(  وَإنْ تُطِعْ أكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إنْ يَتَّبِعُونَ إلاَّ الظَّنَّ وَإنْ هُمْ إلاَّ يَخْرُصُونَ  )([226]) .

             فالعقيدة الصحيحة إنّما تبتنى على العلم والقطع واليقين ، ولمثل هذا لا بدّ في اُصول الدين من الاجتهاد ، ولا يصحّ فيه التقليد كما أفتى به الفقهاء العظام([227]) .


فائدة  180

تقسيم  الأدلّة  في  القرآن  الكريم

             تنحصر الأدلّة ابتداءً في قسمين  : العقلي والنقلي ، ويسمّى بالسمعي أيضاً ، وأشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى  :

             (  وَقَالُوا لَوْ كُـنَّا نَسْمَعُ أوْ نَعْقِلُ مَا كُـنَّا فِي أصْحَابِ السَّعِيرِ  )([228]) .

             (  أمْ تَحْسَبُ أنَّ أكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أوْ يَعْقِلُونَ  )([229]) .

             (  فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا  )([230]) .

             فكلّ دعوى لا بدّ لها من دليل ، إمّا عقلي وهو نتيجة العقل والتعقّل ويعبّر عنه بالقلب أيضاً ، أو دليل سمعي نقلي يكون بالآذان والاستماع .

             هذا هو التقسيم الأوّلي للدليل ، وهناك تقاسيم ثانوية كما هو مذكور في محلّه .


فائدة  181

تهذيب  أخلاقي  قرآني

             القرآن يدعو الإنسان إلى تهذيب أخلاقه ، ويريه الطريق في مقام التهذيب ، مثلا ، يقول للإنسان في مقام الخيال والفكر لا تظنّ السوء  :

             (  إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ  )([231]) .

             إلاّ أ نّه يبتلى الإنسان بظنّ السوء ، فحينئذ أن لا يرتّب الأثر على ظنّه ، أي يأخذ أمام فعالية الظنّ ويميته في النطفة ، فلا يرتّب آثار الظنّ التي منها التجسّس ، فلا يتجسّس ، فإنّ الإنسان عندما يظنّ السوء بطبيعته يتجسّس ، فقال سبحانه  : (  وَلا تَجَسَّسُوا  ) . إلاّ أ نّه لو تجسّس لغلبة الهوى والنفس الأمّارة بالسوء ، فيمنعه أن يرتّب الأثر على ذلك ، بأن يستغيب ، فإنّ من آثار التجسّس الاستغابة ، فيكشف ما تجسّس عنه ، فقال عزّ وجلّ  :

             (  وَلا يَغْـتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً  ) .

             فما أعظم القرآن الكريم في تعاليمه القيّمة وآدابه السامية ، وبهذا يعلّمنا كيف نهذّب أنفسنا ، حتّى نكون من السعداء .


فائدة  182

أنا  شيعي بالقرآن

             القرآن أكبر برهان ودليل للمؤمن ، والشيعي في عقائده الحقّة يستدلّ بالقرآن ، وهو حجّة على كلّ مسلم ، وكلّ مسلم بصريح القرآن لا بدّ أن يكون شيعياً ، فالمسلم هو الشيعي والشيعي هو المسلم ، فالشيعي يتّبع في عقائده وأحكامه وفقهه وسلوكه مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، ويكفي في صحّة مذهبه وعقيدته أنّ يتمسّك بهذه الآيات الثلاثة  :

             إنّما اتّبع أهل البيت (عليهم السلام) لأنّ الله طهّرهم وعصمهم ، بقوله تعالى  :

             (  إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً  )([232]) .

             فأئمتنا مطهّرون بخلاف أئمة الناس .

             وإنّما اتّبع مذهب أهل البيت لأ نّهم السابقون في كلّ حقّ ، فأوّل من أسلم كما قالوا  : هو أمير المؤمنين (عليه السلام)  :

             (  وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * اُوْلَئِكَ المُـقَـرَّبُونَ  )([233]) .

             وأئمتنا عاشوا في القرن الأوّل بخلاف أئمة المذاهب الأربعة ، فما لكم كيف تحكمون  ؟ فهل بعد الحقّ إلاّ الضلال  ؟

             وإنّما اتّبع أهل البيت (عليهم السلام) لأنّ الله قال  :

             (  وَفَضَّلَ اللهُ الُمجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أجْراً عَظِيماً  )([234]) .

             فأئمتنا ما منهم إلاّ مقتول أو مسموم ، فاستشهدوا في سبيل الله ، ولكن الأئمة الأربعة ، لم يكن واحد منهم شهيداً .

             وبمثل هذه الآيات الكريمة ، والاستدلال الواضح والمقبول والقاطع عند كلّ مسلم منصف ، أنا شيعي إمامي أتبع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) حبل الله وسفن النجاة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً .


فائدة  183

القرآن  والصلاة

             هناك علاقة وطيدة بين القرآن والصلاة ، ففي أكثر من سبعين آية يشير القرآن إلى الصلاة في قوله تعالى  :

             (  أقِيمُوا الصَّلاةَ  ) .

             كما أنّ في الصلاة عليك أن تقرأ القرآن ، فإنّه لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب ، وقد جُمع القرآن كلّه في سورة الحمد ، كما جمع القرآن بين تلاوته وبين إقامة الصلاة بقوله تعالى  :

             (  اتْلُ مَا اُوحِيَ إلَيْكَ مِنَ الكِتَابِ وَأقِمِ الصَّلاةَ  )([235]) .

             (  إنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأقَامُوا الصَّلاةَ  )([236]) .

             فالقرآن من الصلاة والصلاة من القرآن ، وكلاهما من الله الواحد الأحد .


