وقيل  :

ألف الحروف هو الحروف جميعها *** والفاء دائرة عليه تطوف

             وفي كلّ حرف له آية تدلّ على أ نّه الواحد ، ومن عرف ظاهر الألف وباطنه وصل إلى درجة الصدّيقين ، ومرتبة المقرّبين ، والألف واحدة لا يعلمها إلاّ الراسخون في العلم .

دل گفت مرا علم لدنى هوس است *** تعليم كن اگر ترا دست رس است

گفتم كه الف گفت دگر گفتم هيچ *** در خانه اگر كس است يكحرف بس است

فائدة  50

من  كلمات  الخير

             إن حيّيت بتحيّة فحيّي بأحسن منها ، وإذا اُسديت إليك يد فكافئها بمزيد يربى عليها ، والفضل مع ذلك للبادئ .

             لا تستحِ من إعطاء القليل فإنّ الحرمان أقلّ منه .

             من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه ، قبل تعليم غيره ، وليكن تأديبه بسيرته ، قبل تأديبه بلسانه ، ومعلّم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس ومؤدّبهم .

             سئل عن الخير ما هو  ؟ فقال  : ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ، ولكن الخير أن يكثر علمك وأن يعظم حلمك ، وأن تباهي الناس بعبادة ربّك ، فإن أحسنت حمدت الله ، وإن أسأت استغفرت الله ، ولا خير في الدنيا إلاّ لرجلين  : رجل أذنب ذنوباً فهو يتداركها بالتوبة ، ورجل يسارع في الخيرات .

             قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)  : سل تفقّهاً ولا تسأل تعنّتاً ، فإنّ المتعنّت لا  يحضر لاستماع الحقّ ، ولا يقبل الصواب دون من سأل ليعلم ، وعلم ليعمل ، وعمل لينجو .


فائدة  51

هل  تعلم  ؟

             هل تعلم  : أنّ في جمهورية أستوني في أراضي ( باليتيك فسيل ) قد كشفوا أخيراً أنّ عدّة من السمك قد بلغ عمرها ثلاثمائة وخمسون مليون سنة وطوله ما  يقارب المتر .

             وهل تعلم  : قد كشف حديثاً أنّ أكثر الشباب قد ابتلي بأمراض صعبة العلاچ ، وقد ثبت عند الأطباء أنّ سببه صرف الملح الكثير والأكل الكثير وعدم تحرّك العضلات كما هو المطلوب ، واستعمال الدخانيات .


فائدة  52

أشعار  حكميّة

فلمّـا رأيت الجهل في الناس فاشياً *** تجاهلت حتّى ظنّ أ نّي جاهلُ

وعين الرضا عن كلّ عيب كليلة *** ولكنّ عين السخط تبدي المساويا([85]) ***

بمكارم الأخلاق كن متخلّقاً *** ليفوح ندّ ثنائك العَطِر الشّذي

واصدق صديقك إن صدقت صداقةً *** وادفع عدوّك بالتي ( فإذا الذي )([86])


فائدة  53

حديث  شريف  في  أقوام  آخر  الزمان

             شموخ البشريّة في تسلّقها جبال العلوم والفنون حتّى الوصول إلى القمم .

             (  وَمَا اُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلاَّ قَلِيلا  )([87]) .

             (  وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْم عَلِيمٌ  )([88]) .

             (  وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً  )([89]) .

             ولا زال العلم في تقدّم وازدهار وتطوّر ، وإن كان عصرنا عصر الذرّة والعقل الالكتروني ، وقد أخبرنا الرسول الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) وعترته الهادية قبل أربعة عشر قرن ، وإن دلّ هذا على شيء فإنّه يدلّ على حقّانية الإسلام وعظمته وأبديّته وخلوده .

             وإليك هذا الحديث الشريف نموذجاً ، وعليك بإمعان النظر والتفكّر العميق فيه ، وفيما يرشد إليه .

             قال مولانا الإمام السجّاد عليّ بن الحسين (عليهما السلام)  : ( إنّ الله عزّ وجلّ علم أ نّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون فأنزل الله عزّ وجلّ  : (  قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ  )([90]) ، والآيات من سورة الحديد إلى قوله تعالى  : (  وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ  )([91]) فمن رام وراء ما هنالك هلك )([92]) .

             وهذا في علم التوحيد ومعرفة الله سبحانه وتعالى ، وهو العلم الأوّل للبشر وأشرف العلوم ، فمن تعمّق فيه كيف لا يتعمّق في باقي العلوم  ؟ ومن أراد أن يصل إلى عمق البحار فلا بدّ من خوضها وغوصها وسبرها وسبحها ، والله يهدي الناس ويريهم آياته في الآفاق والأنفس ، حتّى يتبيّن أ نّه الحقّ .

             والظاهر من الحديث الشريف أ نّه ليس كلّ الناس يطلبون الأعماق بل هناك أقوام ـ  جمع قوم  ـ متعمّقون وعلى الله سبحانه من لطفه العميم فإنّه اللطيف الخبير أن يلبّي دعوتهم ونداءهم في كتابه الذي يهدي للتي هي أقوم ، فيسعفهم بآياته الخالدة في مثل سورة التوحيد وسورة الحديد ، والقرآن الكريم كلّه كتاب العلوم والمعارف والهداية فهل من مدّكر ، أفلا يتدبّرون القرآن ، ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ، إنّ الدين عند الله الإسلام ، فمن رام وراء ما هنالك هلك ، فلا يحقّ لنا أن نفكّر في ذات الله وحقيقته ، فلا يزيد الإنسان إلاّ تيهاً وضلالا ، فإنّ طالب الحقيقة والسالك إلى الله بعد طيّه مراحل ومراتب اليقين ، إذا وصل إلى هذا المقام فإنّه يقال له  : اطفئ السراج فقد طلع الصبح .


