|
 |
 |
المؤمن مرآة المؤمن([1] )
الحمد لله
الذي جعل ما سواه مرآة لأسمائه وصفاته ، والصلاة والسلام على أشرف خلقه ومرآة
كمالاته محمّد وآله الطاهرين مرايا الفضائل والمحامد والعلوم .
أمّا
بعد :
فقد جاء في
كتاب بحار الأنوار([2] )
للعلاّمة المجلسي (قدس سره) ، تحت عنوان : إنّ حديث أهل
بيت رسول الله (صلى
الله عليه وآله) صعب مستصعب ، وإنّ كلامهم نور يجلي القلوب ويزيل عنها
الرين ، ويفتح أقفالها ، وإنّه ذو وجوه كثيرة ، ويحمل بطوناً
عديدة ، كالقرآن الكريم ، وفضل التدبّر في أخبارهم ، وفي الباب 116
حديثاً فراجع .
وبسنده عن
أبي عبد الله مولانا الإمام الناطق جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام) أ نّه
قال :
حديث تدريه
خيرٌ من ألف حديث ترويه ، ولا يكون الرجل منكم فقيهاً حتى يعرف معاريض
كلامنا ، وإنّ الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجهاً ، لنا من جميعها
المخرج .
فكلام
الرسول الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) وكلام أهل بيته
الأبرار الأئمة الأخيار (عليهم السلام) ، كالقرآن
الكريم ، بل من القرآن وإنّه يُحمل على وجوه كثيرة ـ وربما من باب
المبالغة يُقال : سبعون وجهاً ـ ولكلّ بطن ووجه بطون
اُخرى ، وينفتح من كل باب ألف باب ، لا يعلمها إلاّ الراسخون في
العلم ، ولا يلّقاها إلاّ ذو حظٍّ عظيم ، وفوق كلّ ذي علم عليم .
ومن هذا
المنطلق الكريم الذي يُعدّ كالبحر الموّاج الزاخر ، وكالسحاب المعطاة المليئة
بالرحمة والشآبيب ، اُقدّم إلى القرّاء الكرام هذه الرواية المعروفة ،
وبعض الوجوه والمعاني التي تبادرت إلى ذهني بعد تفكّر ساعة ، عسى أن يكون هذا
مفتاحاً جديداً في تلقّي الآيات القرآنية الكريمة ، واُفقاً مشعّاً في تفهّم
الأخبار الشريفة ، ويكون هذا المتاع القليل والزاد الضئيل ، الخطوة
الاُولى لمسيرة ألف ميل ، وما يدريك فإنّ فوق كلّ ذي علم عليم ، فتنفع
هذه البضاعة المزجاة في الرشحات الفكرية والتأمّلات العقلية ، فأعتذر مقدمةً
من هفوة القلم وزلّة القدم والعذر عند كرام الناس مقبول .
قال معلّم
الإنسانية النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) :
« المؤمن مرآة المؤمن »([3] ) .
يمكن أن
نستلهم من هذه المقولة التي تُعدّ من جوامع الكلم ـ بمعنى :
قليلة الحروف والكلمات ، كثيرة المغزى والمعاني ـ وجوهاً عديدة
وهي كالآتي :
في رحاب معاني حديث المرآة
1 ـ جلاء المرآة :
لقد ذكر
علماء الأخلاق في تهذيب النفس وتربية الروح ثلاث مراحل : التخلية
والتحلية والتجلية ، فلا بدّ أوّلا للمرآة من جلاء وصفاء([4] )
وطهارة من الدرن والأوساخ ، حتى يشاهد الإنسان نفسه من خلال انعكاس صورته
فيها ، فعلى المؤمن أن يطهّر نفسه وباطنه وظاهره من الأحداث والأخباث بطهارة
ظاهرية وباطنية ، ويهذِّب قلبه ، ويجلّي روحه ، حتّى يكون مرآة
أخيه المؤمن .
