وفي مشكل إعراب القرآن  :

             إنّ آل محمّد معناه أهل محمّد لأنّ أصل آل أهل ثمّ اُبدل من الهاء همزة فصار إلا ثمّ اُبدلت الهمزة ألفاً لانفتاح ما قبلها وسكونها ، فإذا صغّر آل ردّ إلى أصله فقيل اُهيل ، وربما يقال الآل أخصّ والأهل أعمّ في مقام الاستعمال .

             وجاء في تعليقة الميرزا مهدي المدرّس الآشتياني على شرح منظومة السبزواري ( الصفحة 14 ) في شرح قوله  : ( وآله )  :

             قد فُسّر في الخبر المروي عن الصادق (عليه السلام) آل النبيّ (صلى الله عليه وآله) ذرّيته وأهل بيته بالأئمة (عليهم السلام)  ، وقال بعض أهل التحقيق  : آل النبيّ من يؤول إليه وهم قسمان  : الأوّل من يؤول إليه أوّلا جسمانياً صورياً كأولاده ومن يحذو حذوهم ، وهم أقاربه الذين تحرم عليهم الصدقة في الشريعة ، والثاني من يؤول إليه مآلا روحانياً معنوياً من العلماء الراسخين والأولياء الكاملين والحكماء المتألّهين المقتبسين من مشكاته ، وتحرم عليهم الصدقة المعنوية أيضاً ، وهي تقليد الغير في العلوم والمعارف وأصله أهل ، قلبت الهاء همزة بدليل تصغيره باُهيل . انتهى .

             وعلماء اللغة ذكروا أنّ آل الرجل هو أهل بيته ، وفي النبيّ (صلى الله عليه وآله) يجب تخصيصه بالأئمة والعصمة الكبرى فاطمة الزهراء عليها وعليهم السلام لوجهين  :

             الأوّل من جهة أنّ أولهم إليه (صلى الله عليه وآله) بكونهم مخلوقين من طينته المقدّسة ، التي هي  من أعلى عليّين ، عالم الأمر وحضرة الجبروت ، بحكم كونهم أوّل الصوادر الوجودية ، ولا شكّ أنّ نساء النبىّ وأقوامه لا حظّ لهم من ذاك الأمر بالاتفاق .

             والثاني  : أنّ بيت الله تعالى بيتان  : صوري وهو الكعبة ، ومعنوي وهو قلب المؤمن بوجه وحضرة الأحدية الذاتية وبرزخ البرازخ ، ومرجع الأوّل أعني قلب المؤمن أيضاً إلى ذاك من جهة أنّ كونه بيتاً له تعالى ، من جهة مظهريّته لهذا البيت ، كما هو ظاهر غير محتاج إلى البيان . والبيت الحقيقي للنبيّ (صلى الله عليه وآله) بحكم ( أبيت عند ربّي يطعمني ويسقيني ) هو أيضاً هذا البيت ، من جهة مظهريّته للاسم الأعظم الإلهي ، ولمقام قاب قوسين أو أدنى ، كما أشار إليه بقوله  : ( كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين ) وهذا أيضاً مستلزم لما ذكر ، ولعلمهم بما كان وما يكون وما هو كائن ، ولمظهريّتهم الفعليّة لجميع صفاته تعالى وأسمائه ، وأين أقوامه (صلى الله عليه وآله) ونساءه من هذه المنزلة الرفيعة والمكانة العظمى  ؟

             فهذا الدليل يظهر للعارف الخبير اختصاص آية التطهير بهم عليهم الصلاة والسلام أيضاً ، فافهم وتدبّر ، انتهى( [39] ) .

 

             3 ـ العِترة  :

             العتر ـ  بكسر العين  ـ بمعنى الرجوع ومنه المثل ( عادت إلى عِترها لميس ) أي رجعت إلى أصلها ، يضرب لمن رجع إلى خلق كان قد تركه ، العِترة  : ولد الرجل وذرّيته أو عشيرته ممّن مضى ( القطعة من المسك الخالص ) ( الريقة العذبة ) .