فائدة  54

حكمة  من  كلّ  معصوم  (عليه السلام)

             كلام الله ورسوله وأهل بيته (عليهم السلام) نورٌ وهداية لمن أراد الحياة السعيدة والموت الحميد ، فأقوالهم الموجزة وألفاظهم المعجزة ، وحكمهم الباهرة ، ومواعظهم الزاهرة ، معدن البلاغة وينبوعها ، ومنهل العلم ورافدها ، لو جمعت لما وسعته الكتب ولا حوته الأسفار ، فهم بالحكمة ينطقون ، وبالموعظة ينصحون ، فكلامهم نور ، وأمرهم الرشد ، ووصيّتهم التقوى ، وفعلهم الخير .

             وإليكم نبذة يسيرة وشعلة وهّاجة في سبيل الجهاد ، وطرق السداد ، وحكمة بليغة لحياة أفضل ، وذلك من الأربعة عشر المعصومين محمّد وآل محمّد (عليهم السلام)  :

             1 ـ قال النبيّ محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « جالسوا العلماء ، وسائلوا الكبراء ، وخالطوا الحكماء » .

             « استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان ، فإنّ كلّ ذي نعمة محسود » .

             « إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، فسعوهم بأخلاقكم » .

             « الخلق الحسن يذيب الخطايا » .

             « إنّ الله يحبّ الأتقياء الأبرياء الأخفياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا ، وإذا غابوا لم يفتقدوا ، وقلوبهم مصابيح الهدى ينجون من كلّ غبر أو مظلمة » .

             2 ـ قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)  :

             « أعجب ما في الإنسان قلبه ، وله موادّ من الحكمة وأضداد من خلافها ، فإن سنح له الرجاء أذلّه الطمع ، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ ، وإن أسعده الرضا نسي التحفّظ ، وإن ناله الخوف أثقله الحذر ، وإن اتّسع له الأمر استلبته العزّة ، وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع ، وإن أفاد مالا أطغاه الغنى ، وإن عظّته فاقة أشغله البلاء ، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف ، وإن أفرط في الشبع كظّته البطنة ، فكلّ تقصير به مضرّ ، وكلّ إفراط له مفسد » .

             أقول  : لو أنّ هذه الألفاظ كتبت بماء الذهب على ألواح الياقوت كان قليلا لعظم قدرها وجلالة خطرها ، وفيها للمعتبر عبرة ودروس([93]) .

             3 ـ قالت فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين (عليها السلام)  :

             « لله بينكم عهد قدّمه إليكم ، وبقيّة استخلفها عليكم ، كتاب الله بيّنةٌ بصائره ، وآيٌ منكشفةٌ سرائره ، وبرهانٌ منجليةٌ ظواهره ، مديم للبريّة استماعه ، وقائدٌ إلى الرضوان اتباعه ، مؤدّياً إلى النجاة أشياعه ، فيه تبيان حجج الله المنوّرة ، ومحارمه المحذورة ، وفضائله المندوبة ، وجمله الكافية ، ورخصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة ، وبيّناته الجالية ... » .

             4 ـ قال الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)  :

             « إنّ هذا القرآن فيه مصابيح النور ، وشفاء الصدور ، فليجل جال بصره ، وليلجم الصفة قلبه ، فإنّ التفكير حياة قلب البصير كمايمشي المستنير في الظلمات بالنور » .

             وقال (عليه السلام)  : إنّ من أخلاق المؤمن قوّة في الدين ، وكرماً في لين ، وحزماً في علم ، وعلماً في حلم ، وتوسعةً في نفقة ، وقصداً في عبادة ، وتحرّجاً من الطمع ، وبرّاً في استقامة ، لا يحيف على من يبغض ، ولا يأثم فيمن يحبّ ، ولا يدّعي ما ليس له ، ولا يجحد حقّاً هو عليه ، ولا يهمز ولا يلمز ولا يبغي ، متخشّع في الصلاة ، متوسّع في الزكاة ، شكور في الرخاء ، صابر عند البلاء ، قانع بالذي له ، لا يطمح به الغيظ ولا  يجمح به الشحّ ، يخالط الناس ليعلم ، ويسكت ليسلم ، إن بغي عليه ليكون إلهه الذي ينتقم له .

             5 ـ الإمام سيّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)  :

             خرج الحسين  (عليه السلام) يوماً إلى أصحابه فقال  : أ يّها الناس ، إنّ الله جلّ ذكره ما  خلق العباد إلاّ ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، واستغنوا بعبادته عن عبادة مَن سواه .

             فقال له رجل  : يا بن رسول الله ، ما معرفة الله  ؟

             قال (عليه السلام)  : معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي عليهم طاعته .

             وخطب (عليه السلام) فقال  : إنّ الحلم زينة ، والوقار مروّة ، والصلة نعمة ، والاستكبار صلف ، والعجلة سفه ، والسفه ضعف ، والعلوّ ورطة ، ومجالسة الدناة شين ، ومجالسة أهل الفسق ريبة .

             كان (عليه السلام) يرتجز ويقول يوم قتل  :

الموت خيرٌ من ركوبِ العارِ *** والعار خيرٌ من دخول النارِ

والله من هذاوهذا جاري

             6 ـ قال زين العابدين الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام)  :

             أعجب لمن يحتمي من الطعام لمضرّته ، ولا يحتمي من الذنب لمضرّته .

             وقال (عليه السلام)  : اللجاجة مقرونة بالجهالة ، والحميّة موصولة بالبليّة ، وسبب الرفعة التواضع .

