1 ـ التكامل ، فكلّ واحد يسعى من أجل الحصول على كماله
المطلوب ، والوصول إلى قمّة التكامل الذي أودعه الله في الإنسان .
2 ـ التقوى ، بأن يحطّم الإنسان في داخل قلبه الحواجز التي لا
تدعه يفهم الحقائق ، ويؤمن بها ، ويوفّق أعماله وفق مناهج الله
تعالى ، فيعمل بأوامر الله ، ويتجنّب نواهيه .
3 ـ الصدق ، في القول والعمل ، ويكون مع الصادقين .
4 ـ التسابق في مرضاة الله سبحانه ، والاستباق إلى الخيرات
والمبرّات والأعمال الصالحة .
5 ـ التولّي والتبرّي ، عنصران أساسيان في حياة المسلم ،
بأن يتولّى الله ورسوله واُولي الأمر ، ويتبرّأ من أعداء الله ورسوله وأولياء
الله سبحانه .
فائدة 110
رسالة
خطبة زواج
في قديم الزمان ، طلب منّي أحد الإخوان من
طلبة العلوم الدينية في حوزة قم العلمية ، أن أكتب له رسالة لأحد العلماء
يخطب بنته ، فأجبت مأموله وكتبت له هذه المقطوعة :
« سيّدي
المفضال :
بعد لثم أناملكم الطاهرة والتشرّف بأعتابكم
المقدّسة ، ممّـا أتمنّاه وأحلم به هو أن أتشرّف بوسام ( البنوّة
والصهريّة ) لسماحتكم العلياء وفضيلتكم السمحاء . وأردت أن أبيحكم بما
يدور في خَلَدي وأخذ بمجامع قلبي ، حينما حفّتني أجنحة محبّتكم ،
وضمّتني حنايا شفقتكم ، وتوّجتني بتاج العلم والأدب ، فزادني ذلك في
الحسب والنسب ، فملكتم قلبي وروحي بتعاليمكم القيّمة ، ونصائحكم
الثمينة ، لكنّ الحياء غلبني والخجل صرعني ، فأحجمت عن إباحة
سرّي ، إلاّ أنّ العقل هتف صارخاً : لا تيأس ... فهيّا حُجّ
كعبة التفكّر ، واسعَ بين الصبر والتدبّر ، وراسل عمّك الكريم وصارحه
بالخطبة والانتساب ، وانتظر آناً بعد آن الجواب .
ولدكم
المتفادي
أ
ـ الجوادي
1399
هـ ق
فائدة 111
غفّار
الذنوب
إنّ الله سبحانه وتعالى هو الغفّار
التوّاب ، يبدّل السيّئات بالحسنات في موضع العفو والرحمة ، وإنّ رحمته
وسعت كلّ شيء ، فإنّه يحيي القلوب الميّتة بالذنوب والمعاصي ، لو أناب
العبد ورجع إلى ربّه ، كما يحيي الأرض الميتة بمطر رحمته ، وترجع الأرض
لتكون خضراء تسرّ الناظرين ، وتنفع الناس بالبركات والخيرات ، وكذلك
العبد المذنب لو أناب إلى الله وتاب خالصاً بتوبة نصوحة ، فإنّ الله يصلح
أمره ، ويغفر ذنبه ، ويسعده في الدارين ، إنّ ربّك التوّاب
الرحيم ، يغفر الذنوب جميعاً .
وهل تدري ما الفرق بين غفّار الذنوب وكريم
الصفح ، إنّه يغفر الذنوب جميعاً إلاّ ما اُشرك به ، إلاّ أنّ القلب بعد
التوبة كالثوب الوسخ الذي يغسل ويطهّر ، فإنّ الآثار تبقى عليه ، أو
كاللوحة التي وضع عليها مسامير ، فإنّه بعد المغفرة تسقط المسامير وتزاح عن
مكانها ولكن تبقى الآثار على اللوحة ، وأمّا كريم الصفح ، فإنّه يرجع
القلب إلى مثل اليوم الأوّل ، ويكون كيوم ولدته اُمّه ، طاهراً ونقيّاً
لا آثار عليه ، وترجع اللوحة كما كانت قبل وضع المسامير ، فمع مثل هذا
الربّ الكريم الغفور هل تيأس من رَوحه ورحمته ! !
1
/ شعبان / 1399
فائدة 112
لمن أراد الزواج
يستحبّ لمن
أراد الزواج أن يصلّي ركعتين ويقرأ بعد الصلاة هذا الدعاء :
( اللهمّ اُريد أن أتزوّج ، فقدّر لي من النساء أعفّهنّ فرجاً ،
وأحفظهنّ لي في نفسها ومالي ، وأوسعهن رزقاً ، وأعظمهن بركةً ،
وقدّر لي منها ولداً طيّباً ، تجعله خلفاً صالحاً في حياتي وبعد
موتي ) .
يمكن أن
نستخرج من هذا الدعاء اُموراً :
1 ـ لا بدّ من التوجّه إلى الله في أمر الزواج لخطورته ، فإنّ
المرء يريد أن يعيش عمراً مع شريكة حياته ، فإذا كانت الزوجة مؤمنة
وصالحة ، فإنّ الإنسان يسعد في حياته ، وإنّ الله يعلم الصالحات ،
فالعبد يطلب من ربّه ذلك ، والدعاء سلاح المؤمن ، وأنجح المطالب ،
وأنفع الوسائل .
