قال السيّد
ابن طاووس : السعيد من إذا ظفر بالحقّ عمل عليه ، وإن كثر
المختلفون فيه والطاعنون عليه ، واشتغل بشكر الله جلّ جلاله على ما هداه
إليه ، فإنّ الله جلّ جلاله قد مدح قوماً على هذا المقام اللازم ، فقال
عزّ وجلّ : ( لا تأخذهم في الله لومة لائم ) .
وورد في
أدعية تعقيبات صلاة الصبح : ( وإن كنت من الأشقياء فامحوني
واكتبني في السعداء )([63]) .
وكذلك ورد
في ليالي شهر رمضان المبارك ، لا سيّما ليالي القدر والعشر الأواخر
منه .
وهذا يعني
أنّ السعادة والشقاوة بيد الإنسان وليسا من الذاتيّات التي لا تتغيّر ولا
تتبدّل ، فتدبّر .
فائدة 24
طرائف لغويّة
يوسف :
فيه ستّ لغات بتثليث السين ـ أي بفتحها وضمّها وكسرها ـ مع
الهمزة والواو .
العدل :
مصدر مشترك بين ثلاث معان :
1 ـ التسوية ، ويتعدّى بنفسه ، نحو قوله
تعالى : ( فَـعَدَلَكَ )([64]) ،
على قراءة التخفيف ، أي : فسوّاك .
2 ـ الإقساط : ويتعدّى
بـ ( في ) ، يقال : عدل في حكمه ،
أي : أقسط .
3 ـ الميل : ويتعدّى
بـ ( عن ) ، يقال : ( عدل عن
الطريق ) ، أي : مال عنه .
فائدة 25
طرائف وظرائف
المأمون
سئل وزيره حسن بن سهل : ما البلاغة ؟ قال : ما
فهمته العامة ورضيته الخاصّة .
وقال
الراغب في محاضراته : خير الكلام ما لا يكون عاميّاً سوقياً ، ولا عربياً
وحشياً .
قيل :
الحقوق الطبيعية عبارة عن حقّ الحياة والحرّية والمالكية ، وقيل :
حقّ الشركة في تشكيل الحكومة أيضاً .
قيل :
المجتمع مسرح التمثيل ، وهدف التمثيل الحقائق ، والحقائق لبّ
الحياة ، والحياة صحائف الإنسان .
دخل ابن
الرومي الشاعر على محمّد بن داود الظاهري الفقيه ، ورفع له رقعة ،
فأخذها الفقيه الظاهري وتأمّلها طويلا ، ثمّ قلبها وكتب على ظهرها وردّها إلى
ابن الرومي ، وقد كان في الرقعة :
يا
بن داود يا فقيه العراق *** أفتِنا في قواتلِ الأحداقِ
هل
عليهنّ في الجروح قصاصٌ *** أم مباحٌ لها دم العشّاقِ
وإذا
الجواب :
كيف
يفتيكم قتيلٌ صريعٌ *** بسهام الفراق والاشتياقِ
وقتيل
التلاقِ أحسن حالا *** عند داود من قتيل الفراقِ
فائدة 26
التقوى وما أدراك
ما التقوى
التقوى :
إنّما يتقبّل الله من المتّقين .
قال رسول
الله (صلى
الله عليه وآله) : يا أبا ذرّ ، كن للعمل بالتقوى أشدّ
اهتماماً منك بالعمل ، لا يقلّ مع التقوى عمل ، وكيف
يقلّ ما يتقبّل .
صفتان لا
يقبل الله سبحانه الأعمال إلاّ بهما : التقوى والإخلاص .
سئل الإمام
الصادق (عليه
السلام)
عن التقوى ، فأجاب : أن لا يفقدك الله حيث أمرك ، ولا يراك
حيث نهاك .
المتّقي من
أتقى الذنوب ، اعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس .
رأس التقوى
ترك الشهوة . من ملك شهوته كان تقيّاً . عند حضور الشهوات يتبيّن ورع
الأتقياء .
فائدة 27
كلمة في روح
الإسلام
الإسلام
خاتم الشرائع السماوية ، ومحرّر الإنسان من الجهل والفقر والمرض ، ويصفه
علماء الغرب بأ نّه الزاحف المتحرّك ، وقد صدقوا ، فهو دوماً يزحف
نحو الأمام ، ويناضل من أجل سعادة البشر ، فهو نهضة لا تعرف الجمود ولا
الخمود ولا الركود ، نهضة وثورة فيها عمق الجذور وصلابة
الصخور وانطلاق النسور ، فهي شعلة وهّاجة ترتفع وتحلّق في سماء العلم
والفضائل والحضارة ، فالإسلام يعلو ولا يعلى عليه .
فهو مجموعة
عنصرين كالماء ، وبلغة العلوم الرياضية هي معادلة متساوية :
الإسلام
الكامل = العترة الطاهرة + القرآن الكريم .
فالإسلام
مركّب من عنصرين أساسيين : القانون المتمثّل بالقرآن المجيد ،
ومطبّقي القانون المتمثّل بأهل البيت (عليهم السلام) ، وهما الثقلان
كما ورد في حديث الثقلين عن الرسول الأعظم الذي نقله الفريقان ـ السنّة
والشيعة ـ .
فالإسلام
أشبه شيء بشجرة مباركة لا شرقيّة ولا غربيّة ، نورها من الله ، أصلها
القرآن وفرعها العترة الطاهرة (عليهم السلام) .
ويمتاز
الدين الإسلامي بخصائص ، كالحرية المعتدلة الإنسانية والمساواة والقدوة
الصالحة وعدم تحريف كتابه الكريم ، والتوجّه الخاص إلى الإنسان ، وسهولة
الاستقلال ، وتفتّح ورود الاستعدادات الباطنية المكنونة في وجود
الإنسان ، وخلود الدين وشموله ، وحسن قيادته ، والدعوة إلى الوحدة
والشهادة والجهاد والشورى والإنفاق والإيثار والتعاون على البرّ والتقوى والإخلاص
في العمل .
