![]() |
![]() |
الحمد لله الذي هدانا لسبيله هذا ، ولولا أن هدانا الله ما كنّا من المهتدين ، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين وخاتم النبيّين محمّد وعلى آله الطاهرين أئمّة الهدى والدين ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.
قال الله تعالى في محكم كتابه ومبرم خطابه :
(وَاعْتَصِموا بِحَبْلِ اللهِ جَميعاً وَلا تَفَرَّقوا)[2].
هذه الآية الشريفة من الآيات التي يدعو إليها دعاة الوحدة الإسلامية من كلّ المذاهب والفرق ، مع هذا نجد المسلمين لا زالوا متفتّتين ومتشتّتين ، ولا زال الاختلاف والافتراق قائم على قدم وساق ، وكأ نّهم عجزوا عن العمل بها ، وكأنّ تكليفها ممّـا لا يطاق ، والحال :
(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلاّ وُسْعَها)[3].
فالاعتصام بحبل الله جميعاً ممّـا في وسع الإنسان ، فإنّه قد كلّفنا الله جلّ جلاله به ، وحثّنا الإسلام ورسوله الأكرم على ذلك ، فلماذا نجح الاستعمار والاستكبار العالمي في سياسته البغيضة (فرّق تسد) ؟ ! ... ولماذا تمزّق المسلمون ولا زال التناحر بينهم والاختلاف ؟ ! ... ومتى نعمل بهذه الآية الكريمة لتعود لنا عزّتنا وكرامتنا ، ويسود ديننا ربوع الأرض ، ذلك الدين القويم الإسلام العظيم ، الذي به ختمت الأديان السماويّة قد أنزل الله سبحانه لسعادة الإنسان وإنقاذ البشرية من حضيض الجهل والشقاء إلى قمّة العزّ والشرف والسعادة ، بكلّ أبعادها في الحياة الدنيوية والاُخروية.
فهل في الآية المقدّسة من حكمة وسرٍّ خاصّ ورمز مخصوص ؟ !
والقرآن الكريم يفسّر بعضه بعضاً ، فهل فسّر لنا آية الاعتصام ؟ أم ترك الاُمّة سدىً تتصارع بعضها مع بعض ، وهيهات لمثل القرآن الكريم أن يفعل ذلك ، وهو كتاب هداية وإرشاد وفرقان بين الحقّ والباطل ، ونور في الظلمات ، وهو كتاب الله الذي يريد بعباده خيراً ، فهو اللطيف الودود الشفيق ، وكتابه المقدّس كتاب صنع الإنسان وكماله.
فلا بدّ من سرّ في الآية قد غفل المسلمون عن مغزاها ، فلاكتها ألسنهم متجاهلين معناها ، وغرّتهم الدنيا فأعرضوا عن محتواها.
فما هو السرّ ؟
يحدو بنا المقام أوّلا أن نفسّر الآية في الظاهر ونكشف القناع عن مفرداتها ليتسنّى لنا الوصول إلى مرادها.
فقوله تعالى : (وَاعْتَصِموا) فعل أمر يدلّ بظاهره على الوجوب ، والخطاب للمؤمنين والمسلمين ، ولا يختصّ بمن حضر حين نزول الآية ، بل عامّة إلى يوم القيامة للاشتراك في التكليف.
والعصمة لغةً : بمعنى المنع ، ومنه الماء المعتصم الذي لا يتنجّس بمجرّد ملاقاة النجس ، بل طاهر في نفسه ومطهّر لغيره ، كماء المطر والكرّ ، وتأتي بمعنى الامتناع والاستمساك وما يعتصم به من عقد وسبب . وقوله تعالى : (لا عاصِمَ اليَوْمَ)[4] ، أي لا مانع.
والعصمة اصطلاحاً : لطف خفي أودعه الله في خاصة أوليائه ، تمنعهم من الذنوب والمعاصي ، وكلّ ما يشين بالمرء من الخطأ والنسيان لا على نحو الإلجاء والقهر.
