ومن ذا يُباريهم بفخر فضيلة *** من الناس والقرآن يؤخذ عنهمُ

أبوهم أمير المؤمنين وجدّهم *** أبو القاسم الطهر النبيّ المكرّمُ

وخالهم إبراهيم والاُمّ فاطم *** وعمّهم الطيّار بالخُلد ينعمُ

*     *     *

فهذا إذا عدّوا المناسب في الورى *** هم الصهر والطهر النبيّ به حمى

هم شرعوا الدين الحنيفي والهدى *** وقاموا بدين الله من قبل يحكمُ( [69] )

             قال الشافعي  :

يا آل بيت رسول الله حبّكم *** فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكمُ من عظيم الشأن أ نّكمُ *** من لم يصلّ عليكم لا صلاة له


 

 

 

الفصل  الثاني

 

السيّد  لغةً  واصطلاحاً

 

             السيّد وتوابعها لغةً  :

             ذرّية الرسول (صلى الله عليه وآله) سادة الناس كجدّهم سيّد الكائنات .

             والسيّد مشتقّ من ساد قومه يسودهم سيادةً ، فهو سيّدهم وجمعه سادة وسيائد وسادات ، وهو عند البصريّين على وزن فعل وجمعه فعلة وفيعل فياعل مثل قائد وقادة وقوائد ، وعند الكوفيين أصله من ساد يسوّد سيدودة وسؤدداً ، فهو سيودد ولسكون الياء قبل الواو ياءً ثمّ اُدغم في الياء للمجانسة مع كسر الياء فصار سيّداً ، ويستعمل السيّد بالإضافة ، كسيّد العرب والعجم ، كما يستعمل مطلقاً وهو في الله سبحانه فقط فيقال ( يا سيّد ) .

             ويطلق السيّد على الرب والمالك والشريف والفاضل والكريم والحليم والزوج والرئيس والمقدّم والمطاع عند قومه ، والذي يفوق الكلّ في الخير كلّه ، كما جاء بعض هذه المعاني في قوله تعالى في يحيى  : (   أنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَة مِنْ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً   ) ( [70] )  .

             وفي الشريعة الإسلامية وعند المسلمين أصبح علماً لرسول الله خير
الكائنات وسيّد الممكنات وسبب إيجاد الموجودات ، جامع جميع صفات الكمال والجمال والجلال في الممكنات ، فهو منزّه عن جميع الخبائث والأدناس والأرجاس الصوريّة والمعنويّة .

             ثمّ تتجلّى هذه المعاني السامية والمقامات الرفيعة في صهره وابن عمّه وأخيه وخليفته بلا فصل ، أسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)  ، فهما أبوا هذه الاُمّة ، ومرجع كلّ مرجع ومطاع كلّ مطيع في الدين والدنيا ، فهما السيّدان على الإطلاق ، ثمّ لأولادهما المعصومين (عليهم السلام) مقام السيادة العظمى ، ثمّ لذرّيتهما وأحفاد بني هاشم ومن ينتسب إليهما ، فلهم السيادة الصُغرى الأمثل فالأمثل ، ويسمّى كلّ واحد منهم سيّداً وعلويّاً هاشمياً ، كما يسمّى أولاد عليّ وفاطمة (عليهما السلام) بالعلويين والفاطميين ، وكلّ من زاد في أجداده من الأئمة الأطهار فهو أشرف نسباً ، وقيل  : الأشرف من قرب من عليّ وفاطمة (عليهما السلام) في الولادة ، ثمّ الأقرب فالأقرب .

             فالسيّد وإن كان وصفاً لمن كان مطاعاً في كلّ قوم ، إلاّ أ نّه صار علماً للذات النبويّة الشريفة والذات الولويّة ـ  المنسوبة إلى أولياء الله الأئمة الأطهار (عليهم السلام)   ـ المقدّسة ، ومن ينسب إليهما .

             فمن يسمع كلمة السيّد ، أو الشريف أو شريف الطرفين فإنّه يتبادر إلى ذهنه المنسوب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في البنوّة ، فانتقلت كلمة السيّد من المعنى اللغوي إلى معنى خاصّ وذلك من النقل المألوف كنقل الصلاة من الدعاء إلى الأفعال الخاصّة ، أوّلها التكبير وآخرها التسليم .

             فالسيّد والشريف اصطلاحاً في محاورة المسلمين لا سيّما في العصور الأخيرة يعني المنسوب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)  ، وإن كان في الفقه الإسلامي من ينسب إلى بني هاشم ، وقيل  : إلى كنانة أو مضر بن كنانة ، فراجع .


 

 

 

الفصل  الثالث

 

إكرام  الذرّية  من  طرق  الخاصّة

 

             اعلم أنّ الأخبار والروايات الشريفة في فضل السادة الأشراف لكثيرة ، فقد عقد شيخنا الأجلّ العلاّمة المجلسي (قدس سره) ( [71] ) باباً في بيان فضائل ومدح الذرّية الطيّبة وثواب صلتهم ويذكر في الباب 34 حديثاً ورواية .