فائدة  184

مراحل  العبادة  في  القرآن

            من الناس من يعبد الله شكراً لنعمائه  :

             (  فَـلْـيَـعْـبُدُوا رَبَّ هَذَا الـبَـيْتِ * الَّذِي أطْعَمَهُمْ مِنْ جُوع وَآمَـنَهُمْ مِنْ خَوْف  )([237]) .

             ومنهم من باب إقامة الذكر والاُنس ، كما في الحديث الشريف  : « أنا جليس من ذكرني »  :

             (  وَأقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي  )([238]) .

             ومنهم من باب عبادة القرب  :

             (  وَاسْجُدْ وَا قْـتَرِبْ  )([239]) . آية السجدة فيجب السجود لمن قرأها أو سمعها .


فائدة  185

عبادة  الطيور  في  القرآن

             كلّ ما في هذا الكون الرحب يسبّح لله ، ولكنّ الإنسان لحجاب الغفلة والذنوب لا يفقه تسبيحه . والله سبحانه يقول  :

             (  أ لَمْ تَرَ أنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّات كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ  )([240]) .

             فالطيور لها عبادة وتسبيح وصلاة ، وإنّها تعلم ما تقول في صلاتها، فالعصفور يصلّي ويعلم ما يقول في صلاته ، ولكن كثيرٌ من الناس لا يعلم ما يقوله في صلاته ، فهو في سهو وغفلة وفي فكر وخيال غير الصلاة يفكّر في كلّ شيء إلاّ الصلاة  :

             (  فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ  )([241]) .

             (  يَا أ يُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأنْتُمْ سُكَارَى  )([242]) .

             (  فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ  )([243]) .


فائدة  186

في  رحاب  حديث  النقطة([244])

             جاء في الخبر الشريف عن مولانا أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) أ نّه قال  : كلّ ما في القرآن هو في البسملة ، وكلّ ما في البسملة هو في باء البسملة ، وكلّ ما في الباء هو في النقطة ، وأنا تلك النقطة .

             وجاء في الخبر الشريف أيضاً  : الحقيقة نقطة كثّرها الجاهلون .

             حديث النقطة يُعتبر من الأحاديث الصعبة المستصعبة التي لا يتحمّلها إلاّ ملَك مقرّب أو نبيٌّ مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان ، يُعتبر من أسرار آل  محمّد (عليهم السلام) ، ورشحة من رشحات سرّ الولاية ، ولاية عليّ بن أبي طالب ، حصن الله الحصين الذي من دخله كان آمناً ، كما من دخل حصن التوحيد وكلمة لا إله إلاّ الله كان آمناً من عذاب الله سبحانه ، ومن كلّ شين وألم وسقم وأمراض روحية ومن الصفات الرذيلة .

             حديث النقطة بحر زاخر ، وقمر زاهر ، وشمس مضيئة ، وكواكب زاهية ، في سماء العلم والفضيلة يعجز القلم عن بيانها ، ويكلّ اللسان عن تبيانها ، ولكن نغترف من عذب مناهلها غُرفة لنروي النفوس المتعطّشة لمعرفة الحقائق والمعارف الإلهيّة .

             فالرواية الشريفة تشير إلى أنّ كلّ العلوم والفنون من الأوّلين والآخرين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّما هي عند مولى الموحّدين وأمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين وسيّد الأوصياء المنتجبين أسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، فلا رطب ولا يابس إلاّ في كتاب مبين ، أي إمام مبين ، وقد علّمه الله سبحانه علم ما كان وعلم ما يكون ، والخير كلّه في القرآن الكريم وكلّ ما في القرآن هو في عليّ العيلم العليم .

             وأمّا شرح الحديث  : فإنّ النقطة بين الحروف والأعداد لا نظير لها ، وكلّها تحصل وتوجد وتتكوّن منها ، فإنّ الألف والواحد هو الخطّ المستقيم بين النقطتين ، فبداية الحروف والأعداد ونهايتهما هي النقطة ، كما أنّ النقطة في علم الهندسة والأشكال مركز الدائرة ، والدائرة أبسط الأشكال ، فهي مرجعها كما أنّ الألف مرجع الحروف ، والواحد مرجع الأعداد ، فتدبّر .

             وأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) نوره المبارك من نور الله ومتّحد مع نور النبيّ محمّد  (صلى الله عليه وآله) كما اتّحد نور الأئمة بنورهما فكلّهم نور واحد ، وهم (عليهم السلام) أفضل جميع الممكنات وأشرف خلق الله ، وليس لهم نظير في عالم الإمكان ، فهم العلّة بأقسامها للممكنات ، فأوّل ما خلق الله نور محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وأوّلنا محمّد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد ، وكلّهم محمّد كما أوّلهم عليّ وأوسطهم عليّ وآخرهم عليّ وكلّهم عليّ ، ونورهم من نور الله سبحانه وعليّ نقطة دائرة الإمكان ومركزها ومحورها وقطب حركتها ، فعليّ قلب العالم وسلطانه والحافظ والواسطة في الفيوضات على الممكنات ، من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فهو الصادر الأوّل بعد النبيّ المختار وهو إمام الكلّ في الكلّ ، وهو باب الله المبتلى به الناس ، من أتاه نجى ، ومن تخلّف عنه غرق وهوى ، فهو مفتاح مشيّة الله واستفاضة فيضه المطلق بعد نبيّه الأكرم ، بيُمنه رُزق الورى وبوجوده ثبتت الأرض والسماء ، فهو الأوّل في المخلوقات بعد الرسول الأعظم ، وهو الآخر وهو الظاهر في فضائله ، وهو الباطن في أسراره .

             وبوجه آخر  : النقطة مركز ، وعليّ مركز الحقّ ، كما قال النبيّ الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله)  : عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور حيثما دار ، فمن كان من شيعته كان مع الحقّ ومن ركب سفينته نجا ومن تخلّف غرق وهوى .