2 ـ رؤية العيوب والمحاسن :
من مميّزات
المرآة الصافية أ نّها تبدي المعايب ، كما تحكي المحاسن ، وكذلك
المؤمن لأخيه المؤمن فكما يذكّره بعيوبه للإصلاح ورفعها ، فكذلك يذكّره
بمحاسنه ومكارمه ، لتقويتها في النفس وتجليتها وتثبيتها ، فإنّ المرآة
كما تذكر الرائي وتظهر النقطة القذرة على الوجه لإزالتها ، فإنها تعكس العين
الجميلة الشهلاء أيضاً . وجاء في الخبر : التفكّر مرآتك تُريك
سيئاتك وحسناتك([5] ) .
3 ـ حكاية الواقع :
المرآة لا
تكبّر العيب ولا تصغّره ، بل تحكيه كما هو من دون زيادة ونقصان ، فهي
تحكي الواقع ، فكذلك المؤمن إنّما يذكر العيب لأخيه بنفس المقدار ، فلا
يزيد حتّى يستوجب اليأس ويصعب عليه الأمر ، ولا ينقصه حتّى يستصغر الأمر ولا يبالي
به ولا يهتمّ له ، بل بنفس الحجم والمقدار .
4 ـ المجابهة :
من خصائص
المرآة أ نّها تذكر العيب لناظرها وجهاً بوجه ، فلا تحاكي العيوب من
وراءه وخلفه ، فكذلك المؤمن إنّما يذكر عيب أخيه المؤمن أمامه فإنّ المقصود
إصلاحه بالخصوص لا ازدراءه وتحطيم شخصيته والاستهانة به ، فلا يستغيبه ،
ولا يأكل لحم أخيه ميّتاً ، ولا يحبّ أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا .
5 ـ الهدوء :
إنّما تذكر
المرآة العيوب لأصحابها بالخصوص بكلّ هدوء وصمت من دون تهريج وفضح صاحب العيب أمام
الآخرين ، فلا تريد الفضيحة لناظريها ، فكذلك المؤمن لأخيه
المؤمن ، إنّما يذكّره بعيوبه ، ويبيّنها من أجل الإصلاح بكلّ اتّزان
وهدوء ، ولا يذكر العيب للآخرين ليحطّم شخصيّته الاجتماعية ، ويذهب بماء
وجهه بين الناس .
6 ـ ترك الحقد :
من محاسن
المرآة أ نّها لا تأخذ العيب بقلبها ، فلا ينطبع في صدرها شيء ، بل
بمجرّد ذهاب الناظر إليها ، يذهب معه ما عكسته من المعايب ، وكذلك
المؤمن فلا يحقد على أخيه المؤمن ولا يحمل في صدره غيضه
وعداوته ، ولا ينطبع في قلبه ودماغه عيب أخيه حيث لا ينساه أبداً ، بل
بمجرّد التذكّر الأخوي بكلّ هدوء وصفاء ومحبّة ومن ثمّ الافتراق ينتهي كلّ
شيء ، وكأ نّه لم يكن شيئاً مذكوراً ، فالمؤمن في سلوكه يجسّد
لأخيه المؤمن الحبّ والإخلاص والمصافاة والإخاء والصفاء القلبي .
7 ـ النصح المتواصل :
المرآة لا
تملّ ولا تتضجّر ولا تبدي التعب في بيان العيوب والمحاسن ، بل في كلّ مرّة
تذكّر الشخص بعيبه حتّى يُزيله ويصلح أمره ، وكذلك المؤمن فإنّه دائماً يذكّر
أخاه المؤمن وينصحه ، فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين وتسوق المجتمع الإنساني إلى
ساحل السلامة والسعادة ، فهدف المؤمن مع إخوته في الإيمان هو إصلاح الشخصية
الإسلاميّة ، ومن ثمّ إصلاح المجتمع الإسلامي ، والأخذ بيد المؤمنين
الذين تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر لإيصالهم إلى وادي السعادة وقمّة الكمال المنشود .
