وفي كتاب النصوص عن أبي اُمامة بسنده عن رسول الله قال  : لمّـا عرج بي إلى السماء رأيت مكتوباً على ساق العرش بالنور لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله ، أيّدته بعليّ ونصرته به ، ثمّ بعده الحسن والحسين ورأيت عليّاً علياً علياً ومحمّداً مرّتين ، وجعفر وموسى والحسن والحجّة اثنى عشر اسماً مكتوباً بالنور ، فقلت  : يا ربّ ، أسامي مَن هؤلاء الذين قرنتهم بي ، فنوديت  : يا محمّد ، هم الأئمة بعدك والأخيار من ذرّيتك .

             ولنا من طريق الخاصّة مثل هذه الروايات الشريفة الكثير كاد أن يكون من المتواتر المعنوي والإجمالي ، كلّها تدلّ على عظمة النبيّ وعلوّ شأنه وجلالة أهل بيته الأئمة الأطهار وذرّيتهم الأخيار وأبنائهم الأبرار ، رزقنا الله مودّتهم وخدمتهم .

             في مودّة القربى عن اُمّ هانئ ، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله)   : أفضل البريّة عند الله تعالى من أقام على سيرتي ، ولا شكّ في عليّ وذرّيته أ نّهم خير البريّة( [163] ) .

             فآل والأولاد والذرّية أقرب الناس إلى النبيّ ، وبالإجماع النبيّ أفضل الخلق ، فكذلك المنسوب إليه من ذرّيته الأقرب فالأقرب ، وشيعتهم للحوقهم وإلصاقهم بهم أفضل الاُمم ، فهم خير البريّة ، كما ورد في الأخبار عند الفريقين  : شيعة عليّ خير البريّة ، فهم أفضل أهل الأرض .

             قال رسول الله  : أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر( [164] ) ـ  أي لا أفتخر بذلك إنّما هذه حقيقة وواقع  ـ وحينئذ إذا كان النبيّ سيّد ولد آدم فكذلك أولاده وذرّيته .

             وفي البخاري  : أنا سيّد الناس يوم القيامة ـ  وإنّما قال يوم القيامة ليس بمعنى أ نّه ليس في الدنيا كذلك بل هو من باب (   مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ   ) و   (   لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ   )  .

             وفي فضائل البيهقي  : لمّـا رأى رسول الله عليّ بن أبي طالب قال  : هذا سيّد العرب ، فقالت عائشة  : أوَ لست سيّد العرب  ؟ فقال  : أنّا سيّد العالمين( [165] ) .

             ولمّـا اختار الله العرب من ولد إبراهيم فيكون عليّ وأولاده سيّد العرب والعجم بعد رسول الله .

             في فضائل أحمد بن حنبل عن ابن عبّاس  : أنّ رسول الله قد بعثني إلى عليّ فقال لي النبيّ  : قل لعليّ أنت سيّد في الدنيا وسيّد في الآخرة . وقال النبيّ  : من أحبّك فقد أحبّني ومن أبغضك فقد أبضغني( [166] ) .

             في مطالب السؤول  : قال النبيّ لعليّ  : مرحباً بسيّد المؤمنين وسيّد المسلمين .

             وفي هذا المضمار روايات كثيرة ، فلا نطيل طلباً للاختصار ، ولا بأس أن نذكر نماذج من روايات أهل البيت في الباب أيضاً .

             وفي الأمالي ، قال أمير المؤمنين  : قال رسول الله  : أنا سيّد ولد آدم ، وأنت يا  عليّ والأئمة من بعدك سادة اُمّتي ، من أحبّنا فقد أحبّ الله ، ومن أبغضنا فقد أبغض الله ، ومن أطاعنا فقد أطاع الله ، ومن عصانا فقد عصى الله( [167] ) .

             عن الصادق ، قال رسول الله  : يا علىّ  : أنت أخي ووارثي ووصيّي وخليفتي في أهلي واُمّتي في حياتي وبعد مماتي ، محبّك محبّي ومبغضك مبغضي ، يا عليّ أنا وأنت أبوا هذه الاُمّة ، أنا وأنت يا عليّ والأئمة من ولدك سادة في الدنيا وملوك في الآخرة ، من عرفنا فقد عرف الله ومن أنكرنا فقد أنكر الله .

 

             عودٌ على بدء  :

             القسطلاني في المواهب وأبو نعيم في الدلائل عن عائشة عن رسول الله قال  : قال جبرئيل  : قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أرَ رجلا أفضل من محمّد ولم أرَ بني أب أفضل من بني هاشم( [168] ) .

             وفي الصواعق عند ائمة الحديث من الجمهور ، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله)   : من أبغض أهل البيت حشره الله يهودياً ، وفي خبر آخر  : أو نصرانياً أو مجوسياً ، وإن شهد أن لا إله إلاّ الله( [169] ) .