             وبوجه آخر  : مرجع الحروف ومآلها النقطة ، وظهور العلم بالحروف ، فمرجع المعارف الإلهية ومآل العلوم والفنون والفضائل والمكارم هو عليّ (عليه السلام) كما هو مرجع حساب الخلائق وبصكٍّ منه يعبر على الصراط ، كما ورد في خبر الفريقين .

             وبوجه آخر  : النقطة ميزان في العلوم والفنون ، وأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)ميزان الأعمال ، فالسلام عليك يا ميزان الأعمال ، فهو الميزان القويم بين الحقّ والباطل ، وهو الفاروق الأعظم وهو الصراط المستقيم ، فصراط عليّ حقّ نمسكه .

             ومن لم يتمسّك بحبل الله ويعتصم بولاية عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فهو من الخاسرين في الدنيا والآخرة ومأواه جهنّم وبئس المصير .

             وبوجه آخر  : من النقط تعرف أسرار الحروف ، ومن عليّ (عليه السلام) تعرف أسرار المعارف الحقّة والأحكام المستحكمة ، فهو الهادي ولكلّ قوم هاد ، فهو سرّ الله وآية  الله ومظهر لأسمائه وصفاته ، وهو يد الله وعينه كما قالها عمر بن الخطّاب في قصّة الرجل الذي كان ينظر إلى امرأة أجنبية في حرم النبيّ فصفعه أمير المؤمنين على وجهه فجاء إلى عمر يطالب بالقصاص فأجابه  : عين الله رأت ويد الله ضربت .

             وهذه معرفة عمريّة سُنّية ، فكيف بالمعرفة العلوية الشيعية ، فتدبّر .

             وقالوا  : إنّ للنقطة باعتبار اختفائها بالصور الألفية ـ  إذ الألف مركّب من نقاط متوالية متلاحقة والحروف مركّبة من الألف  ـ وظهور النقطة بها ثلاث مراحل ومراتب  :

             الاُولى  : قبل الامتداد ـ  فإنّ النقطة عندما تمتدّ يتكوّن الألف  ـ وهي المرتبة الإجمالية الاتّحادية وهي مرتّبة لا يظهر أعيانها وهي عبارة عن المرتبة النورانية الثابتة للإمام (عليه السلام) على ما هي مذكورة في الأخبار والآثار .

             الثانية  : ابتداء النفس بإيجاد أعيان الحروف حال تعيّناتها في مخارجها ، وهذا تشبيه لكون الإمام (عليه السلام) واسطة بين الخالق والمخلوق في جميع الفيوضات الربّانية وكونه (عليه السلام) حافظاً للشريعة السماوية السمحاء ، وهادياً للاُمّة والبشرية وقلبه عبارة عن المشكاة التي فيها مصباح والمصباح كما في الحديث الشريف  : نحن أوعية مشيّة الله إذا شئنا شاء ولا نشاء إلاّ أن يشاء الله ، وفي الزيارة الجامعة الكبيرة  : السلام على محال مشيّه الله ، والسرّ في المعنى المذكور ظاهر إذ تلك التعيّنات إشارة إلى مقام إقبال المعصوم إلى الخلق لإصلاح اُمور دينهم ودنياهم .

             الثالثة  : المرتبة الحسّية برسم النقطة وامتدادها في رسم الحروف ، وهي إشارة إلى كونه (عليه السلام) مظهر العالم الملكي المسمّى بعالم الحسّ والشهادة فتظهر أسماء الله وصفاته الكمالية وتبرز في وجوده الشريف .

             والرابعة  : كونه (عليه السلام) مظهر الفيض الأقدس والعالم الناسوتي وظهوره في الظواهر الكمالية الإنسانية عكوس الأسماء الإلهيّة .

             وقد جاء في الحديث الشريف  : بسم الله الرحمن الرحيم ، أقرب إلى الأسم الأعظم من سواد العين إلى بياضها ، وقد ورد في معناه وجوه كثيرة  : كقولهم البسملة هي عين الاسم الأعظم إمّا بهذا الترتيب أو بترتيب آخر مخزون عند أهله ، ولكن ترتيب آثارها مشروط بشروط لا يتّفق اجتماعها إلاّ عند أهلها كالأنبياء والأوصياء والأولياء .

             وقالوا: الاسم الأعظم كما ورد في بعض الأخبار عبارة عن وجود الإمام(عليه السلام)وشدّة قرب الأئمة الأطهار (عليهم السلام) إلى البسملة في غاية الوضوح والثبوت كما يشهد به آية (  فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى  )([245]) .

             والنقطة هي وجود الإمام (عليه السلام) والبسملة أقرب إلى النقطة من حيث المعنى من سواد العين إلى بياضها .

             وهل تعلم أنّ الحروف الأبجدية لها أعداد خاصّة مسطورة في كتب العلوم الغريبة ، وعليّ حسابه بالأبجد مائة وعشرة ، إذ العين سبعين واللام ثلاثين والياء عشرة فتلك مائة وعشرة ، ثمّ جميع الأعداد والأسماء للمخلوقات مرجعها بعد حساب خاصّ إلى مائة وعشرة وهذا يعني أنّ مرجع الأسماء كلّها إلى اسم عليّ ، وكيف لا ترجع المسمّيات إلى مسمّـاه الشريف كما أنّ مرجع الأعداد من الواحد إلى ما لا نهاية إلى عدد مائة وعشرة وهو عدد اسم علي المبارك الذي اشتقّ من العلي .

             وهذه المقامات الشامخة في الحقيقة العلوية إنّما هي من الحقيقة المحمّدية فإنّه  (عليه السلام) قال  : علّمني رسول الله ألف باب ، وقال  : أنا عبد من عبيد محمّد ـ  من علّمني حرفاً صيّرني عبداً  ـ وقال الرسول الأعظم خاتم النبيّين محمّد (صلى الله عليه وآله)  : أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها .


فائدة  187

من  هم  نوّاب  صاحب  الزمان  (عليه السلام)  في  زمن  الغيبة  ؟([246])

             لمولانا صاحب الزمان وإمام العصر الحجّة الثاني عشر المهدي من آل محمّد ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) غيبتان  : الصغرى والكبرى ، فكانت الشيعة الإمامية في زمن الغيبة الصغرى ترجع إلى نوّاب الإمام الأربعة فهم الواسطة  :

            أوّلهم  : أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري .

             وثانيهم  : أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري ، وكان نائباً للإمام بمدّة خمسين عاماً ، توفّي سنة 304 أو 305 هجري قمري .

             وكان الأب والابن من وكلاء الإمامين العسكريين عليّ الهادي والإمام الحسن العسكري (عليهما السلام) .

             والشيخ أحمد بن إسحاق القمّي يسأل الإمام الهادي  : إلى من يرجع في أخذ معالم دينه  ؟ فيقول له الإمام (عليه السلام)  : « هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ما قاله لكم فعنّي يقوله وما أدّاه إليكم فعليّ يؤدّيه » .

             وعندما سئل الإمام العسكري عن ذلك فأجاب  : « هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّى إليكم فعنّي يؤدّيه » .

             وقال لبعض الشيعة  : « اشهدوا على أنّ عثمان بن سعيد العمري وكيلي ، وأنّ ابنه محمّداً وكيل ابني مهديّكم » .

             وقال (عليه السلام)  : « العمري وابنه ثقتان ، فما أدّيا إليك فعنّي يؤدّيان ، وما قالا لك فعنّي يقولان ، فاسمع لهما وأطعهما فإنّهما الثقة المأمونان » .

             ثالثهم  : أبو القاسم حسين الروح النوبختي ، توفّي سنة 326 هـ .

             ورابعهم  : عليّ بن محمّد السمري ، توفّي سنة 329 . فانقطعت الغيبة الصغرى وصدر آخر توقيع من الإمام الحجّة المنتظر (عليه السلام) قائلا  : « بسم الله الرحمن الرحيم ، يا عليّ بن محمّد السمري ، أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيام فاجمع أمرك ولا توصي إلى أحد ... » .

             وبدأت الغيبة الكبرى وأرجع الإمام (عليه السلام) شيعته إلى الفقهاء الذين يجمعون شرائط خاصّة وأمر بأن نكذّب كلّ من يدّعي الرؤية أو السفارة أو أ نّه باب المولى ، بل على العوام أن يقلّدوا من الفقهاء الجامع لهذه الشرائط في قوله (عليه السلام)  : « أمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلّدوه وذلك لا يكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة » .

             وقال (عليه السلام)  : « أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا إلى رواة أحاديثنا » الذين يعرفون الحلال والحرام ويستنبطون الأحكام الشرعية الفرعية من أدلّتها التفصيلية وهم الفقهاء الكرام والآيات العظام رحم الله الماضين وأسكنهم فسيح جنّاته وحفظ الباقين ورعاهم بعينه .


فائدة  188

أبده  البديهيّات([247])

             القضايا كلّها إمّا نظريّة وإمّا بديهيّة ، فليست كلّها بديهية كما ليست كلّها نظرية ، لاستحالة ذلك أو عدم وقوعه ، ويشهد عليه الوجدان ، وحينئذ النظريات في مقام الاستدلال تنتهي إلى البديهيات والضروريات ، واُمّهاتها سبعة ، فجميع الاستدلالات العقلية وحتّى النقليّة ترجع إليها ، وهي  :

             1 ـ مبدأ العلّية والمعلولية بما فيها من امتناع تقدّم المعلول على العلّة وعدم انفكاكهما وسنخيّتهما .

             2 ـ مبدأ استحالة اجتماع النقيضين وارتفاعهما مع توفّر شرائط الاتحاد الثمانية أو العشرة كوحدة الموضوع والمحمول والزمان والمكان والرتبة والشرط والإضافة والجزء والكلّ والقوّة والفعل والحمل ، كما لا بدّ من الاختلاف بين القضيّتين المتناقضتين في الكمّ والكيف والجهة ، فمع تخلّف إحدى هذه الوحدات أو عدم توفّر الاختلاف في واحد من هذه الثلاث لا يمنع العقل من إمكان الاجتماع أو الارتفاع ، فما كتبه الماركسيون حول صراع المتناقضات فإنّه من الخلط بين جميع النقيض إلى النقيض واجتماع النقيضين حيث لم يحسنوا التفرقة بينهما كما لم يحسنوا التفرقة بين
الضدّ والنقيض . فإنّ الضدّين يمكن ارتفاعهما في الضدّ الثالث كارتفاع السواد والبياض في اللون الأحمر بخلاف النقيضين فإنّه لا يمكن ارتفاعهما كما لا يمكن اجتماعهما كالإنسان واللاإنسان ، وكذلك أصحاب نظرية النسبة أتباع آينشتاين حول إمكان اجتماع النقيضين على أساس من نظريّتهم النسبية مع أنّ صدق النظرية النسبية لا تبطل استحالة اجتماع النقيضين لفقد شرط الإضافة فيها .

             3 ـ مبدأ استحالة اجتماع الملكة وعدمها ، وارتفاعهما مع توفّر قابلية الحمل ، فمن له شأن الملكة كالعمى والبصر في الإنسان .

             4 ـ امتناع اجتماع الضدّين ، فإنّهما أمران وجوديان لا يمكن اجتماعهما مع توفّر الشرائط كالبياض في السواد .

             5 ـ مبدأ استحالة الدور ، فإنّه من توقّف الشيء على نفسه ، وإنّه يلزم المحاذير كأن يكون الشيء الواحد متقدّماً ومتأخّراً في آن واحد من جهة واحدة أو موجوداً ومعدوماً وغير ذلك كتوقّف النهار على وجود الشمس وبالعكس .