8 ـ العموميّة :
أليس
المرآة في كلّ حال وفي كلّ زمان ومكان تقول كلمتها من أجل الصلاح والإصلاح ،
فكذلك المؤمن لأخيه المؤمن ، فإنّه مرآته في كلّ الأحوال وفي كلّ مكان
وزمان ، فلا تأخذه في الله في مقام النصيحة لومة لائم ، فهو يقول كلمته
كلمة الحقّ والعدل والصدق .
9 ـ الجمال والأفضليّة :
مَنْ يَبغي
شراء المرآة فإنّه يبحث عن أجمل مرآة وأفضلها ، وتناسبه وتتلاءم مع ما
عنده ، فكذلك المؤمن يبحث عن أفضل أخ مؤمن يناسبه ويتلائم مع روحيّاته ،
ويندمج مع نفسيّاته ، فيصادقه ويصافيه ويستأنس به في الضرّاء والسّراء .
10 ـ المساواة بين الناس :
لو نظر
شخصان في مرآة ، وكان أحدهما يضحك والآخر يبكي ، فإنّ المرآة تعكس
حالهما في آن واحد ، كلّ واحد على ما عليه من الحال ، فكذلك المؤمن مع
إخوته المؤمنين ، فإنّه يحكي ويعكس حالهم وحقيقتهم في آن واحد ، فلا
يشتبه عليه الأمر فإنّه قليلٌ زَلَلَهُ كما ورد في الخبر ، وإنّه يساوي بين
إخوانه ، كلٌّ بحسب حاله .
11 ـ سرعة الرضا :
لو نظرت
إلى المرآة في حالة الغضب وسرعان ما ضحكت وانقلب حالك فإنّ المرآة تضحك معك فهي
سريعة الرضا ، وكذلك المؤمن مرآة أخيه المؤمن فهو بطيء الغضب وسريع
الرضا .
12 ـ العدالة :
إنّ المرآة
عادلة تعدل بين الناس في مسؤوليتها ، فتعطي كلّ واحد من ناظريها حقّه وما
يستحقّه من دون إجحاف وتبذير ، ومن دون تعسّف وتنكير ، فكذلك المؤمن مع
المؤمنين فهو عادل في سلوكه ، يضع الأشياء في مواضعها من دون إفراط ولا
تفريط .
13 ـ المثابرة :
لو انكسرت
المرآة وتناثرت وتحطّمت ، فإنّها تقول كلمتها ، وكلّ قطعة منها تحكي
الواقع وتذكّر الناظر ، وكذلك المؤمن فإنّه لو تحطّم في المجتمع وحورب وجعلوه
إرباً إرباً ، فإنّه لا يزال يقول كلمته الحقّ ليزيل العيوب عن الفرد
والمجتمع فإنّه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لا بقلبه ولسانه ، بل بكلّ
جوانحه وجوارحه ، فإنّه يثابر بكلّ ما يملك من أجل إعلاء كلمة الحقّ ،
فيكون تجسيداً للمعروف وتعكس الحال ، كما هو الحال في قطعات المرآة .
14 ـ الفرد والجماعة :
المرآة كما
هي مرآة للفرد فكذلك مرآة للجماعة ، وكذلك المؤمن فهو مرآة أخيه المؤمن كما
هو مرآة مجتمعه الإيماني ، فإنّه يذكر العيوب والمحاسن على
الصعيدين : الفردي والاجتماعي ، كلّ على حسب حاله وشأنه .
15 ـ المحافظة :
من الخطأ
كسر المرآة التي تحكي وتعكس العيب للإصلاح ، وكذلك المؤمن المذكّر فإنّه يشكر
على نقده البنّاء فإنّ من إيمانه الراسخ والخالص يريد الإصلاح في الاُمّة ،
فمن الجهل تخطئته وكسره في المجتمع ومحاربته ونصب عداوته ، بل لا بدّ من
الحفاظ عليه ورعايته .
