وقال (صلى الله
عليه وآله) :
ليغشينّ اُمّتي من بعدي فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي
كافراً ، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا
قليل .
وقال (عليه
السلام) :
كن في الفتنة كابن اللبون ، لا ظهر فيركب ، ولا ضرع فيحلب( [295]) .
6 ـ التزيّن :
فإنّ
الشيطان يزيّن أعمال المفسدين والفاسقين ، وهذا من أهمّ أساليب الشياطين من
الجنّ والإنس بعضهم مع بعض ، فكلّ واحد يزيّن للآخر عمله ، حتّى يبقى في
الضلال ، كما لا يبقى وحده في وادي الجهل والضلال :
( وَإذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ
أعْمَالَهُمْ ) ، أي اذكروا إذ زيّن الشيطان
للمشركين أعمالهم فحسّنها في نفوسهم ، فإنّ إبليس حسّن لقريش مسيرهم إلى بدر
لقتال النبيّ : ( وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ
اليَوْمَ مِنَ النَّاسِ ) ، أي لا يغلبكم
أحد من الناس لكثرة عددكم وقوّتكم ( وَإنِّي ) مع ذلك ( جَارٌ
لَكُمْ ) وناصر لكم ودافع عنكم السوء ،
وإنّي عاقد لكم عقد الأمان من عدوّكم ( فَلَمَّا
تَرَاءَتِ الفِئَتَانِ ) أي التقت الفرقتان ( نَكَصَ
عَلَى عَقِبَيْهِ ) أي رجع القهقرى منهزماً وراءه ( وَقَالَ
إنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إنِّي أرَى مَا لا تَرَوْنَ ) فكان يرى
من الملائكة الذين جاؤوا لنصر المسلمين ( إنِّي
أخَافُ اللهَ ) أي عذابه على أيدي من أراهم ( وَاللهُ
شَدِيدُ العِقَابِ ) ( [296]) .
ونتيجة
الذنوب قساوة القلوب ، ونتيجة القساوة أنّ الشيطان يزيّن الأعمال لمن قسى
قلبه :
( وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( [297]) .
( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أعْمَالَهُمْ
فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ) ( [298]) .
( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أعْمَالَهُمْ
فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ) ( [299]) .
( تَاللهِ لَقَدْ أرْسَلْنَا إلَى اُمَم مِنْ
قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أعْمَالَهُمْ ) ( [300]) .
7 ـ تغيّر خلق الله :
من أساليب
الشيطان كما قال : ( وَلاَمُرَنَّهُمْ
فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ ) ( [301]) ، هو
تغيّر خلق الله .
وقد ورد في
الخبر الشريف عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، في
قول الله ( وَلاَمُرَنَّهُمْ
فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ ) ،
قال : دين الله ، وفي خبر آخر قال : أمر الله بما أمر
به .
وقال
الطبرسي (رحمه
الله) :
قيل : يريد دين الله وأمره ، عن ابن عباس وإبراهيم ومجاهد والحسن
وقتادة ، وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ،
ويؤيّده قوله سبحانه : ( فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي
فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ) ( [302]) ،
وأراد بذلك تحريم الحلال وتحليل الحرام ، وقيل : أراد
الخصاء ، وقيل : إنّه الوشم ، وقيل : إنّه أراد
الشمس والقمر والحجارة عدلوا عن الانتفاع بها إلى عبادتها( [303]) .
8 ـ زخرف القول :
( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً
شَيَاطِينَ الإنسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى بَعْض زُخْرُفَ القَوْلِ
غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) ( [304]) .
9 ـ أكل الربا :
من الفواحش
والأساليب الشيطانية في المجتمع السالم أكل الربا وترويجه ، حتّى تنهار اُسس
الاقتصاد السليم ، فمن يأكل الربا إنّما هو من أتباع الشيطان :
( الَّذِينَ يَأكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ
إلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ المَسِّ ) ( [305]) .
والناس
يقولون في الربا : ( إنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ
الرِّبَا ) ( [306]) ،
ولكنّ الله سبحانه يراه حرباً معه جلّ جلاله : ( فَأذَنُوا
بِحَرْب مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) ( [307]) .
قال رسول
الله (صلى
الله عليه وآله) : شرّ الكسب كسب الربا .
وقال :
إنّ الله عزّ وجلّ لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه .
وقال :
سيأتي زمان لا يبقى منهم أحد إلاّ أكل الربا ، فإن لم يأكله أصابه من
غباره .
قال الإمام
الرضا (عليه
السلام) :
اعلم يرحمك الله أنّ الربا حرام سحت من الكبائر وممّـا وعد الله عليه النار فتعوّذ
بالله منها ، وهو محرّم على لسان كلّ نبيّ وفي كلّ كتاب .
عن الإمام
الصادق (عليه
السلام) :
قال رسول
الله (صلى
الله عليه وآله) : لمّـا اُسري بي إلى السماء رأيت قوماً يريد
أحدهم أن يقوم فلا يقدر أن يقوم من عظم بطنه ، فقلت : من هؤلاء يا
جبرائيل ؟
قال :
هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من
المسّ .
وقال (صلى الله
عليه وآله) :
أتيت ليلة اُسري بي على قوم بطونهم كالبيوت فيها حيّات ترى من خارج بطونهم ،
فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ قال : هؤلاء أكلة
الربا .
قال الإمام
الصادق (عليه
السلام) :
آكل الربا لا يخرج من الدنيا حتّى يتخبّطه الشيطان .
وقال رسول
الله (صلى
الله عليه وآله) : من أكل الربا ملأ الله عزّ وجلّ بطنه من نار
جهنّم بقدر ما أكل وإن اكتسب منه مالا لا يقبل الله تعالى منه شيئاً من
عمله ، ولم يزل في لعنة الله والملائكة ما كان عنده منه قيراط واحد .
قال الصادق
(عليه
السلام) :
درهم ربا يأكله أعظم عند الله من ثلاثين زنية كلّها بذات محرم مثل خاله
وعمّه .
وقال :
درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية بذات محرم في بيت الله الحرام .
وإنّما
حرّم الربا لما فيه من فساد الأموال ومنع المعروف ولترك الناس التجارات المحلّلة
التي تنفع البلاد ، ومن اتّجر بغير فقه ارتطم في الربا ثمّ ارتطم ، فلا
بدّ من الفقه والفهم في الدين وفي أحكام التجارة ، وإذا كثر المال بالربا
فإنّه يوجب محق الدين وزواله .
وما أكثر
الروايات في ذمّ الربا والمرابي( [308]) .
10 ـ الخمر والميسر :
من أعمال
الشيطان ومنكراته التي تهدم صرح المجتمع وتفشي فيه الفساد هو الخمر
والقمار :
( إنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ
وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ) ( [309]) .
( إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أنْ يُوقِعَ
بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ ) ( [310]) .
وعندنا
المئات من الأخبار الشريفة عن النبيّ والعترة (عليهم السلام) في ذمّ
الخمر والقمار ، لم نتعرّض لها طلباً للاختصار .
11 ـ النجوى :
( إنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ
لِـيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) ( [311]) .
النجوى
يعني أن يتكلّم همساً أحد الجليسين مثلا في اُذن الآخر مع حضور الآخرين .
ويقول الله
سبحانه :
( أ لَمْ يَعْلَمُوا أنَّ اللهَ يَعْلَمُ
سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأنَّ اللهَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ ) ( [312]) .
قال رسول
الله (صلى
الله عليه وآله) : إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون
الثالث .
