منابع العلم  :

             وإذا كان العلم خزائن وكنوز فإنّ مفتاحه السؤال ، وإنّما نسأل من أهل الذكر أي من العلماء الصالحين ومن ساداتهم محمّد وآل محمّد ، فإنّ العلم الصافي والآيات البيّنات في صدور الذين اُوتوا العلم ، ولا يوجد هذا العلم إلاّ من منابعه النورانية ومناهله العذبة ، فشرّق أو غرّب لا تجد ما يشفي الغليل ويروي الظمآن ، إلاّ في القرآن وسنّة النبيّ وعترته الأطهار (عليهم السلام) .

             ولا شيء أفضل ـ  بعد المعرفة  ـ من الصلاة ، وهذا يعني تقدّم العلم والمعرفة على الصلاة التي هي عمود الدين وإنّها أفضل الأعمال ، ركعتان يصلّيهما العالم خيرٌ من قيام الجاهل طيلة ليله بالعبادة ، وذلك فإنّ الجاهل ربما يتزلزل في عقائده وعبادته بورود شبهة عليه أو وسواس من الشيطان ، أو أوهام وانحرافات يترك بها العبادة ، ولكنّ العالم على علم ويقين في عبادته ، وأ نّه كالجبل الراسخ لا تحرّكه العواصف من التيّارات الفكرية المنحرفة والشبهات العارمة ، فبالعلم يُعبد الله ويوحَّد ، فإنّ الخوارج في حرب أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) كانوا يقيمون الصلاة وإنّهم أصحاب الجباه السود من كثرة السجود ، إلاّ أ نّهم لم يكن عندهم المعرفة التامّة والعلم النافع ، فحاربوا إمام زمانهم وخرجوا عليه .

             ورد في التاريخ كان أحد أصحاب أمير المؤمنين في إحدى الليالي يمشي معه في إحدى أزقّة الكوفة فسمع من يقرأ القرآن بصوت حزين قوله تعالى  : (  أمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آ نَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً  )([36]) فخطر على باله منزلة الرجل وقربه من الله ، فقال له أمير المؤمنين  : « لا يغرّنك الرجل إنّه من أهل النار » ، ومرّت الأيّام ، وإذا بقارئ القرآن مع قتلى الخوارج .

             وفضل العالم بعلمه ما دام يقترن بعمله الصالح ، ويتخلّق بأخلاق الله ويخشى الله  :

             (  إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ  )([37]) .

             وعنى بالعلماء من صدق قوله فعله ، وبمثل هذا إذا صلح العالِم صلح العالَم ، وبمثل هذا العالم الصالح تكون البركة ، ويكون مباركاً على الخلق ، فينقذ عباد الله من الجهل والشبهات والانحراف ويهدي الناس والمستضعفين إلى معرفة الله ورسوله وإمام زمانهم حتّى تكون حياتهم ومماتهم على الحقّ والعلم .

             « فمن لم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية » .

             وإنّ الله ليرفع العذاب عن اُمّة بحضور عالم ربّاني ، ولمثل هذا إذا فقد العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء إلاّ بعالم آخر .

             علماء الخير وعلماء السوء  :

             ولا ينال ما عند الله من القرب والثواب إلاّ بالعلم النافع والعمل الصالح .

             قال الإمام الباقر (عليه السلام)لخيثمة  :

             « أبلغ شيعتنا أ نّه لا ينال ما عند الله إلاّ بالعمل ، وأبلغ شيعتنا أنّ أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثمّ خالفه إلى غيره » .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « إنّ أشدّ أهل النار ندامةً وحسرةً رجل دعا عبداً إلى الله عزّ وجلّ فاستحاب له ، وقبِل منه وأطاع الله عزّ وجلّ فأدخله الله الجنّة ، وأدخل الداعي النار بتركه علمه واتّباعه الهوى » .

             « أعظم الناس وزراً العلماء المفرّطون » .