16 ـ الصراحة :
من امتياز
المرآة أ نّها دائماً تعتمد على كلامها وتصرّح بذلك لناظريها ، فلا تتراجع
إلاّ عند إزالة العيب ، فكذلك المؤمن عندما يشاهد العيب فإنّه يذكّر صاحبه
بذلك ، ولا يتراجع قيد أنملة ، ولا يساوم على ذلك قيد شعرة ، فهو
كالجبل الراسخ لا تحرّكه العواصف ، فإنّه صبور وقور عند الهزاهز ثابت في
القوّة والعقيدة كالمرآة .
17 ـ قول الحقّ :
إنّ المرآة قوّالة الحقيقة مع الجميع ،
فلا صداقة ولا قرابة عند مشاهدتها العيب ، فإنّها تحكي ذلك على السواء ،
فكذلك المؤمن يقول الحقيقة من دون مراعاة الصداقة أو القرابة أو الشركة أو غير
ذلك ، فإنّ الحقيقة عنده فوق كلّ ذلك .
18
ـ التعليم :
المرآة مُعلّمة ، تعلّمنا كيف نرفع عيوب
الآخرين ، وتعلّمنا أ نّه كما اُعلّم الناس بمحاسنهم وعيوبهم كذلك
أنت ، والمؤمن عالم ربّاني أو متعلّم على سبيل النجاة فهو بين معلّم أو
متعلّم ، بين علم مفيد أو مستفيد .
19
ـ المواساة :
إنّ المرآة لتفرح بفرحك وتضحك بضحكك ، كما
إنّها تحزن وتبكي ببكائك ، وكذلك المؤمن يفرح بفرح أخيه المؤمن ويحزن
بحزنه ، فيشاطره ويواسيه في همومه وأحزانه ، كما يقاسمه في أفراحه
وسروره .
20
ـ الاُلفة :
إنّ المرآة لتألف الجميع فهي آلفة
ومألوفة ، فإنّها سرعان ما تأخذ أطباع وألوان مشاهديها ، وكذلك المؤمن
فإنّه إلفُ مألوف هشّ بشّ ، بشره في وجهه وحزنه في قلبه ، يحسن المجالسة
حتّى مع اليهودي كما ورد في الروايات الشريفة .
21
ـ الاعتزاز بالمرآة :
من العقل أن نعتزّ ونحافظ على المرآة وإن ذكرت
معايبنا ومحاسننا ، فكذلك المؤمن نعتزّ بصحبته ومعاشرته ليكون صديقنا الغالي
في الحياة .
22 ـ الصداقة الدائمة :
لا بدّ من
مصاحبة ومرافقة المرآة في حياتها في الحضر والسفر لنشاهد فيها جمالنا ونزيل بها
عيوبنا ونحسّن مظاهرنا ، وكذلك المؤمن فلا بدّ من مصادقته ومعاشرته ليكون في
حياتنا الفردية والاجتماعية مرآة عيوبنا ومحاسننا ، لنزيل نقاط الضعف
فينا ، كما نقوّي نقاط القوّة ، فنسعد بصديق مؤمن صالح ، وأخ عزيز
في الله ، ومن سعادة الإنسان الرفيق والصديق الموافق كما ورد في الأخبار([6] ) .
23 ـ ترك الغيبة :
إذا رأيت
نفسك في المرآة فإنّها تحدّثك عن نفسك لا غير ، فلا تذكر الآخرين أمامك
بسوء ، وكذلك المؤمن إنّما يذكّرك بنفسك ، ولا يقرض الآخرين بمقاريض
السوء والغيبة .
24 ـ النظافة :
الإنسان
بطبيعته يحبّ النظافة فإنّه يفارق المرآة الوسخة والقذرة التي لا يمكن إصلاحها
وجلائها ، فكن أ يّها المؤمن جميلا نظيفاً ، فإنّ الله جميل ويحبّ
الجمال ، حتّى يرتاح إليك أخوك المؤمن ، ويفضّل معاشرتك على غيرك ،
فإنّ المؤمن مرآة المؤمن .