(بِحَبْلِ اللهِ) ، والحبل : خيوط مفتولة ومبرمة وآلة معروفة ، تستخدم للصعود والخروج والسحب والشدّ وما شابه ذلك ، واستعير هنا لمناسبة الصعود المعنوي به إلى الحقّ المتعال ، والخروج من آبار الظلم والفساد والمعاصي والآثام ، والانجذاب والسحب نحو الفضائل والمكارم ، والشدّ على أواصر القرب إلى الله سبحانه ، وغير ذلك.
(جَميعاً وَلا تَفَرَّقوا) ، أي : كلّ واحد حال كونهم بشكل جماعي لا منفرداً ، ومن ثمّ لا يتفرّقوا بعد جمع شملهم ووحدة كيانهم.
هذا واستعارة الحبل في الآية الشريفة للدلالة على أنّ عدم الاعتصام به يوجب الهوادة والسقوط في وادي الضلال والهلاك ، وهذا أمر واضح.
ثمّ (حَبْلُ اللهِ) غير الله ، وما سواه فهو مخلوق له سبحانه ، وهذا المخلوق لا بدّ أن يكون معصوماً (فإنّ فاقد الشيء لا يعطيه) ، وقد أمرنا أن نعتصم بهذا الحبل ، فيعطينا العصمة ، فكيف يكون ذلك لولا أن يكون معصوماً في نفسه ، حتّى يعطي العصمة لمن اعتصم به.
ثمّ من أهمّ وظائف هذا الحبل الإلهي هو الصعود إلى قمّة الكمال وسماء الجمال ، ولقاء الله سبحانه ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وذلك بعد الخروج من الهيولى الظلمانية ومن شوائب المادّة وبئر الظلم والمنكرات ، ومن الدنيا الدنيّة وزخرفها وزبرجها ، والتسلّق نحو المعالي والكمالات ، نحو الكمال المطلق ومطلق الكمال ، وإنّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه ، وإلى الله ترجع الاُمور ، وأنّ إلى ربّك المنتهى ، وإنّا إليه راجعون.
ولا بدّ من الاعتصام بقوّة وحزم في كلّ الآنات ، وإلاّ فمن يغفل ولو لحظة ، فإنّه يسقط ويهوى باتّباع الهوى والغفلة عن حبل الله.
وكلّما أراد الإنسان المتمسّك بالحبل الصعود فإنّه يزداد حذراً وحزماً وحنكاً ، فلا يكثر الخطر ويزيد الخطب ويصعب الأمر ، فإنّه لا يتحمّله إلاّ مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان.
والحبل وسيلة وليست غاية ، فإنّه يعدّ من آلات السفر من الخلق إلى الحقّ ومن الحقّ إلى الخلق ومن الخلق إلى الخلق ومن الحقّ إلى الحقّ ، كلّ ذلك بالحقّ ، فالإنسان المؤمن المتمسّك مهاجر من النقص إلى الكمال ، ومن السفل إلى العلوّ ، ومن الجهل إلى العلم ، ومن الشرّ إلى الخير ، ومن الشقاء إلى السعادة ، ومن الظلام إلى النور ، ومن الضلال إلى الهداية.
فالحبل طريق الله وصراطه المستقيم ومنهاجه القويم وشريعته السمحاء وكتابه الكريم ... ومن لم يعتصم بحبل الله فهو في هاوية وضلال وسحق وعذاب ، فكلّ واحد مكلّف بفطرته السليمة وعقله النيّر وضميره الواعي ووجدانه المتيقّظ ودينه الكامل أن يتمسّك بحبل الله عزّ وجلّ.
(وَاللهُ يَدْعو إلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدي مَنْ يَشاءُ إلى صِراط مُسْتَقيم)[5].
(اسْتَجيبوا للهِ وَلِلرَّسولِ إذا دَعاكُمْ لِما يُحْييكُمْ)[6].
