يقول العلاّمة المجلسي في بيان ذلك  : قوله (عليه السلام)   : ( هل تجد النار يغيّرها نفسها  ؟ ) حاصله أنّ الشيء لا يؤثّر في نفسه بتغيير وإفناء وتأثير ، بل إنّما يتأثّر من غيره ، فالنار لا تتغيّر إلاّ بتأثير غيرها فيها ، والحرارة لا تحرق نفسها ، والبصر لا  ينطبع من نفسه ، بل من صورة غيره ، فالله سبحانه لا يمكن أن يتأثّر فليس من ذلك ، لأنّ أحد العضوين مؤثّر والآخر متأثّر أو يقال  : الإنسان أثّر في نفسه بتوسّط غيره وهو عضو منه ، والله سبحانه لا يتأتّى فيه ذلك ، لوحدته الحقيقيّة وبساطته المطلقة ، فلا يعقل تغيّره بفعل نفسه بوجه ، ثمّ لمّـا توهّم عمران أنّ الخلق والتأثير لا  يكون إلاّ بكون المؤثّر في الأثر ، أو الأثر في المؤثّر ، أجاب بذكر بعض الشرائط العلل الناقصة على التنظير ، فمثّل بالمرآة حيث يشترط انطباع صورة البصر في المرآة وانطباع صورة المرآة في البصر ، بوجود ضوء قائم بالهواء المتوسّط بينهما ، فالضوء علّة ناقصة لتأثّر البصر والمرآة مع عدم حصوله في شيء منهما ، وعدم حصول شيء منهما فيه ، فلِمَ لا يجوز تأثير الصانع في العالم ، مع عدم حصول العالم فيه ، ولا حصوله في العالم  ؟([13] )

 

             52 ـ الإضاءة  :

             المرآة مضيئة تنير عند انطباع شعاع النور فيها كذلك المؤمن سراجاً منيراً مضيئاً ، لما ينطبع النور الإلهي في قلبه ، فإنّ العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء كما  ورد في الخبر الشريف ، وآمنة بنت وهب لمّـا حملت نور النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان  يرى النور في وجهها ، كما جاء في الخبر  : ( وكانت آمنة بعد ذلك يُرى النور في  وجهها كأ نّه المرآة المضيئة )([14] ) .

 

             53 ـ عداء الجهّال  :

             أكثر الناس يجهلون حقيقة المرآة وكيفية تركيبها وصنعها ، إلاّ من كان من أهل الصنعة والخبرة ، وكذلك المؤمن فإنّ أغلب الناس يجهلونهم حتّى يعادونهم فإنّ الناس أعداء ما جهلوا ، إلاّ المؤمن فإنّه يعرف أخاه المؤمن ، ويقيّم إيمانه ، فإنّ المؤمن مرآة المؤمن .

 

             54 ـ ذكر الجميع  :

             من خصائص المرآة أ نّها تذكر العيوب جميعاً كما تذكر المحاسن كلّها ، فلا تغفل عن عيب وحسن ، وكذلك المؤمن لأخيه المؤمن .

 

             55 ـ الاعتماد بالنفس  :

             إنّ المرآة تعتمد على ما تقول ، ولم تتزلزل في بيان الحقائق من المحاسن والمعايب ، وكذلك المؤمن يتوكّل على الله ويعتمد على نفسه في بيان ما يلزم بيانه بالنسبة إلى أخيه المؤمن ، فإنّه مرآته كما ورد .

 

             56 ـ اليقين  :

             إنّ المرآة على يقين تامّ فيما تحكى من المعايب والمحاسن فلا تروي بشكّ وريب وظنّ ، بل بكلّ علم وقطع ويقين ، وكذلك المؤمن .

 

             57 ـ الاُنس  :

             يأنس الناس بالمرآة في حضرهم وسفرهم ، كما هي تأنس بالآخرين ، فتحكي الاُنس والمؤانسة ، وكذلك المؤمن مع المؤمنين .

 

             58 ـ البيان الواضح  :

             فإنّ المرآة لا تضرب ناظرها من الخلف بخنجر ، بل حكايتها وجهاً لوجه ، وليس لها في مقام الحكاية إلاّ الإمام ، فكذلك المؤمن مع أخيه المؤمن .