25 ـ ترك السوء :
إنّ المرآة
السيّئة القذرة يبغضها الجميع ، وعاقبتها الزبالة والكناسة وهجرانها ،
فكذلك المؤمن فإنّه لو ساء خُلقه وأساء في العمل ، فإنّ المجتمع يبغضه
ويقاطعه ويهجره رويداً رويداً ولا يودّ معاشرته ، إلاّ إذا تاب وأصلح أمره
وعمل صالحاً ، وتحلّى بالمكارم والفضائل .
26 ـ حسن الخُلق :
أمّا
المرآة الحسنة والنظيفة فهي محبّبة عند الجميع ، ومكانها محترم ومرموق ،
وكذلك المؤمن حسن الخلق يحبّه الجميع ، فله مكانته الاجتماعية
المرموقة ، فهو معزّز مكرّم بكرامة الله وعزّته ، فإنّ العزّة لله
ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا يعلمون شيئاً . ومن
أراد عزّة بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان ، فليخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ
طاعته .
27 ـ رعاية الحقوق :
كلّ واحد
يحافظ على مرآته كي لا تتوسّخ ويعلوها الغبار ، وكذلك المؤمن فلا
بدّ له من مراعاة حقوق الاُخوّة ، والمحافظة عليها من غبار الأذى وانكسار
الخاطر ، ليبقي عُرى الاُخوّة سالماً ، وحبل المودّة مستحكماً
وقويّاً ، فإنّ المؤمن مرآة المؤمن .
28 ـ الصبر :
المرآة
صبورة ، فلا تملّ من مجالسة الآخرين ، وتراعي حقوق المصاحبة وتتحمّل أيّ
واحد كان ، وكذلك المؤمن فإنّه لا يتضجّر من الآخرين في ظاهر معاشرته ،
ولا يظهر أمامهم الملل والكسل والانزعاج ، بل بكلّ أدب يحاول أن يصلح
أمرهم ، ويهديهم إلى سواء السبيل ، وما فيه الخير والصلاح والصواب
كالمرآة .
29 ـ ترك الصنميّة ( التوحيد ) :
إنّ المرآة
لا تعبد ناظريها ولا تجعل منهم في قلبها صنماً ، فكذلك المؤمن لا يجعل
من هواه ومن الآخرين صنماً يعبده دون الله سبحانه وتعالى ، فلا إله ولا معبود
عنده سوى الله جلّ جلاله ، فلا تعصّب عنده ، ولا قوميّة ، ولا
قبليّة ، ولا حزبية ، ولا ما شابه ذلك ، فإنّ
كلّ ذلك يتنافى مع روح الإيمان ، ويستلزمه الشرك الخفي أو الجليّ كما هو
واضح ، فلا صنميّة بين المؤمنين ، إنّما المؤمن مرآة أخيه المؤمن .
فنظرته إليه على نحو آلية لا الاستقلالية .
30 ـ ترك الأنانيّة :
المرآة لا
تدعو الناس إلى نفسها ، بل تذكّرهم بالله خالقهم ومصوّرهم فتدعو إلى الله
بكلّ إخلاص ، ومن هذا المنطلق يستحبّ لمن ينظر نفسه في المرآة أن يدعو بهذا
الدعاء كما جاء في المأثور : ( الحمد لله خلقني فأحسن
خلقتي ، وصوّرني فأحسن صورتي ، وزان منّي ما شان به غيري ، وأكرمني
بالإسلام([7] ) ،
اللّهم حَسِّن خُلقي كما أحسنت خِلقتي )([8] ) فالمرآة
تذكِّر الإنسان بربِّه سبحانه ، وكذلك المؤمن يذكّره أخاه المؤمن بالله جلّ
جلاله .