             6 ـ مبدأ استحالة التسلسل في العلل والمعلولات ، كتوقّف البيضة على الدجاجة والدجاجة على البيضة وهكذا إلى ما لا نهاية ، فيلزم المستحيل ، ويدلّ على بطلانه مثل دليل التطابق كما في الفلسفة .

             7 ـ مبدأ استحالة الخلف حيث يلزم خلال الفرض في القياس كما في علم المنطق .

             وبنظري جميع الاستدلالات تنتهي إلى قاعدة ( اجتماع النقيضين وارتفاع النقيضين محال ) وهي من أبده البديهيات ، فهي الاُمّ والمقصد والحجّة الذاتية في كلّ النظريات والبديهيات وفي كلّ العلوم والفنون ، ولا يشكّ فيها إلاّ السوفسطائي والمجنون .


فائدة  189

لمحة  من  تأريخ  الخطّ  العربي([248])

             كان في قديم الزمان الخطّ المعقّل هو الخطّ المتداول بين الناس ، وأفضله أن يمتاز البياض من السواد وكان مسطّحاً ولم يكن فيه الدور ، وإليه ترجع الخطوط ، ثمّ وضع الخطّ الكوفي وأفضله ما كتبه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) سدسه دوري وما بقي مسطّحاً حتّى زمان أبي علي محمّد بن علي بن مقلة المتولّد سنة 328 هـ  اخترع خطّ الثلث والتوقيع والرقاع والمحقّق ، وأبدع في الخطّ عليّ بن هلال المشهور بابن البوّاب المتولّد سنة 414 هـ  صاحب المدرسة الجديدة في الخطّ وله القصيدة الرائية في معرفته وآلات الخطّ وحتّى عصر المعتصم العباسي المتولّد سنة 656 هـ  الخليفة الثامن والثلاثين من بني العباس برز قبله الكتّاب جمال الدين أبو المجد ياقوت بن عبد الله المستعصمي المتولّد سنة 696 أو 698 هـ  ق فتبع ابن البوّاب ملك الكتّاب وأبدع في الخطّ ، ثمّ تغيّر بري القلم وقطّه محتجّين بقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حيث قال في تعليم الخطّ  : ( أطِل حَلقة القلم وأسمنها وأحرف القطّ وأيمنها فإن سمعت صليلا كصليل المشرقي ـ  وهو سيف حادّ له صوت عند حركته في الهواء ينسب إلى صانعه  ـ وإلاّ فعُد لقطّه ) .

             والخطّ تابع للقلم في بريه وقطّه ، وهذا ما فعله ابن مقلة فأجاد في الخطّ ، وترجّح خطّه على ابن بوّاب ، فواضع اُصول الخطوط هو ابن مقلة على الدائرة والنقطة ، وتنتهي أنواع الخطوط إلى اُصولها الستّة ، وأصل الخطّ من النقطة ، وأمّا الأنواع الستّة فهي  :

             1 ـ الخطّ المحقّق  : سمّي بذلك لأنّ ربعه دور وما بقي من المسطّح فهو قريب من الكوفي والمعقلي ويقدّم على الخطوط والخطّاط لا بدّ في تعلّمه الخطّ أن يبدأ بهذا الخطّ أوّلا فحقّ عليه أن يتعلّمه حتّى يتحقّق له اُصوله وقواعده .

             2 ـ خطّ الثلث  : سمّي بذلك لأنّ من عرفه فقد عرف ثلث الخطوط أو أنّ النسخ تابع له كما أنّ الريحان تابع للمحقّق فإنّ اُصولهما واحدة .

             3 ـ خطّ التوقيع  : سمّي بذلك لأنّ نصفه من المدوّر والنصف الآخر من المسطّح وتواقيع المحاكم وسجلاّتها كانت تكتب بهذا الخطّ فسمّي بالتوقيع .

             4 ـ خطّ الرقاع  : سمّي بذلك لأنّ الرقاع والرسائل كانت تكتب بهذا الخطّ .

             5 ـ خطّ الريحان  : سمّي بذلك لشباهته بنبت الريحان .

             6 ـ خطّ النسخ  : سمّي بذلك لأنّ أكثر الكتب كان يكتب بمثله فكأ نّما نسخ الخطوط الاُخرى .

             وزاد بعض ( خطّ الطومار ) ولكن في أصل الوضع ستّة باعتبار الجهات الستّة ، فلا تخرج منها فلو كتب الخطّ بقلم قوي كان ( طوماراً ) وإن كان بقلم رفيع يكون ( غباراً ) ولكلّ من هذه الأنواع الستّة اُصولا وقواعد جمعها قبلة الكتّاب جمال الدين الياقوتي في بيت من الشعر  :

صول وتركيب ، كراس ونسبة *** صعود وتشمير ، نزول وإرسال

             وقال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)  : « اعلم أنّ حسن الخطّ مخفيٌّ في تعليم الاُستاذ ، وقوامه في كثرة المشق وتركيب المركّبات ، وبقاؤه على المسلم في ترك المنهيات ومحافظة الصلاة ، وأصله في معرفة المفردات والمركّبات » .

             وقيل  : أوّل من كتب العربية هو آدم أبو البشر (عليه السلام) ، وبعد طوفان نوح وفي عصر إسماعيل ذبيح الله ظهر الخطّ العربي ، وقيل  : ينسب الخطّ العربي إلى إدريس النبيّ (عليه السلام) .

             وقال خاتم النبيّين محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)  : من أحسن كتابة بسم الله الرحمن الرحيم دخل الجنّة .

             وقال  : « الخطّ نصف العلم » .

             وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)  : « عليكم بحسن الخطّ فإنّه من مفاتيح الرزق » .

