وقد تغيّر
شكل منطق أرسطو بعد فرفوريس ، فحذفوا المقولات العشرة من المنطق ،
وجعلوها من الفلسفة ، كما جعلوا الحدّ والرسوم من مباحث الكليات الخمس بعدما
كان من مباحث البرهان ، وحذفوا المعكوس من القياس وجعلوها في العبارة ،
وبحثوا في القياس عن مادّته وجعلوها في صناعات خمسة ، ولم يهتمّ حكماء
الإشراق بمباحث الجدل والخطابة والشعر .
وعلماء
الإسلام ترجموا المنطق الأرسطوئي إلى العربية في القرن الثاني من الهجرة النبوية
الشريفة ، وذاع وراج عند الأوروبيين في القرون الوسطى ، وتغيّر شكله من
قبل باكون ، ثمّ وافقه في ذلك ديكارت .
واثنان من
تلامذة ديكارت وهما : آرنولد ونيكول من أعضاء مجمع پرت رويال عام 1667
م وضعا كتاباً في المنطق الجديد ، فتمسّك به الغربيون ليكون منطقهم
الجديد ، وهو يعتمد ويبتني على مبادئ منطق أرسطو ومبادئ باكون وديكارت ويشتمل
على أربعة أقسام :
الأوّل في
التصوّرات .
الثاني في
التصديقات .
الثالث في
البرهان .
الرابع في
( المتد العلمي ) .
والثلاث
لأرسطو ، والرابع لديكارت . وسمّى منطقهم بمنطق پرت رويال باعتبار
المجمع .
وخلاصة
عقائد باكون وديكارت أنّ منطق أرسطو يبحث عن الاُصول الفكرية والتصوّرية
والذهنيات ، وهذا لا يكفي في كشف الحقائق ، بل لا بدّ من التجربة والحسّ
والمشاهدة ، فلخّص منطق أرسطو ، ومن ثمّ انحطّ وهفت عند الغربيين المنطق
القديم ، ولكن اختلف عن الجديد في التعريف والاختصار ، فعند
القدماء : المنطق آلة قانونية تعصم الذهن عن الخطأ في الفكر مع
مراعاتها ، وعند المتجدّدين علم يبحث عن الذهنيّات وقوانينها ، وينقسم
إلى قسمين :
1 ـ نظري ، وفي عالم الذهن ، ويسمّى بالمنطق
الصوري .
2 ـ عملي ، وانطباقه على الأشياء الخارجية ، ويسمّى
بالمنطق المادّي ، أو تطبيق المنطق ، أو المنطق الخاصّ .
وأمّا
الاختلاف في الحذف والاختصار والتقديم والتأخير ، فحذفت مباحث الألفاظ في
المنطق الجديد على ما كان في المنطق القديم ، كما حذف بحث التمثيل واختصر في
مباحث القضايا وأقسامها والعكوس ، وجعلت المغالطة والجدل من أقسام الفلسفة
ومباحث ما وراء الطبيعة ، كما اُدخل فنّ الخطابة والشعر في الأدب .
فائدة 75
من مطالعاتي
كتاب
( زندگى آلبرت آنشتاين ) ، بقلم : فريمن ، وترجمة
عليرضا شكوري ـ فارسي .
كتاب يبحث
عن حياة العلاّمة المشهور في الرياضيات والفيزياء ، واشتهر في نظريّته
( النظرية النسبية ) من المهد إلى اللحد ، وأدوار حياته ، وإنّه
كان دوماً يفكّر ويطالع بلا وقفة ، ويوحي إلى المطالع ذلك ويشدّد عزمه على
المطالعة المتواصلة ، فإنّ الإنسان لا يصل إلى المقام الشامخ إلاّ بشقّ
الأنفس وخوض اللجج وسفك المهج ، ومن طلب العلى سهر الليالي ، وطالعت
الكتاب خلال يوم واحد ، لعلاقتي بمطالعة حياة العباقرة في كلّ علم وفنّ وحقل
من حقول الحياة والعلم والعمل([113]) .
14 / ذي الحجّة / 1396
فائدة 76
أهمّ المذاهب
الفلسفية
1 ـ المذهب المشائي :
يبتني على
الاستدلال العقلاني والبرهان العقلي ، فإنّ فلسفتهم في حركة ومشي في مقام
الاستدلال .
من أعلامه
في القديم : أرسطو طاليس المعلّم الأوّل مدوّن المنطق ، ثمّ الشيخ
الرئيس أبو علي بن سينا .
ومن فلاسفة
الغرب الجدد : ديكارت المتولّد 1650 ميلادي ، واسپينوزا المتولّد
1677 م ، ولايبنتس المتولّد 1716 م .
2 ـ المذهب العرفاني والشهودي :
أهل
الإشراق والذوق يرون عجز العقل في مقام كشف الحقائق ، إنّما طريقتهم في ذلك
من خلال صيقلة القلب حتّى يكون كالمرآة تنطبع فيها حقائق الأشياء ، فمن طريق
الباطن والشهود الباطني يبغون كشف الواقعيات الكونية وما وراء الكون .
من
أعلامه : محيي الدين العربي المتولّد 638 المعروف بالشيخ
الأكبر ، ومن القدماء : أفلاطون الحكيم .
ومن فلاسفة
الغرب : پاسكال المتولّد 1662 م ، وبركسون المتولّد 1941 م .
3 ـ المذهب الإشراقي :
يجمع بين
الطريقتين ، بين البرهان العقلاني والذوق العرفاني ، فيعتقدون أنّ كشف
الحقائق إنّما هو بالإشراق على القلوب ، بعد القطع عن ملاذ الدنيا والزهد
فيها .
ومن
أعلامه : شيخ الإشراق ومبتكر طريقتهم الشيخ شهاب الدين السهروردي
المتولّد 587 ، وينسب إلى أفلاطون وفيثاغورث هذا المذهب أيضاً ، وعندهم
المعرفة العرفانية مقدّمة على المعرفة العقليّة ، فإنّهم بالمجاهدة أوّلا
يصلون إلى كشف الحقائق ، ثمّ يقيمون البرهان العقلاني على ذلك ، كما
يستشهدون بالنصوص الشرعيّة .
