3 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  : لولا النساء لعبد الله حقّاً .

             فإنّ النساء حبائل الشيطان ، يستعين بهن لإغواء المؤمن وجرّه إلى الضلال والانحراف ، فأكثر الخصومات الفردية والاجتماعية حتّى العالمية كحروبها إنّما تنشأ من امرأة كما يحدّثنا التأريخ بذلك كثيراً .

             4 ـ ولمثل هذا يخبرنا أمير المؤمنين (عليه السلام) عن آخر الزمان قائلا  : يظهر في آخر الزمان واقتراب القيامة ، وهو شرّ الأزمنة ، نسوة متبرّجات كاشفات عاريات من الدين ، داخلات في الفتن ، مائلات إلى الشهوات ، مسرعات إلى اللذات ، مستحلاّت للمحرّمات ، في جهنّم خالدات .

             وبداية آخر الزمان هو نهاية النبوّة وختمها برسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله) الذي يطلق عليه (صلى الله عليه وآله)  : نبيّ آخر الزمان ، وكلّما ابتعدنا عن عصر النبوّة واقتربنا من يوم القيامة ظهر الفساد في البرّ والبحر أكثر فأكثر ، فتظهر مثل هذه النسوة على الساحة ، وتسوق المجتمع إلى الانحطاط والضلال والجهل والشهوات واتباع الملذّات . ودواء ذلك الداء المعضل هو الستر عليهن .

             5 ـ قال (صلى الله عليه وآله)  : إنّ النساء غيّ وعورة ، فاستروا العورة بالبيوت ، واستروا الغيّ بالسكوت .

             6 ـ وقد مرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) على نسوة فوقف عليهن ، ثمّ قال  : يا معشر النساء ، ما رأيت نواقص عقول ودين أذهب بعقول ذوي الألباب منكن ، إنّي قد رأيت أنّكن أكثر أهل النار يوم القيامة ، فتقرّبن إلى الله ما استطعتن ، فقالت امرأة منهن  : يا رسول الله ، ما نقصان ديننا وعقولنا  ؟ فقال  : أمّا نقصان دينكن فبالحيض الذي يصيبكن فتمكث إحداكن ما شاء الله لا تصلّي ولا تصوم ، وأمّا نقصان عقولكن فبشهادتكن ، فإنّ شهادة المرأة نصف شهادة الرجل .

             ومن سوء خلق المرأة أن تمنّ على زوجها بمالها وثروتها إن كان لها ذلك .

             7 ـ قال النبيّ (صلى الله عليه وآله)  : لو أنّ جميع ما في الأرض من ذهب وفضّة حملته المرأة إلى بيت زوجها ، ثمّ ضربت على رأس زوجها يوماً من الأيام تقول  : من أنت  ؟ إنّما المال مالي ، حبط عملها ولو كانت من أعبد الناس إلاّ أن تتوب وترجع وتعتذر إلى زوجها .

             8 ـ قال سلمان الفارسي (رضي الله عنه)  : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول  : أيّما امرأة منّت على زوجها بمالها ، فتقول  : إنّما تأكل أنت من مالي ، لو أ نّها تصدّقت بذلك المال في سبيل الله لا يقبل الله منها إلاّ أن يرضى عنها زوجها .

             ولا بدّ أن يختار الرجل المرأة التي لها منبت صالح من عائلة متديّنة وملتزمة بالحجاب والدين ، ولا يطلب جمالها الظاهري ، وإن كان مطلوباً ، فلا يتغافل عن جمالها الباطني من العفّة والدين .

             9 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  : أ يّها الناس ، إيّاكم وخضراء الدمن . قيل  : يا  رسول الله ، وما خضراء الدمن  ؟ قال  : المرأة الحسناء في منبت سوء .

             10 ـ والمرأة السيّئة تشيب الرجل قبل أوانه ، ولمثل هذا كان النبيّ ـ  يدلّ على الاستمرار  ـ يقول في دعائه  : « اللهمّ إنّي أعوذ بك من ولد يكون عليّ ربّاً ـ  أي فوقي وحاكماً عليّ بمنزلة الربّ  ـ ومن مال يكون عليّ ضياعاً ـ  لا يعرف الإنسان كيف يتصرّف به حتّى يضيع عليه  ـ ومن زوجة تشيبني قبل أوان شيبي » .

             وهذا ما نشاهده ، فإنّ أكثر الشيب من الهمّ والغم ، فإنّ الهم يجلب الهرم ، والهمّ يكون تارةً من خلال الدَّيْن ، فإنّ الدَّيْن همّ ولو درهم ، واُخرى يكون من زوجة السوء وأولاد السوء ، فاسأل من كان شايباً قبل أوانه  ؟ لتقف على ما ندّعيه .

             ثمّ وجود الأولاد في عالم الزواج من العوامل المهمّة لتكوين الاُسرة وسعادتها ، ومن هذا المنطلق نجد التأكيد على تزويج المرأة الولود ، وترك العقيم .

             11 ـ قال النبيّ (صلى الله عليه وآله)  : ذروا الحسناء العقيم وعليكم بالسوداء الولود ، فإنّي مكاثر بكم الاُمم حتّى بالسقط .

             12 ـ وقال (صلى الله عليه وآله)  : شوهاء ولود خيرٌ من حسناء عقيم .

             13 ـ وقال (صلى الله عليه وآله)  : اعلموا أنّ المرأة السوداء إذا كانت ولوداً أحبّ إليّ من الحسناء العاقر .

             ومن النساء السيّئات الظالمة لبعلها ، فلا تعطي حقوقه ، وتظلمه في منعها الحقوق الزوجية ، حتّى تهجر زوجها ، فليس لها إلاّ النار أو تتوب وترجع .

             14 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال  : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول  : أيّما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة حشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدرك الأسفل من النار ، إلاّ أن تتوب أو ترجع .

             ومن الأخلاق السيّئة في بعض النسوة أ نّها تحمل على زوجها أكثر من طاقته وتكلّفه فوق ما يتحمّل سواء في المأكل أو الملبس أو أيّ شيء آخر ، كالسفر الذي لا يطيقه ، أو الذهاب إلى مكان أو دار لا يرضى بالذهاب إليها .

             15 ـ قال النبيّ (صلى الله عليه وآله)  : أيّما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته ما  لا يطيق لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلا ـ  أي لا تقبل منها أعمالها الصالحة  ـ إلاّ أن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته .

             وهناك أوصاف اُخرى تشير إلى شرار النساء .

             16 ـ قال النبيّ (صلى الله عليه وآله)  : ألا اُخبركم بشرّ نسائكم  ؟ قالوا  : بلى يا رسول الله ، أخبرنا . قال  : من شرّ نسائكم الذليلة في أهلها ، العزيزة مع بعلها ، العقيم الحقود ، التي لا تتورّع عن قبيح ، المتبرّجة إذا غاب عنها زوجها ، الحصان معه إذا حضر ، التي لا تسمع قوله ولا تطيع أمره ، فإذا خلا بها تمنّعت تمنّع الصعبة عند ركوبها ، ولا تقبل له عذراً ولا تغفر له ذنباً .

             وهذا يعني أنّ الزوج إذا أخطأ فعليه أن يعتذر ، كما أنّ على الزوجة أن تقبل عذره وتصفح عنه ، ولا تصرّ على خطائه وذنبه ، وتريد أن تعاقبه بسوء خلقها والصدّ عنه ، فلا تسمع قوله ولا تطيع أمره ، حتّى تجعل العيش عليه جهنّماً ، والحياة سعيراً .

             17 ـ من كتاب روضة الواعظين ، قال الصادق (عليه السلام)  : شكا رجل إلى أمير  المؤمنين (عليه السلام) نساءه ، فقام خطيباً فقال  : معاشر الناس ، لا تطيعوا النساء على كلّ حال ، ولا تأمنوهن على مال ، ولا تذروهن يدبّرن أمر العيال ، فإنّهنّ إن تُركن وما أردن أوردن المهالك ، وعدون أمر المالك ، فإنّا وجدناهن لا ورع لهن عند حاجتهن ولا صبر لهن عند شهوتهن ، البذخ لهن لازم وإن كبرن ، والعجب بهن لاحق وإن عجزن ، لا يشكرون الكثير إذا منعن القليل ، ينسين الخير ويحفظن الشرّ ، يتهافتن بالبهتان ، ويتمادين بالطغيان ، ويتصدّين للشيطان ، فداروهنّ على كلّ حال ، وأحسنوا لهن المقال لعلّهن يحسن الفعال .

