المؤمن مرآة المؤمن([1] )

 

             الحمد لله الذي جعل ما سواه مرآة لأسمائه وصفاته ، والصلاة والسلام على أشرف خلقه ومرآة كمالاته محمّد وآله الطاهرين مرايا الفضائل والمحامد والعلوم .

             أمّا بعد  :

             فقد جاء في كتاب بحار الأنوار([2] ) للعلاّمة المجلسي (قدس سره)  ، تحت عنوان  : إنّ حديث أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) صعب مستصعب ، وإنّ كلامهم نور يجلي القلوب ويزيل عنها الرين ، ويفتح أقفالها ، وإنّه ذو وجوه كثيرة ، ويحمل بطوناً عديدة ، كالقرآن الكريم ، وفضل التدبّر في أخبارهم ، وفي الباب 116 حديثاً فراجع .

             وبسنده عن أبي عبد الله مولانا الإمام الناطق جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام) أ نّه قال  :

             حديث تدريه خيرٌ من ألف حديث ترويه ، ولا يكون الرجل منكم فقيهاً حتى يعرف معاريض كلامنا ، وإنّ الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجهاً ، لنا من جميعها المخرج .

             فكلام الرسول الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) وكلام أهل بيته الأبرار الأئمة الأخيار (عليهم السلام)  ، كالقرآن الكريم ، بل من القرآن وإنّه يُحمل على وجوه كثيرة ـ  وربما من باب المبالغة يُقال  : سبعون وجهاً  ـ ولكلّ بطن ووجه بطون اُخرى ، وينفتح من كل باب ألف باب ، لا يعلمها إلاّ الراسخون في العلم ، ولا يلّقاها إلاّ ذو حظٍّ عظيم ، وفوق كلّ ذي علم عليم .

             ومن هذا المنطلق الكريم الذي يُعدّ كالبحر الموّاج الزاخر ، وكالسحاب المعطاة المليئة بالرحمة والشآبيب ، اُقدّم إلى القرّاء الكرام هذه الرواية المعروفة ، وبعض الوجوه والمعاني التي تبادرت إلى ذهني بعد تفكّر ساعة ، عسى أن يكون هذا مفتاحاً جديداً في تلقّي الآيات القرآنية الكريمة ، واُفقاً مشعّاً في تفهّم الأخبار الشريفة ، ويكون هذا المتاع القليل والزاد الضئيل ، الخطوة الاُولى لمسيرة ألف ميل ، وما يدريك فإنّ فوق كلّ ذي علم عليم ، فتنفع هذه البضاعة المزجاة في الرشحات الفكرية والتأمّلات العقلية ، فأعتذر مقدمةً من هفوة القلم وزلّة القدم والعذر عند كرام الناس مقبول .

             قال معلّم الإنسانية النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)   : « المؤمن مرآة المؤمن »([3] ) .

             يمكن أن نستلهم من هذه المقولة التي تُعدّ من جوامع الكلم ـ  بمعنى  : قليلة الحروف والكلمات ، كثيرة المغزى والمعاني  ـ وجوهاً عديدة وهي كالآتي  :


 

 

 

 

في رحاب معاني حديث المرآة

 

 

             1 ـ جلاء المرآة  :

             لقد ذكر علماء الأخلاق في تهذيب النفس وتربية الروح ثلاث مراحل  : التخلية والتحلية والتجلية ، فلا بدّ أوّلا للمرآة من جلاء وصفاء([4] ) وطهارة من الدرن والأوساخ ، حتى يشاهد الإنسان نفسه من خلال انعكاس صورته فيها ، فعلى المؤمن أن يطهّر نفسه وباطنه وظاهره من الأحداث والأخباث بطهارة ظاهرية وباطنية ، ويهذِّب قلبه ، ويجلّي روحه ، حتّى يكون مرآة أخيه المؤمن .

 

             2 ـ رؤية العيوب والمحاسن  :

             من مميّزات المرآة الصافية أ نّها تبدي المعايب ، كما تحكي المحاسن ، وكذلك المؤمن لأخيه المؤمن فكما يذكّره بعيوبه للإصلاح ورفعها ، فكذلك يذكّره بمحاسنه ومكارمه ، لتقويتها في النفس وتجليتها وتثبيتها ، فإنّ المرآة كما تذكر الرائي وتظهر النقطة القذرة على الوجه لإزالتها ، فإنها تعكس العين الجميلة الشهلاء أيضاً . وجاء في الخبر  : التفكّر مرآتك تُريك سيئاتك وحسناتك([5] ) .

 

             3 ـ حكاية الواقع  :

             المرآة لا تكبّر العيب ولا تصغّره ، بل تحكيه كما هو من دون زيادة ونقصان ، فهي تحكي الواقع ، فكذلك المؤمن إنّما يذكر العيب لأخيه بنفس المقدار ، فلا يزيد حتّى يستوجب اليأس ويصعب عليه الأمر ، ولا ينقصه حتّى يستصغر الأمر ولا  يبالي به ولا يهتمّ له ، بل بنفس الحجم والمقدار .

 

             4 ـ المجابهة  :

             من خصائص المرآة أ نّها تذكر العيب لناظرها وجهاً بوجه ، فلا تحاكي العيوب من وراءه وخلفه ، فكذلك المؤمن إنّما يذكر عيب أخيه المؤمن أمامه فإنّ المقصود إصلاحه بالخصوص لا ازدراءه وتحطيم شخصيته والاستهانة به ، فلا  يستغيبه ، ولا يأكل لحم أخيه ميّتاً ، ولا يحبّ أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا .

 

             5 ـ الهدوء  :

             إنّما تذكر المرآة العيوب لأصحابها بالخصوص بكلّ هدوء وصمت من دون تهريج وفضح صاحب العيب أمام الآخرين ، فلا تريد الفضيحة لناظريها ، فكذلك المؤمن لأخيه المؤمن ، إنّما يذكّره بعيوبه ، ويبيّنها من أجل الإصلاح بكلّ اتّزان وهدوء ، ولا يذكر العيب للآخرين ليحطّم شخصيّته الاجتماعية ، ويذهب بماء وجهه بين الناس .

 

             6 ـ ترك الحقد  :

             من محاسن المرآة أ نّها لا تأخذ العيب بقلبها ، فلا ينطبع في صدرها شيء ، بل بمجرّد ذهاب الناظر إليها ، يذهب معه ما عكسته من المعايب ، وكذلك المؤمن فلا  يحقد على أخيه المؤمن ولا يحمل في صدره غيضه وعداوته ، ولا ينطبع في قلبه ودماغه عيب أخيه حيث لا ينساه أبداً ، بل بمجرّد التذكّر الأخوي بكلّ هدوء وصفاء ومحبّة ومن ثمّ الافتراق ينتهي كلّ شيء ، وكأ نّه لم يكن شيئاً مذكوراً ، فالمؤمن في سلوكه يجسّد لأخيه المؤمن الحبّ والإخلاص والمصافاة والإخاء والصفاء القلبي .

 

             7 ـ النصح المتواصل  :

             المرآة لا تملّ ولا تتضجّر ولا تبدي التعب في بيان العيوب والمحاسن ، بل في كلّ مرّة تذكّر الشخص بعيبه حتّى يُزيله ويصلح أمره ، وكذلك المؤمن فإنّه دائماً يذكّر أخاه المؤمن وينصحه ، فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين وتسوق المجتمع الإنساني إلى ساحل السلامة والسعادة ، فهدف المؤمن مع إخوته في الإيمان هو إصلاح الشخصية الإسلاميّة ، ومن ثمّ إصلاح المجتمع الإسلامي ، والأخذ بيد المؤمنين الذين تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر لإيصالهم إلى وادي السعادة وقمّة الكمال المنشود .

 

             8 ـ العموميّة  :

             أليس المرآة في كلّ حال وفي كلّ زمان ومكان تقول كلمتها من أجل الصلاح والإصلاح ، فكذلك المؤمن لأخيه المؤمن ، فإنّه مرآته في كلّ الأحوال وفي كلّ مكان وزمان ، فلا تأخذه في الله في مقام النصيحة لومة لائم ، فهو يقول كلمته كلمة الحقّ والعدل والصدق .

 

             9 ـ الجمال والأفضليّة  :

             مَنْ يَبغي شراء المرآة فإنّه يبحث عن أجمل مرآة وأفضلها ، وتناسبه وتتلاءم مع ما عنده ، فكذلك المؤمن يبحث عن أفضل أخ مؤمن يناسبه ويتلائم مع روحيّاته ، ويندمج مع نفسيّاته ، فيصادقه ويصافيه ويستأنس به في الضرّاء والسّراء .