2 ـ علّمنا الأئمة الأطهار بمثل هذه الأدعية الشريفة :
أيّ النساء نطلب ونخطب في مقام الزواج ، وأيّ مواصفات يطلبها الإنسان المؤمن
من زوجته ، وكيف تكون الزوجة ، وما هي مسؤولياتها في الحياة
الزوجيّة ، فاُولى الصفات والخصائص هو العفاف ، فإنّ المرأة جوهرة في
صدف الحجاب ولباس العفّة ، فإنّ الله خلقها لطيفة ظريفة ، ينجذب الرجل
إليها في دلالها ولقياها ، فلو لم تراعِ قوانين وآداب العفاف ، فسرعان
ما تفقد كرامتها وشرفها وعزّتها . فيدعو الشابّ ويطلب من ربّه أن يقدّر له في
اللوح المحفوظ وفي خزائن رحمته وعيبة علمه من النساء أعفّهن فرجاً
ـ بصيغة التفضيل أي أكثرهن عفّة وصيانةً ، فعلينا أن نفكّر
بالعفّة أوّلا ، لا بالمال والجمال .
3 ـ وأمّا الصفة الثانية فهي عبارة عن حفظ نفسها من الشهوات
والملاذ والخيانة ، هذا في غيبة زوجها ـ كما ورد في
الروايات ـ وكذلك تحفظ مال زوجها ، فلا تبذّر ولا تسرف ولا تزيد
في التجميلات المنزلية والفردية وتحمّل زوجها بما لا يطاق ،
بل تراعي شؤونه ودخله وخرجه ، بل تعيش معه بقناعة ووقار ، ولا تغترّ
بزخارف الدنيا وبهارجها ومظاهر أهلها .
4 ـ إذا كان الإنسان فقيراً فإنّ من عوامل الغناء
الزواج :
( إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ
فَضْلِهِ )([167]) .
وهذا من
بركات الزواج ، إلاّ أنّ رزق بعضهن أكثر من غيرهن ، ويقال :
( الرزق معقود بالنواصي ) ، فربّ امرأة تدخل في حياة الرجل برزق
واسع ، ممّـا يوجب الدهشة والتعجّب ، كما أنّ بعض الشركاء أو بعض الضيوف
كذلك ، حتّى قيل : إذا أردت أن تشارك أحداً فشارك ذوي
الحظوظ ، فالشابّ يدعو ربّه بأن يرزقه من النساء أوسعهن رزقاً ، فيرى من
ناصيتها الخير ، فيسعد في حياته الزوجية بيسر وعافية .
5 ـ البركة هو الخير المستقرّ والدائم ، والبركة كلّي ذات
تشكيك له مراتب طولية وعرضية ، فبعض البركات عظيمة وبعضها غير ذلك .
فالعبد المؤمن الذي يعرف ربّه ، لا يطلب منه الشيء القليل والوضيع ، بل
يطلب من ربّه الكريم السخيّ أن يقدّر له من النساء أعظمهنّ بركة ، فيها الخير
الكثير الدائم والمستقرّ الثابت ، فإنّ الله هو المبارك ، وفي خزائن
بركاته بركات لا تعدّ ولا تحصى ، فالمرأة بركة البيت ، إلاّ أنّ هناك من
النساء منهنّ أكثر بركة وأعظمهنّ بركة في أخلاقهن الطيب ، من السماح والحنان
وحسن التبعّل ومداراة الزوج ورعاية الأطفال وحسن الإدارة والتدبير والتربية
والنظافة .
6 ـ من غرائز الإنسان حبّ البقاء والخلود ، وإذا مات المرء
انقطع من عمله إلاّ من ثلاث : علمٌ ينتفع الناس منه ، وصدقة
جارية ، وولد صالح يستغفر له ، ومن سعادة المرء الولد الصالح ،
وكلّ واحد يطلب سعادته وأسباب السعادة ، ويفرّ من الشقاء ، فالشابّ
المؤمن قبل الزواج يصلّي لربّه تقرّباً إليه ، ثمّ يدعوه بإخلاص أن يقدّر له
من تلك المرأة والزوجة العفيفة الحافظة لنفسها ومال زوجها ، الوسيعة الرزق
والعظيمة البركة ، ولداً يحمل صفة الطيب ، ويكون طيّباً في خَلقه
وخُلقه ، ويبقى سالماً ليكون خلفاً صالحاً يستعين به والده في حياته ،
لا سيّما أيام شيبته ، ويذكره بالاستغفار والأعمال الصالحة والخيرات والإحسان
بعد مماته ، فيكون حيّاً بين الناس بولده الصالح .
فهذا
الدعاء المبارك يعلّمنا أنّ المقصود من الحياة الزوجية ـ الزوج والزوجة
بل الاُسرة كلّها ـ هو العفاف وحفظ النفائس في النفس والأموال والعمل
بجدّ والسعي لتوسيع الرزق وزيادة البركة والعيش الطيّب والحياة الجميلة ،
بزوج مؤمن يدعو ربّه ، وزوجة صالحة عفيفة ، وأولاد صالحين يخلفون
آباءهم ، ليعملوا الصالحات فينتفع الناس منهم ، كما ينتفع منهم والدهم
في حياته وبعد مماته ، وهل لك أن تستخرج كنوزاً ومعاني اُخرى من هذا الدعاء
العظيم ؟ ! فكّر وجرّب ذلك .
فائدة 113
الثوريّة في الشباب
كلّ شابّ
في أيام شبابه يحمل روح النشاط والقوّة ، وكثيراً من الشباب من يحمل روح
الثورية والحماس ، لا سيّما إذا كان يعيش في محيط يثير فيه النهوض والثورة .
وإنّي أيام
شبابي عشت ثورة الإمام الخميني (قدس سره) ، وكنت متحمّساً
لأفكاره الانقلابيّة ومبادئه الثورية ، حتّى دعاني حبّه إلى أن أكتب عن حياته
ونضاله في ( لمحات من حياة الإمام القائد ) .