             منها  : عن أبي عبد السلام عن الإمام الصادق (عليه السلام)  ، قال  :

             إذا كان يوم القيامة جمع الله الأوّلين والآخرين في صعيد واحد ، فتغشاهم ظلمة ، فيضجّون إلى ربّهم ويقولون يا ربّ اكشف عنّا هذه الظلمة ، قال  : فيقبل قوم يمشي النور بين أيديهم قد أضاء أرض القيامة ، فيقول أهل الجمع  : هؤلاء أنبياء الله  ؟ فيجيئهم النداء من عند الله  : ما هؤلاء بأنبياء . فيقول أهل الجمع  : فهؤلاء ملائكة  ؟ فيجيئهم النداء من عند الله  : ما هؤلاء بملائكة . فيقول أهل الجمع  : هؤلاء شهداء  ؟ فيجيئهم النداء من عند الله  : ما هؤلاء بشهداء . فيقولون  : من هم  ؟ فيجيئهم النداء  : يا أهل الجمع ، سلوهم من أنتم  ؟ فيقول أهل الجمع  : من أنتم  ؟ فيقولون  : نحن العلويون ، نحن ذرّية محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله)  ، نحن أولاد عليّ وليّ الله ، نحن المخصوصون بكرامة الله ، نحن الآمنون المطمئنّون ، فيجيئهم النداء من عند الله عزّ وجلّ  : اشفعوا في محبّيكم وأهل مودّتكم وشيعتكم فيشفعون فيُشفّعون( [72] ) .

             الصدوق بسنده عن الإمام الرضا (عليه السلام)  ، قال  :

             النظر إلى ذرّيتنا عبادة ، فقيل له  : يا بن رسول الله ، النظر إلى الأئمة منكم عبادة  ؟ أم النظر إلى جميع ذرّية النبيّ (صلى الله عليه وآله)   ؟ فقال  : بل النظر إلى جميع ذرّية النبيّ (صلى الله عليه وآله) عبادة( [73] ) .

             وروى في عيون الأخبار مثله ، وزاد في آخره  : ما لم يفارقوا منهاجه ، ولم  يتلوّثوا بالمعاصي( [74] ) .

             وحينئذ النظر إلى الذرية التي لم تبلغ ولم تصل إلى سنّ التكليف أي ما دون التاسعة في البنات ودون الخامسة عشر في الذكور ، فإنّ النظر إليهم لا محالة يكون من العبادة ، لو كان مع نيّة التقرّب إلى الله سبحانه ، وذلك لأنّ من شرائط العبادات النيّة الخالصة كما هو ثابت في الفقه الإسلامي .

             « وفي جامع الأخبار  : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : أكرموا أولادي وحسّنوا آدابي .

             وقال (صلى الله عليه وآله)   : أكرموا أولادي ، الصالحون لله ، والطالحون لي .

             والشيخ المقداد شارح الباب الحادي عشر ، وفي كتاب نهج المسترشدين للعلاّمة الحلّي ، وصاحب كنز العرفان في بحث الإمامة المسمّى باللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة ، قالوا  : يجب تعظيم الذرّية النبويّة العلويّة ومودّتهم ، لقوله تعالى  : (   قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى   ) ( [75] )  ، ولقوله (صلى الله عليه وآله)   : أكرموا أولادي صالحهم لله وطالحهم لأجلي ، وقوله (صلى الله عليه وآله)   : أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة  : المكرم لذرّيتي ، والساعي لهم في حوائجهم ، والباذل لهم ماله ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه »( [76] ) .

             فما يدلّ على لزوم تعظيم كلّ الذرية الصالح والطالح ما مرّ من قوله ( صالحهم لله وطالحهم لي ) ، ويدلّ على ذلك آية الاصطفاء وقوله تعالى  : (   فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ   ) ( [77] )  ، وما قاله الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)   : ( اللهمّ إنّهم عترة رسولك ، فهب مسيئهم لمحسنهم ) .

             وجمعاً بين الأخبار يقال  :

             إنّ الطالح إذا لم يصل إلى مرحلة التبرّي من الأئمة الاثنى عشر (عليهم السلام) فإنّه يكرّم ويعظّم لأجل رسول الله ، وأمّا إذا لم يكن من المذهب الحقّ فإنّه يتبرّأ منه .

             عن الإمام الصادق ، قال (عليه السلام)   : من خالف دين الله ووالى أعداء الله وعادى أولياء الله فالبراءة منهم واجبة كائناً من كان من أيّ قبيلة كان  .

             وقال (عليه السلام)   : ولايتي لأمير المؤمنين (عليه السلام) أحبّ إليّ من ولادتي منه .

             وقيل  : الصالحون هم الأئمة المعصومون (عليهم السلام) كما يدلّ عليه آية المظاهرة (   وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِـحُ المُؤْمِنِينَ   ) ( [78] ) أ نّه أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)  ، والطالحون أولاد الأئمة فيكرمون لرسول الله .