             وقال  : الشرف في التواضع ، والعزّ في التقوى ، والغنى في القناعة .

             وقال  : الكريم يفتخر بفضله ، واللئيم يفتخر بملكه .

             وقال لبعضهم  : إيّاك والغيبة ، فإنّها أدام كلاب النار .

             7 ـ قال الباقر الإمام محمّد بن علي (عليهما السلام)  :

             يا بني ، إنّ الله خبّأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء  : خبّأ رضاه في إطاعته فلا  تحقرنّ من الطاعة شيئاً فلعلّ رضاه فيه ، وخبّأ سخطه في معصيته ، فلا تحقرنّ من المعصية شيئاً فلعلّ سخطه فيه ، وخبّأ أولياءه في خلقه ، فلا تحقرنّ أحداً فلعلّ ذلك الولي .

             وقال (عليه السلام)  : صانع المنافق بلسانك ، وأخلص وذلّ للمؤمنين ، وإن جالسك يهودي ، فأحسن مجالسته .

             وقال به بعض شيعته  : أوصني ـ  وهو يريد سفراً  ـ  ؟

             فقال له (عليه السلام)  : لا تسيرنّ شبراً وأنت حافي ، ولا تنزلنّ عن دابّتك ليلا لقضاء حاجة إلاّ ورجلك في خفّ ، ولا تبولنّ في نفق ، ولا تذوقنّ بقلةً ولا تشمّها حتّى تعلم ما هي ، ولا تشرب من سقاء حتّى تعلم ما فيه ، واحذر من تعرف ، ولا تصحب من لا تعرف .

             8 ـ قال الصادق الإمام جعفر بن محمّد (عليهما السلام)  :

             من تطأطأ للسلطان تخطّاه ، ومن تطاول عليه أرداه .

             وقال (عليه السلام)  : من اعتدل يوماه فهو مغبون ، ومن كان غده شرّ يوميه فهو مفتون ، ومن لم يتفقّد النقصان في نفسه دام نقصه ، ومن دام نقصه فالموت خيرٌ له ، ومن أذنب من غير عناد ، كان للعفو أهلا .

             وقال (عليه السلام)  : اطلبوا العلم ولو بخوض اللجج وشقّ المهج .

             وقال (عليه السلام)  : من أكرمك فأكرمه ، ومن استخفّ بك فأكرم نفسك عنه .

             وقال (عليه السلام)  : من أخلاق الجاهل الإجابة قبل أن يسمع ، والمعارضة قبل أو يفهم ، والحكم بما لا يعلم .

             وقال (عليه السلام)  : دراسة العلم لقاح المعرفة ، وطول التجارة زيادة في العقل والشرف ، التقوى والقنوع راحة الأبدان .

             9 ـ قال الكاظم الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام)  :

             وجدت علم الناس في أربع  :

             أوّلها  : أن تعرف ربّك .

             والثانية  : أن تعرف ما صنع بك من النعم .

             والثالثة  : أن تعرف ما أراد بك .

             والرابعة  : أن تعرف ما يخرجك من ذنبك .

             وقال (عليه السلام)  : من لم يكن له من نفسه واعظ ، تمكّن منه عدوّه ، يعني الشيطان .

             10 ـ قال الرضا الإمام عليّ بن موسى (عليهما السلام)  :

             في تفسير قوله تعالى  : (  فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ  )([94]) ، قال  : عفو بغير عتاب .

             وقال (عليه السلام)  : من رضي من الله تعالى بالقليل من الرزق ، رضي منه بالقليل من العمل .

             11 ـ قال الجواد الإمام محمّد بن عليّ (عليهما السلام)  :

             من وثق بالله أراه السرور ، ومن توكّل عليه كفاه الاُمور ، والثقة بالله حصن لا يتحصّن فيه إلاّ مؤمن أمين ، والتوكّل على الله نجاة من كلّ سوء ، وحرز من كلّ عدوّ ، والدين عزّ ، والعلم كنز ، والصمت نور ، وغاية الزهد الورع ، ولا هدم للدين مثل البدع ، ولا أفسد للرجال مثل الطمع ، وبالراعي تصلح الرعية ، وبالدعاء تصرف البليّة ، ومن ركب مركب الصبر اهتدى إلى مضمار النصر ، ومن عاب عيب ، ومن شتم اُجيب ، ومن غرس أشجار التقى اجتنى ثمار المنى .

             12 ـ قال أبو الحسن عليّ بن محمّد بن علي (عليهم السلام)  :

             من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه .

             وقال  : الناس في الدنيا بالأموال ، وفي الآخرة بالأعمال .

             وقال (عليه السلام)  : الحسد ماحق الحسنات ، والزهر جالب المقت ، والعجب صارف عن طلب العلم ، داع إلى التخبّط في الجهل ، والبخل أذمّ الأخلاق ، والطمع سجيّة سيّئة .

             وقال (عليه السلام)  : الحكمة لا تنجح في الطبائع الفاسدة .

             13 ـ قال الإمام الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام)  :

             لا يعرف النعمة إلاّ الشاكر ، ولا يشكر النعمة إلاّ العارف .

             وقال (عليه السلام)  : للقلوب خواطر من الهوى ، والعقول تزجر ، وتزاد في التجارب علم مستأنف ، والاعتبار يفيد الرشاد ، وكفاك أدباً لنفسك تجنّبك ما تكره لغيرك من غيرك .

             وقال  : من مدح غير المستحقّ للمدح فقد قام مقام المتّهم .

             وقال  : جعلت الخبائث في بيت ، وجعل مفتاحه الكذب .