 

             4 ـ الأولاد  :

             من ولد يلد ولاداً وإلاداً وولادة ، وولدت الاُنثى  : وضعت حملها فهي والد ووالدة وولدت الأرض النبات  : أخرجته ... والوَلَد والوُلد والوِلْد والوَلْد  : كلّ ما ولده شيء ، ويطلق على الذكر والاُنثى والمثنّى والجمع ، وهو مذكّر ، وقد جمعوا فقالوا  : أولاد ووِلدَة وإلدة ووَلُد ، وتقول العرب  : ( لا أدري أيّ ولد الرجل هو ) أي  الناس هو . والولد بمعنى المولود والمتكوّن من النطفه التي هي أصل قوّة البدن ولبّ اللباب ومنبع الدم والروح الحيوانية ، فالولد هو الجزء الأصلي من الحيوان ، فله  حكم الكلّ حكم البدن والروح كما اتّفق عليه العلماء والعقلاء ، فيلزم اتّحاد الكلّ والجزء في الأحكام بين النبيّ وذرّيته إلاّ ما خرج بالدليل كالنبوّة والإمامة والعصمة والطهارة الذاتيّين وما شابه ذلك من مختصّات النبوّة والإمامة . فهذه السلسلة في المرتبة الذاتية متّحدة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى يوم القيامة .

             فرحم النبيّ موصولة في الدنيا والآخرة كما ورد في الأخبار الشريفة .

 

             5 ـ الأبناء  :

             جمع ابن ، وأصله من بني بمعنى البناء عكس الهدم ، وابتنى الرجل صار له بنون  وأبناء ، والمؤنّث ابنة . وتصغيره ( بنيّ ) والولد الحلال يبتنى على أبيه فسمّي ابناً .

             وفي المفردات  : وابن أصله بنو لقولهم الجمع أبناء وفي التصغير بُني ، قال تعالى  :

             (   يَا بُـنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إخْوَتِكَ   ) ( [40] )  .

             (   يَا بُـنَيَّ إنِّي أرَى فِي المَنَامِ أ نِّي أذْبَحُكَ   ) ( [41] )  .

             (   يَا بُـنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ   ) ( [42] )  .

             يا بنيّ لا تعبد الشيطان .

             وسمّي بذلك لكونه بناءً للأب ، فإنّ الأب هو الذي بناه وجعله الله بناءً في إيجاده ويقال لكلّ ما يحصل من جهة شيء أو من تربيته أو بتفقّده أو كثرة خدمته له أو قيامه بأمره هو ابنه نحو فلان ابن حرب ، وابن السبيل للمسافر ، وابن الليل ، وابن  العلم ، وفلان ابن بطنه وابن فرجه إذا كان همّه مصروفاً إليهما ، وابن يومه إذا لم يفكّر في غده ، قال تعالى  :

             (   وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللهِ   ) ( [43] )  .

             وجمع ابن  : أبناء وبنون ... ويقال في مؤنّث ابن  : ابنة وبنت ، والجمع  : بنات( [44] ) .

             وفي المفردات  : الولد المولود يقال للواحد والجمع والصغير والكبير ، قال الله تعالى  :

             (   فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ   )  .

             (   أ نَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ   )  .

             ويقال للمتبنّى  : ولد ، قال  :

             (   أوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً   )  .

             وقال  :

             (   وَوَالِدٌ وَمَا وَلَدَ   )  .

             قال أبو الحسن  : الولد الابن والابنة والوُلد هم الأهل والوِلد( [45] ) ...

             ثمّ يطلق الأولاد على أولاد الأولاد وهكذا ، كما في قوله تعالى  :

             (   يا بَنِي آدَمَ   )  .

 

             6 ـ النسل  :

             نسل نسلا الصوف أو الريش  : نفشه وأسقطه ، ونسل الرجل  : كثر ولده ... وبنو فلان أكثر أولادهم . الولد والذرّية .

             وفي المفردات( [46] )  : نسل  : النسل الانفصال عن الشيء ، يقال  : نسل الوبر عن البعير ، والقميص عن الإنسان ... والنسل الولد لكونه ناسلا عن أبيه ، قال  :

             (   وَيُهْلِكُ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ   )  .

             وتناسلوا  : توالدوا .

 

             7 ـ الذُرّية  :

             من ذرأ بمعنى الخلق وبمعنى الكثرة ، ذرأ الشيء كثّره .

             أو من ذرا وذري بمعنى الطيران والتفريق ، ذروت الريح التراب  : أطارته وفرّقته . وذريت الحنطة نقّاها في الريح .

             أو من ذرر بمعنى الصغار من الأولاد .

             وفي المفردات  : ذرو  : ذروة السنام وذراه أعلاه ... والذرّية أصلها الصغار من الأولاد وإن كان يقع على الصغار والكبار معاً في التعارف ويستعمل للواحد والجمع وأصله الجمع ، قال تعالى  :

             (   ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْض   ) ( [47] )  .

             وقال  :

             (   ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح   ) ( [48] )  .

             وقال  :

             (   وَآيَةٌ لَهُمْ أ نَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّـتَهُمْ فِي الفُلْكِ المَشْحُونِ   ) ( [49] )  .

             وقال  :

             (   إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي   ) ( [50] )  .