4 ـ المذهب المتعالي والحكمة المتعالية :
يجمع بين
العقل والدين والذوق العرفاني ، فهو معجون من المذاهب الفلسفية
الاُخرى ، مع معاضدته بالأدلّة النقلية والنصوص الشرعية من الآيات الكريمة
والروايات الشريفة .
ومن أعلامه
ومؤسسه صدر المتألّهين الشيرازي ، ويعتقد أن لا اصطدام بين الدين
والعقل ، فإنّ الأوّل هو الحجّة الظاهرية أي الأنبياء والأوصياء ،
والثاني الحجّة الباطنية ، وكلاهما من مصدر واحد ، من الله العليّ
الحكيم ، فكيف يكون بينهما تعارض واختلاف ، بل كلّ واحد يعاضد
الآخر ، وتبّت لفلسفة تعارض الشرع المقدّس .
وبنظري هذا
غير تامّ ، وخلاف المصطلحات الفلسفية ، فإنّ الفيلسوف محبّ الحكمة في
بداية مسيرة فلسفته وطريقته الفلسفية ، إنّما عليه أن يجرّد نفسه من كلّ مذهب
وطريقة ، حتّى يأمل أنّ عربة الفلسفة سوف توصله إلى الواجب الوجود
لذاته ، ثمّ الرسول والرسالة والمعاد وغير ذلك من العقائد الدينية ،
وإلاّ فإنّه يشترك مع المتكلّم ويدخل في وادي علم الكلام ، ويخرج عن كونه
فيلسوفاً ، فإنّ المتكلّم هو الذي يبحث عن المبدأ والمعاد وما بينهما من خلال
الأدلّة العقليّة والنقليّة ، فلو كان الفيلسوف الإسلامي يستدلّ بالقرآن
والسنّة ، فإنّه يخجر عن مصطلح الفلسفة ، فلا داعي أن يستدلّ على
المطالب الفلسفية العقلانية بالشرعيات ، وإن كان العقل يوافق الشرع ، بل
تحت إمرته وحكومته . وكلّ ما حكم به العقل السليم حكم به الشرع
المقدّس ، ولكن هذا لا يعني أن نخلط بين الفلسفة والدين ، وهناك من
فقهاء الدين الإسلامي من ينكر الفلسفة غاية الإنكار ، حتّى منهم من يعتقد
بنجاستهم لو استلزم قولهم إنكار الضروري من الدين ، كالقول بوحدة الوجود
والموجود ، ولا يخفى أنّ من يدافع عن الفلسفة والفلاسفة
سرعان ما يقول : إنّ هؤلاء الذين أنكروا الفلسفة لم يفهموها ،
والناس أعداء ما جهلوا ، فالفقيه عندهم جاهل بالفلسفة ، ومن ثمّ يحاربها
وينكرها ، ولكنّ الأمر ليس كما يقولون ، بل من ينكر عليهم بعد معرفتهم
ودركهم وحضور محافلهم ودراساتهم ، ويرى الرشد والصواب في مخالفتهم وإنكارهم ،
فتدبّر([114]) .
فائدة 77
من عظمة أمير
المؤمنين (عليه
السلام)
يقول
الخليل بن أحمد البصري ـ المتوفّى 175 ـ واضع علم العروض
واُستاذ سيبويه ـ في حقّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ـ :
احتياج الكلّ إليه ، واستغناؤه عن الكلّ ، دليل على أ نّه إمام
الكلّ .
وسئل
أيضاً : ما هو الدليل على أنّ علياً (عليه السلام) إمام
الكلّ في الكلّ ؟ فقال : احتياج الكلّ إليه ، وغناه عن
الكلّ .
يقول الفخر
الرازي ـ المتوفّى 606 ـ في تفسيره([115]) ، في
تفسير سورة الفاتحة وقوله بالجهر وإقامة الأدلّة على ذلك : فالدليل
السابع : أنّ الدلائل العقلية موافقة لنا ، وعمل عليّ بن أبي طالب
(عليه
السلام)
معنا ، ومن اتّخذ علياً إماماً لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه
ونفسه .
ويقول
الشيخ محيي الدين العربي ـ المتوفّى 638 ـ في الباب السادس([116]) :
فلم يكن أقرب إليه قبولا في ذلك الهباء إلاّ حقيقة محمّد (صلى الله عليه وآله) المسمّاة
بالعقل ، وأقرب الناس إليه عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) إمام
العالم وسرّ الأنبياء أجمعين .
ويقول ابن
أبي الحديد ـ المتوفّى 655 ـ في شرح الخطبة 85 من نهج
البلاغة ، حيث يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في الأئمة الأطهار من
آل محمّد (عليهم
السلام) :
« بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيّكم وهم أزمّة الحقّ وأعلام الدين وألسنة
الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردّوهم وردّوا إليهم
العطاش ... » .
فقال :
فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن تحته سرّ عظيم ، وذلك أ نّه أمر المكلّفين
بأن يجرّوا العترة في إجلالها وإعظامها والانقياد لها والطاعة لأوامرها مجرى
القرآن .
قال :
فإن قلت : فهذا القول منه يشعر بأنّ العترة معصومة ، فما قول
أصحابكم في ذلك ؟
قلت :
نصّ أبو محمّد بن متويه في كتاب الكفاية : على أنّ علياً معصوم ،
وأدلّة النصوص قد دلّت على عصمته ، وأنّ ذلك أمر اختصّ هو به دون غيره من
الصحابة([117]) .
فائدة 78
سعادة النفس عند
الفارابي
قال
الفارابي المعلّم الثاني([118]) ،
عن سعادة النفس :
السعادة هي
أن تصير نفس الإنسان من الكمال في الوجود إلى حيث لا تحتاج في
قوامها إلى مادّة ، وذلك أن تصير في جملة الأشياء البريئة عن الأجسام ،
وفي جملة الجواهر المفارقة للموادّ ، وأن تبقى على تلك الحال دائماً
أبداً .
هذا وقد
ذكرت تفصيل كلام الحكماء وغيرهم ، وكذلك الآيات والروايات حول السعادة
والسعداء في كتاب ( السعيد والسعداء بين القدماء والمتأخّرين ) ،
وهو مطبوع سنة 1398 ، فراجع .