             وقال  : حسن الصورة جمال ظاهر ، وحسن العقل جمال الباطن .

             وقال (عليه السلام)  : اعلم أنّ للحباء مقداراً ، فإن زاد على ذلك فهو ضعف ، وللجود مقداراً فإن زاد على ذلك فهو سرف ، وللاقتصاد مقداراً فإن زاد عليه فهو بخل ، وللشجاعة مقداراً فإن زاد فهو التهوّر .

             14 ـ قال صاحب الأمر الحجّة بن الحسن (عليهما السلام)  :

             « أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا » .

             اللهمّ ارزقنا توفيق الطاعة وبُعد المعصية وصدق النيّة وعرفان الحرمة ، وأكرمنا بالهدى والاستقامة ، وسدّد ألسنتنا بالصواب والحكمة ، وطهّر بطوننا من الحرام والشبهة ، واسدد أسماعنا عن اللغو والغيبة ... » .

             اللهمّ صلّ على محمّد وآله الطاهرين أهل بيت النبوّة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي ، ومعدن الرحمة ، وخزّان العلم ، ومنتهى الحلم ، واُصول الكرم ، وقادة الاُمم ، وأولياء النعم ، وعناصر الأبرار ، ودعائم الأخيار ، وساسة العباد ، وأركان البلاد ، وأبواب الإيمان ، واُمناء الرحمن ، وسلالة النبيّين ، وصفوة المرسلين ، وعترة خيرة ربّ العالمين ، ورحمة الله وبركاته ، وأئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، وأعلام التقى ، وذوي النهى ، واُولي الحجى ، وكهف الورى ، وورثة الأنبياء ، والمثل الأعلى ، والدعوة الحسنى ، وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والاُولى ، ومحال معرفة الله ، ومساكن بركة الله ، ومعادن حكمة الله .

             جعلنا الله وإيّاكم من خيرة شيعتهم وأنصارهم ومن حزبهم ، ورزقنا في الدنيا زيارتهم ، وفي الآخرة شفاعتهم ومجاورتهم ، وأحينا محياهم ، وأمتنا مماتهم ، وعلى ولايتهم ، وأدّبنا بآدابهم وأخلاقهم ، ورزقنا الشهادة في سبيلهم ، آمين ، لا  أرضى بواحدة حتّى يضاف إليه ألف آميناً ، رحم الله عبداً قال  : آمين .


فائدة  55

مصادر  كتب  التأريخ

             المصنّف والمؤلّف في كلّ علم وموضوع يحتاج أوّلا إلى مصادر ومراجع ، ومن ثمّ يرشح من ذهنه الوقّاد ويراعه الجواد ، رشحات علمية أو أدبية أو أخلاقية أو سياسية أو أيّ شيء آخر ، لإصلاح المجتمع وتثقيفه ووعيه وإرشاده إلى الخير والصلاح ، والتمدّن والحضارة والعيش الرغيد .

             ومن الكتب المرجعية في التأريخ بقلم الأخباريين المؤرّخين من أبناء العامة وبيان وكتابة التأريخ الإسلامي من منظارهم ومذاهبهم ، ذكر صاحب كتاب ( فرقة الأزارقة ) في مقدّمته جملة من أعلام المؤرّخين ، كما يلي  :

             1 ـ أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي ( ولد سنة 57 هجرية ) .

             2 ـ الهيثم بن عدي ( ت 206 هـ ) .

             3 ـ أبو الحسن عليّ بن محمّد المدائني ( ت 215 هـ ) .

             4 ـ خالد بن خداش ( ت 223 هـ ) ، من كتبه ( الأزارقة وحروب المهلّب ) .

             5 ـ وهب بن جرير ( ت 227 هـ ) .

             6 ـ خليفة بن خياط ( ت 240 هـ ) ، وكتابه ( تأريخ خليفة ) .

             7 ـ أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري ( ت 279 هـ ) ، وكتابه ( أنساب الأشراف ) .

             8 ـ أبو جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري ( ت 310 ) ، وكتابه ( تأريخ الرسل والملوك ) .

             9 ـ ابن أعثم الكوفي ( تولّد في حدود 314 هـ ) ، وكتابه ( الفتوح ) .

             10 ـ أبو الحسن عليّ بن الحسين بن علي المسعودي ( ت 346 هـ ) ، وكتبه  : ( أخبار الزمان ) ، و  ( الأوسط ) ، و  ( المقالات ) ، و  ( مروج الذهب ) ، و  ( معادن الجوهر ) .

             11 ـ محمّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري ( ت 630 هـ ) ، وكتابه ( الكامل في التأريخ ) .

             12 ـ يوسف بن محمّد بن إبراهيم الأنصاري البياسي ( ت 652 هـ ) ، وكتابه ( الإعلام فيما وقع من حروب في صدر الإسلام ) .

             13 ـ ابن كثير ( ت 774 هـ ) ، وكتابه ( البداية والنهاية ) .

             14 ـ ابن خلدون عبد الرحمن بن محمّد الحضرمي ( ت 808 هـ ) ، وكتابه ( العبر وديوان المبتدأ والخبر ) .

             وقال في بيان بعض الكتب الفرقيّة ومؤلّفيها من أبناء العامّة  :

             1 ـ أبو الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعري ( ت 324 هـ ) ، وكتابه ( مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين ) .

             2 ـ عبد القاهر بن طاهر بن محمّد البغدادي ( ت 429 ) ، وكتابه ( الفَرق بين الفِرق ) .

             3 ـ ابن حزم أحمد بن علي بن محمّد بن علي الكناني العسقلاني ( ت 456 ) ، وكتابه ( الفصل في الملل والنحل ) .