             وفي الذرّية ثلاثة أقوال  : قيل  : هو من ذرأ الله الخلق فترك همزه نحو روية وبرية ، وقيل  : أصله ذروية ، وقيل  : هو فُعلِيّة من الذرّ نحو قمرية .

             وقال أبو القاسم البلخي  : قوله تعالى  : (   وَلَقَدْ ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ   ) من قولهم  : ذريت الحنطة ولم يعتبر أنّ الأوّل مهموز .

             وذرّية يطلق على الأبناء والأولاد إلى يوم القيامة كما يشهد على ذلك اللغة والعرف والشرع المقدّس في نصوصه الدينيّة ، من القرآن الكريم والروايات الشريفة ، وإنكار ذلك من المكابرة والعناد .

 

             الذرّية وتوابعها اصطلاحاً  :

             وأمّا هذه الكلمات ( السبعة ) اصطلاحاً ، فإنّها تطلق على معان أربعة كما يستفاد ذلك من خلال الروايات الشريفة الواردة عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) والصادرة عن أهل البيت الأطهار (عليهم السلام)  . وموارد الاستعمال إنّما هو باعتبار ضيق الدائرة وسعتها من جهة المصاديق خصوصاً وعموماً ، فتارةً تطلق على المعنى الأخصّ ، واُخرى على الخاصّ ، وثالثة على العامّ ، ورابعةً على الأعمّ( [51] ) .

             مثلا  : استعمل كلمة ( أهل البيت ) في أحاديث النبيّ (صلى الله عليه وآله) تارةً في خصوص أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة الزهراء والحسن والحسين (عليهم السلام)  ، كما في آية التطهير وحديث الكساء المتواتر عند الفريقين ـ  السنّة والشيعة  ـ وهذا هو المعنى الأخصّ .

             أجمعت الاُمّة وأهل القبلة أنّ آية التطهير  : (   إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً   ) ( [52] )  ، نزلت في خصوص آل العباء الأربعة   (عليهم السلام)  .

             وعند جماعة منهم صاحب الصواعق المحرقة أنّ هذه الآية نزلت مرّتان وتكرّرت كسورة الحمد للتأكيد على علوّ شأن وطهر أصحابها . مرّة يوم المباهلة ( مباهلة النبيّ (صلى الله عليه وآله) مع نصارى نجران ) ففي مسلم والترمذي والمشكاة وجامع الاُصول وغيرهم أ نّه كما نزلت آية (   نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ   ) ( [53] )  ، دعى النبيّ (صلى الله عليه وآله) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً (عليهم السلام) فقال  : اللهمّ هؤلاء أهلي .

             عن عائشة قالت  : خرج النبيّ (صلى الله عليه وآله) ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله فيه ، ثمّ جاء الحسين (عليه السلام) فدخل معه ، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها ثمّ جاء علي فأدخله . ثمّ قال  : إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً( [54] ) .

             والمرّة الاُخرى في بيت اُمّ سلمة زوجة النبيّ (صلى الله عليه وآله)  ، ففي الترمذي والمشكاة وغيرهما عن اُمّ سلمة  : لمّـا نزلت هذه الآية  : (   إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ   ) دعى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فاطمة وحسناً وحسيناً فجلّلهم بكساء ، وعليّ خلف ظهره فجلّله بكساء ، ثمّ قال  : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، قالت اُمّ سلمة  : وأنا معهم يا نبيّ الله  ؟ فقال  : أنت على مكانك وأنت على خير( [55] ) .

             وفي مسلم والترمذي في ذيل الآية  : كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول لعليّ (عليه السلام) وفاطمة والحسن والحسين  : أنا حرب لمن حاربتم وسلمٌ لمن سالمتم .

             وفي الترمذي عن أنس  : كان النبيّ يمرّ بباب فاطمة ستّة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول  : الصلاة يا أهل البيت ، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً( [56] ) .

             وفي الدرّ المنثور عن ابن عباس  : شهدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسعة أشهر يأتي كلّ يوم باب علي عند وقت كلّ صلاة ، فيقول  : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت ، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ، الصلاة يرحمكم الله( [57] ) .

             وفي صحيح مسلم  : سأله الصحابة زيد بن أرقم من أهل بيته نساءه  ؟

             قال  : لا ، وأيم الله ، إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ، ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة عليهم بعده( [58] ) .

             هذا ، ولا يخفى أنّ العصمة الذاتيّة الكلّية والطهارة الذاتيّة التكوينية والتشريعية إنّما مختصّة بهؤلاء الأربعة أصحاب الكساء ومعهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك بنصّ آية التطهير ، وكذلك الأئمة التسعة المعصومين من ولد الإمام الحسين (عليهم السلام)  ، وذلك بالنصوص الخاصّة الواردة في هذا المقام ، وأمّا غيرهم فيشتركون معهم في حرمة الصدقة عليهم وما شابه ذلك .