             وقيل  : ( الخطّ الحسن للفقير مال وللغني جمال وللحكيم كمال ) .

             وفي الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام)  :

تعلّم قوام الخطّ يا ذا التأدّب *** وما الخطّ إلاّ زينة المتأدّبِ

فإن كنت ذا مال فخطّك زينة *** وإن كنت محتاجاً فأفضل مكسبِ

             وقال (عليه السلام)  : « حسن الخطّ لسان اليد وبهجة الضمير » .

             وقيل  : ( الكلام الحسن مصائد القلوب والخطّ الحسن نزهة العيون ) .

             وقال العرب  : ( الخطّ أصل الروح وإن ظهر به حواس الجسد ) .

             وقال أفلاطون الحكيم  : ( الخطّ هندسة روحانية ظهرت بآلة جسمانية ) .


فائدة  190

آجرك  الله  يا  صاحب  الزمان([249])

             يوم على آل الرسول عظيم .

             فجعت الاُمّة الإسلامية في 25 جمادى الثانية عام 1415 بفقد مرجعها آية الله العظمى شيخ الفقهاء والمجتهدين الشيخ محمّد علي الأراكي (قدس سره) .

             وقد اشتركت جماهير مدينة الكاظمية المقدّسة وبغداد ومواكبها الحسينية مع إخوتهم المؤمنين المفجوعين بهذا الجلل العظيم في تشييع جثمانه المقدّس في طهران وقم حتّى مثواه الأخير في حرم السيّدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) وأقامت الفواتح والمجالس التأبينية على روحه الزكية وأعلنت حدادها في مواكبها وحسينياتها ومؤسساتها الخيرية ، كما يلي  :

             1 ـ مدرسة الإمامين الجوادين العلمية وحسينية الإمامين الكاظمين والمؤسسة الخيرية لأهالي الكاظمية في قم المقدّسة .

             2 ـ حسينية الإمامين الجوادين لأهالي الكاظمية ـ مشهد المقدّس .

             3 ـ حسينية الإمامين الكاظمين في مشهد المقدّس .

             4 ـ حسينية أهالي الكاظمية في طهران ـ ناصر خسرو .

             5 ـ حسينية الإمامين الجوادين لأهالي الكاظمية في دولت آباد ـ طهران .

             6 ـ حسينية أهالي الكاظمية في قرچك ـ طهران .

             7 ـ حسينية الإمام الحسين لأهالي الكاظمية في كاشان .

             8 ـ حسينية أهالي الكاظمية في إصفهان ـ طوقچي .

             9 ـ حسينية الإمامين الكاظمين في أهواز ـ نادري .

             10 ـ حسنية الإمامين الجوادين في أهواز ـ شارع إمام خميني .

             وكذلك أعلن الحداد كلّ من  :

             11 ـ جماعة العلماء والخطباء في الكاظمية المقدّسة وبغداد .

             12 ـ مستوصف الإمام السجّاد الخيري ـ قم المقدّسة .

             13 ـ مسجد علوي ـ قم المقدّسة .

             14 ـ المؤسسة الإسلامية العامة للتبليغ والإرشاد ـ قم المقدّسة .

             15 ـ العاملون في صحيفة صوت الكاظمين .

             16 ـ العاملون في مجلّة عشّاق أهل البيت .

             17 ـ العاملون في مجلّة الكوثر .

             نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمّد فقيدنا الراحل برحمته الواسعة ويسكنه فسيح جنّاته ويحشره مع محمّد وآله ، وينزل على مضجعه الشريف شآبيب رحمته ورضوانه، آمين يا ربّ العالمين .

العبد عادل العلوي


فائدة  191

الزواج  المنقطع([250])

            الزواج المنقطع أو المتعة حقيقة شرعية وتأريخية يجهلها الكثير من المسلمين ، وإن أجاد بعض الكتّاب والمؤلّفين في بيانها واختلاف الآراء وأقوال الفقهاء فيها ، إلاّ أنّ الكثير من أبناء العامّة يستخدمونها كآلة حربية يهاجمون بها الشيعة الإمامية ويعدّون المتعة هو الزنا الأصغر جاهلين حقيقة الأمر ، وما يفترى على الشيعة من التهم ليفرّق الاستكبار العالمي بين صفوف المسلمين ، ليسودوهم وينهبوا ثرواتهم ويحطّموا كيانهم الرصين لاعتقادهم بسياسة ( فرّق تسد ) . وما علينا إلاّ توضيح الأمر والبلاغ المبين .

             ونتوخّى من هذه الرسالة المختصرة بيان الحقيقة ورفع الستار ونفض الغبار عنها وندع الحكم للقارىء الكريم وإنصافه ، ولا نقطع عليه طريق التحقيق والمراجعة ، ولا التخطئة أو التصويب .

             فإجمال الموضوع  : أ نّه اتّفق الشيعة والسنّة على أنّ نكاح المتعة كان حلالا ، بحكم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأنّ المسلمين تمتّعوا في عهده وفي عهد أبي بكر وعمر كما رواه مسلم في صحيحه ( استمتع الأصحاب في عهد رسول الله وأبي بكر وعمر ) . ولكنّهم اختلفوا في ثبوت النسخ .

             فقالت السنّة  : إنّ المتعة نسخت وحرّمت بعد أن كانت حلالا .

             وقالت الشيعة  : لم يثبت النسخ فإنّها كانت حلالا ولا تزال فحلال محمد حلال إلى يوم القيامة . واستدلّوا بقوله تعالى (  فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ اُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً  )([251]) ، وبما ورد في روايات أئمة أهل البيت المعصومين (عليهم السلام) .