             وقال (صلى الله عليه وآله)   : يا عليّ ، لا يبغضك من الرجال إلاّ منافق ومن حملت به اُمّه وهي  حائض ، ولا يبغضك من النساء إلاّ السلقلق وهي التي تحيض من دبرها .

             وفي الخبر الشريف  : بغض بني هاشم نفاق( [170] ) .

             وفي الصواعق ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : من سبّ أهل بيتي فإنّما يرتدّ عن الله والإسلام ، ومن آذاني في عترتي فعليه لعنة الله ، ومن آذاني في عترتي فقد آذى الله ، إنّ الله حرّم الجنّة على من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبّهم( [171] ) .

             لا أدري ماذا يكون مصير معاوية بن أبي سفيان وأتباعه وشيعته إلى يومنا هذا ، فإنّ من رضي بفعل قوم كان منهم ، وقد سبّ معاوية وشيعته أربعة وثمانون سنة على المنابر أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) وهو سيّد العترة الطاهرة ، وماذا يجيبون أبناء العامّة وهذه الرواية من كتبهم وبسندهم في من آذى عترة النبيّ وآله ، فماذا يكون مصير الخلفاء من قبل ومن بعدُ ، أليسوا ظلموا آل محمّد بحرقهم الدار ، قيل فيها فاطمة ، قال  : وإن ... وقتلوا الحسين (عليه السلام) وأصحابه وأهل بيته ، وما منّا إلاّ مسموم أو مقتول ... وهل بعد الحقّ إلاّ الضلال  ؟  !  !

             الطبراني في الصواعق يروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال  : إنّ لله عزّ وجلّ ثلاث حرمات ، فمن حفظهن حفظ الله دينه ودنياه ، ومن لم يحفظهنّ لم يحفظ الله دينه ولا  دنياه ، قلت  : وما هنّ  ؟ قال  : حرمة الإسلام وحرمتي وحرمة رحمي( [172] ) .

             وعن البيهقي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : لايؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وتكون عترتي أحبّ إليه من عترته ، ويكون أهلي أحبّ إليه من أهله ، وتكون ذاتي أحبّ إليه من ذاته .

             وغضب يوماً النبيّ فصعد المنبر وقال  : ما بال رجال يؤذونني في أهل بيتي ، والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتّى يحبّني ، ولا يحبّني حتّى يحبّ ذرّيتي( [173] ) .

             وفي خبر آخر  : ما بال أقوام يؤذونني في نسبي وذوي رحمي ، ألا ومن آذى نسبي وذوي رحمي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله( [174] ) .

             وصريح القرآن الكريم أنّ من يؤذي رسول الله ويؤذي الله فعليه لعائن الله  :

             (   إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّ نْيَا وَالآخِرَةِ   ) ( [175] )  .

             (   وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ   ) ( [176] )  .

             ولو رجعنا إلى صدر الإسلام ، لا سيّما بعد رحلة الرسول الأعظم لرأينا العجب العجاب ، وكيف القوم آذوا رسول الله في أهل بيته وأولاده ، غصبوا حقّهم وقتلوهم وشرّدوهم ونفوهم ولا يزالوا ...

             وفي الصواعق  : حبّ آل محمّد ساعة خيرٌ من عبادة سنة ، ومعرفة آل محمّد براءة من النار ، وحبّ آل محمّد جواز على الصراط ، والولاية لآل محمّد أمان من العذاب( [177] ) .

             قال (صلى الله عليه وآله)   : إنّ أهل بيتي سيلقون بعدي من اُمّتي قتلا وتشريداً ، وإنّ أشدّ قوم لنا بغضاً بنو اُميّة وبنو المغيرة وبنو مخزوم( [178] ) .

             ومن المتّفق عليه عند أهل القبلة وجوب مودّة العترة وآل محمّد (عليهم السلام) كما هو صريح آية المودّة  : (   قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى وَمَنْ يَـقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا    ) ( [179] )  ، قالت الصحابة بعد نزولها  : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم  ؟ قال  : عليّ وفاطمة وابناهما وأولادهما( [180] ) .

             وهذا خبر متواتر لا يمكن إنكاره إلاّ المعاند المكابر ، وعليه لعائن الله ورسوله والمؤمنين .

             روى الثعلبي والحسكاني والرازي والنيسابوري والإمام أحمد وأبو نعيم والزمخشري بأسانيدهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال بعد نزول آية المودّة  : ألا من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ألا من مات على حبّ آل محمّد مات مرحوماً ، ألا  من مات على حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على الإيمان الكامل ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت ونكير ومنكر بالجنّة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد دخل الجنّة كالعروس التي تزفّ إلى بيت زوجها ، ألا من مات على حبّ آل محمّد يفتح من قبره إلى الجنّة بابان ، ألا من مات على حبّ آل محمّد أرسل الله ملائكة الرحمة إلى زيارة قبره ، ألا من مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة ، ألا من مات على بغض آل محمّد حضر في يوم القيامة ومكتوب بين عينيه مقنوط من رحمة الله ، ألا من مات على بغض آل  محمّد مـات كافراً ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لا يشمّ رائحة الجنّة أبداً( [181] ) .