فائدة 79
آثار الغدد في بدن
الإنسان
من الواضح
أنّ بدن الإنسان يضمّ جوارح ظاهرية وجوانح باطنية ، لكلّ منهما آثارها
الخاصّة ، ولا ينكر تأثيرها المباشر وغيره في حياة الإنسان وأشغاله وأعماله
اليومية ، فبعضها تغذّي الألياف وتؤمّنها ، وبعضها تتحكّم في جري الدم
وتنظيمه ، وبعضها تتلقّى الاوكسجين وتدفع ثاني أوكسيد الكاربون ، فالبدن
يحتوي على أعضاء كثيرة ، لكلّ واحد وظيفته الخاصّة وعمله الخاصّ ، إلاّ
أ نّه نرى أنّ من بين الأعضاء والجوانح مع قلّة وزنها ولحمها وهيكلها له
الأثر البالغ في تمام البدن ، وفي حياة الإنسان ، والعيش رهين عمله
المنظّم كالغدد ، فإنّ لها ترشّحات داخلية ترتّب الأعضاء وتنظّم
فعاليتها ، ولها ترشّحات تسمّى بالهرمونات ، واعتدال الصحّة وحكومة
التناسب المعقول في البدن ، إنّما يكون من خلال حسن عمل تلك الغدد ،
وإذا حصل الخلل في ترشّحاتها ، أو نقصها ، فإنّه يحصل التدهور الصحّي
والإفراط أو التفريط في تناسب الأعضاء ، وتظهر عوارض شديدة تؤثّر في المزاج
المعتدل .
فلا بدّ
لنا من معرفة هذه الغدد وترشّحاتها ، وإذا اختلّت في تنظيمها ، لا بدّ
من الإقدام السريع والمعالجة السريعة لإعادة صحّتها وسلامتها ، ومن هذا
المنطلق اهتمّ العالم الطبّي بهذه الغدد ، وجعل لها اختصاصات ودراسات قائمة
بنفسها ، باسم معرفة الغدد ( docrinologie ) ومطالعات وبحوث مفصّلة تدور حول هذه المعرفة .
ونشير
إجمالا إلى بعض هذه الغدد ، من باب ( العلم بالشيء خيرٌ من الجهل
به ) ، و ( أعلم الناس من جمع علوم الناس إلى
علمه ) ، و ( خذ من كلّ علم لبّه ) ،
فمنها :
1 ـ هيپونيز : وهذه الغدّة على قدر الفندقة ،
وزنها غرام واحد تقريباً ، تنقسم إلى ثلاث قطع :
أوّلها
القدّامية : وأثرها رشد العضو ونموّه ، وتجذب الدهون وتساعد على
ترشّح الغدّة الترقية والبيضة والكلى على العمل .
الوسطية :
وأثرها حفظ الماء في البدن على نهج ثابت مستقيم .
الخلفية :
وأثرها تقوية العضلات والكيس الصفراوي والمثانة .
2 ـ الترقية ( تروئيد ) : وزنها تقريباً ثلاث
غرامات ، وآثارها تعديل ضربان القلب والتسريع في التبديل الغذائي ،
وتنظيم ميزان كولسترول الدم .
3 ـ تيموس : في الطفل غرام واحد تقريباً ، تؤثّر
على رشد وتنمية الجسد ، وإلى ثلاث سنوات يزداد وزنها ، ومن بعدها تقلّ
تدريجاً ، وتنعدم في السنّ العشرين([119]) .
فائدة 80
العقدة النفسيّة
من المباحث
في علم النفس بحث ( العقدة النفسيّة ) ، فإنّ المصاب بالأمراض
النفسيّة ، ترجع غالباً إلى عقد داخلية ، تركّزت في الضمير
اللاشعوري ، والمعالج النفسي لا بدّ أن يفكّ تلك العقد ، حتّى يتعالج
المريض ، فلا بدّ من معرفة ( العقدة ) فإنّها مجموعة من الأفكار
والذكريات المصطبغة بصبغة انفعالية مؤلمة ، والمكبوتة في اللاشعور .
وخلاص المبتلى بها على طريقة فرويد هو في إبرازها بمكوّناتها للشعور وإدماجها
فيه ، وقلب اللاشعوري إلى الشعوري ببيانها وذكرها ، فاللاشعور يحتوي على
الذكريات المؤلمة منذ الطفولة ونعومة الأظفار ، وعلى النزعات التي لا تنسجم
مع تقاليد الحياة وآدابها المعترف بها .
ومن البيان
المختصر في العقد : إنّه من العقد الشائعة المعروفة بعقدة النقص
والحقارة ( Inferiority Complex ) ، ومنشؤها الأصلي تكرار النقد والإذلال وكلّ ما يؤدّي
إلى الشعور بالنقص ، كقرع الآباء لأبنائهم أمام الآخرين ، والتنبيه في
غير محلّه ، والزيادة في التنبيه أكثر من حجم الجريمة وما تستحقّها ،
وما شابه ذلك ، فإنّه يكبت ذلك في خبايا الضمير اللاشعوري ، ويترتّب
عليه الظهور بمظهر الذلّة والخضوع ، أو الظهور بمظهر العظمة .
فائدة 81
التأريخ لغةً
واصطلاحاً
ما هو
التأريخ لغةً واصطلاحاً ؟
قيل في
تعريفه : هو الوقت .
وقيل :
هو قلب التأخير .
وقيل :
مشتقّ من أرخ ، وهو في اللغة ولد البقر الوحش .
والتفعيل
قد يأتي للإزالة ، والتأريخ بمعنى إزالة الجهالة في مبدأ شيء ووقت
صدوره .
وقيل :
التأريخ لغةً بمعنى الغاية ، يقال : فلان تأريخ قومه أي ينتهي
إليه شرفهم ، فمعنى قولهم : فعلت في تأريخ كذا : فعلت
في وقت الشيء الذي ينتهي إليه .