وبني
الإسلام على العلم والعقل ، لا إكراه فيه ، ولا عصبية ولا تقليد
أعمى ، بل على بصيرة وشهود واستدلال وبرهان ، والمسلم إذا وعى رسالته
وتمسّك بدينه ، كان في مقدّمة الركب الإنساني ، كما كان المسلمون في
قديم الزمان ، ولا عجب ، فإنّه لن يكون في ذيل القافلة البشرية إلاّ
عندما يجهل دعوته ودينه أو يتجاهل ذلك .
فالإسلام
جاء لسعادة الإنسان وصنعه إلهياً ، ليكون خليفة الله في الأرض .
جاء
الإسلام ليرفّه عن الفرد والمجتمع ، ويسوق الناس إلى تكاملهم المنشود في
جبلتهم .
جاء ليأخذ
بيد الإنسان إلى قاب قوسين أو أدنى ، فإنّه إلى الله المنتهى ، وإليه
تصير الاُمور ، وإنّا إليه راجعون .
جاء من أجل
أن يجعل الإنسان مظهراً لأسماء الله وصفاته ، وذلك من روح الإسلام
وريحانه .
فائدة 28
الخصال الثلاثة
والأربعة والخمسة والستّة
جاء في
كتاب معدن الجواهر ورياضة الخاطر([65])
للكراجي :
وعاد (صلى الله
عليه وآله)
سلمان الفارسي ( المحمّدي ) (رضي الله عنه) ، فقال
له : شفاك الله من علّتك ، وعافاك في مدّة أجلك ، يا
سلمان ، إنّ لك في مرضك هذا ثلاث خصال : أوّل خصلة :
ذكر الله تعالى إيّاك . والثانية : أ نّه يكفّر عنك
خطاياك . والثالثة : أ نّه نبّهك بالدعاء ، فادعُ يا
سلمان ، فإنّك تشفى وتعانى .
وقال([66]) :
ونزل عليه (صلى
الله عليه وآله) بمكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة ، وهي
ثلاثة : فقال :
( خُذِ العَفْوَ وَأمُرْ بِالعُرْفِ وَأعْرِضْ
عَنِ الجَاهِلِينَ )([67]) .
وهو أن تصل
من قطعك ، وتعفو عمّن ظلمك ، وتعطي من حرمك .
وقال
الصادق (عليه
السلام) :
من غضب عليك ثلاث مرّات ولم يقل فيك سوءاً فاتّخذه لنفسك خليلا .
وقال([68]) :
وقال (صلى
الله عليه وآله) : أربعة من قواصم الظهر : أخ تصله
ويقطعك ، وزوجة تأمنها وتخونك ، وجار إن علم خيراً ستره وإن علم شرّاً
أذاعه ، وفقد داخل لا يجد صاحبه منه مداوياً .
وقال([69]) :
وقال (عليه
السلام) :
أربع خصال تعين المرء على العمل : الصحّة والغنى والعلم
والتوفيق .
وأربع من
كنّ فيه يبدّل الله سيّئاته حسنات : الصدق والحياء والشكر وحسن
الخلق .
وقال([70]) :
أكثروا الاختلاف إلى المساجد ، فلن يعدمنكم خلال أربع : آية
محكمة ، وعلم مستفاد ، وترك الذنب إمّا حياءً وإمّا خشية ، وأخ
مستفاد .
قال (عليه
السلام) :
خيار العباد من تجتمع فيه خمس خصال : الذين إذا أحسنوا استبشروا ،
وإذا أساؤوا استغفروا ، وإذا اُعطوا شكروا ، وإذا ابتُلوا صبروا ،
وإذا غضبوا غفروا .
قال رسول
الله (صلى
الله عليه وآله) : اضمنوا لي ستّة من أنفسكم أضمن لكم
الجنّة : اصدقوا إذا حدّثتم ، وأوفوا إذا وعدتم ، وأدّوا إذا
ائتمنتم ، واحفظوا فروجكم ، وغضّوا أبصاركم ، وكفّوا أيديكم .
فائدة 29
كلمات منطقيّة
جاء في
حاشية المطوّل([71]) :
الفرق بين الكلّ والكلّي من خمسة أوجه :
الأوّل :
أنّ الكلّ موجود في الخارج ، دون الكلّي .
الثاني :
أنّ الكلّي يعدّ بأجزائه ، دون الكلّ .
الثالث :
أنّ الكلّي محمول على كلّ جزئي تحته ، دون الكلّ .
الربع :
أجزاء الكلّ متناهية ، دون الكلّي .
الخامس :
أنّ الكلّ من حصول أجزائه معه ، دون الكلّي .
وأقول :
مرجع هذه الفروق هو أنّ الكلّ وجود ، والكلّي ماهية ، فكلّ فرق يوجد بين
الوجود والماهية يوجد بين الكلّ والكلّي ، وفكّرت يوماً في الفروق فجاوزت
العشرين ، فتأمّل .
فائدة 30
كلمات في الحبّ
والعشق
إنّ موضوع
الحبّ قد اختصّ بمؤلفات جمّة من أهمّ كتب التراث العلمي والأدبي العالمي .
ولموضوع الحبّ آراء وأحاديث وأقوال ونوادر وأشعار وقصص وروايات وآيات . له
أهمية بالغة في حياة الفرد والمجتمع .
قال شهاب
الدين النويري في ( نهاية الأرب ) : أوّل من يتجدّد
الاستحسان للشخص تحدث إرادة القرب منه ، ثمّ المودّة ، ثمّ يقوى فيصير
محبّة ، ثمّ يصير هوى ، ثمّ يصير عشقاً ، ثمّ يصير تيماً ،
ثمّ يزيد التيم فيصير ولهاً .
قال بعض
الحكماء : ليس العشق من أدواء الحصفاء ، إنّما هو من أمراض
الخلفاء ، الذين جعلوا دأبهم ولهجتهم متابعة النفس وإرخاء عنان الشهوة وإمراح
النظر في المستحسنات من الصور ، فهنالك تتقيّد النفس ببعض الصور ،
فتأنس ، ثمّ تألف ، ثمّ تتوق ، ثمّ تلهج .