وحينما كنت
اُقلّب قصاصات الأوراق رأيت هذه المقطوعة قد كتبتها أيام شبابي ، فقلت في
نفسي : حقّاً كنت شاباً ، وهكذا تكون أيام الشباب الثائرة ،
حينما كتبت آنذاك :
( يا ترى ما أعظم الخميني ؟ ! بل بنظري
لا يمكن لنا أن ندرك عظمته ، إنّما الأجيال الآتية هي التي ستدركه وترى مدى
صدى ثورته الإسلامية الجبّارة وأثرها في تأريخ الإنسان ، وإنّي لأرى أنّ
سيّدنا الخميني كما هو الحقّ مظهر الاُمّة الثائرة ، وقد تجسّد فيه إرادة شعب
إيران الناهض ، فهو الشعب برمّته ، بل هو تجسيد الشعوب المستضعفة في
العالم .
فحقّاً يا
اُمّة إيران الإسلام ، هلاّ نصير خمينياً ، أي كلّ فرد فرد منّا يحمل
أفكاره الإسلامية وروحه السامية ، ويقصد أهدافه المقدّسة .
بل ويا
اُمّة الإسلام ، هلاّ تكونوا خمينيين ، فلا شرق ولا غرب بعد
اليوم ، بل كلّنا تحت راية الإسلام وحده ... والقرآن كتاب الله الكريم
دستورنا ... وشعارنا كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة ...
فائدة 114
الذكر اليونسي
لقد أخبرنا
الله ربّ العالمين في كتابه الكريم أنّ المؤمن يسعى نوره بين يديه يوم القيامة
ليضيء له ظلمات الآخرة ، وإنّما يأخذ نوره هذا من هذه الدنيا ، وهو
العلم النافع والعمل الصالح ، المتبلور في الإيمان الكامل ، فإنّ العلم
ليس بكثرة التعلّم إنّما نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، وإنّ العلم يهتف
بالعمل ، فإن وجده بقي وإلاّ ارتحل ، وإنّ من عمل بما علم أورثه الله
علم ما لم يعلم ، وذلك بالتقوى المتجلّي في الأعمال الصالحة :
( وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ
اللهُ )([168]) .
ومن التقوى
والأعمال الصالحة ذكر الله على كلّ حال وفي جميع الأحوال :
( فَاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي
وَلا تَكْفُرُونْ )([169]) .
ومن
الأذكار القرآنية ، والتي يوصي بها أرباب السير والسلوك وأصحاب
المعرفة : الذكر اليونسي .
فإنّ يونس
النبيّ (عليه
السلام)
بعد أن ابتلعه الحوت وكان في ظلمات ثلاثة : ظلمة بطن الحوت ،
وظلمة قعر البحر ، وظلمة الليل ، نادى ربّه في تلك الظلمات :
( لا إلَهَ إلاَّ أ نْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي
كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )([170]) ،
فنجّاه الله ، وهذا لا يختصّ به ، فإنّه :
( وَكَذَلِكَ نُـنْجِي المُؤْمِنِينَ )([171]) .
فكلّ مؤمن
يذكر الذكر اليونسي ينجو من همّه وغمّه ، إلاّ أ نّه لا بدّ أن يتجسّد
الذكر في وجوده ، ويكون له حال يونس وروحانيّته ، ويتفاعل مع
الذكر ، ولا يكون مجرّد لقلقة لسان ، فإنّ ذلك لا يؤثّر ، ولا يوجب
السير المعنوي والوصول إلى المراحل الاُخرى والمراتب العليا ، فلا بدّ من
تجلّي الذكر في الوجود والروح .
فالذكر
اليونسي يشتمل على مقاطع أساسية لا بدّ من الالتفات إليها ، وتمثّلها في وجود
الذاكر :
الأوّل ـ
التوحيد الكامل المتكوّن من الرفض والإثبات ، رفض الآلهة جميعاً لا سيّما إله
هواه :
( أرَأيْتَ مَنِ ا تَّخَذَ إلَهَهُ
هَوَاهُ )([172]) .
ثمّ
الإقرار بالله عقلا وروحاً وعملا وقلباً ، جوانحاً وجوارحاً .
الثاني ـ
حسّ الحضور بين يدي الله عزّ وجلّ وأ نّه في حضرته وبعينه التي لا تأخذه
سِنةٌ ولا نوم ، فإنّ يونس لم يقل : ( لا إله إلاّ
الله ) ، بل قال : ( لا إله إلاّ أنت ) ،
بالخطاب والحضور بأ نّه كان يرى الله سبحانه ويخاطبه بكلمة
( أنت ) ، وكذلك كاف الخطاب في قوله : ( سبحانك ) .
الثالث ـ
تنزيه الله من كلّ نقص وعيب وظلم وقبيح بقوله :
( سبحانك ) ، فإنّ التسبيح بمعنى التنزيه .
الرابع ـ
لمّـا كان الله منزّهاً من كلّ شين ونقص وظلم ، فما صدر من الخطأ والعيب
إنّما هو منّي ، فيعترف الإنسان بعيبه وخطأه ، والاعتراف بالخطأ فضيلة .
الخامس ـ
الاعتراف بالذنب : ( إنِّي كُنتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ )([173]) ،
فإنّ الله يحبّ الاعتراف بالذنب ، وإنّ أنين المذنبين أحبّ إليه من تسبيح
المسبّحين .
السادس ـ
الاعتراف والعلم بأنّ الذنب من الظلم بالنفس : ( إنِّي
كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) ،
فمن يذنب إنّما يظلم نفسه أوّلا .
السابع ـ
لم يقل يونس سبحانك إنّي كنت ظالماً ، بل قال : كنت من
الظالمين ، وهذا يعني الندم على ما فعل والتوبة من الذنب حيث يرى نفسه كان من
قبل من الظالمين ، فلا يريد أن يكون ظالماً .
الثامن ـ
كأ نّما يونس يفكّر بالناس ، ففي مقام العفو والتوبة ، لم يذكر
نفسه فقط بأ نّه كان ظالماً ، بل أشار إلى الآخرين : ( إنِّي
كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) .