             10 ـ المساواة بين الناس  :

             لو نظر شخصان في مرآة ، وكان أحدهما يضحك والآخر يبكي ، فإنّ المرآة تعكس حالهما في آن واحد ، كلّ واحد على ما عليه من الحال ، فكذلك المؤمن مع إخوته المؤمنين ، فإنّه يحكي ويعكس حالهم وحقيقتهم في آن واحد ، فلا يشتبه عليه الأمر فإنّه قليلٌ زَلَلَهُ كما ورد في الخبر ، وإنّه يساوي بين إخوانه ، كلٌّ بحسب حاله .

 

             11 ـ سرعة الرضا  :

             لو نظرت إلى المرآة في حالة الغضب وسرعان ما ضحكت وانقلب حالك فإنّ المرآة تضحك معك فهي سريعة الرضا ، وكذلك المؤمن مرآة أخيه المؤمن فهو بطيء الغضب وسريع الرضا .

 

             12 ـ العدالة  :

             إنّ المرآة عادلة تعدل بين الناس في مسؤوليتها ، فتعطي كلّ واحد من ناظريها حقّه وما يستحقّه من دون إجحاف وتبذير ، ومن دون تعسّف وتنكير ، فكذلك المؤمن مع المؤمنين فهو عادل في سلوكه ، يضع الأشياء في مواضعها من دون إفراط ولا تفريط .

 

             13 ـ المثابرة  :

             لو انكسرت المرآة وتناثرت وتحطّمت ، فإنّها تقول كلمتها ، وكلّ قطعة منها تحكي الواقع وتذكّر الناظر ، وكذلك المؤمن فإنّه لو تحطّم في المجتمع وحورب وجعلوه إرباً إرباً ، فإنّه لا يزال يقول كلمته الحقّ ليزيل العيوب عن الفرد والمجتمع فإنّه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لا بقلبه ولسانه ، بل بكلّ جوانحه وجوارحه ، فإنّه يثابر بكلّ ما يملك من أجل إعلاء كلمة الحقّ ، فيكون تجسيداً للمعروف وتعكس الحال ، كما هو الحال في قطعات المرآة .

 

             14 ـ الفرد والجماعة  :

             المرآة كما هي مرآة للفرد فكذلك مرآة للجماعة ، وكذلك المؤمن فهو مرآة أخيه المؤمن كما هو مرآة مجتمعه الإيماني ، فإنّه يذكر العيوب والمحاسن على الصعيدين  : الفردي والاجتماعي ، كلّ على حسب حاله وشأنه .

 

             15 ـ المحافظة  :

             من الخطأ كسر المرآة التي تحكي وتعكس العيب للإصلاح ، وكذلك المؤمن المذكّر فإنّه يشكر على نقده البنّاء فإنّ من إيمانه الراسخ والخالص يريد الإصلاح في الاُمّة ، فمن الجهل تخطئته وكسره في المجتمع ومحاربته ونصب عداوته ، بل لا بدّ من الحفاظ عليه ورعايته .

 

             16 ـ الصراحة  :

             من امتياز المرآة أ نّها دائماً تعتمد على كلامها وتصرّح بذلك لناظريها ، فلا  تتراجع إلاّ عند إزالة العيب ، فكذلك المؤمن عندما يشاهد العيب فإنّه يذكّر صاحبه بذلك ، ولا يتراجع قيد أنملة ، ولا يساوم على ذلك قيد شعرة ، فهو كالجبل الراسخ لا تحرّكه العواصف ، فإنّه صبور وقور عند الهزاهز ثابت في القوّة والعقيدة كالمرآة .

             17 ـ قول الحقّ  :

             إنّ المرآة قوّالة الحقيقة مع الجميع ، فلا صداقة ولا قرابة عند مشاهدتها العيب ، فإنّها تحكي ذلك على السواء ، فكذلك المؤمن يقول الحقيقة من دون مراعاة الصداقة أو القرابة أو الشركة أو غير ذلك ، فإنّ الحقيقة عنده فوق كلّ ذلك .

 

             18 ـ التعليم  :

             المرآة مُعلّمة ، تعلّمنا كيف نرفع عيوب الآخرين ، وتعلّمنا أ نّه كما اُعلّم الناس بمحاسنهم وعيوبهم كذلك أنت ، والمؤمن عالم ربّاني أو متعلّم على سبيل النجاة فهو بين معلّم أو متعلّم ، بين علم مفيد أو مستفيد .

 

             19 ـ المواساة  :

             إنّ المرآة لتفرح بفرحك وتضحك بضحكك ، كما إنّها تحزن وتبكي ببكائك ، وكذلك المؤمن يفرح بفرح أخيه المؤمن ويحزن بحزنه ، فيشاطره ويواسيه في همومه وأحزانه ، كما يقاسمه في أفراحه وسروره .

 

             20 ـ الاُلفة  :

             إنّ المرآة لتألف الجميع فهي آلفة ومألوفة ، فإنّها سرعان ما تأخذ أطباع وألوان مشاهديها ، وكذلك المؤمن فإنّه إلفُ مألوف هشّ بشّ ، بشره في وجهه وحزنه في قلبه ، يحسن المجالسة حتّى مع اليهودي كما ورد في الروايات الشريفة .

 

             21 ـ الاعتزاز بالمرآة  :

             من العقل أن نعتزّ ونحافظ على المرآة وإن ذكرت معايبنا ومحاسننا ، فكذلك المؤمن نعتزّ بصحبته ومعاشرته ليكون صديقنا الغالي في الحياة .

 

             22 ـ الصداقة الدائمة  :

             لا بدّ من مصاحبة ومرافقة المرآة في حياتها في الحضر والسفر لنشاهد فيها جمالنا ونزيل بها عيوبنا ونحسّن مظاهرنا ، وكذلك المؤمن فلا بدّ من مصادقته ومعاشرته ليكون في حياتنا الفردية والاجتماعية مرآة عيوبنا ومحاسننا ، لنزيل نقاط الضعف فينا ، كما نقوّي نقاط القوّة ، فنسعد بصديق مؤمن صالح ، وأخ عزيز في الله ، ومن سعادة الإنسان الرفيق والصديق الموافق كما ورد في الأخبار([6] ) .

 

             23 ـ ترك الغيبة  :

             إذا رأيت نفسك في المرآة فإنّها تحدّثك عن نفسك لا غير ، فلا تذكر الآخرين أمامك بسوء ، وكذلك المؤمن إنّما يذكّرك بنفسك ، ولا يقرض الآخرين بمقاريض السوء والغيبة .

 

             24 ـ النظافة  :

             الإنسان بطبيعته يحبّ النظافة فإنّه يفارق المرآة الوسخة والقذرة التي لا يمكن إصلاحها وجلائها ، فكن أ يّها المؤمن جميلا نظيفاً ، فإنّ الله جميل ويحبّ الجمال ، حتّى يرتاح إليك أخوك المؤمن ، ويفضّل معاشرتك على غيرك ، فإنّ المؤمن مرآة المؤمن .

 

             25 ـ ترك السوء  :

             إنّ المرآة السيّئة القذرة يبغضها الجميع ، وعاقبتها الزبالة والكناسة وهجرانها ، فكذلك المؤمن فإنّه لو ساء خُلقه وأساء في العمل ، فإنّ المجتمع يبغضه ويقاطعه ويهجره رويداً رويداً ولا يودّ معاشرته ، إلاّ إذا تاب وأصلح أمره وعمل صالحاً ، وتحلّى بالمكارم والفضائل .

 

             26 ـ حسن الخُلق  :

             أمّا المرآة الحسنة والنظيفة فهي محبّبة عند الجميع ، ومكانها محترم ومرموق ، وكذلك المؤمن حسن الخلق يحبّه الجميع ، فله مكانته الاجتماعية المرموقة ، فهو معزّز مكرّم بكرامة الله وعزّته ، فإنّ العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا  يعلمون شيئاً . ومن أراد عزّة بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان ، فليخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعته .

 

             27 ـ رعاية الحقوق  :

             كلّ واحد يحافظ على مرآته كي لا تتوسّخ ويعلوها الغبار ، وكذلك المؤمن  فلا بدّ له من مراعاة حقوق الاُخوّة ، والمحافظة عليها من غبار الأذى وانكسار الخاطر ، ليبقي عُرى الاُخوّة سالماً ، وحبل المودّة مستحكماً وقويّاً ، فإنّ المؤمن مرآة المؤمن .

 

             28 ـ الصبر  :

             المرآة صبورة ، فلا تملّ من مجالسة الآخرين ، وتراعي حقوق المصاحبة وتتحمّل أيّ واحد كان ، وكذلك المؤمن فإنّه لا يتضجّر من الآخرين في ظاهر معاشرته ، ولا يظهر أمامهم الملل والكسل والانزعاج ، بل بكلّ أدب يحاول أن يصلح أمرهم ، ويهديهم إلى سواء السبيل ، وما فيه الخير والصلاح والصواب كالمرآة .