             « أشقى من هو معروف عند الناس بعلمه مجهول بعمله » .

             و  « من تعلّم العلم ولم يعمل بما فيه حشره الله يوم القيامة أعمى » .

             « يؤتى بعلماء السوء يوم القيامة فيقذفون في نار جهنّم ، فيدور أحدهم في جهنّم بقصبة كما يدور الحمار بالرحى ، فيقال له  : يا ويلك ، بك اهتدينا ، فما بالك ؟ قال  : إنّي كنت اُخالف ما كنت أنهاكم » .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « يطّلع قوم من أهل الجنّة على قوم من أهل النار فيقولون  : ما أدخلكم النار وقد دخلنا الجنّة لفضل تأديبكم وتعليمكم  ؟ فيقولون  : إنّا كنّا نأمر بالخير ولا نفعله » .

             وعنه (صلى الله عليه وآله)قال  :

             « أتيت ليلة اُسري بي على قوم تُقرض شفاههم بمقاريض من نار ، كلّما قُرضت وَفَت ـ  أي تمّت وطالت  ـ فقلت  : يا جبرئيل ، من هؤلاء  ؟ قال  : خطباء اُمّتك الذين يقولون ما لا يفعلون ، ويقرأون كتاب الله ولا يعملون به » .

             وقال (صلى الله عليه وآله)  :

             « الزبانية أسرع إلى فسقة حملة القرآن منهم إلى عبدة الأوثان ، فيقولون  : يُبدأ بنا قبل عبدة الأوثان  ؟ فيقال لهم  : ليس من يعلم كمن لا يعلم » .

             « إنّه يغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد » .

             لأ نّه يعلم وبما أنّ مقامه عظيم وله درجات العلى في الجنّات ويزيد على العابد بألف ، فكذلك ذنبه بألف  :

             « لا يستوي عند الله في العقوبة الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، نفعنا الله وإيّاكم بما علمنا وجعله لوجهه خالصاً إنّه سميع مجيب » .

             « فأشدّ الناس عذاباً عالم لا ينتفع من علمه بشيء » .

             « إنّ أهل النار ليتأذّون من ريح العالم التارك لعلمه » .

             و  « وقود النار يوم القيامة كلّ غنيّ بخل بماله على الفقراء ، وكلّ عالم باع الدين بالدنيا » .

             « إنّ في جهنّم رحىً تطحن علماء السوء طحناً » .

             قال الإمام الكاظم (عليه السلام)  :

             « أوحى الله تعالى إلى داود (عليه السلام)  : قل لعبادي لا يجعلوا بيني وبينهم عالماً مفتوناً بالدنيا ، فيصدّهم عن ذكري وعن طريق محبّتي ومناجاتي ، اُولئك قطّاع الطريق من عبادي ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبّتي ومناجاتي من قلوبهم » .

             فالعمدة في الحياة ومن أهمّ فلسفتها أن يتعلّم الإنسان أوّلا ، ثمّ يعمل بعلمه ويصون نفسه من الخطأ والزلل .

             قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)  :

             « زلّة العالم كانكسار السفينة تَغرق وتُغرق » .

             « زلّة العالم تفسد عوالم » .

             « إنّ كلام الحكماء إذا كان صواباً كان دواءً ، وإذا كان خطأً كان داءً » .

             « احذروا زلّة العالم ، فإنّ زلّته تكبكبه في النار » .

             « ألا إنّ شرّ الشرّ شرار العلماء ، وإنّ خير الخير خيار العلماء » .

             « فشرّ الناس العلماء إذا فسدوا » .

             ولمّا سئل أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) عن خير الخلق بعد الأئمة (عليهم السلام)قال  : « العلماء إذا صلحوا » ، قيل  : فمن شرار خلق الله بعد إبليس وفرعون ونمرود وبعد المتسمّين بأسمائكم  ؟ قال  : « العلماء إذا فسدوا هم المظهرون للأباطيل الكاتمون للحقائق » .

