراحته تحيط برقبته ، وإن كانت لا تحيط برقبته افتداه مولاه ، فإن أبى مولاه أن يفتديه كان للحرّ المجروح ] حقّه [ من العبد بقدر دية جراحة ، والباقي للمولى يباع العبد فيأخذ المجروح حقّه ويردّ الباقي على المولى . ورواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب وكذا الصدوق.
أقول : وتقدّم ما يدلّ على ذلك ، ويأتي ما يدلّ عليه ـ انتهى كلامه ـ .
[21]الوسائل 19 : 125 ، باب 4 من أبواب قصاص الطرف ، الحديث 1 ـ محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن نعيم بن إبراهيم عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث اُمّ الولد قال : يقاصّ منها للمماليك ولا قصاص بين الحرّ والعبد.
2 ـ وعنه عن محمّد بن عيسى عن يونس عمّن رواه قال : قال يلزم مولى العبد قصاص جراحة عبده من قيمة ديته على حساب ذلك يصير أرش الجراحة وإذا جرح الحرّ العبد فقيمة جراحته من حساب قيمته.
3 ـ وعنه عن أبيه وعن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد جميعاً عن ابن محبوب عن عبد العزيز العبدي عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل شجّ عبداً موضحة قال : عليه نصف عشر قيمته . ورواه الشيخ بإسناده عن السن بن محبوب وكذا الأوّل والذي قبله بإسناده عن يونس . ورواه الصدوق بإسناده عن ابن محبوب.
أقول : وتقدّم ما يدلّ على ذلك ، ويأتي ما يدلّ عليه ـ انتهى كلامه ـ .
وفي الباب 5 حكم جراحات المماليك ، الحديث 1 ـ محمّد بن الحسن بإسناده عن الصفّار عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن عليّ (عليه السلام)قال : جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن.
أقول : ويأتي ما يدلّ على ذلك.
وفي الباب 1 من أبواب قصاص الطرف ، الحديث 3 ـ وبإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير وفضالة عن جميل بن درّاج قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة بينها وبين الرجل قصاص ؟ قال : نعم في الجراحات حتّى تبلغ الثلث سواء ، فإذا بلغت الثلث سواء ارتفع الرجل وسفلت المرأة . (ولا يخفى أ نّه بإطلاقها يستدلّ على ما نحن فيه ، فتأمّل).
[22]الوسائل 19 : لم أجد الرواية.
[23]جاء في الجواهر 42 : 346 : ويجوز لمولى المجني عليه الصلح على ما تراضيا به ، وفي كشف اللثام (ومنه استرقاق ما بإزاء نسبة عضو عبده إلى قيمته ، إن لم تزد على دية الحرّ) ولعلّه بناءً على اعتبار ذلك في قيمة القاطع على نحو قيمة المقطوع بدعوى ظهور النصوص في عدم تجاوز قيمة العبد دية الحرّ في باب الجناية قاطعاً كان أو مقطوعاً ، ولكن لا يخلو من نظر وبحث باعتبار انسياق المجني عليه منها لا مطلقاً ، فلاحظ وتأمّل.
على أنّ المسألة مفروضة في الصلح ، وهو لا يتقدّر بقدر ، بل يجب ما يتراضيان به ، فله حينئذ استرقاق كلّه به ، وإن زادت قيمة عضوه على كلّ قيمة المجني عليه ، لكونه حينئذ كالصلح عن الكثير بالقليل ، أمّا ما قابل الجناية منه فقد عرفت عدم احتياجه إلى الصلح ، بل له استرقاقه قهراً.
[24]الجواهر 42 : 348 : وبالجملة كلّ ما عرفته من شرائط القصاص في النفس معتبر في القصاص في الطرف ويزيد اعتبار (التساوي في السلامة) من الشلل وفي المحلّ وفي الإصالة والزيادة (فلا تقطع اليد الصحيحة) مثلا (بالشلاّء) بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به بعضهم ، بل عن ظاهر المبسوط أو صريحه وصريح الخلاف الإجماع عليه ، وهو الحجّة بعد إطلاق قول الصادق (عليه السلام) في خبر سليمان بن خالد (في رجل قطع يد رجل شلاّء أنّ عليه ثلث الدية) بل قيل : وقوله تعالى : ( فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) ( وإن عاقبتم بعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) وإن كان فيه أنّ الظاهر المماثلة في أصل الاعتداء والعقاب على وجه يصدق كونه مقاصة ، لا ينافي ما دلّ على القصاص من قوله تعالى : ( والجروح قصاص ) وغيره ، إلاّ أنّ الأمر سهل بعد عدم انحصار الأصل فيه ، إذ الحكم مفروغ منه عندهم ، وقد حكي الإجماع صريحاً وظاهراً عليه.
وجاء في تكملة المنهاج 2 : 152 ، مسألة 163 : المشهور اعتبار التساوي في السلامة من الشلل في الاقتصاص ، فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلاّء وإن بذل الجاني يده للقصاص ، وهو لا يخلو من إشكال ، بل لا يبعد عدمه ـ وجه الإشكال هو أ نّه قد ادّعي الإجماع في المسألة ، وقال في الجواهر : (إنّ الحكم مفروغ عنه) واستدلّ على ذلك بإطلاق رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) ... ولكنّها ضعيفة سنداً ودلالة ، أمّا سنداً فلأنّ في سندها حمّـاد بن زياد وهو مجهول ، ورواية الحسن بن محبوب عنه لا تدلّ على توثيقه على ما فصّلناه في محلّه ، وأمّا دلالة فلأ نّها في مقام بيان مقدار الدية ، ولم تتعرّض للقصاص لا نفياً ولا إثباتاً ، وتؤيّد ذلك رواية محمّد بن عبد الرحمان العرزمي عن أبيه عبد الرحمان عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) ... لكنّها ضعيفة سنداً بيوسف بن الحارث ، إذ لم يذكر بمدح ولا توثيق ، وتقريب التأييد بها هو اشتمالها على ما فيه قصاص يقيناً ، وليس هذا إلاّ من ناحية أنّ الرواية في مقام بيان مقدار الدية ، وليس لها نظر إلى القصاص ، فهي من هذه الناحية تؤيّد ما ذكرناه في الرواية الاُولى.
وعلى تقدير تسليم الإطلاق فيهما فلا بدّ من تقييدهما بإطلاق قوله تعالى : ( والجروح قصاص ) فإنّ النسبة بينهما وإن كانت عموماً من وجه ، إلاّ أنّ الآية تتقدّم عليهما لا محالة.
وأمّا رواية الحسن بن صالح ... فهي ضعيفة سنداً فإنّ الحسن بن صالح لم يذكر بتوثيق ولا مدح ، على أ نّه لا إطلاق لها من هذه الناحية ، فإنّ الظاهر أ نّها في مقام مقدار الدية فحسب ، ونظير ذلك عدّة روايات واردة في بيان دية الأطراف فحسب ، مع ثبوت القصاص في مواردها جزماً ، وليس ذلك إلاّ من ناحية أ نّها في مقام البيان من هذه الجهة دون القصاص ، ومن جملة تلك الروايات صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ... فالنتيجة أ نّه لا دليل على اعتبار التساوي في السلامة ما عدا دعوى الإجماع فإن تمّ فهو ، وإلاّ فلا يبعد عدم اعتباره لإطلاق الآية الكريمة ( والجروح قصاص ) ودعوى انصرافه عن مثل المقام لا أساس لها أصلا ، وسيأتي أنّ العضو الصحيح يقطع بالمجذوم ـ .
وأمّا اليد الشلاّء فتقطع باليد الصحيحة بلا إشكال ـ بلا خلاف بين الأصحاب لإطلاق الكتاب والسنّة وعدم الدليل على التقييد ـ إلاّ أن يحكم أهل الخبرة أ نّها لا تنحسم ، فعندئذ لا يجوز قطعها وتؤخذ الديّة ـ وذلك تحفّظاً على النفس ، لفرض أنّ قطع يده (والحال هذه) يوجب إتلاف نفسه فلا يجوز ذلك قصاصاً ، وأمّا أخذ الدية فلأ نّه في كلّ مورد لا يمكن الاقتصاص من الجاني لزمته الدية ، لأنّ حقّ امرئ مسلم لا يذهب هدراً ـ انتهى كلامه رفع الله مقامه ـ .
وفي تحرير الوسيلة 2 : 450 ، مسألة 4 ـ يشترط في المقام زائداً على ما تقدّم التساوي في السلامة من الشلل ونحوه على ما يجيء أو كون المقتصّ منه أخفض ، والتساوي في الأصالة والزيادة ، وكذا في المحلّ على ما يأتي الكلام فيه ، فلا تقطع اليد الصحيحة مثلا بالشلاّء ولو بذلها الجاني ، وتقطع الشلاّء بالصحيحة ، نعم لو حكم أهل الخبرة بالسراية ، بل خيف منها يعدل إلى الدية.
وفي جامع المدارك 7 : 271 : وأمّا اعتبار التساوي في السلامة وعدم قطع عضو الصحيح بالأمثل فادّعى الإجماع عليه ، واستدلّ عليه بإطلاق رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل قطع رجل شلاّء ؟ قال : عليه ثلث الدية ، واستشكل بضعف الرواية سنداً ودلالة أمّا سنداً فلأنّ في سنده حمّـاد بن زياد وهو مجهول ، ورواية الحسن بن محبوب عنه لا تدلّ على توثيقه ، وأمّا من جهة الدلالة فمن جهة أنّ الرواية متعرّضة للدية دون التقاص ، وتؤيّد هذا رواية محمّد بن عبد الرحمن العزومي عن أبيه عبد الرحمن عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) أ نّه جعل في سنّ السوداء ثلث ديتها ، وفي العين القائمة إذا طمست ثلث ديتها ، وفي شحمة الاُذن ثلث ديتها ، وفي الرجل العرجاء ثلث ديتها ، وفي خشاش الأنف في كلّ واحد ثلث الدية ، مع القطع باشتمالها على ما فيه قصاص.
ويمكن أن يقال : لا مجال لاحتمال الفتوى بغير دليل يعتمد عليه بالنسبة إلى الأكابر فإن كان المدرك الخبر المذكور يتوجّه الإشكال من جهة الدلالة لكن هذا غير معلوم.
وفي رياض المسائل 2 : 524 : (ويعتبر) هنا زيادة على شروط النفس المتقدّمة والتساوي أي (تساوي) العضوين المقتصّ به ومنه (في السلامة) من الشلل أو فيه مع انتفاء التغرير في المقتصّ منه والشلل قيل هو يبس اليد والرجل بحيث لا يعمل وإن بقي فيها حسّ أو حركة ضعيفة ، وربما اعتبر بطلانهما وهو ضعيف.
وفي كشف اللثام (2 : 471) في شرائط قصاص الطرف : الثالث : التساوي في السلامة من الشلل أو في الشلل مع انتفاء التغرير أو التفاوت مع الصحّة من المجني عليه ، فلا يقطع اليد أو الرجل الصحيحة بالشلاّء فالإجماع كما في الخلاف ولقوله تعالى : ( فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) وقوله : ( فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) وإطلاق ظاهر قول الصادق (عليه السلام) في خبر سليمان بن خالد في رجل قطع يد رجل شلاّء عليه ثلث الدية خلافاً لداود.
وفي اللمعة (10 : 77) : (فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلاّء) وهي الفاسدة (ولو بذلها) أي بذل اليد الصحيحة (الجاني) لأنّ بذله لا يسوغ قطع ما منع الشارع من قطعه ، كما لو بذل قطعها بغير قصاص.
وفي إيضاح الفوائد (4 : 633) الثالث : التساوي في السلامة فلا يقطع اليد الصحيحة بالشلاّء وإن بذلها الجاني لكن لا يضمن القاطع واستوفى حقّه ويقطع الشلاّء بالصحيحة إلاّ أن يحكم أهل الخبرة بعدم انحسامها فتجب الدية ، وكذا لا يقطع الشلاّء بمثلها مع الخوف من السراية ، ويقطع لا معه . ولو كانت بعض أصابع المقطوع شلاّء لم يقتصّ من الجاني في الكفّ بل في أربع الأصابع الصحيحة وتؤخذ منه ثلث دية إصبع صحيحة عوضاً عن الشلاّء وحكومة ما تحتها وما تحت الأصابع الأربع من الكفّ ... وللبحث صلة فراجع.
وفي المبسوط (7 : 80) : فإن كانت يده شلاّء فقطع صحيحة فالمجني عليه بالخيار بين أخذ الدية وبين أخذ الشلاّء بالصحيحة ويرجع فيه إلى أهل الخبرة ، فإن قالوا متى قطعت الشلاّء بقيت أفواه العروق مفتّحة ولا ينحسم ولا ينضمّ بشيء ، ولا يؤمن التلف بقطعها لم يقطعها ، لأ نّا لا نأخذ نفساً بيد ، وإن قالوا ينحسم ويبرأ في العادة أخذنا بها ، لأ نّه قد رضي بأخذ ما هو أنقص من حقّه فهو كالضعيفة بالقويّة.
[25]الوسائل 19 : 253 ، باب 28 من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث 2 ـ وعن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن الحسن ابن صالح قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن عبد قطع يد رجل حرّ وله ثلاث أصابع من يده شلل فقال : وما قيمة العبد ؟ قلت : اجعلها ما شئت ، قال : إن كانت قيمة العبد أكثر من دية الاصبعين الصحيحتين والثلاث الأصابع الشلل ردّ الذي قطعت يده على مولى العبد ما فضل من القيمة وأخذ العبد ، وإن شاء أخذ قيمة الاصبعين الصحيحين والثلاث أصابع الشلل ، قلت : وكم قيمة الاصبعين الصحيحتين مع الكفّ والثلاث الأصابع الشلل ؟ قال : قيمة الاصبعين الصحيحتين مع الكفّ ألفا درهم ، وقيمة الثلاث أصابع الشلل مع الكفّ ألف درهم لأ نّها على الثلث من دية الصحاح ، قال : وإن كانت قيمة العبد أقلّ من دية الاصبعين الصحيحتين والثلاث الأصابع الشلل دفع العبد إلى الذي قطعت يده أو يفتديه مولاه ويأخذ العبد.
محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسن بن محبوب مثله.