             وإنّما يتمّ الزواج المنقطع ونكاح المتعة عند الشيعة عند اجتماع الشرائط فهو كالزواج الدائم لا يتمّ إلاّ بعقد صحيح دالّ على قصد الزواج صراحة ، ولا متعة من دون عقد حتّى لو كان التراضي والرغبة بين الرجل والمرأة ، ومتى ما تمّ العقد كان لازماً يجب الوفاء به ، ويشترط فيه الأجل المعيّن وذكر المهر كمهر الزوجة الدائمة لا  يتقدّر بقلّة أو كثرة ويسقط نصفه بهبة الأجل أو انقضائه قبل الدخول كما يسقط نصف مهر الزوجة الدائمة بالطلاق قبل الدخول . كما عليها أن تعتدّ بعد انقضاء أجلها أو هبته كالمطلّقة سوى أنّ المطلّقة تعتدّ بثلاثة أشهر أو ثلاث حيضات وهذه تعتدّ بخمسة وأربعين يوماً أو بحيضتين ، أمّا عدّة الوفاة فأربعة أشهر وعشرة أيام كالزوجة الدائمة سواء حصل الدخول أم لم يحصل .

             ثمّ لا ترث الزوجة المتمتّع بها من تركة الزوج ولا تجب لها النفقة على الزوج إلاّ أن تشترط عليه ضمن العقد ( الميراث والنفقة ) فتكون كالدائمة لها الميراث والنفقة كمالها .

             وأمّا ولد المتعة فهو ولد شرعي له جميع ما للأولاد الشرعيين من الحقوق الشرعية والأخلاقية بلا استثناء .

             هذا إجمال أحكام المتعة وثبوتها عند الشيعة الإمامية .


فائدة  192

الإنسان  بين  الطبيعة  وربّ  العالمين([252])

             الطبيعة التي تحتضن الإنسان وتكتنفه ليعيش فيها رغداً سعيداً أو تعساً شقيّاً ، إنّما هي في كنهها وجوهريّتها مادّية ظلمانية يحكمها الجبر ، فالأشياء الطبيعية تسودها ويتحكّم فيها القسر والجبر فلا اختيار فيها أبداً حتّى في ملكوتها ، فإنّها وإن كانت تسبّح بحمد ربّها ، إلاّ أنّ ذلك أيضاً بالقسر والقوّة والجبر لتجبّر الله وتكبّره ، فالطبيعة في حركتها الجوهريّة أيضاً قد اُجبرت على ذلك بمشيّة الله سبحانه ، فالشمس تشرق وتضيء إيجاباً وجبراً ، والسحاب تمطر ، والزرع ينبت ، والشجر يثمر ، والكواكب تسير ، والأفلاك تدور ، وكلّما تحكمه الطبيعة فهو محكوم بالجبر ، فلا  اختيار فيما يعنون بالطبيعيات .

             هذا في الأشياء الطبيعية ، وأمّا خالقها وبارئها ومصوّرها ومنوّرها وموجدها فهو الله القادر المختار على الإطلاق بخلاف الطبيعة ، وإن لم يكن من التجاسر في الساحة الربوبيّة لربما عبّرنا عن الله سبحانه والطبيعة إنّهما على طرفي نقيض في الجبر والاختيار .

             وأمّا الإنسان الكامل الذي تمدّح الله بخلقه في قوله تعالى  : (  فتبارك الله أحسن الخالقين  ) والذي يتجلّى وتبلور في وجود خاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وآله) فهو أشرف المخلوقات وأتمّها ، وأوّل ما خلق الله نوره فكان مظهره في أسمائه وصفاته فهو الإنسان الكامل حقّاً ، قد جمع فيه الأمران  : الجبر والاختيار ، فباعتبار أ نّه مظهر لله سبحانه وخليفته في الأرض فإنّه مختار في أفعاله بلا جبر ولا قسر ، وتتجلّى القدرة الإلهية التي بمعنى إن شاء فعل وإن شاء ترك والتي لازمها أو عينها الاختيار في أفعال الإنسان فهو المختار كما كان الله المختار إلاّ أنّ الله بالذات والاستقلال والعبد بالعرض والإمكان ، ثمّ الانسان لمّـا كان فيه معالم الطبيعة وتتحكّم فيه المعادلات الطبيعية أيضاً فإنّه في بعض شؤونه يكون مجبوراً ، فإذا كان الفناء والموت حاكماً على الطبيعة ولا يبقى إلاّ وجه الله سبحانه ، فكذلك الإنسان قد اُجبر على الموت (  إنّك ميّتٌ وإنّهم ميّتون  ) فإنّ الموت يعمّ حتّى الانسان الكامل لأ نّه إنّما هو بشر كما في قوله (  قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم ) إلاّ أ نّه امتاز بجانب ملكوتي (  يوحى إليَّ  ) فالإنسان ليس مختاراً بتمام المعنى وإنّه مفوّض الأمر إليه ، كما أ نّه ليس مجبوراً بتمام المعنى ، بل كما قال الإمام الصادق (عليه السلام)  : « لا جبر ولا تفويض ، بل أمرٌ بين الأمرين » .