وقيل :
هو ليس بعربي ، فإنّه مصدر المؤرّخ وهو معرب ( ماه روز ) ،
وذلك أ نّه كتب موسى الأشعري وكان من قبل عمر حاكماً في اليمن ،
أ نّه تأتينا منك صكوك محلّها في شعبان وما ندري أيّ الشعبانين هو الماضي أو
الآتي ؟ فجمع عمر الناس للمشورة ، وكان فيهم ملك أهواز اسمه
الهرمزان ، وقد أسلم على يده حين اُسر ، فقال : إنّ لنا
حساباً نسمّيه ماه روز ، أي حساب الشهور والأيام ، وشرح لهم كيفية
استعماله ، فصوّبوه وعرّبوا ( ماه روز ) بقولهم :
مورّخ .
وأمّا في
الاصطلاح فهو تعيين يوم ، ظهر فيه أمر شائع من ملّة أو دولة ، أو حدث
فيه هائل كزلزلة وطوفان ، لينسب إليه ما يراد تعيين وقته في مستأنف الزمان أو
في مستقدمه .
ولمّـا كان
أشهر الأجرام السماوية النيّرين ـ الشمس والقمر ـ اعتبر
الاُمم في موضع الشهور والسنين دورهما ، وأكثرهم اعتبروا في وضع الشهور دور
القمر ، وفي وضع السنين دور الشمس المقتضي لعود حال السنة بحسب الفصول ،
لكنّهم لم يعتبروا عودة القمر في نفسه ، بل عودته إلى الشمس القريبة من عودته
في نفسه ، ليكون استنارة القمر في أوائل الشهور وأواسطه وأواخره ، بل في
جميع أجزائها على نسق واحد ، ثمّ لمّـا كان عودة الشمس في اثني عشر شهراً
قمرياً تقريباً ، قسّموا السنة اثني عشر قسماً ، وسمّوا كلا منها شهراً
مجازاً ، وركّبوا اثني عشر شهراً قمرياً ، وسمّوها سنة على
التشبيه .
ولم يكن
للمسلمين بعد وفاة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) تأريخ في حوادثهم
واُمورهم .
وكان قبل
الإسلام بين الأعراب عدّة تواريخ ، كتأريخ بناء الكعبة ، وتأريخ رئاسة
عمرو بن ربيعة وهو الذي وضع عبادة الأصنام في العرب ، وكان هذا التأريخ
متداولا به إلى عام الفيل ، ثمّ صار عام الفيل مبدأً .
فلمّـا حدث
التباس بعض الاُمور في زمان عمر ، جمع الناس ليختاروا لحوادثهم
تأريخاً ، فأشار بعض اليهود إلى تأريخ الروم فلم يقبله لما فيه من
الطول ، وبعضهم إلى تأريخ الفرس فردّه لعدم استناده إلى مبدأ معيّن ،
فإنّهم كانوا يحدّدونه كلّما قام ملك لهم أو طرحوا قبله .
فاستقرّ
رأيهم على تعيين يوم من أيامه عليه الصلاة والسلام لذلك ، ولم يصلح وقت المبعث
لكونه غير معلوم ، ولا وقت الولادة لاختلاف فيه ، فقيل إنّه ولد ليلة
الثاني أو الثامن أو الثالث عشر من شهر ربيع الأوّل سنة أربعين أو اثنين وأربعين
أو ثلاث وأربعين من ملك أنوشروان إلى غير ذلك من الأقوال ، ولا وقت الوفاة
لتنفّر الطبع منه ، فجعل مبدأ الهجرة من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة
بإشارة من أمير المؤمنين علي (عليه السلام) كما دلّت عليه
الأخبار([120]) .
فائدة 82
العطسة
عن الكافي([121]) ،
بسنده عن : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن بعض
أصحابه ، رواه عن رجل من العامّة ، قال : كنت اُجالس أبا عبد
الله (عليه
السلام) ،
فلا والله ما رأيت مجلساً أنبل من مجالسه .
قال :
فقال لي ذات يوم : من أين تخرج العطسة ؟
فقلت :
من الأنف .
فقال
لي : أصبت الخطأ .
فقلت :
جعلت فداك ، من أين تخرج ؟
فقال :
من جميع البدن ، كما أنّ النطفة تخرج من جميع البدن ، ومخرجها من
الإحليل .
ثمّ
قال : أما رأيت الإنسان إذا عطس نفض أعضاءه ، وصاحب العطسة يأمن
من الموت سبعة أيام([122]) .
فائدة 83
مسلم بن عقيل (عليه
السلام)
ماذا
أقول ؟ وماذا أكتب ؟ وكيف أجول في ميادين
الكلمات ؟ ومن أندب ؟ وأيّ فضيلة من الفضائل أذكرها ،
وخصلة من الخصائل اُبيّنها ، وبمَ اُعطّر الأجواء ، واُنوّر
الأرجاء ، فبعد برهة من الزمن ، ومن بين الملامح والمحن ، خطر على
بالي ، وتبادر إلى ذهني ، أن اُطيّب النفس والروح بعطر يفوح بذكر شخصية
بارعة وعبقرية ساطعة ، فضائله جمّة ، ومكارمه قمّة ، سجّلها
التأريخ البشري بقلم نوري في صفحات مشرقة ، وسطور لامعة ، ألا وهو سفير
سيّد الشهداء الحسين بن علي (عليه السلام) ، ذلك البطل
المغوار والسيف البتّار مسلم بن عقيل الذي قلّ له من مثيل ، الذي جنّد نفسه
بسلاح العلم والصلاح والتقوى والفلاح ، وتلبّس بالشجاعة والبطولة ،
ولدته الفحولة ، وتربّى في أحضان الفضائل ، وتغدّى من ثدي
الجلائل ، ونال وسام شرف الشهادة ، وتوسّم بعزّة الشهامة ، وكان
أوّل شهيد في موكب الأنوار سيّد الشهداء وآله الأطهار ، فأيّ المكارم
أذكرها ، نسبه الطاهر ، أم خلقه الباهر ، أم شجاعته ومواقفه
المشرّفة ، ليس لي من حيلة ، ولا من وسيلة سوى الاعتراف بأنّ اللسان
يكلّ عن بيان فضائله ، والقلم يعجز عن شرح محامده ، فهذا مسلم بن
عقيل ، شهيد الكوفة وسفير الحسين (عليه السلام) .