             روى الديلمي والهمداني والشافعي والمجلسي والأردبيلي والسيّد هاشم البحراني من طرق السنّة عن ابن عباس ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : لو اجتمع الناس على حبّ عليّ بن أبي طالب لما خلق الله النار( [182] ) .

             تلك النار والطبقة التي اُعدّت للعصاة من المسلمين .

             عن ابن عباس ، عن رسول الله قال  : يا عليّ ، إنّه تعالى زوّجك فاطمة وجعل صداقها الأرض ، فمن مشى عليها مبغضاً لك مشى حراماً( [183] ) .

             هذا وبغض ذرّيته وأبنائه إنّما هو بغض له (عليه السلام)  ، كما أنّ حبّهم ومودّتهم من  حبّه ومودّته ، وكذلك الإحسان إليهم وتكريمهم ، كلّ هذا من عظمة وشموخ النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) وسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء   (عليها السلام)  .

             ففي الحلية والطبراني والصواعق ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : إنّ فاطمة قد أحصنت فرجها ، فحرّم الله ذرّيتها على النار( [184] ) .

             في سنن الترمذي وجامع الاُصول وفي الصحاح عن حذيفة ، قال  : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : يا حذيفة ، إنّ هذا ملك لم ينزل الأرض قطّ قبل هذه الليلة استأذن ربّه أن يسلّم عليّ ويبشّرني بأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ، وأنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة( [185] ) .

             وفي جامع الاُصول والجمع بين الصحاح والسنّة قال النبيّ  : ابنتي فاطمة سيّدة نساء العالمين( [186] ) .

             وفي الصواعق عن النسائي قال النبيّ (صلى الله عليه وآله)   : إنّ ابنتي فاطمة حوراء آدميّة لم  تحض ولم تطمث ، إنّما سمّـاها فاطمة لأنّ الله فطمها وذرّيتها عن النار( [187] ) .

             كان رسول الله يقبّل الحسن (عليه السلام) وهو في حجره ويقول  : أنت سيّد ابن سيّد وأخو سيّد وأبو السادة ، أنت إمام ابن إمام أبو الأئمة ، أنت حجّة ابن حجّة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم( [188] ) .

             وفي خبر آخر  : طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : من سبّ أهل بيتي فإنّما يرتدّ عن الله والإسلام ، ومن آذاني في عترتي فعليه لعنة الله ، ومن آذاني في عترتي فقد آذى الله ، وحرّم عليه الجنّة( [189] ) .

             وفي الصواعق والفردوس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال  : إنّي سألت ربّي أن لا  يدخل أحداً من أهل بيتي النار فأعطاني( [190] ) .

             كما رواه الصدوق عليه الرحمة من طرق أهل البيت (عليهم السلام)  .

             وفي الصواعق المحرقة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام)   : يا عليّ ، إنّ الله قد غفر لك ولذرّيتك ولولدك ولأهلك ولشيعتك ولمحبّي شيعتك ، فأبشر فإنّك الأنزع البطين( [191] ) .

             الأنزع  : المنزوع من الشكّ والشرك ، والبطين  : بطين العلم والعمل الصالح .

             وقال (صلى الله عليه وآله)   : يا معشر بني هاشم ، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً لو أخذت بحلقة الجنّة ما بدأت إلاّ بكم .

             وعنه (صلى الله عليه وآله)   : إنّ أوّل من أشفع له من اُمّتي أهل بيتي الأقرب فالأقرب ، ثمّ  الأنصار ، ثمّ من آمن بي واتّبعني ، ثمّ اليمن ، ثمّ سائر العرب ، ثمّ الأعاجم( [192] ) .

             وفي الصواعق  : لمّـا شكى عليّ (عليه السلام) حسد الناس قال له النبيّ (صلى الله عليه وآله)   : أما  ترضى أن تكون رابع أربعة أوّل من يدخل الجنّة أنا وأنت والحسن والحسين ، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا ، وذرّيتنا خلف أزواجنا( [193] ) .

             وفي رواية اُخرى قال النبيّ لعليّ (عليهما السلام)   : أوّل أربعة يدخلون الجنّة أنا وأنت والحسن والحسين ، وذرارينا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرارينا ، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا( [194] ) .

             قال النبيّ (صلى الله عليه وآله)   : قد وعدني ربّي في أهل بيتي من أقرّ منهم بالتوحيد ولي البلاغ أن لا يعذّبهم( [195] ) .

