تغرّب
عن الأوطان في طلب العلى *** وسافر ففي الأسفار خمس فوائدِ
تفرّج
همٍّ واكتساب معيشة *** وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ
بعبارة
اُخرى ، السفر على خمسة أقسام :
1 ـ السفرة السياحيّة ( تفرّج همّ ) :
لكشف الهمّ
والغمّ الذي يصيب الإنسان في الحضر ، فإنّ السفر حينئذ وتغيّر الهواء وأجواء
المصيبة ، يوجب علاج المصاب ، وتفرّج همّه .
2 ـ السفرة التجاريّة ( واكتساب معيشة ) :
فإنّ المرء
يخوض البلاد والبحار من أجل لقمة العيش ، وأن يعيش هو وذويه حياة
رغيدة ، وإن كان من سعادة المرء أن يكون كسبه في بلده ، كما جاء في
الخبر الشريف ، ولكنّ التجارة وكسب العيش ربما يقتضي السفر وطيّ البلاد
النائية .
3 ـ السفرة العلميّة ( وعلم ) :
ربما
الإنسان يسافر من أجل طلب العلم ، فقد ورد في الخبر : اطلب العلم
ولو في الصين ، كما جاء في الأثر : لو علمتم ما في طلب العلم
لطلبتموه ولو بخوض اللُّجج وسفك المهج .
4 ـ السفرة الاجتماعيّة ( وآداب ) :
من العلوم
النافعة ذات الأهمية علم الاجتماع ، والسفر يساعد المرء على تعلّم الآداب
الاجتماعية والوقوف على أدب المجتمعات المختلفة في لغاتها وثقافاتها
وآدابها ، فيكسب خيرة الآداب والسنن ، ويكون مصلحاً في وطنه في نشر
المعارف والآداب الجيّدة ، وبعد تأدّبه يكون اُسوة صالحة لغيره .
5 ـ السفرة الأخلاقيّة ( وصحبة ماجد ) :
فإنّ المرء
في السفر ربما يتوفّق أن يصاحب رجلا ماجداً خلوقاً طيّباً فيكتسب ويتعلّم منه
الأخلاق ، وقد ورد في الخبر : اطلبوا الأتقياء في أطراف
الأرض .
وإن
قيل في الأسفار غمّ وكربةٌ *** وتشتيت شمل وارتكاب شدائدِ
فموت
الفتى خيرٌ له من حياتهِ *** بدارِ هوان بين واش وحاسدِ
والحقّ أنّ
الإنسان منذ بداية خلقته وتكوين نطفته إنّما هو في عوالم السفر ، فهو مسافر
مذ خرج من العدم إلى الوجود ، في أصلاب الآباء والجدود ، وبطون
الاُمّهات الحافظات للودائع والعهود .
وأسفاره في
البلاد مظهر لسفره التكويني ، ولكلّ شيء أدب وحدود ، وللسفر آداب ،
نذكر اليسير ممّـا ورد في الروايات الشريفة .
1 ـ الرفيق قبل الطريق .
قال رسول
الله (صلى
الله عليه وآله) : ألا اُخبركم بشرّ الناس ؟
قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من سافر وحده ،
ومنع رفده ، وضرب عبده .
2 ـ عن مولانا أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في وصيّة
لقمان لولده : يا بني ، سافر بسيفك وحقّك وعمامتك وحبلك وسقائك
وإبرتك وخيوطك ومخرزك ، ثمّ تزوّد معك الأدوية التي تنتفع بها أنت ومن
معك ، وكن لأصحابك موافقاً إلاّ في معصية الله .
3 ـ وعنه (عليه السلام) ، قال لقمان
لابنه : إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك واُمورهم ،
وأكثر التبسّم في وجوههم ، وكن كريماً على زادك بينهم ، إذا دعوك
فأجبهم ، وإذا استعانوا بك فأعنهم ، واغلبهم بثلاث : طول
الصمت ، وكثرة الصلاة ، وسخاء النفس بما معك من دابة أو مال أو
زاد ، وإذا استشهدوك على الحقّ ، فاشهد لهم .
وهناك آداب
كثيرة في السفر والمسافر ، كما أنّ موضع السفر يبحث عنه الفقهاء باعتبار
الأحكام الشرعية التي تعتري المسافر من حيث صلاته وصومه ، فيلزمه أن يقصّر في
صلاته الرباعية ، كما عليه أن يفطر .
وعلماء
الأخلاق والسير والسلوك يتعرّضون إلى حقيقة السفر ، بأنّ الإنسان في حياته
الدنيوية إنّما هو مسافر ، فجاء من عوالم اُخرى في هذه الدنيا ، وأنّ
الدنيا دار ممرّ ، وعلى المرء أن يسافر عنها ، وإنّما يتزوّد منها لسفر
الآخرة ، وأنّ خير الزاد التقوى والعمل الصالح ، فإنّ السفر طويل والطريق
وعر ، كما أنّ الفلاسفة وحكماء الإسلام يتعرّضون إلى مسألة السفر كما نجد ذلك
في كتاب ( الأسفار ) للمحقّق صدر الدين
الشيرازي ، حيث الكتاب يبحث عن أسفار أربعة :
1 ـ سفر من الحقّ إلى الحقّ بالحقّ .
2 ـ وسفر من الحقّ إلى الخلق بالحقّ .
3 ـ وسفر من الخلقّ إلى الحقّ بالحقّ .
4 ـ وسفر من الخلق إلى الخلق بالحقّ .
كما أنّ
علماء النفس يبحثون عن السفر وآثاره النفسية ، فموضوع السفر إنّما هو موضوع
قيّم ، وذو شجون وفنون .