فمن يحصل
على مثل هذه المعاني والمفاهيم في وجوده ، ويتفاعل بها ، ويرى ظلمه
وذنبه وأ نّه حاضر بين يدي الله المنزّه من كلّ عيب وظلم ، ويبكي في
سجوده غارقاً في ظلمات ذنوبه وآثامه ومعاصيه ، وفي صفاته الرذيلة كالرياء
والعجب والتكبّر والبخل وحبّ الدنيا والنساء والأموال ، فيتوجّه بكلّ وجوده
ومشاعره وحواسّه إلى الله سبحانه ليخلّصه من كلّ عيب ورين ونقص ، فإنّه بلا
شكّ يذهب غمّه على ما مضى من حياته ، وما بدر منه من المآثم التي منعته من
الرقيّ والتكامل والوصول إلى الحقّ والفناء في الله سبحانه ، والكون في مقعد
صدق عند مليك مقتدر ، ليسقيه ربّه شراباً طهوراً ، كما ينجّيه من همّه
للمستقبل المجهول والدهر الخوّان الذي لا يدري ما خبّأ له :
( وَكَذَلِكَ نُـنْجِي المُؤْمِنِينَ )([174]) .
ولا يخفى
كما عند أرباب السير والسلوك ، أنّ من يقول الذكر اليونسي عليه أن
يُتمّمه ، فلا يكتفي بقوله : ( لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي
كنت من الظالمين ) ، بل يكمل ذلك بقوله : ( فاستجبنا له
ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين ) ، فإنّ الاكتفاء بالقسم الأوّل
يوجب الهمّ والغمّ .
والفرق بين
الغمّ والهمّ : إنّ الغمّ باعتبار ما مضى ، والهمّ باعتبار
المستقبل ، فإنّ الدهر خوّان ، ولا تدري ما ضمّ لك الدهر الخوّان .
ثمّ الذكر
اليونسي ربما يُتلى بأعداد خاصّة ، ولحوائج مختلفة ، كما يعرفها أهله من
أصحاب السير والسلوك ، والله العالم بحقائق الاُمور .
فائدة 115
بضعة منّي
قطعة من
الجسد تسمّى بضعة ، وكذلك قطعة من اللحم . والرسول الأعظم محمّد (صلى الله
عليه وآله)
عبّر عن نفرين من أهل بيته (عليهم السلام)
بـ ( بضعة منّي ) ، وهما :
1 ـ فاطمة الزهراء سيّدة النساء (عليها السلام) ، في
قوله : « فاطمة الزهراء بضعة منّي ، من آذاها فقد
آذاني ، ومن سرّها فقد سرّني » .
2 ـ الإمام الرضا (عليه السلام) ، في
قوله : « ستدفن بضعة منّي بخراسان ، ما من مكروب زاره إلاّ
كشف الله كربه ، وما من مغموم زاره إلاّ كشف الله غمّه » .
فماذا يعني
هذا التعبير النبوي في خصوص ثامن الحجج مولانا الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه
السلام) ؟ !
فلماذا
اختصّ النبيّ (صلى
الله عليه وآله) ولده الرضا بهذا التعبير دون باقي الأئمة (عليهم
السلام) ؟
ولماذا هذا
التعبير ( بضعة منّي ) ، في بنته فاطمة الزهراء (عليها
السلام)
وولده الرضا (عليه
السلام) ؟
فائدة 116
السنة القمريّة
السنة
القمرية ( 354 ) يوماً وثمان ساعات و ( 48 )
دقيقة ، فجعلوا الكبيسة ، وهي زيادة يوم في آخر ذي الحجّة ، وفي
كلّ ثلاثين سنة أحد عشر مرّة ، فيكون في كلّ ثلاثين سنة أحد عشر مرّة ذي
الحجّة شهراً تامّاً وتسعة عشر مرّة ناقصاً ، والتامّات عبارة عن ( 2 ـ
5 ـ 7 ـ 10 ـ 13 ـ 16 ـ 18 ـ 21 ـ 24 ـ 26 ـ 29 ) ، وجمع في هذا
الشعر : ( بهزيجوج كادوط كبيسه عربي ) .
وسمّيت
السنة الكبيسة ، بمعنى الزيادة حيث يزاد في التامّات يوماً .
وإذا أردت
أن تعرف الكبيسة فخذ سنة الهجرة ، وأخرج ثلاثين ثلاثين حتّى السنة التي أنت
فيها ، فإذا كانت إحدى تلك السنين ، فهي كبيسة .
فائدة 117
التقبيل وأثره في
المجتمع
ممّـا يفرح
الأحباب ويسرّ الأطياب ويبهج ذوي الألباب هي القُبلة ، وتعدّ رمز المحبّة عند
الشيب والشباب ، وعلامة المودّة بين الطفل وأبويه ، والزوجين ،
والصديقين ، والمسافر ومودّعه ومنتظره ، وبين الحبيبين والعشيقين .
فما أدراك
ما التقبيل ؟ فكثيره قليل ، وهل له مثيل ، فهو شفاء
العليل ، ويا له من جميل ، فإنّه يستحقّ التبجيل والتجليل .
كيف
لا ؟ وهو نهاية الصلح وغاية الإصلاح ، وفيه البهجة والفلاح ،
والسعد والنجاح ، والمودّة والأفراح ، والسلامة والسماح ، وإنّه
يذهب الأتراح ، ويزيل الأكداح ، وفيه الروح والارتياح ، ويزيد في
المحبّة ويزيد المودّة .
كيف
لا ؟ ويعدّ من العوامل المهمّة في تربية الأطفال ، وتغيير
الأحوال ، وقطع القيل والقال ، ورفع الخصام بين الرجال ، وتزكية
الأجيال .