وقال (صلى الله
عليه وآله) :
إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتّى يختلطوا بالناس ، فإنّ ذلك
يحزنه( [313]) .
وترك
النجوى من الأخلاق الإسلامية ، كما أنّ النجوى من فعل الشيطان ليؤذي ويحزن
المؤمنين .
12 ـ الأمر بالفحشاء والمنكر :
إنّ الله
يأمر بالعدل والإحسان ، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر ، وبالظلم
والعداء والتجاوز وبالشرّ والشين والفجور :
( وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
فَإنَّهُ يَأمُرُ بِالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ ) ( [314]) .
( كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا
تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) ( [315]) .
13 ـ الرجز :
( وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ
وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ) ( [316]) .
والآية
الشريفة نزلت في قصّة بدر وهي أوّل غزوة في الإسلام ، وتشير وغيرها من الآيات
كيف نصر الله المؤمنين بالملائكة ، وأنزل عليهم من السماء ماءً ليطهّرهم
به ويذهب عنهم رجز الشيطان وليربط على قلوبهم ويثبّت به الأقدام( [317]) ،
والرجز هو الرجس والقذارة والمراد برجز الشيطان القذارة التي يطرأ القلب من وسوسته
وتسويله . ومعنى الآية : إنّ النصر والإمذاد بالبشرى واطمئنان
القلوب كان في وقت يأخذكم النعاس للأمن الذي أفاضه الله على قلوبكم ، فنمتم ولو
كنتم خائفين مرتاعين لم يأخذكم نعاسٌ ولا نوم ، وينزل عليكم المطر ليطهّركم
به ويذهب عنكم وسوسة الشيطان وليربط على قلوبكم ويشدّ عليها ـ وهو
كناية عن التشجيع ـ وليثبّت بالمطر أقدامكم في الحرب بتلبّد الرمل أو
بثبات القلوب .
14 ـ النسيان :
يقال إنّ
الإنسان خلق من النسيان ، فإنّه كثيراً ما يبتلى بالنسيان ، ولكنّ
المؤمن متذكّر يذكر الله سبحانه ، فهو قليل النسيان ، وربما يبتليه
الشيطان بالنسيان كما قال من كان مع موسى بن عمران (عليه السلام) :
( فَإنِّي نَسِيتُ الحُوتَ وَمَا أ نْسَانِي
إلاَّ الشَّيْطَانُ أنْ أذْكُرَهُ ) ( [318]) .
( وَإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا
تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ( [319]) .
( إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ
طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا ) ( [320]) .
( فَأنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ
فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ) ( [321]) .
وهذا نتيجة
النسيان لذكر الله ولو لحظة من اللحظات ، إنّه مثل يوسف النبي (عليه
السلام)
يسجن سبع سنوات أو يزيد في تركه الأولى ، فكيف باُولئك الذين :
( اسْتَحْوَذَ عَلَـيْهِمُ الشَّيْطَانُ
فَأنسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ ) ( [322]) .
15 ـ الأماني :
من
الأساليب الشيطانية التمنّي الفارغ في الحياة ، حتّى المقرّبين ربما يبتلون
بهذا الاُسلوب الذي يعدّ مقدّمة للضلال والهلاك :
( وَمَا أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول
وَلا نَبِيٍّ إلاَّ إذَا تَمَنَّى أ لْقَى الشَّيْطَانُ فِي
اُمْنِيَّـتِهِ ) ( [323]) .
( فَيَـنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ
ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ ) (7) .
( لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً
لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) ( [324]) .
16 ـ التجارة الشيطانية :
إنّ عيسى
بن مريم (عليه
السلام)
لقى إبليس وهو يسوق خمسة أحمرة عليها أحمال ، فسأله عن الأحمال
فقال : تجارة أطلب لها مشتريهن .
فقال :
وما هي التجارة ؟
قال :
إحداها الجور .
قال :
ومن يشتريه ؟
قال :
السلاطين .
ثمّ ذكر
الكبر ويشتريه الدهاقين ، ثمّ الحسد ويشتريه العلماء ، والخيانة
ويشتريها عمّـال التجّار ، والكيد ويشتريه النساء( [325]) .
إنّ كيدهن
لعظيم ، فإنّه من تجارة الشيطان .
17 ـ الحسد والبغي :
إنّما دخل
الشيطان النار بحسده وكِبره ، وإنّه حسد آدم على علمه وتكبّر عليه بعدم
التواضع له بالسجود ، فبغى على نفسه ثمّ على ذرّية آدم ، وألقى الحسد
بين الناس لا سيّما بين العلماء ، كما ورد في الخبر أ نّه كان يحمل
أمتعة على عشرة من الإبل ، فسئل عنها ، فأجاب : إنّه
الحسد ، تسعة منها للعلماء ، وواحدة لجميع الناس ، واشترك العلماء
فيه أيضاً .
قال أمير
المؤمنين (عليه
السلام) :
الله الله في عاجل البغي وآجله ، وخامة الظلم وسوء عاقبة الكبر ، فإنّها
مصيدة إبليس العظمى ومكيدته الكبرى( [326]) .
قال الإمام
الصادق (عليه
السلام) :
يقول إبليس لجنوده : ألقوا بينهم الحسد والبغي ، فإنّهما يعدلان
عند الله الشرك .
وكلّ شيء
نرجع علمه إلى الله ورسوله ، إلى القرآن الكريم وعترة النبيّ (عليهم
السلام) .
قال أمير
المؤمنين (عليه
السلام) :
انظر أ يّها السائل ، فما دلّك القرآن عليه من صفته فائتمّ به ،
واستضيء بنور هدايته ، وما كلّفك الشيطان علمه ممّـا ليس في الكتاب عليك فرضه
ولا في سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأئمة الهدى أثره
فكِلْ علمه إلى الله سبحانه ، فإنّ ذلك منتهى حقّ الله عليك( [327]) .
الفصل الخامس
كيف الخلاص من الشيطان ؟
إذا عرفت
أنّ عدوّك اللدود الذي أعدّ نفسه وجنده لهلاكك وكفرك وتحطيم إنسانيتك وكيانك
وشخصيّتك ، وأ نّه لك بالمرصاد ليل نهار ، ولا يغفل عن غوايتك
وضلالك أبداً ، ما دمت لم تعتصم بالله سبحانه ، فيأتيك بخطوات وسوسته
وصوته ، ثمّ بخيله ورجله ، وهكذا حتّى يقول لك : اكفر بالله
ثمّ يتبرّأ منك ، إذا عرفت هذا الشيطان عدوّك ، فإنّك ومن العقل السليم
أن تجاهده وتحاربه وتتخلّص من شروره وفتنه وأحزابه وأعوانه وجنده ، فتبحث عن
أهمّ الوسائل الحربية للخلاص من كيده ومكره وحِيله ، فإنّه وكما ورد في
الأمثال : الحديد بالحديد يُفلح ، فتعال معي لنأخذ دروس وأسلحة
الخلاص من شرّ الشياطين ، وذلك من كلام الوحي وأهله ، من الرسول الأكرم
وعترته الطاهرين .
فمن أدوات
الخلاص :
1 ـ التواضع :
فإنّ من تواضع لله رفعه ، ومن يتسلّح
بسلاح التواضع للحقّ ، فإنّه يتخلّص من كيد الشياطين ، فإنّ الشيطان
إنّما حرّم من رحمة الله وجنّات عرضها السماوات والأرض ، ومن قرب الله
ورضوانه بالتكبّر ، فإنّه أخذته العزّة بالإثم ، ولم يتواضع
لآدم
ولما عنده من العلم ، فاستكبر وكان من الكافرين ، فمن يحمل صفة التكبّر
من دون الله ، فإنّه من الشيطان ، وما يقابل التكبّر التواضع ،
فخير سلاح للخلاص من شرّ الشيطان كما قال أمير المؤمنين علي (عليه
السلام) :
اتّخذوا التواضع مسلحة بينكم وبين عدوّكم إبليس وجنوده ، فإنّ له من كلّ
اُمّة جنوداً وأعواناً ورَجِلا وفرساناً( [328]) .