 

             29 ـ ترك الصنميّة ( التوحيد )  :

             إنّ المرآة لا تعبد ناظريها ولا تجعل منهم في قلبها صنماً ، فكذلك المؤمن لا  يجعل من هواه ومن الآخرين صنماً يعبده دون الله سبحانه وتعالى ، فلا إله ولا  معبود عنده سوى الله جلّ جلاله ، فلا تعصّب عنده ، ولا قوميّة ، ولا قبليّة ، ولا  حزبية ، ولا ما شابه ذلك ، فإنّ كلّ ذلك يتنافى مع روح الإيمان ، ويستلزمه الشرك الخفي أو الجليّ كما هو واضح ، فلا صنميّة بين المؤمنين ، إنّما المؤمن مرآة أخيه المؤمن . فنظرته إليه على نحو آلية لا الاستقلالية .

 

             30 ـ ترك الأنانيّة  :

             المرآة لا تدعو الناس إلى نفسها ، بل تذكّرهم بالله خالقهم ومصوّرهم فتدعو إلى الله بكلّ إخلاص ، ومن هذا المنطلق يستحبّ لمن ينظر نفسه في المرآة أن يدعو بهذا الدعاء كما جاء في المأثور  : ( الحمد لله خلقني فأحسن خلقتي ، وصوّرني فأحسن صورتي ، وزان منّي ما شان به غيري ، وأكرمني بالإسلام([7] ) ، اللّهم حَسِّن خُلقي كما أحسنت خِلقتي )([8] ) فالمرآة تذكِّر الإنسان بربِّه سبحانه ، وكذلك المؤمن يذكّره أخاه المؤمن بالله جلّ جلاله .

 

             31 ـ التفاعل  :

             إنّ المرآة تتفاعل مع ناظريها ، فأيّ حركة تصدر منهم تحكي ذلك وتعكسه ، وكذلك المؤمن يتفاعل مع أخيه ومع مجتمعه ، فلا ينزوي عنهم ويتركهم ، بل معهم في حلّهم وترحالهم .

 

             32 ـ التواضع  :

             من صفات المرآة أ نّها متواضعة في حقيقتها ، فإنّها تصوّر الآخرين وتجالس الغني والفقير والعالم والجاهل والوضيع والشريف ، كذلك المؤمن فإنّه يتواضع لله سبحانه ، ويتأسّى برسول الله (صلى الله عليه وآله) قائلا  : أنا مسكين واُحبّ المساكين واُجالس المساكين ، ومن تواضع لله رفعه .

 

             33 ـ الحقيقة  :

             المرآة في ماهيتها ومفهومها ذات حقيقة واحدة ، فإنّها تعكس الصور وتُري الأشياء ، كما هي على حقايقها ، فكذلك المؤمن فإنّه ذو حقيقة واحدة ، وشخصية منفردة في مفهومها فقد يجسّد حقيقة الإيمان في سلوكه وأفكاره وأعماله في المجتمع ومع إخوته المؤمنين فإنّ المؤمن مرآة المؤمن .

 

             34 ـ الغنى  :

             من حقيقة المرآة أ نّها غنيّة في عطائها ، فلا تبطل عملها بالمنّ والأذى ولا  تجرح مشاعر مشاهديها ، بل تهدي العيوب لأربابها ، فكذلك المؤمن ، فإنّه لا  يبطل عمله بالمنّ وأذيّة الآخرين ، ولا يجرح مشاعر أخيه المؤمن وأحاسيسه مهما بلغ الأمر ، وعنده أحبّ الإخوان إليه من أهدى إليه عيوبه ، كما ورد في المأثور ، فهو غنيّ بغناء الله عزّ وجلّ .

 

             35 ـ الإخلاص  :

             الكلّ يدري بأنّ المرآة مخلصة في بيان العيوب والمحاسن ، فكذلك المؤمن مع أخيه المؤمن يتعامل معه بكلّ إخلاص من دون غشٍّ ومكر وحيلة ، فهو مخلصٌ في إيمانه وعمله وسلوكه .

 

             36 ـ الحبّ  :

             أليس المرآة تحبّ الجميع وتصافيهم ، وحديثها حديث الحُبّ والمودّة والصفاء ، كذلك المؤمن لإخوته في الإيمان فإنّه يكنُّ في أعماق وجوده مودّتهم ، ويملأ قلبه من محبّتهم ، ويبذل النفس والنفيس من أجل حكومة الصفاء والإخاء في المجتمع الإيماني .

             37 ـ الأمانة  :

             المرآة أمينة ، حقيقة لا تنكر فإنّها لا تخون أصحابها ، فلا تفشي لهم سرّاً ولا  تهرّج في معايبهم ، كذلك المؤمن فإنّه أمين لا يخون ، فإنّ للمؤمن ثلاث علامات  : إذا حدّث لم يكذب وإذا ائتمن لم يَخُن ، وإذا وعدَ لم يخلف ، والجامع بين هذه الثلاثة هي حفظ الأمانة بالمعنى الأعم ، وأمّا المنافق في العمل ، فإنّ له ثلاث علامات وإن صلّى وصام ـ  كما ورد في الخبر الشريف  ـ  : إذا حدّث كذب ، وإذا ائتمن خان وإذا وعد أخلف .

 

             38 ـ الخير  :

             المرآة تعكس الخيرات ، كذلك المؤمن يعكس الخير لأخيه المؤمن ، فهو منبع كلّ الخيرات والخير منه مأمول ، والشرّ منه مأمون ، فهو أصل الإحسان والفضل ، وإنّه يرتجى منه الخير والمحاسن .

 

             39 ـ الستار  :

             إنّما المرآة تذكّر العيوب الظاهرة ، وأمّا المستورة فلا يظهر فيها ستّارة العيوب المخفيّة فلا تحدّث بالبواطن ولا تحكي الخفايا ، كذلك المؤمن يستر على  أخيه ما ستره الله عليه ، ولا يحبّ أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا كما لا يحبّ الله ذلك ، فربّه الله من صفاته الحسنى أ نّه ستّار العيوب كذلك المؤمن يتجلّى فيه صفات الله وأسمائه الحسنى فيستر العيوب من أخيه المؤمن على الآخرين .

 

             40 ـ الصفاء  :

             المرآة صافية من صفائها تروي الصفاء ، كذلك المؤمن هو آية الصفاء وحديثه حديث الاُخوّة والصفاء ، يجسّد في سلوكه وأقواله وأحواله وآراءه حقيقة
الصفاء . قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)   : ( العلم وراثة كريمة ، والآداب حال حسان والفكرة مرآة صافية ... )([9] ) .

 

            41 ـ ترك الغرور  :

             لا تتغيّر المرآة بنفسها ، ولا تحتشم عن مصاحبة أيٍّ كان ، فهي للجميع ومع الجماعة ، كذلك المؤمن ينزّه عن الغرور والحشمة والكبكبة ، فلا يتطاول على الآخرين ، بل مع الجماعة وللمجتمع من أجل الإصلاح والسعادة .

 

             42 ـ الإصلاح العام  :

             إنّ المرآة تذكر عيوب ومحاسن الأمير كما تذكر ذلك للفقير ، كذلك المؤمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الإصلاح وسلامة المجتمع ، فيذكّر الأمير والفقير ، بلا تمييز عنصري أو طائفي أو قبلي أو طبقاتي ، فلا يسكت عن الأمير ليتهجّم على الفقير ، بل المؤمن مرآة المؤمن مطلقاً .

 

             43 ـ عدم التوقّع  :

             المفروض أن لا ننتظر ونتأمّل من المرآة أكثر من حجمها ، فلا ترتجِ وتنتظر من أخيك المؤمن أكثر ممّـا عنده ، فتحرجه أو تضايقه وربما ينتهي الأمر إلى مقاطعته ومعاداته ، فلا تتوقّع منه أكثر ممّـا هو عليه .

             44 ـ النفع العامّ  :

             لو كسر واحد منّا مرآته متعمّداً ، فإنّ العقلاء يذمّونه ويستقبحون عمله ، فإنّ المرآة مهما تكن فهي تنفع الإنسان ولا تضرّه ، كذلك المؤمن فإنّه ينفع الآخرين ، فإنّ خير الناس من نفع الناس كما ورد في الأثر النبويّ الشريف ، فيحفظ المؤمن في نفسه ، كما يحفظ في ولده وأهله ، ولا يقهر ولا يكسر عمداً ، ورفع عن الاُمّة ما لم يكن فيه العمد ، ومن دون تقصير وإهمال .