             العجب من هذه الكلمات العلوية ، فإنّه (عليه السلام) يخبر عن حقيقة النساء ، فإنّ الغالب عليهن هذه الصفات والأحوال ، فالرجل العاقل اللبيب لا بدّ أن يعرف كيف يتصرّف مع زوجته ، والذي يستفاد من كلماته (عليه السلام) النقاط التالية  :

             1 ـ عدم إطاعة النساء مطلقاً في كلّ شيء وفي جميع الأحوال  : ( لا تطيعوا النساء على كلّ حال ) .

             2 ـ لا يعطى أمر المال بيدها ، ولا تؤتمن على الثروة ، فإنّها بمجرّد أن تعرف أنّ لزوجها مالا فسرعان ما تملي عليه رغباتها ومشتهياتها من أشياء تافهة وغير  ضرورية في الحياة ـ  والعاقل تكفيه الإشارة  ـ ( فلا تأمنوهن على مال ) مطلقاً ، بل ولا تخبر بذلك ولا تعلم .

             3 ـ عدم تدبير العيال  : فإنّ ربّ البيت هو الرجل وهو القائم على العيال ، فإنّ الرجال قوّامون على النساء ، فعليه أن يدبّر أمر العيال بعقل وحكمة ، وإلاّ فإنّ المرأة ناقصة ، والناقص لا يعطي الكمال ، فإنّ فاقد الشيء لا يعطيه ، فالعقل الحاكم في الاُسرة هو عقل الرجل المؤمن الصالح ـ  وإلاّ لو كانت المرأة صالحة ومؤمنة والزوج فاسق فاجر ، فلا يعطى أمر العيال بيده ، فإنّه يسوقهم إلى وادي الضلال والغواية ، كما هو واضح  ـ أمّا إذا كان رجلا صالحاً مؤمناً عاقلا فإنّه هو الذي يدير ويدبّر أمر العيال ، ولا يذر المرأة تدبّر أمر العائلة ( ولا تذروهن يدبّرن أمر العيال ) ، والسبب في ذلك أو بالأحرى كبرى القضيّة وبرهانها ( إنهن إن تركن وما  أردن أوردن المهالك ) ، فإنّ المرأة بطبيعتها وجبلتها تميل إلى الملاذ والشهوات التي تجلب المخاطر والمهالك ، حتّى تتجاوز الحدود ( وعدون أمر الممالك ) والشاهد والدليل الآخر على ذلك أ نّهن لا يتورّعن عن المحارم ( عند حاجتهن ولا صبر لهنّ عند شهوتهن ) ، ويكفيك أن تجرّب ذلك ، وإنّ من جرّب المجرّب حلّت به الندامة .

             4 ـ البذخ لهن لازم  : فإنّهن يردن الحياة البذخية يشترين ويأكلن ويلبسن من دون حساب وكتاب ، حتّى لو كبرن وكنّ في سنّ الشيخوخة فإنّ هذه الحياة البذخية والإسراف والتبذير لا ينحصر في أيام شبابهن وإظهار جمالهن ، بل حتّى العجائز عندهن ميل شديد للبذخ ، وإذا أردت الشاهد فاسأل زوجتك عندما تذهب إلى حفلة عرس أو قران أو ما شابه ذلك من دون أن تعرّفهن ، حتّى تقف على البذخ من استعمال الموديلات في شعورهن وملابسهن وأحذيتهن وإلى ما  شاء الله ، فضلا عن الذهب والقلائد والخواتيم .

             5 ـ العجب بهن لاحق  : فإنّهن مغرورات معجبات بأنفسهن ، وهذا العجب يلحق بهن حتّى العجز ، كما يقول شوقي  :

خدعوها بقولهم حسناءُ *** والغواني يغرَّهنّ الثناءُ

             6 ـ لا يشكرن  : الشكر وإن كان من غرائز الإنسان ، ولكنّ العجيب أنّ المرأة ما دمت تعطيها فإنّها ربما تشكرك على ذلك ، وإن كان الكثير منهن يتصوّرن أنّ ذلك من وظيفة الزوج ورغماً على أنفه ، لا بدّ أن يصرف ما في جيبه ، وإذا شكرن فيكفيك أن تمنعهن القليل فترى الشيء العجيب حتّى يصاب الرجل باليأس ويتذمّر من الحياة الزوجية ، أ نّه قدّم الغالي والنفيس ، وإذا به بمجرّد أن منع القليل عنها لظروفه الخاصّة ، وإذا بها تنكر المعروف كلّه ، ( ولا يشكرن الكثير إذا منعن القليل ) بل في خبر آخر تقول  : عشت معك سنين فماذا قدّمت لي ، فإنّي لم  أجد ولم أرَ منك خيراً .

             7 ـ ينسين الخير  : فطيلة الحياة الزوجية تعمل لها الخير والمعروف انطلاقاً من قوله تعالى  : (  وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ  )([172]) ، (  فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوف  )([173]) ، وإذا به في خصومة مختصرة ونزاع طفيف تنسى الخير كلّه ، بل وتحفظ الشرّ ، فتخرج لك قائمة سوداء سجّلتها عليك طيلة الحياة الزوجية ، حتّى يصاب المرء بالانهيار وتزلزل الأعصاب والذهول ، وسرعان ما يأتيه الشيطان ويلقي في روعه الطلاق والانفصال ، وأنّ مثل هذه المرأة لا تنفعك ، بل وتضرّك ، والحال هذه من طبيعة النساء ، فالغالب الأعمّ يتّصفن بهذه الصفات ، فلا سبيل لك إلاّ المداراة والمعاملة بالتي هي أحسن ، حتّى لا تجعل حياتك جهنّماً ، بل بالعقل وحسن الخلق تعالج الأمراض النفسية والمشاكل العائلية .

             8 ـ يتهافتن بالبهتان  : لا يتورّعن عن الكذب والافتراء والبهتان ، فسرعان ما يرتكبن ذلك إذا اقتضت مصالحهن ورغباتهن .

             9 ـ يتمادين بالطغيان  : فمن أجل إشباع الرغبات والشهوات يطغين على الأزواج ، بل ويتمادين بالطغيان ، فتجد أيام وشهور وربما سنين لا تتنازل عن كلمتها الباطلة طغياناً وتكبّراً وجبروتاً ، فتهجر زوجها وهي ظالمة طاغية ، فإنّها تحشر يوم القيامة مع الطغاة الجبابرة كفرعون وهامان وقارون في الدرك الأسفل من النار ، إلاّ أن تتوب وترجع ويرضى عنها زوجها .

             10 ـ ويتصدّين للشيطان  : فإنّهن يقبلن بوجوههن على الشيطان ، فتكون من عمّال الشيطان ، فمن النساء من يكن من عمّـال الله كما مرّ بيانه في النساء الفاضلات ، ومنهن من يكنّ من عمّال الشيطان وحبائله لإغواء الرجال .

             فمع هذه الأحوال الصعبة ، لا حيلة للرجال إلاّ المداراة مطلقاً ( فداروهن على كلّ حال ) ، كما يستعمل معهن الكلام الحسن والجميل ، فإنّ المقصود أن يجعل محيط الاُسرة محيطاً هادئاً يسوده الوقار والسكينة وعدم القيل والقال حتّى تظهر الاستعدادات الباطنية المكمونة في أعضاء الاُسرة ( وأحسنوا لهن المقال ) فإنّه يرجى حينئذ أن يحسن الفعال ( لعلهن يحسن الفعال ) والله المستعان ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم .

             هذا وما يذكر في مذمّة النساء من الروايات الشريفة ، فإنّها ليست على نحو الموجبة الكلّية ، أي كلّ النساء هكذا ، بل هي من القضايا المهملة وهي بحكم الجزئية ، وربما الغالب على جنس المرأة ذلك ، فما ورد من عدم الوفاء من المرأة وأ نّه محال ، إنّما هو من هذا الباب ، وإلاّ فإنّ التأريخ يشهد لنا بنساء وفيّات لأزواجهن وأولادهن وللمبادئ القيّمة .

             18 ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال  : خمس من خمسة محال  : النصيحة من الحاسد محال ، والشفقة من العدوّ محال ، والحرمة من الفاسق محال ، والوفاء من المرأة محال ، والهيبة من الفقير محال([174]) .

             19 ـ والرجل يتعوّذ بالله من الشيطان كما يتعوّذ من نساء السوء ، عن رسول  الله (صلى الله عليه وآله) ، قال  : عظوهنّ بالمعروف قبل أن يأمرنكم بالمنكر ، وتعوّذوا بالله من شرارهن ، وكونوا من خيارهنّ على حذر .

             20 ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال  : لا تشاوروهن في النجوى ولا تطيعوهن في ذي قرابة ، إنّ المرأة إذا كبرت ذهب خير شطريها وبقي شرّهما  : ذهب جمالها وعقم رحمها واحتدّ لسانها ، وإنّ الرجل إذا كبر ذهب شرّ شطريه وبقي خيرهما  : ثبت عقله واستحكم رأيه وقلّ جهله([175]) .