            فالعالم الفاسد ينضح بما فيه من الفساد ، فيظهر الأباطيل بين آونة واُخرى باسم التجدّد والمدنيّة وما شابه ذلك ويكتم الحقائق .

             عن الإمام العسكري (عليه السلام)في صفة علماء السوء ، قال  :

             « وهم أضرّ على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن عليّ (عليه السلام)وأصحابه ، فإنّهم يسلبونهم الأرواح والأموال ، وهؤلاء علماء السوء ... يدخلون الشكّ والشبهة على ضعفاء شيعتنا فيضلّونهم » .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « أشرار علماء اُمّتنا المضلّون عنّا ، القاطعون للطرق إلينا ، المسمّون أضدادنا بأسمائنا ، الملقّبون أندادنا بألقابنا ، يصلّون عليهم وهم للّعن مستحقّون » .

             « ويل لاُمّتي من علماء السوء » .

             و  « من ازداد علماً ولم يزدد هدىً لم يزدد من الله إلاّ بُعداً » .

             و  « من أحبّ الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه ، وما آتى الله عبداً علماً فازداد للدنيا حبّاً إلاّ ازداد من الله تعالى بُعداً وازداد تعالى عليه غضباً » .

             فالمقصود هو العلم النافع والعمل الصالح والتقرّب من الله لزيادة الهداية وحبّه والزهد في الدنيا وزخارفها وزبرجها ومظاهرها ، وعندئذ يكون عالماً وفقيهاً حقّاً ، وخليفة الله وأمينه في أرضه .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « الفقهاء اُمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ويتّبعوا السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على أديانكم » .

             و  « إذا رأيتم العالم محبّاً للدنيا فاتّهموه على دينكم ، فإنّ كلّ محبّ يحوط بما أحبّ » .

             فطوبى لمن عرف قدر نفسه ، وعرف قدر الحياة ، وطوبى لطالب العلوم النافعة والعامل بالأعمال الصالحة ، فإنّه قد سعد في دنياه وفي آخرته ، ونال الحظّ الأوفر من حياته .

             أنواع العلوم وخيرها  :

             هذا وفي نهاية المطاف لا بدّ أن نعرف أيّ علم هو المراد والمقصود ، فهل المقصود كلّ العلوم والفنون ، وهذا من العسر والحرج بمكان ، بل خارج عن طاقة الإنسان ، فإنّه كما قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)  :

             « العلم لا ينتهي » .

             فليس له غاية ، وإنّ  :

             « العلم أكثر من أن يحاط به » .

             « شيئان لا تبلغ غايتهما  : العلم والعقل » .

             و  « من ادّعى من العلم غايته فقد أظهر من جهله نهايته » .

             فلا بدّ أن يؤخذ من كلّ علم وفنّ لبّه ولبابه  :

             « فخذوا من كلّ علم أحسنه » .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « العلم أكثر من أن يحصى ، فخذ من كلّ شيء أحسنه » .

             « فإنّ النحل يأكل من كلّ زهر أزيَنه ، فيتولّد منه جوهران نفيسان  : أحدهما فيه شفاء للناس ، والآخر يستضاء به ـ  أي الشمع   ـ فخذ من كلّ علم خيره » .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « خير العلم ما نفع » .

             « خير العلم ما أصلحت به رشادك ، وشرّه ما أفسدت به معادك » .

             « خير العلوم ما أصلحك » .

             « العلم بالله أفضل العلمَين » .

             « أنفع العلم ما عمل به » .

             و  « كلّ علم لا يؤيّده عقل مضلّة » .

             فالعلم النافع الذي يعمل به وما يؤيّده العقل السليم والفطرة السليمة .

             « فرُبّ علم أدّى إلى مضلّتك » .

             و  « اعلم أ نّه لا علم كطلب السلامة ، ولا سلامة كسلامة القلب » .