[26]الوسائل 19 : 253 ، باب 28 ، الحديث 1 ـ محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسن بن محبوب عن حمّـاد بن زياد عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل قطع يد رجل شلاّء قال : عليه ثلث الدية.
محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب مثله.
[27]البقرة : 194.
[28]النحل : 126.
[29]راجع ترجمة حمّـاد بن زياد إلى معجم رجال الحديث 6 : 205 ، وجامع الرواة 1 : 269 ، وفي نتائج التنقيح برقم (3289) حمّـاد بن زياد : مهمل.
[30]الجواهر 42 : 348 (ولو بذلها الجاني) كما صرّح به الفاضل والشهيدان فإنّه لا يكفي في التسويغ كما إذا رضى الحرّ القاتل للعبد بالقود لم يجز أن يقاد منه ، نعم في القواعد وكشف اللثام (ولكن لا يضمن القاطع مع البذل شيئاً وإن أثم واستوفى حقّه كما في المبسوط والأصل) وإن كان هو لا يخلو من إشكال بل منع ، ضرورة عدم حقّ له غير الدية كي يكون مستوفياً له ، بل قد يشكل أيضاً ما قيل من احتمال ضمان ثلث الدية ، لأنّ دية الشلاّء سدس الدية ، والصحيحة نصفها بأنّ المتّجه ترتّب القصاص على القاطع لا الدية ، إلاّ إذا قلنا بعدمه مع الإذن من ذي اليد بالقطع ابتداءً من دون قصاص.
[31]الجواهر (42 : 349) : (وتقطع الشلاّء بالصحيحة) لعموم الأدلّة ، بل لا يضمّ إليها أرش للأصل وغيره بعد تساويهما في الجرم ونحوه ، وإنّما اختلافهما في الصفة التي لا تقابل بالمال ، كالرجوليّة والاُنوثيّة والحرّية والعبوديّة والإسلام والكفر ، فإنّه إذا قتل الناقص منهم بالكامل لم يجبر بدفع أرش خصوصاً بعد قولهم (عليهم السلام) : (إلاّ أن يحكم أهل الخبرة أ نّها لا تنحسم) لو قطعت ، ولبقاء أفواه عروقها مفتّحة أو احتملوا ذلك احتمالا راجحاً أو مساوياً على وجه يتحقّق الخوف المعتدّ به (فـ) ـلا تقطع بل (يعدل) حينئذ (إلى الدية تفصّياً من خطر السراية) على النفس التي هي أعظم من الطرف ، وكذا لو كان كلّ منهما شلاّء بلا خلاف أجده في شيء من ذلك ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، بل ولا إشكال ، ضرورة وجوب المحافظة على النفس ممّـا يزيد على أصل القطع من العوارض التي منها الشلل المزبور ، لكن نسبة غير واحد له إلى الشهرة قد يشعر بالخلاف إلاّ أ نّا لم نتحقّقه.
وفي جامع المدارك (7 : 272) : ويقطع الأشلّ بالصحيح ما لم يعرف أ نّه لا ينحسم لبقاء أفواه العروق ، وقيل : لا يقطع مع احتمال ذلك احتمالا راجحاً أو مساوياً على وجه يتحقّق الخوف المعتدّ به ، ولازم ما ذكر عدم القطع مع احتمال كون القطع موجباً لموت المقطوع يده ، ولم يظهر من الأدلّة هذا التقييد وليس هذا الاحتمال بعيداً حتّى يقال بالانصراف ، ولا يبعد أن يقال : مع كون الاحتمال غير بعيد لا يشمل الأدلّة للزوم حفظ النفس.
وفي رياض المسائل (2 : 524) : (فلا يقطع العضو الصحيح) منه من يد أو رجل (بالأشلّ) بلا خلاف بل عليه الإجماع عن الخلاف وهو الحجّة المخصّصة للعمومات مضافاً إلى الاعتبار وإطلاق خصوص بعض المعتبرة في رجل قطع يد رجل شلاّء قال عليه ثلاث الدية (ويقطع) العضو (الأشلّ) بمثله (وبالصحيح ما لم يعرف) أ نّه (لا ينحسم بلا إشكال فيه ، وفي تعيين الدية مع المعرفة بأخبار أهل الخبرة بعدم الانحسام وانسداد أفواه العروق ، ولا خلاف فيهما أيضاً بل عليهما الإجماع في الغنية وهو الحجّة مضافاً إلى العمومات في الأوّل ولزوم صيانة النفس المحترمة عن التلف مع إمكان تدارك الحقّ بالدية ، ويخطر بالبال ورود رواية لها عليه دلالة في الثاني ، ونسبة الحكم فيه في المسالك وغيره إلى المشهور ، وربما توهّم وجود خلاف فيه أو إشكال ولكن لا أثر لهما ، وحيث يقطع الشلاّء يقتصر عليها ولا يضمّ إليها أرش التفاوت للأصل وعدم دليل على الضمّ مع تساويهما في الحرمة.
وفي كشف اللثام (2 : 471) : ويقطع الشلاّء بالصحيحة ولا يضمّ إليها أرش ولا يثبت الدية إلاّ بالتراضي ، إلاّ أن يحكم أهل الخبرة بعدم انحسامها إذا قطعت لبقاء أفواه عروقها منفجّة أو احتملوا ذلك احتمالا مساوياً أو راجحاً فيجب الدية حينئذ خاصّة حذراً من السراية.
وفي اللمعة (10 : 77) : (وتقطع) اليد (الشلاّء بالصحيحة) لأ نّها دون حقّ المستوفي (إلاّ إذا خيف) من قطعها (السراية) إلى النفس لعدم انحسامها (فتثبت الدية) حينئذ وحيث يقطع الشلاّء يقتصر عليها ، ولا يضمّ إليها أرش التفاوت.
وفي المهذّب (2 : 375) : وإذا كانت يده شلاّء فقطع صحيحة سئل أهل الخبرة فإن قالوا : إنّ الشلاّء إذا قطعت بقيت أفواه العروق لا ينضمّ ولا ينحسم ولا يبرأ ولا يؤمن التلف بقطعها لم تقطع ، لأ نّه لا يجوز أن يؤخذ نفس بيد ، وإن قالوا : إنّها ينحسم ويبرأ في المقادة أخذنا بها ، لأ نّه قد رضي بأخذ ما هو أقلّ من حقّه فهو كالضعيفة بالقويّة ، وإذا قطع يداً شلاّء ويده صحيحة لم يكن فيها قود ، ويكون فيها ثلث دية اليد الصحيحة.
وفي المبسوط (7 : 80) : وإذا قطع يداً شلاّء ويده صحيحة لا شلل فيها ، فلا قود عليه عندنا وعند جميعهم ، وقال داود : يقطع الصحيحة ، غير أنّ عندنا أنّ فيها ثلث دية اليد الصحيحة ، وعندهم فيها الحكومة.
وفي كتب العامّة : جاء في الفقه على المذاهب الأربعة (5 : 350) مبحث قطع اليد الشلاّء بالصحيحة : ذكر الأئمة (رض) أ نّه إذا كانت يد المقطوع صحيحة ويد القاطع شلاّء أو ناقصة الأصابع فالمقطوع بالخيار إن شاء قطع اليد المعيبة ولا شيء له غيرها وإن شاء أخذ الأرش كاملا لأنّ استيفاء الحقّ كاملا متعذّر ، فله أن يتجوّز بدون حقّه ، وله أن يعدل إلى العوض كالمثلي إذا انصرم عن أيدي الناس بعد الإتلاف . ثمّ إذا استوفاها ناقصاً فقد رضي به فيسقط حقّه كما إذا رضي بالرديء مكان الجيّد.
وفي المغني (9 : 451) (مسئلة) قال (وإذا كان القاطع سالم الطرف والمقطوعة شلاّء فلا قود) لا نعلم أحداً من أهل العلم قال بوجوب قطع يد أو رجل أو لسان صحيح بأشلّ ، إلاّ ما حكي عن داود أ نّه أوجب ذلك لأنّ كلّ واحد منهما مسمّى باسم صاحبه فيؤخذ به كالاذنين . ولنا أنّ الشلاّء لا نفع فيها سوى الجمال ، فلا يؤخذ بها ما فيه نفع كالصحيحة لا تؤخذ بالقاتمة ، وما ذكر له قياس وهو لا يقول بالقياس ، وإذا لم توجب القصاص في العينين مع قول الله تعالى ( العين بالعين ) لأجل تفاوتهما في الصحّة والعمى فلإن لا يجب ذلك فيما لا نصّ فيه أولى.
يذكر المصنّف هنا فصول في الاذن الشلاّء.
وفي الصفحة 453 (مسئلة) (وإن كان القاطع أشلّ والمقطوعة سالمة فشاء المظلوم أخذها فذلك له ولا شيء له غيرها وإن شاء عفا وأخذ دية يده) ، و (فصل) وتؤخذ الشلاّء بالشلاّء ، و (فصل) تؤخذ الناقصة بالناقصة إذا تساوتا فيه ، و (فصل) ويجوز أخذ الناقصة بالكاملة ، و (فصل) وإن كانت يد القاطع والمجني عليه كاملتين وفي يد المجني عليه إصبع زائدة وغير ذلك من المباحث المفصّلة ، فراجع.
وفي المهذّب في فقه الشافعي (2 : 181) : (فصل) ولا تؤخذ يد صحيحة بيد شلاّء ولا رجل صحيحة برجل شلاّء ، لأ نّه لا يأخذ فوق حقّه ، وإن أراد المجني عليه أن يأخذ الشلاّء بالصحيحة نظرت فإن قال أهل الخبرة : إنّه إن قطع لم تفسد العروق ودخل الهواء إلى البدن وخيف عليه ، لم يجز أن يقتصّ منه لأ نّه يأخذ نفساً بطرف ، وإن قالوا : لا يخاف عليه ، فله أن يقتصّ لأ نّه يأخذ دون حقّه ، فإن طلب مع القصاص الأرش لنقص الشلل لم يكن له لأنّ الشلاّء كالصحيحة في الخلقة ، وإنّما تنقص عنها في الصفة فلم يؤخذ الأرش للنقص مع القصاص كما لا يأخذ وليّ المسلم من الذمّي مع القصاص أرشاً لنقص الكفر ، وفي أخذ الأشلّ بالأشلّ وجهان : أحدهما أ نّه يجوز لأ نّهما متساويان ، والثاني : لا يجوز ، وهو قول أبي إسحاق ، لأنّ الشلل علّة ، والعلل يختلف تأثيرها في البدن فلا تتحقّق المماثلة بينهما.
[32]الجواهر 42 : 350 : هذا ولكن في المسالك (من شرائط القصاص في الطرف تساويهما في السلامة لا مطلقاً) لأنّ اليد الصحيحة تقطع بالبرصاء ، بل المراد سلامة خاصّة ، وهي التي تؤثّر التفاوت فيها أو يتخيّل تأثيره كالصحّة والشلل).
قلت : لا كلام في عدم القصاص بين الصحيحة والشلاّء بعد الاتّفاق عليه نصّاً وفتوى ، أمّا ما لا يصدق عليه اسم الشلل ممّـا هو مؤثّر فيها أيضاً فلا دليل على عدم القصاص به بعد قوله تعالى : ( والجروح قصاص ) وصدق (اليد باليد) نعم يجبر ضرر المقتصّ منه بدفع التفاوت من المقتصّ بناءً على ما أشرنا إليه من خبر الحسن بن الجريش المشتمل على قضيّة ابن عباس لكن لم أجد من أقعد القاعدة المزبورة على وجه يعمل عليها في غير محلّ النصّ.
[33]الجواهر 42 : 350 : وكيف كان فالمراد بالشلل يبس اليد والرجل بحيث لا تعمل ، وإن بقي فيها حسّ أو حركة ضعيفة ، وعن بعضهم اعتبار بطلانهما ، ولذا تسمّى اليد الشلاّء ميتة ، وفيه أ نّه إطلاق مجازي ، ضرورة أ نّها لو كانت كذلك لأنتنت.
وفي تحرير الوسيلة 2 : 541 ، مسألة 5 ـ المراد بالشلل هو يبس اليد بحيث تخرج عن الطاعة ولم تعمل عملها ولو بقي فيها حسّ وحركة غير اختياريّة ، والتشخيص موكول إلى العرف كسائر الموضوعات ، ولو قطع يداً بعض أصابعها شلاّء ففي القصاص اليد الصحيحة تردّد ، ولا أثر للتفاوت بالبطش ونحوه ، فيقطع اليد القويّة بالضعيفة ، واليد السالمة باليد البرصاء والمجروحة.
[34]الجواهر (42 : 351) : (و) أمّا اعتبار التساوي في المحلّ مع وجوده فلا خلاف فيه ، بل ربما ظهر من محكيّ الخلاف نفيه بين المسلمين ، بل في كشف اللثام الاتّفاق عليه فـ (ستقطع اليمين باليمين) واليسار باليسار والإبهام بمثلها وهكذا.
نعم عن الأكثر بل المشهور بل عن الخلاف (و) الغنية إجماع الفرقة عليه مع زيادة أخبارهم عليه في الثاني أ نّه (إن لم تكن يمين قطعت يساره ، ولو لم يكن) له (يمين ولا يسار قطعت رجله استناداً إلى الرواية) التي هي صحيحة حبيب السجستاني المرويّة في الكتب الثلاثة ، بل والمحاسن على ما قيل ـ الحديث.
وفي تكملة المنهاج 2 : 154 ، مسألة 164 : لو قطع يمين رجل قطعت يمينه إن كانت له يمين ـ لأنّ المجني عليه يستحقّ على الجاني مثل ما جنى عليه ، وبما أنّ المقطوع هو اليد اليمنى ، فله أن يقطع يمناه ، وإلاّ قطعت يساره على إشكال ، وإن كان لا يبعد جوازه ـ وذلك ـ لأ نّه مضافاً إلى أنّ الحكم متسالم عليه عند الأصحاب وتؤيّده رواية حبيب السجستاني الآتية ـ لا يبعد صدق المماثلة عليها عند فقد اليمنى ، فإنّه متى كانت اليمنى موجودة فهي المماثل ، وعند فقدها لا يبعد كون المماثل هو اليد اليسرى وتؤكّد ذلك صحيحة محمّد بن قيس ... فإنّ إطلاقها يعمّ ما إذا كانت عين الأعور صحيحة غير مماثلة للعين المفقوءة من جهة الطرف.