             4 ـ أبو المظفّر الاسفرايني ( ت 471 هـ ) ، وكتابه ( التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين ) .

             5 ـ الشهرستاني ( ت 548 هـ ) ، وكتابه ( الملل والنحل ) ، واسمه أبو الفتح محمّد ابن عبد الكريم .

             6 ـ أبو عبد الله محمّد بن عمر بن الحسين ( ت 606 هـ ) ، وكتابه ( انتقادات فرق المسلمين والمشركين ) .

             وقال في بيان بعض الكتب الأدبيّة  :

             1 ـ البيان والتبيين ; للجاحظ ( ت 255 هـ ) .

             2 ـ الكامل في اللغة والأدب ; لأبي العباس المبرد ( ت 285 هـ ) .

             3 ـ العقد الفريد ; لأحمد بن محمّد بن عبد ربّه ( ت 328 هـ ) .

             4 ـ الأغاني ; لأبي فرج الإصفهاني ( ت 356 هـ ) .

             5 ـ شرح نهج البلاغة ; لابن أبي الحديد المدائني ( ت 622 هـ ) .


فائدة  56

دعامة  الإنسان  العقل

             عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام)  : « دعامة الإنسان العقل ، والعقل منه الفطنة والفهم والحفظ والعلم ، وبالعقل يكمل ، وهو دليله ومبصّره ومفتاح أمره ، فإذا كان تأييد عقله من النور كان عالماً حافظاً ذاكراً فطناً فهماً ، فعلم بذلك كيف ولِمَ وحيث ، وعرف من نصحه ومن غشّه ، فإذا عرف ذلك عرف مجراه وموصوله ومفصوله ، وأخلص الوحدانية لله ، والإقرار بالطاعة ، فإذا فعل ذلك كان مستدركاً لما فات ، ووارداً على ما هو آت ، يعرف ما هو فيه ، ولأيّ شيء هو ها هنا ، ومن أين يأتيه ، وإلى ما هو صائر ، وذلك كلّه من تأييد العقل » .

             قال جمال السالكين المجلسي الأوّل في شرح هذا الحديث الشريف  : اعلم أنّ هذا الخبر مشتمل على حقائق كثيرة ، ولا يمكن بيانه لأنّ هذه أحوال أوليائه تعالى الذين نوّروا عقولهم بأنوار الذكر الدائم ، حتّى صار قلوبهم خزائن الله تعالى ، ويلهمون في كلّ آن بما يحتاجون إليه من الترقّي إلى المراتب العالية من محبّته ومعرفته وقربه ووصاله ، أوصلنا الله تعالى وسائر المؤمنين إليها([95]) .


فائدة  57

لطيفة  عرفانيّة

             جاء في مناجاة المريدين([96]) لزين العابدين (عليه السلام)  :

             « إلهي فاسلك بنا سبل الوصول إليك ، وسيّرنا في أقرب الطرق للوفود عليك ، قرّب علينا البعيد ، وسهّل علينا العسير الشديد ، وألحقنا بعبادك الذين هم بالبدار إليك يسارعون ، وبابك على الدوام يطرقون ، وإيّاك في الليل والنهار يعبدون ...

             وجاء في دعاء اليوم السابع والعشرين من رجب([97]) لمولانا الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام)  :

             « وقد علمتُ أنّ أفضل زاد الراحل إليك عزم إرادة يختارُك بها وقد ناجاك بعزم الإرادة قلبي ... » .

             وجاء في دعاء أبي حمزة الثمالي([98]) لسيّد الساجدين (عليه السلام)  :

             « وإنّ الراحل إليك قريب المسافة ، وإنّك لا تحتجب عن خلقك إلاّ أن تحجبهم الأعمال دونك ، وقد قصدت إليك بطلبتي ... » .

             فأقرب الطرق إلى الله سبحانه هو عزم إرادة أراد به الله عزّ وجلّ ، أي أن تحبّ الله بقلبك .

             وقال سبحانه وتعالى في حديث قدسي  :

             « لو علمت من قلب عبدي المؤمن أ نّه يحبّني لفتحتُ عليه أبواب السماوات والأرض » .

             فاطلب الله جلّ جلاله بقلبك أوّلا ...


فائدة  58

الفتوّة

             للعقل جنود يفتح الإنسان بهم بلدان الخير والسعادة ، ويذلّ بهم أعوان الجهل وكواسر النفس الضارية والأمّارة بالسوء ، فيحلّق الإنسان بجناحي الجمال والجلال في اُفق التكامل ، ليصل إلى الكمال المطلق ومطلق الكمال ، وإنّ إلى ربّك المنتهى .

             وحديث جنود العقل مفصّل كما ورد في كتب الأحاديث الشريفة كالكافي وبحار الأنوار .

             ومن تلك الجنود ومن الصفات الحميدة والأخلاق المجيدة ( الفتوّة ) ، وقد بحث علماء الأخلاق والنفس فيها ، وقد أ لّف وصنّف الكتب والصفحات حولها ، ومن تلك المصنّفات ما كتبه الشيخ أبو عبد الله محمّد بن أبي المكارم المعروف بابن المعمار البغدادي الحنبلي ( المتوفّى سنة 642 هـ ) ، وقد ذكر حكايات في الفتوّة .

             وخذ هاتين الحكايتين مثالا لحياتك التي تملأها الفتوّة والمروّة لتسعد في الدارين .

             الحكاية الاُولى  :

             عن نوح الفتى المدني أ نّه أتاه قوم من فتيان أرض السعدى زائرين له ، فقال نوح لغلامه  : قدّم السفرة ، فلم يقدّمها ، حتّى أعاد عليه القول ثلاث مرّات .