 

             59 ـ الوفاء بالعهد  :

             إنّ المرآة تفي بعهدها في إظهار الحقائق الإيجابيّة والسلبيّة على حدّ سواء ، وكذلك المؤمن للمؤمن .

 

             60 ـ عدم مطالبة الاُجرة  :

             فإنّ المرآة في أداء وظيفتها الخاصّة من البيان والتبيان والتربية والتعليم لا  تطالب الاُجرة ، وكذلك المؤمن مع أخيه المؤمن في أداء الوظائف الواجبة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يطالب بالاُجرة ، فإنّ أجره على الله سبحانه ، فلا يطالب بحطام الدنيا .

 

             61 ـ ترك الحسد  :

             فإنّ المرآة مع مرآة اُخرى في بيان الحقائق لا تحسدها فلا حسد بينهما ، بل كلّ المرايا تعمل بهدف واحد ، وكذلك المؤمن مع غيره من المؤمنين ، فإنّ هدفهم هو الله
الواحد الأحد ، فلا يحسد بعضهم بعضاً .

 

             62 ـ الجهاد  :

             إنّ المرآة تبذل الجهد والنفس والنفيس في بيان الواقع والحقيقة ، فهي دائماً في جهاد ، وكذلك المؤمن لا تراه إلاّ مجاهداً في سبيل الله ويبذل النفس والنفيس لأخيه المؤمن فإنّه مرآته ، فيسعى مشكوراً من أجل إصلاحه وتطويره برفع المساوئ وزيادة الحسنات .

 

             63 ـ الاحتياج  :

             كلّ واحد من أجل رفع الشين وزيادة الزين يحتاج إلى المرآة ، وكذلك المؤمن بحاجة ماسّة إلى أخيه المؤمن في الصلح والإصلاح والفلاح .

 

             64 ـ الشكر  :

             كلّ واحد يشكر المرآة في بيانها الحقائق ، ولا يتألّم منها ، بل يعتزّ بها ويعلّقها على الحائط ، ويشاهدها كلّ يوم ويتعاهدها بالنظافة واللطافة ، وكذلك المؤمن يتجلّى فيه الشكر ، وإنّه من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق ، فالمؤمن يتعاهد المؤمن ويشكره على ما يجود عليه من الفضائل والمكارم ، ومنها بيان المحاسن والمعايب .

 

             65 ـ النورانيّة  :

             المرآة إنّما تعكس الأشياء بعد أن ينعكس فيها النور فلا يرى الشيء في  الظلام ، وكذلك المؤمن إنّما يكون مرآة لأخيه المؤمن لو كان نورانياً بنور الله  سبحـانه وبنور رسوله وولاية أهل البيت (عليهم السلام)  ، فالمؤمن المرآتي يكون نورانياً .

 

             66 ـ الحُسن  :

             إنّ المرآة في ماهيّتها لم تتّصف بالسوء والشين ، بل في جوهرها وباطنها حسنة وجميلة ، وكذلك المؤمن حسن الباطن .

 

             67 ـ التساوي بين الرجال والنساء  :

             إنّ المرآة لا تفرّق بين الرجال والنساء والكبار والصغار في بيان المحاسن والمعايب ، كذلك المؤمن بالنسبة إلى المؤمنين والمؤمنات ، فإنّه يساوي بينهما في مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند اجتماع شرائطهما .

 

             68 ـ التكتّم  :

             إنّ المرآة تظهر العيوب الظاهرة وتحكي ذلك لناظرها دون البواطن ، فإنّها تكتم ذلك فيما كان مستوراً فلا تفضحه ، فكذلك المؤمن لأخيه المؤمن .

 

             69 ـ النقصان  :

             لو كان في المرآة نقص فإنّه لا يمنع ذلك من أن تقول الحقيقة ، وتحكي ما ينطبع فيها من المحاسن والمساوئ ، كذلك المؤمن لأخيه المؤمن ، فإنّ نقصه لا يمنعه من أن يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر .

             70 ـ ظهور الحقّ  :

             لولا المرآة لما ظهرت العيوب والمحاسن للآخرين ، وكذلك المؤمن فلولاه لما  عرف الإيمان ولا المؤمن .

             وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام)   : لولاك لما عرف المؤمنون ، فالحقّ يظهر بالمؤمن الإنسان الكامل .

 

             71 ـ الصمود  :

             لا تبالي المرآة في قولها الحقّ والحقيقة فهي صامدة ، وكذلك المؤمن مع المؤمنين يمتاز بصموده ونضاله الدؤوب .

 

             72 ـ الثبات  :

             تمتاز المرآة بأ نّها ثابتة في البيان والتبيان ، فتقول ما تراه الحقّ بكلّ ثبات ومن دون شكّ وترديد ، وكذلك المؤمن لأخيه .

 

             73 ـ العمل المتواصل  :

             إنّ المرآة لا تتعب في بيان الحقائق وإنّما تحكي ذلك دائماً بلا كسل ولا تضجّر ولا تملّل ، وكذلك المؤمن لإخوته .

 

             74 ـ بلا مكان  :

             إنّ المرآة في حكايتها تقول الحقّ في كلّ مكان ، فهي فوق المكان ، وكذلك المؤمن لأخيه المؤمن ، فإنّه لا ينحضر بمكان خاصّ في بيان الحقيقة والواقع .

             75 ـ بلا زمان  :

             المرآة تتجاوز الزمان في الحكاية والبيان ، فلا تتقيّد بزمان دون زمان ، وكذلك المؤمن ، فهو يتعدّى الزمان في قوله الحقّ .

 

             76 ـ غير طامع  :

             المرآة في أداء وظيفتها ومسؤولياتها لا تطمع بناظرها ، كذلك المؤمن مع أخيه المؤمن .

 

             77 ـ الشجاعة  :

             لا تخاف المرآة في بيان الحقائق ، بل بكلّ شجاعة وبسالة تقول قولتها ، ولا  تبالي حتّى لو كسروها وحطّموها ، كذلك المؤمن .

 

             78 ـ الإحساس المُرهَف  :

             إنّ المرآة ربما تنثلم أو تنكسر بحجر صغير ، فتحمل الحسّاسية المرهفة ، وكذلك المؤمن ، فلا نجرح عواطف الآخرين بأفعالنا وكلامنا ، فكلّ واحد منّا مرآة أخيه المؤمن .

 

             79 ـ الشفّافيّة  :

             تمتاز المرآة بشفّافيّة ، والمشاهد إنّما يرى صفاءها وشفّافيتها ، وإنّها لتخفي سوادها أو احمرارها المنطبع خلفها ، وكذلك المؤمن شفّاف في سلوكه ومعاشرته مع إخوته المؤمنين .

             80 ـ السخاء  :

             إنّ المرآة تجود على مشاهديها فهي سخيّة في عطائها وفي بيان الحقائق ، وكذلك المؤمن سخيّ وجواد في طبعه وفي أمواله ووجاهته ، وإنّ الله سبحانه يحبّ السخاء ويحبّ الأسخياء ، فالمؤمن ينتفع الناس بوجوده وحياته .

 

             81 ـ الاطمئنان  :

             المرآة إنّما تحكي وتروي عن اطمئنان ، كما أنّ الناس يطمئنّون بروايتها وبيانها ، ولم يشكّ أحد في مقولتها ، فهناك اطمئنان متقابل بين المرآة وناظرها ، وكذلك المؤمنون ، فإنّ قلوبهم اطمأنّت بذكر الله ، وكان كلّ واحد للآخر مرآة ، فساد بينهم الطمأنينة والأمن .

 

             82 ـ الجمع  :

             ربما من مجموعة مرايا يرى الإنسان نفسه كاملا ، فعند جمع المرايا الصغار تتمّ  المشاهدة الكاملة ، كذلك المؤمن فربما يرى نفسه ويقف على محاسنه ومعايبه مـن  خـلال مجمـوع أفكار جماعة من المؤمنين فحينئذ يصلح نفسه ببركة ذلك الجمع .