             21 ـ في نهج أمير المؤمنين (عليه السلام)  : المرأة عقرب حلوة اللسبة .

             22 ـ وقال (عليه السلام) بعد حرب الجمل في ذمّ النساء ـ  ويريد تلك المرأة التي خرجت عليه وأمثالها  ـ  : معاشر الناس ، إنّ النساء نواقص الإيمان نواقص الحظوط نواقص العقول ، فأمّا نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن ، وأمّا نقصان عقولهن فشهادة امرأتين منهن كشهادة الرجل الواحد ، وأمّا نقصان حظوظهن فمواريثهن على الأنصاف من مواريث الرجال ، فاتّقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر ، ولا تطيعوهنّ في المعروف حتّى لا يطمعن في المنكر([176]) .

             والله سبحانه يذمّ النساء في مكيدتهن في قصّة يوسف عن لسان عزيز مصر ، قال سبحانه  :

             (  إنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ  )([177]) .

             فعظمة كيدهن بالنسبة إلى الرجال ، وأمّا كيد الشيطان بالنسبة إلى الإنسان فإنّه كان ضعيفاً ، لأنّ الله هو القويّ وهو يؤيّد المؤمن ، فمكروا ومكر الله والله خير  الماكرين ، فكيد الله كان قوياً وكيد الشيطان كان ضعيفاً .

             فكيد الشيطان بالنسبة إلى الله كان ضعيفاً ، فلا ييأس المؤمن من روح الله وتأييده ، ويقاوم الشيطان ووساوسه وكيده ، فإنّ كيده كان ضعيفاً ، وأمّا كيد النساء للرجال فكان عظيماً ، كما يحدّثنا التأريخ بمكائدهن وحيلهن ممّـا يحيّر العقول ويدهش الألباب ، فتدبّر .

             23 ـ عن الصادق (عليه السلام) ، عن أبيه (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال  : ثلاثة هنّ اُمّ  الفواقر  : سلطان إن أحسنت إليه لم يشكر وإن أسأت إليه لم يغفر ، وجار عينه ترعاك وقلبه ينعاك ، إن رأى حسنة دفنها ولم يفشها ، وإن رأى سيّئة أظهرها وأذاعها ، وزوجة إن شهدت لم تقرّ عينك بها ، وإن غبت لم تطمئن إليها .

             وفيما أوصى النبيّ (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام)  : أربعة من قواصم الظهر  : إمام يعصي الله ويطاع أمره ، وزوجة يحفظها زوجها وهي تخونه ، وفقر لا يجد صاحبه مداوياً ، وجار سوء في دار مقام([178]) .

             24 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لزيد بن ثابت  : يا زيد ، تزوّجت  ؟ قال  : قلت  : لا ، قال  : تزوّج تستعف مع عفّتك ، ولا تتزوّجن خمساً . قال زيد ، من هنّ يا رسول الله  ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  : لا تتزوجن شهبرة ولا لهبرة ولا تهبرة ولا هيدرة ولا لغوتاً .

             قال زيد  : يا رسول الله ، ما عرفت ممّـا قلت شيئاً وإنّي باُخريهن لجاهل . فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  : ألستم عرباً  ؟ أمّا الشهبرة فالزرقاء البذيّة ، وأمّا اللهبرة فالطويلة المهزولة ، وأمّا النهبرة فالقصيرة الذميمة ، وأمّا الهيدرة فالعجوزة المدبرة ، وأمّا اللغوت فذات الولد من غيرك .

             25 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  : إيّاكم وتزوّج الحمقاء ، فإنّ صحبتها ضياع ، وولدها ضياع([179]) .

             26 ـ وقال (عليه السلام)  : شرّ نسائكم الجفّة الفرتع البافوق الفحاش ، وهو القتات ، والجفّة من النساء القليلة الحياء ، والفرتع العابسة .

             هذه جملة من الصفات المذمومة في النساء ، فالحذار الحذار من الوقوع في فخّهنّ وكيدهنّ ، والله المستعان .


الكفاءة في الزواج

             من الطبيعي أن يبحث الرجل عن زوجة تكون كفواً له ، وكذلك المرأة فإنّها ترضى بزوج يكون كفواً لها ، فلا بدّ من ملاحظة الكفاءات في تشكيل الاُسرة وتحقّق أمر الزواج ، إلاّ أنّ مسألة الكفاءة من حيث المفهوم والمصداقية يختلف باختلاف الثقافات والمحيط والبيئة والعادات والآداب الاجتماعية ، فلعلّ مجتمعاً يرى الكفاءة في المال ، وربما يرى آخر الكفاءة في حمل الشهادات الجامعية والأكاديمية ، وربما الملاك يكون هو الجاه والمقام والعناوين البرّاقة أو القصور والسيّارات ، ولكنّ الإسلام يرى الكفاءة باعتبار العقل والدين وحسن الأخلاق .

             1 ـ قال الرضا (عليه السلام)  : نزل جبرئيل على النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فقال  : يا محمّد ، ربّك يقرؤك السلام ويقول  : إنّ الأبكار من النساء بمنزلة الثمر على الشجر ، فإذا أينع فلا دواء له إلاّ اجتناؤه وإلاّ أفسدته الشمس وغيّرته الريح ، وإنّ الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء فلا دواء لهن إلاّ البعول ، وإلاّ لم يؤمن عليهن الفتنة ، فصعد رسول  الله (صلى الله عليه وآله) المنبر فخطب الناس ثمّ أعلمهم ما أمرهم الله به ، فقالوا  : ممّن يا  رسول الله  ؟ فقال  : الأكفاء . فقالوا  : ومن الأكفاء  ؟ فقال  : المؤمنون بعضهم أكفاء بعض ، ثمّ لم ينزل حتّى زوّج ضباعة المقداد بن الأسود ، ثمّ قال  : أ يّها الناس إنّما زوّجت ابنة عمّي المقداد ليتّضع النكاح .

             2 ـ عن الصادق ، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال  : قال النبيّ (صلى الله عليه وآله)  : إنّما النكاح رقّ ، فإذا أنكح أحدكم وليدة فقد أرقّها ، فلينظر أحدكم لمن يرقّ كريمته .

             عبّر النبيّ عن النكاح بالرقّية والعبودية ، وإنّ المرأة تكون أسيرة لزوجها ، وحينئذ كريمة الإنسان وعزيزته لا بدّ أن يحافظ عليها فيجعلها في مكان سليم ومحيط آمن ومولى كريم ومؤمن يعرف كيف يتعامل مع حليلته وشريكة حياته وأسيرته وأمته . وهذه التعابير لا تعني تسلّط الرجل ودكتاتوريته وعنفه وعنجهيّته ، وأ نّه سيّد المرأة والمرأة المسكينة الأسيرة أمته يفعل بها ما يشاء ويحلو له وتطلب نفسه الأمّارة بالسوء . هيهات ، ما هكذا أراد الإسلام للمرأة التي جعلها ريحانة ، وبها يتكامل الرجل . وبها ضرب الله المثل للمؤمنين كامرأة فرعون ، فلا يشتبه الأمر عليك فتضلّ الطريق ، لأنّ النفس الأمّارة تميل إلى هذا التفسير فتحمّل عقائدك وآراءك الخاصّة على النصوص الدينية من الآيات القرآنية والروايات الشريفة ، فكيف يريد الله ورسوله وأولياؤه الذلّ والحقارة والانحطاط للشقّ الثاني من الإنسان ، بل لها ما له ، وله ما لها ، إلاّ في بعض الخصائص والمميّزات التي تقتضيها طبيعة الاُنوثة والذكورة ليعيش المجتمع بنظام وانتظام ، فتفضيل بعض على بعض لحكمة ربانية ولما تقتضيه المصالح العامة والخاصّة ، فتدبّر .

             3 ـ عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال  : إنّ عليّ بن الحسين (عليه السلام) رأى امرأة في بعض مشاهد مكّة فخطبها إلى نفسها وتزوّجها فكانت عنده ، وكان له صديق من الأنصار فاغتمّ لتزويجه بتلك المرأة ، فسأل عنها فاُخبر أ نّها من آل  ذي  الجدّين من بني شيبان في بيت عليّ من قومها . فأقبل على عليّ بن الحسين فقال  : جعلني الله فداك ، ما زال تزويجك هذه المرأة في نفسي وقلت  : تزوّج عليّ بن الحسين امرأة مجهولة ويقول الناس أيضاً فلم أزل أسأل عنها حتّى عرفتها ووجدتها في بيت قومها شيبانية ، فقال له عليّ بن الحسين (عليه السلام)  : قد كنت أحسبك أحسن رأياً ممّـا أرى ، إنّ الله أتى بالإسلام فرفع به الخسيسة وأتمّ به الناقصة وكرم به اللؤم ، فلا لؤم على المسلم ، إنّما اللؤم لؤم الجاهلية .