             فقال بعضهم لبعض  : ليس هذا من عادة الفتيان .

             فلمّـا قدّم السفرة قال نوح للجماعة  : ناشدتكم بالله إلاّ ما أخبرتموني ما خطر لكم في تأخير الغلام  ؟

             فأخبروه ، فقال نوح  : يا غلام ، لِمَ تأخّرت في تقديم السفرة  ؟

             فقال  : يا مولاي ، كان عليها نملة فلم أرَ من الفتوّة إزعاجها لأ نّها أيضاً ضيف ، ولم أرَ من الأدب تقديم السفرة وعليها نملة ، فلمّـا صعدت قدّمت السفرة .

             فقال الجماعة  : أحسنت يا غلام ، وقبّلوا رأسه .

             فقال نوح  : الفتى جوانمرد ( جوانمرد لغة فارسية بمعنى الفتوّة في الفتى ) ، فالجيم من الجود ، والواو من الوفاء ، والألف من الأمانة ، والنون من النخوة ، والميم من المروءة ، والراء من الرحمة ، والدال من الدين ، فإن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو الفتى في الحقيقة ، ومن لم توجد فيه فليس بفتى .

             الحكاية الثانية([99])  :

             وصحّ عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في الإيثار ، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)جاءه ضيف ولم يجد عنده مايكرمه به ، فقال (عليه السلام)  : من يكرم ضيفي هذا وأضمن له على الله الجنّة  ؟

             فقال عليّ (عليه السلام)  : أنا يا رسول الله .

             فأخذه وجاء به إلى فاطمة (عليها السلام) ولم يكن عندها سوى قرصين قد هيّأتهما للإفطار ، فلمّـا كان وقت العشاء أصلحت الزاد ووضعته بين يدي الضيف وعليّ  (عليه السلام) . ثمّ جاءت إلى المصباح كأ نّها تصلحه فأطفأته ، فأخذ عليّ (عليه السلام) يرفع يده ويضعها في الزاد يوهم الضيف أ نّه يطعم معه ، وهو لا يأكل شيئاً ليكتفي الضيف ، فلمّـا استكفى الضيف أتى بالمصباح ، وبات عليّ وفاطمة (عليهما السلام) طاويين على صومهما ، فأنزل الله في حقّهما  : (  وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أ نْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ  )([100]) .

             هذا وقد نادى جبرئيل الأمين بين السماء والأرض يوم الأحزاب  : ( لا فتى إلاّ علي ، لا سيف إلاّ ذو الفقار ) .

             فأمير أصحاب الفتوّة هو المولى أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب أسد الله الغالب (عليه السلام) ، ووليّ الله الأعظم ، جعلنا الله وإيّاكم من شيعته المخلصين المتّقين ، وحشرنا في زمرته وسقانا من حوض الكوثر بيده ، آمين يا ربّ العالمين .


فائدة  59

علم  الروح

             السيكولوجيا أو علم الطبائع والروح ، يبحث عن الأعمال الروحيّة والجسدية ، وكيفيّة النفس وحقيقتها ، وسلوك الإنسان بنحو خاصّ ، وبيان العلل والآثار .

             وينقسم في بادئ الأمر إلى  :

             علم الروح النباتي ، وعلم الروح الحيواني .

             والأوّل يبحث عن روح النباتات وخصائصه وامتيازاته .

             والثاني يبحث عن كيفية الروح وأعمال النفس الحيوانيّة ، وهو على قسمين  :

             علم الروح الحيوانية المطلقة بما هو جسم نام حسّاس متحرّك بالإرادة ، وعلم الروح الإنسانية بما هو حيوان ناطق له ، قوّة درّاكة للاُمور الكلّية والجزئيّة ، وهو على قسمين أيضاً  :

             علم الروح الإنسانية الاجتماعية ، وعلم الروح الإنسانية الفردية ، والأوّل يبحث عن كيفية الأعمال الجماعية في المجتمع الإنساني ، وما هي آثارها  ؟ وما هي العلل في حدوثها وظهورها  ؟ سواء على صعيد العالم ، أو على صعيد دولة خاصّة أو طائفة أو قبيلة أو حزب أو جماعة وجمعيّة . والثاني يناقش ويعالج مشاكل النفوس وصدور الأفعال في الأفراد ، والعوامل والأسباب في سلوكيّة الفرد بما هو ، في خمسة أدوار  : سيكولوجيّة الأطفال ، ثمّ الشباب ، ثمّ الرجال ، ثمّ الكهول ، ثمّ العجائز .

             ويهتمّ علماء النفس بالأوّلين ، ومن ثمّ تقسيم العمر الطبيعي للإنسان إلى عشرة أقسام  :

             1 ـ دورة الجنين ، وتكون في الغالب ( 275 ) يوماً .

             2 ـ دورة الطفولة ، وتكون من الولادة حتّى الثامنة من العمر .

             3 ـ دورة الصباوة ، وتكون من الثامنة وحتّى الخامسة عشر .

             4 ـ دورة البلوغ ، وتكون من ( 15 سنة ) إلى ( 22 سنة ) من عمر الإنسان .

             5 ـ دورة الشباب ، وتكون من ( 22 ) إلى ( 27 ) .

             6 ـ دورة الرجولة ، من ( 27 ) إلى ( 36 ) .

             7 ـ دورة الثبات ، من ( 36 ) إلى ( 43 ) .

             8 ـ دورة الكهولة ، من ( 43 ) إلى ( 57 ) .

             9 ـ دورة العجز ، من ( 57 ) إلى ( 69 ) .

             10 ـ دورة الخرافة ، من ( 69 ) إلى ( آخر العمر ) .