 

             83 ـ العمل الجبّار  :

             ربما من مجموع مرايا يصدر عمل لا يصدر من مرآة واحدة ، كما في صنع المكرسكوب والتلسكوب ، كذلك المؤمن مع إخوانه يصدر منهم عمل جبّار وعظيم لا يتحقّق بواحد منهم ، وإنّ يد الله مع الجماعة ، فالمؤمن مرآة المؤمن .

             84 ـ الزهد  :

             إنّ المرآة بظاهرها تحكي السذاجة والزهد وعدم التكلّف في بيان الحقائق ، وكذلك المؤمن مع الآخرين وفي حياته الفردية والاجتماعية يعيش الزهد وعدم التكلّف ، ويدري أنّ شرّ الإخوان من تكلّف له .

 

             85 ـ كتمان السرّ  :

             إنّ المرآة حافظة السرّ ولا تذيع أسرار الناظرين بين الناس ، فما أن يتركها الناظر الذي كانت تحكي له الواقع من المعايب والمحاسن إلاّ وتكتم سرّه ، فعندما يأتي الناظر الثاني لا يفهم منها ما كان للأوّل ، وكذلك المؤمن مرآة المؤمنين فيكتم أسرارهم ، ولا يبيحها إلاّ إلى صاحبها .

 

             86 ـ الراحة  :

             كلّ شخص يحسّ بالارتياح عندما ينظر إلى المرآة ليرى نفسه ، حتّى لو حكت المرآة عيوبه ، فإنّه لا يزال يحسّ بالراحة والارتياح النفسي ، فالمرآة مظهر الراحة ، كذلك المؤمن في معاشرته وحديثه وسلوكه يرتاح الناس إليه ، فلا يكون عليهم ثقيلا فإنّه ذو دعابة وبشاشة وابتسام ، فهو مرآة المؤمنين .

 

             87 ـ عدم اليأس  :

             من الواضح أنّ المرآة لا تيأس في حكايتها وبيانها الواقعيات ، فهي تحكي العيب لمن ينظر فيها ولو تكرّر ذلك بالمئات ، فما دام الناظر لم يزل عيبه ، فهي تروي له ذلك وتذكّره كلّما التقى بها حتّى يزيله ، كذلك المؤمن لأخيه المؤمن ، فإنّه لا ييأس في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، في بيان المحاسن والعيوب ، بل دائماً يذكّره حتّى يصلح نفسه ، فإنّه يريد أن يعيش معه ويكون معه حتّى يوم القيامة وفي الجنّة ، فإنّ الأخلاّء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلاّ المتّقون ، فإنّ الذي يبني من اليوم الأوّل على التقوى أحقّ أن يقام ويخلّد إلى يوم القيامة ، فالصداقة الإيمانية التي تبتنى على التقوى إنّما تكون إلى يوم القيامة ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، فحينئذ كيف يرضى المؤمن أن يكون في أخيه المؤمن عيباً يحرمه من الجنّة ، أو لا يزيد في حسناته حتّى يكون من جوار الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)  ، فالمؤمن مرآة المؤمن .

 

             88 ـ الاستقلال  :

             إنّ المرآة لا تتعلّق بزمان ومكان كما ذكرنا ، فإنّها في بيانها مستقلّة لا تعتمد على الآخرين ، فهدفها إيصال الحقّ ، وكذلك المؤمن مع أخيه المؤمن .

 

             89 ـ النور  :

             المرآة تعكس الأنوار ، وكذلك المؤمن ، فإنّ إيمانه منبع الأنوار فهو يعكس  الأنوار الإلهيّة والنبويّة والولويّة ـ  أي المنسوبة إلى أولياء الله وهم الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ومن يحذو حذوهم من ورثة الأنبياء (عليهم السلام)   ـ  .

 

             90 ـ الأدب  :

             إنّ المرآة لتحمل في جوهرها وقولها الأدب الرفيع ، فلا تسيء في بيانها المعايب والمحاسن ، بل بكلّ لطف وأدب تروي الحقائق ، كذلك المؤمن ، فإنّه آية في الأدب الإسلامي الناصع .

             91 ـ نكران الذات  :

             المرآة لا تنظر إلى نفسها ، فهي في واقعها تنكر ذاتها من أجل الآخرين ، كذلك المؤمن يمتاز بنكران ذاتـه ، فإنّ هدفه إصلاح المجتمع ، لا إظهار نفسه ووجوده .