فائدة 63
من الألغاز
جاء في
كتاب مفتاح السعادة ومصباح السيادة([105])
في موضوعات العلوم ; لأحمد بن مصطفى ، في بيان بعض
المعميّات :
علم
المعمّى : وقد عرفت تفصيله في علم اللغز ، ولا وجه لإعادته ،
لكنّا نذكر هنا بعضاً من الأمثلة : ( المعمّى على اسم
محمّد ) يروى أ نّه لعليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه ( (عليه
السلام) ) ،
لكن هذه الرواية غير صحيحة ، لكنّ الغرض ها هنا المثال ، فلا حاجة
إلى صحّة رواية الأخذ :
وعدُ
موسى مرّتين *** وضع أصل الطبائع تحت ذين
وسكن
خان شطرنج فخذها *** وادرج بين ذين المدرجين
فهذا
اسمٌ لمن يهواه قلبي *** وقلب جميع من في الخافقين
ومثال آخر
في اسم أحمد :
اُحاجيك
في اسم الحبيب الذي *** هويت وأنت إمام البلد
حروف
الهجاء له أربعٌ *** إذا زال حرف فيبقى واحد
وممّـا جاء
في المسائل الفقهيّة :
ولي
خالةٌ وأنا خالها *** ولي عمّة وأنا عمّها
فأمّا
التي أنا عمّ لها *** فإنّ أبي اُمّه اُمّها
أبوها
أخي وأخوها أبي *** ولي خالةٌ هكذا حكمها
صورتها :
رجل له امرأتان ، أولدت واحدة بنتاً واُخرى ابناً ، ثمّ زوّج بنته من
أبي امرأته التي ولدت ابناً فجاءت ببنت ، وهي خالة ابن ، وهو
خالها .
( رجل : سعيد وزينب وليلى من زوجاته ، فولدت
زينب سلمى ، وليلى سليم ، ثمّ سعيد زوج سلمى من أبي زوجته ليلى واسمه
قاسم ، فجاءت ببنت اسمها هند ، فهي خالة سليم ، لأنّ هند اُخت ليلى
من قاسم ، وليلى اُمّ سليم ، وسليم خال هند لأنّ سليم أخو سلمى ،
وسلمى اُمّ هند ، فسليم خال هند ، فتأمّل ) .
وأمّا صورة
العمّة : رجل له ابن ( اسمه حيدر ) ، ولابنه أخ من
اُمّه ( اسمه مجيد ) ، فزوّج أخاه ( مجيد ) اُمّ أبيه
فجاءت ببنت ( ليلى ) وهي عمّته وهو عمّها .
ثمّ
قال : واعلم أنّ أكثر من يعتني باللغز العرب لكن لم يدوّنوه في
الكتب ، وأكثر من يعتني بالمعمّى أهل فارس ، ولهذا وقع جلّ التصانيف في
المعمّى على لسان الفرس .
فائدة 64
من عدالة أمير
المؤمنين عليّ (عليه السلام)
معاملة
وعدالة أمير المؤمنين الإمام على بن أبي طالب (عليه السلام) لأهل بيته
وأقرباءه .
قال
الكشّي : روى على بن يزداد الصايغ الجرجاني ، عن عبد العزيز بن
محمّد ابن عبد الأعلى الجزري ، عن خلف المخرمي البغدادي ، عن سفيان بن
سعيد ، عن الزهري ، قال : سمعت الحارث يقول :
استعمل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) على البصرة عبد الله
بن عباس ، فحمل كلّ مال في بيت المال بالبصرة ولحق بمكّة وترك علياً (عليه
السلام) ،
وكان مبلغه ألفي ألف ( ألف ألف خ ـ ) درهم ، فصعد علي (عليه
السلام)
المنبر حين بلغه ذلك فبكى ، فقال : هذا ابن عم رسول الله (صلى الله
عليه وآله)
في علمه وقدرته يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان دونه ، اللهمّ إنّي قد
مللتهم ، فاقبضني إليك غير عاجز ولا ملول([106]) .
وقال
الكشي ، قال شيخ من أهل اليمامة ، يذكر عن معلّى بن هلال ، عن
الشعبي ، قال : لمّـا احتمل عبد الله بن عباس بيت مال البصرة وذهب
به إلى الحجاز ، كتب إليه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) :
من عبد
الله عليّ بن أبي طالب ، إلى عبد الله بن عباس . أمّا بعد :
فإنّي قد كنت أشركتك في أمانتي ، ولم يكن أحدٌ من أهل بيتي في نفسي أوثق
لمواساتي ومؤازرتي وأداء الأمانة ، إليّ ، فلمّـا رأيت الزمان على ابن
عمّك قد كلب ، والعدوّ عليه قد حرب ، وأمانة الناس قد عرت ـ اُهملت ـ
وهذه الاُمور قد فشت ـ خزيت ـ قلّبت لابن عمّك ظهر المجن
ـ الترس أو الحياء ـ وفارقته مع المفارقين ، وخذلته
أسوأ خذلان الخاذلين ، فكأ نّك لم تكن تريد الله بجهادك ،
وكأ نّك لم تكن على بيّنة من ربّك ، وكأ نّك كنت تكيد اُمّة محمّد (صلى الله
عليه وآله)
على دنياهم ، وتنوي غرّتهم ، فلمّـا اشتدّت الشدّة في خيانة اُمّة محمّد
(صلى
الله عليه وآله) أسرعت الوثبة وعجلت العدوة ، فاختطفت ما قدرت عليه
اختطاف الذئب الأزل ـ المعز الكبير ـ رمية المعزي الكثير
كأ نّك لا أبا لك جررت إلى أهلك تراثك من أبيك واُمّك ، سبحان
الله ! أما تؤمن بالمعاد ، أوَ ما تخاف من سوء الحساب ، أو
ما يكبر عليك أن تشتري الإماء وتنكح النساء بأموال الأرامل والأيتام
والمهاجرين ، الذين أفاء الله عليهم هذه البلاد ، اردد إلى القوم
أموالهم ! فوالله لئن لم تفعل ثمّ أمكنني الله منك لأعذرن الله فيك ،
فوالله لو أنّ حسناً وحسيناً فعلا مثل الذي فعلت لما كان لهما عندي في ذلك
هوادة ، ولا لواحد منهما عندي فيه رخصة ، حتّى آخذ الحقّ واُزيح الجور
عن مظلومها ، والسلام([107]) .
هذا هو
إمامنا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) مع ابن عمّه ،
ويقسم لو أنّ ابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام) فعلا ذلك ،
لأخذهما بعدله كما علّمه الله ورسوله في إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل .
فائدة 65
زبدة من الأحاديث
الشريفة
عن الرسول
الأكرم (صلى
الله عليه وآله) : من أراد البقاء ولا بقاء ، فليبكّر
بالغذاء ، وليجوّد بالحذاء ، وليخفّف بالرداء ، وليقلّل من غشيان
النساء .
وعنه (صلى الله
عليه وآله) :
الفقه سلّم لكلّ آل ، وثمن لكلّ غال .
سأل كميل
أمير المؤمنين (عليه
السلام) :
يا أمير المؤمنين ، ما الحقيقة ؟ فقال (عليه السلام) :
ما لك والحقيقة ؟ فقال كميل : أو لستُ
صاحب سرّك ؟ قال : بلى ! ولكن يترشّح عليك ما
يطفح منّي . فقال كميل : أمثلك تخيب سائله ؟ فقال أمير
المؤمنين (عليه
السلام) :
الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة . فقال : زدني
بياناً ؟ قال : محو الموهوم مع صحو المعلوم .
فقال : زدني بياناً ؟ قال : هتك الستر لغيبة
السرّ . فقال : زدني بياناً ؟ قال : جذب
الأحديّة لصفة التوحيد . فقال : زدني بياناً ؟
قال : الحقيقة نور يشرق من صبح الأزل فيلوح على هياكل التوحيد
آثاره . قال : زدني بياناً ؟ قال : اطفِ
السراج فقد طلع الصبح »([108]) .
في أمالي
الصدوق ، عن الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن الرضا (عليه
السلام) ،
أ نّه سئل : ما العقل ؟ فقال : التجرّع
للغصّة ، ومداهنة الأعداء ، ومداراة الأصدقاء([109]) .
عن أمير
المؤمنين : من عرف الله كملت معرفته .
وقال (عليه
السلام) :
معرفة الله سبحانه أعلى المعارف ، ومعرفة النفس أنفع المعارف .
وقال (عليه
السلام) :
المعرفة نور القلب .
وقال :
المعرفة بنيان النبل ، والعلم لقاح المعرفة .
وقال (عليه
السلام) :
غاية كلّ متعمّق في معرفة الخالق سبحانه الاعتراف بالقصور عن إدراكها .
وقال (عليه
السلام) :
عاتب أخاك بالإحسان إليه ، واردد شرّه بالإنعام عليه .
قال الصادق
(عليه
السلام) :
لا يستغني أهل كلّ بلد من ثلاثة يفزع إليه في أمر دنياهم وآخرتهم ، فإن عدموا
كانوا همجاً : فقيه عالم ورع ، وأمير خيّر مطاع ، وطبيب بصير
ثقة([110]) .
فائدة 66
لا تعتمد على قصبة
تهزّها الريح
الأمثال
التي يتمسّك الناس في أحاديثهم وكلامهم لها مدلولات كثيرة ومغزى عميق ، وإن
صدرت في بدايتها في واقعة وقصّة خاصّة ، ولكن لما فيها من المحتوى
الأصيل ، وأ نّها تنبع من فطرة الإنسان السليمة ، تجدها تدوم على
الألسن ويلوكها الناس في أفواههم على مرّ العصور والأحقاب ، ومنها لقوّتها
تشتهر في كلّ الأمصار ، وتكون شواهد في حياتهم اليومية ، لا سيّما
الأمثال الشعبية وتعتبر جزء من ثقافة الاُمم وتراث الشعوب .
ومن تلك
الأمثال قولهم : ( لا تعتمد على قصبة تهزّها الريح ) ،
ولهذا مداليل في قضايانا الفردية والاجتماعية ، مثلا في عالم الصداقة ،
فلو أنّ صديقاً ورفيقاً تهزّ أرياح حبّ الذات والأنانية قصبات صداقته ، فيميل
إلى تلبية رغباته ، ويقدّم نفسه على صديقه ، وتعرف ذلك من خلال معاشرته
لا سيّما في السفر ، فلا يحقّ لك أن تعتمد عليه ، وإذا اعتمدت وأبحته
سرّك ، فأصابك ما لا ترضيه ، فلا تلومنّ إلاّ نفسك ، إذ قال لك أبو
المثل من قبل ( لا تعتمد على قصبة تهزّها الريح ) ، فلو لم يكن
صديقك في عالم الصداقة كالجبل الأشمّ لا تحرّكه العواصف ، ولا يتأثّر بأقوال
الوشاة والحسّاد ، ولا ينغلب لنزعاته المادية ، ويميل لشهواته
وملاذّه ، ولا يشاركك في الأفراح والأتراح ، ولا يواسيك في المشاكل
والمصاعب ، وسرعان ما تهزّ أرياح الدنيا الدنيّة أغصان شجرة المودّة والصداقة
فتكسرها ، فلا تعتمد عليه ، فإنّ الصديق من صادقك في كلّ اُمورك ،
لا من صدّقك وإن كنت كاذباً ، والرفيق من رافقك في كلّ حقول حياتك ،
حلوها ومرّها ، سقمها وسلامتها ، غناها وفقرها ، عزّها
وذلّها ، حزنها وسرورها ، فرحها وترحها ، بكائها وتبسّمها ،
فمن شاركك وواساك وشاطر حياتك في كلّ ذلك ، فهو الصديق حقّاً ، وعليه
فاعتمد ، ولكن قبل أن نتأمّل من صديقنا ذلك ، علينا أن نكون له
كذلك ، فحين اعتماده علينا ، لا نكون له مثل القصبة التي تهزّها
الريح ، فيصاب بخيبة الأمل ، فلنهذّب أنفسنا أوّلا ، ونراعي حريم
الصداقة ، ونعمل بآدابها وحقوقها وندعو ربّنا كما دعاه خليله :
( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ
إمَاماً )([111]) .
فائدة 67
مقدّمة كتاب دليل
السائحين
الحقّ
يقال ، ولا نبالي ماذا يقولون لو كنّا مع الحقّ ، ندور معه أينما
دار ، فعلينا أن نعرف الحقّ لنعرف أهله ، ولا نستوحش في طريق الحقّ من
قلّة أنصاره .