             وفي كلّ دورة لها طابعها الخاصّ من التربية والتعليم والتكامل ، لا بدّ لعلماء التربية وللآباء والاُمّهات أخذ ذلك بنظر الاعتبار ، والعاقل الذي يضع الأشياء في مواضعها ، والحاذق البصير من يعالج المشكلة في ظروفها الخاصّة ومحيطها الخاصّ .


فائدة  60

أقسام  النكاح  قبل  الإسلام

             كان النكاح في جزيرة العرب قبل ظهور الإسلام دين الله القويم ، على أقسام ، وقد حرّمها الإسلام  :

             1 ـ نكاح الرهط  :

             بمعنى تعدّد الرجال ، فرب امرأة واحدة لعدّة رجال ، يتكفّلون بمعيشتها لترضي شهوتهم ، والمولود من سفاحه تنسبه لمن تحبّ من زناتها بقولها  : اجعل له اسماً أو سمّه ، وهذه إشارة أنّ المولود له ، وعمرو بن العاص داهية العرب وليد هذه الفضيحة ، فاُمّه ليلى قالت لعاص بن وائل  : سمّه ، فنسب إليه ، وأبو سفيان ينكر ذلك ويقول  : هو من نطفتي ، إلاّ أنّ ابن وائل مَوّل ليلى فنسبته إليه ، راجع في ذلك تأريخ الطبري ومروج الذهب .

             2 ـ نكاح الاستبضاع  :

             وهذا عمل الديوث والخنزير ، وهو من أبشع الزنا ، يندى له جبين الإنسانية عرقاً ، فإنّ الرجل الذي يودّ أن يكون له ولد شجاع وسفّاك ومتهوّر وغيرها من الصفات التي يبغيها ، فيضع زوجته باختيار رجل يحمل تلك الصفات ، ثمّ ينسب المولود منها إلى نفسه .

             3 ـ نكاح البدل  :

             وذلك حينما يتلاقى الرجلان ويعجب كلّ واحد منهما بامرأة الآخر ، فيتبادلا في الزوجات بقول أحدهما  : انزل إليَّ عن امرأتك أنزل لك عن امرأتي ، هذا في الجاهلية الاُولى ، ولا زال هذا المنطق السخيف البشع يتداوله رجال جاهلية القرن العشرين أتباع ماركس ولينين من منطلق فلسفتهم المقيتة باسم الاشتراكية ، وقد حرّم الله هذا العمل في قوله تعالى  :

             (  وَلا أنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أزْوَاج  )([101]) .

             4 ـ نكاح المقت  :

             وهو النكاح بالقوّة والقهر فيما لو مات الزوج ، فهي كالأموال تنقل إرثاً لولده من غيرها ، وإن لم يكن له ولد فالأقوياء أولى بها ، وهي لمن سبق بأن يضع قطعة قماش على رأسها ، فليس لها ولا لغيرها ردّه ومنعه ، وقد حرّمه الله بقوله تعالى  :

             (  وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلا  )([102]) .

             5 ـ نكاح الخدن  :

             وهو فيما لو تصادقت المرأة مع الرجل في الخفاء ويقع بينهما الجماع ، فكانت عرب الجاهلية الاُولى تقول  : ما استتر فلا بأس ، وما ظهر لؤم .

             6 ـ نكاح الجمع  :

             حيث كانت الأعراب الرأسماليون الأثرياء لرونقة أموالهم الطائلة وزيادتها وتكديسها ، كانوا يعلّمون الإماء الشعر والرقص واللهو واللعب ثمّ يجبرونهنّ على البغي والفساد مع الرجال ، فيضعن الرايات على بيوتهن للشهرة بذوات الرايات ، ويكون الولد بحكم القرعة أو علم القيافة لأحدهم ، وقد حرّمه الله بقوله تعالى  :

             (  وَلا تُكْرِهُوا فَـتَيَاتِكُمْ عَلَى البِغَاءِ إنْ أرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ  )([103]) .

             7 ـ نكاح الشغار  :

             وهو الزواج على سبيل المعاوضة ، فبدلا من مهر المرأة كانت تعوّض بامرأة اُخرى ، وقد حرّم .

             8 ـ نكاح السفاح  :

             وهو الزنا ، وقد حرّم بقوله تعالى  :

             (  مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَات  )([104]) .


فائدة  61

مقوّمات  القصّة  الناجحة

             ما هي القصّة  ؟

             القصّة هي وسيلة وأداة للتعبير عن الحياة ، أو قطّاع معيّن من الحياة ، أو عن مفاهيم الحياة ، يتناول حادثة واحدة ، أو عدداً من الحوادث بينها ترابط سردي في الموضوع والمقصود ، ويجب أن تكون لها بداية ونهاية ، حاوية على عناصر القصّة ، وهذا المفهوم لا يعتبر تعريفاً دقيقاً للقصّة ، ولكنّه على ما يتصوّر أقرب شيء إلى تعريفها .

             وينقسم فنّ القصّة بصورة عامّة إلى قسمين  :

             1 ـ القصّة الواقعيّة .

             2 ـ القصّة الخياليّة .

             والاُولى لا بدّ أن تشتمل على النقاط التالية  :

             1 ـ واقعية الشخصيات في القصّة ، إذ القصّة تحتوي على عدد معيّن من الشخصيات ، ومن ذلك أن يكون تصرّف كلّ شخصيّة منها مطابقاً تماماً لما يحدث في واقع الحياة ، مع مراعاة العنصرين الأساسيّين المكان والزمان ، بمعنى لو أنّ هذه الشخصيّة كانت موجودة فعلا في الحياة التي يصوّرها القصّاص ، لتصرّفت تماماً نفس التصرّف الذي يذكره مؤلف القصّة .

