فضيلة العلم والعلماء

السيد  عادل  العلوي

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة العلم والعلماء([1])

القسم الأوّل

             الحمد لله الذي علّم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان ، والصلاة والسلام على أشرف خلقه وسيّد رسله محمّد الأمين وعلى آله الطاهرين الأئمة المعصومين .

             الإسلام والدعوة إلى العلم  :

             قال الله تعالى في محكم كتابه ومبرم خطابه  :

             (  إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ  )([2]) .

             وقال سبحانه  :

             (  وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ  )([3]) .

             فالإسلام هو دين الله القويم والصراط المستقيم من يبتغ غيره فقد ضلّ وأضلّ ، ولا يقبل منه ، فخسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين .

             واعلم أنّ مصدر التشريع الإسلامي هو القرآن الكريم والسنّة الشريفة
المتمثّلة بقول المعصوم (عليه السلام)وفعله وتقريره وهو النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) وعترته الأئمة الأطهار (عليهم السلام) .

             فالمعارف الإسلامية الغنيّة إنّما نأخذها من هذين المصدرين الثقلين كما ورد في حديث الثقلين المتّفق عليه عند الفريقين السنّة والشيعة . إنّ الرسول الأعظم قال في مواطن كثيرة  :

             « إنّي تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » .

             وحينما نرجع إلى الآيات الكريمة والروايات الشريفة نجد الاهتمام البالغ والحثّ الأكيد على العلم والعلماء وفضلهما ، فما أعظم العلم والعلماء منزلةً ورفعةً في الإسلام وفي قاموسه وثقافته .

             قال الله تعالى  :

             (  يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ دَرَجَات  وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ  )([4]) .

             (  نَرْفَعُ دَرَجَات مَنْ نَشَاءُ وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْم عَلِيمٌ  )([5]) .

             وقال عزّ وجلّ  :

             (  هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ  )([6]) .

             وإنّه سبحانه قارن بينه وبين اُولي العلم في مقام الشهادة على توحيده فقال
سبحانه  :

             (  شَهِدَ اللهُ أ نَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَاُوْلُوا العِلْمِ  )([7]) .

             وقد أمر نبيّه الأكرم (صلى الله عليه وآله) أن يسأل ربّه في زيادة العلم بقوله تعالى  :

             (  وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً  )([8]) .

             وقال في وصف عبد من عباده  :

             (  وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ  )([9]) .

             (  وَلَـقَدْ آ تَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الحَمْدُ للهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِير مِنْ عِبَادِهِ  )([10]) .

             (  وَلَمَّا بَلَغَ أشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً  )([11]) .

             وقال  :

             (  أفَمَنْ يَعْلَمُ أ نَّمَا اُنزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الحَقُّ كَمَنْ هُوَ أعْمَى إنَّمَا يَتَذَكَّرُ اُوْلُوا الألْبَابِ  )([12]) .

             فغير العالم يكون من العميان .

             (  نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْم يَعْلَمُونَ  )([13]) .

             (  وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ أ نَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ
قُلُوبُهُمْ  )([14]) .

             (  وَمَا يَعْقِلُهَا إلاَّ العَالِمُونَ  )([15]) .

             (  بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ  )([16]) .

             (  وَيَرَى الَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ الَّذِي اُنزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الحَقَّ  )([17]) .

             (  وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالقَـلَمِ  )([18]) .

             عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال  :

             « أعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه »([19]) .

             « وأكثر الناس قيمةً أكثرهم علماً ، وأقلّ الناس قيمةً أقلّهم علماً » .

             وعنه عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام)قال  : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنّة » .

             و  « إنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به ، وإنّه ليستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتّى الحوت في البحر » .

             و  « فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر » .

             و  « إنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن
ورثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافر » .

             وقال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)  :

             « ولا كنز أنفع من العلم » .

             « قيمة كلّ امرئ ما يحسنه » .