فالله يدعو للسلام والحياة السعيدة الطيّبة التي يسودها العدل والإحسان . فإنّ الله سبحانه يأمر بالعدل والإحسان.
فالله هو الهدف الأسمى لكلّ مؤمن ، ووسيلة الوصول إلى ذلك الهدف المقدّس إنّما هو حبل الله ، وهو مخلوق ومعصوم بأعلى درجات العصمة، يزيد على من يعتصم به ، لإطلاق الآية ، ومن يدّعي الخصوص فعليه بدليله ، كما أنّ هذا المخلوق هو أفضل المخلوقات وأفضل من الكلّ لقبح الأمر بتمسّك الفاضل بالمفضول عقلا ونقلا :
(أفَمَنْ يَهْدي إلى الحَقِّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ أمَّنْ لا يَهْدي إلاّ أنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمونَ)[7].
ففاقد الهدى لا يهدي قطعاً ، ولا يكون ذلك بالظنّ والوهم بل لا بدّ من العلم واليقين ، فأعقبت الآية قوله تعالى :
(وَما يَتَّبِعُ أكْثَرُهُمْ إلاّ ظَنَّاً إنَّ الظَّنَّ لا يُغْني مَنَ الحَقِّ شَيْئاً)[8].
(فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمونَ)[9].
استكثار
شديد اللهجة من ربّ قهّار جبّار ، تذكّر الإنسان بأمر فطري ،
أودعه
الله في فطرته السليمة من شوائب الذنوب وغبار المعاصي وحبّ الدنيا والمقام
والجاه :
(هَلْ يَسْتَوي الَّذينَ يَعْلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعْلَمونَ)[10].
(قُلْ هَلْ يَسْتَوي الأعْمى وَالبَصيرُ أمْ هَلْ تَسْتَوي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ)[11].
(هَلْ يَسْتَوي هُوَ وَمَنْ يَأمُرُ بِالعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراط مُسْتَقيم)[12].
ما لكم كيف تحكمون ؟ !
فإنّه لا ينحرف عن الصراط المستقيم ، وإنّه يأمر بالعدل والإحسان بأمر من الله جلّ جلاله :
(إنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحْسانِ)[13].
فعدم الانحراف عين الاستقامة :
(إنَّكَ عَلى صِراط مُسْتَقيم)[14].
(إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلينَ * عَلى صِراط مُسْتَقيم)[15].
(يا أبَتِ إنِّي قَدْ جاءَني مِنَ العِلـْمِ ما لَمْ يَأتِكَ فَاتَّبِعْني أهْدِكَ صِراطاً سَوِيَّاً)[16].
فالعالم
مهتد ويهدي الناس إلى صراط مستقيم ، ويجب على غير العالم اتّباع
العالم
والتمسّك بحبله ، فالحبل الممدود من السماء إلى الأرض لا بدّ أن يكون أعلم من
غيره حتّى يصحّ الاعتصام المطلق ومطلق الاعتصام به.
فحبل الله هو وسيلة النجاة وبه ينتشل الله خلقه من الظلمات إلى النور ، ومن الضلال إلى الهدى :
(يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدي مَنْ يَشاءُ).
لمّـا كان من أهل الهداية أو أهل الضلال ، فلا جبر ولا إعسار ، بل بما منحه الله من الاختيار ، فهل يستوي من كان في النور ومن كان في الظلمات ؟ ما لكم كيف تحكمون ؟
فهذا المخلوق الربّاني (حبل الله) هو المهتدي في نفسه والهادي لغيره ، كالنور الحسّي ، الظاهر بنفسه والمظهر لغيره :
(فَإمَّا يَأتِيَنَّكُمْ مَنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنونَ)[17].
(قُلْ إنَّ هُدى اللهِ هُوَ الهُدى وَاُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالَمينَ)[18].
(مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِل فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيَّاً مُرْشِداً)[19].