             فالعلم النافع ما فيه سلامه قلبك من الذنوب والآثام والصفات الذميمة والأخلاق السيّئة .

             قال الإمام الكاظم (عليه السلام)  :

             « أولى العلم بك ما لا يصلح لك العلم إلاّ به ، وأوجب العمل عليك ما أنت مسؤول عن العمل به ، والزم العلم لك ما دلّك على صلاح قلبك وأظهر لك فساده ، وأحمد العلم عاقبةً ما زاد في عملك العاجل ، فلا تشتغلنّ بعلم ما لا يضرّك جهله ، ولا تغفلنّ عن علم ما يزيد في جهلك تركه » .

             و  « من عرف نفسه فقد عرف ربّه ، ثمّ عليك من العلم بما لا يصحّ العمل إلاّ به وهو الإخلاص » .

             وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا سأله رجل عن أفضل الأعمال  ؟ فقال (صلى الله عليه وآله)  : « العلم بالله والفقه في دينه » ، وكرّرهما عليه ، فقال  : يا رسول الله ، أسألك عن العمل فتخبرني عن العلم  ؟ فقال  : « إنّ العلم ينفعك معه قليل العمل ، وإنّ الجهل لا ينفعك معه كثير العمل » .

             وما أروع ما يقوله أمير المؤمنين علىّ (عليه السلام) لمّا سئل عن العلم  ؟ فقال  : هو أربع كلمات  : « أن تعبد الله بقدر حاجتك إليه ، وأن تعصيه بقدر صبرك على النار ، وأن تعمل لدنياك بقدر عمرك فيها ، وأن تعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها » .

             وفي هذا المضمار يقول الإمام الصادق (عليه السلام)  :

             « جمع علم الأوّلين والآخرين في أربع كلمات  : أن تعلم من أين  ؟ وإلى أين  ؟ وماذا يراد منك  ؟ وما الذي يخرجك عن ذنبك  ؟ » .

             « فتفقّهوا في دينكم وإلاّ أنتم أعراب » .

             وإنّ الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً ومردةً على الحقّ .

             ولا بدّ لكلّ مسلم ومؤمن أن يعرف ربّه ويتعلّم أحكام دينه من الحلال والحرام في كتاب الله وسنّة نبيّه .

             قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)في وصيّته لابنه الحسن (عليه السلام)  :

             « إنّ ابتداءك بتعليم كتاب الله عزّ وجلّ وتأويله ، وشرائع الإسلام وأحكامه ، وحلاله وحرامه ، لا اُجاوز ذلك بك إلى غيره » .

             قال الإمام الصادق (عليه السلام)  :

             « حديث في حلال وحرام تأخذه من صادق خيرٌ من الدنيا وما فيها من ذهب أو فضّة » .

             وعنه (عليه السلام)  :

             « ليت السياط على رؤوس أصحابي حتّى يتفقّهوا في الحلال والحرام » .

             و  « هل يسأل الناس عن شيء أفضل من الحلال والحرام  ؟ » .

             فالعلم وإن كان أكثر من أن يحصى إلاّ أنّ اُمّهات العلوم أربعة  : ( الفقه للأديان ، والطبّ للأبدان ، والنحو للّسان ، والنجوم لمعرفة الأزمان ) .

             و  « العلم علمان  : مطبوع ومسموع ، ولا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع » في القلوب الذي يكون بإلهام من الله سبحانه ، وذلك بالتقوى والإيمان الكامل .

             « فالعلم علمان  : علم في القلب ، وذلك العلم النافع ، وعلم على اللسان ، فذلك حجّة الله على ابن آدم » .

             و  « اعلم أ نّه لا خير في علم لا ينفع ، ولا ينتفع بعلم لا يحقّ تعلّمه » .