             ثمّ النبيّ الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) إنّما كان يكرّر آية التطهير على بيت أمير المؤمنين علي وفاطمة الزهراء (عليهم السلام) لمدّة ستّة أشهر أو تسعة أو سنة على اختلاف الروايات ، وعند صلاة الفجر أو الصلوات الخمسة ، كلّ هذا التأكيد ليبيّن لأصحابه وللقوم منزلة أهل البيت (عليهم السلام) وعظمتهم ، وأ نّه مختصّ بهؤلاء دون غيرهم ، حتّى نساءه وبقيّة أولاده .

             ثمّ يأتي أهل البيت (عليهم السلام) بالمعنى الخاصّ والمقصود منه خصوص الأئمة المعصومين (عليهم السلام) كما في حديث السفينة المتواتر عند الفريقين ( مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى )( [59] ) .

             والمعنى العامّ من أهل البيت هم ذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى يوم القيامة .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث  : من آوى أحداً من أهل بيتي أو أبرّهم أو كساهم من عري ، أو أشبع جائعهم فليقم حتّى اُكافيه ، فيقوم اُناس قد فعلوا ذلك ، فيأتي النداء من عند الله  : يا محمّد ، يا حبيبي ، قد جعلت مكافأتهم إليك ، فأسكنهم من الجنّة حيث شئت ، فيسكنهم في الوسيلة ، بحيث لا يحجبون عن محمّد (صلى الله عليه وآله) وأهل  بيته (عليهم السلام) ( [60] )  .

             والمعنى الرابع لأهل البيت هو المعنى الأعمّ ، فإنّه يطلق على من يحمل صفة أهل البيت وعلومهم وسلوكهم وأخلاقهم كما ورد في حقّ سلمان المحمّدي هذا الشرف العظيم في قول النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله)   : ( سلمان منّا أهل البيت ) .

             وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أ نّه كان من العلماء فصار منّا أهل البيت ، وهذا يعني أنّ كلّ من يحمل علومهم ومعارفهم فهو منهم وإن بعدت لحمته وشحمته ، كما في الأخبار الكثيرة الدالّة على ذلك .

             ولا يخفى أنّ استعمال ( أهل البيت ) في المعاني الثلاثة الاُولى إنّما هو استعمال حقيقي ، والأهليّة تكوينيّة ، وأمّا المعنى الرابع فهو من الاستعمال المجازي ، والأهليّة تشريفيّة ، وربما تزيد على التكوينية في بعض الموارد ، فلا يخفى لطفه .

             هذا وباقي الكلمات تجري فيها المعاني الأربعة كذلك ، يقف عليها الفقيه المتضلّع بالأخبار الشريفة ، الواقف على المعاني من خلال القرائن ولسان الروايات وشمّ الدراية ، وحديث تدريه خير من ألف حديث ترويه .

             ولأزيدك علماً ـ  أ يّها القارئ الكريم  ـ أضرب لك مثالا آخر ، وعليك التتبّع في الكلمات الاُخرى ، فالولد للنبيّ تارةً يقصد منه خصوص الحسن والحسين (عليهما السلام) كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)   : ( هذان ولداي سيّدا شباب أهل الجنّة ) ، واُخرى يقصد منه الأئمة المعصومون (عليهم السلام) أبناء وأولاد رسول الله ، وثالثة يقصد كلّ من ينتسب إلى  رسول الله من خلال فاطمة (عليها السلام)  ، ورابعة يقصد منه الاُمّة لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام)   : ( يا عليّ ، أنا وأنت أبوا هذه الاُمّة ) ، فالاُمّة تكون أولاد النبيّ (صلى الله عليه وآله) باعتبار المعنى الأعمّ .

             وكذلك الكلام في الآل والذرّية والنسل ـ  كما يعلم من خلال الروايات المذكورة في هذه الرسالة وغيرها وعليك التطبيق والتدبّر  ـ  .

             في كتاب ثواب الأعمال للشيخ الصدوق عليه الرحمة بسنده عن عمّـار قال  : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال رجل  : اللهمّ صلّ على محمّد وأهل بيت محمّد ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام)   : يا هذا ، لقد ضيّقت علينا ، أما علمت أنّ أهل البيت خمسة أصحاب الكساء  ؟ فقال الرجل  : كيف أقول  ؟ قال  : قل  : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، فنكون نحن وشيعتنا قد دخلنا فيه( [61] ) .