             وفي الصواعق ، قال النبيّ لفاطمة (عليهما السلام)   : إنّ الله غير معذّبك ولا ذرّيتك( [196] ) .

             وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن أبي رافع عن اُمّ هانئ بنت أبي  طالب ، إذ شكت إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) فقام خطيباً مغضباً من بعض أصحابه  : ما بال أقوام يزعمون أنّ شفاعتي لا تنال أهل بيتي ، وإنّ شفاعتي لتنال حا وحكم ـ  وهما  قبيلتان في اليمن بعيدتا النسب من قريش  ـ  .

             وأخرج الحاكم والدراقطني قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي وإنّهما يأتيان يوم القيامة يشفعان لصاحبها .

             أورد المحبّ الطبري في ذخائر العقبى عن ابن عباس ، قال  : توفّي لصفية ولد فعزّاها رسول الله (صلى الله عليه وآله)  ، فلمّـا خرجت لقيها رجل ( عمر بن الخطّاب ) ، فقال لها  : إنّ قرابة محمّد لن تغني عنكِ شيئاً ، فبكت حتّى سمع رسول الله صوتها ، ففزع من ذلك ، فخرج إليها فسألها ، فأخبرته فغضب فقال  : يا بلال هجّر بالصلاة ، ثمّ قام فحمد الله وأثنى عليه وقال  : ما بال أقوام يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع ، إنّ كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي ، وإنّ رحمي موصولة في الدنيا والآخرة .

             وفي حديث آخر  : ما بال رجال يقولون إنّ رحم رسول الله لا تنفع قومه يوم القيامة ، بل والله إنّ رحمي موصولة في الدنيا والآخرة ، وإنّي أ يّها الناس فرط لكم على الحوض .

             وروى الطبراني وابن حجر قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : من صنع إلى ـ  أهل بيتي  ـ أحد من ولد عبد المطّلب يداً فلم يكافئه بها في الدنيا فعليّ مكافأته غداً إذا لقيني( [197] ) .

             وفي الفردوس ، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله)   : إنّي شفيع يوم القيامة لأربع  : المكرم لذرّيتي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي لهم في اُمورهم عندما اضطرّوا إليه ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه .

             وأيضاً قال النبيّ عليه الصلاة والسلام  : من اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطّلب ولم يجازه عليها ، فأنا اُجازيه إذا لقيني يوم القيامة وحرمت الجنّة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي( [198] ) .


 

 

 

 

الخاتمة

 

 

             أقول ختاماً  :

             ينبغي لكلّ مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة أن يكرم السادة الأشراف ذرّية  رسول الله (صلى الله عليه وآله)  ، ومن كان من سلالة أهل البيت (عليهم السلام)  ، من فاطمة الزهراء وأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)  ، فإنّهم مكرّمون معزّزون محترمون ، شاء الله ذلك كما شاء في كعبته السوداء وحجره الأسود .

             فلا بدّ لكلّ ذي وجدان حيّ وضمير واع وإيمان راسخ ، أن يقدّسهم ويحترمهم ويتجنّب أذاهم وإهانتهم ولو باُفّ ، فإنّه كما أنّ أبناء الدنيا يحترمون أبناء ملوكهم احتراماً لآبائهم ، وأنّ ألف عين لأجل عين تكرم ، كذلك أبناء الآخرة والمؤمنون بيوم القيامة عليهم أن يحترموا أبناء الأنبياء وذراريهم وأبناء الأوصياء وسلالتهم تقديراً لآبائهم العظام ، حتّى الخاطئ منهم ينبغي مراعاته بالنصح والتذكير ، فكيف بأخيارهم وصلحائهم والطيّبين منهم .

             وفي سيرة سلفنا الصالح من علمائنا الأعلام ما يبهر الناظر عندما يراهم كيف  كانوا يهتمّون ويلتزمون بهذه الأخلاق الحسنة في تكريم وتعظيم ذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى الصغير منهم ، فكانوا يقومون لهم عند قدومهم إجلالا وتكريماً لأجدادهم الطاهرين (عليهم السلام)  .

             فهذا آية الله الفقيه الورع سردار الكابلي صاحب التآليف القيّمة في علم الفلك كان يقبّل أيادي أطفال السادة .

             وقد جاء في ترجمة المحدّث الجليل المحقّق الشيخ عباس القمّي صاحب ( مفاتيح الجنان ) (قدس سره)   : كان شديد الاحترام لأهل العلم وخصوصاً السادات وأولاد  رسول الله ، وإذا وجد سيّد في المجلس لم يكن يتقدّم عليه ، ولا يمدّ رجله باتّجاهه( [199] ) .