وقال ابن
عقيل : العشق مرض يعتري النفوس العاطلة والقلوب الفارغة المتلمّحة
للصور ، لدواع من النفس ، ويساعدها إدمان المخالطة ، فيتأكّد
الاُلف ويتمكّن الاُنس ، فيصير بالإدمان شغفاً ، وما عشق قطّ إلاّ
فارغ ، فهو من علل البطّالين وأمراض الفارغين من النظر في دلائل العبر ،
وطلب الحقائق المستدلّ بها على عظم الخالق ، ولهذا قلّما تراه إلاّ في الرعن
البطرين وأرباب الخلاعة النوكى ، وما عشق حكيم قطّ ، لأنّ قلوب الحكماء
أشدّ تمنّعاً من أن توقفها صورة من صور الكون مع شدّة طلبها ، فهي أبداً تلحظ
وتخطف ولا تقف .
وقلّ أن
يحصل عشق من لمحة ، وقلّ أن يضيف حكيم إلى لمحة نظرة ، فإنّه مارّ في
طلب المعاني ، ومن كان طالباً لمعرفة الله لا توقفه صورة عن الطلب ،
لأ نّها تحجبه عن الصور .
وقال
الربعي : سمعت أعرابية تقول : مسكين العاشق ، كلّ شيء
عدوّه ، هبوب الريح يقلقه ، ولمعان البرق يؤرقه ، ورسوم الديار
تحرقه ، والعذل يؤلمه ، والتذكّر يسقمه ، والبعد والقرب
يهيجه ، والليل يضاعف بلاءه ، والرقاد يهرب منه ، ولقد تداويت
بالقرب والبعد فلم ينجح دواء ولا عزّ عزاء([72]) .
فائدة 31
طابع الحبّ
الحبّ
ممّـا يثير الأحاسيس ويهيّج العواطف ، وله طابع خاص في حياة الإنسان ،
فله الصدارة والتقديس ، إذ أساس كلّ ذي أساس ، فهو بمعناه العام يتوغّل
وينتشر في من له الحيوية على أنّ من فيه الحياة فيه قوّة وطاقة إلى حصول
كماله ، فهو ينمو ويطوي مراحل حياته من أجل اكتماله وتقدّمه ورشده ،
فهذه النباتات تلقح فتزدهر ، ثمّ تثمر لوصولها إلى كمالها المودوع في
وجودها ، وهذه الحيوانات تهدف كمالها بالنسبة إلى مدى إدراكها وشعورها ،
بل نشاهد قوّة الحبّ حبّ الكمال وعشق التكامل يتجلّى في جميع الكائنات من الأرض
والسماوات ، فالحبّ بمعناه العام يتسرّى في كلّ ذي حياة ، بل وفي
غيره ، وما من شيء إلاّ ويسبّح بحمده ، وأمّا بمعناه الخاصّ وذلك وجوده
في الإنسان الذي يمتاز عن باقي المخلوقات بعقله وقوّة إدراكه ، فلربما يقف
القلم حيران لا يدري ماذا يكتب حوله ، ولا يعرف الحبّ إلاّ أهله .
فائدة 32
في الشيعة والتشيّع
جاء في
كتاب فضائل الشيعة للفقيه الأعظم عليّ بن الحسين الشيخ الصدوق عليه الرحمة ،
الحديث الخامس والعشرون :
بإسناده
عن معاوية بن عمّـار ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه (عليهم
السلام):
« قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
إذا كان يوم القيامة يؤتى بأقوام على منابر من نور تتلالأ وجوههم كالقمر ليلة
البدر يغبطهم الأوّلون والآخرون ثمّ سكت ، ثمّ أعاد الكلام ثلاثاً ،
فقال عمر بن الخطّاب : بأبي أنت واُمّي هم الشهداء ؟
قال : هم الشهداء وليس هم الشهداء الذين تظنّون ،
قال : هم الأوصياء ؟ قال : هم الأوصياء وليس هم
الأوصياء الذين تظنّون ، قال : فأخبرني من هم ؟
قال : فأومأ بيده إلى عليّ (عليه السلام) فقال :
هذا وشيعته ما يبغضه من قريش إلاّ سفاحي ولا من الأنهار ( كذا ) إلاّ
يهودي ، ولا من العرب إلاّ دعي ، ولا من سائر الناس إلاّ الشقي ،
يا عمر ، كذب من زعم أ نّه يحبّني ويبغض عليّاً » .
فمن سعادة
الإنسان بل كلّ السعادة حبّ عليّ بن أبي طالب وولايته واتّباعه واقتفاء
أثره ، فطوبى لمحبّيه وشيعته ، ونار جهنّم لمبغضيه ومعاديه وبئس
المهاد .
فائدة 33
النبيّ
الأعظم (صلى
الله عليه وآله) وأرسطوطاليس
ورد أ نّه ذكر في مجلس النبيّ (صلى الله
عليه وآله)
أرسطو الحكيم اليوناني ، فقال : لو عاش حتّى عرف ما جئت به
لاتّبعني على ديني([73]) .