             وجاء في ( دائرة المعارف الشيعية العامة )  : آل محمّد (صلى الله عليه وآله) هم الذين يؤول أمرهم إليهم ، فكلّ من كان أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شكّ أنّ فاطمة وعليّاً والحسن والحسين (عليهم السلام) كان التعلّق بينهم وبين النبيّ (صلى الله عليه وآله) أشدّ التعلّقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب (عليهم السلام) أن يكونوا هم الآل كما أشار إليه صاحب الكشّاف . قال عبد الباقي العمري  :

صنو طاها المصطفى وابنته *** مع سبطيه الكنوز المقفلة

نقط رصّعت الباء مع النو *** ن والباء التي في البسملة

سور القرآن فيها سورت *** سيّما تسويرها للحمد له

             روى الصدوق( [62] ) عن أبي بصير قال  : قلت للصادق (عليه السلام)   : من آل محمّد  ؟ قال   (عليه السلام)   : ذرّيته ، فقلت  : من أهل بيته  ؟ قال (عليه السلام)   : الأئمة الأوصياء . قلت  : مَن عترته  ؟ قال  : أصحاب العباء . فقلت  : من اُمّته  ؟ قال  : المؤمنون الذين صدقوا بما  جاء من عند الله تعالى المتمسّكون بالثقلين الذين اُمروا بالتمسّك بهما كتاب الله وعترته أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وهما الخليفتان على الاُمّة بعد رسول الله .

             قال الفخر الرازي ( [63] ) في ذيل الآية الشريفة  : (   قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ    المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى   )   : اختلف الناس في الآل فقيل هم الأقارب ، وقيل هم اُمّته ، فإن حملناه على القرابة فهم الآل ، وإن حملناه على الاُمّة الذين قبلوا دعوته فهم أيضاً الآل ، فثبت أ نّه على جميع التقديرات هم الآل ، وأمّا غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل فمختلف فيه ، وروى صاحب الكشّاف أ نّه لمّـا اُنزلت هذه الآية قيل  : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم  ؟ قال (صلى الله عليه وآله)   : عليّ وفاطمة وابناهما .

             فثبت أنّ هؤلاء الأربعة أقارب النبيّ (صلى الله عليه وآله)  ، وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ، ويدلّ عليه وجوه  :

             الأوّل  : قوله تعالى  : (   إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى   )  . ووجه الاستدلال به ما سبق .

             الثاني  : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يحبّ فاطمة ، وقال (صلى الله عليه وآله)   : فاطمة (عليها السلام) بضعة منّي ، يؤذيني ما يؤذيها ، وثبت بالنقل المتواتر عن محمّد (صلى الله عليه وآله) أ نّه كان يحبّ عليّاً والحسن والحسين (عليهم السلام)  .

             وإذا ثبت ذلك وجب على كلّ الاُمّة مثله ، لقوله تعالى  :

             (   وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ   )  .

             ولقوله  :

             (   فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ   ) ( [64] )  .

             ولقوله  :

             (   قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ   ) ( [65] )  .

             ولقوله  :

             (   لَـقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ   ) ( [66] )  .

             الثالث  : إنّ الدعاء للآل منصب عظيم ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهّد في الصلاة ، وهو قوله  : ( اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وارحم محمّداً وآل محمّد ) ، وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل ، فكلّ ذلك يدلّ على أنّ حبّ آل محمّد واجب .

             قال الشافعي  :

إن كان رفضاً حبّ آل محمّد *** فليشهد الثقلان أ نّي رافضي( [67] )        وقال المؤلّف عليه الرحمة  : ولا يخفى على أحد شرف آل محمّد في الملّة الإسلامية كما يعلمه العارفون ينبوع الوحي نبيّ الإسلام وآله عليه وعليهم السلام فلهم وفيهم وعنهم وإليهم كلّ مجد عربي وكلّ شرف ديني ، لآل محمّد شرف النبوّة وشرف الفتوّة وشرف الإمامة وشرف الزعامة ، شرف الهداية ، شرف الولاية ، شرف العرفان وسبق الإيمان ، شرف الخلافة والقضاء والوحي والدعاء ، شرف السخاء والسعادة ، شرف الإباء والشهادة ، شرف الملك والسلطان ، شرف البيان والتبيان ـ  إلى أن يقول  :  ـ هم شرفاء اُمّ القرى وأسخيائه ، فلو جزّأوا الشرف على مئة جزء ، لكان تسعة وتعسون جزءاً منه مختصّاً بآل محمّد ، والجزء الباقي مشتركاً بينهم وبين العالمين ، ولا توجد عائلة بشريّة مرّت عليها القرون وهي محافظة لنسبها العائلي كآل محمّد على كثرتهم وتبعثرهم في الآفاق ، ولا توجد عائلة قدّمت ضحايا نفوسها العزيزة في سبيل تعزيز شرفها وإحياء مجدها كآل محمّد ، ولا توجد عائلة تكون فيها نوابغ الرجال والنساء ولا توجد عائلة منتشرة الآثار والمآثر في التعاليم والعلوم والأعمال والأخلاق كآل محمّد ، كما أشار إلى ذلك هبة الدين الشهرستاني بقوله  :