             وينقل ابنه عن المرحوم سلطان الواعظين قوله  :

             في أوائل طبع ( مفاتيح الجنان ) كنت ذات يوم في سرداب سامراء ، وكان الكتاب بين يدي وكنت مشغولا بالزيارة ، رأيت شيخاً يلبس عباءة عادية ( من النسيج اليدوي ) وعمامة صغيرة ، جالساً مشغولا بالذكر ، سألني الشيخ  : لمن هذا الكتاب  ؟ قلت  : للمحدّث القمّي ، وبدأت أمدح الكتاب ، قال الشيخ  : لا يستحقّ المدح إلى هذا الحدّ ، فلا تمدح بدون مبرّر ، قلت مغضباً  : قم واذهب من هنا ... فوضع الجالس بجانبي يده علىّ وقال  : تأدّب إنّه هو المحدّث القمّي ، فقمت وقبّلته ، واعتذرت منه ، وانحنيت لاُقبّل يده ، ولكنّه لم يسمح بذلك وانحنى وقبّل يدي وقال  : أنت سيّد .

             قبل وفاة المحدّث القمّي بساعات جاؤوه بمقدار من عصير التفّاح ، وكانت طفلة من السادات في منزله (رحمه الله)  ، فقال المحدّث  : قدّموا ذلك لهذه الطفلة العلوية أوّلا لتشرب ثمّ أعطونيه ، فعل ذلك للتبرّك ، فقدّم العصير للطفلة فشربت قليلا ، ثمّ شرب المحدّث القمّي بقصد الاستشفاء .

             جاء في وصايا سيّدنا الاُستاذ الآية العظمى السيّد المرعشي النجفي (قدس سره)   :

             وعليك بصلة الذرّية النبويّة ، والبرّ في حقّهم ، والدفاع عنهم ، ونصرتهم باليد واللسان ، فإنّهم ودائع النبوّة بين الأنام ، وإيّاك ثمّ إيّاك الظلم بالنسبة إليهم وبغضهم وسوء العشرة معهم والوقيعة في شأنهم وعدم المبالاة بهم ، وتحقيرهم وعدم أداء حقّهم ممّـا يورث سلب التوفيق . وإن كنت والعياذ بالله ممّن لا يحبّهم قلباً ، فأنت  مريض وعليك بالمعالجة عند أطباء النفوس ، أفهل يشكّ في فضلهم وجلالتهم وسموّ قدرهم وعلوّ مرتبتهم  ؟  ! هيهات هيهات حاشا وكلاّ ، لا يشكّ فيه إلاّ من عمي بصره وقسى قلبه( [200] ) .

             وفي وصيّة العلاّمة الحلّي (قدس سره) لولده فخر المحقّقين ، يقول  :

             وعليك بصلة الذرّية العلويّة ، فإنّ الله تعالى قد أكّد الوصيّة فيهم وجعل مودّتهم أجر الرسالة والإرشاد ، فقال تعالى  : (   قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى   )  ، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : إنّي شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا  : رجل نصر ذرّيتي ، ورجل بذل ماله لذرّيتي عند الضيق ، ورجل أحبّ ذرّيتي باللسان والقلب ، ورجل سعى في حوائج ذرّيتي إذا طردوا أو شرّدوا . وقال الصادق (عليه السلام)   : إذا كان يوم القيامة نادى مناد  : أ يّها الخلائق انصتوا فإنّ محمّداً يكلّمكم ، فينصت الخلائق ، فيقوم النبيّ (صلى الله عليه وآله) فيقول  : يا معشر الخلائق ، من كانت له عندي يد أو منّة أو معروف فليقم حتّى نكافيه ، فيقولون  : بآبائنا واُمّهاتنا أي يد وأيّ منّة وأيّ معروف لنا ، بل اليد والمنّة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق ، فيقول  : بلى من آوى أحداً من أهل بيتي أو برّهم أو كساهم من عري أو أشبع جائعهم فليقم حتّى اُكافيه ، فيقوم اُناس قد فعلوا ذلك فيأتي النداء من قبل الله  : يا  محمّد ، يا حبيبي ، قد جعلت مكافأتهم إليك فأسكنهم في الجنّة حيث شئت ، فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمّد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين )( [201] ) .

             ذكر العلاّمة (قدس سره) في كتابه المسمّى بمنهاج اليقين بسنده عمّن رواه قال  :

             وقعت في بعض السنين ملحمة بقم ، وكان بها جماعة من العلويّين ، فتفرّق أهلها في البلاد ، وكان فيها امرأة علويّة صالحة كثيرة الصلاة والصيام ، وكان زوجها من أبناء عمّها اُصيب في تلك الملحمة ، وكان لها أربع بنات صغار من ابن عمّها ذلك ، فخرجت مع بناتها من قم ، لمّـا خرجت الناس منها .