             4 ـ الكافي بسنده  : عن الثمالي قال  : كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) إذ استأذن عليه رجل فأذن له فدخل عليه ، فسلّم فرحّب به أبو جعفر (عليه السلام) وأدناه وسأله فقال الرجل  : جُعلت فداك ، إنّي خطبت إلى مولاك فلان بن أبي رافع ابنته فلانة فردّني ورغب عنّي وازدراني لدمامتي وحاجتي وغربتي ، وقد دخلني من ذلك غضاضة هجمة ، عصر لها قلبي تمنّيت عندها الموت .

             فقال أبو جعفر (عليه السلام)  : اذهب فأنت رسولي إليه وقل له  : يقول لك محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب زوّج منجح بن رماح مولاي بنتك فلانة ولا تردّه .

             قال أبو حمزة  : فوثب الرجل فرِحاً برسالة أبي جعفر (عليه السلام) ، فلمّا أن توارى الرجل قال أبو جعفر (عليه السلام)  : « إنّ رجلا كان من أهل اليمامة يُقال له جويبر أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منتجعاً للإسلام فأسلم وحسن إسلامه وكان رجلا قصيراً دميماً محتاجاً عارياً ، وكان من قباح السودان فضمّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحال غربته وعريه ، وكان يجري عليه طعامه صاعاً من تمر بالصاع الأوّل ، وكساه شملتين وأمره أن يلزم المسجد ويرقد فيه بالليل ، فمكث بذلك ما شاء الله حتّى كثر الغرباء ممّن يدخل في الإسلام من أهل الحاجة بالمدينة وضاق بهم المسجد فأوحى الله تعالى إلى نبيّه أن طهِّر مسجدك وأخرج من المسجد من يرقد فيه بالليل ومذر بسدّ  أبواب كلّ من كان له في مسجدك باب إلاّ باب عليّ ومسكن فاطمة (عليهما السلام)ولا يمرنّ فيه جنب ولا يرقد فيه غريب .

             قال  : فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ذلك بسدّ أبوابهم إلاّ باب عليّ (عليه السلام) وأقرّ مسكن فاطمة (عليها السلام) على حاله قال  : ثمّ إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر أن يتّخذ للمسلمين سقيفة فعملت لهم وهي الصفّة ثمّ أمر الغرباء والمساكين أن يظلّوا فيها نهارهم وليلهم ، فنزلوها واجتمعوا فيها وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتعاهدهم بالبرّ والتمر والشعير والزبيب إذا كان عنده ، وكان المسلمون يتعاهدونهم ويرقّون عليهم لرقّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويصرفون صدقاتهم إليهم .

             وإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نظر إلى جويبر ذات يوم رحمة منه له ورقّة عليه ، فقال له  : يا جويبر لو تزوّجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك ، فقال له جويبر: يا رسول الله بأبي أنت واُمّي ومن ترغب فيَّ فوَالله ما لي من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال فأيّة امرأة ترغب فيَّ  ؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  : يا  جويبر إنّ الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً ، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهليّة وضيعاً ، وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلا ، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهليّة وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها ، فإنّ الناس اليوم كلّهم أبيضهم وأسودهم وقرشيّهم وعربيّهم وعجميّهم من آدم وإنّ آدم خلقه الله عزّ وجلّ من طين ، وإنّ أحبّ الناس إلى الله عزّ وجلّ يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم .

             وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلا إلاّ لمن كان أتقى  لله منك وأطوع ، ثمّ قال له  : انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد فإنّه من أشرف بني بياضة حسباً فيهم فقل له  : إنّي رسول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يقول لك  : زوِّج جويبر ابنتك الذلفاء ، قال  : فانطلق جويبر برسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى زياد بن لبيد وهو في منزله وجماعة من قومه عنده فاستأذن فأذن له وسلّم ثمّ قال  : يا زياد بن لبيد إنّي رسول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حاجة لي فأبوح بها أم اُسرّها إليك  ؟ فقال له زياد  : لا بل بح بها فإنّ ذلك شرف لي وفخر .

             فقال له جويبر  : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لك  : زوِّج جويبراً بنتك الذلفاء ، فقال له زياد  : أرسول الله أرسلك إليَّ بهذا يا جويبر  ؟ فقال له  : نعم ما كنت لأكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال له زياد  : إنّا لا نزوِّج فتياتنا إلاّ أكفّاءنا من الأنصار فانصرف يا جويبر حتّى ألقى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاُخبره بعذري ، فانصرف جويبر وهو يقول  : والله ما بهذا نزل القرآن ولا بهذا ظهرت نبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

             فسمعت مقالته الذلفاء بنت زياد وهي في خدرها فأرسلت إلى أبيها اُدخل إليّ فدخل إليها فقالت  : يا أباه ما هذا الكلام الذي سمعته منك تحاور به جويبر  ؟ فقال لها  : ذكر لي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسله وقال  : يقول لك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  : زوِّج جويبراً ابنتك الذلفاء ، فقالت له  : والله ما كان جويبر ليكذب على رسول  الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) بحضرته فابعث الآن رسولا يردّ عليك جويبراً .

             فبعث زياد رسولا فلحق جويبراً ، فقال له زياد  : يا جويبر مرحباً بك اطمئن حتّى أعود إليك ، ثمّ انطلق زياد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال له  : بأبي أنت واُمّي إنّ جويبراً أتاني برسالتك وقال  : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لك  : زوِّج جويبراً ابنتك الذلفاء ، فلم ألن له في القول ورأيت لقاءك ونحن لا نزوِّج إلاّ أكفّاءنا من الإنصار ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  : يا زياد ، جويبر مؤمن والمؤمن كفو المؤمنة والمسلم كفو  المسلمة ، فزوِّجه يا زياد ولا ترغب عنه .

             قال  : فرجع زياد إلى منزله ودخل على ابنته فقال لها ما سمعه من رسول  الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال له  : إنّك إن عصيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكرت ، فزوِّج جويبراً ، فخرج زياد فأخذ بيد جويبر ثمّ أخرجه إلى قومه فزوّجه على سنّة الله وسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وضمن صداقه ، قال  : فجهّزها زياد وهيّؤوها ثمّ أرسلوا إلى جويبر ، فقالوا له  : ألك منزل فنسوقها إليك ، فقال  : والله ما لي من منزل ، قال  : فهيّؤوها وهيّؤوا لها منزلا وهيّأوا فيه فراشاً ومتاعاً وكسوا جويبر ثوبين واُدخلت الذلفاء في بيتها واُدخل جويبر عليها مُغتمّاً فلمّا رآها نظر إلى بيت ومتاع وريح طيّبة ، قام إلى زاوية البيت فلم يزل تالياً للقرآن راكعاً وساجداً حتّى طلع الفجر ، فلمّا سمع النداء خرج وخرجت زوجته إلى الصلاة فتوضّأت وصلّت الصبح فسئلت هل مسّكِ  ؟

             فقالت  : ما زال تالياً للقرآن وراكعاً وساجداً حتّى سمع النداء ، فخرج فلمّا كان الليلة الثانية فعل مثل ذلك وأخفوا ذلك من زياد ، فلمّا كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك فاُخبر بذلك أبوها فانطلق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال له  : بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ، أمرتني بتزويج جويبر ولا والله ما كان من مناكحنا ولكن طاعتك أوجبت عليّ تزويجه ، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)  : فما الذي أنكرتم منه  ؟ فقال  : إنّا هيّئنا له بيتاً ومتاعاً وأدخلت بنتي البيت واُدخل معها مغتمّاً ، فما كلّمها ولا نظر إليها ولا دنا منها ، بل قام إلى زاوية البيت فلم يزل تالياً للقرآن راكعاً وساجداً حتّى سمع النداء ، وخرج وفعل مثل ذلك في الليلة الثانية ومثل ذلك في الليلة الثالثة ، ولم يدن منها ولم يكلّمها إلى أن جئتك وما نراه يريد النساء ، فانظر في أمرنا .