أتى إبليس نوح لمّـا ركب السفينة فقال له
نوح : من أنت ؟ قال : أنا إبليس ،
قال : فما جاء بك ؟ قال : جئت تسأل ربّك هل لي
من توبة ؟ فأوحى الله إليه : أنّ توبته أن يأتي قبر آدم
فيسجد له ، قال : أمّا أنا لم أسجد له حيّاً أسجد له ميّتاً ؟
قال : فاستكبر وكان من الكافرين( [329]) .
2
ـ الصوم والصدقة والحبّ في الله :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
ألا اُخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم تباعد المشرق
والمغرب ؟ قالوا : بلى ، قال : الصوم يسوّد
وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحبّ في الله والمؤازرة على العمل الصالح
يقطعان دابره ، والاستغفار يقطع وتينه( [330]) .
قال الإمام الباقر (عليه السلام) :
عليكم بالصدقة ، فبكّروا بها فإنّها تسوّد وجه إبليس( [331]) .
قال إبليس
لموسى نبيّ الله : إذا هممت بصدقة فامضها ، وإذا همّ العبد بصدقة
كنت
صاحبه دون أصحابي حتّى أحول بينه وبينها( [332]) .
وهذا يعني
أنّ الشيطان الأكبر بنفسه يأتي ليضلّ هذا العبد الذي نوى أن يتصدّق في سبيل الله
سبحانه ، وبنظري إنّ النيّة الاُولى في الصدقة لله ، فإنّ المرء في
بداية الأمر ينوي أن يعطي مالا في سبيل الله كتزويج فقير مثلا ألف دينار ،
ولكن بعد لحظات يرى أنّ نيّته انقلبت من الألف إلى النصف ، فهذه من
الشيطان ، فالشعلة الاُولى من الله ، ولكن الثانية من الشيطان وهكذا
حتّى يترك الإنسان صدقته وتطفي الشعلة ، فيظلّم الإنسان بعدما كان نورانياً
بنيّة الصدقة ودفعها ، فلا بدّ من المبادرة ، فإنّ خير البرّ
عاجله .
3 ـ الاعتصام بالله والاتكال عليه :
ما أكثر
الآيات التي تقول بالاعتصام بالله وبحبله الكريم :
( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ
جَمِيعاً ) ( [333]) .
والاتكال
عليه :
( وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
المُؤْمِنُونَ ) ( [334]) .
وما أكثر
الروايات في مثل هذه الاُمور الإلهيّة والأخلاق الربانية ، وإنّها من أهمّ
الوسائل التي يتخلّص الإنسان من شرور الشيطان .
يقول
الإمام الصادق (عليه
السلام) :
قال إبليس : خمسة أشياء ليس لي فيهنّ حيلة ، وسائر الناس في
قبضتي : من اعتصم بالله عن نيّه صادقة ، واتّكل عليه في جميع
اُموره ، ومن كثر تسبيحه في ليله ونهاره ، ومن رضي لأخيه المؤمن ما
يرضاه لنفسه ، ومن لم يجزع عن المصيبة حين تصيبه ، ومن رضي بما قسم الله
له ولم يهتمّ لرزقه( [335]) .
4 ـ الدعاء :
الدعاء مخّ
العبادة وسلاح المؤمن ، ولولاه لما اعتنى الله بالإنسان ، وإنّ المتكبّر
عن عبادة الله من لم يدعُ ، فالدعاء من أمضى الأسلحة في وجه الشيطان
وكيده .
يقول أمير
المؤمنين علي (عليه
السلام) :
أكثر الدعاء تسلم من سورة الشيطان( [336]) .
والدعاء
يعني الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى .
5 ـ الولاية الرحمانية ( [337]) :
الله الله
بالولاية ، فما أدراك ما الولاية ، تلك ولاية الله ورسوله وأهل بيته
الأطهار (عليهم
السلام)
فإنّها حصن الله الحصين ، ومن دخل حصن الله أمن من عذاب الله ، وأمن من
مكر الشيطان وكانت عاقبته على خير ، وأ نّه يتوفّق للتوبة ويرجع إلى
ربّه منيباً تائباً مستغفراً ، وهذا كلّه من بركات الولاية .
قال الإمام
الصادق (عليه
السلام)
في قوله تعالى : ( إنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى
الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) ( [338]) ،
ليس له أن يزيلهم عن الولاية ، فأمّا الذنوب وأشباه ذلك فإنّه ينال منهم كما
ينال من غيرهم( [339]) .
وقال
الشيطان لمحمّد الصوفي لمّـا قال له : بحقّ الله عليك إلاّ دللتني على
عمل أتقرّب به إلى الله وأستعين به على نوائب دهري ، فقال : اقنع
من دنياك العفاف والكفاف واستعن على الآخرة بحبّ عليّ بن أبي طالب (عليه
السلام)
وبغض أعدائه ، فإنّي عبدت الله في سبع سماواته وعصيته في سبع أرضيه ،
فلا وجدت ملكاً مقرّباً ولا نبيّاً مرسلا إلاّ وهو يتقرّب بحبّه .
قال : ثمّ غاب عن بصري ، فأتيت أبا جعفر (عليه السلام) فأخبرته
بخبره فقال : آمن الملعون بلسانه وكفر بقلبه( [340]) .
6 ـ ذكر الله والصلاة على محمّد وآله ( [341]) :
فإنّ
الشيطان يفرّ من الذاكر لله ومن يصلّى على محمّد وآله . أخبرنا بذلك الرسول
الأكرم في قوله (صلى الله عليه وآله) : ألا
فاذكروا يا اُمّة محمّد محمّداً وآله عند نوائبكم وشدائدكم لينصر الله بهم
ملائكتكم على الشياطين الذين يقصدونكم ، فإنّ كلّ واحد منكم معه ملك عن يمينه
يكتب حسناته ، وملك عن يساره يكتب سيّئاته ، ومعه شيطانان من عند إبليس
يغويانه ، فإذا وسوسا في قلبه ذكر الله وقال : ( لا حول
ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم وصلّى على محمّد وآله ) ، حبس
الشيطانان ، ثمّ سار إلى إبليس فشكواه وقالا له : قد أعيانا أمره
فأمددنا بالمردة ، فلا يزال يمدّهما حتّى يمدّهما بألف مارد فيأتونه ،
فكلّما راموه ذكر الله وصلّى على محمّد وآله الطيّبين لم يجدوا عليه طريقاً ولا
منفذاً ، قالوا لإبليس : ليس له غيرك تباشره بجنودك فتغلبه
وتغويه ، فيقصده إبليس بجنوده فيقول الله تعالى للملائكة : هذا
إبليس قد قصد عبدي فلاناً ، أو أمتي فلانة بجنوده ، ألا فقاتلوه
فيقاتلهم بإزاء كلّ شيطان رجيم منهم ألف ملك ، وهم على أفراس من نار بأيديهم
سيوف من نار ورماح من نار وقسيّ ونشاشيب وسكاكين وأسلحتهم من نار ، فلا
يزالون يخرجونهم ويقتلونهم بها ويأسرون إبليس فيضعفون عليه تلك الأسلحة
فيقول : يا ربّ وعدك وعدك ، قد أجّلتني إلى يوم
الوقت المعلوم ، فيقول الله تعالى للملائكة : وعدته أن لا
اُميته ، ولم أعده أن لا اُسلّط عليه السلاح والعذاب والآلام ، اشتفوا
منه ضرباً بأسلحتكم فإنّي لااُميته ، فيثخنونه بالجراحات ، ثمّ يدعونه
فلا يزال سخين العين على نفسه وأولاده المقتولين
المقتّلين ، ولا يندمل شيء من جراحاته إلاّ بسماعه أصوات المشركين
بكفرهم ، فإن بقي هذا المؤمن على طاعة الله وذكره والصلاة على محمّد وآله بقي
إبليس على تلك الجراحات ، وإن زال العبد عن ذلك وانهمك في مخالفة الله عزّ
وجلّ ومعاصيه اندملت جراحات إبليس ، ثمّ قوي على هلاك العبد حتّى يلجمه
ويسرّج على ظهره ويركبه ، ثمّ ينزل عنه ويركب ظهره شيطاناً من شياطينه ويقول
لأصحابه : أما تذكرون ما أصابنا من شأن هذا ؟ ذلّ وانقاد
لنا الآن حتّى صار يركبه هذا ، ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
فإن أردتم أن تديموا على إبليس سخنة عينه وألم جراحاته ، فداوموا على طاعة
الله وذكره والصلاة على محمّد وآله ، وإن زلتم عن ذلك كنتم اُسراء فيركب
أقفيتكم بعض مردته( [342]) .