وإن لم تكن له يسار ، فالمشهور أ نّه تقطع رجله إن كانت ـ استدلّ على ذلك برواية حبيب السجستاني ... وبما أ نّها ضعيفة سنداً ، فإنّ حبيباً لم يذكر بتوثيق ولا مدح ، فلا يمكن الاستدلال بها على حكم شرعي أصلا ومن هنا خالف في ذلك صريحاً الحلّي والشهيد الثاني وفخر المحقّقين.
فالنتيجة أ نّه لا دليل على ما هو المشهور ، فالأظهر عدم جواز القطع ، ولزوم الرجوع إلى الدية ، كما إذا لم تكن له رجل ـ فالمشهور أ نّه تقطع رجله إن كانت وفيه إشكال والأقرب الرجوع فيه إلى الدية.
وفي كشف اللثام (2 : 471) : في شرائط قصاص الطرف : الرابع : التساوي في المحلّ مع الوجود اتفاقاً ، ولذا يقطع اليمنى بمثلها لا باليسرى ، وكذا اليسرى والإبهام بمثلها لا بالسبّابة وغيرها ، وكذا باقي الأصابع إنّما يقطع بمثلها ، ولكن الأكثر على أ نّه لو لم يكن له يمين وقطع يمين رجل قطعت يسراه وبالعكس ، فإن لم يكن له يسار أيضاً قطعت رجله اليمنى ، فإن فقدت فاليسرى ، وحكي عليه الإجماع في الغنية والخلاف.
وفي اللمعة (10 : 77) : (وتقطع اليمين باليمين لا باليسرى ولا بالعكس) كما لا تقطع السبّابة بالوسطى ونحوها ولا بالعكس (فإن لم تكن له) أي لقاطع اليمين (يمين فاليسرى فإن لم تكن له يسرى فالرجل) اليمنى فإن فقدت فاليسرى (على الرواية) التي رواها حبيب السجستاني عن الباقر (عليه السلام) . وإنّما أسند الحكم إليها لمخالفته للأصل من حيث عدم المماثلة بين الأطراف خصوصاً بين الرجل واليد إلاّ أنّ الأصحاب تلقّوها بالقبول وكثير منهم لم يتوقّف في حكمها هنا . وما ذكرناه من ترتيب الرجلين مشهور ، والرواية خالية عنه ، بل مطلقة في قطع الرجل لليد حيث لا يكون للجاني يد . وعلى الرواية لو قطع أيدي جماعة قطعت يداه ورجلاه للأوّل فالأوّل ، ثمّ تؤخذ الدية للمتخلّف ولا يتعدّى الحكم إلى غير اليدين ممّـا له يمين ويسار كالعينين والاذنين وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع اليقين وهو الأخذ بالمماثل ، وكذا ما ينقسم إلى أعلى وأسفل كالجفنين والشفتين لا يؤخذ الأعلى بالأسفل ولا بالعكس.
وفي إيضاح الفوائد (4 : 634) الرابع : التساوي في المحلّ ويقطع اليمنى بمثلها وكذا اليسرى والإبهام بمثلها لا بالسبّابة وغيرها ، وكذا باقي الأصابع ولو لم يكن له يمين قطعت يسراه فإن لم يكن له يسار أيضاً قطعت رجله اليمنى فإن فقدت فاليسرى ، وكذا لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه ورجلاه الأوّل فالأوّل ، فإن بقي أحد أخذ الدية ، وكذا لو فقدت يداه ورجلاه ، ولو قطع يميناً فبذل شمالا فقطعها المجني عليه جاهلا قيل : سقط القصاص ـ (قيل) إشارة إلى قول الشيخ في المبسوط فإنّه قال : إذا وجب القصاص في يمين رجل فقال المجني عليه : أخرج يمينك أقتصّها فأخرج يساره فقطعها المجني عليه فهل عليه القود والضمان بقطع يساره نظرت إلى قوله فالذي يقتضيه مذهبنا أ نّه يسقط عنه القود لأ نّا قد بيّنا فيما تقدّم أنّ اليسار يقطع باليمين إذا لم يكن له يمين ثمّ قال : وما ذكروه قوي يعني سقوط القود حكاه عن المخالفين ، والمصنّف قال : يحتمل القصاص في اليمين لأ نّه استحقّ قطع اليمين واليسرى إنّما قطعها حيث أنّ الجاني غرّه فهو متلف ليسراه فلا يسقط حقّ المجني عليه بها ـ ويحتمل بقائه فيقطع اليمنى بعد الاندمال حذراً من توالي القطعين ثمّ المقتصّ منه إن سمع الأمر بإخراج اليمنى فأخرج اليسرى مع علمه بعدم إجزائها فلا دية له ، وإلاّ فله الدية ولو قطعها المجني عليه عالماً بأ نّها اليسرى قيل يسقط القطع لأ نّه ببذلها للقطع كان مبيحاً فصار شبهة ... وللبحث صلة ...
وفي كتب العامّة : جاء في (الفقه على المذاهب الأربعة 5 : 356) : وإذا قطع بعد الجناية عضو رجل قاطع لعضو غيره عمداً وسقط بآفة سماوية أو قطع عضوه بسبب سرقة أو قطع بقصاص لغير المجني عليه أو لا ، فلا شيء للمجني عليه ، لا قصاص ولا دية ، لأ نّه إنّما تعلّق حقّه بالعضو المماثل وقد ذهب ، وكذا لو مات القاطع فلا شيء على الورثة . بخلاف مقطوع العضو قبل حدوث الجناية فتجب عليه الدية ، وفي القصاص يجوز أن يؤخذ من الجاني عضو قوي بعضو ضعيف جنى عليه ... وللبحث صلة فراجع.
[35]الوسائل 19 : 134 ، باب 15 ، الحديث 1 ـ محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد ، عن محمّد بن قيس ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أعور فقأ عين صحيح ؟ فقال : تفقأ عينه ، قال : قلت : يبقى أعمى ؟ قال : الحقّ أعماه.
وعن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن أبان عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) نحوه.
محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد مثله.
وبإسناده عن عليّ بن إبراهيم ، وذكر الذي قبله.
[36]تحرير الوسيلة 2 : 541 ، مسألة 6 : يعتبر التساوي في المحلّ مع وجوده ، فتقطع اليمين باليمين واليسار باليسار ، ولو لم يكن له يمين وقطع اليمين قطعت يساره ، ولو لم يكن له يد أصلا قطعت رجله على رواية معمول بها ، ولا بأس به . وهل تقدّم الرجل اليمنى في قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى في اليد اليسرى أو هما سواء ؟ وجهان : ولو قطع اليسرى ولم يكن له اليسرى فالظاهر قطع اليمنى على إشكال ، ومع عدمهما قطع الرجل ، ولو قطع الرجل من لا رجل له فهل يقطع يده بدل الرجل ؟ فيه وجه لا يخلو من إشكال ، والتعدّي إلى مطلق الأعضاء كالعين والاُذن والحاجب وغيرها مشكل ، وإن لا يخلو من وجه سيّما اليسرى من كلّ باليمنى.
[37]هذا المعنى لم يذكره سيّدنا الاُستاذ.
[38]الوسائل 19 : 131 ، باب 12 من أبواب قصاص الطرف ، الحديث 2 ـ وعن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن حبيب السجستاني قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين ، قال : فقال : يا حبيب تقطع يمينه للذي قطع يمينه أوّلا ، وتقطع يساره للرجل الذي قطع يمينه أخيراً لأ نّه إنّما قطع يد الرجل الأخير ، ويمينه قصاص للرجل الأوّل ، قال : فقلت : إنّ عليّاً (عليه السلام) إنّما كان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، فقال : إنّه كان يفعل ذلك فيما يجب من حقوق الله ، فأمّا يا حبيب حقوق المسلمين فإنّه تؤخذ لهم حقوقهم في القصاص اليد بايد إذا كانت للقاطع يد ] يدان [ والرجل باليد إذا لم يكن للقاطع يد ، فقلت له : أوَ ما تجب عليه الدية وتترك له رجله ؟ فقال : إنّما تجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان ، فثمّ تجب عليه الدية لأ نّه ليس له جارحة يقاصّ منها.
ورواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن محبوب.
ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب.
[39]جاء في الجواهر 42 : 352 ، بعد نقل رواية حبيب قال : وهي معلومة الصحّة إلى حبيب وهو ففي المسالك لا نصّ على توثيقه ، قال : (وحينئذ فإطلاق جماعة من الأصحاب صحّة الرواية مدخول أو محمول على الصحّة الإضافيّة ، كما تقدّم في نظائره ، وهذا هو السرّ في نسبة المصنّف الحكم إلى الرواية من غير ترجيح).
قلت : قد يقال بكفاية شهادة وصفها بالصحّة في المختلف والإيضاح والمهذّب البارع والتنقيح ، بل في الروضة نسبة وصفها بذلك إلى الأصحاب ، على أنّ المذكور في ترجمته أ نّه كان شارياً ـ أي من الخوارج ـ ورجع إلى الباقر والصادق (عليهما السلام) وانقطع إليهما ، بل عن صاحب البلغة الحكم بكونه ممدوحاً بل عن الفاضل المتبحّر وحيد عصره ـ وخصوصاً في الحديث والرجال ـ الآغا محمّد باقر عن جدّه أ نّه حكم بأ نّه ثقة.
كلّ ذلك مضافاً إلى انجباره بما عرفت ، بل لم نعثر على رادّ له غير الحلّي وثاني الشهيدين في بعض المواضع من بعض كتبه على أصليهما الفاسدين والفخر في خصوص قطع الرجل باليد.
بل وإلى تأييده بما قيل من أ نّه استيفاء لمساوي الحقّ مع تعذّر اليمين كالتقيّة في المتلفات والدية مع تعذّر القصاص ، والمساواة الحقيقيّة لو اعتبرت لما جاز التخطّي من اليد اليمنى إلى اليد اليسرى كما لا يجوز لو كانت الجناية واحدة ـ انتهى كلامه ـ .
وفي نتائج التنقيح 1 : 3 ، باب الحاء ، يقول المحقّق المامقاني (قدس سره) عن حبيب : حسن إن اتّحد مع من مرّ ، وإلاّ فمجهول ، وراجع ترجمته إلى التنقيح 1 : 252 ، وقال المصنّف : وعلى كلّ حال فالأقرب كون الرجل من الحسان لانقطاعه إليهما (عليهما السلام) والتأمّل في كونه كافياً في مدحه لا وجه له.
[40]أشار إلى هذا المعنى صاحب الجواهر (قدس سره) (42 : 352) فقال : وإن كان قد يناقش بأ نّه لو كفت المساواة ديةً ، لجاز قلع العين إذا فقدت اليدان والرجلان ، وقياس الرجل على اليد التي يمكن دعوى حصول المقاصّة فيها باعتبار الصدق ـ ومن هنا حكي عليه الإجماع في المسالك ومحكيّ المهذّب البارع والمقتصر ، ونفي فيه الخلاف في التنقيح والرياض ـ لا وجه له ، لكن العمدة ما عرفت.
[41]الجواهر (42 : 353) : (و) على كلّ حال فـ (ـكذا) الكلام في ما (لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه ورجلاه بالأوّل فالأوّل ، وكان لمن يبقى الدية) كما لو جنى فاقد اليدين والرجلين ، ضرورة اتّحاد المدرك في المسألتين ، وقد تقدّم الكلام في هذه سابقاً فلاحظ وتأمّل وتدبّر ، والله سبحانه العالم.
وفي تكملة المنهاج 2 : 156 ، مسألة 156 : لو قطع أيدي جماعة على التعاقب ، كان حكمه في الاقتصاص وأخذ الدية حكم من قتل جماعة على التعاقب على تفصيل تقدّم في قصاص النفس ـ فإنّ الملاك في كلتا المسألتين واحد ـ .
مسألة 166 : لو قطع اثنان يد واحد ، جاز له الاقتصاص بعد ردّ دية يد واحدة إليهما ، وإذا اقتصّ من أحدهما ، ردّ الآخر نصف دية اليد إلى المقتصّ منه ، كما أنّ له مطالبة الدية منهما من الأوّل ـ تدلّ على ذلك مضافاً إلى ما ذكرناه في اشتراك اثنين في قتل واحد ـ صحيحة أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر (عليه السلام) ...
وفي تحرير الوسيلة 2 : 541 ، مسألة 7 ـ لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه ورجلاه بالأوّل فالأوّل ، وعليه للباقين الدية ، ولو قطع فاقد اليدين والرجلين يد شخص أو رجله فعليه الدية.
وفي كشف اللثام (2 : 471) : وكذا لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه ورجلاه الأوّل فالأوّل ، فالأوّلان يقطعان يديه وإن خالفت أحدهما المقطوع من أحدهما ، والثانيان الرجلين ، فإن بقي خامس قطع يده أخذ الدية ، وكذا لو قطع يد رجل وفقدت يداه ورجلاه لم يكن إلاّ الدية والمستند صحيح حبيب السجستاني ... وصحّة الخبر إلى حبيب معلومة ، وبالنسبة إليه محتملة كما هو الظاهر من حكم جماعة بالصحّة وإن لم ينصّ في الرجال على توثيقه ... ووافق ابن إدريس على قطع اليسار باليمين إذا فقدت وأنكر قطع الرجل باليد للمخالفة وعدم الدليل ، وحكي قطعها بها رواية وهو أقوى.
وفي كتب العامّة : جاء في المهذّب في الفقه الشافعي (2 : 183) : (فصل) وإن قتل واحد جماعة أو قطع عضواً من جماعة لم تتداخل حقوقهم لأ نّها حقوق مقصودة للآدميين فلم تتداخل كالديون ، فإن قتل أو قطع واحداً بعد واحد اقتصّ منه للأوّل لأنّ له مزيّة بالسبق ، وإن سقط حقّ الأوّل بالعفو اقتصّ للثاني ، وإن سقط حقّ الثاني اقتصّ للثالث وعلى هذا ، وإذا اقتصّ منه لواحد بعينه تعيّن حقّ الباقين في الدية لأ نّه فاتهم القود بغير رضاهم ، فانتقل حقّهم إلى الدية كما لو مات القاتل أو زال طرفه ... وللبحث صلة فراجع.
[42]هذه التنبيهات (18 ـ 21) لم أذكرها تقريراً من سيّدنا الاُستاذ ، بل اقتباساً من (الجواهر 2 : 354 ـ 357) فلا تغفل.