             قال الخليل بن أحمد  : هذه أحثّ كلمة على طلب العلم ، فهي من غُرر الحِكَم وجوامع الكَلِم ، وطوبى لمن عرف قدر نفسه .

             قال (عليه السلام)  :

             « تعلّموا العلم فإنّ تعلّمه حسنة ، ومدارسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وهو أنيس في الوحشة ، وصاحب في الوحدة ، وسلاح على الأعداء ، وزين الأخلاّء ، يرفع الله به أقواماً يجعلهم في الخير أئمة يُقتدى بهم ، تُرمق أعمالهم ، وتقتبس آثارهم ، ترغب الملائكة في خلّتهم ، يمسحونهم بأجنحتهم في صلاتهم ، لأنّ العلم حياة القلوب ونور الأبصار من العمى وقوّة الأبدان من الضعف ، وينزل الله حامله منازل الأبرار ، ويمنحه مجالسة الأخيار في الدنيا والآخرة ، بالعلم يُطاع الله ويُعبد ، وبالعلم يُعرف الله ويوحّد ، وبالعلم توصل الأرحام ، وبه يعرف الحلال والحرام ، والعلم إمام العقل والعقل تابعه ، يلهمه الله السعداء ويحرّمه الأشقياء » .

             فالسعيد من يلهمه الله العلم ، والشقيّ من يحرم من ذلك العلم ، والعلم هو الأساس لكلّ عمل .

             قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)  :

             « رأس الفضائل العلم » .

             و  « غاية الفضائل العلم » .

             و  « إنّه يتفاضل الناس بالعلوم والعقول لا بالأموال والاُصول » .

             و  « معرفة العلم دين يدان به ، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته ، وجميل الاُحدوثة بعد وفاته » .

             قال الإمام الصادق (عليه السلام)  :

             « إنّ خير ما ورّث الآباء لأبنائهم الأدب لا المال ، فإنّ المال يذهب والأدب يبقى » .

             قال مسعدة  : يعني بالأدب العلم .

             فخير وريث العلم ، وفي الأحاديث الشريفة  :

             « خير منجد في الحياة العلم » .

             وإنّه « حجاب من الآفات » .

             و  « مصباح العقل » .

             و  « أفضل هداية » .

             فهو « جمال لا يخفى ، ونسيب لا يجفى » .

             « زين الأغنياء وغنى الفقراء » .

             و  « أفضل شرف من لا قديم له » .

             « أشرف الأحساب ، يرفع الوضيع ، كما أنّ ترك العلم يضع الرفيع » .

             « فالعلم ضالّة المؤمن » .

             و  « لا كنز أنفع من العلم » .

             و  « كفى به شرفاً أن يدّعيه من لا يُحسنه ، ويفرح به إذا نسب إليه ، وكفى بالجهل ذمّاً يبرأ منه من هو فيه » .

             و  « من كساه العلم ثوبه اختفى عن الناس عيبه » .

             « فلا شرف كالعلم ، فإنّ الشريف كلّ الشريف من شرّفه علمه » .

             و  « إنّ قلباً ليس فيه شيء من العلم كالبيت الخراب الذي لا عامر له » .

             « فتعلّموا وعلّموا وتفقّهوا ولا تموتوا جهّالا ، فإنّ الله لا يُعذِرُ على الجهل » .

             فإنّ « العلم يهدي إلى الحقّ » .

             فما أعظم العلم  :

             فإنّ « كلّ وعاء يضيق بما جُعل فيه إلاّ وعاء العلم فإنّه يتّسع به » .

             وهذا يعني طلب العلم دائماً ، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « إذا أتى علَيَّ يومٌ لا أزداد فيه علماً يقرّبني إلى الله تعالى فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم » .

             « فمن قاتل جهله بعلمه ، فقد فاز بالحظّ الأسعد » .

             و  « ذنب العالم واحد ، وذنب الجاهل ذنبان ، العالم يُعذّب على ركوب الذنب ، والجاهل يُعذّب على ركوب الذنب وتركه العلم » .