7 ـ الاستغفار :
من أهمّ
العوامل للخلاص من شرّ الشيطان الاستغفار والرجوع إلى الله فإنّه التوّاب
الرحيم ، أي يتوب على العبد كثيراً ـ بصيغة المبالغة ـ
الدالّة على الكثرة وهي تستلزم كثرة الذنوب ، فلا ييأس المذنب مهما فعل من
الذنوب . فإنّ الله يغفرها جميعاً إلاّ ما اُشرك به .
وكما ورد
في الدعاء : ( اللهمّ إنّي أطعتك في أحبّ الأشياء إليك وهو
التوحيد ، ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك وهو الكفر ، فاغفر لي ما
بينهما ) ، أي ما دام كان موحّداً ولم يكن كافراً فإنّ الله يغفر جميع
ذنوبه ما بين التوحيد والكفر )( [343]) .
فخير دواء
للذنوب والآثام هو الاستغفار والتوبة والرجوع والإنابة إلى الله سبحانه ،
وإنّ إبليس وجنده ليعجزون عن الثواب ، كما ورد في الخبر الشريف : بلغنا
أنّ إبليس تمثّل ليحيى بن زكريا (عليه السلام) فقال له :
أنصحك ؟ فقال : لا اُريد ذلك ، ولكن أخبرني عن بني آدم
فقال : هم عندنا ثلاثة أصناف : صنف منهم أشدّ الأصناف
عندنا ، نقبل على أحدهم حتّى نفتنه في دينه ونستمكن منه ، فيفزع إلى الاستغفار
والتوبة فيفسد علينا كلّ شيء حاجتنا فنحن معه في عناء ، وصنف هم في أيدينا
بمنزلة الكرة في أيدي صبيانكم ، نتلقّفهم كيف شئنا ، قد كفينا مؤونة
أنفسهم ، وصنف منهم مثلك معصومون لا نقدر منهم على شيء( [344]) .
عن النبيّ
في حديث : الاستغفار يقطع وتين الشيطان ( الوتين عرق في القلب إذا
قطع مات صاحبه ) .
8 ـ التسمية :
التسمية
باسم الله سبحانه في كلّ شيء يوجب الحصانة من شرّ الشيطان ، كما يوجب البركة
الإلهية من الخير المستمرّ والمستقرّ ، ولنا في هذا الباب نصوص كثيرة .
وإنّه لا بدّ من مراعاة التسمية من أوّل الحياة قبل انعقاد النطفة ، فإنّه
حين المقاربة من لم يسمّ بالله ويذكر الله فإنّ الشيطان يلعب دوره ، ويشارك
الإنسان في نطفته ، كما أخبرنا بذلك من اتّصل بالوحي والرسالة .
قال الإمام
الصادق (عليه
السلام) :
إذا أتى أحدكم أهله فليذكر الله ، فإنّ من لم يذكر الله عند الجماع فكان منه
ولد ، كان شرك الشيطان ، ويعرف ذلك بحبّنا وبغضنا( [345]) .
وقال (عليه
السلام) :
إنّ الرجل إذا أتى المرأة وجلس مجلسه حضره الشيطان ، فإن هو ذكر اسم الله
تنحّى الشيطان عنه ، وإن فعل ولم يسمّ أدخل الشيطان ذكره ، فكان العمل
منهما جميعاً ، والنطفة واحدة ، قلت : فبأيّ شيء يعرف هذا
جعلت فداك ؟ قال : بحبّنا وبغضنا( [346]) .
عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ،
قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّ
الله حرّم الجنّة على كلّ فحّاش بذيء قليل الحياء ، لا يبالي ما قال ولا ما
قيل له ، فإنّك إن فتّشته لم تجده
إلاّ
لغيّة ـ أي زنية ـ أو شرك شيطان ، قيل : يا
رسول الله ، وفي الناس شرك شيطان ؟ فقال (صلى الله عليه وآله) :
أما تقرأ قول الله عزّ وجلّ : ( وَشَارِكْهُمْ
فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ ) ( [347]) .
الكافي بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد
الله (عليه
السلام)
حيث علّمه الدعاء إذا دخلت عليه امرأته ، وقال فيه : ولا تجعل فيه
شركاً للشيطان ، قال : قلت : وبأيّ شيء يعرف
ذلك ؟ قال : أما تقرأ كتاب الله عزّ وجلّ : ( وَشَارِكْهُمْ
فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ ) ؟
ثمّ قال : إنّ الشيطان ليجيء حتّى يقعد من المرأة كما يقعد الرجل
منها ، ويحدث كما يحدث ، وينكح كما ينكح ، قلت : بأيّ
شيء يعرف ذلك ؟ قال : بحبّنا وبغضنا ، فمن أحبّنا كان
نطفة العبد ، ومن أبغضنا كان نطفة الشيطان .
وقال في حديث آخر : وإنّ الشيطان
يجيء فيقعد كما يقعد الرجل ، وينزل كما ينزل الرجل .
وفي رواية اُخرى عن هشام ، عنه (عليه
السلام)
في النطفتين اللتين للآدمي والشيطان إذا اشتركا ، فقال أبو عبد الله (عليه
السلام) :
ربما خلق من أحدهما ، وربما خلق منهما جميعاً( [348]) .
هذا في
الجماع الذي كثيراً ما ينسى الإنسان نفسه لغلبة الشهوة ، فكيف لا ينسى
الله ، فلا بدّ أن يكون المؤمن دائم التذكّر والذِكر ، حتّى يذكر ربّه
في تلك اللحظات الحيوانية ، ثمّ هناك حالات اُخرى تذكر على سبيل الأمثلة ( وَتِلْكَ
الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَـتَـفَـكَّـرُونَ ) ( [349]) ،
وإلاّ فإنّ المؤمن يذكر الله في كلّ الحالات ، بل إذا كان يذكره عند الجماع
وعند التبوّل والتغوّط ، فبطريق أولى يذكره
في
الأماكن والأزمنة الاُخرى .