             وقال (صلى الله عليه وآله)   : أربعة أنا لهم شفيع  : المكرم لذرّيتي والقاضي لهم حوائجهم والساعي في اُمورهم عندما اضطرّوا إليه ، والمحبّ بقلبه ولسانه .

             وقال (صلى الله عليه وآله)   : من أراد التوسّل إليّ وأن تكون له عندي يداً أشفع له بها ، فليصل أهل بيتي وليدخل السرور عليهم .

             وقال عليه الصلاة والسلام  : إنّ لله عزّ وجلّ ثلاث حرمات ، فمن حفظهن حفظ الله دينه ودنياه ، ومن لم يحفظهنّ لم يحفظ الله دنياه ولا آخرته  : حرمة الإسلام وحرمتي وحرمة رحمي .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   :

             إنّي شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا  : رجل نصر ذرّيتي ، ورجل بذل ماله لذرّيتي عند المضيق ، ورجل أحبّ ذرّيتي باللسان والقلب ، ورجل سعى في حوائج ذرّيتي إذا طردوا وشرّدوا( [79] ) .

             عن الإمام الصادق (عليه السلام)  ، قال  :

             إذا كان يوم القيامة نادى مناد  : أ يّها الخلائق ، أنصتوا فإنّ محمّداً يكلّمكم ، فينصت الخلائق ، فيقوم النبيّ (صلى الله عليه وآله)  ، فيقول  : يا معشر الخلائق ، من كانت له عندي يد أو منّة أو معروف فليقم حتّى اُكافيه ، فيقولون  : بآبائنا واُمّهاتنا ، وأيّ يد وأيّ منّة وأيّ معروف لنا  ؟ بل اليد والمنّة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق ، فيقول لهم  : بلى من آوى أحداً من أهل بيتي أو أبرّهم أو كساهم من عري أو أشبع جائعهم فليقم حتّى اُكافيه . فيقوم اُناس قد فعلوا ذلك ، فيأتي النداء من عند الله  : يا محمّد يا  حبيبي ، قد جعلت مكافأتهم إليك ، فأسكنهم من الجنّة حيث شئت ، فيسكنهم في الوسيلة ، بحبث لا يحجبون عن محمّد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) ( [80] )  .

             وفي معاني الأخبار بسنده عن محمّد بن سنان ، عن حمزة ومحمّد ابني حمران ، قالا  : اجتمعنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) في جملة من أجلّة مواليه ، وفينا حمران ابن  أعين ، فخصّنا في المناظرة وحمران ساكت ، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام)   : ما لَكَ لا  تتكلّم يا حمران  ؟ فقال  : يا سيّدي آليت على نفسي أن لا أتكلّم في مجلس تكون فيه . فقال أبو عبد الله   (عليه السلام)   : إنّي قد أذنت لك في الكلام فتكلّم ، فقال حمران أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له لم يتّخذ صاحبةً ولا ولداً ، خارج من الحدّين حدّ  التعطيل وحدّ التشبيه ، وإنّ الحقّ القول بين القولين لا جبر ولا تفويض ، وإنّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون ، وأشهد أنّ الجنّة حقّ وأنّ البعث بعد الموت حقّ وأشهد أنّ علياً حجّة الله على خلقه لا يسع الناس جهله ، وأنّ حسناً بعده وأنّ الحسين من بعده ، ثمّ عليّ بن الحسين ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ أنت يا سيّدي من بعدهم . فقال (عليه السلام)   : أصبت يا حمران . ثمّ قال  : يا حمران ، مدّ المطمر بينك وبين العالم ، قلت  : يا سيّدي ، وما المطمر  ؟ فقال  :  أنتم تسمّونه خيط البناء ، فمن خالفك على هذا الأمر فهو زنديق ، فقال حمران  : وإن كان علوياً فاطمياً  ؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام)   : وإن كان محمّدياً علوياً فاطمياً( [81] ) .

             ولا يخفى أ نّه وإن كانت السعادة تدرك المنسوب إلى رسول الله من فاطمة الزهراء (عليها السلام) فإنّه لا يموت كافراً ، ولكن ما دام لم يتولّ ولاية أجداده الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ولم يكن من مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فإنّه يتبرّأ منه حتّى يعرف الحقّ وأهله ، ولكنّه من بركات سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) أ نّه في آخر حياته تدركه السعادة ، فيموت مؤمناً ، أي شيعياً إمامياً ، إلاّ أ نّه فاسق مستحقّ ضعفين من العذاب ، ويلاقي في القبر والبرزخ والمحشر ما يطهّره ، والله العالم بحقائق الاُمور .