فكلمة
أقولها حقّاً ، لقد كتبت هذه المقدّمة لكتابي ( معالم دمشق أو
دمشقيات ، أو دليل السائحين وعبقات الأنوار والمعالم الأثرية في ثلاثة
أجزاء ) ، وحينما طالعتها ثانية وجدتها تعبّر عن مدح النفس
وتزكيتها ، وأ نّي كيت وكيت ، وكأ نّي فريد زماني ،
وأرجز في ميادين العلوم والفضائل بأ نّه من مثلي من مثلي ؟ فأعرضت
عنها صفحاً ، لعلّي اُصيب الواقع .
وبعد ردح
من الزمن عندما كنت اُقلّب صفحات حياتي ومسودّات أيامي ، وجدتها مطويّةً بين
قصاصات الوريقات ، فساغ لي أن اُسطّرها للمطالعين ليقفوا على مدى الغرور
العلمي لدى الإنسان المسكين الذي تؤلمه البقّة وتقتله الشرقة ، الذي لو وقف
على جبل مجهولاته ، لنطح رأسه السحاب بل السماء بل سابع السماوات ،
مسكين ابن آدم .
فإليك
المقدّمة بالنص ـ وإيّاك والغرور العلمي ، فإنّه مصيدة الشيطان
لأهل العلم ـ :
تمهيد :
لست
مؤرّخاً ، وليس لي باع في علم الجغرافية ، ولا من اختصاصي أن أكتب في
الرجال والأعلام ، ولكن منذ الطفولة ونعومة أظفاري ، كنت اُحبّ أن أكتب
في كلّ شيء ، وأعتقد أنّ الوجود الناقص خيرٌ من العدم ، وإن كان السعي
فيما هو التامّ والكامل هو المطلوب والمحبَّذ ، لا سيّما في دنيا التأليف
وعالم التصنيف ، إذ فيهما عنوان الهداية والإرشاد والإصلاح ، أفمن يهدي
إلى الحقّ والكمال وما هو التامّ ، أحقّ أن يتّبع ويطالع كتابه ويأخذ بمناهجه
وسلوكه وأفكاره ؟ أمّن لا يهدي إلاّ أن يهدى ويتعب نفسه في التحقيق
والتدقيق والتأمّل والكتابة والتأليف بتعمّق
وتدبّر ؟ ! !
الجواب
واضح ، إلاّ أنّ مستويات الشعوب مختلفة ، وطبقات الجماهير
متفاوتة ، وليس على الكاتب أن يكتب لطبقة خاصّة ، أو للمثقّفين والعلماء
وذوي الكفاءات والمستويات الجامعية والعالية فحسب . بل ولا سيّما لو كان في
مقام الإصلاح والصلاح أن يكتب للجماهير والاُمم ما ينفعهم ويصلح أمرهم ، وإن
كان ذلك لا يروق عند طائفة خاصّة . أو يتصوّرون أنّ ما كتبه منقصة له في
حياته العلمية ، ومجتمعنا الحوزوي مع الأسف مبتلى بذلك ، ولكن على المرء
والعالم الربّاني أن يخلص في عمله ، وأن يكتب ما يرضي الله سبحانه ،
والله من وراء القصد .
ومن
حكاياتي في أيام الصبا ، كنت أقول : ( اُحبّ أن أكون في
حياتي ابن سينا الثاني ، بل المعلّم الثالث ) .
هذا ما
أجبت به عمّي وأنا صبي صغير ، كنت في الصفّ الثالث الابتدائي على ما
أتذكّر ، عندما سألني : ماذا تحبّ أن تكون في حياتك ؟
كما هو دأب الكبار في سؤالهم الصغار .
ولا زلت
أذكر ملامح الدهشة على محيّاه ، فسألني ثانياً : وماذا تعني
بذلك ؟ فأجبته : نعم ، يوماً سمعت والدي يتحدّث للشباب
عن الشيخ الرئيس ابن سينا ، فقال : إنّه نبغ في كلّ علم وفن وكتب
في العلوم وأتقن جميع علوم زمانه إلاّ علماً واحداً ، فلقّب بالشيخ الرئيس
وكان يبغي أن يكون المعلّم الثالث ، إذ هذا العنوان ( المعلّم )
كان يطلق على كلّ من عرف علوم زمانه كأرسطو المعلّم الأوّل ، والفارابي
المعلّم الثاني .
فما طرقت
هذه الكلمات مسامعي إلاّ ودخلت أعماق وجودي ، فنموت ونمت الفكرة ووددت أن
أتعلّم كلّ العلوم ، وأكتب في كلّ علم ، ولو في صفحات وعلى سبيل الإجمال
والإشارة .
فأثنى عمّي
على أصل الفكرة وشوّقني عليها آنذاك .
ومرّت
الأيام والفكرة تزاولني بين آونة واُخرى حتّى آل الأمر أن أكتب في الفقه ،
وأوّل ما طبع لي كرّاس حول الحجّ وعظمته في المجتمع الإسلامي في ألفي نسخة ،
ووزّع مجّاناً في بغداد ، وأنا في سن المراهقة في نهاية الخامس عشر من
عمري . واليوم أفهم أ نّي كنت آخذ لقمة أكبر من فمي ، فكتبت كتابي
الأوّل آنذاك حول محرّم وعاشوراء ونهضة الإمام الحسين (عليه السلام) .
وبقي
الكتاب وغيره مخطوطاً في بغداد ، وإلى جانب دراساتي الحوزويّة العلميّة أخذت
أكتب في ساعات الفراغ أنتهز الفرص ، فما بلغت العشرين ونيّف حتّى طبع لي كتاب
في الفلسفة حول الجبر والاختيار ، ثمّ آخر في الأخلاق حول السعيد
والسعادة ، وآخران في الفقه ، ثمّ في السياسة ، والرجال ،
ولديّ عشرات المخطوطات في الفقه والكلام والمنطق والدراية وعلم الفلك وغير
ذلك .
وما هذا
إلاّ من فضل ربّي الكريم ، سبحانه وتعالى ، وما توفيقي إلاّ بالله العزيز
عزّ وجلّ ، فله الحمد والشكر .