31 ـ التفاعل :
إنّ المرآة
تتفاعل مع ناظريها ، فأيّ حركة تصدر منهم تحكي ذلك وتعكسه ، وكذلك
المؤمن يتفاعل مع أخيه ومع مجتمعه ، فلا ينزوي عنهم ويتركهم ، بل معهم
في حلّهم وترحالهم .
32 ـ التواضع :
من صفات
المرآة أ نّها متواضعة في حقيقتها ، فإنّها تصوّر الآخرين وتجالس الغني
والفقير والعالم والجاهل والوضيع والشريف ، كذلك المؤمن فإنّه يتواضع لله
سبحانه ، ويتأسّى برسول الله (صلى الله عليه وآله) قائلا :
أنا مسكين واُحبّ المساكين واُجالس المساكين ، ومن تواضع لله رفعه .
33 ـ الحقيقة :
المرآة في
ماهيتها ومفهومها ذات حقيقة واحدة ، فإنّها تعكس الصور وتُري الأشياء ،
كما هي على حقايقها ، فكذلك المؤمن فإنّه ذو حقيقة واحدة ، وشخصية
منفردة في مفهومها فقد يجسّد حقيقة الإيمان في سلوكه وأفكاره وأعماله في المجتمع
ومع إخوته المؤمنين فإنّ المؤمن مرآة المؤمن .
34 ـ الغنى :
من حقيقة
المرآة أ نّها غنيّة في عطائها ، فلا تبطل عملها بالمنّ والأذى ولا تجرح
مشاعر مشاهديها ، بل تهدي العيوب لأربابها ، فكذلك المؤمن ، فإنّه
لا يبطل عمله بالمنّ وأذيّة الآخرين ، ولا يجرح مشاعر أخيه
المؤمن وأحاسيسه مهما بلغ الأمر ، وعنده أحبّ الإخوان إليه من أهدى إليه
عيوبه ، كما ورد في المأثور ، فهو غنيّ بغناء الله عزّ وجلّ .
35 ـ الإخلاص :
الكلّ يدري
بأنّ المرآة مخلصة في بيان العيوب والمحاسن ، فكذلك المؤمن مع أخيه المؤمن
يتعامل معه بكلّ إخلاص من دون غشٍّ ومكر وحيلة ، فهو مخلصٌ في إيمانه وعمله
وسلوكه .
36 ـ الحبّ :
أليس
المرآة تحبّ الجميع وتصافيهم ، وحديثها حديث الحُبّ والمودّة والصفاء ،
كذلك المؤمن لإخوته في الإيمان فإنّه يكنُّ في أعماق وجوده مودّتهم ، ويملأ
قلبه من محبّتهم ، ويبذل النفس والنفيس من أجل حكومة الصفاء والإخاء في
المجتمع الإيماني .
37 ـ الأمانة :
المرآة أمينة ، حقيقة لا تنكر فإنّها لا
تخون أصحابها ، فلا تفشي لهم سرّاً ولا تهرّج في
معايبهم ، كذلك المؤمن فإنّه أمين لا يخون ، فإنّ للمؤمن ثلاث
علامات : إذا حدّث لم يكذب وإذا ائتمن لم يَخُن ، وإذا وعدَ لم
يخلف ، والجامع بين هذه الثلاثة هي حفظ الأمانة بالمعنى الأعم ، وأمّا
المنافق في العمل ، فإنّ له ثلاث علامات وإن صلّى وصام ـ كما ورد
في الخبر الشريف ـ : إذا حدّث كذب ، وإذا ائتمن خان
وإذا وعد أخلف .
38
ـ الخير :
المرآة تعكس الخيرات ، كذلك المؤمن يعكس
الخير لأخيه المؤمن ، فهو منبع كلّ الخيرات والخير منه مأمول ، والشرّ
منه مأمون ، فهو أصل الإحسان والفضل ، وإنّه يرتجى منه الخير
والمحاسن .