             في معاني الأخبار للشيخ الصدوق عليه الرحمة ، بسنده عن أبي سعيد المكاري ، قال  : كنّا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فذكر زيد ومن خرج معه ، فهمّ بعض أصحاب المجلس أن يتناوله ، فانتهره أبو عبد الله (عليه السلام) قال  : مهلا ليس بكم أن تدخلوا فيما بيننا إلاّ بسبيل خير ، إنّه لم تمت نفس منّا إلاّ وتدركه السعادة قبل أن يخرج نفسه ولو بفواق ناقة ، قال  : قلت  : وما فواق ناقة  ؟ قال  : حِلابها ) أي بمقدار ما تحلب الناقة ، يعني ولو دقائق قبل خروج روحه . والسعادة هنا الموت على شهادة التوحيد والنبوّة والإمامة ، أي الموت على الولاية التامّة .

             روي عن الحسن بن راشد ، قال  : ذكرت زيد بن عليّ فتنقّصته عند أبي  عبد  الله (عليه السلام)  ، فقال  : لا تفعل رحم الله عمّي ، أتى إليّ فقال لي  : اُريد الخروج على هذا الطاغية ، فقلت  : لا تفعل ، فإنّي أخاف أن تكون المصلوب في ظهر الكوفة ، أما علمت يا زيد أ نّه لا يخرج أحد من ولد فاطمة على أحد من السلاطين قبل خروج السفياني إلاّ قُتل ، ثمّ قال  : ألا يا حسن ، إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذرّيتها على النار ، وفيهم نزلت (   ثُمَّ أوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَـفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ   ) ( [82] )  ، فإنّ الظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام ، والمقتصد العارف بحقّ الإمام ، والسابق بالخيرات هو الإمام . ثمّ قال  : يا حسن إنّا أهل بيت لا يخرج أحدنا من الدنيا حتّى يقرّ لكلّ ذي فضل فضله )( [83] ) .

             وربما المقصود من أ نّه يقتل ولد فاطمة لو خرج ، فيما كان يدعو إلى إمامة أحد الأئمة الاثني عشر بالفعل ، فإنّه يقتل ، وأمّا من كان ممهّداً لظهور صاحب الأمر (عليه السلام) ومن الموطّئين لقيام الإمام المهدي (عليه السلام) فإنّه يستثنى من هذا الحكم ، فتأمّل .

             ثمّ تحرم النار على ذرّية فاطمة الزهراء كرامة لها ، إلاّ أنّ من بطنها مباشرةً يكون بنحو العدل والاستحقاق كالإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) ولد البطن خاصّة ، وأمّا غير المباشر إلى يوم القيامة تحرم عليهم النار تفضّلا ، فكلّ الذرّية حينئذ تحرم عليهم النار ، ويكون عذابهم بالزمهرير ، وإنّما نذهب إلى هذا المعنى جمعاً بين الأخبار ، فتدبّر .

             ثمّ في تفسير العياشي في قوله تعالى  : (   وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ إلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ   ) ( [84] )  ، عن الإمام الصادق (عليه السلام)   : إنّما نزلت فينا خاصّة .

             وقال الإمام الرضا (عليه السلام)   : ( كن محبّاً لآل محمّد وإن كنت فاسقاً ، ومحبّاً لمحبّيهم وإن كانوا فاسقين ) .

      ويفوّض امر السادة الفسّاق إلى أجدادهم (عليهم السلام)  ، كما فوّض أمر إخوة يوسف إليه ، فقال  : (   لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ   ) ( [85] )  ، فما من السادة ذرّية الرسول إلاّ مغفور له تفضّلا ، فيكون من أهل الجنّة في عاقبة الأمر ، وتحرم عليه النار الأبديّة . فإنّ فاطمة (عليها السلام) قد أحصنت فرجها فحرّم الله ذرّيتها على النار .

             قال النبيّ (صلى الله عليه وآله)   : إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذرّيتها على النار( [86] ) .

             وفي حديث طويل ، سأل يهودي أمير المؤمنين (عليه السلام)   : أخبرني عن هذه الاُمّة كم لها من إمام هدى  ؟ وأخبرني عن نبيّكم محمّد أين منزله في الجنّة  ؟ وأخبرني من معه في الجنّة  ؟ فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام)   : إنّ لهذه الاُمّة اثني عشر إمام هدى من ذرّية نبيّها وهي منّي ، وأمّا منزل نبيّنا (صلى الله عليه وآله) في الجنّة فهي أفضلها وأشرفها جنّة عدن ، وأمّا من معه في منزله منها فهؤلاء الاثنا عشر من ذرّيته واُمّهم وجدّتهم اُمّ اُمّهم وذراريهم لا يشركهم فيها أحد( [87] ) .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : كلّ بني اُنثى ينتمون إلى عصبة أبيهم ، إلاّ ولد فاطمة فأنا وليّهم وأنا عصبتهم وأنا أبوهم .

             وهذا يعني أنّ ذلك من خصائص النبيّ الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله)  .

             وقال (صلى الله عليه وآله)   : إنّ الله تبارك وتعالى جعل ذرّية كلّ نبيّ في صلبه ، وجعل ذرّيتي في صلب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)  .