قال أبو
جعفر (عليه
السلام) :
إذا انكشف أحدكم لبول أو لغير ذلك فليقل : بسم الله ، فإنّ
الشيطان يغضّ بصره عنه حتّى يفرغ( [350]) .
عن الرضا (عليه
السلام) ،
قال : إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل : بسم
الله ، آمنت بالله ، توكّلت على الله ، ما شاء الله ، لا حول
ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم ، فتلقاه الشياطين فتضرب الملائكة
وجوهها ، وتقول : ما سبيلكم عليه وقد سمّى الله وآمن به وتوكّل
على الله ؟ وقال : ما شاء الله لا حول ولا قوّة إلاّ
بالله .
قال أبو
عبد الله (عليه
السلام) :
إنّ على ذروة كلّ جسر شيطاناً ، فإذا انتهيت إليه فقل :
( بسم الله ) ، يرحل عنك .
وقال (عليه
السلام) :
إذا أكلت الطعام فقل : بسم الله ، في أوّله وآخره ، فإنّ
العبد إذا سمّى في طعامه قبل أن يأكل لم يأكل معه الشيطان ، وإذا سمّى بعدما
يأكل وأكل الشيطان منه ، تقيّأ ما أكل .
وقال (عليه
السلام) :
إذا وضع الغداء والعشاء فقل : ( بسم الله ) ، فإنّ
الشيطان يقول لأصحابه : اخرجوا فليس هنا عشاء ولا مبيت ، وإن هو
نسي أن يسمّي قال لأصحابه : تعالوا فإنّ لكم هنا عشاء ومبيتاً .
وقال (عليه
السلام)
في خبر آخر : إذا توضّأ أحدكم ولم يسمِّ كان للشيطان في وضوئه
شرك ، وإن أكل أو شرب أو لبس لباساً ينبغي أن يسمّي عليه ، فإن لم يفعل
كان للشيطان فيه شرك .
عن أبي
الحسن (عليه
السلام) ،
قال : قال رسول الله : إذا ركب الرجل الدابّة فسمّى ،
ردفه ملك يحفظه حتّى ينزل ، وإذا ركب ولم يسمّ ردفه شيطان فيقول
له : تغنّ ، فإنّ قال له : لا اُحسن ، قال
له : تمنّ ، فلا يزال يتمنّى حتّى ينزل .
قال رسول
الله (صلى
الله عليه وآله) : لا تؤووا منديل اللحم في البيت فإنّه مربض
الشيطان ، ولا تؤووا التراب خلف الباب فإنّه مأوى الشيطان ، فإذا بلغ
أحدكم باب حجرته فليسمّ ، فإنّ يفرّ الشيطان ، وإذا سمعتم نياح الكلاب
ونهيق الحمير ، فتعوّذوا بالله من الشيطان الرجيم ، فإنّهم يرون ولا
ترون فافعلوا ما تؤمرون( [351]) .
قال عليّ
بن الحسين (عليهما
السلام)
لأبي حمزة الثمالي : يا ثمالي ، إنّ الصلاة إذا اُقيمت جاء
الشيطان إلى قرين الإمام فيقول : هل ذكر ربّه ؟ فإن
قال : نعم ، ذهب ، وإن قال : لا ، ركب على
كتفيه فكان إمام القوم حتّى ينصرفوا ، قال : فقلت :
جعلت فداك ليس يقرأون القرآن ؟ قال : بلى ، ليس حيث
تذهب يا ثمالي ، إنّما هو الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم( [352]) .
واذكر الله
على كلّ حال وفي جميع الأحوال ، ولا تنسَ اسم الله والبسملة في كلّ شيء .
9 ـ إطالة السجود :
ومن
المخلّصات من شرور الشياطين إطالة السجود ، فعن أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه
السلام) ،
قال : إنّ العبد إذا سجد فأطال السجود ، نادى إبليس :
يا ويله ، أطاع وعصيت ، وسجد وأبيت( [353]) .
وإنّما
تنفع السجدة الطويلة لو كان من أهل الحقّ مهتدياً إلى سبيل النجاة ، وهم أهل
البيت (عليهم
السلام)
سفن النجاة .
فقد قال
أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : الإيمان بالقلب هو
التسليم للربّ ، ومن يسلّم الاُمور لمالكها لم يستكبر عن أمره ، كما
استكبر إبليس عن السجود لآدم واستكبر أكثر الاُمم عن طاعة أنبيائهم فلم ينفعهم
التوحيد ، كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل ، فإنّه سجد سجدة واحدة
أربعة آلاف عام ، لم يرد بها غير زخرف الدنيا ، والتمكين من
النظرة ، فكذلك لا تنفع الصلاة والصدقة إلاّ مع الاهتداء إلى سبيل النجاة
وطريق الحقّ( [354]) .
فروح العمل
هو الولاية العظمى لله سبحانه ولرسوله (صلى الله عليه وآله) ولاُولي
الأمر الأئمة المعصومين الهداة الميامين (عليهم السلام) ( [355]) .
10 ـ التفقّه في الدين :
ومن
المخلّصات التفقّه في الدين ، فإنّ الشيطان يفرح لموت الفقيه ، لأنّ
الفقه يمنع من سلطنته ونفوذه وسبله ، فعن أبي عبد الله (عليه
السلام) ،
قال : ما من أحد يموت من المؤمنين أحبّ إلى إبليس من موت فقيه( [356]) .
والفقه
يعني فهم الدين في اُصوله وفروعه وأخلاقه ، ومن ثمّ العمل ، فإنّ
المعرفة والعلم يدعو الإنسان إلى العمل الصالح .
11 ـ ترك الحسد والحرص :
ومن
المخلّصات ترك الحسد والحرص ، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) ،
قال : لمّـا هبط نوح (عليه السلام) من السفينة أتاه
إبليس فقال له : ما في الأرض رجل أعظم منّة عليّ منك ، دعوت الله
على هؤلاء الفسّاق فارحتني منهم ، ألا اُعلّمك خصلتين ؟ إيّاك
والحسد فهو الذي عمل بي ما عمل ، وإيّاك والحرص فهو الذي عمل بآدم ما عمل( [357]) .
وعن أبي
عبد الله (عليه
السلام) ،
قال : جاء نوح (عليه السلام) إلى الحمار ليدخله
السفينة فامتنع عليه ، وكان إبليس بين أرجل الحمار ، فقال :
يا شيطان ادخل ، فدخل الحمار ودخل الشيطان ، فقال إبليس :
اُعلّمك خصلتين ، فقال نوح (عليه السلام) : لا حاجة
لي في كلامك ، فقال إبليس : إيّاك والحرص فإنّه أخرج أبويك من
الجنّة ، وإيّاك والحسد فإنّه أخرجني من الجنّة ، فأوحى
الله : اقبلهما وإن كان ملعوناً( [358]) .
عن الإمام
عليّ بن محمّد العسكري (عليه السلام) ،
قال : جاء إبليس إلى نوح (عليه السلام) فقال : إنّ
لك عندي يداً عظيمة فانتصحني ، فإنّي لا أخونك ، فتأثّم نوح بكلامه
ومساءلته ، فأوحى الله إليه أن كلّمه ، فإنّي ساُنطقه بحجّة عليه ،
فقال نوح (عليه
السلام) :
تكلّم ، فقال إبليس : إذا وجدنا ابن آدم شحيحاً ـ أي
بخيلا ـ أو حريصاً أو حسوداً أو جبّاراً أو عجولا تلقّفناه تلقّف
الكرة ، فإن اجتمعت لنا هذه الأخلاق سمّيناه شيطاناً مريداً ، فقال نوح (عليه
السلام) :
ما اليد العظيمة التي صنعت ؟ قال : إنّك دعوت الله على أهل
الأرض فألحقتهم في ساعة بالنار ، فصرت فارغاً ، ولولا دعوتك لشغلت بهم
دهراً طويلا( [359]) .