             فإنّه باعتبار ارتباطه بالله سبحانه فهو مختار ، وباعتبار تعلّقه بالطبيعة فهو مجبور ، وربما من هنا يمكن أن نفسّر ما جاء عن النبي الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) على ما نقل حيث كان يقول تارة لبلال مؤذن الاسلام  : « أرحنا يا بلال » فإنّه عندما كان يتكلّم مع الناس ويعيش العالم الطبيعي الظلماني الوسخ ، ويحسّ بالتعب الروحي ، فإنّه يريد الراحة والارتياح وراحة النبي ومعراجه إنّما هي في صلاته ومقدّمة الصلاة الأذان ، والمؤذن هو بلال ، فقم يا بلال وأرح النبي بأذانك لأ نّه سوف يتحدّث مع الله سبحانه ويعرج إليه في صلاته فإنّ « الصلاة معراج المؤمن » وسوف يخرج من الطبيعة ليحلّق في أجواء وآفاق الرحمة الإلهيّة ليفنى في الله الحيّ القيوم القادر العالم المختار جلّ جلاله ، وربما في بعض الحالات الشوقية وعند لقاء الله سبحانه يرى أ نّه سرعان ما ينقطع عن العالم الطبيعي وتخرج روحه لتصعد إلى الملكوت الأعلى ولم يكن وقت ذلك ، فلا بدّ من الرجوع إلى الدنيا لإكمال الرسالة السماوية وأداء المسؤولية الإلهية ، فمن هنا كان يخاطب عائشة قائلا  : « كلّميني يا حميرا » فإنّ المرأة بمفاتنها وجمالها الطبيعي إنّما هي مظهر الدنيا والعالم الطبيعي وحديثها يقطع العروج الروحاني ، ومن هذا المنطلق جعل محادثتها ومعاشرتها ومجالستها كثيراً ممّـا يُقسي القلب كمجالسة الأغنياء كما ورد ذلك في الأخبار الشريفة عند الفريقين ( السنّة والشيعة ) وهذا يعني أنّ النساء والأغنياء يشتركان في كونهم مظاهر الدنيا الدنيّة وزبرجها وزخرفها ، فمعاشرتهم يوجب قساوة القلب ، وهذا يعني أ نّه يكون ذلك من الذنب لأنّ قساوة القلب إنّما هي من كثرة الذنوب ـ  كما في الآيات والروايات  ـ  .

             فأرحنا يا بلال من الطبيعة في صعودنا إلى الله ، وكلّميني يا حُميرا للنزول إلى الطبيعة لأداء المسؤولية .

             فالإنسان إنّما هو برزخ بين الله والطبيعة ، بين العالم الملكوتي والعالم الملكي ، بين النور والظلمة ، بين الخير والشرّ ، بين الحقّ والباطل ، بين الجبر والاختيار .

             وربما من هذا القماش يقول النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)  : « اُحبّ من دنياكم ثلاث  : الطيب والنساء وقرّة عيني في الصلاة » فإنّ النساء مظهر الطبيعة ، والصلاة مظهر التقرّب إلى الله ، والطيب عالم برزخي بينهما ، فإنّه ذو جنبتين ولذّتين  : جسمي وروحي ، والجسم من الطبيعة فإنّه فيه الامتداد الثلاثة ـ  الطول والعرض والعمق  ـ والروح من أمر الله سبحانه (  قل الروح من أمر ربّي  ) (  ونفخت فيه من روحي  ) وإنّما النساء التي يحبّها النبيّ تلك اللاتي تكوننّ مقدّمة للصلاة لا مطلق النساء ، فقرّة عين النبي بالصلاة ، والصلاة عمود الدين ، ومن تزوّج فقد أحرز نصف دينه ، فليتقّ الله في النصف الآخر ، فهناك علاقة وثيقة بين الصلاة وبين الزواج ، فإنّ صلاة المتزوّج أفضل من صلاة الأعزب ، كما ورد في الروايات الشريفة ، فالنبي إنّما يحبّ من دنيا الناس لا من دنياه الخاصّة فإنّ دنيا الأنبياء تختلف عن دنيا الناس كما هو واضح ، فقال  : إنّما اُحبّ من دنياكم ثلاث  : ( الطيب ) لأنّ الله الطيب ويحبّ الطيب ، ومظهره العطر والطيب ، ( والنساء ) اللاتي تعين الرجل على أمر آخرته ، وتوجّهه إلى الله في صلاته ومعراجه ، ( وقرّة عيني ) وفرحة قلبي وراحتي وريحانتي وروحي وبهجة فؤادي وعروجي ولقاء ربّي واُنسي ( الصلاة ) فإنّها قربان كلّ تقيّ ومعراج المؤمنين .

             وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .


فائدة  193

الحقّ  والضلال

             حقيقة الإيمان هو ولاية أمير المؤمنين أسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، فمن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ، فلا يقبل منه ، فعليّ (عليه السلام) بعد رسول الله هو الإيمان كلّه ، لقوله (صلى الله عليه وآله) في غزوة الأحزاب ( الخندق ) عندما برز أمير المؤمنين لعمرو ابن ودّ العامري  : « برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه » كما إنّ علياً (عليه السلام) نفس النبيّ بآية المباهلة ، فمن لم يقبله لم يقبل النبيّ حقيقةً ، ومن آمن به آمن بالرسول ، فمن لم يقبل ولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لم يقبل ولاية الله ورسوله ، ومن لم يطعه لم يطع الله ورسوله ، والنظر إليه عبادة ، وضربته يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين ، المبيت عنده عبادة ، ومن يكتب فضيلة له غفر الله له ، فهو قائد الفرقة الناجية ، ومن لم يؤمن به فقد حبطت أعماله يوم القيامة ، فعليّ من النبيّ وصيّه ووزيره ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولولاه لما عرف المؤمنون من بعده ، فعليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ أينما دار يدور الحقّ معه ، وهل بعد الحقّ إلاّ الضلال .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             إنّ لعليّ نورين ، نور في السماء ونور في الأرض ، فمن تمسّك بنور منهما دخل الجنّة ، ومن أخطأهما دخل النار ، وما بعث الله وليّاً إلاّ وقد دعا إلى ولاية عليّ (عليه السلام)طائعاً أو كارهاً .

             وقال (صلى الله عليه وآله)  :

             يا عليّ ، لا يتقدّمك إلاّ كافر ، ولا يتخلّف عنك إلاّ كافر ، أنت نور الله في عباده ، وحجّة الله على عباده ، وسيف الله على أعدائه ، ووارث علوم أنبيائه ، أنت كلمة الله العليا وآيته الكبرى ، ولا يقبل الله الإيمان إلاّ بولايتك .