             و  « ليس العلم بكثرة التعلّم إنّما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه ، فإن أردت العلم فاطلب أوّلا من نفسك حقيقة العبودية ، واطلب العلم باستعماله واستفهم الله يفهمك » .

             « فأشعِر قلبك بالتقوى تنل العلم » .

             و  « من اعتبر أبصر ، ومن أبصر فهم ، ومن فهم عَلِم » .

             « فالعلم يرشدك إلى ما أمرك الله به ، والزهد يسهّل لك الطريق إليه » .

             قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  :

             « لو خفتم الله حقّ خيفته لعلمتم العلم الذي لا جهل معه » .

             و  « من عمل بما يعلم علّمه الله علم ما لا يعلم » .

             « فمن تعلّم فعمل علّمه الله ما لم يعلم » .

             و  « من عمل بما علم كُفي ما لم يعلم » .

             و  « علم الباطن سرّ من أسرار الله عزّ وجلّ ، وحكم من حُكم الله ، يقذفه في قلوب من شاء من عباده » .

             وكلّ هذا يكون بالتخلّق بأخلاق الروحانيين ، كما ورد عن عيسى بن مريم  :

             « ليس العلم في السماء فينزل إليكم ، ولا في الأرض فيخرج إليكم ، إنّما العلم فيكم ، تخلّقوا بأخلاق الروحانيّين يظهر لكم » .

             وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا قيل له  : لأحبّ أن أكون أعلم الناس ، قال  :

             « اتّق الله تكن أعلم الناس » .

             و  « لا يدرك العلم براحة الجسم » .

             بل لا بدّ من التعب والنصب وأخذ العلم الصافي من كلّ منبع طاهر  :

             « خذوا العلم من أفواه الرجال » .

             وفي الإنجيل  :

             « لا تقولوا  : نخاف أن نعلم فلا نعمل ، ولكن قولوا  : نرجوا أن نعلم ونعمل » .

             عن الإمام الباقر (عليه السلام)  :

             « رحم الله عبداً أحيى الأمر ، فقيل  : وما إحياؤه  ؟ قال  : أن يذاكر به أهل الدين والورع » .

             و  « واضع العلم عند غير أهله كمقلّد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب » .

             و  « آفة العلم النسيان ، وإضاعته أن تحدّث به غير أهله » .

             و  « يسير العلم ينفي كثير الجهل » .

             فيا إخوان الصفا ، أ يّها المؤمنون ، يا شباب الاُمّة الإسلامية ، هلمّ لنكون من أهل العلم ، ولنطلبه من ينابيعه الصافية ومناهله الرويّة ، من كتاب الله الكريم وسنّة نبيّه المصطفى محمّد (صلى الله عليه وآله) ، ومنهاج عترته الأطهار الأئمة الأبرار (عليهم السلام) ، فهم اُصول العلم ومهبط الوحي ، وفي أبياتهم نزل الكتاب ، فعندهم العلم الصحيح .

             قال الإمام الباقر (عليه السلام) لسلمة بن كهيل والحكم بن عُتيبة  :

             « شرّقا وغرّبا لن تجدا علماً صحيحاً إلاّ شيئاً يخرج من عندنا أهل البيت » .

             وعنه (عليه السلام)  :

             « أما إنّه ليس عندنا لأحد من الناس حقّ ولا صواب إلاّ من شيء أخذوه منّا أهل البيت » .

             وقال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)  :

             « إنّ العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فصّلت به النبيّون إلى خاتم النبيّين في عترة محمّد (صلى الله عليه وآله) » .

             وعنه (عليه السلام)  :

             « لو اقتبستم العلم من معدنه ، وشربتم الماء بعذوبته ، وادّخرتم الخير في موضعه ، وأخذتم الطريق من واضحه ، وسلكتم من الحقّ نهجه ، لنهجت بكم السبل ، وبدت لكم الأعلام » .