وفي نهاية تكملة المنهاج 2 : 156 ، مسألة 167 : يثبت القصاص في الشجاج ، الشجّة بالشجّة ـ يدلّ على ذلك قوله تعالى : ( والجروح قصاص ) وعدّة من الروايات : منها : معتبرة إسحاق بن عمّـار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما كان من جراحات الجسد أنّ فيه القصاص أو يقبل المجروح دية الجراحة فيُعطاها ، ونحوها معتبرته الثانية.
ويعتبر فيه التساوي طولا وعرضاً ـ بلا خلاف ولا إشكال ، ويدلّ عليه ما دلّ على اعتبار المماثلة في القصاص ، وأمّا العمق فالعبرة فيه بحصول الاسم ـ الوجه في ذلك : هو أنّ الرؤوس تتفاوت بتفاوت الأشخاص في السمن والهزل ، فالعبرة إنّما هي بصدق عنوان الشجّة حتّى تتحقّق المماثلة وإن كانت في أحد الشخصين تستلزم عمقاً أكثر بالإضافة إلى الآخر.
وفي تحرير الوسيلة 2 : 541 ، مسألة 8 ـ يعتبر في الشجاج التساوي بالمساحة طولا وعرضاً ، قالوا : ولا يعتبر عمقاً ونزولا ، بل يعتبر حصول اسم الشجّة ، وفيه تأمّل وإشكال والوجه التساوي مع الإمكان ، ولو زاد من غير عمد فعليه الأرش ، ولو لم يمكن إلاّ بالنقص لا يبعد ثبوت الأرش في الزائد على تأمّل ، هذا في الجارحة والدامية والمتلاحمة ، وأمّا في السمحاق والموضحة فالظاهر عدم اعتبار التساوي في العمق ، فيقتصّ المهزول من السمين إلى تحقّق السمحاق والموضحة.
وفي جامع المدارك (7 : 273) : (ويعتبر التساوي في الشجاج مساحة طولا وعرضاً لا نزولا ، بل يراعى حصول اسم الشجّة) أمّا التساوي في أصل الشجاج فاستدلّ عليه بقوله تعالى : ( والجروح قصاص ) وعدّة من الروايات منها معتبرة إسحاق بن عمّـار عن أبي عبد الله (عليه السلام) ... فالشجّة بالشجّة ، فوقوع الجراحة بغير الشجّة ليس قصاصاً . وأمّا التساوي في خصوص العرض والطول دون العمق ، فوجّه بأنّ الرؤوس تتفاوت بتفاوت الأشخاص في السمن والهزال ، فالعبرة إنّما هي بصدق عنوان الشجّة حتّى تتحقّق المماثلة ، وإن كانت في أحد الشخصين تستلزم عمقاً أكثر بالإضافة إلى الآخر.
ويمكن أن يقال : مقتضى قوله تعال : ( فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) المماثلة في العمق أيضاً والوجه المذكور في قباله ، والوجه المذكور لا يوجب رفع اليد عنه.
وفي رياض المسائل (2 : 525) : (ويعتبر التساوي في الشجاج) أي الجرح والشقّ (بالمساحة طولا وعرضاً) اتّفاقاً على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر ، قيل لإشعار لفظ القصاص به ، وللاعتبار ، فلا يقابل ضيقة بواسعة ، ولا يقنع بضيقة عن واسعة ، بل يستوفي بقدر الشجّة في البعدين (ولا نزولا) وعمقاً بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر وهو الحجّة المؤيّدة بما قيل من ندرة التساوي فيه سيّما مع اختلاف الرؤوس في السمن والضعف ، وغلظ الجلد ودقّته ، ولكن في صلوحه حجّة مستقلّة نظر ، لما قيل من أنّ ذلك ليس بموجب إذ يؤتى بما يمكن ويسقط الباقي ويؤخذ أرش الزائد كما ذكروه فى المساحة طولا ، من أ نّه يلزم اعتبار التساوي فيها ولو استلزم استيعاب رأس الجاني لصغره دون المجني عليه وبالعكس ولا يكمل الزائد عنه من القفاء ولا من الجبهة لخروجهما عن محلّ الاستيفاء ، بل يقتصر على ما يحتمل العضو ويؤخذ للزائد ويؤخذ بنسبة المتخلّف إلى أصل المجروح في الدية فيستوفي بقدر ما يحتمله الرأس من الشجّة ، وينسب الباقي إلى الجميع ويؤخذ للفايت بنسبته ، فإن كان الباقي ثلثاً فهو ثلث دية تلك الشجّة وهكذا ، ومثل ذلك جار في ما نحن فيه لولا الإجماع على أ نّه لا يعتبر التساوي فيه (بل يراعى) فيه (حصول اسم الشجّة) المخصوصة التي حصلت بها الجناية من حارصة أو باضعة أو غيرهما ، حتّى لو كان عمق المتلاحمة مثلا نصف أنملة جاز في القصاص الزيادة عليه ما لم ينتهِ إلى ما فوقها فيمنع عنها حينئذ لاختلاف الاسم.
وفي اللمعة (10 : 79) : (ويثبت) القصاص (في الحارصة) ـ وهي الشجّة التي قشرت الجلد خاصّة من الشجاج جمع شجّة وهي الجرح المختصّ بالرأس والوجه ـ (والباضعة ـ وهي التي تقطع الجلد وتنفذ في اللحم ـ والسمحاق ـ وهي التي بلغت السمحاقة وهي الجلدة الرقيقة المغشية للعظم ـ والموضحة ـ وهي التي تكشف عن العظم أي يبلغ الجرح من البدن بحيث يظهر العظم الداخل ـ ) (ويراعى) في الاستبغاء (الشجّة) العادية (طولا وعرضاً) فيستوفى بقدرها في البعدين (ولا يعتبر قدر النزول مع صدق الاسم) أي اسم الشجّة المخصوصة من حارصة وباضعة وغيرها ، لتفاوت الأعضاء بالسمن والهزال ، ولا عب رة باستلزام مراعاة الطول والعرض استيعاب رأس الجاني لصغره دون المجني عليه وبالعكس ، نعم لا يكمل الزائد عنه من القفا ولا من الجبهة ، لخروجهما عن موضع الاستيفاء ، بل يقتصر على ما يحتمله العضو ويؤخذ للزائد بنسبة المتخلّف إلى أصل الجرح من الدية ، فيستوفي بقدر ما يحتمله الرأس من الشجّة وينسب الباقي إلى الجميع ، ويؤخذ للفائت بنسبته ، فإن كان الباقي ثلثاً فله ثلث دية تلك الشجّة وهكذا.
وفي إيضاح الفوائد (4 : 648) الفصل الرابع في القصاص في الجراح : لا قصاص في الضرب الذي لا يجرح ، وإنّما يثبت في الجراح ، ويعتبر التساوي بالمساحة في الشجاج طولا وعرضاً لا عمقاً ، بل يراعى اسم الشجّة لاختلاف الأعضاء بالسمن والهزال ، ولا قصاص فيما فيه تعزير بالنفس كالمأمومة والجائفة والهاشمة والمنقلة وكسر العظام ، وإنّما يثبت في الخارصة والباضعة والسمحاق والموضحة وكلّ جرح لا تغرير فيه ، وسلامة النفس معه غالبة.
وفي السرائر (3 : 408) بعد بيان أقسام الجراحات قال : والذي اخترناه نحن هو الظاهر وتعضده الأدلّة وجميع الظواهر تشهد بصحّته . ثمّ قال في نهايته : والقصاص ثابت في جميع هذه الجراح إلاّ في المأمومة خاصّة لأنّ فيها تغريراً بالنفس ، فليس فيها أكثر من ديتها ، إلاّ أ نّه رجع في مسائل خلافه ومبسوطه إلى ما اخترناه وهو الأصحّ ، لأنّ تعليله في نهايته لازم له في الهاشمة والمنقلة . وما كان في الرأس والوجه يسمّى شجاجاً ، وما كان منه في البدن يسمّى جراحاً ، وهذه الشجاج والجراح في الوجه والرأس سواء في الدية والقصاص ، فأمّا إذا كانت في البدن ففيها بحساب ذلك من الرأس منسوباً إلى العضو التي هي فيه ، إلاّ الجايفة فإنّ فيها مقدّراً في الجوف وهو ثلث الدية ... فعلى ما حرّرناه الجراحات عشرة . وللبحث صلة ، فراجع.
وفي المبسوط (7 : 75) : قد ذكرنا في الخلاف الشجاج وأنّ الذي يقتصّ منها الموضحة فحسب وحدها وما عداها فيه الدية أو الحكومة على الخلاف فيها ، والكلام في كيفيّة القصاص وجملته أ نّا نعتبر في القصاص المماثلة ، وينظر إلى طول الشجّة وعرضها لأنّ عرضها يختلف باختلاف الحديدة فإن كانت الحديدة غليظة كانت الشجّة عريضة ، وإن كانت دقيقة كانت الشجّة دقيقة ، فاعتبرنا مساحة طولها وعرضها فأمّا الأطراف فلا يعتبر فيها الكبر والصغر ، بل يؤخذ اليد الغليظة بالدقيقة ، والسمينة بالهزيلة ، ولا نعتبر المساحة لما تقدّم . وإنّما نعتبر الاستواء في السلامة مع التكافي في الحرّية ، قال الله تعالى : ( وكتبنا عليهم فيها أنّ النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والاذن بالاذن والسنّ بالسنّ ) فاعتبر الاسم فقط فلهذا راعيناه ، وليس كذلك الشجاج لأ نّا إذا اعتبرنا المساحة طولا وعرضاً لم يسقط القصاص . فأمّا عمق الشجّة فلا نراعيه وإنّما نراعي إيضاح العظم فقط ، لأنّا لو اعتبرنا العمق لم يمكن أخذ القصاص ، فإنّ أحد الرأسين قد يكون أغلظ من الآخر وأسمن وأكثر لحماً منه ، فلا يمكن اعتبار المماثلة ، فالعمق في الشجّة كالمساحة في الأطراف والمساحة في الشجاج كالاسم في الأطراف . فإذا ثبت ذلك فالقصاص يجوز من الموضحة قبل الاندمال عند قوم ، وقال قوم لا يجوز إلاّ بعد الاندمال وهو الأحوط عندنا لأ نّها ربما صارت نفساً . وأوّل ما يعمل أن يجعل على موضع الشجّة مقياساً من خيط أو خشبة ، فإذا عرف قدرها حلق مثل ذلك المكان بعينه من رأس الشاجّ ، ليكون أسهل على المقتصّ منه لأ نّه لو كان الشعر قائماً ربما جنا فأخذ أكثر من حقّه ، فإن لم يحلقه فقد ترك الاحتياط وكان جايزاً ، لأنّ استيفاء القصاص ممكن . فإذا حلق المكان جعل ذلك المقياس عليه وخطّ على الطرفين خطّاً بسواد أو حمرة حتّى لا يزيد على قدر حقّه ثمّ يضبط المقتصّ منه لئلاّ يتحرّك فيجني عليه أكثر من ذلك ، ويكون الزيادة هدراً ، لأ نّه هو الذي يجني على نفسه . فإذا ضبط وضع الحديد من عند العلامة وأوضحه إلى العلامة الثانية فإن قيل هذا سهل استوفاه دفعة واحدة ، وإن قيل هذا يشقّ عليه استوفا بعضها اليوم وبعضها غداً كما نقول في القصاص في الأطراف ، يؤخّر عن شدّة الحرّ والبرد إلى اعتدال الزمان . وللبحث صلة ، فراجع.
وفي المقنعة (الصفحة 716) : والقصاص في جميع الشجاج إلاّ المأمومة فإنّه لا قصاص فيها للخطر بذلك والتغرير بتلف النفس ولكن فيها الدية على ما ذكرناه . ولا قصاص في الجائفة ـ وهي الجراحة التي تصل إلى الجوف ـ وفيها الدية كدية المأمومة في الشجاج . انتهى كلامه رفع الله مقامه وأكرمنا بدعائه وأنفاسه القدسيّة وشفاعته.
وفي كتب العامّة : جاء في (الفقه على المذاهب الأربعة 5 : 350) : قالوا : ومن شجّ رجلا فاستوعبت الشجّة ما بين قرني الشاجّ ، فالمشجوج بالخيار ، إن شاء اقتصّ بمقدار شجّته ، يبتدئ من أيّ الجانبين شاء ، وإن شاء أخذ الأرش لأنّ الشجّة موجبة لكونها مشينة فقط ، فيزداد الشين بزيادتها ، وفي استيفائه ما بين قرني الشاجّ زيادة على ما فعل ، ولا يلحقه من الشين باستيفائه قدر حقّه ما يلحق المشجوج فينتقص فيخيّر ، كما في الشلاّء والصحيحة وفي عكسه يخيّر أيضاً ، لأ نّه يتعذّر الاستيفاء كاملا للتعدّي إلى غير حقّه ، وكذا إذا كانت الشجّة في طول الرأس وهي تأخذ من جبهته إلى قفاه ، ولا تبلغ إلى قفا الشاجّ فهو بالخيار لأنّ المعنى لا يختلف ... قالوا : ويجب القصاص في كلّ جرح انتهى ووصل إلى عظم من غير كسر وذلك مثل الموضحة في الوجه والرأس ، وهي التي تصل إلى العظم وتوضحه بعد خرق الجلد ، حيث أ نّه يتيسّر ضبطها واستيفاء مثلها من جسم الجاني وكذلك جرح العضد وجرح لحم الساق وجرح الفخذ ، فهذه الثلاثة يجب القصاص فيما ينتهي من الجرح إلى عظم وذلك لتيسير استيفائها ، وإن خالفت هذه الجروح في سائر البدن الموضحة في الوجه والرأس فإنّهما فيهما أرش مقدّر من الشارع بخمسة أبعرة ، وأمّا في غيرهما ففيهما حكومة عدل مثل غيرها من باقي الجروح ، أمّا العين العمياء والاُذن الصمّـاء واللسان الأخرس واليد المشلولة والرجل المشلولة والذكر المشلول والاُنثيان المخصيّان ففي كلّ هذه حكومة فقط.