لو كان يقعد فوق الشمس من شرف *** قومٌ بأوّلهم أو مجدّهم قعدوا

محسّدون على ما كان من نِعَم *** لا ينزع الله منهم ما به حسدوا

             وقال  : ولا نجد عائلة جمعت بين شرفي الروحانية والسلطنة أكثر من ألف سنة إلاّ آل محمّد ، ولا نجد عائلة جمعت بين الامتيازات الطبيعية الدينية والدنيوية في الظاهر والباطن إلاّ آل محمّد( [68] ) .

             ثمّ قال في الصفحة 382  : واللازم علينا أوّلا تصحيح أنسابهم وتواصل أرحامهم وجمع شملهم بعد التفرّق وتعزيز شرفهم العظيم وإحياء مجدهم القديم وتطهيرهم من كلّ دنس ، لما تقدّم ويأتي الإشارة إليها ، روى ابن حجر في خاتمة الصواعق ( الصفحة 113 ) عن البخاري قال  : من أعظم الفري أن يدّعي الرجل إلى غير أبيه ، وقال  : ليس من رجل ادّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلاّ كفر ، وقال  : من ادّعى إلى غير أبيه فالجنّة حرام عليه ، وفي رواية  : فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ...

             ينبغي لكلّ أحد أن يكون له غيرة على هذا النسب الشريف وضبطه حتّى لا  ينسب إليه (صلى الله عليه وآله) واحد إلاّ بحقّ ولم يزل أنساب أهل البيت النبويّ مضبوطة على تطاول الأيام ، وأحسابهم التي بها يتميّزون محفوظة عن أن يدّعيها الجهّال واللئام ، وقد ألهم الله من يقوم بتصحيحها في كلّ زمان ، ومن يعتني بحفظ تفاصيلها في كلّ أوان ، خصوصاً أنساب الطالبيّين والمطّلبيين ومن ثمّ وقع الاصطلاح على اختصاص الذرّية الطاهرة بني فاطمة بين ذوي الشرف كالعباسيين والجعافرة بلبس الأخضر إظهاراً لمزيّة شرفهم ، وعن الصادق (عليه السلام) قال  : لا يحلّ لأحد أن يجمع بين اثنين من ولد فاطمة (عليها السلام) وإنّ ذلك يبلغها ويشقّ عليها ، قال الراوي  : أيبلغها ، قال  : إي والله ، والدلالة أنّ أذاها (عليها السلام) هنا من حيث تضمّنه الإهانة أو الأذى لذرّيتها ، والذي ما تواتر في علّة فرض الله تعالى الخمس لهم تنزيهاً لهم عن أوساخ الناس لقرابتهم من رسول الله كرامةً لهم من عنده ويغنيهم به أن لا يصيرهم في موضع الذلّ والمسكنة .

             وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال للراوي  : أتدري ما تفسير حيّ على خير العمل  ؟ قال  : لا ، قال (عليه السلام)   : دعاك إلى البرّ ، أتدري برّ من  ؟ قال  : لا ، قال  : دعاك إلى برّ  فاطمة (عليها السلام) وولدها ، وقال (صلى الله عليه وآله)   : أ يّما رجل صنع إلى رجل من ولدي صنيعة ولم  يكافئه عليها فأنا اُكافئ له غداً يوم القيامة وقال  : كلّ نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلاّ نسبي وسببي ، وكلّ نبيّ ذرّيته من صلبه وذرّيتي من صلب عليّ (عليه السلام)  ، وقال لعليّ (عليه السلام)   : أوّل من يدخل الجنّة أنا وأنت وفاطمة والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذرّيتنا من خلفنا ، وإنّ فاطمة أحصنت نفسها فحرّم ذرّيتها على النار .

             وقال (صلى الله عليه وآله)   : سألت ربّي أن لا يدخل أحداً من أهلي النار ، فأعطانيها .

             وقال  : وعدني ربّي في أهل بيتي من أقرّ منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ أن لا  يعذّبهم .

             وقال  : سابقنا شهيد ومقتصدنا ناج .

             وقال  : يا بني هاشم ، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً لو أخذت بحلقة باب الجنّة ما  بدأت إلاّ بكم ، وسألت الله لكم ثلاثاً  : أن يثبت قائمكم ، وأن يهدي ضالّكم ، وأن يعلّم جاهلكم .