             فلم تزل ترمي بها الغربة من بلد إلى بلد حتّى أتت بلخ ، وكان قدومها إليها إبّان الشتاء ، فقدمت بلخ في يوم شديد البرد ، ذي غيم وثلج ، فحين قدمت بلخ بقيت متحيّرة لا تدري أين تذهب ، ولا تعرف موضعاً تأوي إليه يحفظها وبناتها من البرد والثلج ، فقيل لها  : إنّ بالبلد رجلا من أكابرها معروفاً بالإيمان والصلاح يأوي إليه الغرباء وأهل المسكنة .

             فقصدت إليه العلويّة وحولها بناتها ، فلقيته جالساً على باب داره وحوله جلساؤه وغلمانه ، فسلّمت عليه وقالت  : أ يّها الملك إنّي امرأة علويّة ، ومعي بنات  علويّات ، ونحن غرباء ، وقدمنا إلى هذا البلد في هذا الوقت وليس لنا من نأوي إليه ولا بها من يعرفنا فنلجأ إليه ، والثلج والبرد قد أضرّنا ، دُللنا إليك فقصدناك لتأوينا .

             فقال  : ومن يعرف أ نّك علويّة ، ائتيني على ذلك بشهود  !

             فلمّـا سمعت كلامه ، خرجت من عنده حزينة تبكي ودموعها تنتثر ، واقفة في الطريق متحيّرة لا تدري أين تذهب ، فمرّ بها سوقيٌّ فقال  : ما لكِ أ يّتها المرأة واقفة ، والثلج يقع عليك ، وعلى هذه الأطفال معكِ  ؟ فقالت  : إنّي امرأة غريبة لا أعرف موضعاً آوي إليه ، فقال لها  : امضي خلفي حتّى أدلّكِ على الخان الذي يأوي إليه الغرباء ، فمضت خلفه .

             قال الراوي  : وكان بمجلس ذلك الملك رجل مجوسيٌّ ، فلمّـا رأى العلويّة وقد ردّها الملك وتعلّل عليها بطلب الشهود ، وقعت لها الرحمة في قلبه فقام في طلبها مسرعاً فلحقها عن قريب ، فقال  : إلى أين تذهبين أ يّتها العلويّة  ؟ قالت  : خلف رجل يدلّني إلى الخان لآوي إليه ، فقال لها المجوسي  : لا بل ارجعي معي إلى منزلي ، فآوي إليه فإنّه خيرٌ لكِ ، قالت  : نعم ، فرجعت معه إلى منزله .

             فأدخلها منزله ، وأفرد لها بيتاً من خيار بيوته ، وأفرشه لها بأحسن الفرش وأسكنها فيه ، وجاء بها بالنار والحطب ، وأشعل لها التنّور وأعدّ لها جميع ما تحتاج إليه من المأكل والمشرب ، وحدّث امرأته وبناته بقصّتها مع الملك ، وفرح أهله بها وجاءت إليها مع بناتها وجواريها ، ولم تزل تخدمها وبناتها وتأنسها حتّى ذهب عنهنّ البرد والتعب والجوع .

             فلمّـا دخل وقت الصلاة فقالت للمرأة  : ألا تقوم إلى قضاء الفرض  ؟ قالت لها امرأة المجوسيّ  : وما الفرض  ؟ إنّا اُناس لسنا على مذهبكم ، إنّا على دين المجوسيّ ، ولكن زوجي لمّـا سمع خطابك مع الملك ، وقولك إنّي امرأة علويّة ، وقعت محبّتك في قلبه لأجل اسم جدّكِ ، وردّ الملك لكِ ، مع أ نّه على دين جدّك .

             فقالت العلويّة  : اللهمّ بحقّ جدّي وحرمته عند الله أسأله أن يوفّق زوجكِ لدين جدّي ، ثمّ قامت العلويّة إلى الصلاة والدعاء طول ليلها بأن يهدي الله ذلك المجوسي لدين الإسلام .

             قال الراوي  : فلمّـا أخذ المجوسي مضجعه ونام مع أهله تلك الليلة ، رأى في منامه أنّ القيامة قد قامت والناس في المحشر ، وقد كظّهم العطش ، وأجهدهم الحرّ ، والمجوسيّ في أعظم ما يكون من ذلك ، فطلب الماء فقال له القائل  : لا يوجد الماء إلاّ  عند النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته ، فهم يسقون أولياءهم من حوض الكوثر ، فقال المجوسيّ  : لأقصدنّهم فلعلّهم يسقوني جزاء لما فعلت مع ابنتهم وإيوائي إيّاها فقصدهم ، فلمّـا وصلهم وجدهم يسقون من يرد إليهم من أوليائهم ويردّون من ليس من أوليائهم ، وعليّ (عليه السلام) واقف على شفير الحوض وبيده الكأس ، والنبيّ (صلى الله عليه وآله) جالس وحوله الحسن والحسين (عليهما السلام)  ، وأبناؤهم .