وأخذت أكتب
في المفاهيم الإسلامية والعقائد وغيرها من العلوم مع قصر الباع وقلّة
المتاع ، ويوماً في منظمة الحجّ والزيارة في مدينة طهران ، أصرّ عليّ
أحد الإخوان المسؤولين أن أكتب عن السيّدة زينب الكبرى (عليها السلام) ،
والسيّدة رقيّة بنت سيّد الشهداء الإمام مولانا الحسين (عليه السلام) ،
فأبيت عن ذلك في بادئ الأمر لمآرب ، ولكن خدمةً لزائري مرقدها الطاهر ،
وحاجة مؤمن لا بأس من قضائها ، وترويجاً لمذهب أهل البيت (عليهم
السلام) ،
وتعظيماً لشعائر الله ، آليتُ على نفسي أن أكتب عن السيّدة (عليها
السلام)
لعلّي أحضى بشفاعتها وعنايتها .
فأخذت
القلم والقرطاس وما أمليت صفحات ، إلاّ وأخذت الفكرة تسوقني من حيث لا أشعر
إلى أن أكتب في التأريخ وعلم السياحة والجغرافية وغيرها ، وما ذلك إلاّ
تلبيةً للنداء الباطني والضمير اللاشعوري كما في علم النفس .
فقلت في
نفسي : ولا ضير في ذلك ، وليكن كبداية تجربة أوّلية في علمي
التأريخ والجغرافية ، فجعلته في ثلاثة أجزاء :
1 ـ دليل السائحين إلى سورية ودمشق .
2 ـ عبقات الأنوار ، لمحة من حياة أعلام النهضة الإسلامية في
دمشق .
3 ـ المعالم الأثريّة في الرحلة الشاميّة .
وأخيراً
أعتذر من زلّة القدم وهفوة القلم ، والعذر عند كرام الناس مقبول .
كما أسأل
زوّار ذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدعاء في مظانّ
الاستجابة ، ودمتم بخير وعافية .
العبد
عادل
العلوي
1408 هـ ق
فائدة 68
الإسلام دين الرحمة
والعدالة
تبّاً
ودحراً للمستشرقين المغرضين الذين دسّوا السمّ في العسل ، وشوّهوا معالم
الإسلام ، وروّجوا شبهات حول الدين الإسلامي الحنيف ، تنفيذاً لخططهم
الاستعمارية ، وطاعةً لأسيادهم الخونة ، وأهدافهم الجاسوسيّة ،
ومآربهم الاستثمارية ، فألقوا الشبهات في روع المسلمين ، وزعزعوا
إيمانهم ، فانهار مجدهم التليد وكيانهم الرصيد ، حتّى سلبوا منابعهم
ومصّوا دماءهم ، ريثما ابتعد المسلمون عن مبادئهم القيّمة ، وقرآنهم
المجيد ، وإسلامهم العظيم ، واعتنقوا ثقافة الغرب الفاشلة المنحطّة
طامعين في التمدّن والحضارة ، وما ذلك إلاّ جهلا بنوايا الاستعمار ،
وعملائهم الخونة ، وأذنابهم الفجرة .
ومن تلك
الشبهات قولهم : إنّ الإسلام انتشر بالقوّة والسيف ، وهو دين
الغضب وعدم الرحمة في قوانينه وإجراء حدوده في الجنايات والديات .
والحال إن
دلّ حدود الإسلام القويم على شيء ، فإنّه يدلّ وبكلّ وضوح على العدالة
الاجتماعية والحياة الإنسانية ، فلكم في القصاص حياةً يا اُولي
الألباب ، فإنّه يدلّ على إقامة الحقّ في المجتمع وتهذيب الاُمّة
وسعادتهم ، وحفظ حقوقهم وأمنهم الفردي والاجتماعي ، وإزالة الفوضى
والروح الغوغائية من بين الناس ، حتّى يسودهم الأمن الاجتماعي والطمأنينة
والعيش الرغيد ، كما شهد لنا التأريخ الإسلامي الزاهر في صدره بذلك ،
وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين .
فالإسلام
دين الرحمة والمودّة ، ودين الدولة والنظام ، ودين متكامل في جميع
جوانبه وحقوله ، ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ، وإنّ الدين
عند الله الإسلام .
فائدة 69
خطبة الإمام
السجّاد (عليه
السلام)
في مجلس يزيد لعنه الله
قال صحب
المناقب وغيره : روي أنّ يزيد لعنه الله أمر بمنبر وخطيب ليخبر الناس
بمساوي الحسين وعلي (عليهما السلام) وما فعلا ، فصعد الخطيب المنبر ،
فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ أكثر الوقيعة في علي والحسين ، وأطنب في
تقريظ معاوية ويزيد لعنهما الله ، فذكرهما بكلّ جميل ، قال :
فصاح به علي بن الحسين (عليهما السلام) :
ويلك
أ يّها الخاطب ، اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فتبوّأ مقعدك
في النار .
ثمّ قال
علي بن الحسين (عليهما
السلام) :
يا
يزيد ، ائذن لي حتّى أصعد هذه الأعواد ، فأتكلّم بكلمات لله فيهنّ
رضاً ، ولهؤلاء الجلساء فيهن أجر وثواب .
قال :
فأبى يزيد عليه ذلك ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، ائذن
له فليصعد المنبر ، فلعلّنا نسمع منه شيئاً ، فقال : إنّه إن
صعد لم ينزل إلاّ بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان ، فقيل
له : يا أمير المؤمنين ، وما قدر ما يحسن هذا ؟
فقال : إنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقّاً .
قال :
فلم يزالوا به حتّى أذن ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ خطب
خطبةً أبكى منها العيون ، وأوجل منها القلوب ، ثمّ قال :
أ يّها
الناس ، اُعطينا ستّاً وفضّلنا بسبع : اُعطينا العلم والحلم
والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين ، وفضّلنا بأنّ منّا
النبيّ المختار محمّداً ، ومنّا الصدّيق ، ومنّا الطيّار ، ومنّا
أسد الله وأسد رسوله ، ومنّا سبطا هذه الاُمّة ، من عرفني فقد
عرفني ، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي .
أ يّها
الناس ، أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل
الركن بأطراف الرداء ، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير من
انتعل واحتفى ، أنا ابن خير من طاف وسعى ، أنا ابن من اُسري به من
المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة
المنتهى ، أنا ابن من دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من
صلّى بملائكة السماء ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن
محمّد المصطفى ، أنا ابن عليّ المرتضى ، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق
حتّى قالوا : لا إله إلاّ الله .