لقد اختلف علماؤنا الأعلام في مدح الفلسفة
والفلاسفة ومذمّتهم ، فمنهم من ذمّهم لا سيّما المحدثين منهم . وقد ورد
في الأخبار الشريفة ما يُستشمّ منها مذمّتهم وذمّ الفلسفة . كما ورد في كتاب
حديقة الشيعة للمقدّس الأردبيلي في علائم آخر الزمان وذمّ الأوضاع ، وينسب
فساد الوضع إلى ميل العلماء إلى الفلسفة والتصوّف ، أو أ نّه ورد عن
أرسطو أ نّه قال لروح الله عيسى بن مريم لمّـا دعاه إلى الله
وتوحيده : ( إنّك بعثت لضعفاء عقولنا ) ، فكأ نّه
يرى استغناءه عن النبوّة وعن الوحي . وكذلك ورد في بعض الأخبار ما يُستشمّ
منها مدح الفلسفة أو الفلاسفة ، فلا بدّ من التحقيق والتمحيص فيها سنداً
ودلالةً ، ومن ثمّ معرفة الحقّ ، والذي أذهب إليه في تعلّم الفلسفة
الإسلامية أ نّها أداة وسلاح لمقابلة تفلسف الكفر والإلحاد ، فمن أراد
أن يقابل العدوّ من الغرب أو الشرق فعليه أن يتسلّح بالفلسفة الإسلامية ،
فيجيدها ويعرف كيف يستعملها ومتى يستخدمها ، ومن الله التوفيق .
فائدة 34
كلمات في الطبّ
والطبيب
قيل :
إنّ الطبّ كان معدوماً فأوجده بقراط ، وميّتاً فأحياه جالينوس ، وأعمى
فبصّره حنين ، ومتفرّقاً فجمعه ابن زكريا ، وناقصاً فكمّله ابن
سينا .
يعتقد أغلب
الحكماء والمؤرّخين أنّ أوّل طبيب تكلّم في الطبّ هو اسقليبيوس ، وذاك قبل
الطوفان بـ ( 545 ) عاماً .
وقيل :
إنّه من الأنبياء .
وقيل :
إنّه تلميذ إدريس النبي .
وبعد وفاة
اسقليبيوس ظهر غورس في تأريخ الطبّ ، وبعد رحلة غورس ظهر مينس ،
وبعده برمانيدس ، ثمّ أفلاطون ، ثمّ اسقليبيوس الثاني ، ثمّ تلميذه
بقراط .
وفي هذه
البرهة الزمنية التي بلغت ( 4000 سنة ) كان الطبّ في الصدور ، ثمّ
دوّنها وحرّرها بقراط ، وبهذا ينسب علم الطبّ إليه ، والمقصود
أ نّه أذاع الطبّ ونشره بعد تدوينه في العالم بعدما كان موروثياً .
وبعد بقراط
بـ ( 665 عاماً ) ظهر جالينوس ، وقد هذّب الطبّ وأوسع
نطقه ودائرته ، وسمّي خاتم الأطباء ، وهؤلاء الثمانية من مشاهير علماء
الطبّ القدماء([74]) .
والصفات
التي يجب أن يتحلّى الطبيب بها ليضمن النجاح في عمله على سبيل الاختصار ، هي
ما يلي :
1 ـ حسن السلوك ، ومعناه تطهير النفس من الأخلاق
الذميمة ، ثمّ الاتّصاف بالأخلاق الحميدة .
2 ـ القيام بالواجب ، وهو ما لزم الإنسان عمله مسترشداً
بضميره .
3 ـ الثبات في العمل ، فهو طريق الناح وسبيل الفلاح ،
فلا ييأس إذا اعترضه شيء من العقبات في طريقه ، فلا معنى لليأس مع
الحياة ، ولا حياة مع اليأس .
4 ـ ضبط النفس في الكلام والرأي والعمل ، فيجعل الطبيب
شعاره : إذا كان الكلام من فضّة فالسكوت من ذهب .
5 ـ الشفقة والرحمة هي العاطفة التي إذا تحلّى بها الطبيب انشرح
بها صدره وشعر بلذّة وسرور في عمله ، فيحسّ بالسعادة والشغف ، حينما
يحنّ قلبه على المرضى ، ويشفق على من يعالجه .
6 ـ تخيّر الإخوان الصلحاء ، فإذا كنت في قوم فصاحب
خيارهم ، ولا تصحب الأردى فتردى مع الرديء .
7 ـ الصدق والإخلاص في العمل والمعالجة ، وعلى الطبيب أن
يتجنّب المناقشات التي لا تعنيه والقضايا التي لا تخصّه .
هذا
والإسلام ينظر إلى علم الطبّ بنظرة خاصّة ، ويرى أنّ العلم
علمان : علم الأديان وعلم الأبدان ، وأنّ العقل السليم في الجسم
السليم ، حرصاً منه على سلامة الجسد والروح سويّة([75]) ، وعلى
سلامة الفرد والمجتمع ، ويقال : جمع الطبّ كلّه في قوله
تعالى :
( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا
تُسْرِفُوا )([76]) .
فائدة 35
من وصايا النبي (صلى الله
عليه وآله)
في وصيّة
النبيّ (صلى
الله عليه وآله) ، قال :
يا
علي ، أربعة أسرع شيء عقوبة : رجل أحسنت إليه فكافأك بالإحسان
إساءةً ، ورجل لا تبغي عليه وهو يبغي عليك ، ورجل عاهدته على أمر فوفّيت
له وغدر بك ، ورجل وصل قرابته فقطعوه .
وقال (صلى الله
عليه وآله) :
يا
عليّ ، من لم يقبل العذر من منتصل ـ صادقاً كان أو
كاذباً ـ لم ينل شفاعتي .
يا
عليّ ، إنّ الله أحبّ الكذب في الصلاح ، وأبغض الصدق في الفساد .
يا
عليّ ، من ترك الخمر لغير الله ، سقاه الله من الرحيق المختوم .
فقال عليّ (عليه
السلام) :
لغير الله ؟
قال :
نعم والله صيانةً لنفسه ، يشكره الله على ذلك . يا عليّ ، شارب
الخمر كعابد وثن .
يا
عليّ ، خلق الله عزّ وجلّ الجنّة من لبنتين : لبنة من ذهب ولبنة
من فضّة ، وجعل حيطانها الياقوت ، وسقفها الزبرجد ، وحصاها
اللؤلؤ ، وترابها الزعفران والمسك ، ثمّ قال لها :
تكلّمي . فقالت : لا إله إلاّ الله الحيّ القيّوم قد سعد من
يدخلني .