فائدة 84
جدّنا الخامس
جدّنا
الخامس هو :
فخر الدين
بن سعد الدين بن المرتضى بن فخر الدين بن محمّد بن أميرة بن عماد الدين بن معين
الدين بن شمس الدين بن اميره بن شمس الدين بن المرتضى بن علي علاء الدين النقيب
بالري وقم ( اُمّه بنت عم السلطان سنجر السلجوقي 13 ) بن السيّد الجليل
عزّ الدين يحيى الشهيد بأمر خوارزم شاه تكش وقبره مزار بطهران يعرف اليوم بإمام
زاده يحيى في سوق الحاج أبي الحسن معمار باشي وقد ألف الشيخ الجليل منتجب الدين بن
بابويه الفهرس باسمه الشريف فراجع أوّله وعزّ الدين يحيى ابن نقيب النقباء بالعراق
شرف الدين أبو الفضل محمّد بن أبي القاسم علي عزّ الدين ابن شرف الدين أبي الفضل
محمّد ابن الأجلّ المرتضى ذي الفخرين نقيب النقباء أوحد الدنيا في الفضل والنبالة
أبي الحسن الزكي المطهّر ولي النقابة بالري وكان متكلّماً فاخراً مترسلا شاعراً
قرأ على شيخ الطائفة في سفر الحجّ كما في الفهرس اُمّه سكينة بنت الحسين بن محمّد
بن علي بن القاسم بن علي عبد الله بن الإمام الكاظم (عليه
السلام)
ثمّ المطهّر هذا ابن أبي القاسم علي الزكي نقيب قم وقبره بها ابن أبي جعفر
محمّد النقيب بقم ولي النقابة بالري في زمن علاء الدولة كاكويه وكان فاضلا كريماً
واسع النفس شريف الأئمة مات بالري ونقل إلى بلدة قم وقبره مشهور مزار يعرف عند
الناس بسلطان محمّد شريف في محلة جهار مردان من محلات بلدة قم وسلطان محمّد شريف
هذا ابن علي أبو القاسم النقيب ابن محمّد أبي جعفر النقيب الرئيس بقم ابن أبي
القاسم أبي الحسن حمزة الأكبر القمي النقيب الرئيس انتقل إليها من طبرستان ابن
أحمد الرخ ( الدخ ) اُمّه بنت عبد الله بن محمّد الأرقط المتوفّى سنة 347
وأحمد الرخ هذا ابن محمّد الأكبر اُمّه واُمّ أخيه الحسين زينب بنت عبد الله
الأعرج بن الحسين الأصغر ثمّ محمّد الأكبر هذا ابن إسماعيل الديباج الأكبر زميل
الرضا (عليه
السلام)
في سفر طوس اُمّه اُمّ سلمة بنت الإمام الباقر (عليه السلام) والديباج
هذا ابن أبي عبد الله محمّد الأرقط المحدّث بالمدينة المشرّفة
أقطعه السفّاح عين بن خالد عاش ثماني وخمسين سنة وهو ابن أبي محمّد عبد الله
الباهر المتولّي على صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير
المؤمنين (عليه
السلام)
وهو ابن الإمام مولانا سيّد الساجدين عليه الصلاة والسلام .
نقلت هذا
من كتاب ( مشجّرات آل الرسول (صلى الله عليه وآله) ) لسيّدنا
الاُستاذ آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي (قدس سره) ،
وكان من أشهر النسّابين في عصره ، وهذا كتابه من أفضل ما كتب في النسب ،
وقد صرف من عمره الشريف خمسين عاماً عليه ، كما ذكر ذلك في وصيّته ، وقد
كتبت حياته في كتاب ( قبسات ) ، وطبعته مكتبته العامة للمرّة
الثالثة ، فراجع .
فائدة 85
تعريف علم النفس
ترجم علم
النفس من ( Psychology ) ، وهو مشتقّ من كلمة يونانية ويتركّب من كلمتين كما
في العربية ( علم + النفس ) أو الروح .
وكان أرسطو
يعتقد أنّ النفس جوهر مجرّد ( أي غير مادة ) ، وفي عمله وفعّاليته
يفتقر إلى الجسد .
ثمّ إنّ
الحكماء والقدامى بحثوا عن تجرّد النفس وكيفية ارتباطها بالبدن ،
وما هي القوى التي تكون في حيطة إرادتها ؟
وهل تنفكّ
الروح أو النفس عن الجسد ؟
ولو فني
الجسد فأين تذهب الروح ؟
وغير ذلك
من المطالب الفلسفية .
ثمّ كان
لتحقيق العلماء في هذا الوادي جانب فلسفي عقلاني دون الواقع العيني والثبوت النفس
الأمري ، وكان العلماء قليلي المباحث والتجربة في المطالب النفسيّة ،
ولم يكن لهم المعيار الدقيق لمعرفة أفكار الإنسان واختلاف النظريات ، وكانت
دراساتهم محدودة وقليلة المحتوى .
ثمّ افترق
علم النفس عن الفلسفة ، وأصبح له رجاله وأهله ، وبحثوا عن النفس أكثر
تعمّقاً وتبحّراً ، واتّجهوا إلى اتّجاهين ، منهم من قال بوجود خاصّ
للروح أو النفس ، وتركوا البحث عن ماهية النفس وحيقتها ، إنّما صبّوا
المباحث حول تحقيق آثار وأعمال النفس . ومنهم من لم يرَ للروح وجوداً
مستقلا ، بل ذهبوا إلى أنّ النفس أو الروح إنّما هو نتيجة الأعمال
الميكانيكية في المخّ ، أو سيادة الدماغ ، ونتيجة الأعمال الذهنية من
فعل وانفعالات الدماغ وسائر المراكز العصبيّة .
ومنهم من
يرى علم النفس بمعنى الدراسات الخاصّة في الحالات النفسية من التوصيف الدقيق
للنفسانيات من باب العلم الاستقرائي للحياة .
وقيل :
علم النفس عبارة عن مطالعة الفعّاليات والانفعالات الروحيّة .