كيف
لا ؟ وإنّه يصلح بين الندّ والخاصم كالسيف الحاسم ، وإنّه دواء
الجروح وبلسم المجروح ، وشفاء الأسقام ، وتسكين الآلام ، ودفع
الهمّ عن الأيتام .
وختاماً
خير الكلام ما قلّ ودلّ بالتمام : فعليك بالتقبيل بين التكثير
والتقليل .
فائدة 118
يُقرأ كلّ يوم
يقرأ في
كلّ يوم ثلاث مرّات :
« بسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلاّ الله ، بسم
الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلاّ الله ، بسم الله ما شاء الله لا يكون من
نعمة إلاّ من الله ، بسم الله ما شاء الله لا حول ولا قوّة
إلاّ بالله ، بسم الله ما شاء الله وصلّى على محمّد وآل محمّد » .
وهذا من
التوحيد الخالص ، فتدبّر .
فائدة 119
جراثيم الاستعمار
هيّا بنا
أ يّها الإخوان نكافح جراثيم الاستعمار الخارجي وميكروبات الاستحمار
الداخلي .
هلمّ بنا
على رسم شعارنا ( العدالة ) ، على صفحات تأريخنا المجيد
بدمائنا ، ومهجتنا .
فإلى متى
هذا التقاعس والتكاسل ؟ وحتّى مَ هذا التقوقع والتساهل ؟
فهيّا
أ يّها الأبطال الثوّار ، هيّا أ يّها الاُسود الأحرار ،
نحطّم كيان الظلم والجور والطغيان ، ونهدّم بمعاول إيماننا قصور الفسق
والمنكر والحرمان ، ولا نرضى بالاستعمار والاستحمار والاستثمار ، بل
لصحّة المجتمع وسلامته نحارب جراثيم الاستعمار ونقضي عليها لخلاص الفرد والمجتمع
من تلوّثها ، فنقضي على الاستعمار وأذنابه وعملائه في بلادنا الإسلامية ولا
نبالي بالموت وقع علينا أم وقعنا عليه ، وإنّ الشهادة لنا من الله
كرامة ، وإنّها فوز بإحدى الحسنيين .
فائدة 120
التقرّب بالعقل
قال رسول
الله (صلى
الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) :
« يا عليّ إذا رأيت الناس يتقرّبون إلى خالقهم بأنواع
البرّ ، تقرّب إليه بأنواع العقل تسبقهم »([175]) .
وهذا يدلّ
على كرامة العقل وعلوّ مقامه ، وأنّ الوصول به أبلغ من غيره من وجوه البرّ
والإحسان ، فتعقّل . ولا تضيّع العقل باتباع الشهوات والملاذ ،
فإنّ الشهوة المحرّمة تطفئ نور العقل ، وتقسي القلب ، فيستوجب المرء
الحرمان والخذلان وعذاب النار . وأمّا الذين شقوا ففي النار هم فيها خالدون .
فائدة 121
اُمّ سلمة بنت
الإمام الباقر (عليه السلام)
اُمّ سلمة
بنت الإمام الباقر (عليه السلام) من النساء الجليلات .
اُمّها
اُمّ ولد .
وتزوّجت من
محمّد الأرقط بن عبد الله الباهر بن الإمام السجّاد (عليه السلام) .
وولد منهما
اسماعيل الثائر مع أبي سرايا .
وعبد الله
الباهر من أجلاّء ذرّية الأئمة (عليهم السلام) ، له قبر يزار
بباب الصغير في دمشق ، وإنّه وأخوه الإمام الباقر (عليه السلام) من السيّد
فاطمة بنت الإمام الحسن (عليه السلام) ، فهو حسني
وحسيني ، أي ابن الحسن المجتبى (عليه السلام) وابن الحسين الشهيد (عليه
السلام) .
وعبد الله
الباهر هو جدّي في النسب ، فسلام عليه أبداً ما بقيت وبقي الليل
والنهار ، وحشرنا الله في زمرته مع أجداده الطاهرين محمّد وآل محمّد (عليهم
السلام) .
فائدة 122
لسان القرآن لسان
الفطرة
لقد أخبرنا
الله سبحانه وهو الصادق المصدّق ، ومن أصدق من الله قيلا ، بأنّ كتابه
الكريم القرآن الحكيم إنّما هو للناس جميعاً ، فهو كتاب البشرية جمعاء ،
لا ينحصر بقوم خاصّين ، وبزمان خاصّ ، بل هو كتاب
الأمصار والأعصار ، ولا بدّ لمثل هذا الكتاب الذي لا ريب فيه هدىً للناس
وبشرى وفرقان ، أن يعرف الجميع لسانه ومنطقه ، وإلاّ فلا يكون بشرياً
عالمياً ، بل يكون كتاباً خاصّاً لطائفة خاصة تحتاج إليه ، فلا يكون
القرآن الكريم حينئذ نذيراً للعالمين ، وذكرى للبشر ، وهذا يتنافى مع
صريح القرآن .
فلا بدّ
فيه من لسان يفهمه الجميع ، كلّ الناس لا بدّ أن يفهم ذلك اللسان ، وليس
ذلك إلاّ لسان الفطرة ، فإنّه القدر الجامع بين البشرية جميعاً ،
والمقصود من اللسان ثقافته ، لا لغته وحروفه ، فإنّ كلّ كتاب يكون بلغة
واحدة ، ولمّـا كان القرآن الكريم للبشر إلى يوم القيامة ، فلا بدّ أن
يكون واضحاً لا عوج فيه ، ولا يفتقر إلى ثقافة
اُخرى ، بل أصل المحتوى قابل للفهم ، وإن كان مراتبه ودرجاته الباطنة
بعضها ميسورة لبعض دون بعض ، ومن جاهد في الله سبحانه ، فإنّه يهديه
السبل ، ويوضّح له الطرق .