أنا ابن من
ضرب بين يدي رسول الله بسيفين ، وطعن برمحين ، وهاجر الهجرتين ،
وبايع البيعتين ، وقاتل ببدر وحُنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين ،
أنا ابن صالح المؤمنين ، ووارث النبيّين ، وقامع الملحدين ، ويعسوب
المسلمين ، ونور المجاهدين ، وزين العابدين ، وتاج
البكّائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين من آل ياسين رسول ربّ
العالمين ، أنا ابن المؤيّد بجبرئيل ، المنصور بميكائيل ، أنا ابن
المحامي عن حرم المسلمين ، وقاتل المارقين والناكثين والقاسطين ،
والمجاهد أعداءه الناصبين ، وأفخر من مشى من قريش أجمعين ، وأوّل من
أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين ، وأوّل السابقين ، وقاصم
المعتدين ، ومبيد المشركين ، وسهم من مرامي الله على المنافقين ،
ولسان حكمة العابدين ، وناصر دين الله ، ووليّ أمر الله ، وبستان
حكمة الله وعيبة علمه .
سمحٌ سخيٌّ
بهيٌّ بهلول زكيّ ، أبطحيّ رضيّ مقدام هُمام صابر صوّام ، مهذّب
قوّام ، قاطع الأصلاب ومفرّق الأحزاب ، أربطهم عناناً وأثبتهم
جناناً ، وأمضاهم عزيمة وأشدّهم شكيمة ، أسد باسل ، يطحنهم في
الحروب إذا ازدلفت الأسنّة ، وقربت الأعنّة ، طحن الرحا ويذرهم فيها ذرو
الريح الهشيم ، ليث الحجاز ، وكبش العراق ، مكّي مدني خيفي عقبيّ
بدريٌّ اُحدي شجري مهاجري ، من العرب سيّدها ، ومن الوغى ليثها ،
وارث المشعرين وأبو السبطين : الحسن والحسين ، ذاك جدّي عليّ بن
أبي طالب .
ثمّ
قال : أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سيّدة النساء . فلم
يزل يقول : أنا أنا ، حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي
يزيد لعنه الله أن يكون فتنة ، فأمر المؤذّن فقطع الكلام ، فلمّـا قال
المؤذّن : الله أكبر الله أكبر .
قال علي (عليه
السلام) :
لا شيء أكبر من الله .
فلمّـا
قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله .
قال عليّ
بن الحسين (عليهما
السلام) :
شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي .
فلمّـا قال
المؤذّن : أشهد أنّ محمّداً رسول الله .
التفت من
فوق المنبر إلى يزيد فقال : محمّد هذا جدّي أم جدّك يا يزيد ؟
فإن زعمت أ نّه جدّك فقد كذبت وكفرت ، وإن زعمت أ نّه جدّي فلِمَ
قتلت عترته ؟ قال : وفرغ المؤذّن من الأذان والإقامة وتقدّم
يزيد فصلّى صلاة الظهر([112]) .
فائدة 70
من كلمات أمير
المؤمنين (عليه
السلام)
قال مولانا
أمير المؤمنين (عليه
السلام) :
قرنت الهيبة بالخيبة ، والحياء بالحرمان ، والفرصة تمرّ مرّ
السحاب ، فانتهزوا فرص الخير .
وقال (عليه
السلام)
لابنه الحسن (عليه
السلام) :
يا بني ، احفظ عنّي أربعاً وأربعاً ، لا يضرّك ما عملت
معهن : إنّ أغنى الغنى العقل ، وأكبر الفقر الحمق ، وأوحش
الوحشة العجب ، وأكرم الحسب حسن الخلق .
يا
بني ، إيّاك ومصادقة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك ، وإيّاك
ومصادقة البخيل فإنّه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه ، وإيّاك ومصادقة الفاجر
فإنّه يبيعك بالتافه ، وإيّاك ومصادقة الكذّاب فإنّه كالسراب يقرّب عليك
البعيد ويبعّد عليك القريب .
كلام مولى
الموحّدين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أسد الله الغالب (عليه
السلام)يشعّ
نوراً وهّاجاً لمن أراد الحياة الطيّبة والعيش الرغيد وسعادة الدارين ،
وحقّاً كلماته القدسيّة مشاعل لأهل السير والسلوك ، ولمن أراد نعيم
الحياة ، فما أروع وأعظم هذه الكلمات القصار ، وكلام الإمام إمام
الكلام ، وقد ترجمت كلماته القصار من كتاب ( جنّات الخلود ) باللغة
الفارسيّة ، فمن وصاياه (عليه السلام) :
1 ـ التوكّل على الله سبحانه في الاُمور .
2 ـ التقدّم في السلام .
3 ـ الاجتناب من الكذب .
4 ـ الاجتناب من الغيبة .
5 ـ عدم الحسرة على ما مضى .
6 ـ التقدير في المعيشة .
7 ـ معونة المظلوم .
8 ـ الإيثار على المساكين .
9 ـ الاحتراز عن المزاح .
10 ـ مصاحبة الأخيار .
11 ـ الاستقامة في العمل .
12 ـ التعطّف على الأيتام .
13 ـ العطاء في المقام .
14 ـ الشكر على النعمة .
15 ـ القصور في الشهوة .
16 ـ لا تفرح على المستقبل .
17 ـ التلطّف مع الغرباء .
18 ـ الشفقة على الناس .
19 ـ عيادة المرضى .
20 ـ المخالفة مع النفس .
21 ـ البعد من البخل .
22 ـ الابتعاد من الأشرار .
23 ـ الإصرار على الطاعة .
24 ـ الأدب في الكلام .
25 ـ العفّة والتقوى .
26 ـ العفو مع القدرة .
27 ـ عزّة النفس .
28 ـ البعد عن التكبّر .
29 ـ التأمّل في الجواب .
30 ـ التسرّع في الخير .
31 ـ الصبر في المصائب .
32 ـ الحلم والتأنّي .
33 ـ التفكّر في الاُمور .