قال الله
جلّ جلاله : وعزّتي وجلالي ، لا يدخلها مدمن خمر ، ولا
نمّـام ، ولا ديّوث ، ولا شرطي ، ولا
مخنّث ، ولا نبّاش ، ولا عشّار ، ولا قاطع رحم ، ولا قدري .
ــ ومن هذا
الحديث الشريف يعلم أنّ هؤلاء ليسوا سعداء لا في الدنيا ولا في
الآخرة ـ .
يا
عليّ ، ثلاث من مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة : أن تعفو عمّن
ظلمك ، وتصل من قطعك ، وتحلم عمّن جهل عليك .
ولا يخفى
أنّ الظلم على نحوين : ظلم فردي ، فحينئذ من مكارم الأخلاق أن
تعفو عمّن ظلمك ، وظلم اجتماعي ، وهنا أمير المؤمنين (عليه
السلام)
في آخر وصيّته لولديه الحسن والحسين (عليهما السلام)
يقول : « كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً » ، فلا بدّ
من محاربة الظالم ومخاصمته ، فلولا ذلك لفسد المجتمع وانهار وأصابه الانحطاط
والذلّ ، فلا يسكت عن هذا الظالم ، فكيف يعفى
عنه ؟ ! بل لا بدّ من إزاحته وإطاحته ومحاربته ليل
نهار ، وقاتلوا أئمة الكفر حتّى تكون في الأرض فتنةً وفساداً ، وسيعلم
الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون .
فائدة 36
كلمات في
النوم والمنام
يقال لمن اراد أن يطّلع على المستقبل فإنّه
يتوضّأ في منتصف الليل ثمّ يصلّي ركعتين ، ثمّ يصلّي على محمّد وآله ،
ويذكر هذه الأسماء الأربعة مستقبل القبلة ، كلّ واحد مائة مرّة ،
وهي : « يا هادي اهدني » ، « يا عليم
علّمني » ، « يا خبير أخبرني » ، « يا مبيّن بيّن
لي » ، والله العالم .
لزيارة أولياء الله في المنام : في
ليلة الجمعة يتوسّل بمحمّد وآله (عليهم السلام) ( وأفضلها دعاء
التوسّل المذكور في كتب الدعوات كمفاتيح الجنان ) ، ثمّ يصلّي ركعتين
وبعدها يصلّى على محمّد وآل محمّد أربعة عشر مرّة ، ويقول أربعة آلاف
مرّة : ( يا أحد ) ، ثمّ يصلّي على محمّد وآله أربعة
عشر مرّة ، فإنّه يتشرّف بخدمة أحد أئمة الهدى (عليهم السلام) في عالم
الرؤيا .
وأيضاً : إذا أردت أن ترى العجائب
في نومك أو حاجة تطلبها فاقرأ عند أخذ مضجعك سورة الزلزلة سبع مرّات ، ثمّ
تقول : ( يا ملائكة ربّي ، بحقّ هذه السورة ومن أنزلها ومن
نزلت عليه ، وبحقّ أسماء الله عليكم وآياته التامّة كلّها إلاّ ما أخبرتموني
في ليلتي هذه ـ كذا وكذا ، وتذكر حاجتك ـ فإنّك ترى في
منامك ما سألت ، وليكن ذلك ليلة الاثنين أو الخميس
متطهّراً في مكان طاهر ومباح ، والله العالم بحقائق الاُمور .
فائدة 37
فضل السادات
في جامع
الأخبار : من رأى أولادي فصلّى عليَّ طائعاً راغباً ، زاده الله
تعالى في السمع والبصر([77]) .
وما أكثر
الأخبار الشريفة الواردة عن خاتم النبيّين محمّد (صلى الله عليه وآله) وعن أهل
بيته الطاهرين في فضائل الأشراف من العلويين والفاطميين أولاد رسول الله وذرّيته
من أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وسيّدة النساء فاطمة
الزهراء (عليها
السلام) .
وقد ورد
أ نّه من رأى من ذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصلّى على
محمّد وآله فإنّه لا يبتلى بوجع العين ، ومن رآهم ولم يقم
قياماً تامّاً ابتلاه الله بوجع لا دواء له ، وإنّ النظر إليهم عبادة ما لم
يقترفوا ذنباً ، وإنّهم يكرّمون صالحهم لله وطالحهم لرسول الله (صلى الله
عليه وآله) ،
ألف علين لأجل عين تكرم([78]) .
فائدة 38
جملة من الاستخارات
استخارة
تنسب إلى مولانا صاحب الأمر (عليه السلام) عند جمع من أكابر
العلماء ، ومجرّبة ، وطريقتها :
أن تصلّي
على محمّد وآله ثلاث مرّات ، وتأخذ قبضة من أوّل المسبحة وتطرح زوجاً ،
فإن بقي فرد فالعمل جيّد ، وإن بقي زوجاً فهو غير جيّد .
وقيل :
يقرأ سورة الحمد أوّلا إلى قوله تعالى : ( اهْدِنَا
الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ )([79]) ،
فيكرّر هذه الآية الشريفة ثلاث مرّات ، ويدعو بهذا الدعاء ثلاث مرّات ،
وهو : يا من يعلم اهدِ من لا يعلم .
وإذا أراد
أن يعرف مدى حُسن العمل فيأخذ على الترك ، فإن كان جيّداً أيضاً فالعمل
وسط ، وإن كان غير جيّد فالعمل جيّد جدّاً .
فائدة 39
المدح والذمّ في
القيام
روي عن
النبيّ (صلى
الله عليه وآله) : من قام لأخيه المؤمن نصف قيام خرج من ذنوبه
كما خرجت الحيّة من جلدها ، ومن قام قياماً تامّاً أعطاه الله تعالى بشارة لا
يهمّ بعدها أبداً([80]) .
وقد ورد في
مكارم الأخلاق للمحدّث الطبرسي (قدس سره) في أخلاق النبيّ
أ نّه كان يكره القيام له ويقول : « لا يقومنّ بعضكم لبعض
كما يقوم العجم » .