 

             45 ـ الإطار الإلهي  :

             زينة المرآة إطارها الخارجي ، ولا بدّ من إطار لئلاّ تجرح أيدي قابضيها ومتناوليها ، والمؤمن يؤطّر بالأخلاق الحسنة والمبادئ السامية والمُثل القيّمة ، ويتزيّن بالسُنن والآداب ، ولا يجرح شعور الآخرين فإنّه ملجم في كلامه وحركاته وسكناته ، وإنّه مرآة أخيه المؤمن ، قد تأطّر بإطار إلهي ، وتحلّى بصبغة الله ، ومن أحسن من الله صبغة  ؟

 

             46 ـ الوعاء الكبير  :

             إنّ المرآة الكبيرة تصوّر تماماً وجود الإنسان فإنّ وعاءها أكبر ، كذلك المؤمن الكبير في همّته ، الغزير في علمه ، الينبوع في فضائله ، المخلص في عمله ، قلبه وسيع ، وصدره فسيح ، والقلوب أوعية ، خيرها أوعاها .

 

             47 ـ البياض  :

             المرآة ذات اللون الأسود تعكس الأشياء وكأ نّها سوداء ، وإذا كانت بيضاء فكذلك الأمر ، والمؤمن لو اسودَّ قلبه بالذنوب والآثام ، فإنّه يرى الأشياء كلّها سوداء مظلمة ، فيسيء الظن بأخيه المؤمن ، والقرآن الكريم يقول  :

             (   اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ   ) ([10] )  .

 

             48 ـ اللقاء الحسن  :

             إذا فقدتَ المرآة التي تعتَزُّ بها فإنّك تتألّم وتتأثّر ، فكن لأخيك المؤمن متأثراً  وحزيناً بفقدانه وهجرانه .. فإنّ المؤمن مرآة المؤمن ، يفرح بلقائه ويحزن بفقده .

 

             49 ـ فرحة الرؤية  :

             إذا وجدتَ المرآة فإنّك تفرح بها وتسرّ لا سيّما لو كانت ضائعة ، وأنت مرآة أخيك المؤمن عليك أن تفرح بلقائه ويزيدك شغفاً رؤية محيّاه الباسم ، فإنّ المؤمن بشره في وجهه ، وحزنه في قلبه .

 

             50 ـ الإعانة  :

             المرآة معينة الإنسان فإنّ بإمكانه أن يستعين بها ليُشاهد من خِلالها الأشياء التي من حوله ، كذلك المؤمن يستعين في حلّ قضاياه ومشاكله الفردية والاجتماعية بإخوته من المؤمنين ، كما هو يعين الآخرين ، فيتعاونون على البرّ والتقوى والإيمان الصادق كما أمرهم ربّهم بذلك في قوله تعالى  :

             (   وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى   ) ([11] )  .

 

             51 ـ التذكير  :

             المؤمن يذكّر أخاه المؤمن ربّه برؤيته ويذكّره بصفات الله وأسمائه ، كما أنّ المرآة يُستدلّ بها على صفات الله سبحانه وتعالى ، كما جاء ذلك في كتب الاحتجاج في قصّة الإمام الرضا (عليه السلام) مع عمران عندما كان يسأله عن الله وكيفية صفاته فقال عمران  :

             يا سيدي فإنّ الذي كان عندي أنّ الكائن قد تغيّر في فعله عن حاله بخلقه الخلق ، قال (عليه السلام)   : أحلتَ يا عمران في قولك  : إنّ الكائن يتغيّر في وجه من الوجوه حتّى يصيب الذات منه ما يغيّره ، يا عمران هل تجد النار يغيّرها تغيّر نفسها  ؟ أو  هل تجد الحرارة تحرق نفسها  ؟ أو هل رأيت بصيراً قطّ رأى بصره ؟ قال عمران  : لم أرَ هذا ، ألا تخبرني يا سيدي أهو في الخلق أم الخلق فيه  ؟ قال الرضا (عليه السلام)   : جلّ يا  عمران عن ذلك ، ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه ، تعالى عن ذلك ، وساُعلمك ما  تعرفه به ، ولا قوّة إلاّ بالله ، أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك  ؟ فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه ، فبأيّ شيء استدللت بها على نفسك  ؟ قال عمران  : بضوء بيني وبينها ، قال الرضا (عليه السلام)   : فأرِناه ، فلم يحر جواباً ، قال (عليه السلام)   : فلا أرى النور إلاّ وقد دلّك ، ودلّ المرآة على أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما ، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا ، لا يجد الجاهل فيها مقالا ولله المثل الأعلى([12] ) .

             يقول العلاّمة المجلسي في بيان ذلك  : قوله (عليه السلام)   : ( هل تجد النار يغيّرها نفسها  ؟ ) حاصله أنّ الشيء لا يؤثّر في نفسه بتغيير وإفناء وتأثير ، بل إنّما يتأثّر من غيره ، فالنار لا تتغيّر إلاّ بتأثير غيرها فيها ، والحرارة لا تحرق نفسها ، والبصر لا  ينطبع من نفسه ، بل من صورة غيره ، فالله سبحانه لا يمكن أن يتأثّر فليس من ذلك ، لأنّ أحد العضوين مؤثّر والآخر متأثّر أو يقال  : الإنسان أثّر في نفسه بتوسّط غيره وهو عضو منه ، والله سبحانه لا يتأتّى فيه ذلك ، لوحدته الحقيقيّة وبساطته المطلقة ، فلا يعقل تغيّره بفعل نفسه بوجه ، ثمّ لمّـا توهّم عمران أنّ الخلق والتأثير لا  يكون إلاّ بكون المؤثّر في الأثر ، أو الأثر في المؤثّر ، أجاب بذكر بعض الشرائط العلل الناقصة على التنظير ، فمثّل بالمرآة حيث يشترط انطباع صورة البصر في المرآة وانطباع صورة المرآة في البصر ، بوجود ضوء قائم بالهواء المتوسّط بينهما ، فالضوء علّة ناقصة لتأثّر البصر والمرآة مع عدم حصوله في شيء منهما ، وعدم حصول شيء منهما فيه ، فلِمَ لا يجوز تأثير الصانع في العالم ، مع عدم حصول العالم فيه ، ولا حصوله في العالم  ؟([13] )

 

             52 ـ الإضاءة  :

             المرآة مضيئة تنير عند انطباع شعاع النور فيها كذلك المؤمن سراجاً منيراً مضيئاً ، لما ينطبع النور الإلهي في قلبه ، فإنّ العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء كما  ورد في الخبر الشريف ، وآمنة بنت وهب لمّـا حملت نور النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان  يرى النور في وجهها ، كما جاء في الخبر  : ( وكانت آمنة بعد ذلك يُرى النور في  وجهها كأ نّه المرآة المضيئة )([14] ) .

 

             53 ـ عداء الجهّال  :

             أكثر الناس يجهلون حقيقة المرآة وكيفية تركيبها وصنعها ، إلاّ من كان من أهل الصنعة والخبرة ، وكذلك المؤمن فإنّ أغلب الناس يجهلونهم حتّى يعادونهم فإنّ الناس أعداء ما جهلوا ، إلاّ المؤمن فإنّه يعرف أخاه المؤمن ، ويقيّم إيمانه ، فإنّ المؤمن مرآة المؤمن .

 

             54 ـ ذكر الجميع  :

             من خصائص المرآة أ نّها تذكر العيوب جميعاً كما تذكر المحاسن كلّها ، فلا تغفل عن عيب وحسن ، وكذلك المؤمن لأخيه المؤمن .

 

             55 ـ الاعتماد بالنفس  :

             إنّ المرآة تعتمد على ما تقول ، ولم تتزلزل في بيان الحقائق من المحاسن والمعايب ، وكذلك المؤمن يتوكّل على الله ويعتمد على نفسه في بيان ما يلزم بيانه بالنسبة إلى أخيه المؤمن ، فإنّه مرآته كما ورد .

 

             56 ـ اليقين  :

             إنّ المرآة على يقين تامّ فيما تحكى من المعايب والمحاسن فلا تروي بشكّ وريب وظنّ ، بل بكلّ علم وقطع ويقين ، وكذلك المؤمن .

 

             57 ـ الاُنس  :

             يأنس الناس بالمرآة في حضرهم وسفرهم ، كما هي تأنس بالآخرين ، فتحكي الاُنس والمؤانسة ، وكذلك المؤمن مع المؤمنين .

 

             58 ـ البيان الواضح  :

             فإنّ المرآة لا تضرب ناظرها من الخلف بخنجر ، بل حكايتها وجهاً لوجه ، وليس لها في مقام الحكاية إلاّ الإمام ، فكذلك المؤمن مع أخيه المؤمن .

 

             59 ـ الوفاء بالعهد  :

             إنّ المرآة تفي بعهدها في إظهار الحقائق الإيجابيّة والسلبيّة على حدّ سواء ، وكذلك المؤمن للمؤمن .

 

             60 ـ عدم مطالبة الاُجرة  :

             فإنّ المرآة في أداء وظيفتها الخاصّة من البيان والتبيان والتربية والتعليم لا  تطالب الاُجرة ، وكذلك المؤمن مع أخيه المؤمن في أداء الوظائف الواجبة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يطالب بالاُجرة ، فإنّ أجره على الله سبحانه ، فلا يطالب بحطام الدنيا .