             فجاء المجوسيّ حتّى وقف عليهم ، وطلب الماء وهو لما به من العطش ، فقال له علي (عليه السلام)   : إنّك لست على ديننا فنسقيك ، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله)   : يا عليّ ، أسقه . فقال  : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّه على دين المجوسي ، فقال  : يا عليّ ، إنّ له عليك يداً بيّنةً ، قد آوى ابنتك فلانة وبناتها فكنّهم عن البرد ، وأطعمهم من الجوع ، وها هي الآن في منزله مكرّمة ، فقال عليّ (عليه السلام)   : ادنُ منّي ادنُ منّي ، فدنوت منه فناولني الكأس بيده ، فشربت شربة وجدت بردها على قلبي ، ولم أرَ شيئاً ألذّ ولا أطيب منها .

             قال الراوي  : وانتبه المجوسيّ من نومته ، وهو يجد بردها على قلبه ، ورطوبتها على شفتيه ولحيته ، فانتبه مرتاعاً ، وجلس فزعاً ، فقالت زوجته  : ما شأنك  ؟ فحدّثها بما رآه من أوّله إلى آخره ، وأراها رطوبة الماء على لحيته وشفتيه ، فقالت له  : يا هذا ، قد ساق إليك خيراً بما فعلت مع هذه المرأة والأطفال العلويّين . فقال  : نعم والله لا أطلب أثراً بعد عين .

             قال الراوي  : وقام الرجل من ساعته ، وأسرج الشمع ، وخرج هو وزوجته حتّى دخل على البيت الذي تسكنه العلويّة ، وحدّثها بما رآه ، فقامت وسجدت لله شكراً ، وقالت  : والله إنّي لم أزل طول ليلتي أطلب إلى الله هدايتك للإسلام ، والحمد  لله على استجابة دعائي فيك ، فقال لها  : اعرضي عليّ الإسلام ، فعرضته عليه فأسلم وحسن إسلامه ، وأسلمت زوجته وجميع بناته وجواريه وغلمانه ، وأحضرهم مع العلويّة حتّى أسلموا جميعهم .

             أ يّها القارئ الكريم ، لحظة من فضلك ، قبل أن اُكمل لك القصّة ، أرى قد اغرورقت عيناك وجرت دموعك الولائيّة على خدّيك ولان قلبك ، والآن مع هذه الحالة الروحانية يستجيب الله الدعاءَ ، فبالله عليك أسألك أن تدعو لنفسك أوّلا ثمّ  للمؤمنين والمؤمنات ثمّ تدعو لي إن كنت حيّاً أن يقبلني الله بقبول حسن ويوفّقني لما فيه رضاه ويسعدني وأهلي في الدارين ، وإن كنت ميّتاً أن يغفر لي ويرفع درجاتي ويحشرني مع محمّد وآله ، كما أدعو لك بذلك . وإليك تتمّة القصّة  :

             قال الراوي  : وأمّا ما كان من الملك فإنّه في تلك الليلة لمّـا أوى إلى فراشه رآى في منامه ما رآه المجوسيّ وأ نّه قد أقبل إلى الكوثر ، فقال  : يا أمير المؤمنين اسقني فإنّي وليٌّ من أوليائك ، فقال له عليّ (عليه السلام)   : اطلب من رسول الله (صلى الله عليه وآله)  ، فإنّي لا  أسقي أحداً إلاّ بأمره ، فأقبل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال  : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) مر لي بشربة من الماء فإنّي وليٌّ من أوليائكم ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : ائتني على ذلك بشهود ، فقال  : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)  ، وكيف تطلب منّي الشهود دون غيري من أوليائكم  ؟ فقال (صلى الله عليه وآله)   : وكيف طلبت الشهود من ابنتنا العلويّة ، لمّـا أتتك وبناتها تطلب منك أن تأويها في منزلك  ؟

             فقال  : ثمّ انتبه وهو حيران القلب ، شديد الظمأ ، فوقع في الحسرة والندامة على ما فرط منه في حقّ العلويّة ، وتأسّف على ردّها ، فبقي ساهراً بقيّة ليلته حتّى أصبح وركب وقت الصبح يطلب العلويّة ويسأل عنها ، فلم يزل يسأل ولم يجد من يخبره عنها ، حتّى وقع على السوقي ، الذي أراد أن يدلّها على الخان فأدلّه أنّ الرجل المجوسيّ الذي كان معه في مجلسه أخذها إلى بيته ، فعجب من ذلك .

             ثمّ إنّه قصد إلى منزل المجوسي وطرق الباب ، فقيل  : من بالباب  ؟ فقيل له  : الملك واقف ببابك يطلبك ، فعجب الرجل من مجيء الملك إلى منزله ، إذ لم يكن من عادته ، فخرج إليه مسرعاً ، فلمّـا رآه الملك ، وجد عليه الإسلام ونوره ، فقال الرجل للملك  : ما سبب مجيئك إلى منزلي  ؟ ولم يكن لك ذلك عادة ، فقال  : من أجل هذه المرأة العلويّة وقد قيل لي إنّها في منزلك ، وقد جئت في طلبها ولكن أخبرني على حال هذه الحلية عليك ، فإنّي أراك قد صرت مسلماً .