             فالحقّ مع محمّد وعترته وفيهم ومنهم وإليهم ، وإنّما ينجو المرء لو ركب سفينتهم ، أمّا من تخلّف فقد غرق وهوى ، وكان حطب جهنّم ووقودها .

             وختاماً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)  :

             « وجدت علم الناس في أربع  : أوّلها  : أن تعرف ربّك ، والثانية  : أن تعرف ما صنع بك ، والثالثة  : أن تعرف ما أراد منك ، والرابعة  : أن تعرف ما يخرجك من دينك » .

             وقال الإمام الصادق (عليه السلام) يوماً لأحد تلامذته  : « أيّ شيء تعلّمت منّي  ؟ » قال له  : يا مولاي ثمان مسائل ، قال له (عليه السلام)  : « قصّها عليّ لأعرفها » ، قال  :

             الاُولى  : رأيت كلّ محبوب يفارق عند الموت حبيبه ، فصرفت همّتي إلى ما لا يفارقني بل يونسني في وحدتي ، وهو فعل الخير ، فقال  : « أحسنت والله » .

             الثانية  : قال  : رأيت قوماً يفخرون بالحسب وآخرين بالمال والولد ، وإذا ذلك لا فخر ، ورأيت الفخر العظيم في قوله تعالى  : (  إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُمْ  )([38]) ، فاجتهدت أن أكون عنده كريماً . قال  : « أحسنت والله » .

             الثالثة  : قال  : رأيت لهو الناس وطربهم ، وسمعت قوله تعالى  : (  وَأمَّا مَنْ خَافَ مَـقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّـفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإنَّ الجَـنَّةَ هِيَ المَأوَى  )([39]) ، فاجتهدت في صرف الهوى عن نفسي حتّى استقرّت على طاعة الله تعالى . قال  : « أحسنت والله » .

             الرابعة  : قال  : رأيت كلّ من وجد شيئاً يُكرم عنده اجتهد في حفظه ، وسمعت قوله سبحانه يقول  : (  مَنْ ذَا الَّذِي يُـقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَـيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أجْرٌ كَرِيمٌ  )([40]) ، فأحببت المضاعفة ، ولم أرَ أحفظ ممّا يكون عنده ، فكلّما وجدت شيئاً يكرم عندي وجّهت به إليه ليكون لي ذخراً إلى وقت حاجتي إليه . قال  : « أحسنت والله » .

             الخامسة  : قال  : رأيت حسد الناس بعضهم للبعض في الرزق وسمعت قوله تعالى  : (  نَحْنُ قَسَمْنَا بَـيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّ نْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْض دَرَجَات لِيَـتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ  )([41]) ، فما حسدت أحداً ولا أسفت على ما فاتني . قال  : « أحسنت والله » .

             السادسة  : قال  : رأيت عداوة بعضهم لبعض في دار الدنيا والحزازات في صدورهم وسمعت قول الله تعالى  : (  إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً  )([42]) ، فاشتغلت بعداوة الشيطان عن عداوة غيره . قال  : « أحسنت والله » .

             السابعة  : قال  : رأيت كدح الناس واجتهادهم في طلب الرزق ، وسمعت قوله تعالى  : (  وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِـيَعْبُدُونِ * مَا اُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْق وَمَا اُرِيدُ أنْ يُطْعِمُونِ * إنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَـتِينُ  )([43]) ، فعلمت أنّ وعده وقوله صدق ، فسكنت إلى وعده ، ورضيت بقوله ، واشتغلت بما له عليّ عمّا لي عنده ، قال  : « أحسنت والله » .

             الثامنة  : قال  : رأيت قوماً يتكلّمون على صحّة أبدانهم ، وقوماً على كثرة أموالهم ، وقوماً على خلق مثلهم ، وسمعت قوله تعالى  : (  وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَـيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَـتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ  )([44]) ، فاتّكلت على الله وزال اتّكالي على غيره ، فقال له  : « والله إنّ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وسائر الكتب ترجع إلى هذه الثمان المسائل » .