             وقال  : أنا وأهل بيتي كشجرة في الجنّة وأغصانها في الدنيا ، فمن شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلا فليحبّنا .

             وقال  : شفاعتي لاُمّتي من أحبّ أهل بيتي .

             وقال  : اشتدّ غضب الله تعالى على من آذاني في عترتي .

             وقال  : من آذى قرابتي فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله .

             وقال  : من أحبّ أن يؤخّر أجله وأن يتمتّع فيما حوله فليخلفني في أهلي خلافة حسنة ، فمن لم يخلفني وتر عمره ، وورد عليّ يوم القيامة مسودّاً وجهه .

             وقال  : الشفعاء خمسة  : القرآن والرحم والأمانة ونبيّكم وأهل بيته .

             وقال  : النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لاُمّتي .

             وقال  : نحن بني عبد المطّلب ، ما عادانا كلب إلاّ وكَلِب ، ولا بيت إلاّ وخرب .

             وعن مسعدة قال  : كنت عند الصادق (عليه السلام) إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى متّكئاً على عصاه وسلّم ، فردّ الصادق (عليه السلام) الجواب ، ثمّ قال  : يا بن رسول الله ناولني يدك اُقبّلها ، فأعطاه يده فقبّلها ثمّ بكى ، فقال (عليه السلام)   : ما يبكيك يا شيخ  ؟ قال  : جعلت فداك ، يا بن رسول الله ، أقمت على قائمكم منذ مائة سنة أقول هذا الشهر وهذه السنة وقد كبر سنّي ودقّ عظمي وقرب أجلي ، ولا أرى فيكم ما اُحبّه ، أراكم مقتولين مشرّدين ، وأرى عدوّكم يطيرون بالأجنحة فكيف لا أبكي ، فدمعت عينا الصادق   (عليه السلام) فقال  : يا شيخ ، إنّ الله تعالى إن أبقاك حتّى ترى قائمنا كنت معنا في السنام الأعلى ، وإن حلّت بك المنيّة جئت يوم القيامة مع ثقله ، فقد قال النبيّ (صلى الله عليه وآله)   : إنّي مخلّف فيكم الثقلين فتمسّكوا بهما لن تضلّوا  : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فقال الشيخ  : لا اُبالي بعدما سمعت هذا الخبر ، ثمّ قال (عليه السلام)   : يا شيخ ، اعلم أنّ قائمنا يخرج من صلب الحسن العسكري بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ بن موسى الرضا ابن موسى الكاظم ابني ، ونحن اثنا عشر كلّنا معصومون مطهّرون ، فقال الشيخ  : يا  سيّدي ، بعضكم أفضل من بعض  ؟ قال (عليه السلام)   : لا نحن في الفضل سواء ، ولكن بعضنا أعلم من بعض ، ثمّ قال  : والله لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم لطوّل الله تعالى ذلك اليوم حتّى يخرج قائمنا أهل البيت ، ألا إنّ شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته هناك يثبت الله على هداه المخلصين ، اللهمّ أعنهم على ذلك .

             ثمّ قال المؤلّف عليه الرحمة  : وممّـا يدلّ على وجوب توقير ذرّية النبيّ (صلى الله عليه وآله) ولزوم إجلالهم وحرمتهم وبيان فضلهم على من سواهم هو ما يبلغ حدّ الضرورة ، إذ لا يرتاب ذو لبٍّ في أنّ تعظيم الولد تعظيم لآبائه ، وتحقيره تحقير لهم ، وممّـا ينبّه على ذلك ويوضحه أنّ خلفاء الله في أرضه واُمنائه وحججه على عباده وهم الذين خصّهم الله تعالى على من سواهم وحباهم وجعلهم ورثة الأنبياء وختم بهم الأوصياء والأئمة وعلّمهم علم ما كان وما يكون وجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ، وأوجب على الخلق مودّتهم وضرب لهم في كتابه أمثالا ـ  فيذكر بعض الآيات الشريفة  ـ وكلامه في الآل بالمعنى الخاصّ أي الأئمة الأطهار (عليهم السلام)  ، وفي بعض الموارد بالمعنى العامّ ، فلا تغفل ، ثمّ يذكر بعض الروايات منها  :

             قال (صلى الله عليه وآله)   : يا أ يّها الناس ، عظّموا أهل بيتي في حياتي وبعد مماتي ، وأكرموهم وفضّلوهم لا يحلّ لأحد أن يقوم لأحد غير أهل بيتي .

             وقال  : من رأى أولادي ولم يقم بين يديه فقد جفاني ومن جفاني فهو منافق .