وعن أبي
عبد الله (عليه
السلام) ،
قال : يقول إبليس لجنوده : ألقوا بينهم الحسد والبغي
فإنّهما يعدلان عند الله الشرك .
12 ـ ترك الغضب وعدم الخلوة بامرأة أجنبية :
ومنها :
ترك الغضب وترك الخلوة مع النساء الأجنبيّات .
فعن أبي
جعفر (عليه
السلام) ،
قال : لمّـا دعا نوح (عليه السلام) ربّه عزّ وجلّ على
قومه أتاه إبليس لعنه الله فقال : يا نوح ، إنّ لك عندي يداً
اُريد أن اُكافيك عليها ، فقال نوح (عليه
السلام) :
إنّه ليبغض إليّ أن يكون لك عندي يد ، فما هي ؟ قال :
بلى ، دعوت الله على قومك فأغرقتهم فلم يبقَ أحد أغويه ، فأنا مستريح
حتّى ينشأ قوم آخرون واُغويهم ، فقال له نوح (عليه السلام) :
ما الذي تريد أن تكافئني به ؟ قال : اذكرني في ثلاث
مواطن ، فإنّي أقرب ما أكون إلى العبد إذا كان في إحداهن : اذكرني
إذا غضبت ، واذكرني إذا حكمت بين اثنين ، واذكرني إذا كنت مع امرأة
خالياً ليس معكما أحد( [360]) .
قال نوح
للشيطان : متى تكون أقدر على ابن آدم ؟ قال :
عند الغضب( [361]) .
وقال
الشيطان لموسى : لا تخل بامرأة لا تحلّ لك ، فإنّه لا يخلو رجل
بامرأة لا تحلّ له ، إلاّ كنت صاحبه دون أصحابي .
عن أبي
جعفر (عليه
السلام) ،
قال : إنّ هذا الغضب جمرة من الشيطان ، توقد في قلب ابن
آدم ، وإنّ أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه ، وانتفخت أوداجه ، ودخل
الشيطان فيه ، فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه ، فليلزم الأرض ، فإنّ
رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك( [362]) .
13 ـ صرف الأموال في محلّها :
فإنّ من
عوامل إغواء الشيطان عدم صرف الأموال في مواضعها الشرعيّة والمعقولة ، فإنّ
الشيطان إذا عجز في إضلال بني آدم في أمر من الاُمور أو معصية من المعاصي ،
فلا يعجز عن إضلاله في أحد هذه الاُمور الثلاثة ، فإنّه يغويه في واحدة منها
غالباً ، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) ،
قال : يقول إبليس لعنه الله : ما أعياني في ابن آدم فلم
يعييني منه واحدة من ثلاثة : أخذ مال من غير محلّه ، أو منعه من
حقّه ، أو وضعه في غير وجهه( [363]) .
وعنه (عليه
السلام) :
إنّ الشيطان يدبّر ابن آدم في كلّ شيء ، فإذا أعياه جثم له عند المال فأخذ
برقبته .
وما أكثر
الناس الذين سقطوا في مثل هذا الامتحان والاختبار ، بل من الزلاّت التي تسقط
العلماء والصلحاء ، فاحذر عدوّك الشيطان في الأموال والثروات ، وإنّه
ليدخلك في المتاهات والمنهيّات يوسوس لك ويزيّن عملك ويوجّه ما تفعله بتوجيهات
ربما تكون عليها صبغة دينية وشرعيّة ، فلا تغفل وتبصّر واحذر عدوّك اللدود
الشيطان الرجيم .
14 ـ ترك العجب :
قال
الشيطان لموسى (عليه
السلام)
عندما سأله : أخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم
استحوذت عليه ؟ قال : ذلك إذا أعجبته نفسه ، واستكثر
عمله ، وصغر في نفسه ذنبه ... وإيّاك أن تعاهد الله عهداً ، فإنّه
ما عاهد الله أحد إلاّ كنت صاحبه دون أصحابي ، حتّى أحول بينه وبين الوفاء به( [364]) .
15 ـ الاستعاذة :
عن أبي
جعفر (عليه
السلام) ،
قال : إنّ إبليس عليه لعائن الله يبثّ جنود الليل من حين تغيب الشمس
وتطلع ، فأكثروا ذكر الله عزّ وجلّ في هاتين الساعتين ، وتعوّذوا بالله
من شرّ إبليس وجنوده ، وعوّذوا صغاركم في هاتين الساعتين ، فإنّهما
ساعتا غفلة( [365]) .
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) ،
قال : ما اجتمع ثلاثة من المؤمنين فصاعداً إلاّ حضر من الملائكة مثلهم
فإن دعوا بخير أمّنوا ، وإن استعاذوا من شرّ دعوا الله ليصرفه عنهم ،
وإن سألوا حاجة تشفّعوا إلى الله وسألوه قضاها ، وما اجتمع ثلاثة من الجاحدين
إلاّ حضرهم عشرة أضعافهم من الشياطين ، فإن تكلّموا تكلّم الشياطين
بنحو
كلامهم ، وإذا ضحكوا ضحكوا معهم ، وإذا نالوا من أولياء الله نالوا معهم ،
فمن ابتلى من المؤمنين بهم ، فإذا خاضوا في ذلك فليقم ولا يكن شرك الشيطان
ولا جليسه ، فإنّ غضب الله عزّ وجلّ لا يقوم له شيء ،
ولعنته لا يردّها شيء ، ثمّ قال : فإن لم يستطع فلينكر بقلبه
وليقم ، ولو حلب شاة أو فواق ناقة .
16
ـ التلقين عند الاحتضار :
يستحبّ تلقين المحتضر الشهادتين ،
والاعتراف بالأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، وكذلك الميّت
حينما يوضع في قبره ، وقبل دفنه .
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) ،
قال : ما من أحد يحضره الموت إلاّ وكل به إبليس من شياطينه من يأمره
بالكفر ويشكّكه في دينه حتّى تخرج نفسه ، فمن كان مؤمناً لم يقدر عليه ،
فإذا حضرتم موتاكم فلقّنوهم شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله
حتّى يموت( [366]) .
وفي رواية اُخرى قال : فلقّنه كلمات
الفرج والشهادتين وتسمّى له الإقرار بالأئمة (عليهم السلام) واحداً بعد
واحد حتّى ينقطع عنه الكلام( [367]) .
ومن المستحبّات المؤكّدة تلقين المحتضر والميّت
في لحده قبل دفنه .
17
ـ زيارة الإخوان :
عن أبي
المغرا ، قال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام)
يقول : ليس شيء أنكى لإبليس وجنوده من زيارة الإخوان في الله بعضهم
لبعض ، وقال : إنّ المؤمنين يلتقيان
فيذكران
الله ، ثمّ يذكران فضلنا أهل البيت ، فلا يبقى على وجه إبليس
مضغة ، إلاّ تخدّد ـ أي جرح ـ حتّى أنّ روحه لتستغيث
من شدّة ما تجد من الألم ، فتحسّ ملائكة السماء وخزّان الجنان ،
فيلعنونه حتّى لا يبقى ملك مقرّب إلاّ لعنه فيقع خاسئاً حسيراً مدحوراً( [368]) .