             عن أبي جعفر (عليه السلام) أ نّه قال  : إنّنا ولد فاطمة ، مغفور لنا( [88] ) .

             عن حسين بن موسى بن جعفر ، عن أبائه (عليهم السلام)  ، عن فاطمة ، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهما ، قال  : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : أ يّما رجل صنع إلى رجل من ولدي صنيعة فلم يكافئه عليها ، فأنا المكافئ له عليها( [89] ) .

             عن الرضا (عليه السلام)  ، عن آبائه (عليهم السلام)  ، قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)   : من اصطنع صنيعة إلى واحد من ولد عبد المطّلب ولم يجازه عليها في الدنيا ، فأنا اُجازيه غداً إذا لقيني يوم القيامة .

             عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام)  ، قال  : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : عيادة بني هاشم فريضة ، وزيارتهم سنّة( [90] ) .

             عن الرضا ، عن آبائه (عليهم السلام)  ، قال  : قال النبيّ (صلى الله عليه وآله)   : بغض عليّ كفر ، وبغض بني هاشم نفاق( [91] ) .

             في كتاب المسلسلات  : حدّثنا الحسين بن أحمد ، وهو آخذ بشعره ، قال  : حدّثني عبد الرحمن بن محمّد البلخي وهو آخذ بشعره ـ  إلى أن يقول  :  ـ قال زيد بن عليّ (عليه السلام) وهو آخذ بشعره ، قال  : حدّثني عليّ بن الحسين (عليه السلام) وهو آخذ بشعره ، عن أبيه الحسين بن عليّ (عليهما السلام) وهو آخذ بشعره ، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو آخذ بشعره ، قال  : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو آخذ بشعره ، قال  : من آذى شعرة منّي فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فعليه لعنة الله ملء السماء والأرض .

             قال  : قلنا لزيد بن عليّ  : من يعني  ؟ قال  : يعنينا ولد فاطمة (عليها السلام)  ، لا تدخلوا بيننا فتكفروا .

             وقد ورد هذا الحديث الشريف من طرق مختلفة من العامّة والخاصّة( [92] ) .

             وممّـا يدلّ على كرامة ولد فاطمة الزهراء (عليها السلام) بالخصوص ما ورد من التحريم أو الكراهة في الجمع بين فاطميّتين في النكاح ، فقيل بعدم جواز نكاح العلوية الفاطمية الثانية على الاُولى ، فكيف بغير الفاطميّة ، وقيل  : بالكراهة الشديدة .

             قال الآية العظمى السيّد كاظم اليزدي( [93] )  :

             الأقوى جواز الجمع بين فاطميّتين على كراهة ، وذهب جماعة من الأخباريّة إلى الحرمة والبطلان بالنسبة إلى الثانية أو طلاق الاُولى وتجديد العقد على الثانية بعد  خروج الاُولى عن العدّة وإن كان الأظهر على القول بالحرمة عدم البطلان لأ نّها  تكليفيّة ، فلا تدلّ على الفساد ، ثمّ الظاهر عدم الفرق في الحرمة أو الكراهة بين  كون الجامع بينهما فاطميّاً أو لا ، كما أنّ الظاهر اختصاص الكراهة أو الحرمة بمن  كانت فاطميّة من طرف الأبوين أو الأب فلا تجري في المنتسب إليها صلوات الله عليها من طرف الاُمّ خصوصاً إذا كان انتسابها إليها بإحدى الجدّات ، وكيف كان فالأقوى عدم الحرمة ، وإن كان النصّ الوارد في المنع صحيحاً على ما رواه الصدوق في العلل بإسناده عن حمّـاد قال  : ( سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول  : لا يحلّ لأحد أن يجمع بين ثنتين من ولد فاطمة (عليها السلام)  ، إنّ ذلك يبلغها فيشقّ عليها ، قلت  :  يبلغها  ؟ قال (عليه السلام)   : إي والله ) ، وذلك لإعراض المشهور عنه مع أنّ تعليله ظاهر في الكراهة ، إذ لا نسلّم أنّ مطلق كون ذلك شاقّاً عليها إيذاءً لها حتّى يدخل في قوله (صلى الله عليه وآله)   : من آذاها فقد آذاني( [94] ) .

             ولو تمسّكنا بإطلاق هذه الرواية الشريفة فإنّه يلزم أن يترك كلّ ما يؤذي فاطمة الزهراء (عليها السلام) في أولادها رجالا ونساءً وأطفالا ، فمن عنده علويّة أو أولاده من علويّة ، فعليه أن يبالغ في تكريمها وتكريمهم فلا يؤذيهم بالضرب أو الفحش والإهانة والكلام البذيء وما شابه ذلك ، فإنّه سرعان ما يحرم بذلك من شفاعة الرسول وأهل البيت (عليهم السلام)  ، ومن هذا المنطلق يقال  : يصعب معاشرة أبناء رسول  الله ، فإنّه يخاف من حرمان الشفاعة يوم القيامة ، فمن الصعب مراعاة حقوق الزوجة العلويّة لغير العلويّ ، كما من الصعب مراعاة حقوق الصديق العلوي الفاطمي ، فتدبّر ، فإنّ لذلك آثاراً وضعيّة في الدنيا والآخرة ، ربما يوجب الهلاك والشقاء .