وقال
ويليام جيمس : علم النفس عبارة عن شرح وتوضيح الحالات الخاصّة التي
يدركها كلّ امرئ من قبيل الأحاسيس والإدراكات والتعقّل والتصميم والعواطف
والميول ، ولا بدّ في هذه الحالات أن نعرف العلل والشرائط والنتائج الفورية
لها .
وقيل :
علم النفس يعني مطالعة الإنسان الفردي كلّياً في جميع حالاته العامة والخاصّة ،
من قبيل الحالات البدنية والعاطفية والاجتماعية والعقلانية والفنّية والأخلاقية
وغير ذلك .
وأمّا
موضوع علم النفس فقيل إنّه :
1 ـ طبيعة الأفكار والأحاسيس وأنواعها واختلافها .
2 ـ معرفة أهداف هذه الإحساسات والأفكار في الحياة .
3 ـ معرفة الطرق في ارتباط هذه الأفكار والإحساسات مع أعمال الدماغ
أو المركز العصبي .
وقيل :
الموضوع هو الاطلاع على اُمور مخصوصة الناتجة من الحالات النفسية مثل الدقّة ما
هي ؟ وما حدّ الخوف ؟ ومقدار صلاحيّته في الحياة ،
وغير ذلك من شرح الحالات الروحية وآثارها في الطبيعة وارتباطها بالخلايا
العصبيّة .
وقيل :
موضوع علم النفس هو الخواطر النفسيّة كلّها ، خيرها وشرّها ، لوليد صغير
أو فيلسوف كبير ، فكلّ ما لدينا من ميول ورغبات وعواطف وانفعالات وغرائز
وإحساسات وأخلاق وعادات وشعور ووجدان وذكر وخيال ، كلّ اُولئك مباحث لعلم
النفس([123]) .
فائدة 86
وحدة الجسم والنفس
إنّ نواحي
النشاط الإنساني فيسيولوجية وعقليّة في وقت معاً ، فالجسم والنفس وحدة لا
تتجزّأ ، فالداء يصيب الغدّة الدرقيّة ، والورم يصيب المخ ، قد
يسبّب انحرافاً في العقل أو الأخلاق ، كما أنّ اضطراب العاطفة كثيراً ما يفضي
إلى أذىً في المعدة أو في الشرايين .
إنّ الجسم
السليم يحيا في هدوء وسكينة ، فلا نحسّ به وهو يعمل عمله ، ولجميع
الأعضاء أعصاب حسّاسة ترسل إشارات صامتة ، أي أسفل المخ ، وهذه الإشارات
الباطنيّة تضفي على الحياة معاني وألواناً مختلفة فتشعرنا حين نشرف على المرض بقرب
وقوع مكروه ، وهي إذا صدرت عن أعضاء سليمة تملأ نفوسنا سعادة هي متعة الحياة
ولذّتها .
فالمحافظة
على الصحّة واكتسابها تتطلّب إرادة المعرفة وإرادة العمل والصحّة بالضرورة أمر
خاصّ ، لا يمكن أن تشتريه من طبيب أو صيدلي ، بل على المرء أن يفوز بها
ببذل عناية دائمة ، وجهد لا ينقطع .
فائدة 87
معاني العقل
قيل :
للعقل سبعة معان اصطلاحية :
1 ـ العقل الفسلفي .
2 ـ العقل الاُصولي .
3 ـ العقل المديري .
4 ـ العقل المنطقي .
5 ـ العقل السياسي .
6 ـ العقل الديني .
7 ـ العقل الإصلاحي ، بمعنى ما فيه ملاك الصلاح
والفساد .
وفي علم
النفس يبحث عن المعنى السابع ومعرفة كيفية رشده ، وهو عبارة عن التحذّر
والمعرفة والتلقين والتمرين .
وقد ذكرنا
هذه العقول بالتفصيل في كتابنا ( ما هو العقل ؟ ومن هم
العقلاء ؟ أو العقل والعقلاء ) ، فراجع .
فائدة 88
جوهريّة العقل
العقل ليس
شيئاً مادياً يمكن ملاحظته ولمسه بطريقة مباشرة ، بل هو جوهر خاصّ .
وكان الفلاسفة في قديم الزمان يتصوّرون أنّ الإنسان مكوّن من جوهر مادّي وجوهر
عقلي ، وأنّ عقل الإنسان منفصل كلّيةً عن جسمه ، وكانوا يعتقدون أنّ
الجواهر المادّية ممكن الإحساس بها وسماعها ، أمّا الجواهر العقلية ( MentalSubstances ) فلا تشغل حيّزاً من المكان ولا يمكن ملاحظته ، ولقد
عكف الفلاسفة وعلماء النفس القدامى على دراسة العلاقة بين الأفكار والأشياء أو بين
العقل والجسم ، فالمعروف أنّ لكلّ شيء مادّي مثل الحجر أو النار فكرة ،
هي فكرة النار أو فكرة الحجر ، ولقد توصّل بعض هؤلاء الكتّاب إلى وجود تفاعل
( Interaction ) بين العقل والمادّة ، فالفكرة من الممكن أن تؤثّر في
المادّة ، بل إنّ هناك بعض الفلاسفة حدّدوا مكاناً معيّناً في المخ تقع فيه
هذه التفاعلات بين المادّة والفكرة ، ولقد زعموا على وجه التحديد أنّ هذا
المكان هو الغدّة الصنوبريّة ( Pmeal Body ) حيث يحدث التفاعل بين العقل والجسم ، وكانت تعرف هذه
الفكرة باسم فكرة التفاعلية ( Interactionism ) .
وكان هناك فلاسفة آخرون يرون أنّ العقل والجسم
منفصلان ومستقلاّن تمام الاستقلال ( Completegy
Independent ) ،
وأ نّه بالصدفة البحتة أن تسير
الاُمور
الجسمية مع الاُمور العقلية في الفرد ، بالضبط كما تسير ساعتان في نفس
الاتجاه وتتحرّك إحداهما بالوقت الذي تتحرّك به الاُخرى ، دون أن أن يكون
لأيّ منهما تأثيراً على الاُخرى ، أي رغم استقلال كلّ منهما عن
الاُخرى ، وكانت هذه الفكرة تعرف باسم فكرة التوازن ( Parallelism ) .