وجمعاً بين
الأخبار الواردة في مدح القيام وذمّه ، أقول :
لو كان
القيام لله ولأ نّه من تقوم له مؤمن كما في الخبر الأوّل ، فإنّه يوجب
الثواب وغفران الذنوب ، كما لو كان القيام خوفاً لأ نّه ظالم أو ملك أو
رجل غني ، فيقام لغناه أو ما شابه ذلك من العناوين الدنيوية ، كما يقوم العجم
أمام أسيادهم وملوكهم ، فهذا من المذموم ، فإنّه لغير الله ، فهو
منهيّ عنه ، فتدبّر .
فائدة 40
الاُصول والتفريع
جاء في
مقدّمة كتاب مستطرفات السرائر للمحقّق ابن إدريس الحلّي (قدس سره) عن مولانا
الصادق (عليه
السلام) ،
قال : ( إنّما علينا أن نلقي إليكم الاُصول وعليكم أن
تفرّعوا ) .
وعن مولانا
الرضا (عليه
السلام) ،
قال : ( علينا إلقاء الاُصول وعليكم التفريع ) .
الاُصول
جمع الأصل ، وهو لغةً بمعنى أساس الشيء .
واصطلاحاً
يأتي على أربع معان : الظاهر والدليل والاستصحاب والقاعدة ،
كقاعدة الطهارة .
والفقه
لغةً : بمعنى الفهم ، واصطلاحاً : هو العلم بالأحكام
الشرعية الفرعية عن أدلّتها التفصيلية ، أي استنباط الأحكام ، صغرياتها
من الفقه ، وكبرياتها من اُصول الفقه ، أو قل : إرجاع الفروع
إلى الاُصول ، أو معرفة الأحكام الشرعية الفرعية من الكتاب الكريم والسنّة
الشريفة والإجماع والعقل .
فائدة 41
تعريف اُصول الفقه
لقد اختلف
العلماء والفقهاء ـ كما هو ديدنهم ـ في تحديد وتعريف علم
اُصول الفقه .
فقال صاحب
كفاية الاُصول المحقّق الخراساني : صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن
أن تقع في طريق استنباط الأحكام ، والتي ينتهى إليها في مقام
العمل .
وقال صاحب
الدرر : هو العلم بالقواعد الممهّدة لكشف حال الأحكام الواقعية
المتعلّقة بأفعال المكلّفين .
وقال الشيخ
محمّد حسين الإصفهاني : العلم بالقواعد لحجّية الحكم الشرعي .
وقال
السيّد الخميني : هو القواعد الآلية التي يمكن أن تقع كبرى استنتاج
الأحكام الكلية الفرعية الإلهية أو الوظيفة العملية .
وعند
السيّد الخوئي : هو العلم بالقواعد التي تقع بنفسها في طريق استنباط
الأحكام الشرعية الكلية الإلهية من دون حاجة إلى ضميمة كبرى اُصولية اُخرى
إليها .
وعند المشهور
من علماء الاُصول : هو العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام
الشرعية الفرعيّة .
وعند
المحقّق النائيني : هو العلم بكبريات لو انضمّت الصغريات إليها فإنّه
نستنتج حكماً إلهياً كلياً .
وهناك
تعاريف اُخرى عند المتقدّمين والمتأخّرين ، وفي هذه التعاريف المذكورة
مناقشات وإشكالات ذكرتها في تقريراتي لبحث خارج الاُصول لشيخنا الاُستاذ آية الله
العظمى الشيخ محمّد فاضل اللنكراني دام ظلّه ، وكذلك في تقريراتي لشيخنا
الاُستاذ آية الله العظمى الشيخ جواد التبريزي دام ظلّه ، كما ذكرتها في
( من آفاق أوّليات اُصول الفقه ) ، وهو مطبوع ، فراجع .
فائدة 42
الدعاء والداعي
عن مولانا
أمير المؤمنين (عليه
السلام) ،
قال :
« الدعاء مفاتيح النجاح ومقاليد الفلاح ، وخير الدعاء ما
صدر عن صدر نقي وقلب شجي ، وفي المناجاة سبب النجاة ، وبالإخلاص يكون
الخلاص ، فإذا اشتدّ الفزع فإلى الله المفزع » .
وللدعاء
والداعي آداب وشرائط ذكرها المحدّث الجليل والعلاّمة النبيل ابن فهد
الحلّي (قدس
سره)
في كتابه القيّم ( عدّة الداعي ) ، وقد أشرت إلى كثير من ذلك في
مؤلفاتي كأخلاق الطبيب في الإسلام ، والتوبة والتائبون على ضوء القرآن والسنّة ،
فراجع .
فائدة 43
مع الحكماء
سئل
بقراط : في كم ينبغي للإنسان أن يجامع ؟
قال :
في كلّ سنة مرّة .
قيل
له : فإن لم يقدر ؟
قال :
في كلّ شهر مرّة .
قيل
له : فإن لم يقدر ؟
قال :
في كلّ اُسبوع مرّة .
قيل
له : فإن لم يقدر ؟
قال :
هي روحه ، أيّ وقت شاء يخرجها([81]) .
وقال
أيضاً : ليس معي من فضيلة العلم إلاّ علمي بأ نّي لست
بعالم .
فقيل
له : كيف علمت أ نّك لست بعالم ؟
فائدة 44
الفرق بين الصدقة
والقرض
سؤال :
ورد في الأحاديث الشريفة : أنّ ثواب الصدقة عشرة ، وثواب القرض
ثمانية عشر . وفيه سؤالان :
أحدهما :
أ نّه ما وجه زيادة ثواب القرض ؟
وثانيهما :
أ نّه ما السرّ في الثماني عشر في القرض ؟
وجواب
الأوّل : أنّ في الصدقة منّة وذلّة ليست في القرض ، وأيضاً الغالب
في الاستقراض الاحتياج بل هو كذلك دائماً بخلاف الصدقة ، فإنّه قد تكون بلا
حاجة ، وأيضاً الصدقة إمّا أداء تكليف واجب كالزكاة الواجبة أو دفع بلاء
كالصدقة المستحبّة ، بخلاف القرض فإنّه مجرّد إحسان .