وفي الصفحة 356 قال : ولا قصاص إن عظم الخطر في الجراحات التي في الجسد غير المنقلة واللآمة فإنّه لا قصاص فيها من غير قيد بعظم الخطر ، لأنّ شأنهما عظم الخطر ، فلا قصاص في كسر عظم الصدر وكسر عظم الصلب ورضّ الاُنثيين وفيهما العقل كاملا بعد البرء وذلك بخلاف ما إذا قطعهما أو جرحهما فإنّه يجب القصاص على الجاني لأ نّه ليس من المتالف . وإن جرحه جرحاً فيه القصاص كموضحة مثلا فذهب نمو بصره أو شقّت يده اقتصّ منه ، ويجب أن يفعل بالجاني بعد تمام برء المجني عليه مثل ما فعل من الجناية ، فإن حصل للجاني مثل الذاهب من المجني عليه أو زاد الذاهب من الجاني بأن ذهب بسبب الموضحة شيء آخر مع الذاهب بأن أوضح فذهب بصره وسمعه فلا كلام لذلك الجاني الذي اقتصّ منه ، لأ نّه ظالم يستحقّ القصاص بالوجه الذي فعل به ، والزيادة أمر من الله تعالى ...
وفي الصفحة 358 قال : مبحث في الشجاج : اتّفق الأئمة الأربعة (رض) على أنّ الشجاج في اللغة والفقه عشرة أوّلها : الخارصة وهي التي شقّت الجلد ولا تخرج الدم . ثانيها : الدامعة : وهي التي تظهر الدم ولا تسيله كدمع العين . ثالثها : الدامية : وهي التي تسيل الدم بأن تضعف الجلد بلا شقّ له حتّى يرشح الدم . رابعها : الباضعة : وهي التي تبضع الجلد وتقطعه أي تشقّه . خامسها : المتلاحمة : وهي ما غاصت في اللحم في عدّة مواضع منه ولم تقرب للعظم . سادسها : السمحاق : وهي التي تصل إلى السمحاق وهي جلدة رقيقة بين اللحم وعظم الرأس وتسمّى (الملطاه) . سابعها : الموضحة : وهي التي توضح العظم وتبينه أي تكشفه . ثامنها : الهاشمة : وهي التي تهشم العظم وتكسره . تاسعها : المنقلة : وهي التي تنقل العظم بعد الكسر وتحوّله . عاشرها : الآمة : وهي التي تصل إلى اُمّ الرأس وهو الذي فيه الدماغ وتسمّى (المأمومة) . فقد علم بالاستقراء بحسب الآثار أنّ الشجاج لا تزيد على ما ذكر من هذه العشر . أمّا ما بعدها وهي ـ الدامغة : وهي التي تخرج الدماغ من موضعه فإنّ النفس لا تبقى بعدها عادة ، فيكون ذلك قتلا لا شجّاً وهي مرتّبة على الحقيقة اللغوية في الصحيح . اتّفق الفقهاء على وجوب القصاص في الموضحة إن كانت عمداً ، لما روي عن النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم أ نّه قضى بالقصاص في الموضحة ، ولأ نّه يمكن أن ينتهي السكّين إلى العظم فيتساويان فيتحقّق القصاص ، ولا يشترط فيها ما له بال واتّساع ، بل يثبت القصاص فيها وإن كان الشجّ ضيّقاً ولو قدر مغرز إبرة . وللبحث تفصيل وصلة ، فراجع.
وفي سنن البيهقي (8 : 64) باب ما لا قصاص فيه ... عن عطاء أنّ عمر بن الخطّاب قال لا أقيد في العظام ... قال إسماعيل في حديثه : وكانوا يقولون القود بين الناس من كلّ كسر أو جرح إلاّ أ نّه لا قود في مأمومة ولا جائفة ولا متلف كائناً ما كان ... لا قصاص فيما دون الموضحة من الجراحات ... وفي الباب روايات اُخرى ، فراجع.
وفي المهذّب في الفقه الشافعي (2 : 178) (فصل) وإن كانت الجناية موضحة وجب القصاص بقدرها طولا وعرضاً لقوله تعالى : ( والجروح قصاص ) والقصاص هو المماثلة ، ولا تمكن المماثلة في الموضحة إلاّ بالمساحة في الطول والعرض فإن كانت في الرأس حلق موضعها من رأس الجاني ، وعلم على القدر المستحقّ بسواد أو غيره ، ويقتصّ منها ، فإن كانت الموضحة في مقدّم الرأس أو في مؤخّره أو في قزعته وأمكن أن يستوفى قدرها في موضعها من رأس الجاني لم يستوفِ في غيرها ، وإن كان قدرها يزيد على رأس الجاني لم يجز أن ينزل إلى الوجه والقفا لأ نّه قصاص في غير العضو الذي جنى عليه ، ويجب فيما بقي الأرش لأ نّه تعذّر فيه القصاص فوجب البدل ، فإن أوضح جميع رأسه ورأس الجاني أكبر فللمجني عليه أن يبتدئ بالقصاص من أيّ جانب شاء من رأس الجاني لأنّ الجميع محلّ للجناية . وإن أراد أن يستوفي بعض حقّه من مقدّم الرأس وبعضه من مؤخّره فقد قال بعض أصحابنا إنّه لا يجوز لأ نّه يأخذ موضحتين بموضحة . قال الشيخ الإمام : ويحتمل عندي أ نّه يجوز لأ نّه لا يجاوز موضع الجناية ولا قدرها ، إلاّ أنّ يقول أهل الخبرة أنّ في ذلك زيادة ضرر أو زيادة شيء فيمنع لذلك ، وإن كانت الموضحة في غير الوجه والرأس وقلنا بالمنصوص أ نّه يجب فيه القصاص اقتصّ فيها على ما ذكرناه في الرأس . وللبحث صلة ، فراجع.
وفي الفقه الإسلامي وأدلّته (6 : 350) المطلب الثالث ـ عقوبة الشجاج : أمّا أن يجب القصاص في الشجّة وإمّا أن يجب الأرش ، والأرش إمّا مقدّر أو غير مقدّر وفي كلّ من الشجاج والجراح إمّا أرش مقدّر أو غير مقدّر . أوّلا : ما يجب فيه أرش مقدّر : عقوبة الشجّة : هي الأرش والأرش نوعان كما بيّنا : مقدّر وغير مقدّر . والأرش المقدّر هو ما حدّد له الشرع مقداراً مالياً معلوماً ويجب في الأعضاء وفي الشجاج والجراح ففي الأعضاء أو الأطراف كما بيّنا إمّا أن تجب الدية كاملة بتفويت جنس المنفعة كقطع اليدين والرجلين أو فقء العينين وقطع الاُذنين وقد يجب الأرش بتفويت بعض منفعة الجنس فيكون الأرش نصف الدية كما في قطع يد أو رجل واحدة وقد يكون الأرش ربع الدية كما في الجفن الواحد أو الشعر أو هدب العين وقد يكون الأرش عشر الدية كما في قطع إحدى أصابع اليد أو الرجل وقد يكون نصف عشر الدية أي خمس من الإبل كما في السنّ أو الضرس فهذا كلّه هو الأرش المقدّر . ثانياً ـ ما يجب فيه حكومة عدل : الأرش غير المقدلار : هو حكومة العدل وهي ما لم يحدّد له الشرع مقداراً معلوماً وترك أمر تقديره للقاضي ، والقاعدة فيها : أنّ ما لا قصاص فيه من الجنايات على ما دون النفس وليس له أرش مقدّر : فيه الحكومة كإزالة الأشعار عند الشافعيّة وعند الحنفيّة ، ومثل كسر الضلع ، وكسر قصبة الأنف وكسر كلّ عظم من البدن سوى السنّ وكذا في ثدي الرجل وفي حلمة ثدييه ، وفي لسان الأخرس وذكر الخصي والعنين والعين القاتمة الذاهب نورها والسنّ السوداء واليد أو الرجل الشلاّء والذكر المقطوع الحشفة والكفّ المقطوع الأصابع والإصبع الزائدة وكسر الظفر وقلعه ولسان الطفل ما لم يتكلّم وفي ثدي المرأة المقطوعة الحلمة والأنف المقطوع الأرنبة والجفن الذي لا أشعار له . والشجاج : هي جراحات الرأس والوجه خاصّة وهي عند الحنفية إحدى عشرة شجّة : 1 ـ الحارصة ... 2 ـ الدامعة ... 3 ـ الدامية ... 4 ـ الباضعة ... 5 ـ المتلاحمة ... 6 ـ السمحاق ... 7 ـ الموضحة ... 8 ـ الهاشمة ... 9 ـ المنقلة ... 10 ـ الآمّة ... 11 ـ الدامغة ... والجمهور يرون الشجاج عشره . أمّا المالكية فيحذفون الثانية وهي الدامعة ويسمّون الاُولى دامية والثانية حارصة ... عقوبة الشجاج كما بيّنا : إمّا عقوبة أصليّة وهي القصاص إذا أمكن أو عقوبة بدلية وهي الأرش . القاعدة في القصاص في جنايات العمد : أ نّه كلّما أمكن وجب استيفاؤه وإذا لم يمكن وجب الأرش وعليه تعرف أحوال القصاص في الشجاج ، ففي كلّ شجّة يمكن فيها المماثلة : القصاص . لا خلاف في أنّ الموضحة فيها القصاص لعموم قوله سبحانه : ( والجروح قصاص ) إلاّ ما خصّ بدليل ولأ نّه يمكن استيفاء القصاص فيها على سبيل المماثلة لأنّ لها حدّاً تنتهي إليه السكّين وهو العظم . ويعتبر قدر الموضحة بالمساحة طولا وعرضاً في قصاصها ، لا بحجم الرأس كبراً وصغراً لأنّ الرأسين قد يختلفان في ذلك . ولا خلاف في أ نّه لا قصاص فيما بعد أو فوق الموضحة لتعذّر استيفاء القصاص فيها على وجه المماثلة أو المساواة . وأمّا ما دون الموضحة ففيها خلاف : 1 ـ قال المالكيّة وهو الأصحّ وظاهر الرواية عند الحنفيّة : فيها القصاص سواء أكانت في الرأس أم في الخدّ لإمكان المساواة بأن يسبر غورها بمسبار ، ثمّ يتّخذ حديدة بقدره ، فيقطع . واستثنى في الشرنبلالىّ السمحاق فلا يقاد إجماعاً . 2 ـ وقال الشافعية والحنابلة : لا قصاص فيما دون الموضحة لعدم إمكان تحقيق الجراحات وعلى هذا فلا قصاص في الشجاج في هذين المذهبين سوى الموضحة.
[43]في تكملة المنهاج 2 : 157 ، مسألة 168 : يثبت القصاص في الجروح فيما إذا كان مضبوطاً بأن كان القصاص بمقدار الجرح ، وأمّا إذا كان غير مضبوط وموجباً لتعريض النفس على الهلاك أو زيادة في الجرح أو تلف العضو ، كالجائفة والمأمومة والهاشمة والمنقلة ونحو ذلك لم يجز ـ بلا خلاف ولا إشكال بل ادّعي عليه الإجماع بقسميه ، وذلك لأ نّه يعتبر في القصاص في الجروح أن لا يوجب تعريض النفس للهلاك ، ولا إتلاف العضو الآخر بالسراية ، بل يعتبر فيه أن لا يكون أكثر من جرح الجاني وإن لم يكن فيه تغرير أو إتلاف عضو ، فلا يجوز للمجني عليه أن يقتصّ من الجاني أزيد من الجناية الواقعة عليه من قبله ، وتدلّ على ذلك الآية الكريمة ( فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) بل يمكن استفادة ذلك من نفس مفهوم القصاص الوارد في الكتاب والسنّة ، وتؤيّد ذلك مقطوعة أبان ... ونحوها مقطوعة أبي حمزة ومعتبرة إسحاق بن عمّـار ... وأمّا ما في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن السنّ والذراع يكسران عمداً لهما أرش أو قود ؟ فقال : قود ، فلا بدّ من حملها على ما لا يرجى صلاحه ، وإلاّ فيرد علمها إلى أهله.
وينتقل الأمر فيها إلى الدية الثابتة بأصل الشرع أو بالحكومة ـ لأنّ حقّ أمرئ مسلم لا يذهب هدراً ـ فإذا لم يمكن الاقتصاص من الجاني من ناحية عدم الانضباط لزمته الدية ، غاية الأمر أنّ الجناية إذا كانت ممّـا فيه الدية في أصل الشرع فهي ثابتة عليه ، وإلاّ ثبتت بالحكومة ...
بقي هنا شيء وهو أ نّه في الموارد التي لا ينضبط الجرح ، هل للمجني عليه الاقتصار في الاقتصاص من الجاني على الأقلّ ومطالبته بالأرش الزائد ؟ فيه قولان ، فقد اختار المحقّق في الشرائع صريحاً في الديات القول الأوّل . وعن الشيخ في المبسوط ، والفاضل في القواعد والتحرير مثل ذلك ، ولا يبعد هذا القول ، وذلك لأنّ العمومات قد دلّت على القصاص في الجروح وإنّما منعنا عن ذلك عدم إمكان القصاص فيما لا يكون مضبوطاً ، وهذا لا يقتضي عدم جواز القصاص بأقلّ من الجناية ، وبما أنّ الجناية لا تذهب هدراً ، فللمجني عليه بعد الاقتصاص مطالبة الأرش بالإضافة إلى الزيادة.
إذن فالمجني عليه يكون مخيّراً بين ترك القصاص والمطالبة بالدية ، وبين الاقتصاص بالأقلّ ومطالبة الدية بالإضافة إلى الزائد.
وفي تحرير الوسيلة 2 : 542 ، مسألة 9 ـ لا يثبت القصاص فيما فيه تغرير بنفس أو طرف ، وكذا فيما لا يمكن الاستيفاء بلا زيادة ونقيصة كالجائفة والمأمومة ، ويثبت في كلّ جرح لا تغرير في أخذه بالنفس وبالطرف وكانت السلامة معه غالبة ، فيثبت في الحارصة والمتلاحمة والسمحاق والموضحة ، ولا يثبت في الهاشمة ولا المنقلة ولا لكسر شيء من العظام ، وفي رواية صحيحة إثبات القود في السنّ والذراع إذا كسرا عمداً ، والعامل بها قليل.