فعليك
بزيارة إخوانك المؤمنين لله وفي الله ، فإنّ من زار أخاه المؤمن كأ نّما
زار الله في عرشه ، وإنّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) يحبّون
تلك المجالس التي يذكر فيها مناقبهم ومصائبهم ومثالب أعدائهم ( رحم الله
عبداً أحيا أمرنا ) ، فزيارة الإخوان فيه ما فيه من المنافع الدنيوية
والاُخروية ، وممّـا يوجب سعادة الدارين( [369]) .
18 ـ طيّ الملابس في الليل :
عن أبي عبد
الله (عليه
السلام) ،
قال : اطووا ثيابكم بالليل ، فإنّها إذا كانت منشورة لبسها
الشيطان .
يقال :
المراد من الشيطان الشيء الخبيث والرجيم ، وربما المقصود هنا ما يسمّى في
العلم الحديث بالميكروبات والذرّات المضرّة ، وذلك لتناسب الحكم والموضوع في
أمثال المقام ، فلا يراد من الشيطان المعنى المشهور ، وربما يكون هو
المقصود للظاهر .
19 ـ تخريب بيت العنكبوت :
قال أمير
المؤمنين (عليه
السلام) :
قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله) : بيت الشيطان من بيوتكم بيوت العنكبوت( [370]) .
فيستحبّ
قتل العنكبوت وإزالة بيته وتنظيف الدار من آثاره .
20 ـ غلق الأبواب :
عن
سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إغلاق
الأبواب والإيكاء الأواني وإطفاء السراج ، فقال : اغلق
بابك ، فإنّ الشيطان لا يكشف مخمّراً ، يعني مغطّى .
21 ـ ترك بعض الأحوال :
عن محمّد
بن مسلم ، عن أحدهما ، قال : لا تشرب وأنت قائم ، ولا
تبل في ماء نقيع ، ولا تطف بقبر ، ولا تخل في بيت وحدك ، ولا تمشِ
بنعل واحدة ، فإنّ الشيطان أسرع ما يكون إلى العبد إذا كان على بعض هذه
الأحوال ، وقال : إنّه ما أصاب أحداً شيء على هذه الحال فكاد أن
يفارقه ، إلاّ أن يشاء الله عزّ وجلّ( [371]) .
( لا تطف بقبر أي لا تتغوّط ) .
ففي مثل هذه الحالات يكون الشيطان قريباً من
الإنسان ، بمعنى أنّ هذه الاُمور ممّـا تساعد الشيطان على الحضور ،
وتمهّد له الطريق وتفسح له المجال ، فلا بدّ
من
الوعي واليقظة والتحذّر .
22
ـ ترك النوم في الليل :
فإنّ من يقوم الليل وقسماً منه في مناجاة ربّه
بصلاة الليل وتلاوة القرآن وقراءة الأدعية سيّما في السحر ، فإنّ الشيطان
يبتعد عنه ، وإلاّ فمن تثاقل عن اليقظة ، فإنّ الشيطان قريب منه .
عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أ نّه قال : ليس من عبد إلاّ ويوقظ في كلّ ليلة مرّة أو مرّتين أو
مراراً ، فإن قام كان ذلك ، وإلاّ فحج الشيطان فبال في اُذنه ، أو
لا يرى أحدكم أ نّه إذا قام ولم يكن ذلك منه ، قام وهو متخثّر ثقيل
كسلان( [372]) .
توضيح : كان بول الشيطان كناية عن
قوّة استيلائه وغلبته عليه ، وإن احتمل الحقيقة أيضاً ( فحج
الشيطان ) أي فرّق بين رجليه وباعد ما بينهما ، والفحج تباعد ما بين الفخذين .
ومعنى بال في اُذنه سخر منه وظهر عليه حتّى نام عن طاعة الله ، وفيه تمثيل
لتثاقل نومه وعدم تنبّهه بصوت المؤذّن بحال من بول في اُذنه وفسد حسّه .
وهكذا يفعل الشيطان بالإنسان ، وما علينا
إلاّ الاستعاذة بالله من شرّ وساوسه وجنده وحبائله .
23
ـ الاقتصاد :
الاقتصاد
هو : الحدّ الوسط في المعيشة من دون تقتير ولا إسراف ، فإنّ ذلك
من علامات العاقل المؤمن ، والإمام العسكري (عليه السلام)
يقول : عليك بالاقتصاد ،
وإيّاك
والإسراف ، فإنّه من فعل الشيطنة( [373]) .
قال الإمام
الصادق (عليه
السلام) :
ويركبوا قصداً ، أترى الله ائتمن رجلا على مال خوّل له أن يشتري فرساً بعشرة
آلاف درهم ، ويجزيه فرس بعشرين درهماً ، وقال : ( وَلا
تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ) ( [374]) .
وقال (عليه
السلام) :
المال مال الله جعله الله ودائع عند خلقه ، وأمرهم أن يأكلوا منه قصداً
ويركبوا قصداً ، فمن تعدّى ذلك كلّه أكله حرام وما ركبه منه حرام( [375]) .
قال أبو
طيفور المتطبّب : سألني أبو الحسن الإمام الهادي (عليه السلام) :
أي شيء تركب ؟ قلت : حماراً ، قال : بكم
ابتعته ؟ قلت : بثلاثة عشر ديناراً ، قال :
إنّ هذا لهو السرف ، أن تشتري حماراً بثلاثة عشر ديناراً وتدع برذوناً( [376]) .
عن جابر بن
عبد الله الأنصاري ، قال : ذكر رسول الله الفرش ،
فقال : فراش للرجل وفراش للمرأة وفراش للضيف والرابع للشيطان( [377]) .
وقال (صلى الله
عليه وآله) :
من أكل ما يشتهي ولبس ما يشتهي وركب ما يشتهي ، لم ينظر الله إليه حتّى ينزع
أو يترك( [378]) .
وقال الأمير : عليكم بالقصد في
المطاعم ، فإنّه أبعد من السرف وأصحّ للبدن
وأعون
على العبادة( [379]) .
عن الإمام الرضا لمّـا سأله السائل في النفقة
على العيال فقال (عليه السلام) : بين المكروهين ،
فقلت : جعلت فداك ، لا والله ماأعرف المكروهين ،
قال : فقال له : يرحمك الله أما تعرف أنّ الله عزّ وجلّ كره
الإسراف وكره الاقتار فقال :
( وَالَّذِينَ
إذَا أنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَـقْتُرُوا وَكَانَ بَـيْنَ ذَلِكَ
قَوَاماً ) ( [380]) .
وقال النبيّ : إيّاكم والسرف في
المال والنفقة ، وعليكم بالاقتصاد ، فما افتقر قوم اقتصدوا( [381]) .
والأمير فيما وصف المتّقين ،
قال : وملبسهم الاقتصاد .
قال النبيّ : من بنى بنياناً رياءً
وسمعة حمله يوم القيامة إلى سبع أرضين ، ثمّ يطوّقه ناراً توقد في
عنقه ، ثمّ يرمى به في النار ، فقلنا : يا رسول الله ،
كيف يبنى رياء وسمعة ؟ قال : يبنى فضلا على ما يكفيه ،
أو يبنى مباهاة( [382]) .
قال الأمير (عليه السلام) :
ألا وإنّ إعطاء المال في غير حقّه تبذير وإسراف .
( وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ) ( [383]) .
( وَآتِ
ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ
تَبْذِيراً ) ( [384]) .
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) :
كلّ ما زاد على الاقتصاد إسراف( [385]) .