             فقال  : نعم والحمد لله ، وقد منّ عليّ ببركة هذه العلوية ودخولها منزلي بالإسلام ، فصرت أنا وأهلي وبناتي وجميع أهل بيتي مسلمين على دين محمّد وأهل بيته ، فقال له  : وما السبب في إسلامك  ؟ فحدّثه بحديثه ، ودعاء العلويّة له ورؤياه وقصّ القصّة بتمامها .

             ثمّ قال  : وأنت أ يّها الملك وما السبب في حرصك على التفتيش عنها بعد إعراضك أوّلا عنها وطردك إيّاها  ؟ فحدّثه الملك بما رآه ، وما وقع له مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) فحمد الله تعالى ذلك الرجل على توفيق الله تعالى إيّاه لذلك الأمر الذي نال به الشرف والإسلام ، وزادت بصيرته .

             ثمّ دخل الرجل على العلويّة فأخبرها بحال الملك ، فبكت وخرّت ساجدة لله شكراً على ما عرّفه من حقّها ، فاستأذنها في إدخاله عليها ، فأذنت له  : فدخل عليها واعتذر إليها وحدّثها بما جرى له مع جدّها صلوات الله عليه ، وسألها الانتقال إلى منزله فأبت وقالت  : هيهات ، لا والله ، ولو أنّ الذي أنا في منزله كره مقامي فيه لما  انتقلت إليك .

             وعلم صاحب المنزل بذلك فقال  : لا والله لا تبرحي منزلي وإنّي قد وهبتك هذا المنزل ، وما أعددت فيه من الاُهبة ، وأنا وأهلي وبناتي وأخدامي كلّنا في خدمتك ، ونرى ذلك قليلا في جنب ما أنعم الله تعالى به علينا بقدومكِ .

             قال الراوي  : وخرج الملك ، وأتى منزله وأرسل إليها ثياباً وهدايا وكيساً فيه جملة من المال ، فردّت ذلك ولم تقبل منه شيئاً .

             ــ يقول الفقير إلى الله سبحانه  : ذكر العلاّمة (رحمه الله) في كتابه المسمّى بجواهر المطالب في فضايل مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أيضاً حكاية قريبة من تلك الحكاية ، قال  : نقل ابن الجوزي وكان حنبليّ المذهب في كتابه تذكرة الخواصّ( [202] ) ، قال  : قرأت في كتاب الملتقط وهو كتاب لجدّه أبي الفرج ابن الجوزي  :

             كان ببلخ رجل من العلويّين ، وله زوجة وبنات فتوفّي أبوهنّ ، قالت المرأة  : فخرجت بالبنات إلى سمرقند خوفاً من شماتة الأعداء ، واتّفق وصولي في شدّة البرد فأدخلت البنات مسجداً ومضيت لأحتال في القوت ، فرأيت الناس مجتمعين على شيخ فسألت عنه ، فقالوا  : هذا شيخ البلد ، فشرحت له حالي ، فقال  : أقيمي عندي البيّنة عندك أ نّك علويّة ، ولم يلتفت إليّ .

             فيئست منه ، وعدت إلى المسجد فرأيت في طريقي شيخاً جالساً على دكّة وحوله جماعة ، فقلت  : من هذا  ؟ قالوا  : ضامن البلد ، وهو مجوسيّ ، فقلت  : عسى أن يكون على يده فرجي ، فحدّثته بحديثي وما جرى لي مع شيخ البلد( [203] ) فصاح بخادم  له فخرج فقال له  : قل لسيّدتك تلبس ثيابها ، فدخل وخرجت امرأته ومعها جواري .

             فقال لها  : اذهبي مع هذه المرأة إلى المسجد الفلاني واحملي بناتها إلى الدار ، فجاءت معي وحملت البنات وقد أفرد لنا بيتاً في داره ، وأدخلنا الحمّـام وكسانا ثياباً فاخرة ، وجاءنا بألوان الأطعمة ، وبتنا بأطيب ليلة .

             فلمّـا كان نصف الليلة رأى شيخ البلد المسلم في منامه كأنّ القيامة قد قامت واللواء على رأس محمّد (صلى الله عليه وآله)  ، وإذا بقصر من الزمرّد الأخضر فقال  : لمن هذا القصر  ؟ فقيل  : لرجل مسلم موحّد ، فتقدّم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأعرض عنه ، فقال  : يا رسول الله  ! تعرض عنّي وأنا رجل مسلم  ؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : أقم البيّنة عندي أ نّك مسلم ، فتحيّر الرجل ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : نسيت ما قلته للعلويّة ، وهذا القصر للشيخ الذي هي في داره .