وفي جامع المدارك (7 : 273) : (ويثبت القصاص فيما لا تغرير فيه كالحارصة والموضحة ، ويسقط فيما فيه التغرير كالهاشمة والمنقلة والمأمومة والجائفة وكسر العظام ـ الأعضاء ـ) . وأمّا سقوط القصاص فيما فيه التغرير فادّعى عليه الإجماع ورجّح بأ نّه يعتبر في القصاص في الجروح أن لا يوجب تعريض النفس للهلاك ولا إتلاف العضو الآخر بالسراية ، بل يعتبر فيه أن لا يكون أكثر من جرح الجاني ، وإن لم يكن فيه تغرير أو إتلاف عضو ، وتدلّ على ذلك الآية الكريمة ( فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )وتؤيّد ذلك مقطوعة أبان « الجائفة ما وقعت في الجوف ليس لصاحبها قصاص إلاّ الحكومة ، والمنقلة تنقل منها العظام وليس فيها قصاص إلاّ الحكومة » ولقائل أن يقول : في كثير من موارد الحدود والتعزيرات المعرّضية للهلاك والسراية متحقّقة ، ولم يظهر وجه لعدم التعرّض لما ذكر.
وفي رياض المسائل (2 : 525) : (ويثبت القصاص فيما لا تعزير فيه) بالنفس أو الطرف ولا يتعذّر فيه استيفاء المثل (كالخارصة) والباضعة والسمحاقة (والموضحة) وسيأتي تفسيرها مع ما بعدها وكذا كلّ جرح يمكن استيفائه المثل فيه من دون تغرير بأحدهما (ويسقط فيما فيها التغرير) أو يتعذّر أن يكون المثل فيه مستوفى (كالهاشمة والمنقّلة والمأمومة والجائفة وكسر الأعضاء) ولا خلاف في شيء من ذلك أجده إلاّ فيما سيأتي إليه الإشارة والحجّة يعدّه العموم فيما ليس فيه تغرير والأصل مع لزوم صيانة النفس أو الطرف المحترمين عن التلف واعتبار المماثلة في غيره ، ولو قيل فيه بجواز الاقتصار على ما دون الجناية من الشجّة التي لا تغرير فيها ، وأخذ التفاوت بينها وبين ما استوفاه فيقتصّ من الهاشمة بالموضحة ويؤخذ لهشم ما بين ديتها ، وعلى هذا القياس كان وجهاً ، ولكن ظاهر الأصحاب على الظاهر المصرّح به في المسالك الاقتصار على الدية مطلقاً ويشهد لهم النصوص منها (الجائفة ما وقعت في الجوف ليس لصاحبها قصاص إلاّ الحكومة والمنقلة ينتقل منها العظام وليس فيها قصاص إلاّ الحكومة وفي المأمومة ثلث الدية ليس فيها قصاص إلاّ الحكومة) ومنها (في الموضحة خمس من الإبل والسمحاق دون الموضحة أربع من الإبل وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل ... لكنّها مع قصور السند، الخبران الأوّلان منها مقطوعان لم يسند إلى إمام ، والأخير منها معارض بالصحيح عن السنّ والذراع يكسران عمداً ألهما أرش أو قود ؟ فقال : قود ، قلت : فإن أضعفوا الدية قال إن أرضوه بما شاء فهو له ، وظاهر الشيخين العمل به مقيّداً بما إذا كان المكسور شيئاً لا يرجى صلاحه ... واعلم أنّ عدا الهاشمة وما بعدها ممّـا لا قصاص فيه للتغرير أو غيره هو المشهور بين الأصحاب ، خلافاً للنهاية والمقنعة والديلمي فلم يعدّوا منه ما عدا المأمومة والجائفة ، بل صرّحوا بثبوت القصاص في الجراح مطلقاً عداهما معلّلين نفي القصاص فيهما ، بأنّ فيه تغريراً بالنفس ، وهذا التعليل كما ترى لا يختصّ بهما بل جاء في نحو الهاشمة والمنقلة ، ولذا اعترض الحلّي على الشيخ في النهاية فقال بعد نقل كلامه فيها إلاّ أ نّه رجع في مسائل خلافه ومبسوطه إلى ما اخترناه وهو الأصحّ لأنّ تعليله في نهايته لازم له في الهاشمة والمنقلة ولنعم ما ذكره ، ولذا اعتذر في المختلف عن الشيخين فقال : كأ نّهما لم يصرّحا بثبوت القصاص في الهاشمة والمنقلة بل تبعهم القصاص فى الجراح والهشم والنقل كأ نّهما خارجان عن الجراح ، وعليه فيرتفع الخلاف لكن عن ابن حمزة التصريح بثبوت القصاص في الهاشمة والمنقلة وهو ضعيف في الغاية.
وفي المسالك (2 : 483) : (ولا يثبت القصاص فيما فيه تغريراً) لمّـا كان الغرض من القصاص في الأطراف استيفاء الحقّ مع بقاء النفس لبقائها في المجني عليه ، اعتبر فيه أن لا يكون فيه تغرير في النفس ، ويمكن استيفاء المثل ، فلا يثبت في الجائفة المعنى الأوّل ولا في كسر العظام للمعنيين معاً ، بل الثاني أظهر لأنّ كسر مطلق العظم لا تغرير فيه ، لكن لا وثوق فيه باستيفاء المثل ، وظاهر الأصحاب الاقتصار فيما يمتنع فيه القصاص على الدية مطلقاً ، وجوّز بعضهم الاقتصار على ما دون الجناية من الشجّة التي لا تغرير فيها وأخذ التفاوت بينها وبين ما استوفاه ، وإذا أوضح رأسه مع الهشم له أن يقتصّ في الموضحة ، ويأخذ للهشم ما بين دية الموضحة والهاشمة وهو خمس من الإبل ولو أوضح ونقل فللمجني عليه أن يقتصّ في الموضحة ويأخذ ما بين أرش الموضحة والمنقلة وهو عشر من الإبل ، والمذهب هو الأوّل لأنّ الاستيفاء على هذا الوجه ليس مماثلا.
[44]الوسائل 19 : 135 ، باب 16 من أبواب قصاص الطرف ، الحديث 2 ـ محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسن بن عليّ بن فضّال عن ظريف عن أبي حمزة : وفي الجائفة ما وقعت في الجوف ليس فيها قصاص إلاّ الحكومة.
[45]وفي اللمعة (10 : 80) : (ولا يثبت) القصاص (في الهاشمة ـ وهي الشجّة التي كسرت العظام ـ ) للعظم (والمنقلة ـ وهي التي نقلت العظام من مكان إلى آخر ـ ) له (ولا في كسر العظام لتحقّق التعزير) بنفس المقتصّ منه ، أو لعدم إمكان استيفاء نحو الهاشمة والمنقلة من غير زيادة ولا نقصان.
وفي الوسيلة (الصفحة 444) : وأمّا الرأس ففي بعض شجاجه الأرش دون القصاص وفي البعض القصاص أو الأرش وهي ثمانية : أوّلها الحارصة ثمّ الباضعة ثمّ المتلاحمة ثمّ السمحاق ثمّ الموضحة ثمّ الهاشمة ثمّ المنقلة ثمّ المأمومة . فالحارصة : الدامية وهي التي تشقّ الجلد دون اللحم وفيها القصاص أو الأرش وهو بعير ، والذكر والاُنثى فيه سواء . والباضعة هي التي تقطع اللحم وفيها القصاص أو الدية بعيران ، والمتلاحمة : هي التي تنفذ في اللحم وفيها القصاص أو الأرش ثلاثة أبعرة ، والسمحاق : ما يبلغ القشرة بين العظم واللحم وفيه القصاص أو الدية أربعة أبعرة ، والموضحة : ما يوضح العظم وفيها الدية خمسة أبعرة أو القصاص إذا كان عمداً وإن كان خطأً فالدية على العاقلة ، وإن كان عمداً الخطأ فالدية في مال الجاني ولا قصاص فيهما ، وإن سرى إلى ما فوقه ضمن . والهاشمة : ما يهشم العظم ولا يحتاج إلى النقل وفيها القصاص إن كان عمداً أو الدية وهي عشرة أبعرة ، وحكم الخطأ وعمده فيها وفيما ذكرنا في الموضحة ، والمنقلة : ما يكسر العظم ويخرج إلى النقل من موضع إلى موضع وديتها خمسة عشر بعيراً وفي عمدها القصاص أو الدية ، والمأمومة : ما يبلغ اُمّ الدماغ ويقال لها : الدامغة أيضاً وفيها الدية دون القصاص وديتها على الثلث من دية النفس مغلظة في العمد ، ومخفّفة في الخطأ وبين بين في عمد الخطأ.
وفي المبسوط (7 : 82) : القصاص في الموضحة : إذا شجّه موضحة ففيها القصاص والشعر النابت في محلّها لا قصاص فيه ، لأ نّه تبع الموضحة ، والشعر الذي حول الموضحة فإن نبت بحاله فلا كلام ، وإن لم ينبت ففيه الحكومة ولا قصاص فيها.
وفي كتب العامّة : جاء في المغني (9 : 419) : (مسألة) (قال : وليس في المأمومة ولا في الجائفة قصاص) المأمومة شجاج الرأس وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ وتسمّى تلك الجلدة اُمّ الدماغ لأ نّها تجمعه فالشجّة الواصلة إليها تسمّى مأمومة وآمّة لوصولها إلى اُمّ الدماغ ، والجائفة في البدن وهي التي تصل إلى الجوف وليس فيهما قصاص عند أحد من أهل العلم نعلمه إلاّ ما روي عن ابن الزبير أ نّه قصّ من المأمومة فأنكر الناس عليه ، وقالوا : ما سمعنا أحداً قصّ منها قبل ابن الزبير ، وممّن لم ير في ذلك قصاصاً مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، وروي عن عليّ (عليه السلام) رضي الله عنه : لا قصاص في المأمومة ، وقاله مكحول والزهري والشعبي وقال عطاء والنخعي لا قصاص في الجائفة . وروى ابن ماجه في سننه عن العباس بن عبد المطلب عن النبي (صلى الله عليه وآله) أ نّه قال : (لا قود في المأمومة ولا في الجائفة ولا في المنقلة) ولأ نّهما جرحان لا تؤمن الزيادة فيهما فلم يجب فيهما قصاص ككسر العظام . وليس في شيء من شجاج الرأس قصاص سوى الموضحة وسواء في ذلك ما دون الموضحة كالحارصة والبازلة والباضعة والمتلاحمة والسمحاق وما فوقها ، وهي الهاشمة والمنقلة والآمّة وبهذا قال الشافعي . فأمّا ما فوق الموضحة فلا نعلم أحداً أوجب فيها القصاص أمّا ما روي عن ابن الزبير أ نّه أقاد من المنقلة وليس بثابت عنه ، وممّن قال به عطاء وقتادة وابن شبرمة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي قال ابن المنذر لا أعلم أحداً خالف ذلك ، ولأ نّهما جراحتان لا تؤمن الزيادة فيهما أشبها المأمومة والجائفة ، وأمّا ما دون الموضحة فقد روي عن مالك وأصحاب الرأي أنّ القصاص يجب في الدامية والباضعة والسمحاق ، ولنا أ نّها جراحة لا تنتهي إلى عظم فلم يجب فيها قصاص كالمأمومة ، ولأ نّه لا يؤمن فيها الزيادة فأشبه كسر العظام . وبيان ذلك أ نّه إن اقتصّ من غير تقدير أفضى إلى أن يأخذ أكثر من حقّه ، وإن اعتبر مقدار العمق أفضى إلى أن يقتصّ من الباضعة والسمحاق موضحة ومن الناصفة سمحاق لأ نّه قد يكون لحم المشجوج كثيراً بحيث يكون عمق باضعته كموضحة الشاجّ أو سمحاقه ، ولأ نّنا لم نعتبر في الموضحة قدر عمقها فكذلك في غيرها وبهذا قال الحسن وأبو عبيد . وللبحث فصل وصلة ، فراجع.
وفي المهذّب في فقه الشافعي (2 : 178) : (فصل) وإن كانت الجناية هاشمة أو منقلة أو مأمومة فله أن يقتصّ في الموضحة لأ نّها داخلة في الجناية يمكن القصاص فيها ويأخذ الأرش في الباقي لأ نّه تعذّر فيه القصاص فانتقل إلى البدل.
وفي الفقه الإسلامي وأدلّته (6 : 355) المطلب الرابع ـ عقوبة الجراح : الجراح : ما كان في سائر البدن عدا الرأس والوجه : وهي نوعان : جائفة وغير جائفة . والجائفة : هي التي تصل إلى الجوف من الصدر أو البطن أو الظهر أو الجنبين أو ما بين الاُنثيين أو الدبر أو الحلق . ولا تكون الجائفة في اليدين والرجلين ولا في الرقبة لأ نّه لا يصل إلى الجوف . وغير الجائفة : هي التي لا تصل إلى الجوف كالرقبة أو اليد أو الرجل . وعقوبة الجراح : إمّا أصليّة أو بدليّة . العقوبة الأصلية في جراح العمد : القصاص . لا قصاص في الجائفة والمأمومة لأ نّه يخشى منهما الموت وإنّما فيهما الدية وفيما عدا الجائفة اختلف الفقهاء : 1 ـ فقال الحنفية : إنّه لا قصاص في شيء من الجراح إذا لم يمت المجروح سواء أكانت الجراحة جائفة أم غيرها ، لأ نّه لا يمكن استيفاء القصاص فيها على وجه المماثلة . فإن مات المجروح بسبب الجراحة وجب القصاص لأنّ الجراحة صارت بالسراية نفساً لهذا قالوا : (لا يقاد جرح إلاّ بعد برئه) . 2 ـ وقال المالكية : يجب القصاص في جراح العمد كلّما أمكن التماثل ولم يخش منه الموت لقوله تعالى : ( والجروح قصاص ) وذلك بأن يقيس أهل الطبّ والمعرفة طول الجرح وعرضه وعمقه ويشقّون مقداره في الجارح . 3 ـ وقال الشافعية والحنابلة : يقتصّ في كلّ جرح ينتهي إلى عظم كالموضحة في الوجه والرأس وجرح العضد والساعد والفخذ والساق والقدم ، لأ نّه يمكن استيفاؤه على سبيل المماثلة من غير حيف ولا زيادة لانتهائه إلى عظم لأنّ الله نصّ على القصاص في الجروح.
[46]الوسائل 19 : 140 ، باب 24 من أبواب قصاص الطرف ، الحديث 2 ـ أحمد بن محمّد ابن عيسى في نوادره عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : لا يمين في حدّ ، ولا قصاص في عظم.