فالقرآن
الكريم نور لا إبهام فيه :
( وَأنزَلْنَا إلَيْكُمْ نُوراً
مُبِيناً )([176]) .
فهو بيّن
وظاهر بنفسه ، ومبيّن ومظهر لغيره ، كالنور الحسّي ، فلا إيهام ولا إبهام
فيه ، حتّى يفتقر إلى أصل آخر غيره نعرف القرآن به ، بل نرجع إلى أهل
القرآن ومن يجسّدون القرآن الكريم في حياتهم وعلومهم وسيرتهم ، وهم العترة
الطاهرة (عليهم
السلام) :
( فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ
الَّذِي أنزَلْنَا )([177]) .
ومن الواضح
الجلي أنّ النور هو القرآن ، فلو كان محتواه مبهماً فكيف يكون
نوراً :
( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ
الاُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَالإنجِيلِ يَأمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ
لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ
إصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ
وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي اُنزِلَ مَعَهُ
اُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ )([178]) .
( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِـبْيَاناً
لِكُلِّ شَيْء وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )([179]) .
ففي هذا
الكتاب الإلهي المهيمن على كلّ الكتب السماوية والأرضية ، فيه المعارف
والأخلاق والحقائق الكونية ، فهو واضح وبيّن في نفسه ، كما يبيّن تلك
العلوم والمعارف ، فإذا كان مبهماً ، فكيف يكون ( تِـبْيَاناً
لِكُلِّ شَيْء ) ؟
أجل إنّه
من التبيان قوله تعالى :
( وَمَا آ تَاكُمُ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ )([180]) .
و ( أطِيعُوا
اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ )([181]) .
فالقرآن
بنفسه يرجعنا إلى الرسول الأكرم وأهل بيته الأطهار اُولي الأمر ، فإنّما نرجع
إلى السنّة المباركة التي تعني فعل المعصوم وقوله وتقريره ، إنّما هو بالقرآن
نفسه لقوله تعالى :
( مَا آ تَاكُمُ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ )([182]) .
وهذا من
تبيان القرآن المجيد ، ولا نرجع إلى أهل البيت (عليهم السلام) من دون القرآن ،
كما لا نقول حسبنا كتاب الله من دون العترة الطاهرة ، بل هما الثقلان بعد
رسول الله (صلى
الله عليه وآله) ، ولن يفترقا إلى يوم القيامة .
فالقرآن
العزيز نور الله في خلقه ، وتجسّد هذا النور في رسوله وخلفائه الأطهار ،
فهم نور الله بين الناس ، كما كانوا أنواراً محدقين بعرش الله ، فمنّ
الله بهم علينا ، فكانوا نور الأخيار وهداة الأبرار ، وقرآن الله
الناطق .
وأمّا
الدليل على أنّ لسان القرآن لسان الفطرة ، وثقافته عامّة لجميع البشر وللناس
كافة قوله تعالى :
( فَأقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ
اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا )([183]) .
أي تمسّكوا
بفطرة الله وخذوها ، فإنّها فطرة التوحيد ، وإنّ كلّ مولود يولد على هذه
الفطرة ، الفطرة التوحيدية التسليمية ، ولا تبديل لخلق الله ،
فلسان الكلّ هو الفطرة ، والقرآن القويم مكمّل الفطرة في
افتقارها واحتياجها العلمي والعملي .
ومن
الأدلّة قوله تعالى :
( ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ
وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ )([184]) .
فهذه الآية
الشريفة بنحو القضيّة المنفصلة مانعة الخلوّ ، فالناس طبقات في عقولهم
وسلوكهم ، فمنهم الذكي والمثقّف الكامل ، ومنهم المتوسّط ، ومنهم
العامي وربما يكون معانداً ، فدعوة الأوّل بالحكمة والبرهان والمنطق السليم
والثاني بالموعظة الحسنة والخطاب الجميل ، والثالث بالجدال الحسن ، وهذا
من الثقافة الفطرية العامّة .
ومعارف
القرآن وعلومه إنّما هو بالبرهان ، إلاّ أ نّه لمثل الحكماء والفلاسفة
يأتيهم بالدليل المنطقي ، ولعامة الناس بالمثال ، فمن الأوّل مثلا قوله
تعالى :
( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاَّ اللهُ
لَفَسَدَتَا )([185]) .
فهذا من
القياس الاستثنائي ويسمّى بدليل التمانع ، وكذلك في قوله تعالى :
( هَلْ تَرَى مِنْ فُطُور )([186]) .
فببطلان
التالي يبطل المقدّم ، فلمّـا لم نرَ الفساد في الأرض والسماء ، فلم يكن
فيهما إلاهان ، ومفهومه أنّ الله سبحانه إله السماء والأرض وأ نّه واحد
لا شريك له ولا ثاني له ، فهل ترى من فطور وفراغ وخلل في السماء
والأرض ، ثمّ ارجع البصر كرّتين ، أي كرّة بعد كرّة ، والثانية غير
الاُولى ، ولو كان الكرّات مائة مرّة . فلا ترى من فطور ونقص ،
وينقلب إليك البصر وهو حسير وخاسر ، فبطل التالي ، فيبطل المقدّم
مثله ، ثمّ القرآن الكريم تارة يعبّر عن هذا المعنى بالمثال ليفهم عامّة
الناس :
( وَلَـقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا
القُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَل )([187]) .
فمن يكون
من أهل الاستدلال فيتكلّم معه بالاستدلال ، وإلاّ فبالمثال ، وهذا من
إعجاز الكلام ، فتارةً يعبّر عن نفسه بقوله تعالى :
( لا يَمَسُّهُ إلاَّ المُطَهَّرُونَ )([188]) .
أي لا يقف
على حقائقه إلاّ من كان مطهّراً طاهراً في الظاهر والباطن ، واُخرى يمثّل
بقوله تعالى :
( لَوْ أ نْزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى
جَبَل لَرَأيْتَهُ خَاشِعاً مُـتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ
الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ )([189]) .