قال الإمام
الصادق (عليه
السلام) :
إنّ القصد أمر يحبّه الله عزّ وجلّ ، وإنّ السرف أمر يبغضه الله عزّ
وجلّ ، حتّى طرحك النواة فإنّها تصلح لشيء ، وحتّى صبّك فضل شرابك( [386]) .
قال الإمام
الكاظم (عليه
السلام) :
من اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة ، ومن بذّر وأسرف زالت عنه النعمة( [387]) .
( وَأهْلَكْنَا المُسْرِفِينَ ) ( [388]) .
( إنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ
كَذَّابٌ ) ( [389]) .
( وَأنَّ المُسْرِفِينَ هُمْ أصْحَابُ
النَّارِ ) ( [390]) .
قال الإمام
الصادق (عليه
السلام) :
أربعة لا يستجاب لهم : دعوة ... ، ورجل كان له مال
فأفسده ، فيقول : يا ربّ ارزقني ، فيقول : ألم
آمرك بالاقتصاد( [391]) .
قال
النبيّ : من اقتصد في معيشته رزقه الله ، ومن بذّر حرمه
الله .
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) :
لو أنّ الرجل أنفق ما في يديه في سبيل من سبيل الله ما كان أحسن ولا وفّق ،
أليس يقول الله تعالى : ( وَلا
تُلْقُوا بِأيْدِيكُمْ إلَى
التَّهْلُكَةِ
وَأحْسِنُوا إنَّ اللهَ يُحِبُّ الُمحْسِنِينَ ) ( [392]) ،
يعني المقتصدين ( [393]) .
قال الإمام الرضا (عليه السلام) :
وليكن نفقتك على نفسك وعيالك قصداً ، فإنّ الله تعالى يقول : ( وَيَسْألُونَكَ
مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ العَفْوَ ) ( [394]) ،
العفو الوسط ، وقال الله : ( وَالَّذِينَ
إذَا أنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَـقْتُرُوا ) ( [395]) .
24
ـ التعوّذ بالله عند نباح الكلب ونهيق الحمار :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
لا تؤووا منديل اللحم في البيت ، فإنّه مربض الشيطان ، ولا تؤووا التراب
خلف الباب فإنّه مأوى الشيطان ، وإذا بلغ أحدكم باب حجرته فليسمّ فإنّه يضرّ
الشيطان ، وإذا سمعتم بنباح الكلب ونهيق الحمير ، فتعوّذوا بالله من
الشيطان الرجيم ، فإنّهم يرون ولا ترون ، فافعلوا ما تؤمرون( [396]) .
25
ـ ترك الكحل الشيطاني :
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
إنّ لإبليس لعنه الله كحلا وسفوفاً ولعوقاً ، فأمّا كحله فالنوم ، وأمّا
سفوفه فالغضب ، وأمّا لعوقه فالكذب( [397]) .
بيان :
مناسبة الكحل للنوم ظاهر ، وأمّا السفوف للغضب ، فلأنّ أكثر
السفوفات
من المسهّلات التي توجب خروج الاُمور الرديّة ، والغضب أيضاً يوجب صدور ما لا
ينبغي من الإنسان وبروز الأخلاق الذميمة منه ، وأمّا اللعوق فلأ نّه
غالباً ممّـا يتلذّذ به ويكثر منه ، والكذب كذلك .
26 ـ ترك اللين والراحة :
قال النبيّ
(صلى
الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام) : إيّاك
أن تركب مثيرة حمراء فإنّها ميثرة إبليس( [398]) .
بيان :
الميثرة مفعلة من الوثارة ، يقال : وثر وثارةً فهو وثير ، أي
وطيّ ليّن ، وهي من مراكب العجم تعمل من حرير أو ديباج يُحشى بقطن أو صوف
يجعلها الراكب تحته على الرحال .
وإذا كان
مثل هذه المثيرة هي من إبليس فكذلك كلّ ما يكون فيه اللين والنعومة والرحة
والدعة ، وذلك بالأولوية كما لا يخفى ، فإنّها تثير وساوس الشيطان
وإغواءاته .
27 ـ الإحسان إلى الأولياء :
قال الصادق
(عليه
السلام)
لإسحاق بن عمّـار : أحسن يا إسحاق إلى أوليائي ما استطعت ، فما
أحسن مؤمن إلى مؤمن ، ولا أعانه إلاّ خمش وجه إبليس ، وقرح قلبه( [399]) .
28 ـ سدّ طريق إبليس وجنوده :
قال النبيّ
(صلى
الله عليه وآله) : وأمّا أعداءك من الجنّ فإبليس وجنوده ،
فإذا أتاك فقال : مات ابنك ، فقل : إنّما خلق الأحياء
ليموتوا ، وتدخل بضعة منّي الجنّة إنّه ليسرّني ، فإذا أتاك
وقال : قد ذهب مالك ، فقل : الحمد لله الذي أعطى وأخذ
وأذهب عنّي الزكاة فلا زكاة عليّ ، وإذا أتاك وقال لك : الناس
يظلمونك وأنت لا تظلم ، فقل : إنّما السبيل يوم القيامة على الذين
يظلمون الناس ، وما على المحسنين سبيل ، وإذا أتاك وقال لك :
ما أكثر إحسانك ! يريد أن يدخلك العجب فقل : إساءتي أكثر من
إحساني ، وإذا أتاك فقال لك : ما أكثر صلاتك ؟
فقل : غفلتي أكثر من صلاتي ، وإذا قال لك : كم تعطي
الناس ؟ فقل : ما آخذ أكثر ممّـا اُعطي ، وإذا قال
لك : ما أكثر من ظلمك ؟ فقل : من ظلمته
أكثر ، وإذا أتاك فقال لك : كم تعمل !
فقل : طالما عصيت( [400]) .
وهكذا
أ يّها الأخ المؤمن عليك أن تسدّ طرق الشيطان ومواضع نفوذه ، وتحارب
عدوّك اللعين بكلّ ما آتاك الله من قوّة ومن أسلحة الإيمان ، ولا تيأس من روح
الله ، فإنّه من كان مع الله كان الله معه ، وإن تنصروا الله ينصركم
ويثبّت أقدامكم ، وهو بكلّ شيء عليم وعلى كلّ شيء قدير ، وما توفيقنا
إلاّ بالله العليّ العظيم .
الخاتمة
أدعية الخلاص
الدعاء مخّ
العبادة ، وسلاح المؤمن وترسه ، ولولاه ما يعبأ به ربّه ، فهو
القرآن الصاعد والعمل الصالح المرفوع ، وحرز الله وحصنه .
وقد ورد عن
الرسول وأهل بيته الأئمة الأطهار (عليهم السلام) الأدعية والأوراد
والأذكار الكثيرة جدّاً للخلاص من شرور الشياطين وأعوانهم من الجنّ والإنس ،
نذكر جملة منها :
ممّـا علّم
جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) للخلاص من شرّ عفريت
من الجنّ في يده شعلة من نار فقل :
( أعُوذُ بِوَجْهِ اللهِ الكَرِيمِ وَكَلِمَاتِ اللهِ
التَّامَّاتِ التي لا يُجَاوِزْهُنَّ بَرٌّ وَلا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ
مِنَ السَّمَاءِ ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا ، وَمِنْ شَرِّ مَا
ذَرَأ فِي الأرْضِ ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ، وَمِنْ شَرِّ
فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَمِنْ شَرِّ طَوَارِقِ اللَّيْلِ ،
وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِق إلاّ طَارِقَاً يَطْرُقُ بِخَيْر ، يَا
رَحْمَنُ )( [401]) .