34 ـ اجتناب المعصية .
فائدة 71
من أدب التأليف
ينبغي
لسهولة التأليف وحسن التصنيف مراعاة النقاط التالية :
1 ـ الاهتمام بالقواعد الأدبيّة ومراعاة الاُصول اللغويّة .
2 ـ الاجتناب من الكلمات الغريبة والوحشيّة غير المأنوسة
والمألوفة .
3 ـ قصر الجمل يزيد في عذوبة التأليف .
ولكتابة
موضوع ينبغي مراعاة ما يلي :
1 ـ إيجاد الفكرة :
على الكاتب
أن يرسم الموضوع المقصود وكتابته في مخيلته وذهنه ، ثمّ يطالع الموضوع في
جميع حقوله الإيجابية والسلبية ، ويلاحظ ما يوجب النقد ، وما يكون سبباً
للمدح أو القدح ، ويعالج ذلك بحزم وصبر وحسن تدبير .
2 ـ تنظيم الفكرة :
فبعد
إيجادها وملاحظة جوانبها ، لا بدّ من تنظيمها وشدّ بعضها ببعض ، بحيث
يكون البعض الأوّل يمهّد للثاني ، والثاني يشير إلى الثالث ، وهكذا حتّى
ينتهي الموضوع ، وقد أجاد الدخول فيه ، كما أحسن الخروج منه .
3 ـ بيان الفكرة :
بعد
التنظيم والتماسك بين أجزاء الموضوع على الكاتب والمؤلف أن يراعي مستوى القارئ
والمطالع ، فلا يكتب ما لا يفهم أو أخسّ ممّـا يدرك ، بل يراعي شعور من
يكتب لهم .
وعلى
الكتاب أن يراعي الأخلاق الاجتماعية ، ويكون قلمه نزيهاً وعفيفاً ،
فإنّه بحكم القائد ، وعلى القائد مراعاة الآداب العامة والخاصّة .
وإنّما
يكتب عند صفاء الذهن وارتياح البال واستعداد الخاطر ، ويترك القلم والقرطاس
عند التعب ، ويشتغل بما يميل إليه طبعه من الحلال والمشروع ، وبعد
الكتابة عليه أن يطالع ما كتبه لا سيّما يقرأه بصوت عال ، ليرى ويسمع نغمات
الكلمات والجمل ، فإنّ الكاتب الناجح من يجيد النغمات الموسيقية ،
ويحلّق بالقارئ إلى أجواء وآفاق يطرب فيها ، فيقرأ الكتاب بشوق وشغف ،
كما يقف الكاتب على عيوب كتابه فيصلحها ، وفيها فوائد اُخر .
المطالعة
رمز الثقافة ، وبالثقافة السليمة تزدهر الجوامع البشريّة وتتقدّم .
الكتب
وسائل الوصول إلى معرفة سرّ الحياة ، بل هي النوافذ التي تطلّ على حقائق
الحياة ، فالكتب طعام الفكر .
فائدة 72
من مجالس الاُنس
في مجالس
الاُنس والأدب من طرائف الأحاديث وظرائف الكلام يذكر كلمات وجمل لو قلبت تؤدّي نفس
المعنى والحروف .
وإليك بعض
النماذج :
( أرانا الإله هلالا أنارا ) .
( سر فلا كبا بك الفرس ) .
( كلّ في فلك ) .
( ربّك فكبّر ) .
( مودّته
تدوم لكلّ هول *** وهل كلّ مودّته تدوم )
( دام علاء العماد ) .
( كمالك تحت كلامك ) .
( عقرب تحت برقع ) .
( لا بقاء للإقبال ) .
وعليك بصنع
أمثالها لترويض الذهن وتمرين النفس ، وفيها منافع اُخرى .
فائدة 73
أبيات غزليّة
حجبوها
عن الرياح لأ نّي *** قلت يا ريح بلّغيها السلاما
لو
رضوا بالحجاب هان ولكن *** منعوها عند الرياح الكلاما
ــــــــــــــــــ
فتنعّست
ثمّ قلت لطيفي *** آه إن زرت طيفها إلماما
خصّه
بالسلام منّى فأخشى *** يمنعوها لجفوني أن تناما
فائدة 74
تأريخ علم المنطق
علم المنطق
من العلوم الآليّة والعقليّة ، وهو مقدّمة الفلسفة والمباحث الحكميّة ،
وأوّل من جمعه وهذّبه وصنّفه هو المعلّم الأوّل أرسطو طاليس اليوناني ، وبعضٌ
مدح المنطق ، وبعضٌ ذمّه .
فقيل في
مدحه :
عاب
المنطق قومٌ لا عقول لهم *** وليس له إذا عابوه من ضررِ
ما
ضرّ شمس الضحى والشمس طالعة *** أن لا يرى ضوءها من ليس ذا بصرِ
وقيل في
مدح النحو والمنطق :
إن
رمت إدراك العلوم بسرعة *** فعليك بالنحو القديمِ ومنطقِ
هذا
لميزان العقول مرجّحٌ *** والنحو إصلاح اللسان بمنطقِ
وقيل في
مذمّة المنطق :
دع
منطقاً فيه الفلاسفة الاُوَل *** ضلّت عقولهمُ ببحر مغرقِ
واجنح
إلى نحو البلاغة واعتبر *** إنّ البلاء موكّلٌ بالمنطقِ
المنطق في
اللغة مصدر من نطق ينطق بمعنى الكلام والتكلّم ، وفي الاصطلاح :
علم يبحث عن كيفية الاستدلال والتفكير الصحيح وحفظ الذهن من الخطأ ، وبعبارة
اُخرى : آلة قانونية تعصم الذهن عن الخطأ في الفكر مع مراعاتها .
قال
سقراط : المنطق اُمّ العلوم وعصاها وتاجها ، وقد كتب على باب
بستان أكاديمية أفلاطون : لا يردنا من لا يعرف المنطق ، وقد وضعه
وهذّبه أرسطو ، وجعله مقدّمة للفلسفة ، إذ المنطق عنده ليس من
العلم ، بل آلة ينتفع بها ، ولا بدّ منها في تمام العلوم ،
وقيل : جزء من الفلسفة .