             فهلمّوا إلى طلب العلم النافع والعمل الصالح  :

             « فما استرذل الله تعالى عبداً إلاّ حُرم العلم ، من علامة بُغض الله تعالى للعبد أن يبغض إليه العلم » .

             أجل  :

             « العلم رأس الخير كلّه ، والجهل رأس الشرّ كلّه » .

             « فهو أصل كلّ حال سَنيّ ، ومنتهى كلّ منزلة رفيعة » .

             قال الشهيد الثاني قدّس سرّه الشريف في كتابه القيّم الأخلاقي الذي لا بدّ لكلّ طالب علم أن يقرأه ، بل في كلّ عام مرّة ، قال  : إعلم أنّ الله سبحانه جعل العلم هو السبب الكلّي لخلق هذا العالم العِلوي والسفلي طرّاً ، وكفى بذلك جلالة وفخراً ،
قال الله تعالى في محكم الكتاب ، تذكرةً وتبصرةً لاُولي الألباب  :

             (  اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَات وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَـنَزَّلُ الأمْرُ بَـيْـنَهُنَّ لِـتَعْلَمُوا أنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ وَأنَّ اللهَ قَدْ أحَاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْماً  )([20]) .

             وكفى بهذه الآية دليلا على شرف العلم ، لا سيّما علم التوحيد الذي هو أساس كلّ علم ومدار كلّ معرفة . وجعل سبحانه العلم أعلى شرف وأوّل منّة امتنّ بها على ابن آدم بعد خلقه وإبرازه من ظلمة العدم إلى ضياء الوجود ، فقال سبحانه في أوّل سورة أنزلها على نبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله)  :

             (  ا قْرَأ بِسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَق * ا قْرَأ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالقَـلَمِ * عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَـعْلَمْ  )([21]) .

             فتأمّل كيف افتتح كتابه الكريم المجيد الذي  :

             (  لا يَأتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَـيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيم حَمِيد  )([22]) ، بنعمة الإيجاد ، ثمّ أردفها بنعمة العلم . فلو كان ثمّة منّة أو توجد نعمة بعد نعمة الإيجاد هي أعلى من العلم لما خصّه الله تعالى بذلك([23]) . انتهى كلامه رفع الله مقامه .

             هذا ، والله سبحانه خلق الإنسان من جسد وروح ، وكان الجسد من تراب فهو أرضي الوجود ، يفنى وإنّه ضيّق الحدود جدّاً ، فإنّه الذرّة في أبعادها الثلاث قبال الكوكب الذي يعيش فيه ، والكوكب الأرضي يعدّ ذرّة في مجرّة التبانة ، وهي
ذرّة في المجرّات المليونية ، وإنّها الذرّة في الفضاء الذي لا يتناهى ، وإنّه الذرّة في علم الله السرمدي الأبدي ، هذا حال جسد الإنسان في خلقته العناصريّة ، وأمّا روحه فإنّها من العالم الملكوتي ، من الله سبحانه  :

             (  وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي  )([24]) .

             وإنّها باقية ، ولها سعة وجوديّة ينطوي فيها العالم الأكبر ، فلا يقاس بها شيء ، استخلفت الله في أسمائه وصفاته .

             ولكن من العجب العجاب أنّ الإنسان يعتني بجسده غاية الاعتناء في مأكله ومشربه ولباسه وكلّ لوازم حياته المادّية ، مع علمه بالموت وبفناء الجسد ، فإنّه يأكل في اليوم مرّات ومرّات ، ويتغذّى بألوان من الأطعمة والأشربة ليبقى حيّاً ولو لأيام معدودات ، ويتلذّذ بالمأكولات والمشروبات ، إلاّ أ نّه قد غفل عن روحه وإطعامها وغذائها وحياتها ، وطعام الروح وحياتها إنّما هو بالعلوم والفنون ، فكيف يتغذّى كلّ يوم لا أقلّ ثلاث مرّات صباحاً وظهراً ومساءً ، ولا يتغذّى لروحه ولو لساعة في كلّ يوم بكسبها العلم  ؟  ! أليس العلم طعاماً كما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام)في قوله  : (  فَـلْيَـنْظُرِ الإنسَانُ إلَى طَعَامِهِ  )([25]) ; قال (عليه السلام)  : « إلى علمه ممّن يأخذ » .

             قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)  :

             « العلم حياة » .

             وقال  :

             « العلم حياة الإسلام وعماد الدين والإيمان » .

             وإنّه « محيي النفس ومنير العقل ومميت الجهل » .

             « حياة القلوب ونور الأبصار من العمى وقوّة الأبدان من الضعف » .

             و  « ما مات من أحيى علماً ، فإنّ الناس هلكى إلاّ العلماء ، اكتسبوا العلم يكسبكم الحياة » .

             وبهذا أصبح طلب العلم من أهمّ الواجبات العقلية والدينية الشرعية ، إذ به حياة الأرواح والقلوب .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة » .

             « به يطاع الربّ ويُعبد ، وبه توصل الأرحام ، ويعرف الحلال من الحرام ... » .

             « فتعلموا العلم فإنّ تعلّمه حسنة ، وإنّه خيرٌ من المال ، فإنّه العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق ، وصنيع المال يزول بزواله » .

             فهو « ميراث الأنبياء » .

             و  « لا يحصل عليه إلاّ المؤمن » .

             و  « يقوّي الرجل على المرور على الصراط » .

             « فأكثر الناس قيمة أكثرهم علماً ، وأقلّ الناس قيمة أقلّهم علماً » .

             « فالعلم والأدب ثمن نفسك فاجتهد في تعلّمهما ، فما يزيد من علمك وأدبك يزيد في ثمنك وقدرك » .

             « فإنّه بالعلم تهتدي إلى ربّك ، وبالأدب تحسن خدمة ربّك ، وبأدب الخدمة يستوجب العبد ولايته وقربه ، فاقبل النصيحة كي تنجو عن العذاب » .

             « فأقرب الناس من درجة النبوّة أهل العلم والجهاد » .

             « فطالب العلم ركن الإسلام ويُعطى أجره مع النبيّين » .

             « فالعلماء كأنبياء بني إسرائيل » .

             فهم « مصابيح الأرض وخلفاء الأنبياء » .

             « فتفقّه في الدين ، فإنّ الفقهاء ورثة الأنبياء » .

             و  « إنّ مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء » .

             و  « قد هلك خزّان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة » .

             « فالعالم حيّ وإن كان ميّتاً ، والجاهل ميّت وإن كان حيّاً » .

             و  « العلم أفضل من العبادة » .

             « من خرج يطلب باباً من علم ليردّ به باطلا إلى حقّ ، أو ضلالةً إلى هدى كان علمه ذلك كعبادة متعبّد أربعين عاماً » .

             « فقليل العلم خيرٌ من كثير العبادة » .

             و  « كلمة من الحكمة والعلم يسمعها الرجل فيقول أو يعمل بها خير من عبادة سنة » .

             و  « تذاكر العلم ساعة خيرٌ من قيام ليلة » .

             و  « نوم مع علم خيرٌ من صلاة على جهل » .

             و  « قليل العمل مع كثير العلم ، خيرٌ من كثير العمل مع قليل العلم والشكّ والشبهة » .

             « فطلب العلم أفضل عند الله من الصلاة والصيام والحجّ والجهاد في سبيل الله تعالى » .

             ومن هذا المنطلق العظيم في فضل العلم والعلماء نجد التركيز البالغ من قبل الأئمة الأطهار عترة النبيّ المختار آل محمّد الأبرار (عليهم السلام) على طلب العلم وفضله ، وإنّ الشيعي والمتابع لهم لا يكون ولا يغدو ولا يمسي إلاّ عالماً ربّانياً أو متعلّماً على سبيل النجاة ، ولا يكون من الناس ومن الغثاء الهالك ، بل الإمام الصادق (عليه السلام) يقول  :

             « ليت السياط على رؤوس أصحابي حتّى يتفقّهوا في الدين » .