وظلّت هذه المشكلة ـ مشكلة العلاقة
بين العقل والجسم ـ قائمة ، وظلّ كلّ جيل من المفكّرين يأتي لكي
يدلو بدلوه فيها ، دون أن يستطيع أحد أن يزعم أ نّه تمكّن من ملاحظة
الأحداث العقلية ملاحظة مباشرة ، ولكن حتّى الآن لا يمكن دراسة العقل نفسه
دراسة علمية تجربيّة دقيقة .
وقد يتصوّر البعض أنّ المحلّل في العلاج النفسي
إنّما يستطيع قراءة الأفكار في المريض والاطلاع على مكوّنات عقله ومحتوياته ،
ولكن في الواقع إنّه لا يلاحظ إلاّ سلوك المريض . وهنا قد يزعم البعض الآخر
بأنّ الجرّاح هو الذي يستطيع أن يرى العقل عندما يفتح دماغ الإنسان ويطّلع على
محتويات مخّه ، ولكنّ الواقع أيضاً خلاف ذلك ، فإنّه عندما يفتح دماغ
الإنسان لا يرى إلاّ خلايا وألياف عصبية ودماً ، ولكنّه لا يرى
الأفكار ، وهنا قد يتصوّر البعض أيضاً أ نّنا نستطيع أن نعرف فيما يفكّر
الفرد عن طريق تصوير موجات المخ ( Brain Waves ) ، وذلك عن طريق الأجهزة الألكترونية الحديثة ،
ولكنّ الموجات التي تحدث في المخ عبارة عن تغيّرات في التيّارات الكهربائية
الموجودة في المخ وليست أفكاراً .
وقد يزعم البعض أ نّنا نستطيع أن نعرف
فيما يفكّر الفرد على ضوء ملاحظة سلوكه([124]) .
فائدة 89
الغضب لله سبحانه
من كلام
لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) لأبي ذرّ الغفاري :
( يا أبا ذر ، إنّك غضبت لله ) .
الغضب إذا
كان لله فهو من الغضب الممدوح ، فأبو ذر ذلك الصحابي الجليل عرف الحقّ وعرف
أهله ، فدافع عنهم دفاعاً مستميتاً ، وحارب الطغاة والجبابرة في
عصره ، وأعلن غضبه على فراعنة زمانه ، ولم يبالِ بالموت وقع عليه أم وقع
على الموت ، فالهدف نصرة الحقّ ، ولو بسفك المهج ، وعليّ (عليه
السلام)
مع الحقّ والحقّ مع عليّ (عليه السلام) .
والإنسان
الرسالي في بعض الأحيان حينما يريد أن يصل إلى أهدافه المقدّسة ، وعلّة
خلقته ، وفلسفة حياته ، لا بدّ أن يبذل النفس والنفيس ويتحمّل المصائب
والمتاعب ، كما نرى في صدر الإسلام ، فإنّ من الصحابة الكرام من قضى
نحبه ، ومنهم من ينتظر .
ويكفيك
شاهداً أبو ذر جندب الغفاري ، فإنّه خير مصداق للنفوس القدسية ، فإنّه
حارب معاوية ومن قبله من الجائرين ، وحينما خُيّر في نفيه بين أحبّ البلاد
إليه وأبغضها ، فإنّه قال : أحبّ البلاد المدينة المنوّرة بلد
إسلامي وديني ، وأبغضها ( ربذة ) بلد الكفر آنذاك وقد ولد
فيها ، وكان فيها كافراً ، فهي أبغض البلاد ، ( فحبّ الوطن من
الإيمان ) لا بمعنى الوطن الذي يلد فيه ، فإنّ ذلك عند أبي ذر من أبغض
البلاد ، لا أحبّها .
فلمّـا
خُيّر اختار المدينة ، إلاّ أ نهم نفوه عنها إلى ربذة أبغض البلاد لأبي
ذرّ آنذاك ، فتحمّل المصائب مع اُسرته في البيداء ومات غريباً ، كلّ ذلك
بعين الله ، وإنّ للظالمين يوماً عسيراً ، فالمؤمن الرسالي يتحمّل كلّ
شيء من أجل دين الله وحبّه ، وحبّ أوليائه الكرام ، وهل الدين إلاّ
الحبّ والبغض .
فائدة 90
من خطبة الزهراء (عليها
السلام)
في من لا
يحضره الفقيه ، عن جابر الأنصاري ، عن زينب بنت علي (عليهما
السلام) ،
قالت : قالت فاطمة (عليها السلام) في خطبتها في معنى
فدك :
لله بينكم
عهد قدّمه إليكم ، وبقيّة استخلفها عليكم : كتاب الله بيّنة
بصائره ، وآي منكشفة سرائره ، وبرهان منجلية ظواهره ، مديم للبريّة
استماعه ، وقائد إلى الرضوان اتباعه ، مؤدّياً إلى النجاة أشياعه ،
فيه تبيان حجج الله المنوّرة ، ومحارمه المحذورة ، وفضائله
المندوبة ، وجمله الكافية ، ورخصه الموهوبة ، وشرائعه
المكتوبة ، وبيّناته الجالية .
ففرض الله
الإيمان تطهيراً من الشرك ، والصلاة تنزيهاً عن الكبر ، والزكاة زيادةً
في الرزق ، والصيام تبييناً للإخلاص ، والحجّ تسنية للدين ، والعدل
تسكيناً للقلوب ، والطاعة نظاماً للملّة ، والإمامة لمّاً للفرقة ،
والجهاد عزّاً للإسلام ، والصبر معونةً على الاستيجاب ، والأمر بالمعروف
مصلحةً للعامّة ، وبرّ الوالدين وقايةً عن السخط ، وصلة الأرحام منماة
للعدد ، والقصاص حقناً للدماء ، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة ،
وتوفية المكاييل والموازين تعييراً للحنيفيّة . وقذف المحصنات حجباً عن
اللعنة ، والسرقة إيجاباً للعفّة ، وأكل أموال اليتامى إجارةً من
الظلم . والعدل في الأحكام إيناساً للرعيّة .