             ثمّ روى الصدوق في من لا يحضره الفقيه في كتاب النكاح في تزويج الأكفّاء أ نّه  : نظر النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى أولاد عليّ وجعفر (عليهما السلام) فقال  : ( بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا )( [95] ) .

             ومن هذا المنطلق نجد بعض السادة الأشراف لا يزوّجون بناتهم إلاّ إلى الأشراف السادة .

             وهناك من يذهب إلى هذا الأمر حتّى في الرضاعة لما ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال  : من شرب من لبننا أو أرضع لنا ولداً فنحن آباؤه( [96] ) .

             ومن طريف ما يحكى في هذا الباب ما جاء في كتاب المدهش لأبي فرج ابن  الجوزي ، قال بعض الصالحين  : دخلت إلى مصر ، فوجدت بها حدّاداً يخرج الحديد من النار بيده ويقلّبه على السندان ولا يجد لذلك ألماً ، فقلت في نفسي  : هذا عبد صالح لا تعدو عليه النار ، فدنوت منه وسلّمت عليه ، فردّ عليّ السلام ، فقلت  : يا سيّدي ، بالذي منّ عليك بهذه الكرامة إلاّ ما دعوت لي .

             قال  : فبكى وقال  : والله يا أخي ما أنا كما ظننت .

             فقلت  : يا أخي ، إنّ هذا الذي فعلته لا يقدر عليه إلاّ الصالحون .

             فقال  : اسمع ، إنّ لهذا حديثاً عجيباً .

             فقلت  : إن رأيت أن تطرفني به فافعل .

             فقال  : نعم ، كنت يوماً من الأيام جالساً في هذا الدكّان وكنت كثير التخليط إذ وقفت على امرأة جميلة الصورة لم أرَ قطّ أحسن منها وجهاً ، فقالت  : يا أخي ، هل  عندك شيء لله عزّ وجلّ  ؟ فلمّـا نظرت إليها فتنت بها وقلت لها  : هل لكِ أن  تمضي معي إلى البيت وأرفع إليكِ ما يكفيكِ زماناً طويلا  ؟ فقالت  : لست والله من يفعل هذا ، فقلت  : فاذهبي عنّي ، قال  : فذهبت وغابت عنّي طويلا ثمّ رجعت وقالت  : قد أحوجتني الضرورة إلى ما أردت ، قال  : فقفلت الدكّان ومضيت بها إلى  البيت . قال  : فقالت  : يا هذا إنّ لي أطفالا قد تركتهم على فاقة ، فإن رأيت أن  تعطيني شيئاً أذهب به إليهم وأرجع إليك فافعل ، فأخذت عليها العهود والمواثيق ثمّ دفعت إليها دراهم ، فمضت وغابت ساعة ، ثمّ رجعت فدخلت إلى البيت وأغلقت الباب وسكّرته ، فقالت  : لِمَ فعلت هذا  ؟ فقلت  : خوفاً من الناس . فقالت  : ولِمَ  لا  تخاف من ربّ الناس  ؟ فقلت  : إنّه غفورٌ رحيم ، ثمّ تقدّمت إليها فوجدتها تضطرب كما تضطرب السعفة في يوم ريح عاصف ودموعها تنحدر على خدّيها ، فقلت  : ممّـا اضطرابكِ  ؟ قالت  : يا هذا خوفاً من الله عزّ وجلّ ، ثمّ قالت  : يا هذا إن  تركتني لله تعالى ضمنت لك أنّ الله لا يعذّبك بناره لا في الدنيا ولا في الآخرة ، قال  : فقمت ودفعت إليها جميع ما كان عندي وقلت  : يا هذه ، اذهبي لسبيلك قد  تركتك خوفاً من الله عزّ وجلّ ، قال  : فلمّـا فارقتني غلبتني عيناي فرأيت امرأة لم أرَ أحسن منها وجهاً وعلى رأسها تاج من الياقوت فقالت  : يا هذا ، جزاك الله عنّا خيراً ، فقلت لها  : ومن أنتِ  ؟ قالت  : اُمّ الصبيّة التي أتتك وتركتها خوفاً من الله عزّ وجلّ لا أحرقك الله بالنار لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فقلت  : ومن هي يرحمك الله  ؟ فقالت  : هي من نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله)  ، قال  : فحمدت الله عزّ وجلّ إذ وفّقني وعصمني ، ثمّ ذكرت قوله تعالى  : (   إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً   ) ( [97] )  ، ثمّ أفقت من ذلك الوقت لم تعد عليّ النار في دار الدنيا ، وأرجو أن لا تعدو عليّ في الآخرة( [98] ) .