             قال الإمام الباقر (عليه السلام)لابنه الإمام الصادق (عليه السلام)  :

             « يا بنيّ ، اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية ، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان ، إنّي نظرت في كتاب لعليّ (عليه السلام)فوجدت في الكتاب  : أنّ قيمة كلّ امرئ وقدره معرفته » .

             قال الإمام الصادق (عليه السلام)  :

      « اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنّا ، فإنّا لا نعدّ الفقيه منهم فقيهاً حتّى يكون محدّثاً ، فقيل له  : أوَ يكون المؤمن محدّثاً  ؟ قال  : يكون مفهّماً والمفهّم محدّث » .

             لا يخفى أ نّه في دراية هذه الرواية الشريفة قيل  : المحدّث تارة يقرأ بالكسر ، أي يكون من اسم الفاعل ، ويعني به أ نّه يحدّث الناس بأحاديث الله ورسوله وأهل بيته (عليهم السلام) ، واُخرى بالفتح أي اسم مفعول بمعنى أنّ الملائكة تحدّثه بالعلم الإلهامي ، كما ورد في الدعاء  : « وارزقني إلهام الملائكة المقرّبين » ، أي إلهام جبرئيل وميكائيل وأمثالهما من الملائكة المقرّبين ، وهذا من العلم النوراني الذي يقذفه الله سبحانه في قلب من يشاء أن يهديه إلى الصراط المستقيم  :

             « ليس العلم بكثرة التعلّم ، إنّما العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء أن يهديه » .

             فالمؤمن ملهم ومفهّم ومحدّث ، يناجيه ربّه في سرّه ، ويؤدّبه بأدبه ، ويخلّقه بأخلاقه ، ويعلّمه من علمه .

             فضل العلم على العبادة  :

             وبمثل هذا ورد في الأحاديث الشريفة  :

             « عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد » .

             و  « فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر » .

             و  « إنّ فضله على العابد كفضل الشمس على الكواكب ، وفضل العابد على غير العابد كفضل القمر على الكواكب » .

             و  « إنّ الركعة من عالم بالله خيرٌ من ألف ركعة من متجاهل بالله » .

             « فعالم واحد أفضل من ألف عابد وألف زاهد » .

             و  « ساعة من عالم يتّكئ على فراشه ينظر في علمه ، خير من عبادة العابد سبعين عاماً » .

             وأمّا فلسفة تقديم العالم على العابد ، فمنها  :

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « فضل العالم على العابد بسبعين درجة ، بين كلّ درجتين حضر ـ  أي عدو  ـ الفرس سبعين عاماً ، وذلك إنّ الشيطان يضع البدعة للناس فيبصرها العالم فينهى عنها ، والعابد مقبل على عبادته لا يتوجّه لها ولا يعرفها » .

             قال الإمام الرضا (عليه السلام)  :

             « يقال للعابد يوم القيامة  : نِعمَ الرجل كفت همّتك ذات نفسك ، وكفيت الناس مؤونتك فادخل الجنّة ، ألا إنّ الفقيه من أفاض على الناس خيره ، وأنقذهم من أعدائهم ... يقال له  : يا أ يّها الكافل لأيتام آل محمّد ، الهادي لضعفاء محبّبيهم ومواليهم قف حتّى تشفع لكلّ من أخذ عنك أو تعلّم منك » .

             قال الإمام الصادق (عليه السلام)  :

             « إذا كان يوم القيامة بعث الله عزّ وجلّ العالم والعابد ، فإذا وقفا بين يدي الله عزّ وجلّ قيل للعابد  : انطلق إلى الجنّة ، وقيل للعالم  : قف تشفّع للناس بحسن تأديبك لهم » .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « والذي نفس محمّد بيده لَعالمٌ واحدٌ أشدّ على إبليس من ألف عابد ، لأنّ العابد لنفسه والعالم لغيره » .

             فهلمّوا لطلب العلم  :

             و  « اطلبوه ولو كان بالصين » .