وحرّم الله
اشرك إخلاصاً بالربوبية .
فاتّقوا
الله حقّ تقاته فيما أمركم الله به ، وانتهوا عمّـا نهاكم عنه([125]) .
هذا وقد
تصدّى جماعة من علمائنا الأعلام لبيان وشرح كلمات سيّدة النساء فاطمة الزهراء (عليها
السلام)
في خطبتيها الكبرى والصغرى ، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً .
فائدة 91
معرفة الهيئة والتشريح
قيل :
من لم يعرف الهيئة والتشريح فهو عنين في معرفة الله تعالى .
وتعريف علم
التشريح بأ نّه : علم يبحث فيه عن أعضاء الإنسان وكيفية
تركيبها ، فموضوعه أعضاء الإنسان ، وغايته اُمور متعدّدة :
منها معرفة كمال صنعه تعالى ، وسهولة معرفة أسباب الأمراض وتيسّر التداوي([126]) .
وعلم
التشريح يعدّ أساس ومقدّمة علم الطبّ ، فمن لم يعرف التشريح فهو ناقص في
طبّه .
فائدة 92
المثل الأفلاطونية
قال صدر
الدين الشيرازي : إنّ لكلّ صورة محسوسة صورة معقولة من نوعها ،
وهي صورة ذاتها وماهيّتها عند الله ، وهي المسمّـاة بالمثل
الأفلاطونية ، أعني صور علمه تعالى بالأشياء التي عجزت العقلاء الذين جاؤوا
من بعده عن إدراك هذه المثل النورية على وجهها ، والتصديق بوجودها ، ما
خلا المعلّم الأوّل ، فإنّه ربما مال إلى صحّة القول بها في بعض كتبه([127]) .
والمثل
الأفلاطونية تبتني على الفلسفة النورية كما عند الإيرانيين القدماء ، وعند
الإشراقيين من الفلاسفة .
فائدة 93
أسباب نكث بيعة
مسلم
لقد كتب
كثير من أهل الكوفة آلاف من الكتب ، قيل : 18 ألف ، وفي
رواية اُخرى 25 ألف ، يدعونه ليكون لهم إماماً ، ولكن نكثوا بيعة مسلم
بن عقيل وقاتلوه ، كما خرجوا لحرب سيّد الشهداء (عليه السلام) ،
ويرجع سبب هذا التراجع والخيانة والغدر ونكث البيعة إلى أسباب يذكرها
التأريخ ، منها اجتماعية ، ومنها جغرافية وتأريخية ، ومن أهمّ
الأسباب اُمور ثلاثة :
1 ـ حبّ الدنيا والأموال ، وكثير من الشواهد التأريخية تدلّ
على ذلك كقول القائل الذي اشترك في قتل سيّد الشهداء (عليه السلام) :
املأ ركابي فضّةً وذهباً .
2 ـ كره القتال والجهاد ، كقصّة عبيد الله ، وخروجه من
الكوفة والتقائه مع سيّد الشهداء في شمال الكوفة .
3 ـ التلوّن والتغيّر والنفاق ، كالكاهل الذي كان في حرب
صفّين بجنب أمير المؤمنين مدافعاً عنه ، وفي بداية الأمر كان مع الحسين (عليه
السلام) ،
ولكن سرعان ما تلوّن وتغيّر حتّى حارب الحسين (عليه السلام) وحمل أحد
رؤوس الشهداء إلى الكوفة .
فائدة 94
الخلق الحسن
سند غريب
وخبر عجيب : من كتاب سلك الدرر في نظم الأثر ، مجموعة أخلاقية
لناظمها العلاّمة الشيخ جعفر بن الحسين الصبوري القمّي([128]) :
وفي
الخصال جاءنا حدّثنا أبو الحسن *** حدّثه أبو الحسن حدّثه أبو الحسن
عن
الحسن عن الحسن وبعده عن الحسن *** لأحسن الحسن هو الإكمال للخلق الحسن
أبو الحسن
الأوّل ، هو محمّد بن عبد الرحيم التستري . والثاني ، علي بن أحمد
البصري التمّـار . والثالث ، عليّ بن محمّد الواقدي .
والحسن
الأوّل ، حسن بن عرفة العبدي . والثاني ، حسن بن أبي الحسن
البصري . والثالث ، الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما
السلام) .
عن الحسن
عن أبي الحسن عن جدّ الحسن : أنّ أحسن الحسن الخلق الحسن .
فائدة 95
وعاء العلم
قال أمير
المؤمنين علي (عليه
السلام) :
كلّ وعاء يضيق بما جُعل فيه ، إلاّ وعاء العلم ، فإنّه يتّسع به([129]) .
وقال لكميل
بن زياد : يا كميل ، إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها([130]) .
وقال الله
تعالى :
( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى
قَلْبِكَ )([131]) .
( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإنَّهُ
نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ )([132]) .
والإنسان
الكامل ذو النفس الناطقة الكاملة ، وهو النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله
عليه وآله)قلبه
أوسع القلوب ، فجمع العلم كلّه في قلبه ، والعلم هو القرآن
الكريم ، وقلب الإنسان وعاء يتّسع بسعة العلم ، والعلم لا نهاية
فيه ، ولمثل هذا قال الله تعالى لنبيّه :
( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً )([133]) .
والعالم منهوم
لا يشبع ، كلّما ازداد نميراً وعلماً ، ازداد شوقاً وعشقاً في طلب
العلم ، ولا بدّ من سنخية بين العلم ووعائه والمتغذّي للعلم ، ولمّـا
كان نور العلم مجرّداً ، فكذلك وعائه نفس الإنسان كانت مجرّدة ، ولا تقف
النفس الناطقة في حدّ ، بل هي في زيادة ورفعة واستعلاء ، وبهذا تجرّد
النفس فوق التجرّد عن الماهيّة والمادّة ، ولمّـا لم تنفد كلمات الله
الوجودية ، لا تقف النفس المجرّدة الناطقة عن كسبها وتقبّلها لهذه
الكلمات ، فتدنو حتّى تكون خليفة الله سبحانه ، قاب قوسين أو
أدنى .