 

             61 ـ ترك الحسد  :

             فإنّ المرآة مع مرآة اُخرى في بيان الحقائق لا تحسدها فلا حسد بينهما ، بل كلّ المرايا تعمل بهدف واحد ، وكذلك المؤمن مع غيره من المؤمنين ، فإنّ هدفهم هو الله
الواحد الأحد ، فلا يحسد بعضهم بعضاً .

 

             62 ـ الجهاد  :

             إنّ المرآة تبذل الجهد والنفس والنفيس في بيان الواقع والحقيقة ، فهي دائماً في جهاد ، وكذلك المؤمن لا تراه إلاّ مجاهداً في سبيل الله ويبذل النفس والنفيس لأخيه المؤمن فإنّه مرآته ، فيسعى مشكوراً من أجل إصلاحه وتطويره برفع المساوئ وزيادة الحسنات .

 

             63 ـ الاحتياج  :

             كلّ واحد من أجل رفع الشين وزيادة الزين يحتاج إلى المرآة ، وكذلك المؤمن بحاجة ماسّة إلى أخيه المؤمن في الصلح والإصلاح والفلاح .

 

             64 ـ الشكر  :

             كلّ واحد يشكر المرآة في بيانها الحقائق ، ولا يتألّم منها ، بل يعتزّ بها ويعلّقها على الحائط ، ويشاهدها كلّ يوم ويتعاهدها بالنظافة واللطافة ، وكذلك المؤمن يتجلّى فيه الشكر ، وإنّه من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق ، فالمؤمن يتعاهد المؤمن ويشكره على ما يجود عليه من الفضائل والمكارم ، ومنها بيان المحاسن والمعايب .

 

             65 ـ النورانيّة  :

             المرآة إنّما تعكس الأشياء بعد أن ينعكس فيها النور فلا يرى الشيء في  الظلام ، وكذلك المؤمن إنّما يكون مرآة لأخيه المؤمن لو كان نورانياً بنور الله  سبحـانه وبنور رسوله وولاية أهل البيت (عليهم السلام)  ، فالمؤمن المرآتي يكون نورانياً .

 

             66 ـ الحُسن  :

             إنّ المرآة في ماهيّتها لم تتّصف بالسوء والشين ، بل في جوهرها وباطنها حسنة وجميلة ، وكذلك المؤمن حسن الباطن .

 

             67 ـ التساوي بين الرجال والنساء  :

             إنّ المرآة لا تفرّق بين الرجال والنساء والكبار والصغار في بيان المحاسن والمعايب ، كذلك المؤمن بالنسبة إلى المؤمنين والمؤمنات ، فإنّه يساوي بينهما في مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند اجتماع شرائطهما .

 

             68 ـ التكتّم  :

             إنّ المرآة تظهر العيوب الظاهرة وتحكي ذلك لناظرها دون البواطن ، فإنّها تكتم ذلك فيما كان مستوراً فلا تفضحه ، فكذلك المؤمن لأخيه المؤمن .

 

             69 ـ النقصان  :

             لو كان في المرآة نقص فإنّه لا يمنع ذلك من أن تقول الحقيقة ، وتحكي ما ينطبع فيها من المحاسن والمساوئ ، كذلك المؤمن لأخيه المؤمن ، فإنّ نقصه لا يمنعه من أن يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر .

             70 ـ ظهور الحقّ  :

             لولا المرآة لما ظهرت العيوب والمحاسن للآخرين ، وكذلك المؤمن فلولاه لما  عرف الإيمان ولا المؤمن .

             وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام)   : لولاك لما عرف المؤمنون ، فالحقّ يظهر بالمؤمن الإنسان الكامل .

 

             71 ـ الصمود  :

             لا تبالي المرآة في قولها الحقّ والحقيقة فهي صامدة ، وكذلك المؤمن مع المؤمنين يمتاز بصموده ونضاله الدؤوب .

 

             72 ـ الثبات  :

             تمتاز المرآة بأ نّها ثابتة في البيان والتبيان ، فتقول ما تراه الحقّ بكلّ ثبات ومن دون شكّ وترديد ، وكذلك المؤمن لأخيه .

 

             73 ـ العمل المتواصل  :

             إنّ المرآة لا تتعب في بيان الحقائق وإنّما تحكي ذلك دائماً بلا كسل ولا تضجّر ولا تملّل ، وكذلك المؤمن لإخوته .

 

             74 ـ بلا مكان  :

             إنّ المرآة في حكايتها تقول الحقّ في كلّ مكان ، فهي فوق المكان ، وكذلك المؤمن لأخيه المؤمن ، فإنّه لا ينحضر بمكان خاصّ في بيان الحقيقة والواقع .

             75 ـ بلا زمان  :

             المرآة تتجاوز الزمان في الحكاية والبيان ، فلا تتقيّد بزمان دون زمان ، وكذلك المؤمن ، فهو يتعدّى الزمان في قوله الحقّ .

 

             76 ـ غير طامع  :

             المرآة في أداء وظيفتها ومسؤولياتها لا تطمع بناظرها ، كذلك المؤمن مع أخيه المؤمن .

 

             77 ـ الشجاعة  :

             لا تخاف المرآة في بيان الحقائق ، بل بكلّ شجاعة وبسالة تقول قولتها ، ولا  تبالي حتّى لو كسروها وحطّموها ، كذلك المؤمن .

 

             78 ـ الإحساس المُرهَف  :

             إنّ المرآة ربما تنثلم أو تنكسر بحجر صغير ، فتحمل الحسّاسية المرهفة ، وكذلك المؤمن ، فلا نجرح عواطف الآخرين بأفعالنا وكلامنا ، فكلّ واحد منّا مرآة أخيه المؤمن .

 

             79 ـ الشفّافيّة  :

             تمتاز المرآة بشفّافيّة ، والمشاهد إنّما يرى صفاءها وشفّافيتها ، وإنّها لتخفي سوادها أو احمرارها المنطبع خلفها ، وكذلك المؤمن شفّاف في سلوكه ومعاشرته مع إخوته المؤمنين .

             80 ـ السخاء  :

             إنّ المرآة تجود على مشاهديها فهي سخيّة في عطائها وفي بيان الحقائق ، وكذلك المؤمن سخيّ وجواد في طبعه وفي أمواله ووجاهته ، وإنّ الله سبحانه يحبّ السخاء ويحبّ الأسخياء ، فالمؤمن ينتفع الناس بوجوده وحياته .

 

             81 ـ الاطمئنان  :

             المرآة إنّما تحكي وتروي عن اطمئنان ، كما أنّ الناس يطمئنّون بروايتها وبيانها ، ولم يشكّ أحد في مقولتها ، فهناك اطمئنان متقابل بين المرآة وناظرها ، وكذلك المؤمنون ، فإنّ قلوبهم اطمأنّت بذكر الله ، وكان كلّ واحد للآخر مرآة ، فساد بينهم الطمأنينة والأمن .

 

             82 ـ الجمع  :

             ربما من مجموعة مرايا يرى الإنسان نفسه كاملا ، فعند جمع المرايا الصغار تتمّ  المشاهدة الكاملة ، كذلك المؤمن فربما يرى نفسه ويقف على محاسنه ومعايبه مـن  خـلال مجمـوع أفكار جماعة من المؤمنين فحينئذ يصلح نفسه ببركة ذلك الجمع .

 

             83 ـ العمل الجبّار  :

             ربما من مجموع مرايا يصدر عمل لا يصدر من مرآة واحدة ، كما في صنع المكرسكوب والتلسكوب ، كذلك المؤمن مع إخوانه يصدر منهم عمل جبّار وعظيم لا يتحقّق بواحد منهم ، وإنّ يد الله مع الجماعة ، فالمؤمن مرآة المؤمن .

             84 ـ الزهد  :

             إنّ المرآة بظاهرها تحكي السذاجة والزهد وعدم التكلّف في بيان الحقائق ، وكذلك المؤمن مع الآخرين وفي حياته الفردية والاجتماعية يعيش الزهد وعدم التكلّف ، ويدري أنّ شرّ الإخوان من تكلّف له .

 

             85 ـ كتمان السرّ  :

             إنّ المرآة حافظة السرّ ولا تذيع أسرار الناظرين بين الناس ، فما أن يتركها الناظر الذي كانت تحكي له الواقع من المعايب والمحاسن إلاّ وتكتم سرّه ، فعندما يأتي الناظر الثاني لا يفهم منها ما كان للأوّل ، وكذلك المؤمن مرآة المؤمنين فيكتم أسرارهم ، ولا يبيحها إلاّ إلى صاحبها .