39
ـ الستار :
إنّما المرآة تذكّر العيوب الظاهرة ،
وأمّا المستورة فلا يظهر فيها ستّارة العيوب المخفيّة فلا تحدّث بالبواطن ولا تحكي
الخفايا ، كذلك المؤمن يستر على أخيه ما ستره الله عليه ، ولا يحبّ أن
تشيع الفاحشة في الذين آمنوا كما لا يحبّ الله ذلك ، فربّه الله من صفاته
الحسنى أ نّه ستّار العيوب كذلك المؤمن يتجلّى فيه صفات الله وأسمائه الحسنى
فيستر العيوب من أخيه المؤمن على الآخرين .
40
ـ الصفاء :
المرآة
صافية من صفائها تروي الصفاء ، كذلك المؤمن هو آية الصفاء وحديثه حديث
الاُخوّة والصفاء ، يجسّد في سلوكه وأقواله وأحواله وآراءه حقيقة
الصفاء .
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :
( العلم وراثة كريمة ، والآداب حال حسان والفكرة مرآة
صافية ... )([9] ) .
41 ـ ترك الغرور :
لا تتغيّر
المرآة بنفسها ، ولا تحتشم عن مصاحبة أيٍّ كان ، فهي للجميع ومع
الجماعة ، كذلك المؤمن ينزّه عن الغرور والحشمة والكبكبة ، فلا يتطاول
على الآخرين ، بل مع الجماعة وللمجتمع من أجل الإصلاح والسعادة .
42 ـ الإصلاح العام :
إنّ المرآة
تذكر عيوب ومحاسن الأمير كما تذكر ذلك للفقير ، كذلك المؤمن يأمر بالمعروف
وينهى عن المنكر ويدعو إلى الإصلاح وسلامة المجتمع ، فيذكّر الأمير
والفقير ، بلا تمييز عنصري أو طائفي أو قبلي أو طبقاتي ، فلا يسكت عن
الأمير ليتهجّم على الفقير ، بل المؤمن مرآة المؤمن مطلقاً .
43 ـ عدم التوقّع :
المفروض أن
لا ننتظر ونتأمّل من المرآة أكثر من حجمها ، فلا ترتجِ وتنتظر من أخيك المؤمن
أكثر ممّـا عنده ، فتحرجه أو تضايقه وربما ينتهي الأمر إلى مقاطعته
ومعاداته ، فلا تتوقّع منه أكثر ممّـا هو عليه .
44 ـ النفع العامّ :
لو كسر
واحد منّا مرآته متعمّداً ، فإنّ العقلاء يذمّونه ويستقبحون عمله ، فإنّ
المرآة مهما تكن فهي تنفع الإنسان ولا تضرّه ، كذلك المؤمن فإنّه ينفع
الآخرين ، فإنّ خير الناس من نفع الناس كما ورد في الأثر النبويّ
الشريف ، فيحفظ المؤمن في نفسه ، كما يحفظ في ولده وأهله ، ولا
يقهر ولا يكسر عمداً ، ورفع عن الاُمّة ما لم يكن فيه العمد ، ومن دون
تقصير وإهمال .
45 ـ الإطار الإلهي :
زينة
المرآة إطارها الخارجي ، ولا بدّ من إطار لئلاّ تجرح أيدي قابضيها
ومتناوليها ، والمؤمن يؤطّر بالأخلاق الحسنة والمبادئ السامية والمُثل
القيّمة ، ويتزيّن بالسُنن والآداب ، ولا يجرح شعور الآخرين فإنّه ملجم
في كلامه وحركاته وسكناته ، وإنّه مرآة أخيه المؤمن ، قد تأطّر بإطار
إلهي ، وتحلّى بصبغة الله ، ومن أحسن من الله صبغة ؟
46 ـ الوعاء الكبير :
إنّ المرآة
الكبيرة تصوّر تماماً وجود الإنسان فإنّ وعاءها أكبر ، كذلك المؤمن الكبير في
همّته ، الغزير في علمه ، الينبوع في فضائله ، المخلص في
عمله ، قلبه وسيع ، وصدره فسيح ، والقلوب أوعية ، خيرها
أوعاها .