             فانصرف زياد وبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جويبر ، فقال له  : أما تقرب النساء  ؟ فقال له جويبر  : أوَ ما أنا بفحل ، بلى يا رسول الله إنّي لشبق نهم إلى النساء ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  : قد خُبّرت بخلاف ما وصفت به نفسك ، وقد ذكر لي أ نّهم هيّأوا لك بيتاً وفراشاً ومتاعاً واُدخلت عليك فتاة حسناء عطرة وأتيت مغتمّاً فلم تنظر إليها ولم تكلّمها ولم تدنُ منها فما دهاك إذاً  ؟

             فقال له جويبر  : يا رسول الله اُدخلت بيتاً واسعاً ورأيت فراشاً ومتاعاً وفتاة حسناء عطرة ، وذكرت حالي التي كنت عليها وغربتي وحاجتي ووضيعتي وكينونتي مع الغرباء والمساكين ، فأحببت إذ أولاني الله ذلك أن أشكره على ما  أعطاني وأتقرّب إليه بحقيقة الشكر ، فنهضت إلى جانب البيت فلم أزل في صلاتي تالياً للقرآن راكعاً وساجداً أشكر الله تعالى حتّى سمعت النداء ، فخرجت ، فلمّا أصبحت رأيت أن أصوم ذلك اليوم ففعلت ذلك ثلاثة أيام ولياليها ، ورأيت ذلك في جنب ما أعطاني الله عزّ وجلّ يسيراً ، ولكنّي ساُرضيها واُرضيهم الليلة إن  شاء الله تعالى .

             فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى زياد فأتاه فأعلمه بما قال جويبر فطابت أنفسهم ، قال  : ووفى لهم جويبر بما قال ، ثمّ إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج في غزوة له ومعه جويبر فاستشهد (رحمه الله) فما كان في الأنصار أيِّم أنفق منها بعد جويبر » .

             بيان  :

             « فرحّب به » رحّب به ترحيباً دعاه إلى الرحب أي المكان المتّسع يُقال مرحباً أي رحّب الله بك ترحيباً فجعل المرحّب موضع الترحيب ، وقيل معناه لقيت رحباً وسعة ، و  « الازدراء » الاحتقار والانتقاص ، و  « الدمامة » بالمهملة الحقارة والقبح والغضاضة الذلّة والهجمة البغتة ، والانتجاع الطلب ، والسقيفة كسفينة الصفة كما فسّرت ، والباسق المرتفع في علوّه ، والبوح الإظهار والإعلان ، والخدر بالكسر ستر يمدّ للجارية في ناحية البيت ، « مناكحنا » أي مواضع نكاحنا والمناكح في الأصل النساء ، و  « الشبق » الشديد الغلمة يُقال شبق الرجل إذا هاجت به شهوة النكاح فهو شبق ، والنهم الحريص ، والدهاء النكر ودهاه أصابه بداهية وهي الأمر العظيم .

             5 ـ الكافي  : بعض أصحابنا ، عن التيملي ، عن النخعي ، عن محمّد بن سنان ، عن رجل ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال  : « أتى رجل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال  : يا  رسول الله عندي مهيرة العرب وأنا اُحبّ أن تقبلها منّي وهي ابنتي ، قال  : فقال  : قد قبلتها ، قال  : واُخرى يا رسول الله ، قال  : وما هي  ؟ قال  : لم يضرب عليها صُدغ قطّ ، قال  : لا حاجة لي فيها ولكن زوِّجها من حلبيب ، قال  : فسقط رجلا الرجل ممّا دخله ثمّ أتى اُمّها فأخبرها الخبر فدخلها مثل ما دخله ، فسمعت الجارية مقالته ورأت ما دخل أبويها ، فقالت لهما  : ارضيا لي ما رضي الله ورسوله لي ، قال  : فتسلّى ذلك عنهما وأتى أبوها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره الخبر ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم)  : قد جعلت مهرها الجنّة » .

             وزاد صفوان فيه قال  : فمات حلبيب عنها فبلغ مهرها بعده مائة ألف درهم .

             بيان  :

             « المهيرة » الغالية المهر ، « واُخرى » أي لها خصلة اُخرى حسنة يرغب فيها ، و  « الصُدغ » بضمّ المهملة وإعجام الغين ما بين العين والاُذن ، وكأنّ ضربها كناية عن الإصابة بمصيبة ، و  « حلبيب اسم رجل » ، و  « سقوط الرجلين » كناية عن تغيّر الحال وإصابته شدّة الألم فإنّ ذلك ممّا بذهب بقوّة المشي .

             6 ـ الكافي  : محمّد ، عن أحمد وعلي ، عن أبيه ، عن ابن فضّال ، عن ابن  بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال  : « مرّ رجل من أهل البصرة شيبانيّ  يقال له عبد الملك بن حرملة على عليّ بن الحسين (عليهما السلام) فقال له عليّ بن الحسين (عليهما السلام)  : ألك اُخت  ؟ قال  : نعم ، قال  : فتزوِّجنيها  ؟ قال  : نعم ، قال  : فمضى الرجل وتبعه رجل من أصحاب عليّ بن الحسين (عليهما السلام) حتّى انتهى إلى منزله فسأل عنه فقيل له فلان بن فلان وهو سيّد قومه .

             ثمّ رجع إلى عليّ بن الحسين (عليهما السلام) فقال له  : يا أبا الحسن سألت عن صهرك هذا الشيبانيّ فزعموا أ نّه سيّد قومه ، فقال له عليّ بن الحسين (عليهما السلام)  : إنّي لأبديك يا فلان عمّا أرى وعمّا أسمع ، أما علمت أنّ الله تعالى رفع بالإسلام الخسيسة وأتمّ  به الناقصـة وأكرم به من اللؤم ، فلا لؤم على مسلم ، إنّما اللؤم على الجاهلية » .

             7 ـ الكافي  : عليّ ، عن أبيه ، عن ابن فضّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عمّن يروي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) « أنّ عليّ بن الحسين (عليهما السلام) تزوّج سريّة كانت للحسن بن عليّ (عليهما السلام) ، فبلغ ذلك عبد الملك بن مروان فكتب إليه في ذلك كتاباً  : أ نّك صرت بعلا للإماء ، فكتب إليه عليّ بن الحسين (عليهما السلام)  : إنّ الله رفع بالإسلام الخسيسة وأتمّ به الناقصة وأكرم به اللؤم ، فلا لؤم على مسلم ، إنّما اللؤم لؤم  الجاهلية ، إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنكح عبده ونكح أمته .

             فلمّا انتهى الكتاب إلى عبد الملك قال لمن عنده  : خبِّروني عن رجل إذا أتى ما يضع الناس لم يزده إلاّ شرفاً  ؟ قالوا  : ذاك أمير المؤمنين ، قال  : لا والله ما هو ذاك ، قالوا  : ما نعرف إلاّ أمير المؤمنين ، قال  : فلا والله ما هو بأمير المؤمنين ولكنّه عليّ بن الحسين (عليهما السلام) » .

             8 ـ عن الحسين بن بشار ، قال  : كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام)  : إنّ لي ذا قربة قد خطب إليّ وفي خلقه سوء ، قال  : لا تزوّجه إن كان سيّء الأخلاق .

             يعني ليس عنوان القرابة وأ نّه ابن العم وابن الخال أو غير ذلك هو ملاك الزواج في الإسلام ، إنّما الملاك حسن الأخلاق حتّى لو كان بعيداً ، ومن كان سيء الأخلاق فإنّه لا يزوّج حتّى ولو كان قريباً ، وبهذا ينصلح الشاب الذي فيه سوء خلق ، فإنّه يعلم أنّ المجتمع لا يرضى به حتّى أقربائه لا يزوّجونه .

             9 ـ عن الحسين بن بشار أيضاً ، قال  : كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) في رجل خطب إليّ ، فكتب (عليه السلام)  : من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته كائناً من كان فزوّجوه (  إلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ  )([180]) .

             وبهذه الآية الشريفة استدلّ الإمام (عليه السلام) بأ نّه من يتصعّب ويتعصّب في أمر الزواج بأيّ سبب كان كغلاء المهور في عصرنا هذا ، فإنّه ممّـا يساعد على نشر الفساد في الأرض ، فإنّ الزواج صمّـام أمان لكثير من المزالق والذنوب والآثام الفردية والاجتماعية .

             فمن يترك الزواج أو يتصعّب في أمره ، ولا يسهّل صعوباته ويذلّل مشاكله ، فإنّه يكون مساهماً في الفتنة في الأرض وإشاعة الفساد الكبير .

             والعمدة هي الكفاءة الدينية وحفظ الأمانة ، وإن كان اليسار والسعة في المال من العوامل أيضاً ، إلاّ أ نّه في الدرجة الثانية ، فالمؤمن كفو المؤمن بالإيمان والتقوى .

             10 ـ عن الصادق (عليه السلام) ، قال  : المؤمنون بعضهم أكفاء بعض ، وقال (عليه السلام)  : الكفو أن يكون عفيفاً وعنده يسار .

             وربما من العوامل التي تقرّب الزواج ، القرابة .

             11 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  : إنّما أنا بشر مثلكم ، أتزوّج فيكم واُزوّجكم ، إلاّ فاطمة فإنّ تزويجها نزل من السماء ، ونظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أولاد عليّ وجعفر فقال  : بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا .

             وربما يكون هذا حكم خاص ببيت النبوّة ، أو ببني هاشم ، أو ذرية الرسول  الأكرم (صلى الله عليه وآله) . ومن هذا المنطلق تجد بعض العوائل الأشراف من السادة العلويّين لا يزوّجون بناتهم إلاّ من العلويين الأشراف .

             ومن الملاكات الأساسية في الكفاءة الزوجية التقوى . وما أدراك ما  التقوى  ؟ فإنّ خير الدنيا والاُخرى فيها ، وتظهر آثارها حتّى في الحياة الزوجية .

             12 ـ من كتاب تهذيب الأحكام ، جاء رجل إلى الحسن (عليه السلام) يستشيره في  تزويج ابنته ، فقال  : زوّجها من رجل تقي ، فإنّه إذا أحبّها أكرمها ، وإن أبغضها لم يظلمها .

             وهذا تذكّر للمتّقي أيضاً أ نّه عندما يحبّ زوجته عليه أن يكرمها ، وإن أبغضها فلا يجحف بحقّها ولا يظلمها ، بل يتعامل معها بالعدل والإحسان والمعروف .

             13 ـ هذا لمن يزوّج بنته وكريمته من رجل متّقي ، أمّا من زوّجها من رجل فاسق لا يراعي حقوق الله والناس ، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  : « من زوّج كريمته من فاسق فقد قطع رحمه » ، ومعلوم قاطع الرحم في النار ، فإنّه يستحبّ صلة الأرحام ، ويحرم قطعها كما هو مذكور في محلّه .

             ومن المعاصي الزنا وشرب الخمر ، وقد ورد النهي في خصوصهما .

             14 ـ عن الحلبي ، قال  : قال الصادق (عليه السلام)  : لا تتزوّجوا المرأة المستعلنة بالزنا ، ولا تزوّجوا الرجل المستعلن بالزنا ، إلاّ أن تعرفوا منهما التوبة .

             15 ـ وعن زرارة ، قال  : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله عزّ وجلّ  : (  الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إلاَّ زَان أوْ مُشْرِكٌ  )([181])  ؟ فقال  : هي نساء مشهورات بالزنا ورجال مشهورون بالزنا ومعروفون به ، والناس اليوم بتلك المنزلة ، من اُقيم عليه حدّ الزنا أو شهر بالزنا لا ينبغي لأحد أن يناكحه حتّى يعرف
منه توبة .

             وبهذا المثل ضرب الأئمة (عليهم السلام) أروع مثال لسلامة المجتمع من المعاصي ، ورجوع الناس دائماً لا سيّما الشباب إلى التوبة والاستغفار .

             16 ـ قال (صلى الله عليه وآله)  : من شرب الخمر بعدما حرّمها الله فليس بأهل أن يزوّج إذا خطب .

             ثمّ من الملاكات الإسلامية في أمر الزواج هو الإسلام نفسه ، لا الغنى والثروة كما فعل النبيّ في إثبات ذلك ، فقال (صلى الله عليه وآله)  : أنكحت زيد بن حارثة ـ  وكان فقيراً  ـ زينب بنت جحش ، وأنكحت المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطّلب ، وكانت من أشراف العرب وسادتهم ، ليعلموا أنّ أشرف الشرف  : الإسلام .

             17 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  : أنكحوا الأكفاء وأنكحوا منهم ، واختاروا لنطفكم([182]) .

             18 ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال  : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  : لا تسبّوا قريشاً ولا تبغضوا العرب ، ولا تذلّوا الموالي ، ولا تساكنوا الخوز ، ولا تزوّجوا إليهم ، فإنّ لهم عرقاً يدعوهم إلى غير الوفاء .

             19 ـ عن فقه الرضا ، إن خطب إليكم رجل رضيت دينه وخلقه فزوّجه ، ولا يمنعك فقره وفاقته ، قال الله تعالى  : (  وَإنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاّ مِنْ سَعَتِهِ  )([183]) ، وقال  : (  إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ  )([184]) ، ولا يتزوّج شارب الخمر ، فإنّ من فعل فكأنّما قادها إلى الزنا .

             20 ـ قال بعض الخوارج لهشام بن الحكم  : العجم تتزوّج في العرب  ؟ قال  :  نعم . قال  : فالعرب تتزوّج في قريش  ؟ قال  : نعم . قال  : فقريش تتزوّج في بني هاشم  ؟ قال  : نعم . فجاء الخارجي إلى الصادق (عليه السلام) فقصّ عليه ثمّ قال  : أسمعه منك . فقال (عليه السلام)  : نعم ، فقد قلت ذاك . قال الخارجي  : فها أنا ذا قد جئتك خاطباً ، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام)  : إنّك لكفو في دينك وحسبك في قومك ، ولكنّ  الله عزّ وجلّ صاننا عن الصدقات وهي أوساخ أيدي الناس فنكره أن نشرك فيما فضّلنا الله به من لم يجعل الله له مثل ما جعل لنا ، فقام الخارجي وهو يقول  : بالله ما رأيت رجلا مثله ردّني والله أقبح ردّ وما خرج من قول صاحبه([185]) .

             21 ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال  : لولا أنّ الله تبارك وتعالى خلق أمير  المؤمنين (عليه السلام) لفاطمة ما كان لها كفو على ظهر الأرض .

             22 ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال  : تزوّجوا في الشكاك ولا تزوّجوهم ، لأنّ المرأة تأخذ من أدب الرجل ويقهرها على دينه .

             23 ـ عن ابن سنان ، قال  : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)  : بكم يكون الرجل مسلماً يحلّ مناكحته وموارثته وبما يحرم دمه  ؟ فقال  : يحرم دمه بالإسلام إذا أظهره ويحلّ مناكحته وموارثته .

             24 ـ عن زرارة ، قال  : قلت لأبي جعفر (عليه السلام)  : أتخوّف أن لا تحلّ لي أن أتزوّج صبيّة من لم يكن على مذهبي ، فقال  : ما يمنعك من البله من النساء اللاتي لا يعرفن ما أنتم عليه ولا ينصبن ـ  أي لا تنصب عداوة آل محمّد في قلبها  ـ  .

             25 ـ عن ابن سنان ، قال  : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الناصب الذي قد عرف نصبه وعداوته ، هل يزوّجه المؤمن وهو قادر على ردّه  ؟ قال  : لا يتزوّج المؤمن ناصبة ولا يتزوّج الناصب مؤمنة ، ولا يتزوّج المستضعف مؤمنة ـ  أي لا يأخذ من أبناء العامة امرأة جعفرية  ـ  .

             وتزويج اليهودية والنصرانية جائز ، ولكنّهما تمنعان من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير وعلى من تزوّجها في دينه غضاضة ، كما ورد في الخبر الشريف .

             26 ـ عن زرارة ، قال  : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)  : أتزوّج المرجئة أو الحرورية أو القدرية  ؟ قال  : لا ، عليك بالبله من النساء ، قال زرارة  : فقلت  : ما هي إلاّ مؤمنة أو كافرة  ؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام)  : فأين أهل استثناء الله ، قول الله أصدق من قولك  : (  إلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا  )([186]) .

             27 ـ عن العبد الصالح ، قال  : سألناه عن قوله  : (  وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ اُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ  )([187]) ، ما هنّ وما معنى إحصانهن  ؟ قال  : هن العفائف من نسائهم .

             28 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى  : (  وَلا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَة وَلَوْ أعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِك وَلَوْ أعْجَبَكُمْ  )([188]) ، وذلك إنّ المسلمين كانوا ينكحون في أهل الكتاب من اليهود والنصارى وينكحونهم حتّى نزلت الآية ، نهى أن ينكح المسلم من المشرك أو ينكحونه ، ثمّ قال تعالى في سورة المائدة ما نسخ هذه الآية ، فقال  : (  وَطَعَامُ الَّذِينَ اُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ اُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ  )([189]) ، فأطلق عزّ وجلّ مناكحتهن بعد أن كان نهى وترك قوله  : (  وَلا تُنكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا  )([190]) ، على حاله لم ينسخه .

             فمع هذه الروايات الشريفة والآيات الكريمة في بيان الكفاءة في الزواج ليت أنّ الآباء والاُمّهات يدقّقوا في أمر الزواج ، وأن يدرسوه دراسةً واعية ومتأنية ، وأن لا يعتمدوا على المظاهر الخادعة أو الظواهر الكاذبة البرّاقة التي تعشي العيون ، فلا بدّ من التأ نّي في أمر الزواج لكي لا تكون النتيجة مأساوية ومؤسفة .