             يدلّ على بعد المسافة حين صدور الرواية ،

             ولو علم الناس ما في العلم من البركات والنور « لطلبوه ولو بخوض اللجج وسفك المُهج » ، فهو « السبب بين العبد وربّه » .

             وما أروع نصيحة لقمان لولده  :

             « بنيّ ، اجعل في أيّامك ولياليك وساعاتك نصيباً لك في طلب العلم ، فإنّك لن تجد لك تضييعاً مثل تركه » .

             « فالعلم أثمن من كلّ ثمين ، وأنفس من كلّ نفيس ، ولا ضياع كضياعه » .

             « فطلبه واجب في كلّ حال » .

             « ألا إنّ الله يحبّ بغاة العلم وطلاّبه » .

             وهيهات أن يشبع الإنسان من طلب العلم ، فإنّه يطلبه  :

             « من المهد إلى اللحد » .

             « منهومان لا يشبع طالبهما  : طالب العلم وطالب الدنيا ، إلاّ أنّ طالب الدنيا يقتله طلبه ، وطالب العلم يحيى في طلبه ، فيزداد رضى الرحمن ، أمّا طالب المال والدنيا فيتمادى في الطغيان » .

             (  لَـيَـطْغَى * أنْ رَآ هُ اسْتَغْـنَى  )([26]) .

             « فالشاخص في طلب العلم كالمجاهد في سبيل الله » .

             و  « إذا جاءه الموت وهو على طلب العلم مات وهو شهيد » .

             و  « ما من عبد يغدو في طلب العلم أو يروح إلاّ خاض الرحمة الإلهيّة » .

             وإنّها قريبة من المحسنين .

             « فطالب العلم له عزّة الدنيا وفوز الآخرة » .

             وذلك هو الفوز العظيم .

             « فمن طلب العلم فهو كالصائم نهاره والقائم ليله ، وإنّ باباً من العلم يتعلّمه الرجل خيرٌ له من أن يكون أبو قبيس ـ  جبل كبير في مكّة المكرّمة  ـ ذهباً فأنفقه في سبيل الله » .

             و  « من طلب العلم تكفّل الله برزقه » .

             و  « من تفقّه في الدين كفاه الله همّه ورزقه من حيث لا يحتسب » .

             و  « من جاء أجله وهو يطلب العلم ليحيي به الإسلام لم يفضله النبيّون إلاّ بدرجة » ، أي يكون دون النبيّين بدرجة واحدة .

             فما أعظم منزلة طالب العلم .

             « فإنّه تبسط له الملائكة أجنحتها رضىً بما يطلب ، وتستغفر له ، وبورك في معيشته ، ولم ينقص من رزقه » .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنّة ، ويفتح له باب إلى الجنّة ، بل كانت الجنّة في طلبه ، ويستغفر له كلّ شىء حتّى الحيتان في البحر » ، فإنّ حياتهم ببقائه ، وبقاؤه بتوفيقه وطاعته وطهارته وغفران ذنوبه وآثامه ، فجميع دوابّ الأرض لتصلّي على طالب العلم حتّى الحيتان في البحر ، و  « من خرج من بيته يطلب علماً شيّعه سبعون ألف ملك يستغفرون له ، وكانت الملاطكة معه يحفظونه » .

             فضل معلّم الخير  :

             عن عيسى بن مريم (عليه السلام)  :

             « من عَلِمَ وَعمِلَ وعَلَّم ، عُدَّ في الملكوت الأعظم عظيماً » .

             فإنّ طالب العلم والعالم ربما يستضعفه الناس ويعدّ في الأرض من المستضعفين ، إلاّ أ نّه في السماء يعدّ عظيماً ، و  « زكاة العلم وأفضل الصدقة تعليمه من لا يعلمه » .

             وما أروع ما يقوله الإمام الرضا (عليه السلام)  :

             « رحم الله عبداً أحيى أمرنا ، فقال الهروي له  : فكيف يُحيي أمركم  ؟ قال  : يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس ، فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا » .

             و  « ما أخذ الله سبحانه على الجاهل أن يتعلّم حتّى أخذ على العالم أن يُعلّم » .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « يجيء الرجل يوم القيامة وله من الحسنات كالسحاب الركام أو كالجبال الرواسي ، فيقول  : يا ربّ ، أ نّى لي هذا ولم أعملها  ؟ فيقول  : هذا علمك الذي علّمته الناس يعمل به من بعدك . فمن علّم باب هدىً فله مثل أجر من عمل به ، ولا ينقص اُولئك من اُجورهم شيئاً ، وكلّ شيء ينقص على الإنفاق إلاّ العلم » .

             قال الإمام الحسن (عليه السلام)  :

             « علّم الناس ، وتعلّم علم غيرك ، فتكون قد أتقنت علمك وعلمت ما لم تعلم » .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « إنّ الله وملائكته حتّى النملة في جُحرها وحتّى الحوت في البحر يصلّون على معلّم الناس الخير . إنّ معلّم الخير يستغفر له دوابّ الأرض وحيتان البحر وكلّ ذي روح في الهواء وجميع أهل السماء والأرض ، ولا يستخفّ بحقّ معلّم الخير إلاّ المنافق » .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « ألا اُخبركم عن الأجود والأجود  ؟ الله الأجود الأجود ، وأنا أجود ولد آدم ، وأجودكم بعدي رجل علّم علماً فنشر علمه ، يبعث يوم القيامة اُمّةً وحده » .

             فيكون مثل خليل الرحمن إبراهيم (عليه السلام) ، فإنّه كان اُمّة .

      شرائط تعلّم العلم  :

             فلا بدّ لطالب العلم من الصبر على طلبه وتحمّل الأذى والمتاعب من أجله ، فلا يضجر ولا يكسل .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « من لم يصبر على ذلّ التعلّم ساعة بقي في ذلّ الجهل أبداً . وما من متعلّم يختلف إلى باب العالم إلاّ كتب الله له بكلّ قدم عبادة سنة . ومن صفات المتّقين  : إنّك ترى لهم قوّة في دين وحزماً في لين وإيماناً في يقين وحرصاً في علم ، وعلماً في حلم . ولا بدّ لطالب العلم من النيّة الصادقة والإخلاص في طلب العلم » .

             قال الإمام الصادق (عليه السلام)  :

             « من تعلّم لله وعمل لله وعلّم لله دُعي في ملكوت السماوات عظمياً ، فقيل  : تعلّم لله وعمل لله وعلّم لله » .

             وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « العالم إذا أراد بعلمه وجه الله تعالى هابه كلّ شيء ، وإذا أراد أن يكنز به الكنوز هاب من كلّ شيء » .

             قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)  :

             « لو أنّ حملة العلم حملوه بحقّه لأحبّهم الله وملائكته وأهل طاعته من خلقه ، ولكنّهم حملوه لطلب الدنيا فمقتهم الله وهانوا على الناس » .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « علماء هذه الاُمّة رجلان  : رجل آتاه الله علماً فطلب به وجه الله والدار الآخرة وبذله للناس ولم يأخذ عليه طمعاً ، وعلم يشترِ به ثمناً قليلا ، وذلك يستغفر له من في البحور ، ودوابّ البرّ والبحر والطير في جوّ السماء ، ويُقدم على الله سيّداً شريفاً ، ورجلٌ آتاه الله علماً فبخل به على عباد الله ، وأخذ عليه طمعاً ، واشترى به ثمناً قليلا ، فذلك يلجم يوم القيامة بلجام من نار » .

             علائم طلاّب العلم وأصنافهم  :

             فطالب العلم إنّما يتقرّب بعلمه إلى الله ويكون مهاباً وعزيزاً عند الناس فيما لو طلب وتعلّم لله سبحانه ، ولكلّ شيء علامة وخصيصة ، فمن علائم طلب العلم لله عزّ وجلّ وخصائص المتعلّم لله  :

             عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال  :