وجواب
الثاني : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ، فلمّـا كان ثواب
الصدقة عشرة فيكون القرض تسعة ، لأنّ نفس المقروض يردّ ، فيبقى تسعة
ثوابه ، وثواب القرض ضعف ثواب الصدقة فهو ثمانية عشر حسنة([82]) .
فائدة 45
من منازل السير
والسلوك
باب
الأبواب عند أرباب العرفان والتصوّف هو باب التوبة ، وهو أوّل باب يدخله
السالك إلى حضرة الربوبيّة ، ثمّ الإنابة ، ثمّ المحاسبة ، ثمّ
التفكّر ، ثمّ الوجد ، ثمّ السماع ، ثمّ الرياضة ، ثمّ
الاعتصام ، ويسمّون هذه المنازل بالبدايات .
أقول :
في سماعهم يطربون على الآلات الموسيقية ، وحركات الرقص التي لا تخلو
من الإشكال الشرعي في الفقه الإسلامي ، ولا يطاع الله من حيث يُعصى ،
ولا تبرّر الغابة الوسيلة ، فكيف يتقرّب إلى الله بشيء كان محرّماً حسب
النصوص الشرعيّة ؟ ! فهذا شيء عجاب .
والأعجب
منه أ نّه في عصرنا هذا الذي يدّعي الحضارة والتمدّن والتقدّم ، ولا
يدري إنّما هي ضلال عن علم ، وجاهلية ثانية ، في عصرنا هذا بإيحاء من
الإعلام الصهيونيّ الحاقد والناشر للفحشاء والمنكر والفسق والفجور ، يدّعى
أنّ الموسيقى إنّما هي فنّ وحضارة ، وأنّ أهل الطرب والغناء والراقصات
والمستهجنات والمنحطّات خلقاً ، والمستهترين والمستهترات إنّما هم من
الفنّانين وأنّ لهم مكانة مرموقة في المجتمع حتّى في البلاد الإسلامية ، وصار
كما أخبر النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) : كيف بكم
ويكون المعروف منكراً والمنكر معروفاً ...
فائدة 46
الواصل
وطفيلي الوجود
قيل : من آلاف آلاف الذرّات
المخلوقة إنّما تكون واحدة ، يتكوّن منها النبات ، ومن آلاف النباتات
جزء قليل يتكوّن منه الحيوان ، ومن آلاف الحيوانات جزء يكون منه
الإنسان ، ومن ألف أجزاء وأعضاء وجوارح الإنسان جزء يكون منه المني ،
وآلاف آلاف أجزاء المني جزء يكون منه النطفة ، ومن آلاف آلاف أجزاء النطفة
جزء يكون منه المولود ، ومن آلاف المتولّدين واحد يعيش ، ومن آلاف آلاف
الذين يعيشون واحد يكون من المسلمين ، ومن آلاف المسلمين واحد يؤمن بالله
حقّاً ، ومن آلاف المؤمنين واحد يكون طالباً لله سبحانه ، ومن آلاف الطالبين
واحد يكون سالكاً ، ومن آلاف السالكين واحد يكون واصلا إلى الله عزّ وجلّ .
والمقصود من جملة الكائنات والمخلوقات العلوية
والسفليّة ذلك الواصل إلى الحقّ جلّ جلاله ، وهو الإنسان الكامل ، وما
سواه فهو طفيليّ الوجود ، وإنّ الله برحمانيّته يتلطّف على الجميع ويسقي
بستان الوجود من أجل الأشجار المثمرة التي هي قليلة الوجود : ( وَقَلِيلٌ
مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ )([83]) .
وتجد أكثرهم لا يشكرون .
فائدة 47
من وحي الأنبياء
أوحى الله
إلى داود (عليه
السلام) :
من أنس بالمال فهو معزول ، ومن أنس بالعلم فهو مشغول ، ومن أنس بالعقبى
فهو مقبول ، ومن أنس بالحقّ فهو موصول .
خلق الله
الإنسان مختاراً في أفعاله وأقواله ، فلا جبر ولا تفويض ، بل أمرٌ بين
الأمرين ، وهداه الله النجدين ، نجد الخير ونجد الشرّ ، فإمّا
شاكراً وإمّا كفوراً ، وقد خلق في فطرته حبّ الكمال ، وهذه سنّة الله
سبحانه ، لا تبديل ولا تغيّر في سنّته ، قانونه التكويني ،
فالإنسان منذ نعومة أظفاره يطلب الكمال المطلق ، إنّك كادحٌ إلى ربّك
كدحاً ، وإلى الله المنتهى وإليه راجعون ، وخلق الإنسان من
الاُنس ، فيألف ويأنس بفطرته ما يختاره ، وقيمته بمقدار همّته وعزمه
ومختاره ، والله سبحانه الواقف على السرائر والضمائر ، والعالم بكلّ
شيء ، وبمقدّمات الأعمال ونتائجها ، وفي وحيه إلى نبيّه داود (عليه
السلام)
يبيّن طبقات الناس في مأنوسهم وما يترتّب على اُنسهم ، فمن أنس بالمال وأحبّ
الثروة وركع أمام المادّة ، وأصبح المال همّه وحياته فهو معزول عن مقامه
الشامخ وعن فطرته المجبولة على حبّ الكمال ، فقد أخلد في الأرض ، وفي
عالم الماديات ، ولم يحلّق في سماء الفضيلة ، ولم يصعد سلّم
التكامل ، وقد عزل عن رحيميّة ربّه ، وعن نعيم جنّاته ، واُنس
حضرته ، وقداسة حضوره .