وتأريخ
المنطق تأريخ وجود البشر ، لو كان المقصود منه أصل القوّة الإدراكية
والتعقّل .
ولكن دوّن
في زمن أرسطو المعلّم الأوّل ، وكان متناثراً في مصنّفات سقراط
وأفلاطون ، وقيل : أساسه من الشرق ، بل من إيران
بالخصوص . ولكن ممّـا لا شكّ فيه أنّ مدوّنه ومهذّبه هو أرسطو طاليس ،
وقد وضعه ليقابل السوفسطائيين ، فلقّب بالمعلّم الأوّل .
وقد وقع
نزاع بين مؤرّخي الفلسفة في مَن وضع الحجر الأوّل لفنّ المنطق ، ويظهر من
تأريخهم أنّ بعض مباحث المنطق كان بين الفلاسفة قبل أرسطو ، فعند سقراط
التصوّرات ، وعند أفلاطون التصديقات ، وكان سقراط منطقياً كما يظهر ذلك
في محاورات أفلاطون ، ويعترف أرسطو أنّ العلم لا يتكوّن مبانيه آناً
ما ، بل يوضع أساسه استدراجاً ، ثمّ يتكامل .
قيل :
واضع أصل المنطق زنون ، وأرسطو إنّما وضع المقالات ، والذي يظهر أنّ
المنطق بهذا الشكل لم يدوّن قبل أرسطو ، إنّما هو الذي دوّنه وهذّبه ،
إذ معلّم أرسطو أي أفلاطون كان يعتقد في بداية أمره أن لا يدوّن علم المنطق
والفلسفة ، ولا يقف عليهما إلاّ من منح بالعقل السليم ، وله قلب
واع ، ولكن آخر عمره خاف على نفسه من ضياع العلم ، فأخذ يكتب ويدوّن ما
علمه مستعملا طريقة الرمز واللغز ، ولكن أرسطو خالفه منذ البداية في تدوين
العلم ونشره ، وبكلّ صراحة ، إنّما وضع المنطق معلناً لمحاربة
السوفسطائيّة ، وأوّل من حاربهم هو سقراط ثمّ تلميذه أفلاطون ثمّ تلميذه
أرسطو ، فوضع المنطق ودوّنه ونشره بين الناس ليعلّمهم الصحيح من
الباطل ، والرديء من الجيّد في عقائد السوفسطائيّة الذين ينكرون
الحقائق .
ولد أرسطو
عام ( 384 ) قبل الميلاد ، وقيل : كان معاصراً للمسيح (عليه
السلام) ،
ودخل الأكاديمية في عصره وعمره ثمانية عشر سنة ، وكان يعتقد أ نّه سيكون
خليفة اُستاذه ورئيس الأكاديمية من بعده ، ولكن اُستاذه أفلاطون فوّض الأمر
إلى اسپوسيب ، فلم يستذوق أرسطو ذلك فهاجر إلى آسيا الصغيرة ، والملك
المقدوني قلّده تربية ولده اسكندر الفاتح ، ثمّ رجع إلى أثينا وأسّس أكاديمية
رقيبة لتلك الأكاديمية التي تعلّم فيها ، فذاع صيته وفاق أقرانه ،
وانتشرت آراءه في العالم ، برجوع تلامذته إلى أوطانهم وشاعت الفنون السبعة في
البلاد ، وهي : المنطق والنحو والبلاغة والحساب والهندسة والهيئة
والموسيقى . ونالت هذه العلوم الدرجة الاُولى في التربية والتعليم بعد القرن
السادس الميلادي ، في مثل روما واليونان وفرنسا والاسكندرية وإيران .
وقد وضع
أرسطو مجموعة منطقه في ستّة أقسام ، وأضاف عليها رسالتين في الخطابة
والشعر ، فأضحت ثمانية كتب .
وأضاف
فرفروريوس ( 233 ـ 205 م ) على كتاب المنطق مقدّمة سمّـاها
( ايساخوجي ) بمعنى المدخل ، وهي الكليات الخمسة ، فأصبح فنّ
المنطق في تسعة كتب كما عليه الشيخ الرئيس ابن سينا والخواجة نصير الدين
الطوسي . والكتب عبارة عمّـا يلي :
1 ـ ايساغوجي : يبحث عن الكليات الخمس ،
أي : الجنس والنوع والفصل وهي ذاتية ، والخاصّ والعرض العامّ وهي
عرضيّة .
2 ـ قاطيفورياس : في المقولات العشرة ، أي الجوهر
والأعراض التسعة : الكم والكيف والوضع ومتى وأين والجدّة والفعل
والانفعال والإضافة .
3 ـ باريرميناس : كلمتان يونانية الأصل ، بمعنى
تكرار التعبير ، وقيل : بمعنى كتاب العبارة ، يبحث عن مفردات
الألفاظ وانفصالها عن القضايا .
4 ـ انالوطيقا الاُولى : أي التحاليل الأوّلية ،
يبحث فيها عن مقدّمات القياس وأجزائه وإقامة العكوس ، كعكس النقيض وعكس
المستوى .
5 ـ انالوطيقا الثانية ، أو أبودقطيقا : يتضمّن
مباحث البرهان الإنّي واللمّي .
6 ـ طيوبيقا : يبحث عن فنّ الجدل وآدابه .
7 ـ سوفسطيقا : يبحث عن فنّ المغالطة وعلله وأقسامه
وبيان استدلالاته .
8 ـ ريطوريقا : رسالة في فنّ الخطابة .
9 ـ بوطيقا : رسالة في فنّ الشعر .
وقد ترجمت
كتب أرسطو من اللغة الرومية إلى السريانية ، ثمّ إلى العربية ، وبعضها
من اليونانية إلى العربية ، ومن الذين ترجموا تمام المنطق هو أبو نصر
الفارابي المعلّم الثاني ، والشيخ الرئيس أبو علي بن سينا باسم منطق
الشفاء ، والفارابي لخّص المنطق ، ولكنّ الشيخ شرحه ، والفارابي
أضاف على منطق أرسطو الكليات الخمس ، والشيخ أضاف مباحث الألفاظ ،
ويعتبر كتابه من أكبر وأهمّ كتب المنطق .