فيدلّ على
ثقل القرآن وعظمته في كلّ شيء ، سواء التوحيد أو النبوّة أو المعارف
والعلوم الاُخرى ، وإن كان يسيراً وسهلا في لسانه المبارك ، لسان
الفطرة :
( وَلَـقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ
لِلذِّكْرِ )([190]) .
فهو
ثقيل ، ولكن يسير : ( إنَّا
سَنُـلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا )([191]) .
فليس
القرآن صعب بل سهل ، وليس عسيراً بل هو اليسير ، ولكن من جهة اُخرى
ثقيل ، لأ نّه حقّ ، فليس بخفيف ، فتدبّر .
فائدة 123
حوار مؤلم
ممّـا
آلمني وأدهشني وقطع أنياط قلبي ، حوار دار بيني وبين أحد المتموّلين
الأثرياء ، فالتقى بي ليخدعني في قضاء حاجة له ، فدار الحديث حول تربية
الأولاد وأهميّتها البالغة في الحياة ، فتطرّق للعادة السرية
( الاستمناء ) ، فقال : أنا شخصياً لحفظ صحّة أولادي من
خطر العادة السرّية ، أمرتهم بالذهاب إلى ( شهر نو ) مجمع الفاحشات
والمومسات ومركز الزنا .
فما سمعت
هذا إلاّ وكأ نّما خرّ على رأسي جبل أبي قُبيس ، فتوتّرت أعصابي وانتفخت
أوداجي وارتعدت فرائصي ، وصرخت في وجهه : تبّاً لك يا هذا ،
ما هذه الخطوة الحمقاء ، لكي تحفظ ولدك ، تفسد المجتمع ،
ويلك ، فإنّك إمبريالي صرف تفدي المجتمع من أجل صحّة ابنك ، ويا ليتها
كانت الصحّة ، بل ما فعلته أدهى وأمرّ ، فإنّك خرجت من حفرة ووقعت في
البئر ، أهكذا التربية والتعليم ؟ ! بدلا من أن تزرع
في حدائق صدور الأبناء حبّ الناس ، وأن يفدوا بأنفسهم لسعادة مجتمعهم وسلامته
من التلوّث والفحشاء ، تزرع فيه الدكتاتورية وأنّ الاجتماع فداء رغباته
وشهواته .
ثمّ ما هذه
الحماقة العمياء ؟ تريد أن تنجيه من مهلكة ، إلاّ أ نّك
أوقعته في أخطر منها ، فماذا تجيب ربّك يوم القيامة ؟ فما هذا
الطغيان والعمى عن الحقائق ، فمن أمثالك أفسدوا المجتمع ، فإنّ بثروتكم
الطائلة وعقولكم الناقصة وشهواتكم الجامحة تشيعوا الفواحش ، ولا تخافون الله
ويوم المعاد ، بدلا من أن تكسو جسد المرأة العارية وتسدّ جوعها وتشبع
بطنها ، تأخذ عفّتها وتغصب حياءها ، وترتكب أبشع الجرائم بذبح شرفها
وهتك سترها ، لتطفي نار شهوة ولدك الرذيل ، بما تقبضه من المال
الضئيل .
ويلك ،
أين شرفك وحميّتك وعرضك ؟ ! فإذا لم يردعك شيء عن هذا العمل
القبيح في ولدك ، فلا تسلم على بنتك ، فما أقبح هذه التربية
الفاسدة ! ! أفقبح وخطر الاستمناء أعظم أم
الزنا ؟
فتحدّثت عن
هذا المعنى شوطاً من خلال الدين الإسلامي الحنيف ، وقلت له :
فماذا تجيب ربّك ورسولك وإمام زمانك ؟
ثمّ قلت
له : لو قيل لك : رأينا ولدك في ( شهر
نو ) ، أما تخجل من ذلك ؟ فقال : لا .
قلت : حقّاً لأ نّك ترتكب هذا العمل الشنيع والذنب العظيم حتّى
ذهب قبحه عندك ، فإنّ من يكرّر الذنب يذهب قبحه ، ولا يبالي بما يحلّ
به ، ويحسب أ نّه يحسن صنعاً ، ثمّ نصحته كثيراً حتّى تأثّر
وواعدني أن يعالج الموضوع بأسرع وقت .
إيهاً يا
مال ويا ثروة ، فماذا تفعلي بأهلكِ :
( إنَّ الإنسَانَ لَـيَـطْغَى * أنْ رَآ هُ
اسْتَغْـنَى )([192]) .
فلا يردعه
رادع ، فيا عجباً فإنّ بهذه الثروة يمكن الإنسان أن يصلح آخرته ، ويسعد
في الدنيا والآخرة ، كما توجب سعادة المجتمع ، كما يمكن أن يوجب هلاك
الناس وانحطاط المجتمع ، فإنّ المال كالسيف ذو حدّين ، إلاّ أنّ كثيراً
من الناس أفسدتهم الأموال ، وأصحاب الثروة والمليارديرية من
الرأسماليين ، لكي لا يعلم الناس ما يفعلوه من قبائح الأعمال ،
وأ نّهم يتنزّهون ويطربون في أرقى الملاهي والكابريهات ، وليفسدوا عليهم
عقائدهم يؤسّسون مراكز الفحشاء والمنكر أمثال ( شهر نو )([193]) ،
فلا بدّ من نهضة وقيام لله سبحانه ضدّ معالم الفساد والمنكرات ، ونجاة شعوبنا
من هذه المراكز الهدّامة للفضائل والأخلاق الحميدة .