 

             86 ـ الراحة  :

             كلّ شخص يحسّ بالارتياح عندما ينظر إلى المرآة ليرى نفسه ، حتّى لو حكت المرآة عيوبه ، فإنّه لا يزال يحسّ بالراحة والارتياح النفسي ، فالمرآة مظهر الراحة ، كذلك المؤمن في معاشرته وحديثه وسلوكه يرتاح الناس إليه ، فلا يكون عليهم ثقيلا فإنّه ذو دعابة وبشاشة وابتسام ، فهو مرآة المؤمنين .

 

             87 ـ عدم اليأس  :

             من الواضح أنّ المرآة لا تيأس في حكايتها وبيانها الواقعيات ، فهي تحكي العيب لمن ينظر فيها ولو تكرّر ذلك بالمئات ، فما دام الناظر لم يزل عيبه ، فهي تروي له ذلك وتذكّره كلّما التقى بها حتّى يزيله ، كذلك المؤمن لأخيه المؤمن ، فإنّه لا ييأس في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، في بيان المحاسن والعيوب ، بل دائماً يذكّره حتّى يصلح نفسه ، فإنّه يريد أن يعيش معه ويكون معه حتّى يوم القيامة وفي الجنّة ، فإنّ الأخلاّء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلاّ المتّقون ، فإنّ الذي يبني من اليوم الأوّل على التقوى أحقّ أن يقام ويخلّد إلى يوم القيامة ، فالصداقة الإيمانية التي تبتنى على التقوى إنّما تكون إلى يوم القيامة ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، فحينئذ كيف يرضى المؤمن أن يكون في أخيه المؤمن عيباً يحرمه من الجنّة ، أو لا يزيد في حسناته حتّى يكون من جوار الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)  ، فالمؤمن مرآة المؤمن .

 

             88 ـ الاستقلال  :

             إنّ المرآة لا تتعلّق بزمان ومكان كما ذكرنا ، فإنّها في بيانها مستقلّة لا تعتمد على الآخرين ، فهدفها إيصال الحقّ ، وكذلك المؤمن مع أخيه المؤمن .

 

             89 ـ النور  :

             المرآة تعكس الأنوار ، وكذلك المؤمن ، فإنّ إيمانه منبع الأنوار فهو يعكس  الأنوار الإلهيّة والنبويّة والولويّة ـ  أي المنسوبة إلى أولياء الله وهم الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ومن يحذو حذوهم من ورثة الأنبياء (عليهم السلام)   ـ  .

 

             90 ـ الأدب  :

             إنّ المرآة لتحمل في جوهرها وقولها الأدب الرفيع ، فلا تسيء في بيانها المعايب والمحاسن ، بل بكلّ لطف وأدب تروي الحقائق ، كذلك المؤمن ، فإنّه آية في الأدب الإسلامي الناصع .

             91 ـ نكران الذات  :

             المرآة لا تنظر إلى نفسها ، فهي في واقعها تنكر ذاتها من أجل الآخرين ، كذلك المؤمن يمتاز بنكران ذاتـه ، فإنّ هدفه إصلاح المجتمع ، لا إظهار نفسه ووجوده .

 

             92 ـ الطهارة  :

             إنّ المرآة في الأعراف تعدّ مظهراً للطهارة والقداسة ، فمثلا عند الفرس في عيد نوروز عيدهم الوطني ، يضعون المرآة في مائدة العيد لتحكي لهم الطهارة ، كذلك المؤمن فهو الطاهر المطهّر .

 

             93 ـ الشرف  :

             المرآة شريفة في حياتها المرآتية ، فمن شرافتها أ نّها لا تبيح السرّ لغير ناظرها ، وكذلك المؤمن شريف في حياته مع الآخرين ، ولا يرتكب ما يخلّ بشرفه وعفّته .

 

             94 ـ الكفاءة  :

             من خصائص المرآة أ نّها تمتاز بالكفاءة الذاتية في بيان الحقائق ، وهكذا تعلّم الناس بحسن الكفاءة والاستقلال الذاتي ، وكذلك المؤمن لأخيه المؤمن .

 

             95 ـ القدوة  :

             كلّ واحد في حياته بحاجة إلى قدوة واُسوة ، لما في الحياة من الهيبة ، وليطابق الإنسان سلوكه وأعماله لاُنموذج يقتدى به ويسار على هداه ، والقدوة الاُولى هو الله سبحانه ، كما ورد في الخبر الصادقي (عليه السلام)   : « تخلّقوا بأخلاق الله » ، فسبحانه قدوة الأنبياء ثمّ الأوصياء ثمّ العلماء الصلحاء الأمثل فالأمثل ، فالناس يحتاجون إلى قدوة صالحة ، لا سيّما المؤمن ، والقدوة بمنزلة المرآة يرى الإنسان فيها نفسه ليصلحها برفع نقاط الضعف منه وتقوية نقاط القوّة فيه ، فالمؤمن قدوة للآخرين (   وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَاماً   ) ([15] )  ، فالمؤمن قدوة أخيه المؤمن .

 

             96 ـ العلم  :

             إنّ المرآة لتخبر عن المحاسن والمعايب عن علم وتحكي الكلّيات منهما ، فهي بمنزلة العالمة بما تحكي وتقول ، فكذلك المؤمن إنّما يكلّم الناس عن علم ويخبر عن الكلّيات والعمومات .

 

             97 ـ المعرفة  :

             المرآة تروي الجزئيات ودقائق الحسن والعيب ، فعن معرفة تامّة تروي ما  تعلم ، فهي بمنزلة العارفة بما تقول ، فكذلك المؤمن فإنّه عارف بالله وبمعرفته عن معرفة يذكر ما يعرفه لأخيه المؤمن . والفرق بين العلم والمعرفة أنّ الأوّل في الكلّيات والثاني في الجزئيات .

 

             98 ـ الله والإنسان  :

             ربما يكون المراد من المؤمن الأوّل في قوله (صلى الله عليه وآله)   : ( المؤمن مرآة المؤمن ) هو الإنسان والمؤمن الثاني هو الله سبحانه وتعالى([16] ) فإنّ من أسمائه الحسنى كما في كتابه الكريم ( المؤمن ) .

             فالإنسان الذي هو أشرف المخلوقات ، لو آمن بالله ورسوله واليوم الآخر ، وكان مؤمناً حقّاً ، فهو مرآة الله سبحانه وتعالى ، تظهر وتتجلّى فيه أسماؤه الحسنى وصفاته العُليا ، وإنّما يتجلّى أوّلا في الإنسان الكامل الذي اشتقّ نوره من نور الله سبحانه ، وهو النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) كما جاء في حديث المعراج  : ( يا أحمد لولاك لما  خلقت الأفلاك ) فهو المؤمن الكامل حقّاً ، ثمّ يتلو في المقام وصيّه ، ثمّ الأمثل فالأمثل من عباد الله الصالحين ، وما به الاشتراك بين الأنبياء والأوصياء هو الحقيقة المحمّدية ، وهي الولاية الإلهية العظمى . وإنّ قلب المؤمن حرم الله وعرش الرحمن ، وجاء في الخبر الشريف  : يتقرّب إليّ عبدي المؤمن بالنوافل حتّى اُحبّه فإذا أحببته ، أكون سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها . وبإمكان الإنسان بلطف من الله أن يصل إلى كماله المطلق ومطلق الكمال ، إلى قاب قوسين من القرب المعنوي الروحاني أو أدنى  :

             (   وَإنَّكَ كَادِحٌ إلَى رَبِّكَ كَدْحَاً فَمُلاقِيه   ) ([17] )  .

             وإلى الله المنتهى ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فيكون الإنسان المؤمن في قوسه النزولي والصعودي مرآة ربِّه العليّ جلّ جلاله ، واجب الوجود لذاته ، المستجمع لجميع الصفات الكمالية والجلالية .

 

             99 ـ النبيّ والوصيّ (عليهما السلام)   :

             ويمكن أن يُراد من المؤمن الأوّل هو أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) والمؤمن الثاني هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعليّ مرآة أخيه محمّد (عليهما السلام)  ، ومن أراد أن يُشاهد الرسول في أخلاقه وعلمه وكمالاته ويدخل مدينة حكمته ، فعليه أن يأتي البيوت من أبوابها ، وعليّ باب مدينة علم رسول الله ، فهو مرآة حق وإيمان لأخيه محمّد (صلى الله عليه وآله) وهو القائل  : ( علّمني رسول الله ألف باب من العلم ينفتح لي من كلّ باب ألف باب ) ، فصراط عليّ حقّ نمسكه ، ومن تمسّك بولاية علي (عليه السلام) فقد تمسّك بحبل الله جلّ جلاله ، واُولئك هم الفائزون المفلحون .

*          *          *


 

 

 

 

مرآتية المؤمن في الروايات الشريفة

 

 

             بحار الأنوار([18] ) بسنده عن المعلّى بن خنيس قال  :

             قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)   : ما حقّ المؤمن على المؤمن  ؟

             قال  : سبع حقوق واجبات ما فيها حق إلاّ وهو عليه واجب ، إن خالفه خرج من ولاية الله وترك طاعته ، ولم يكن لله عزّ وجلّ فيه نصيب .