الفصل الخامس

الرضا شرط في الزواج

             كلّ عمل وفعل إنساني إرادي مسبوق بالإرادة ، وهي تعني طلب المراد ، ويتوقّف ذلك على مقدّمات  : كتصوّر الشيء المراد ، والتصديق بفائدته ، والشوق إليه ، والشوق المؤكّد المحرّك للعضلات نحو تحقّقه وإيجاده .

             وأمر الزواج لا بدّ من إرادة سابقة لتحقّقه حتّى يتمّ بالاختيار والانتخاب ، ومن لوازم إرادة التزويج أن يكون للشابّ والشابّة رضاً في ذلك ، بأن يهوى الزواج ويبغيه بلا إكراه وإجبار ، بل لو اُكرهت المرأة على ذلك كان العقد باطلا ، والنكاح سفاحاً محرّماً حتّى ترضى ، ويتمّ العقد من جديد أو كان فضوليّاً .

             فيرجع قبول الزواج ورفضه ابتداءً إلى المرأة  :

             1 ـ عن صفوان ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال  : تستأمر البكر وغيرها لا تنكح إلاّ بأمرها .

             2 ـ وقد روي عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) أ نّه ذكر حديث تزويجه من فاطمة وأ نّه طلبها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال  : يا عليّ ، إنّه قد ذكرها قبلك رجال ، فذكرت ذلك لها فرأيت الكراهة في وجهها ، ولكن على رسلك حتّى أخرج إليك ، فدخل عليها ، فأخبرها وقال  : إنّ عليّاً قد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين  ؟ فسكتت ولم تول وجهها ولم ير فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) كراهة ، فقام وهو يقول  : الله أكبر سكوتها إقرارها([191]) .

             3 ـ وذكر أنّ فتاة جاءت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) تشكوا أباها فقالت  : يا رسول الله إنّ أبي زوّجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته وأنا له كارهة ، فقال (صلى الله عليه وآله)  : أجيزي ما صنع أبوكِ ، فقالت  : لا رغبة لي فيما صنع أبي ، فقال  : إذن فاذهبي وتزوّجي من شئتِ ، فقالت  : لا رغبة لي عمّا صنع أبي .

             والمستفاد من الأحاديث الشريفة في هذا الباب أنّ الثيّب لها أن تزوّج نفسها ولا دخل لوليّ أمرها في شأن زواجها ، وأمّا البكر فإنّها وإن تزوّج بإذن وليّها ولكن لا بدّ من رضاها أيضاً ، فهو الأساس في أصل زواجها ، فلها الحقّ في قرار الزواج ولها رفضه ، ولا يصحّ إكراهها عليه ، ( تستأمر البكر وغيرها ولا تنكح إلاّ بأمرها ) وحينئذ يصبح العقد باطلا إذا أعلنت عن عدم موافقتها .

             فالتشريع الإسلامي هو أوّل تشريع من نوعه ، وأحدث نظام ارتفع بالمرأة إلى مكانتها السامية واللائقة في المجتمع الإنساني وقرّر كلّ ما لها من حقوق وبين كلّ ما عليها من واجبات ، وكذلك الرجل .

             فالشابّ لا بدّ له من رغبة نحو الزواج بأن يرغب في أصل الزواج ، كما يرغب في المورد والبنت أو المرأة التي يريد أن يتزوّجها ، وربما تكون هذه الرغبة موافقة لرغبة الوالدين أيضاً ، فنعم المطلوب ويتمّ كلّ شيء على ما يرام . ولكن في بعض العوائل يقع الاختلاف بين الوالدين وبين اختيار الولد ورضاه ، فمن يقدّم  ؟

             1 ـ عن ابن أبي يعفور ، عن الصادق (عليه السلام) ، قال  : قلت  : إنّي أردت أن أتزوّج امرأة وإنّ أبوي أرادا غيرها ، قال  : تزوّج الذي هويت ودع التي هوى أبواك .

             وهذا يعني أنّ الولد هو الذي يريد أن يعيش مع زوجته ، فإرادته مقدّمة ، إلاّ أ نّه لا مطلقاً ، بل ربما العشق الكاذب والهوى المنحرف يعمي بصر الولد ويصمّ سمعه عن أن يرى حقيقة البنت ، فربما جمالها الظاهري يغويه فيهواها وهو غافل بأ نّها في منبت سوء ، والرسول الأعظم قال  : إيّاكم وخضراء الدمن ، قيل  : وما  خضراء الدمن  ؟ قال  : المرأة الحسناء في منبت سوء .

             فالوالدان هنا يخالفان مثل هذا الزواج لمصلحة الولد ، لأ نّهما أكثر علماً وأكثر تجربةً في هذا الوادي ، فالولد عليه أن ينتفع من خبرتهما وتجربتهما ويأخذ بقولهما إذا كان مصحوباً بالاستدلال والمنطق السليم ، فلا يتبع هواه ، فإنّه يضلّ بذلك الطريق الصحيح في الحياة الزوجية ويفقد أكبر رصيد عائلي واجتماعي في حياته ، وأكبر عمودين في مستقبله ، وهما الوالدان . وهذا ليس من الحكمة والعقل السليم .

             فلا بدّ من ملاحظة المواقف والمنطق السليم والعقل الراجح والمشاورة الصادقة .


السعي في الزواج

             ربما لصعوبة الظروف الاقتصادية لا يتمكّن الشاب أو الشابّة من الإقدام على الزواج ، وتبقى العزوبة حاكمة حتّى يفوت الأوان ، ففي مثل هذا الموقف لا بدّ من سعي وحركة من قبل الآخرين كالوالدين والأقرباء والمؤمنين أصحاب المال والخير ، ولمن فعل ذلك ثواب عظيم ، ومن خلال ذكر الثواب في الروايات نعرف مدى اهتمام الشارع المقدّس بأمر الزواج والسعي فيه  :

             1 ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال  : أربعة ينظر الله عزّ وجلّ إليهم يوم القيامة  : من أقال نادماً ، أو أغاث لهفاناً ، أو أعتق نسمة ، أو زوّج عزباً([192]) .

             2 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  : من عمل في تزويج حلال حتّى يجمع الله بينهما زوّجه الله من الحور العين ، وكان له بكلّ خطوة خطاها وكلمة تكلّم بها عبادة سنة([193]) .

             3 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال  : أفضل الشفاعات أن يشفع بين اثنين في نكاح حتّى يجمع شملهما([194]) .

             ولا يخفى أنّ السعي لا بدّ أن يكون عن دراسة ووعي كامل حتّى لا يندم على فعله وسعيه ، كما يحدث لبعض سعاة الخير ، فإنّه ليس على المحسنين من سبيل .


الزواج  المبكّر

             اختلفت الآراء في الزواج المبكّر لا سيّما في مثل عصرنا المكفهرّ ، فمنهم من يحبّذ ذلك ويحثّ عليه ، ومنهم من لا يرى ذلك لعدم النضوج الفكري والمعاشي بين الشباب ، والعلم وإن تطوّر في التكنولوجيا وغزو الفضاء ، وأصبح العالم قرية صغيرة بحضور « الكومبيوتر والمعلوماتية » ، إلاّ أنّ الأخلاق فسدت وانحطّت العقول وفقدت صوابها ، وأصبح الشباب طائشاً لا يدري ماذا يفعل ، ومثله لا يحسن إدارة العائلة ويقوم بحقوق المرأة والأولاد ...

             وبنظري إنّ الدين الإسلامي هو الدين الخالد وأحكامه وقوانينه أبدية ، ولا تنحصر بعصر خاصّ أو مصر خاصّ ، بل لكلّ الأجيال ولكلّ الأمصار والأعصار فهو حيّ يتماشى مع كلّ العصور .

             وأمّا ميوعة الشباب وطيشه إنّما هو حصيلة ابتعاده عن الدين والأخلاق والقيم الإنسانية ، فلو رجعنا إلى الدين وإلى القرآن الكريم والعترة الطاهرة لركبنا سفينة النجاة ، ورسونا على ساحل الاطمئنان وشاطئ السلامة والسعادة .

             فالإسلام يرى حسن الزواج المبكّر سواء الذكر والاُنثى ، بل يرى أنّ ذلك من السعادة .

             1 ـ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، قال  : من سعادة الرجل أن لا تحيض ابنته في بيته .

             2 ـ عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، قال  : ما من شاب تزوّج في حداثة سنّه إلاّ عجّ شيطانه  : يا ويله يا ويله ، عصم منّي ثلثي  دينه ، فليتّقِ العبد في الثلث الباقي .

             عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)  : من حقّ الولد على والده ثلاثة  : يحسن اسمه ، ويعلّمه الكتابة ، ويزوّجه إذا بلغ .

             فالزواج المبكّر حسن وجميل ونافع ...