47 ـ البياض :
المرآة ذات
اللون الأسود تعكس الأشياء وكأ نّها سوداء ، وإذا كانت بيضاء فكذلك
الأمر ، والمؤمن لو اسودَّ قلبه بالذنوب والآثام ، فإنّه يرى الأشياء
كلّها سوداء مظلمة ، فيسيء الظن بأخيه المؤمن ، والقرآن الكريم
يقول :
( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إنَّ
بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ ) ([10] ) .
48 ـ اللقاء الحسن :
إذا فقدتَ
المرآة التي تعتَزُّ بها فإنّك تتألّم وتتأثّر ، فكن لأخيك المؤمن متأثراً وحزيناً
بفقدانه وهجرانه .. فإنّ المؤمن مرآة المؤمن ، يفرح بلقائه ويحزن
بفقده .
49 ـ فرحة الرؤية :
إذا وجدتَ
المرآة فإنّك تفرح بها وتسرّ لا سيّما لو كانت ضائعة ، وأنت مرآة أخيك المؤمن
عليك أن تفرح بلقائه ويزيدك شغفاً رؤية محيّاه الباسم ، فإنّ المؤمن بشره في
وجهه ، وحزنه في قلبه .
50 ـ الإعانة :
المرآة
معينة الإنسان فإنّ بإمكانه أن يستعين بها ليُشاهد من خِلالها الأشياء التي من
حوله ، كذلك المؤمن يستعين في حلّ قضاياه ومشاكله الفردية والاجتماعية بإخوته
من المؤمنين ، كما هو يعين الآخرين ، فيتعاونون على البرّ والتقوى
والإيمان الصادق كما أمرهم ربّهم بذلك في قوله تعالى :
( وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ
وَالتَّقْوَى ) ([11] ) .
51 ـ التذكير :
المؤمن
يذكّر أخاه المؤمن ربّه برؤيته ويذكّره بصفات الله وأسمائه ، كما أنّ المرآة
يُستدلّ بها على صفات الله سبحانه وتعالى ، كما جاء ذلك في كتب الاحتجاج في
قصّة الإمام الرضا (عليه السلام) مع عمران عندما كان يسأله عن الله
وكيفية صفاته فقال عمران :
يا سيدي
فإنّ الذي كان عندي أنّ الكائن قد تغيّر في فعله عن حاله بخلقه الخلق ، قال (عليه
السلام) :
أحلتَ يا عمران في قولك : إنّ الكائن يتغيّر في وجه من الوجوه حتّى
يصيب الذات منه ما يغيّره ، يا عمران هل تجد النار يغيّرها تغيّر
نفسها ؟ أو هل تجد الحرارة تحرق نفسها ؟
أو هل رأيت بصيراً قطّ رأى بصره ؟ قال عمران : لم أرَ هذا ،
ألا تخبرني يا سيدي أهو في الخلق أم الخلق فيه ؟ قال الرضا (عليه
السلام) :
جلّ يا عمران عن ذلك ، ليس هو في الخلق ولا الخلق
فيه ، تعالى عن ذلك ، وساُعلمك ما تعرفه به ،
ولا قوّة إلاّ بالله ، أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك ؟ فإن
كان ليس واحد منكما في صاحبه ، فبأيّ شيء استدللت بها على نفسك ؟
قال عمران : بضوء بيني وبينها ، قال الرضا (عليه
السلام) :
فأرِناه ، فلم يحر جواباً ، قال (عليه السلام) :
فلا أرى النور إلاّ وقد دلّك ، ودلّ المرآة على أنفسكما من غير أن يكون في
واحد منكما ، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا ، لا يجد الجاهل فيها مقالا
ولله المثل الأعلى([12] ) .
|
 |
 |