             قال  : قلت  : جُعلت فداك حدّثني ما هنّ  ؟

             قال  : يا معلّى إنّي شفيق عليك ، أخشى أن تضيّع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل .

             قلت  : لا قوّة إلاّ بالله .

             قال  : أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك ، وتكره له ما تكره لنفسك .

             والحقّ الثاني  : أن تمشي في حاجته وتبتغي رضاه ولا تخالف قوله .

             والحقّ الثالث  : أن تصله بنفسك ومالك ويدك ورجلك ولسانك .

             والحق ّالرابع  : أن تكون عينه ودليله ومرآته وقميصه .

             والحقّ الخامس  : أن لا تشبع ويجوع ، ولا تلبس ويعرى ، ولا تروى ويضمأ .

             والحقّ السادس  : أن تكون لك امرأة وخادم ، وليس لأخيك امرأة وخادم أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه ويصنع طعامه ويمهّد فرشه ، فإنّ ذلك كلّه إنّما جعل بينك وبينه .

             والحقّ السابع  : أن تبرَّ قسمه ، وتجيب دعوته ، وتشهد جنازته ، وتعوده في مرضه ، وتشخص بدنك في قضاء حاجته ، ولا تحوجه إلى أن يسألك ، ولكن تبادر إلى قضاء حاجته ، فإذا فعلت ذلك به ، وصلت ولايتك بولايته ، وولايته بولاية الله عزّ وجلّ .

             وفي الصفحة 238  : ما حقّ المسلم على المسلم .. ثمّ ينقل الرواية نفسها .

 

             البحار([19] ) بسنده عن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال  :

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : المؤمن مرآة لأخيه المؤمن ينصحه إذا غاب عنه ، ويميط عنه ما يكره إذا شهد ، ويوسّع له في المجلس .

 

             البحار([20] )  : قال الإمام الصادق (عليه السلام)   :

             لكلّ شيء شيء يستريح إليه ، وإنّ المؤمن يستريح إلى أخيه المؤمن ، كما  يستريح الطير إلى شكله ، أوَ ما رأيت ذلك  ؟

             وقال (عليه السلام)   : المؤمن أخو المؤمن هو عينه ومرآته ودليله ، لا يخونه ، ولا  يخدعه ، ولا يظلمه ، ولا يكذبه ، ولا يغتابه .

             البحار([21] ) بسنده قال أبو عبد الله (عليه السلام)   :

             المسلم أخو المسلم ، وهو عينه ومرآته ودليله ، ولا يخونه ولا يظلمه ولا  يخدعه ولا يكذبه ولا يغتابه .

             تبيين  : ( مرآته ) أي  : يبيّن محاسنه ليركبها ، ومساويه ليجتنبها ، كما هو شأن المرآة ، أو ينظر إلى ما فيه من المعايب فيتركها ، فإنّ الإنسان في غفلة من عيوب نفسه ، وكذا المحاسن .

 

             روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : ( المؤمن مرآة المؤمن )([22] ) .

 

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : المؤمن مرآة لأخيه المؤمن ينصحه إذا غاب عنه ، ويميط عنه ما يكره إذا شهد ، ويوسّع له في المجلس([23] ) .

 

             عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)   : يا كميل المؤمن مرآة المؤمن ، لأ نّه يتأمّله ، فيسدُّ فاقته ، ويجمل حالته([24] ) .


 

 

 

 

الخاتمة

 

 

             يذكر ذلك العلاّمة المجلسي في بحاره([25] ) بعد بيان تحقيقي في حقيقة القوّة الباصرة وكيفية الإبصار والاختلاف فيها ، فقال  :

             ومنها  : رؤية المرئيات في المرايا والأجسام الصقيلة ، واختلف في سببه ، وتفرّق آراؤهم إلى مذاهب أربعة  :

             الأوّل  : مذهب أصحاب الشعاع حيث ذهبوا إلى أ نّه بانعكاس الخطوط الشعاعية ، وتفصيله إنّا نعلم تجربة أنّ الشعاع ينعكس من الجسم الصقيل ، كما ينعكس شعاع الشمس من الماء إلى الجدار ، ومن المرآة إلى مقابلها ، فإذا وقع شعاع البصر على المرآة مثلا ينعكس منها إلى جسم آخر ، وضعه من المرآة من البصر على وجه تتساوى زاويتا الشعاع والانعكاس ، فإذا قابلت المرآة وجه المبصر وكان سهم المخروط الشعاعي عموداً على سطح المرآة ، وجب انعكاس ذلك الخطّ العمود من سمته بعينه إلى مركز الجليديّة ، إذ لو انعكس إلى غيره لزم تساوي زاوية قائمة مع زاوية حادّة ، وانعكست الخطوط القريبة منه إلى باقي أجزاء الوجه فيرى الوجه . وإذا كانت المرآة غير مقابلة للبصر على الوجه المذكور ، لم ينعكس الشعاع إليه ، بل إلى جسم آخر ، من شأنه أن تتساوى به الزاويتان المذكورتان . فالمرئي في المرآة إنّما هو الأمر الخارجي ، لكن لمّـا رؤي بالشعاع الذي رؤي به المرآة ، يظن أ نّه في المرآة وليس موجوداً في المرآة ، وإذا كان الوجه قريباً من المرآة والخطوط المنعكسة قصيرة ، يظنّ أن صورة المرئي قريبة من سطح المرآة ، وإذا كان الوجه بعيداً عنها والخطوط المنعكسة طويلة يظنّ الصورة غائرة فيها . واُورد عليه من الإيراد المذكور في محلّها .

             الثاني  : مذهب أصحاب الانطباع ، وتوضيحه  : أ نّه كما أنّ القوّة الباصرة بحيث إذا قابلت جسماً ملوّناً مضيئاً ارتسمت صورته فيها ، فكذلك هي بحيث إذا  قابلت جسماً صقيلا ارتسمت فيه صورة المرآة ، وشرط الانعكاس عندهم أيضاً ما مرّ من كون الجسم المقابل من المرآة مثل مقابلة المرآة للمبصر ، بحيث تتساوى زاويتا الشعاع والانعكاس من الخطوط الشعاعيّة الموهومة المفروضة المستقيمة .

             الثالث  : مذهب سخيف ضعيف ، وهو أنّ الصورة ينطبع في المرآة .

             الرابع  : مذهب أفلاطون ومن سبقه وتبعه من الإشراقيين ، حيث أثبتوا عالماً  آخر سوى هذا العالم الجسماني الذي هو المحدّد للجهات ، مع ما فيه من الأجرام  الفلكية والأجسام العنصرية ، وهو عالم متوسّط بينه وبين عالم المجرّدات العقلية الصرفة المنزّهة عن المقدار والحيّز والجهة والشكل . فإنّ أشخاص هذا العالم صور مثالية ، وأشباح برزخية ، مجرّدة عن الطبائع والموادّ ، نورانيّة ، يسمّى ذلك العالم عالم المثال ، وقالوا  : إنّ الصور المرئية في المرايا وغيرها من الأجسام الصقيلة والصور المتخيّلة وأمثالها صور موجودة قائمة بنفسها ، إذ لو كانت الصور في المرآة لما  اختلف رؤية الشيء باختلاف مواضع نظرنا إليها ، ولو كانت في الهواء لم يكن أن  ترى ، لأنّ الهواء شفّاف لم يكن أن يرى ، وكذا ما حلّ فيه ، وليست هي صورتك بعينها بأن ينعكس الشعاع من المرآة إليك ، لبطلان القول بالشعاع لوجوه مذكورة في كتب القوم ، ولا في القوّة الباصرة أو غيرها من القوى البدنية لوجوه ذكروها ، فهي صور جسمانية موجودة في عالم آخر ، متوسّط بين عالمي الحسّ والعقل يسمّى  بعالم المثال ( المثل الأفلاطونية ) ، وهي قائمة بذاتها معلّقة لا في محلّ ولا  في  مكان ، لها مظاهر كالمرآة في الصور المرئية المرآتية والخيال في الصور الخيالية .

             وجاء في ( المناقب ) لابن شهرآشوب  : ممّـا أجاب الرضا (عليه السلام) بحضرة المأمون لضباع بن نصر الهندي وعمران الصابيّ عن مسائلهما  : قال عمران  : العين نور مركّبة أم الروح تبصر الأشياء من منظرها  ؟ قال (عليه السلام)   : العين شحمة ، وهو البياض والسواد ، والنظر للروح ، دليله أ نّك تنظر فيه فترى صورتك في وسطه ، والإنسان لا يرى صورته إلاّ في ماء أو مرآة وما أشبه ذلك ...([26] )

             قال العلاّمة المجلسي في بيان ذلك  : قوله ( دليله أ نّك تنظر فيه ) كأنّ الغرض التنبيه على أنّ هذا العضو بنفسه ليس شاعراً لشيء ، لأ نّه مثل سائر الأجسام الصقيلة التي يرى فيها الوجه كالماء والمرآة ، فكما أ نّها ليست مدركة لما ينطبع فيها فكذا العين وغيرها من المشاعر ، أو دفع لتوهّم كون الانطباع دليلا على كونها شاعرة ، فيكون سنداً للمنع .