             وممّـا يدلّ على كرامة أبناء فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى يوم القيامة دعائها لذرّيتها بالسلام عليهم ـ  والسلام اسم من أسماء الله وهو من الدعاء بالسلامة في الدين والدنيا والآخرة  ـ فقد ورد في الحديث الشريف في وصيّتها (عليها السلام) عندما ارتحلت إلى جوار ربّها وكشف أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) عن وجهها فإذا برقعة عند رأسها الشريف فنظر فيها فإذا فيها  :

             « بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوصت وهي تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله وأنّ الجنّة حقّ ـ  إلى أن  قالت  :  ـ وادفنّي بالليل ولا تعلم أحداً وأستودعك الله وأقرأ على ولدي السلام إلى يوم القيامة »( [99] ) .

             وعليكِ يا عصمة الله الكبرى يا اُمّاه سلام الله التامّ ما بقينا وبقي الليل والنهار ، ورزقنا الله شفاعتكِ وجواركِ مع أبيك وبعلكِ وأولادك المعصومين (عليهم السلام)  .

             ثمّ ممّـا يدلّ على تكريم ذرّية الرسول (صلى الله عليه وآله) قوله تعالى  : (   هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إلاّ الإحْسَان   ) ( [100] )  .

             وأيّ إحسان أعظم من إحسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد صدع بالرسالة السمحاء وتحمّل المشاقّ والصعاب حتّى أدّى بحياته من أجل هداية الناس وإسعادهم في الدارين وعزّتهم وكرامتهم وشرفهم ، وأنار القلوب بنور الإيمان وبنور القرآن الكريم والإسلام العظيم ، وما اُوذي نبيّ بمثل ما اُوذي ، فإن لاقى ألوان الأذى والآلام من المشركين والكفّار كرمي الجمار وإلقاء الأوساخ عليه ومحاولة اغتياله وكسر ربّاعيّته وإدماء جبهته واتّهامه بالجنون وغير ذلك .

             وبعد الهداية ومعرفة الحقيقة أراد الناس أن يجازوا نبيّهم على إحسانه ، فأتوه ليقدّمون له ما يطلبه أجراً على رسالته ، فنزلت آية المودّة وقال سبحانه وتعالى عن لسان نبيّه الأعظم (صلى الله عليه وآله)   : (   قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى   ) ( [101] )  ، وأدّبنا الله خير تأديب وعلّمنا أنّ جزاء إحسان النبيّ يتجلّى بمثل المودّة والمحبّة بكلّ مظاهرها وأشكالها لأهل بيته وذرّيته .

             ولكن ممّـا يقطع أنياط القلب حزناً وألماً أ نّه مع هذه النصوص الشريفة من الآيات الكريمة والأحاديث الكثيرة التي بلغت التواتر الإجمالي على تكريم الذرّية النبويّة الطاهرة ، إلاّ أنّ الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) انقلبوا على أعقابهم وارتدّوا إلى القهقرى وبدّلوا معالم الدين وأحدثوا ما أحدثوا ، وآذوا رسول الله في نفسه أخيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وفي بنته فاطمة الزهراء (عليها السلام)  ، وولديه وسبطيه الحسن والحسين (عليهما السلام) وأبنائهما جيلا بعد جيل ، فما منهم إلاّ مقتول أو مسموم أو مشرّد أو  طريد أو محبوس أو منفي أو مطارد من قبل السلطات الحاكمة منذ اليوم الأوّل وحتّى يومنا هذا يكفيك أن تقرأ كتاب ( مقاتل الطالبيّين ) لأبي فرج الإصفهاني ، فما  أكثر الظلم والجور الذي أوردوه على أبناء وذرّية رسول الله  ؟  ! حتّى بعض السادة الأجلاّء كتموا عن أنسابهم تقيّة وخوفاً ، بل منهم من كتم عن مذهب أجداده أهل البيت (عليهم السلام) وتلبّس بمذاهب الحكومات الجائرة ، حتّى ضاع نسب الأحفاد والأسباط .

             وإليك بعض الشواهد التأريخيّة التي ألصقت العار على جبين الإنسانية ، فكيف بتأريخ المسلمين  ؟  !

             ينقل الطبري في تأريخه بسنده عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن إبراهيم ، أ نّه اُتي ببعض بني الحسن (عليه السلام) إلى أبي جعفر المنصور الدوانيقي من خلفاء بني العباس ، فنظر إلى محمّد بن إبراهيم بن الحسن ، فقال  : أنت الديباج الأصفر  ؟ قال  : نعم ، قال  : أما والله لأقتلنّك قتلةً ما قُتلها أحد من أهل بيتك ، ثمّ أمر باسطوانة مبنيّة ففرّقت ، ثمّ اُدخل فيها ، فبني عليه وهو حيّ( [102] ) .