 

             92 ـ الطهارة  :

             إنّ المرآة في الأعراف تعدّ مظهراً للطهارة والقداسة ، فمثلا عند الفرس في عيد نوروز عيدهم الوطني ، يضعون المرآة في مائدة العيد لتحكي لهم الطهارة ، كذلك المؤمن فهو الطاهر المطهّر .

 

             93 ـ الشرف  :

             المرآة شريفة في حياتها المرآتية ، فمن شرافتها أ نّها لا تبيح السرّ لغير ناظرها ، وكذلك المؤمن شريف في حياته مع الآخرين ، ولا يرتكب ما يخلّ بشرفه وعفّته .

 

             94 ـ الكفاءة  :

             من خصائص المرآة أ نّها تمتاز بالكفاءة الذاتية في بيان الحقائق ، وهكذا تعلّم الناس بحسن الكفاءة والاستقلال الذاتي ، وكذلك المؤمن لأخيه المؤمن .

 

             95 ـ القدوة  :

             كلّ واحد في حياته بحاجة إلى قدوة واُسوة ، لما في الحياة من الهيبة ، وليطابق الإنسان سلوكه وأعماله لاُنموذج يقتدى به ويسار على هداه ، والقدوة الاُولى هو الله سبحانه ، كما ورد في الخبر الصادقي (عليه السلام)   : « تخلّقوا بأخلاق الله » ، فسبحانه قدوة الأنبياء ثمّ الأوصياء ثمّ العلماء الصلحاء الأمثل فالأمثل ، فالناس يحتاجون إلى قدوة صالحة ، لا سيّما المؤمن ، والقدوة بمنزلة المرآة يرى الإنسان فيها نفسه ليصلحها برفع نقاط الضعف منه وتقوية نقاط القوّة فيه ، فالمؤمن قدوة للآخرين (   وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَاماً   ) ([15] )  ، فالمؤمن قدوة أخيه المؤمن .

 

             96 ـ العلم  :

             إنّ المرآة لتخبر عن المحاسن والمعايب عن علم وتحكي الكلّيات منهما ، فهي بمنزلة العالمة بما تحكي وتقول ، فكذلك المؤمن إنّما يكلّم الناس عن علم ويخبر عن الكلّيات والعمومات .

 

             97 ـ المعرفة  :

             المرآة تروي الجزئيات ودقائق الحسن والعيب ، فعن معرفة تامّة تروي ما  تعلم ، فهي بمنزلة العارفة بما تقول ، فكذلك المؤمن فإنّه عارف بالله وبمعرفته عن معرفة يذكر ما يعرفه لأخيه المؤمن . والفرق بين العلم والمعرفة أنّ الأوّل في الكلّيات والثاني في الجزئيات .

 

             98 ـ الله والإنسان  :

             ربما يكون المراد من المؤمن الأوّل في قوله (صلى الله عليه وآله)   : ( المؤمن مرآة المؤمن ) هو الإنسان والمؤمن الثاني هو الله سبحانه وتعالى([16] ) فإنّ من أسمائه الحسنى كما في كتابه الكريم ( المؤمن ) .

             فالإنسان الذي هو أشرف المخلوقات ، لو آمن بالله ورسوله واليوم الآخر ، وكان مؤمناً حقّاً ، فهو مرآة الله سبحانه وتعالى ، تظهر وتتجلّى فيه أسماؤه الحسنى وصفاته العُليا ، وإنّما يتجلّى أوّلا في الإنسان الكامل الذي اشتقّ نوره من نور الله سبحانه ، وهو النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) كما جاء في حديث المعراج  : ( يا أحمد لولاك لما  خلقت الأفلاك ) فهو المؤمن الكامل حقّاً ، ثمّ يتلو في المقام وصيّه ، ثمّ الأمثل فالأمثل من عباد الله الصالحين ، وما به الاشتراك بين الأنبياء والأوصياء هو الحقيقة المحمّدية ، وهي الولاية الإلهية العظمى . وإنّ قلب المؤمن حرم الله وعرش الرحمن ، وجاء في الخبر الشريف  : يتقرّب إليّ عبدي المؤمن بالنوافل حتّى اُحبّه فإذا أحببته ، أكون سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها . وبإمكان الإنسان بلطف من الله أن يصل إلى كماله المطلق ومطلق الكمال ، إلى قاب قوسين من القرب المعنوي الروحاني أو أدنى  :

             (   وَإنَّكَ كَادِحٌ إلَى رَبِّكَ كَدْحَاً فَمُلاقِيه   ) ([17] )  .