             وجاء في ( تحف العقول )  : سأل يحيى بن أكثم عن قول علي (عليه السلام)   : ( إنّ الخنثى يورث من المبال ) وقال  : فمن ينظر إذا بال إليه  ؟ مع أ نّه عسى أن تكون امرأة وقد نظر إليها الرجال  ؟ أو عسى أن يكون رجلا وقد نظرت إليه النساء  ؟ وهذا ممّـا لا  يحلّ . فأجاب أبو الحسن الثالث (عليه السلام)   : إنّ قول علي (عليه السلام)   : حقٌّ ، وينظر قوم عدول يأخذ كلّ واحد منهم مرآة ، وتقوم الخنثى خلفهم عريانة ، فينظرون في المرايا فيرون الشبح ، فيحكمون عليه .

             قال العلاّمة المجلسي  : بيان  : ظاهره أنّ الرؤية بالانطباع لا بخروج الشعاع ، لقوله (عليه السلام)   : ( فيرون الشبح ) ولأ نّه إذا كان بخروج الشعاع فلا ينفع النظر في المرآة ، لأنّ المرئي حينئذ هو الفرج أيضاً . ويمكن الجواب بوجهين  :

             الأوّل  : إنّ مبنى الأحكام الشرعية الحقائق العرفية ، لا الدقائق الحكمية ، ومن رأى امرأة في الماء لا يُقال لغةً ولا عرفاً  : إنّه رآها ، وإنّما يقال  : رأى صورتها وشبحها ، والنصوص الدالّة على تحريم النظر إلى العورة إنّما تدلّ على تحريم الرؤية المتعارفة ، وشمولها لهذا النوع من الرؤية غير معلوم . فيمكن أن يكون كلامه (عليه السلام) مبنيّاً على ذلك لا على كون الرؤية بالانطباع ، ويكون قوله ( فيرون الشبح ) مبنيّاً على ما يحكم به أهل العرف ، وذكره لبيان أنّ مثل تلك الرؤية لا تسمّى رؤية حقيقية ، لا عرفاً ولا لغةً .

             والثاني  : أ نّه يحتمل أن يكون الحكم مبنيّاً على الضرورة ، ويجوز في حال الضرورة ما لا يجوز في غيرها ـ  كلّما حرّمه الله أحلّه الاضطرار  ـ فيجوز النظر إلى العورة كنظر الطبيب والقابلة وأمثالهما ، ولمّـا كان هذا النوع من الرؤية أخفّ شناعة وأقلّ مفسدة ، اختاره (عليه السلام) لدفع الضرورة هناك بها ، فلا يدلّ على الجواز عند فقد الضرورة ، وعلى الانطباع . والأوّل أظهر . ومع ذلك لا يمكن دفع كون ظاهر الانطباع .

             وسنتكلّم في أصل الحكم في موضعه إن شاء الله تعالى([27] ) . انتهى كلامه رفع الله مقامه .

             أقول  :

             هذا غيض من فيض في حقيقة المرآة والحديث النبوي الشريف  : ( المؤمن مرآة المؤمن ) وما تصوّرناه وتبادر إلى الذهن القاصر من المعاني التي بلغت ( 99 ) معنىً ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ، وما اُوتينا من العلم إلاّ قليلا ، وفوق كلّ ذي  علم عليم ، ولا يلقّاها إلاّ ذو حظٍّ عظيم .

             وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .

 

 


([1] )  رسالة طبعت في مجلة ( نور الإسلام ) الصادرة في بيروت العدد 11 و  12 سنة 1409 بـ  ( 35 ) معنى ، وفي مجلة ( الكوثر ) الصادرة في إيران العدد الثاني لسنة 1416 بـ  ( 55 ) معنى ، وطبعت في الموسوعة مع تنقيح وإضافات بـ  ( 99 ) معنى .
([2] )  بحار الأنوار 2  : 184 ، باب 26 .
([3] )  بحار الأنوار 71  : 270 .
([4] )  جاء في بحار الأنوار ( 70  : 333 ) في تفسير القلب وسواده بالذنوب وأنّ القلب يُران ، كما في قوله تعالى  : (   بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ   )  ، فقال العلاّمة المجلسي (قدس سره)   : والمراد بما  كانوا يكسبون الأعمال الظاهرة القبيحة والأخلاق الباطنة الخبيثة فإنّ ذلك سبب لرين القلب وصداه وموجب لظلمته وعماه ، فلا يقدر أن ينظر إلى وجوه الخيرات ، ولا يستطيع أن يشاهد صور المعقولات ، كما أنّ المرآة إذا اُلقيت في مواضع النّدى ركبها الصّدا ، وأذهب صفاءها وأبطل جلاءها ، فلا يتفتش فيها صور المحسوسات . وبالجملة يشبه القلب في قسوته وغلظته وذهاب نوره ، بما يعلوه من الذنوب والهوس ، وما يكسوه من الغفلة والردى ، بالمرآة المنكدرة من الندى ، وكما أنّ هذه المرآة يمكن إزالة ظلمتها بالعمل المعلوم ، كذلك هذا القلب يمكن تصفيته من ظلمات الذنوب وكدورات الأخلاق بدوام الذكر والتوبة الخالصة والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة ، حتّى ينظر إلى عالم الغيب بنور الإيمان ويشاهد مشاهدة العيان إلى أن يبلغ إلى أعلى درجات الإحسان ، فيعبد الله كأ نّه يراه ، ويرى الجنّة وما أعدّ الله فيها =
=   لأوليائه ، ويرى النار وما أعدّ الله فيها لأعدائه . انتهى كلامه رفع الله مقامه .
البحار (  71  : 270 )  : قال العلاّمة الراوندي في ضوء الشهاب  : المرآة الآلة التي ترى فيها صورة الأشياء وهي مفعلة من الرؤية ، والمعنى أنّ المؤمن يحكي لأخيه المؤمن جميع ما يراه فيه ، فإن كان حسناً زيّنه له ليزداد منه ، وإن كان قبيحاً نبّهه عليه لينتهي عنه . انتهى .
([5] )  بحار الأنوار 68  : 325 .
([6] )  بحار الأنوار ( 73  : 239 )  : ذكر صاحب عوارف المعارف حديثاً أسنده أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان إذا سافر حمل معه خمسة أشياء  : المرآة والمكحلة والمذري والسواك والمشط ، وفي رواية اُخرى والمقراظ . وقد ذكرت أحاديث كثيرة حول الصديق والصداقة في ( معالم الصديق والصداقة ) ، مطبوع في الموسوعة ـ المجلد 11 ، فراجع .
([7] )  بحار الأنوار 10  : 91 .
([8] )  بحار الأنوار 74  ، 65 . قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : يا عليّ إذا نظرت في مرآة فكبّر ثلاثاً وقُل  : ( اللّهم كما حسّنت خلقي فحسِّن خُلقي ) .
([9] )  بحار الأنوار 1  : 169 و  182 .
([10] )  الحجرات  : 12 .
([11] )  المائدة  : 2 .
([12] )  البحار 10  : 313 .
([13] )  البحار 10  : 324 .
([14] )  بحار الأنوار 15  : 104 .
([15] )  الفرقان  : 74 .
([16] )  يقول العلاّمة المجلسي في بحاره ( 71  : 270 )  : قد ذهب بعض الصوفيّة إلى أنّ المؤمن الثاني هو الله تعالى ، أي المؤمن مظهر لصفاته الكمالية تعالى شأنه ، كما ينطبع في المرآة صورة الشخص والحديث يدلّ على أ نّه ليس بمراد من الخبر النبوي (صلى الله عليه وآله وسلم)  . وقيل  : المراد أنّ كلاّ من المؤمنين مظهر لصفات الآخر ، لأنّ في كلّ منهما صفات الآخر ، مثل الإيمان وأركانه ولواحقه وآثاره والأخلاق والآداب ولا يخفى بُعده .
([17] )  الانشقاق  : 6 .
([18] )  بحار الأنوار 71  : 224 .
([19] )  البحار 71  : 233 .
([20] )  البحار 71  : 337 .
([21] )  البحار 71  : 270 .
([22] )  البحار 71  : 270 .
([23] )  البحار 71  : 233 .
([24] )  البحار 74  : 269 و  414 .
([25] )  بحار الأنوار 58  : 265 .
([26] )  البحار 58  : 205 .
([27] )  البحار 58  : 255 .