أقول : وتقدّم ما يدلّ على المقصود في القصاص في النفس.
محمّد بن الحسن بإسناده عن الصفّار عن الحسن بن موسى عن غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمّـار عن جعفر أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : ليس في عظم قصاص.
[47]الوسائل 19 : 135 ، باب 16 من أبواب قصاص الطرف ، الحديث 1 ـ محمّد بن عليّ ابن الحسين بإسناده عن أبان أنّ في روايته : الجائفة ما وقعت في الجوف ليس لصاحبها قصاص إلاّ الحكومة ، والمنقلة تنقل منها العظام وليس فيها قصاص إلاّ الحكومة ، وفي المأمومة ثلث الدية ليس فيها قصاص إلاّ الحكومة.
2 ـ محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن ظريف عن أبي حمزة في الموضحة خمس من الإبل ، وفي السمحاق دون الموضحة أربع من الإبل ، وفي المنقلة خمس عشرة من الأبل عشر ونصف العشر) وفي الجائفة ما وقعت في الجوف ليس فيها قصاص إلاّ الحكومة ، والمنقلة تنقل منها العظام وليس فيها قصاص إلاّ الحكومة ، وفي المأمومة تقع ضربة في الرأس إن كان سيفاً فإنّها تقطع كلّ شيء وتقطع العظم فتؤمّ المضروب ، وربما ثقل لسانه ، وربما ثقل سمعه ، وربما اعتراه اختلاط ، فإن ضرب بعمود أو بعصا شديدة فإنّها تبلغ أشدّ من القطع يكسر منها القحف ، قحف الرأس.
[48]الجواهر 42 : 356.
[49]الجواهر (42 : 357) : (قال في المبسوط : لا لما لا يؤمن من السراية الموجبة لدخول الطرف فيها) فلم يعلم حينئذ قبل العلم بحالها أنّ حقّه القصاص في الطرف أو النفس ، وفي موثّق إسحاق أو حسنه عن جعفر (عليه السلام) : إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : لا يقضى في شيء من الجراحات حتّى تبرأ . (وقال في الخلاف بالجواز) لكن (مع استحباب الصبر وهو أشبه) باُصول المذهب وقواعده التي منها العمل بعموم قوله تعالى ( والجروح قصاص )( فمن اعتدى ) ( وإن عاقبتم ) خصوصاً بعدما قيل من دلالة الفاء على ذلك بلا مهملة وإن كان فيه نظر واضح ، ومها أصالة البراءة من وجوب الصبر ، وأصالة عدم حصول السراية ، بل وأشهر ، بل لم نجد فيه مخالفاً عدا ما من المبسوط مع أنّ المحكيّ عنه أ نّه قال : (التأخير فيه أحوط) وهو بعينه الاستحباب الذي أشار إليه في الخلاف ، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف ، والموثّق محمول على إرادة عدم القضاء في الجرح الذي لا يعلم حال إفساده حتّى يبرأ ، لا الجرح الذي تحقّق فيه موجب القصاص وشكّ في حصول المسقط.
ومنه يعلم ما في الأوّل المبني على أنّ السراية كاشفة عن عدم حقّ له إلاّ قصاص النفس ، وهو ممنوع ، ضرورة تحقّق الموجب حتّى لو علم السراية كان له القصاص فعلا لحصول الموجب ، نعم لو لم يفعل فاتّفق حصولها دخل قصاص الطرف فيه ، ومن هنا لا يجب عليه ردّ دية العضو بعد حصولها لو فرض قطعه قبلها ، كما تقدّم بعض الكلام في ذلك سابقاً ـ انتهى كلامه ـ .
وفي تكملة المنهاج 2 : 159 ، مسألة 169 : يجوز الاقتصاص قبل الاندمال وإن احتمل عدمه ، على المشهور شهرة عظيمة ، بل لم ينقل الخلاف إلاّ عن الشيخ في المبسوط ، وقيل : إنّ كلامه غير ظاهر في ذلك ، حيث قال : والتأخير فيه أحوط ، وكيف كان فالظاهر ما هو المشهور ، والوجه في ذلك هو أنّ أدلّة القصاص غير قاصرة الشمول لمثل المقام ، وهو الاقتصاص قبل الاندمال ، وعدم الدليل على التقييد بما بعده ، وأمّا احتمال السراية الموجبة لدخول قصاص الطرف في النفس فهو مندفع بالأصل ، فإذن لا موجب للتأخير ، وقد يستدلّ على عدم الجواز قبل الاندمال بمعتبرة إسحاق بن عمّـار عن جعفر (عليه السلام) (إنّ عليّاً كان يقول : لا يقضى في شيء من الجراحات حتّى تبرأ) ولكنّها قاصرة الدلالة ، فإنّها يختصّ بما إذا كان للبرء أثر في القضاء ، فلا تشمل موارد السراية إذا لم يكن القتل مقصوداً ولم يكن الجرح ممّـا يكون قاتلا عادة ، فإنّ القصاص في هذه الموارد ثابت ، سواء أبرئ الجرح أم لم يبرأ . وأمّا إذا كان القتل مقصوداً أو كان الجرح ممّـا يقتل عادة ففي مثل ذلك يختلف الحكم بالبراء وعدمه ، فإنّه إذا حصل البراء ثبت القصاص في الطرف وإذا لم يحصل البراء وأدّى إلى قتل النفس ثبت القصاص في النفس ، فالنتيجة أنّ الحكم في الواقع مردّد بين قصاص الطرف وقصاص النفس ، فلا يمكن القضاء الجزمي حينئذ ، وعلى ذلك تحمل المعتبرة ، ولكنّها لا تنافي ثبوت القصاص للمجني عليه بمقتضى الأصل ، بأن يقتصّ من الجاني ، فإن برئ جرح المجني عليه فهو ، وإلاّ كان للوليّ قتل الجاني قصاصاً ، أو مطالبته بالدية . نعم إذا اختار قتله فعليه أن يؤدّي دية جرحه ـ وعلى هذا فلو اقتصّ من الجاني ثمّ سرت الجناية فمات المجني عليه ، كان لوليّه أخذ الدية من الجاني فيما إذا لم يكن القتل مقصوداً ، ولم تكن الجناية ممّـا يقتل غالباً ، وإلاّ كان له قتل الجاني أو أخذ الدية منه ، فإن قتله كان عليه دية جرحه.
وفي تحرير الوسيلة 2 : 542 ، مسألة 10 ـ هل يجوز الاقتصاص قبل اندمال الجناية ؟ قيل لا ، لعدم الأمن من السراية الموجبة لدخول الطرف في النفس ، والأشبه الجواز وفي رواية لا يقضى في شيء من الجراحات حتّى تبرأ . وفي دلالتها نظر ، والأحوط الصبر سيّما فيما لا يؤمن من السراية ، فلو قطع عدّة من أعضائه خطأً هل يجوز أخذ دياتها ولو كانت أضعاف دية النفس أو يقتصر على مقدار دية النفس حتّى يتّضح الحال فإن اندملت أخذ الباقي ، وإلاّ فيكون له ما أخذ لدخول الطرف في النفس ؟ الأقوى جواز الأخذ ووجوب الإعطاء ، نعم لو سرت الجراحات يجب إرجاع الزائد على النفس.
وفي جامع المدارك (7 : 273) : (وفي جواز الاقتصاص قبل الاندمال تردّد أشبهه الجواز)
وأمّا القصاص قبل الاندمال فالمشهور جوازه لعدم قصور الأدلّة وعدم الدليل على التقييد بل المستفاد من الفاء المفيدة للمتعقّب بلا مهلة في قوله تعالى ( فاعتدوا ) عدم المهلة وذكر في وجه الترديد عدم الأمن من السراية وسقوط القصاص في الطرف ودخول الطرف في النفس ، وقيل : الأصل عدم السراية ، ولم يظهر وجه لهذا الأصل مع تبيّن الحال بعد قصاص الطرف ، والظاهر أنّ هذا نظير ما لو أراد المكلّف الدخول في الصلاة باستصحاب الطهارة من الحدث أو الخبث مع علمه تبيّن الحال قبل الفراغ من الصلاة.
وفي رياض المسائل (2 : 525) : (وفي جواز الاقتصاص) من الجاني (قبل الاندمال) أي قبل بُرء المجني عليه من الجراحة (تردّد) من عدم الأمن من السراية الموجبة لدخول (الطرف في النفس فيسقط القصاص في الطرف ومن عموم قوله سبحانه : ( والجروح قصاص ) وقوله تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا ) الآية لمكان الفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة ، والأصل عدم حصول السراية (أشبهه الجواز) مع استحباب المصير إلى الاندمال وفاقاً للإسكافي والخلاف ، وعليه عامّة المتأخّرين بل لم أقف على مخالف لهم عدا الشيخ في المبسوط ، فاختار المنع لما مرّ على ما ذكره جماعة ، وعبارته المحكيّة في المختلف غير مطابقته للحكاية بل ظاهرة في الكراهة فإن قال بعد نقل القول بالمنع إلاّ بعد الاندمال وهو الأحوط عندنا لأ نّها ربما صارت نفساً ولفظ (الأحوط) يشعر بالاستحباب.
وفي اللمعة 10 : (ويجوز) القصاص (قبل الاندمال) أي اندمال جناية الجاني لثبوت أصل الاستحقاق (وإن كان الصبر) إلى الاندمال (أولى) حذراً من السراية الموجبة لتغيّر الحكم ، وقيل : لا يجوز ، لجواز السراية الموجبة للدخول.
وفي إيضاح الفوائد (4 : 648) : ولا يثبت القصاص قبل الاندمال لجواز السراية الموجبة للدخول والأقرب الجواز ـ قال فخر المحقّقين : وجه القرب عموم قوله تعالى : ( والجروح قصاص ) وقوله تعالى : ( فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) عقّب القصاص بالاعتداء بلا فصل بالفاء ، ويحتمل العدم لأ نّه يمكن السراية فلا يجب بها قصاص والأقوى عندي جواز القصاص ـ .
وفي كتب العامّة : جاء في (الفقه على المذاهب الأربعة 5 : 363) مبحث في تأخير القصاص : الحنفية قالوا : من جرح رجلا جراحة عمداً ووجب القصاص فلا يقتصّ منه حتّى يبرأ من الجراحة لقوله صلوات الله وسلامه عليه (يستأنى في الجراحات سنة) ولأنّ الجراحات يعتبر فيها مآلها لا حالها ، لأنّ حكمها في الحال غير معلوم لأ نّها ربما تسري إلى النفس فيظهر أ نّه قتل وإنّما يستقرّ الأمر بالبرء . المالكية قالوا : يجب تأخير القصاص فيما دون النفس لعذر كبرد شديد أو حرّ يخاف منه الموت ، لئلاّ يموت فيلزم أخذ نفس بدون نفس وكذلك يؤخّر إقامة القصاص في الأطراف إذا كان الجاني مريضاً حتّى يبرأ من مرضه ويؤخّر أيضاً القصاص فيما دون النفس حتّى يبرأ المجروح لاحتمال أن يموت فيكون الواجب القتل بقسامة ، وينتظر برء المجني عليه ، ولو تأخّر البرء سنة خوف أن يؤول إلى النفس أو إلى ما تحمله العاقلة ، وتجب الحكومة إذا برئ على شين وإلاّ ففيه الأدب في العمد . الشافعية قالوا : يجب أن يقتصّ المستحقّ على الفور إن طلب ذلك في النفس جزماً ويقتصّ من الجاني فيما دون النفس في الحال اعتباراً بالقصاص في النفس لأنّ الموجب قد تحقّق فلا يعطل ، ولأنّ القصاص موجب الإتلاف فيتعجّل كقيم المتلفات والتأخير أولى لاحتمال العفو ، ويجوز للمجني عليه أن يقطع الأطراف متوالية ولو فرّقت من الجاني لأ نّها حقوق واجبة في الحال.
وفي المغني (9 : 445) : (فصل) ولا يجوز القصاص في الطرف إلاّ بعد اندمال الجرح في قول أكثر أهل العلم منهم النخعي والثوري وأبو حنيفة ومالك وإسحاق وأبو ثور وروي ذلك عن عطاء والحسن قال ابن المنذر كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم يرى الانتظار بالجرح حتّى يبرأ ، ويتخرّج لنا أ نّه نجوّز الاقتصاص قبل البرء بناءً على قولنا إنّه إذا سرى إلى النفس يفعل كما فعل ، وهذا قول الشافعي قال ولو سأل القود ساعة قطعت إصبعه أقدته لما روى جابر أنّ رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فقال يا رسول الله أقدني قال (حتّى تبرأ) فأبى وعجل فاستقاد له رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعيبت رجل المستقيد وبرأت رجل المستقاد منه فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) (ليس لك شيء عجّلت) رواه سعيد مرسلا ولأنّ القصاص من الطرف لا يسقط بالسراية فوجب أن يملكه في الحال كما لو برأ . ولنا ما روى جابر أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) نهى أن يستقاد من الجروح حتّى يبرأ المجروح ، ورواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عن النبي (صلى الله عليه وآله) ولأنّ الجرح لا يدرى أقتل هو أم ليس بقتل ؟ فينبغي أن ينتظر ليعلم حكمه ؟ فأمّا حديثهم فقد رواه الدراقطني وفي سياقه فقال يا رسول الله عرجت فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك) ثمّ نهى أن يقتصّ من جرح حتّى يبرأ صاحبه وهذه زيادة يجب قبولها وهي متأخّرة عن الاقتصاص فتكون ناسخة له ، وفي نفس الحديث ما يدلّ على أنّ استقادته قبل البرء معصية لقوله : (قد نهيتك فعصيتني) وما ذكروه ممنوع وهو مبني على الخلاف . (فصل) فإن اقتصّ قبل الاندمال هدرت سراية الجناية وقال أبو حنيفة والشافعي بل هي مضمونة لأ نّها سراية جناية فكانت مضمونة كما لو لم يقتصّ . ولنا الخبر المذكور ولأ نّه استعجل ما لم يكن له استعجاله فبطل حقّه ، وللبحث صلة فراجع.
وفي سنن البيهقي (8 : 66) باب ما جاء في الاستثناء بالقصاص من الجرح والقطع ... عن جابر أنّ رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فأتى النبيّ (صلى الله عليه وآله) يستقيد فقال له حتّى تبرأ ... وفي الباب روايات اُخرى.