             2 ـ واقعية الحوار المتبادل بين شخصيات القصّة ، فلا يحقّ لنا مثلا أن نسوق على لسان خادم جاهل في قصّة بعض النصائح العميقة المغزى والكلمات الفلسفية التي لا يمكن أن يتلفّظ بها شخص مثله في الحياة الواقعيّة ، فالحوار جزء هام وحيوي في القصّة .

             3 ـ واقعيّة الاُسلوب اللغوي ومعالجة القصّة باُسلوب قريب للفهم ، فيتجنّب عن التعقيد اللفظي والكلمات الوحشيّة .

             وقيل  : في كلّ قصّة ـ  سواء الواقعية أو الخيالية  ـ لا بدّ من توفّر الشروط الآتية  :

             1 ـ وجود هيكل سردي متّصل ، كلّ في مكانه ، غير متناثر ولا متشتّت الأجزاء .

             2 ـ شمولها على اُسلوب وصفي جيّد ، ويسمّى بالاُسلوب الرومانتيكي .

             3 ـ عدم الاستطراد في تصوير الحوادث استطراداً يخرج بها عن الجوّ العامّ للقصّة .

             4 ـ التشويق الكامل الذي يدفع بالقارئ إلى متابعة قراءة حوادثها في لهفة حتّى النهاية .

             ومعنى سير التشويق بطريقة تصاعدية أن تزداد لهفة القارئ إذا كانت القصّة مكتوبة ، أو المتفرّج إذا كانت مسرحية أو شريطاً سينمائياً أو تمثيلية تلفزيونية ، أو المستمع إذا كانت تمثيلية إذاعية . كلّما تسلسلت حوادث القصّة وقربت من نهايتها ، ويشترط لنجاح التشويق في القصّة عدّة شروط ، منها  :

             1 ـ ألاّ تكون عقدة القصّة مفتعلة ، ومعنى ذلك أنّ الحوادث التي تؤدّي إلى خلق عقدة في القصّة لا بدّ وأن تكون بطبيعتها مؤدّية إلى حدوثها بطريقة منطقيّة غير مفتعلة ومصطنعة .

             2 ـ اتّساق المقدّمات مع النتيجة في القصّة ، ومعناه أنّ الحوادث التي تمهّد لحدوث العقدة ، لا بدّ وأن تحتوي في طيّاتها على مفتاح أو مفاتيح حلّ العقدة ، حلاّ يقبله التعليل والعقل السليم .

             3 ـ تجنّب الأجزاء الميّتة ، وذلك يطلق على المواقف المملّة في القصّة ، والأجزاء الميّتة إمّا أن تكون حواراً مملاّ معقّداً بين بعض شخصيات القصّة ، أو تكون وصفاً مسهباً لا علاقة له بموضوع القصّة ، أو واقعة تعترض سير القصّة لا  علاقة لها بالهيكل السردي للموضوع .

             4 ـ تجنّب العقدة المضادّة ، وهو ما يعمد إليه بعض المؤلفين لزيادة تعقيد القصّة ظنّاً منهم أنّ ذلك يضاعف من تشويق القارئ ، ثمّ لا بدّ من أن تكون في القصّة إثارة اهتمام لأوّل وهلة .

             هذا ولا شكّ في أنّ الاُسلوب القصصي يعتبر من أنجح الأساليب للتقويم والنصح والإرشاد ، وقد لجأ إليه عدد كبير من الكتّاب وفلاسفة العالم ، كما ورد في كثير من آيات القرآن الكريم والكتب السماوية الاُخرى .

             والقصّة إمّا أن تكون قصيرة أو طويلة ، والاُولى على أيّ حال هي التي لا  تزيد كلماتها عن ألفي كلمة أو ثلاث آلاف كلمة على أكثر تقدير ، وهي أصعب بكثير من كتابة القصّة الطويلة ، إذ يجب أن تحتوي القصّة على صغرها على مقوّمات القصّة الناجحة التي سبق شرحها .

             وقد جاء في مقدّمة كتاب قصص العرب ، الطبعة الاُولى  :

             تعدّ القصّة أقدر الآثار الأدبية على تمثيل الأخلاق ، وتصوير العادات ، ورسم خَلَجات النفوس ; كما أ نّها ـ  إذا شرف غرضها ، ونبُل مقصدها ، وكرمت غايتها ، تهذّب الطباع ، وترقّق القلوب ، وتدفع الناس إلى المثل العليا ، من الإيمان والواجب والحقّ والتضحية والكرم والشرف والإيثار .

             وقد كانت القصّة ـ  ولا تزال  ـ ذات الشأن الأسمى من آداب الاُمم قديمها وحديثها ، فقد وردت في التوراة ، وجاءت في الإنجيل ، وزخرت بها آيُ الذكر الحكيم . ثمّ هي في شعر الإغريق ومخلّفات الرومان ، وآثار المصريين القدماء . والعرب من الاُمم التي أخذت بنصيب من هذا الفنّ الجميل ، واُثر عنها فيض من ذلك الأدب الرفيع .


فائدة  62

فضل  السفر

             السفر والسياحة والسير في الآفاق والبلاد ممّـا دعا إليه القرآن الكريم ، وجاء الحثّ الشديد عليه في الأخبار والروايات الشريفة ، يقف الإنسان على علوّ شأنه وبلوغ أهميته ، حينما يشاهد كثرة فوائده وآثاره على الفرد والمجتمع ، فإنّ السفر يزيد في عقل الرجل وتجاربه ، وتحسين خلقه وثقافته ، وزيادة معلوماته وسعة اطلاعاته ، بل يزيد في تحكيم فطرته التوحيدية ، ومن الفوائد التي جاءت في الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام)  :