             وقال (صلى الله عليه وآله)   : من رأى أولادي ولم يقم لهم قياماً تامّاً ابتلاه الله تعالى ببلاء لا  دواء له ، لما لهم من المنزلة والكرامة عند الله .

             وقال  : لا يقم أحد لأحد إلاّ للحسن والحسين وذرّيتهما .

             وقال (عليه السلام)   : النظر إلى ذرّيتنا عبادة ، فقيل  : النظر إلى الأئمة منكم أو النظر إلى جميعهم  ؟ قال  : بل النظر إلى جميعهم عبادة ، ما لم يفارقوا منهاجي ولم يتلوّثوا بالمعاصي .

             وقال (عليه السلام)   : إذا كان يوم القيامة نادى مناد  : أ يّها الخلائق أنصتوا فإنّ محمّداً يكلّمكم ويقول  : معاشر الخلائق من كانت له عندي يد أو متة او معروف فليقم حتّى اُكافيه .

             وفي حديث آخر قال  : من آوى أحداً من أهل بيتي أو برّهم أو كساهم أو أشبعهم فليقم حتّى اُكافيه فيقوم اُناس قد فعلوا ذلك في الدنيا فيأتي النداء من عند الله يا محمّد يا حبيبي قد جعلت مكافأتهم إليك ، فأسكنهم من الجنّة حيث شئت .

             وفي حديث آخر قال (صلى الله عليه وآله)   : إنّي شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا  : رجل نصر لذرّيتي ، ورجل بذل ماله لذرّيتي عند الشدّة ، ورجل أحبّ ذرّيتي باللسان والقلب ، ورجل سعى في حوائجهم إذا طردوا أو شرّدوا .

             وغير ذلك من الأخبار والآثار الواردة في هذا . قال الشاعر  :

بئر معطّلة وقصر مشرف *** مثل لآل محمّد مستطرف

فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى *** والبئر علمهم الذي لا ينزف

             ثمّ قال المؤلّف ( الصفحة 387 ) قلنا  : ومن شعائرهم الظاهرة خضرة العمائم والمناطق ـ  جمع منطقة أي حزام من قماش أو غيره يلفّ حول الظهر والبطن  ـ والتعارف بالنسب وتصحيح أنسابهم بعدما أظلم بانتحالات كاذبة واشتباهات مضرّة وتواصل أرحامهم بعد التقاطع وتعارفهم بعد التناكر وجمع شملهم بعد التفرّق وتعزيز شرفهم العظيم ، وإحياء مجدهم القديم وتطهير آثار السالفين وتطبيق أحوالهم العموميّة على مقتضيات الدين والعلم والشرف وآداب السلف الصالحة والمصلحة القومية ، ومن شعائرهم تحسين الأسماء والألقاب والتوقير بالكنى والتديّن لله تعالى والعدل بعد التوحيد والعلم والزهد في فضول العيش والنظافة والصدق والغيرة والسخاء والشجاعة والوفاء والأمانة والعفو والجزاء في موقعه ، والفصاحة والبلاغة وإباء نفوسهم عن الدنيّة ، والثبات والشهادة في الحقّ ، وعفّة القلب والجوارح والنصرة للحقّ وهداية الناس وتوقير الكبير وحماية المستجير ورعاية آداب سلفهم الصالح  :

هم التين والزيتون آل محمّد *** هم شجرة طوبى لمن يتفهّمُ

هم آل ياسين وطه وهل أتى *** هم النمل والأنفال إن كنت تعلمُ

هم الآية الكبرى هم الركن والصفا *** هم الحجّ والبيت العتيق وزمزمُ

هم في غد سفن النجاة لمن وعى *** هم العروة الوثقى التي ليس تفطمُ

هم السرّ فينا والمعالي هم الاُولى *** ويؤمن منجيهم إلى أين يمّمُ

هم الغاية القصوى هم منتهى المنا *** سل النصّ والفرقان يخبرك عنهمُ

هم فرط للقادمين عليهمُ *** إذا وردوا والحوض بالماء مقعمُ

هم جنّة المأوى هم الحوض في غد *** هم البيت والسقف الرفيع المعظّمُ

هم آل عمران هم الحجّ والنساء *** هم سبأ والذاريات ومريمُ

هم باهلوا نجران في داخل العباء *** فعاد المنادي وهو عنهم مرغمُ

ولولاهم لم يخلق الله خلقه *** ولا هبطا للناس حوّاء وآدمُ

وأقبل جبريل يقول مفاخراً *** لميكال من مثلي وقد صرت منهمُ

ومن مثلهم في العالمين وقد غدا *** لهم سيّد الأملاك جبريل يخدمُ