             وإلى الله المنتهى ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فيكون الإنسان المؤمن في قوسه النزولي والصعودي مرآة ربِّه العليّ جلّ جلاله ، واجب الوجود لذاته ، المستجمع لجميع الصفات الكمالية والجلالية .

 

             99 ـ النبيّ والوصيّ (عليهما السلام)   :

             ويمكن أن يُراد من المؤمن الأوّل هو أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) والمؤمن الثاني هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعليّ مرآة أخيه محمّد (عليهما السلام)  ، ومن أراد أن يُشاهد الرسول في أخلاقه وعلمه وكمالاته ويدخل مدينة حكمته ، فعليه أن يأتي البيوت من أبوابها ، وعليّ باب مدينة علم رسول الله ، فهو مرآة حق وإيمان لأخيه محمّد (صلى الله عليه وآله) وهو القائل  : ( علّمني رسول الله ألف باب من العلم ينفتح لي من كلّ باب ألف باب ) ، فصراط عليّ حقّ نمسكه ، ومن تمسّك بولاية علي (عليه السلام) فقد تمسّك بحبل الله جلّ جلاله ، واُولئك هم الفائزون المفلحون .

*          *          *


 

 

 

 

مرآتية المؤمن في الروايات الشريفة

 

 

             بحار الأنوار([18] ) بسنده عن المعلّى بن خنيس قال  :

             قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)   : ما حقّ المؤمن على المؤمن  ؟

             قال  : سبع حقوق واجبات ما فيها حق إلاّ وهو عليه واجب ، إن خالفه خرج من ولاية الله وترك طاعته ، ولم يكن لله عزّ وجلّ فيه نصيب .

             قال  : قلت  : جُعلت فداك حدّثني ما هنّ  ؟

             قال  : يا معلّى إنّي شفيق عليك ، أخشى أن تضيّع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل .

             قلت  : لا قوّة إلاّ بالله .

             قال  : أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك ، وتكره له ما تكره لنفسك .

             والحقّ الثاني  : أن تمشي في حاجته وتبتغي رضاه ولا تخالف قوله .

             والحقّ الثالث  : أن تصله بنفسك ومالك ويدك ورجلك ولسانك .

             والحق ّالرابع  : أن تكون عينه ودليله ومرآته وقميصه .

             والحقّ الخامس  : أن لا تشبع ويجوع ، ولا تلبس ويعرى ، ولا تروى ويضمأ .

             والحقّ السادس  : أن تكون لك امرأة وخادم ، وليس لأخيك امرأة وخادم أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه ويصنع طعامه ويمهّد فرشه ، فإنّ ذلك كلّه إنّما جعل بينك وبينه .

             والحقّ السابع  : أن تبرَّ قسمه ، وتجيب دعوته ، وتشهد جنازته ، وتعوده في مرضه ، وتشخص بدنك في قضاء حاجته ، ولا تحوجه إلى أن يسألك ، ولكن تبادر إلى قضاء حاجته ، فإذا فعلت ذلك به ، وصلت ولايتك بولايته ، وولايته بولاية الله عزّ وجلّ .

             وفي الصفحة 238  : ما حقّ المسلم على المسلم .. ثمّ ينقل الرواية نفسها .

 

             البحار([19] ) بسنده عن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال  :

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : المؤمن مرآة لأخيه المؤمن ينصحه إذا غاب عنه ، ويميط عنه ما يكره إذا شهد ، ويوسّع له في المجلس .

 

             البحار([20] )  : قال الإمام الصادق (عليه السلام)   :

             لكلّ شيء شيء يستريح إليه ، وإنّ المؤمن يستريح إلى أخيه المؤمن ، كما  يستريح الطير إلى شكله ، أوَ ما رأيت ذلك  ؟

             وقال (عليه السلام)   : المؤمن أخو المؤمن هو عينه ومرآته ودليله ، لا يخونه ، ولا  يخدعه ، ولا يظلمه ، ولا يكذبه ، ولا يغتابه .