ومن أنس
بالعلم واعتبره الأصل في حياته وغفل عن مقصود العلم ، فهو مشغول بضرب زيدٌ
عمرواً ، وقال محمّد بن مالك ، وبالنسب الأربعة والكليات الخمسة ،
ويناديه الشيخ البهائي (قدس سره) في نظمه :
أ يّها
القوم الذي في المدرسة *** كلّ ما حصّلتموه وسوسة
ذكركم
إن كان في غير الحبيب *** ما لكم في النشأة الاُخرى نصيب
ومن أنس
بالآخرة وعمل لها خوفاً من نار الله التي تطّلع على الأفئدة ، أو طمعاً في
جنّاته التي تجري من تحتها الأنهار ، فأنس بالعقبى واستوحش من الدنيا فزهد
فيها . فهو مقبول عند ربّه في جنّة عرضها السماوات والأرض فيها ما تشتهي
الأنفس وتلذّ الأعين .
ومن أنس
بالله واستوحش من الناس ، وجعل المال والعلم وأعمال العقبى مقدّمةً لاُنسه
بالحقّ المطلق الجامع لجميع الصفات الكمالية ، وترك الخلق طرّاً في
هواه ، وولّى فتدلّى فقاب قوسين أو أدنى ، واستأنس بذكره ، وأصبح
قلبه عرشه وحرمه ، ولقي الله وليس في قلبه أحد سواه ، فذاك الموصول
حقّاً ، فقد انعزل عن الدنيا واشتغل قلبه بالله سبحانه ، فقبله
ربّه ، فوصل إليه في مقام الفناء والوصال ، ولمثل هذا فليعمل
العاملون ، ولا يلقّاها إلاّ ذو حظٍّ عظيم ، رزقنا الله وإيّاكم ،
آمين .
فائدة 48
بيان أصناف الناس
في العطاء والمنع
النوع
الإنساني لما يحمل من مميّزات وطوابع خاصّة ، يمتاز بها عن بقيّة
الأنواع ، فإنّه يتصنّف إلى أصناف شتّى وختلفة من جهات متعدّدة وأبعاد
متفاوتة ، فتارةً في عمله وحرفه ومهنه يقسّم إلى أصناف ، واُخرى في
صفاته وسلوكه ، وثالثةً في أفكاره وآرائه ، ورابعةً في أحواله
وأطواره ، وغير ذلك .
وقد وردت
هذه المعاني في الآيات الكريمة والروايات الشريفة .
قال رسول
الله (صلى
الله عليه وآله) : الناس على أقسام : كريم وسخي
وبخيل ولئيم وشقي .
قال عبد
الله بن العباس : يا نبيّ الله ، ما الكريم ؟ وما
السخيّ ؟ وما البخيل ؟ وما اللئيم ؟ وما
الشقيّ ؟
قال :
الكريم لا يأكل ويعطي ، والسخي يأكل ويعطي ، والبخيل يأكل ولا يعطي ،
واللئيم لا يأكل ولا يعطي ، والشقي لا يأكل ولا يعطي ويمنع المعطي([84]) .
فائدة 49
من عظمة حرف الألف
الحروف على
ثلاثة أنواع : فكريّة وخطّية ولفظيّة .
والخطّية
بمعنى النقوش والخطوط ، وكلّ حرف يدلّ على عدد من واحد إلى ألف ، ويسمّى
بحساب الجمل .
واللفظيّة ،
وتسمّى الملفوظيّة والصوتية أيضاً ، عبارة عمّـا يتلفّظ بها ،
مثل : ألف با تا ثا جيم حا خا دال ذال را زا سين شين صاد ضاد طا ظا عين
غين فاء قاف كاف لام ميم نون واو ها يا . وتقسّم هذه الحروف عند أرباب
الطلسمات والجفريات والأعداد إلى منقوطة وتسمّى الناطقة ، وغير منقوطة وتسمّى
الصامتة ، وتقسّم إلى مفرد ومثاني ومثالث ، والأوّل ما له نقطة واحدة
والثاني ما له نقطتان والثالث ما له ثلاث نقاط .
وما كان
آخر الحروف غير أوّله تسمّى ملفوظيّة ، مثل ألف والجيم ، وما كان أوّله
وآخره واحد تسمّى بالمسروريّة ، مثل الميم والنون والواو ، وأيضاً تسمّى
بالمستديرة ، وما كان تلفّظه بحرفين تسمّى بالملبوبيّة ، مثل با وثا
وبا ، وتسمّى بالعلّية أيضاً ، وما لا يتّصل بما بعده تسمّى
بالمناصلة ، مثل : ألف والذال والدال ، وما اتّصل تسمّى
بالمواصلة ، وما يندغم فيه حرف التعريف تسمّى بالمدغمة ، ويقابلها
المظهرة ، والسين تسمّى بالكاملة .
والألف قطب
الحروف ، إذ زبر الملفوظ للألف يطابق لفظ قطب ، وبحساب البيّنة يطابق لا
إله إلاّ هو ، ويوافق لفظ علي ، ويوجد الألف في تمام الحروف
الهجائيّة ، وهو مقوّم كلّ حرف ، وبمنزلة مادّة الحروف بالمباشرة ،
مثل با وتا ، أو بالواسطة مثل جيم وسين ، فقوامها بالياء ، وقوام
يا بالألف فهو قطب الحروف ، وحرف ذات الأقدس ، وبيّنته التي مظهر
الاسميّة يطابق الاسم المبارك علي ، بل زبره وهو عبارة عن الهمزة الملفوظة
يطابق اسم علي ، فعدد الهمزة ( 110 ) ، وكذلك عدد علي
( 110 ) ( الهاء : 6 ، والميم :
90 ، والزاء : 8 ، والهاء 6 ، فالمجموع
110 ) ، ولهذا يقال : من بيّنة الألف اطلب عليّاً ،
فظاهر ألف علي وباطنه علي وألف مقوّم الحروف ، والحروف مقوّمة الكلمات ،
والكلمات مقوّمة الآيات ، والآيات مقوّمة السور ، والسور مقوّمة الكتاب
التدويني ، وهكذا الأمر في الكتاب التكويني بالحدس الصائب والنظر
الثاقب .