             عن الإمام الكاظم (عليه السلام)قال  : دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجل ، فقال  : ما هذا  ؟ فقيل  : علاّمة ، قال  : وما العلاّمة  ؟ قالوا  : أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيام الجاهلية وبالأشعار العربيّة ، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله)  : « ذاك علم لا يضرّ من جهله ولا ينفع من علمه » ، ثمّ قال  : « إنّما العلم ثلاثة  : آية محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سنّة قائمة ، وما خلاهنّ فهو فضل » .

             أجل  : يعدّ هذا الحديث النبويّ الشريف من غُرر الأحاديث ودُرر الكَلِم ، وفيه خلاصة العلوم الإسلاميّة ، وإنّها تنفع لمن علم بها ، كما تضرّ لمن جهلها وأهملها ، فعلى كلّ واحد أن يلمّ بها ولو في أوّليّاتها والمسائل المبتلى بها .

             ولا يخفى أنّ التاء في ( العلاّمة ) للمصدريّة ، فتفيد المبالغة والتأكيد ، والعلاّم ( على وزن فعّال ) صيغة مبالغة من عالم ( اسم فاعل ) ، فالعلاّمة يفيد المبالغة في المبالغة ، أي من كان غزير العلم كثير المعرفة ، وكان عند العرب آنذاك عبارة عمّن يعرف التاريخ والأدب العربي من الوقائع والأشعار وما شابه ذلك ، إلاّ أنّ النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) صحّح المسير وبيّن الحقّ بأنّ العلم النافع ليس كما عندهم ، وإن كان ذلك من الفضل ، والفضل إمّا بمعنى الزيادة أو بمعنى الفضيلة .

             فالعلوم النافعة والواجبة على كلّ مسلم ومسلمة ، وإنّها تنفع في الدنيا والآخرة لمن علم بها ، كما أ نّها تضرّ لمن جهلها ، هي عبارة عن ( علم العقائد الصحيحة ) المبتنية على البراهين المحكمة والأدلّة القاطعة ، ويشير إليه قوله (صلى الله عليه وآله)  : « آية محكمة » .

             و  ( علم الفقه ) الذي فيه معرفة التكاليف الشرعيّة من الواجبات والمحرّمات ، ويلحق بهما المستحبّات والمكروهات ، ويشير إليه قوله (صلى الله عليه وآله)  : « أو فريضة عادلة » .

             و  ( علم الأخلاق ) الذي هو عبارة عن الآداب والسنن القائمة في النفوس والأرواح والقلوب بتخلية الصفات الذميمة منها ، وتحليتها بالصفات الحميدة ثمّ تجليتها ، ويشير إلى ذلك قوله (صلى الله عليه وآله)  : « أو سنّة قائمة » .

             وما سوى هذه العلوم فهي من الفضل بمعنى الزيادة أو الفضيلة ، فالعلوم الاُخرى إنّما تنفع لو كانت مقدّمة لهذه العلوم الضروريّة ، كعلم الطبّ ( علم الأبدان ) وعلم النحو ( علم اللسان ) والعلوم الأكاديميّة المدرسية والجامعية التي يتمّ بها المعاش والحياة الدنيوية .

             والحوزات العلمية المباركة كحوزة النجف الأشرف وحوزة قم المقدّسة إنّما بُني أساسهما لبيان وتحكيم هذه العلوم الأساسيّة وتبيين مقدّماتها ، ومن ثمّ ترويجها ونشرها في البلاد وفي أقطار العالم ، وفي عصرنا هذا يسعى بعض الأعلام ـ  مع التقدّم الصناعي وحضور الكومبيوتر في المنازل وسهولة حصول العلوم والفنون  ـ استغلال الموقف وتطوير العمل ونجاحه باُسلوب شيّق يتلاءم مع الحداثة والعصريّة ، مع حفظ الأصالة والاُسس .