             البحار([21] ) بسنده قال أبو عبد الله (عليه السلام)   :

             المسلم أخو المسلم ، وهو عينه ومرآته ودليله ، ولا يخونه ولا يظلمه ولا  يخدعه ولا يكذبه ولا يغتابه .

             تبيين  : ( مرآته ) أي  : يبيّن محاسنه ليركبها ، ومساويه ليجتنبها ، كما هو شأن المرآة ، أو ينظر إلى ما فيه من المعايب فيتركها ، فإنّ الإنسان في غفلة من عيوب نفسه ، وكذا المحاسن .

 

             روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : ( المؤمن مرآة المؤمن )([22] ) .

 

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : المؤمن مرآة لأخيه المؤمن ينصحه إذا غاب عنه ، ويميط عنه ما يكره إذا شهد ، ويوسّع له في المجلس([23] ) .

 

             عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)   : يا كميل المؤمن مرآة المؤمن ، لأ نّه يتأمّله ، فيسدُّ فاقته ، ويجمل حالته([24] ) .


 

 

 

 

الخاتمة

 

 

             يذكر ذلك العلاّمة المجلسي في بحاره([25] ) بعد بيان تحقيقي في حقيقة القوّة الباصرة وكيفية الإبصار والاختلاف فيها ، فقال  :

             ومنها  : رؤية المرئيات في المرايا والأجسام الصقيلة ، واختلف في سببه ، وتفرّق آراؤهم إلى مذاهب أربعة  :

             الأوّل  : مذهب أصحاب الشعاع حيث ذهبوا إلى أ نّه بانعكاس الخطوط الشعاعية ، وتفصيله إنّا نعلم تجربة أنّ الشعاع ينعكس من الجسم الصقيل ، كما ينعكس شعاع الشمس من الماء إلى الجدار ، ومن المرآة إلى مقابلها ، فإذا وقع شعاع البصر على المرآة مثلا ينعكس منها إلى جسم آخر ، وضعه من المرآة من البصر على وجه تتساوى زاويتا الشعاع والانعكاس ، فإذا قابلت المرآة وجه المبصر وكان سهم المخروط الشعاعي عموداً على سطح المرآة ، وجب انعكاس ذلك الخطّ العمود من سمته بعينه إلى مركز الجليديّة ، إذ لو انعكس إلى غيره لزم تساوي زاوية قائمة مع زاوية حادّة ، وانعكست الخطوط القريبة منه إلى باقي أجزاء الوجه فيرى الوجه . وإذا كانت المرآة غير مقابلة للبصر على الوجه المذكور ، لم ينعكس الشعاع إليه ، بل إلى جسم آخر ، من شأنه أن تتساوى به الزاويتان المذكورتان . فالمرئي في المرآة إنّما هو الأمر الخارجي ، لكن لمّـا رؤي بالشعاع الذي رؤي به المرآة ، يظن أ نّه في المرآة وليس موجوداً في المرآة ، وإذا كان الوجه قريباً من المرآة والخطوط المنعكسة قصيرة ، يظنّ أن صورة المرئي قريبة من سطح المرآة ، وإذا كان الوجه بعيداً عنها والخطوط المنعكسة طويلة يظنّ الصورة غائرة فيها . واُورد عليه من الإيراد المذكور في محلّها .

             الثاني  : مذهب أصحاب الانطباع ، وتوضيحه  : أ نّه كما أنّ القوّة الباصرة بحيث إذا قابلت جسماً ملوّناً مضيئاً ارتسمت صورته فيها ، فكذلك هي بحيث إذا  قابلت جسماً صقيلا ارتسمت فيه صورة المرآة ، وشرط الانعكاس عندهم أيضاً ما مرّ من كون الجسم المقابل من المرآة مثل مقابلة المرآة للمبصر ، بحيث تتساوى زاويتا الشعاع والانعكاس من الخطوط الشعاعيّة الموهومة المفروضة المستقيمة .