فائدة 124
معاني العين
كلمات
العرب منها ما هي متباينة في الألفاظ والمعاني ، أي مختلفة اللفظ
والمعنى ، ومنها ما هي مترادفة ، أي متّفقة المعنى ومختلفة
الألفاظ ، ومنها ما هي مشتركة أي متّفقة اللفظ ومختلفة المعنى ، كلفظة
العين .
فقيل :
إنّها وضعت لسبعين معنى ، منها : العين الباصرة من الحواسّ الخمسة
الظاهرية في الحيوان ، ومنها : حقيقة الشيء كما يقال هذا عين
الشيء ، والعين المال الحاضر ، وعين الميزان ، وسحابة تأتي من قبل
القبلة ، وعين الماء ينبع منه الماء ، ولابن الفارس قصيدة قافية كلّ بيت
منها فيه كلمة العين في معنىً من معانيه ، ذكرها صاحب معجم الاُدباء([194]) ،
وللبهاء ابن السبكي مثلها ، وفي تاج العروس من كتب اللغة إشارة إلى 47
معنى ، راجع في ذلك كتاب ( اتّفق لفظه واختلف معناه من القرآن
الكريم ، الصفحة 3 ) لمحمّد بن بريد المبرّد النحوي المتوفّى سنة 285
هـ .
فائدة 125
عوامل الحضارة
إنّ أهمّ
العوامل والاُسس لحضارة الاُمم ومدنيّة الشعوب هي عبارة عمّـا يلي :
1 ـ العلم والثقافة :
فإنّ العلم
بمنزلة الماء الجاري الذي يوجب حياة الأرض ونشاطها وازدهارها ، وأ نّه
سفينة النجاة ومنار السعادة والرقيّ والكمال ، وسلّم التكامل والإجلال ،
وشفاء الأمراض الروحية ، ودواء الأسقام العقلية ، وأساس التمدّن
والحضارة ، وأصل التقدّم والتطوّر والتفوّق .
والعلم
يهتف بالعمل ، فإن وجده بقي ، وإلاّ ارتحل ، فإنّه وحشي ، إن
تركته يمشي ، وعلم بلا ثمر كليلة بلا قمر .
2 ـ القانون :
فإنّه
بمعنى المسطرة لتعيين وتبيين الخطوط المعوجّة ، فهو الذي يميّز المستقيم من
غيره .
فالمجتمع
السعيد الذي يحترم القانون ، وينصدع له ، ويطبّقه في حياته الفردية
والاجتماعية .
فالقانون
اصطلاحاً بمعنى الحكم الذي يقرّه الشارع المقدّس ، فيما كان المجتمع
دينياً ، أو يقرّه العقلاء بمشورة منهم ، وعلى عامة الناس العمل به حتّى
على من وضع القانون أن يلتزم به .
3 ـ السياسة :
فلولاها بمفهومها
الصحيح لما ازدهرت البلاد ، ولما سعد الناس بالرشاد ، ومعناها الصحيح
والصائب هو : جلب المنفعة ودفع المضرّة ، مع حفظ حقوق
الآخرين ، ورعاية العدالة الاجتماعية ، والقسط في التعامل .
4 ـ الاقتصاد :
وهو الحدّ
الوسط في تشغيل السواعد العاملة ، بلا إفراط ولا تفريط .
5 ـ التربية :
فهي من
أهمّ عوامل تمدّن الاُمم والملل ، فلولاها لكان الإنسان العظيم كالأنعام بل
أضلّ سبيلا ، والتربية تعني تنمية القوى الروحية والجسمية ورشدها .
فائدة 126
ذكر الحبيب
قال الشيخ
البهائي (قدس
سره) :
أ يّها
الطلاّب الذي في المدرسة *** كلّما حصّلتموه وسوسة
ذكركم
إن كان في غير الحبيب *** ما لكم في النشأة الاُخرى نصيب
هذا في
العشق الإلهي ، وهو العشق الحقيقي ، وإنّه منطق عشّاق الله
سبحانه ، ودروس المدرسة إنّما هي مقدّمة لهذا العشق المقدّس ، فمن لم
يصل إلى هذا المقام يعدّ ما حصل عليه وساوس شيطانية ، ويكون العلم حينئذ هو
الحجاب الأكبر عن الوصول إلى الله سبحانه ، والفناء في أسمائه الحسنى ،
وصفاته العليا .
فعلى طالب
العلم الوعي الكامل ، وأن لا يشتغل طيلة حياته بالمقدّمة ، وينسى ويغفل
عن ذيها ، الذي هو الأصل في العلم ، وإنّه نور يقذفه الله في قلب من
يشاء أن يهديه ، بعد أن يكون من أهل الهداية بتهذيب نفسه .
فائدة 127
الصفات الإبراهيمية
من أنبياء
الله العظام ، حتّى لقّب بشيخ الأنبياء ، هو إبراهيم خليل الرحمن (عليه
السلام) ،
وكان يحمل هذه الصفات :
1 ـ كان (عليه السلام) إماماً : ( وَاجْعَلْنَا
لِلْمُتَّقِينَ إمَاماً )([195]) ،
فيقتدى به ويتأسّى بفعله .
2 ـ رفع قوائم الكعبة ، فهو المؤسس بعد اندثارها ، وهو
بنّاء كعبة الله .
3 ـ طهّر بيت الله والكعبة المشرّفة من الأصنام ، ليكون
مسجداً للطائفين والراكعين .
4 ـ أراد إبراهيم (عليه السلام) أن تكون اُمّته اُمّة
واحدة قانتة لله ، بلا قوميّة ولا طائفية ولا حدود
جغرافية .
5 ـ طلب من ربّه أن يمتدّ خطّه وإمامته بخلفاء من بعده يمتازون
بالعصمة والطهارة .
6 ـ تكلّم بما يبهت الذي كفر ، فكان ذا منطق قويّ رصين .
فأولى بهذا
النبيّ العظيم من تبعه :
( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإنَّهُ مِنِّي )([196]) .