             ومن اُولئك الأفاضل الإخوة الكرام أصحاب مؤسسة ( السّلام ) العالمية ، فإنّها تصدّت لنشر معارف الإسلام وعلومه وفنونه من منابعها الأصيلة ومصدر تشريعها القويم ، من القرآن الكريم والسنّة الشريفة المتمثّلة بقول المعصوم ـ  النبيّ والإمام (عليهما السلام)  ـ وفعله وتقريره انطلاقاً من الدروس الحوزوية لنخبة من الأساتذة الأفاضل جزاهم الله خيراً .

             ونتمنّى لهم ولكم أوقاتاً طيّبةً وحياةً سعيدةً ، يسودها العلم النافع والعمل الصالح ، وعلى بركة الله بنيّة صادقة وإيمان وتقوى خالص ، فليتوكّل المؤمنون والمؤمنات بطلب العلم والعمل به ، ومن الله التوفيق والسداد إنّه خير ناصر ومعين ، والسلام عليكم أبداً ورحمة الله وبركاته .

             هذا ودمتم بخير وعافية وصحّة وسلامة ، تحوطكم وأهليكم السعادة الأبديّة والرحمة الإلهيّة ، وتقبّلوا منّا خالص تحيّاتنا ، ولا تنسونا من خالص دعواتكم كما لا ننساكم .

             قال مولانا الإمام الرضا (عليه السلام)  : « أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا » ، قيل  : وكيف نحيي أمركم  ؟ قال  : بتعلّم علومنا ثمّ يُعلّمها الناس ، فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا .

             وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .

العبد

عادل العلوي

الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة

المؤسسة الإسلامية العامّة للتبليغ والإرشاد

قم ـ ص ب 3634


([1])  محاضرتان لسماحة السيّد العلوي ألقاها لمؤسسة ( السلام ) الإسلامية ( برنامج الحوزة العلمية العالمية على الكومبيوتر ) .        « الناشر »
([2])  آل عمران  : 19 .
([3])  آل عمران  : 85  .
([4])  المجادلة  : 11 .
([5])  يوسف  : 76 .
([6])  الزمر  : 9 .
([7])  آل عمران  : 18 .
([8])  طه  : 114 .
([9])  البقرة  : 247 .
([10])  النمل  : 15 .
([11])  يوسف  : 22 .
([12])  الرعد  : 19 .
([13])  الأعراف  : 32 .
([14])  الحجّ  : 54 .
([15])  العنكبوت  : 43 .
([16])  العنكبوت  : 49 .
([17])  سبأ  : 6 .
([18])  العلق  : 3 ـ 4 .
([19])  نقلنا هذه الروايات كلّها من بحار الأنوار المجلّد الأوّل ، والكافي المجلّد الأوّل ، وميزان الحكمة كلمة ( العلم ) ، فراجع .
([20])  الطلاق  : 12 .
([21])  العلق  : 1 ـ 5 .
([22])  فصّلت  : 42 .
([23])  منية المريد  : 93 .
([24])  الحجر  : 29 .
([25])  عبس  : 24 .
([26])  العلق  : 6 ـ 7 .
([27])  عبس  : 24 .
([28])  لقمان  : 18 .
([29])  القصص  : 83  .
([30])  البحار 1  : 224 .
([31])  الإسراء  : 107 ـ 109 .
([32])  فاطر  : 28 .
([33])  الحديد  : 23 .
([34])  الإسراء  : 107 ـ 109 .
([35])  الزمر  : 56 .
([36])  الزمر  : 9 .
([37])  فاطر  : 28 .
([38])  الحجرات  : 13 .
([39])  النازعات  : 40 ـ 41 .
([40])  الحديد  : 11 .
([41])  الزخرف  : 32 .
([42])  فاطر  : 6 .
([43])  الذاريات  : 56 ـ 58 .
([44])  الطلاق  : 2 ـ 3 .