وفي المهذّب في فقه الشافعي (2 : 185) : (فصل) وإن كان القصاص في الطرف فالمستحبّ أن لا يستوفى إلاّ بعد استقرار الجناية بالاندمال أو بالسراية إلى النفس لما روى عمرو بن دينار ... الحديث . فإن استوفى قبل الاندمال جاز للخبر ، وهل يجوز أخذ الأرش قبل الاندمال فيه قولان : أحدهما يجوز كما يجوز استيفاء القصاص قبل الاندمال . والثاني : لا يجوز لأنّ الأرش لا يستقرّ قبل الاندمال لأ نّه قد يسري إلى النفس ويدخل في دية النفس وقد يشاركه غيره في الجناية فينقص بخلاف القصاص فإنّه لا يسقط بالسراية ولا تؤثر فيه المشاركة . فإذا قلنا يجوز ففي القدر الذي يجوز أخذه وجهان : أحدهما يجوز أخذه بالغاً ما بلغ لأ نّه قد وجب في الظاهر فجاز أخذه . والثاني : وهو قول أبي إسحاق أ نّه يأخذ أقلّ الأمرين من أرش الجناية أو دية النفس لأنّ ما زاد على دية النفس لا يتيقّن استقراره ، لأ نّه ربما سقط فعلى هذا إن قطع يديه ورجليه وجب في الظاهر ديتان وربما سرت الجناية إلى النفس فرجع إلى دية فيأخذ دية فإن سرت الجناية إلى النفس فقد أخذ حقّه ، وإن اندملت أخذ دية اُخرى.
وفي الفقه الإسلامي وأدلّته (6 : 357) القصاص بعد البرء : لا يجوز القصاص في الأطراف والجراح عند الجمهور إلاّ بعد اندمال أو برء الجرح لما روى جابر أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)(نهى أن يستقاد من الجارح حتّى يبرأ المجروح) ولأنّ الجراحات ينظر إلى مآلها ، ولاحتمال أن تسري إلى النفس فيحدث القتل فلا يعلم أ نّه جرح إلاّ بالبرء . وقال الشافعية : إن كان القصاص في الطرف فالمستحبّ ألاّ يستوفى إلاّ بعد استقرار الجناية بالاندمال (أي البرء) أو بالسراية إلى النفس ، فإن استوفى قبل الاندمال جاز ، لما روى عمر بن شعيب ... ثمّ نهى رسول الله أن يقتصّ من جرح حتّى يبرأ صاحبه.
[50]الوسائل 19 : 211 ، باب 42 من أبواب موجبات الضمان ، الحديث 2 ـ وبإسناده ـ محمّد بن الحسن ـ عن محمّد بن الحسن الصفّار عن الحسن بن موسى الخشّاب عن غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمّـار عن جعفر أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : لا يقضى في شيء من الجراحات حتّى تبرأ.
أقول : وتقدّما ما يدلّ على ذلك ويأتي ما يدلّ عليه . ـ انتهى كلامه ـ .
[51]أقول : محمّد بن الحسن الصفّار ثقة راجع ترجمته إلى جامع الرواة (2 : 93) كما في نتائج التنقيح 1 : 125 ، وترجمته 3 : 103.
والحسن بن موسى الخشّاب من وجوه أصحابنا مشهور كثير العلم والحديث ، راجع جامع الرواة 1 : 227.
وغياث بن كلوب راجع جامع الرواة 1 : 659 ، والمعجم 13 : 235 ، ذكر الشيخ في العدّة أ نّه من العامّة ولكنّه عملت الطائفة بأخباره إذا لم يكن لها معارض من طريق الحقّ . يقول السيّد الخوئي (قدس سره) : ويظهر من مجموعة كلامه أنّ العمل بخبر من يخالف الحقّ في عقيدته مشروط بإحراز وثاقته وتحرّزه عن الكذب ، وعليه فيحكم بوثاقة غياث ابن كلوب وإن كان عامّياً.
وفي نتائج التنقيح (1 : 120) : حسن كالصحيح . وترجمته في المجلّد الثاني ، الصفحة 267 ، برقم 9382 ، فراجع.
[52]هذا المعنى لم يذكره سيّدنا الاُستاذ.
[53]الجواهر (42 : 358) : (و) حينئذ فـ (ـلو قطع عدّة من أعضائه) عمداً كان له المبادرة إلى القصاص قبل الاندمال أو السراية لما عرفت . ولو كان خطأً جاز أخذ دياتها) أجمع (ولو كانت أضعاف الدية) كما عرفت من وجود المقتضي وانتفاء المانع بالأصل ، بل قيل : لو كان ظنّ السريان أو وهمه موجباً لزوال ما ثبت في الواقع لكانت القوّة فعلا ، وهو غير جائز ، ولأ نّه لولاه لم يستقرّ استحقاق فإنّه لا استحقاق إلاّ ويمكن براءة المستحقّ عليه منه ، والتالي باطل ، ولأ نّه يلزم منع المستحقّ عن حقّه المالي بمجرّد الشبهة مع ثبوت الموجب ، ولا أثر للشبهة في سقوط المال ، ولأنّ شرط البقاء على الجنايات شرط في استمرار الملك لا في ابتدائه وأخذ شرط في غيره من الأغلاط ، وإن كان لا يخفى عليك ما في الجميع من المصادرة بعد الإحاطة بما ذكرناه ، ضرورة بناء ذلك كلّه على أنّ السراية مسقطة لا كاشفيّة ، وهو محلّ البحث بل المنع عند الخصم.
المسالك (2 : 382) : (ولو قطع عدّة من أعضائه) إذا قطع أعضاء متعدّدة تزيد دياتها عن دية النفس فإن كان ذلك عمداً وهو محلّ البحث هنا فقد تقدّم الخلاف في جواز الاقتصاص قبل الاندمال وإن اختار الدية أو كانت خطأ توجب الدية بالإصابة ففي جواز أخذ دياتها أجمع أو ما يزيد عن دية النفس وإن لم يأخذ الجميع قولان : أشهرهما وهو الذي اختاره الشيخ في المبسوط ومال إليه المصنّف هنا العدم بل يقتصر على دية واحدة لا غير إذا لم يعلم بقاء استحقاق الباقي لجواز السراية ودية الطرف تدخل في دية النفس اتفاقاً فلا يتسلّط على ماله بمجرّد الظنّ . والثاني : الجواز عملا بالاستحقاق الحالي وأصالة عدم طريان المسقط ولأ نّه لو كان ظنّ الطريان أو وهمه موجباً لزوال ما ثبت في الواقع لكانت القوّة فعلا وهو غير جائز ، ولأ نّه لولاه لم يستقرّ الاستحقاق فإنّه لا استحقاق إلاّ ويمكن برائة المستحقّ عليه منه ، والتالي باطل ، ولأ نّه يستلزم منع المستحقّ عن حقّه المالي بمجرّد الشبهة مع ثبوت موجبه ولا أثر للشبهة في سقوط المال وفي المسألة قول ثالث : بعدم جواز المطالبة بشيء أصلا لعدم الاستقرار إلاّ بعد الاندمال.
وفي المبسوط (7 : 81) : إذا قطع أطراف غيره يديه ورجليه وأراد أن يأخذ الدية قال قوم له أن يأخذ دية الأطراف ولو بلغت ديات مثل أن قطع يديه ورجليه واُذنيه فله أن يستوفي ثلاث ديات قبل الاندمال ، كما له أن يستوفي القصاص قبل الاندمال . وقال بعضهم له أن يستوفي دية النفس ولا يزيد عليها ، وإن كانت الجنايات أوجبت ديات كثيرة وهو الذي يقتضيه مذهبنا ، وقال قوم ليس له أخذ دية الطرف قبل الاستقرار وله أخذ القود في الطرف في الحال.
وفي الصفحة 105 : إذا قطع يدي رجل ورجليه فالظاهر أنّ عليه ديتين دية في اليدين ودية في الرجلين ، فإن مات بعد الاندمال استقرّت الديتان على الجاني وإن سرى القطع إلى نفسه فعليه دية واحدة لأنّ أرش الجناية يدخل في بدل النفس . فإذا ثبت هذا فقطع يدي رجل ورجليه ثمّ مات المجني عليه ثمّ اختلفا فقال الولي مات بعد الاندمال فعليك أ يّها الجاني كمال الديتين ، وقال الجاني مات بالسراية من القطع ، وليس عليّ إلاّ دية واحدة ، قال بعضهم القول قول الولي ، ثمّ المصنّف يذكر تفصيل صورة المسألة فراجع.
وفي كتب العامّة : جاء في (الفقه على المذاهب الأربعة 5 : 346) : قالوا : وتتعدّد الدية بتعدّد الجناية ، فإذا قطع يديه فزال عقله بسببها تجب عليه ديتان دية اليدين ودية للعقل ولو زال من ذلك القطع بصره أيضاً تجب عليه ثلاث ديات واحدة لليدين وثانية للعقل ودية ثالثة للبصر ، لأنّ كلّ واحدة منهم منفعة مقصودة وقد زالت ... وللبحث صلة ، فراجع.
[54]الجواهر (42 : 358) : (و) من هنا (قيل) والقائل الشيخ في المبسوط وابن البرّاج في المهذّب والفاضل في التحرير والإرشاد والشهيد في غاية المراد والأردبيلي على ما حكي عن بعضها : (يقتصر على دية النفس) المعلوم استحقاقها له على كلّ حال (حتّى يندمل ثمّ يستوفي الباقي أو يسري ، فيكون له ما أخذ) بل في المسالك أ نّه الأشهر ، بل في مجمع البرهان أ نّه المشهور ، بل في محكيّ المبسوط أ نّه الذي يقتضيه مذهبنا ، بل في المتن هنا (هو أولى لأنّ دية الطرف تدخل في دية النفس وفاقاً) محكيّاً مستفيضاً بل محصّلا ، فلا يتسلّط على المال بمجرّد ظنّ البقاء أو احتماله الذي لا يعارض يقين البراءة.
ولكن ذلك لا يقتضي الكشف ، فإنّه أعمّ منه ومن الاستنباط الذي يمكن كونه مفاد الأدلّة ، فإنّ أدلّة إيجاب الدية في الخطأ تقتضي ترتّبها بحصول السبب ، وذلك لا ينافي التداخل عند حصول السراية إلاّ أنّ ذلك يقتضي مثله في القصاص ، ولذا كان المحكي عن المبسوط فيهما عدم الجواز ، نعم يشكل ذلك على غيره فمن قال بجواز المبادرة إلى القصاص وإن قلنا بالدخول دون الدية كالمصنّف وغيره ، ويمكن إرادة المصنّف الأولويّة الندبيّة.
لكن قد عرفت أ نّه في القصاص لم يحكَ الخلاف فيه إلاّ عن المبسوط ، وهو غير متحقّق بخلافه في المقام الذي قد سمعت حكاية الشهرة على عدم الجواز ، بل لعلّ ظاهر محكيّ المبسوط الإجماع ، اللهمّ إلاّ أن يفرّق بين القصاص والدية ، وهو مشكل جدّاً فتأمّل ، وعلى كلّ حال فالأمر منحصر عندنا في القولين.
وأمّا القول بأ نّه ليس له المطالبة بشيء فالظاهر أ نّه للعامّة وإن حكاه بعض أصحابنا ، بل ربما احتمل في عبارة المبسوط ، إلاّ أ نّه لوضوح فساده ـ ضرورة ثبوت دية له على كلّ حال ـ يجب تنزيه الشيخ عنه.
ثمّ على القول بتعجيل الأخذ ثمّ حصلت السراية يجب إجماع الزائد عن دية النفس وما اندمل من الجراح لما عرفته من الدخول ، كما هو واضح ، والله العالم ـ انتهى كلامه رفع الله شأنه ، وإنّما نقلته بتمامه لما فيه من الفوائد ، فتأمّل ـ .
[55]الوسائل 19 : 280 ، باب 6 من أبواب ديات المنافع ، الحديث 1 ـ محمّد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمّد بن خالد البرقي عن حمّـاد بن عيسى عن إبراهيم ابن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل ضرب رجلا بعصا فذهب سمعه وبصره ولسانه وعقله وفرجه وانقطع جماعه وهو حيّ بستّ ديات.
ورواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن إبراهيم.
أقول : وتقدّم ما يدلّ على بعض المقصود ويأتي ما يدلّ عليه.
باب 7 ، الحديث 1 ـ محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد وعن علي بن إبراهيم عن أبيه جميعاً عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن أبي عبيدة الحذّاء قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل ضرب رجلا بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتّى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله ، قال : إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له ، فإنّه ينتظر به سنة فإن مات فيما بينه وبين السنة اُقيد به ضاربه ، وإن لم يمت فيما بينه وبين السنة لم يرجع إليه عقله أغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله ، قلت : فما ترى عليه في الشجّة شيئاً ؟ قال : لا ، لأ نّه إنّما ضرب ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين ، فألزمته أغلظ الجنايتين وهي الدية ، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائناً ما كان إلاّ أن يكون فيها الموت بواحدة وتطرح الاُخرى فيقاد به ضاربه ، فإن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنى ثلاث جنايات ألزمته جناية ما جنت الثلاث ضربات كائنات ما كانت لم يكن فيها الموت فيقاد به ضاربه ، قال : فإن ضرب عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات.
ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب مثله.
محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسن بن محبوب نحوه.
2 ـ وبإسناده عن الصفّار عن السندي بن محمّد عن محمّد بن الربيع عن يحيى بن المبارك عن عبد الله بن جبلة ، عن عاصم الحنّاط عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام)قال : قلت له : جعلت فداك ما تقول في رجل ضرب رأس رجل بعمود فسطاط فأمّه حتّى ] يعني [ ذهب عقله ، قال : عليه الدية ، قلت : فإنّه عاش عشرة أيام أو أقلّ أو أكثر فرجع إليه عقله ، أله أن يأخذ الدية ؟ قال : لا ، قد مضت الدية بما فيها ، قلت : فإنّه مات بعد شهرين أو ثلاثة ، قال أصحابه : نريد أن نقتل الرجل الضارب ؟ قال : إن أرادوا أن يقتلوه يردّوا الدية ما بينهم وبين سنة ، فإذا مضت السنة فليس لهم أن يقتلوه ، ومضت الدية بما فيها.
![]() |
![]() |
![]() |