             أجل  : « يجب أن لا يفتح قلب الفتاة لأحد قبل أن يُفتح لزوجها الذي تعيش معه شوط الحياة كي لا تنغص حياتها ذكريات الماضي ، وهذا لا يتحقّق إلاّ بالزواج المبكّر الذي تتفتّح فيه للفتاة براعم اُنوثتها في حياتها الزوجيّة وتحت سقف عشّه السعيد .

             فالفتاة التي تبدأ حياتها بالغرام والتنقّل بين أحضان الرجال لا تستطيع أن تتمتّع بعد ذلك بحبّ شريف ، فكم من فتاة فسدت حياتها على أيدي الوحوش الضارية من أبناء هذا العصر والماجنين من شبابه ، إذ أ نّهم يحبّونها ويعدونها بالزواج ثمّ يتركونها ولعلّ البعض منهم يطلبون منها صورتها أيّام الحبّ فإذا ما  تزوّجت بعد تركهم شهّروا بها ، أو قد يرسلون صورتها إلى زوجها ، فيحطّمون حياتها الزوجيّة كما حطّموا عهد شبابها ، فترجع إلى أهلها ( بخفّي حنين ) وقد خسرت سعادتها الزوجية ، وتفارقها زوجها بالطلاق أو بغيره ، وما ذلك إلاّ نتيجة لعدم حرصنا على فتياتنا على بناتنا ، بنات مجتمعنا ونساء اُمّتنا .

             فكأنّ المجتمع قد اختار للمرأة أحد طريقين لا ثالث لهما ، إمّا الجهل الدائم أو السقوط المهلك ، لذلك أبعثها صرخةً مدويّة في ربوع الوطن الإسلامي إلى جميع الآباء والاُمّهات ، إلى جميع الفتيان والفتيات ، من أجل الخلاص من السقوط وبناء المجتمع الصالح  : إلى الزواج المبكّر وعدم المغالاة في المهور ، فإنّ الزواج خير وسيلة للخلاص .

             فإلى دفء أحضان الأزواج بالطريقة المشروعة أ يّتها الفتيات ، فهو أولى لكنّ من التنقّل بين الأحضان بالطريقة المحرّمة ، فإلى الزواج المبكّر وإلى الاستجابة إلى الحاجة النفسية والإنجاب الشرعي ، فإنّه أولى من ممارسة الحبّ الساقط وعمليات الإجهاض المحرّمة ، فإلى الشرف وإلى العفّة وإلى الاُمومة الشرعيّة ... إلى الزواج المبكّر »([195]) .


الخطبة

             من أحكام الزواج المستحبّة في الشريعة الإسلامية المقدّسة الخطبة قبل العقد ، والمقصود من العقد هو الإيجاب والقبول كما سنذكر ذلك ، والخطبة تعني أن يذكر العاقد بعض فضائل الزواج من خلال الآيات القرآنية والروايات الشريفة والعقل السليم وتحبيذه عند العقلاء .

             وقد وردت خطب شريفة عن الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) في هذا الباب ، ومن خلالها سوف نقف على مفاهيم جديدة ، وعلى فلسفة الزواج في الإسلام ، وفي منطق أهل البيت (عليهم السلام) ، فإليكم بعض النماذج من الخطب الشريفة .

             1 ـ وخطب أبو طالب لمّـا تزوّج النبيّ (صلى الله عليه وآله) بخديجة بنت خويلد بعد أن خطبها من أبيها ـ  ومن الناس من يقول إلى عمّها  ـ فأخذ بعضادتي الباب ومن شاهد من قريش حضور ، فقال  : « الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم (عليه السلام)وذرية إسماعيل (عليه السلام) ، وجعل لنا بيتاً محجوباً وحرماً آمناً (  يُجْبَى إلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْء  )([196]) ، وجعلنا الحكّام على الناس في بلدنا الذي نحن فيه ، ثمّ إنّ ابن أخي هذا محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب لا يوزن برجل من قريش إلاّ رجح به ، ولا يقاس به أحد وإن كان في المال قلّ ، فإنّ المال رزق حائل وظلّ زائل ، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة ، والصداق ما شئتم عاجلة وآجلة من مالي ، وله خطر عظيم وشأن رفيع ولسان شافع جسيم ، فزوّجه ، ودخل بها من الغد .

             2 ـ ويستحبّ أن يخطب بخطبة الرضا (عليه السلام) تبرّكاً بها ، لأ نّها جامعة في
معناها ، وهي  : الحمد لله الذي حمد في الكتاب نفسه ، وافتتح بالحمد كتابه ، وجعله أوّل محلّ نعمته وآخر جزاء أهل طاعته ، وصلّى الله على محمّد خير بريّته ، وعلى آله أئمة الرحمة ومعادن الحكمة ، والحمد لله الذي كان في نبئه الصادق وكتابه الناطق ، إنّ من أحقّ الأسباب بالصلة ، وأولى الاُمور بالتقدمة ، سبباً أوجب نسباً ، وأمراً أعقب حسباً ( غنىً ) فقال جلّ ثناؤه  :

             (  وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً  )([197]) .

             وقال  :

            (  وَأنكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإمَائِكُمْ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ  )([198]) .

             ولو لم يكن في المناكحة والمصاهرة آية منزلة ولا سُنّة متّبعة ، لكان فيما  جعل الله فيها من برّ القريب وتآلف البعيد ما رغب فيه العاقل اللبيب ، وسارع إليه الموفّق المصيب ، فأولى الناس بالله من اتّبع أمره ، وأنفذ حكمه ، وأمضى قضاءه ، ورضي جزاءه ، ونحن نسأل الله تعالى أن ينجز لنا ولكم على أوفق الاُمور ، ثمّ إنّ ( فلان بن فلان )([199]) من قد عرفتم مروّته وعقله وصلاحه ونيّته وفضله ، وقد أحبّ شركتكم وخطب كريمتكم ( فلانة )([200]) وبذل لها من الصداق كذا([201]) ... فشفعوا شافعكم وأنكحوا خاطبكم في يسر غير عسر ، أقول قولي هذا
وأستغفر الله لي ولكم »([202]) .

             في هذه الخطبة الشريفة الجامعة نكات لطيفة وإشارات ظريفة يقف عليها العاقل اللبيب ، كقوله (عليه السلام) أخيراً ( في يسر غير عسر ) وهذا يعني تسهيل الأمر في مسألة الزواج ، لكلّ ما لكلمة التسهيل من معنى ومصداق ، وأ نّهما يختلفان باختلاف الأعصار والأمصار .

             3 ـ ومن الخطب الشريفة  : لمّـا تزوّج أبو جعفر محمّد بن عليّ الرضا (عليه السلام)ابنة المأمون خطب لنفسه ، فقال  : « الحمد لله متمّم النعم برحمته ، والهادي إلى شكره بمنّه ، وصلّى الله على محمّد خير خلقه الذي جمع فيه من الفضل ما فرّقه في الرسل قبله ، وجعل تراثه إلى من خصّه بخلافته وسلّم تسليماً . وهذا أمير المؤمنين زوّجني ابنته ـ  قال أمير المؤمنين لمخاطبة الناس إيّاه بذلك لا لما هو الواقع ، فإنّ  المأمون أمير الفاسقين كما يشهد بذلك التأريخ الصحيح  ـ على ما فرض الله عزّ وجلّ للمسلمات على المؤمنين من (  فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسَان  )([203]) ، وبذلت لها من الصداق ما بذله رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأزواجه وهو اثنتا  عشرة أوقية ونشّ ( الأوقية عندهم أربعون درهماً ، والنش  : النصف من كلّ شيء ) على تمام الخمسمائة ، وقد نحلتها من مالي مئة ألف درهم ، زوّجتني يا  أمير المؤمنين  ؟ قال  : بلى . قال  : قبلت ورضيت .

             4 ـ ومن الخطب  : خطبة الإمام محمّد التقي (عليه السلام) عند تزويجه بنت  المأمون  : الحمد لله إقراراً بنعمته ، ولا إله إلاّ الله إخلاصاً بوحدانيّته ، وصلّى الله على محمّد سيّد بريّته ، وعلى الأصفياء من عترته ، أمّا بعد فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام ، فقال سبحانه  : (  وَأنكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإمَائِكُمْ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ  )([204]) ، ثمّ إنّ محمّد بن عليّ بن موسى يخطب اُمّ الفضل ابنة عبد الله المأمون وقد بذل لها من الصداق مهر جدّته فاطمة (عليها السلام) بنت محمّد (صلى الله عليه وآله) وهو خمسمائة درهم جياداً ، فهل زوّجتني يا أمير المؤمنين بها على الصداق المذكور  ؟ قال المأمون  : نعم قد زوّجتك يا أبا جعفر اُمّ الفضل بنتي على الصداق المذكور ، فهل قبلت النكاح  ؟ قال أبو جعفر (عليه السلام)  : نعم قبلت النكاح ورضيت به .