             أورد الشيخ الصدوق عليه الرحمة في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) بسنده عن عبيد الله البزّاز النيسابوري وكان مسنّاً ، قال  :

             كان بيني وبين حميد بن قحطبة الطائي الطوسي معاملة ، فرحلت إليه في بعض الأيام فبلغه خبر قدومي ، فاستحضرني للوقت وعليّ ثياب السفر لم اُغيّرها وذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظهر ، فلمّـا دخلت عليه ، رأيته في بيت يجري فيه الماء فسلّمت عليه وجلست ، فاُتي بطشت وإبريق فغسل يديه ثمّ أمرني فغسلت يدي وأحضرت المائدة وذهب عنّي أ نّي صائم ، وأ نّي في شهر رمضان ، ثمّ ذكرت فأمسكت يدي ، فقال لي حميد  : ما لكَ لا تأكل  ؟

             فقلت  : أ يّها الأمير هذا شهر رمضان ولست بمريض ولا بي علّة توجب الإفطار ، ولعلّ الأمير له عذر في ذلك أو علّة توجب الإفطار .

             فقال  : ما بي علّة توجب الإفطار ، وإنّي لصحيح البدن . ثمّ دمعت عيناه وبكى .

             فقلت له بعدما فرغ من طعامه  : ما يبكيك أ يّها الأمير  ؟

             فقال  : أنفذ إليّ هارون الرشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل أن أجب ، فلمّـا دخلت عليه رأيته بين يديه شمعة تتّقد وسيفاً أخضر مسلولا وبين يديه خادم واقف ، فلمّـا قمت بين يديه رفع رأسه إليّ فقال  : كيف طاعتك لأمير المؤمنين  ؟ فقلت  : بالنفس والمال ، فأطرق ، ثمّ أذن لي في الانصراف ، فلم ألبث في منزلي حتّى عاد الرسول إليّ وقال  : أجب أمير المؤمنين ، فقلت في نفسي  : إنّا لله ، أخاف أن يكون قد عزم على قتلي وأ نّه لمّـا رآني استحيا منّي ، قعدت بين يديه فرفع رأسه إليّ فقال  : كيف طاعتك لأمير المؤمنين  ؟ فقلت  : بالنفس والمال والأهل والولد ، فتبسّم ضاحكاً ثمّ أذن لي في الانصراف ، فلمّـا دخلت منزلي لم ألبث أن عاد إليّ الرسول ، فقال  : أجب أمير المؤمنين ، فحضرت بين يديه وهو على حاله ، فرفع رأسه إليّ وقال لي  : كيف طاعتك لأمير المؤمنين  ؟ فقلت  : بالنفس والمال والأهل والولد والدين ، فضحك ، ثمّ قال لي  : خذ هذا السيف وامتثل ما يأمرك به الخادم ، قال  : فتناول الخادم السيف وناولنيه ، وجاء بي إلى بيت بابه مغلق ففتحه فإذا فيه بئر في وسطه ، وثلاثة بيوت أبوابها مغلقة ، ففتح باب بيت منها ، فإذا فيه عشرون نفساً عليهم الشعور والذوائب شيوخ وكهول وشبّان مقيّدون ، فقال لي  : إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء وكانوا كلّهم علويّة من ولد عليّ وفاطمة (عليهما السلام)  ، فجعل يخرج إليّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه ، حتّى أتيت على آخرهم ، ثمّ رمى بأجسادهم ورؤوسهم في تلك البئر ، ثمّ فتح باب بيت آخر فإذا فيه أيضاً عشرون نفساً من العلويّة من ولد عليّ وفاطمة (عليهما السلام) مقيّدون ، فقال لي  : إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء ، فجعل يخرج إليّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه ويرمي به في تلك البئر ، حتّى أتيت إلى آخرهم ، ثمّ فتح باب البيت الثالث ، فإذا فيه مثلهم عشرون نفساً من ولد عليّ وفاطمة (عليهما السلام) مقيّدون عليهم الشعور والذوائب فقال لي  : إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء أيضاً ، فجعل يخرج إليّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه ويرمي به في تلك البئر ، حتّى أتيت على تسعة شعر نفساً منهم ، وبقي شيخاً منهم عليه شعر ، فقال لي  : تبّاً لك يا ميشوم ، أيّ عذر لك يوم القيامة إذا قدمت على جدّنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد قتلت من أولاده ستّين نفساً قد ولدهم عليّ وفاطمة (عليهما السلام)   ؟ فارتعشت يدي وارتعدت فرائصي ، فنظر إليّ الخادم مغضباً وزبّرني ، فأتيت على ذلك الشيخ فقتلته ورمي به في تلك البئر ، فإذا كان فعلي هذا وقد قتلت ستّين نفساً من ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله)  ، فما ينفعني صومي وصلاتي  ؟ وأنا لا أشكّ أ نّي مخلّد في النار( [103] ) .