وكلّ حبل له طرفان كما هو واضح بلا بيان ، وحبل الله طرف منه بيد الله سبحانه وتعالى : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أيْديهِمْ)[20] ، والآخر بيد الناس : (إلاّ بِحَبْل مِنَ اللهِ وَحَبْل مِنَ النَّاسِ)[21] ، فهو العروة الوثقى التي لا تنفصم ولا تنقطع.
وإنّ هذه الوسيلة (حبل الله) إلى يوم القيامة لخلود الدين الإسلامي :
(وَما أرْسَلـْناكَ إلاّ رَحْمَةً لِلـْعالَمينَ)[22].
(وَما أرْسَلـْناكَ إلاّ كافَّةً لِلنَّاسِ)[23].
ولمّـا وجب الاعتصام بحبل الله على الجميع ، فقد وجب معرفة الحبل على الجميع أيضاً ، فإنّه لا اعتصام ولا تمسّك إلاّ بمعرفة وعلم ، فلا بدّ من تشخيص الحبل وبيان مميّزاته ومشخّصاته ، حتّى لا يلتبس عليه الأمر ، فيحسب ما ليس بحبل حبلا ، وما كان بيد الشيطان لا يغترّ أ نّه بيد الله ، فإنّ للشيطان حبائل ـ كما ورد في الخبر الشريف ـ فلا يحسبه من حبل الله سبحانه ، كما لا بدّ من معرفة الطريق أوّلا ثمّ علاماته ، وهذا من البديهيّات التي لا ينكرها إلاّ المكابر المعاند من أتباع الشيطان وجنود إبليس.
فلا بدّ من معرفة حبل الله الذي أمر الله عزّ وجلّ بالاعتصام به ، والمعتصم بالحبل معتصم بالله لعدم انقطاعه عنه ، ومن لم يعتصم بالحبل فقد ألغى ما أمر الله أن يوصل ويتمسّك ويعتصم به.
وطاعة الرسول من طاعة الله :
(وَمَنْ يُطِعِ الرَّسولَ فَقَدْ أطاعَ اللهَ)[24].
وكذلك الاعتصام كالبيعة :
(ما يُبايَعونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ إنَّما يُبايِعونَ اللهَ)[25].
ونتيجة الاعتصام بالله كما في قوله تعالى :
(فَأ مَّا الَّذينَ آمَنوا بِاللهِ وَاعْتَصَموا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ في رَحْمَة مِنْهُ)[26].
فمن لم يعتصم بحبل الله الذي هو من الاعتصام بالله بل هو عين الاعتصام به ، فإنّه لم يدخل الرحمة الخاصة التي هي قريبة من المحسنين :
(إنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَريبٌ مِنَ الُمحْسِنينَ)[27].
هذه الرحمة التي هي من الرحميّة التي تختصّ بالمؤمنين في الدنيا والآخرة :
(إلاّ الَّذينَ تابوا وَأصْلَحوا وَاعْتَصَموا بِاللهِ وَأخْلَصوا دينَهُمْ للهِ فَاُولـئِكَ مَعَ المُؤْمِنينَ)[28].
فمن لم يعتصم بالله وبحبله فإنّه ليس من المؤمنين للحصر في الآية الكريمة ، كما أ نّه ليس من المهتدين لقوله تعالى :
(وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِراط مُسْتَقيم)[29].
ولا معتصم بالله إلاّ من اعتصم بحبل الله ، ومن ترك الاعتصام فإنّه لن يهتدي إلى الصراط المستقيم فيكون من الضالّين ، وماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال ؟ وكلّ ضالّ فهو ناكب وبعيد عن الصراط ، ومن نكب عن الصراط فإنّه لا يؤمن بالآخرة ، لقوله تعالى :
(وَإنَّ الَّذينَ لا يُؤْمِنونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصَّراطِ لَناكِبونَ)[30].
فلا يكون من المؤمنين من نكب عن الصراط المستقيم.
(فَريقاً هَدى وَفَريقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَة)[31].
(فَأمَّا الَّذينَ آمَنوا بِاللهِ وَاعْتَصَموا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ في رَحْمَة مِنْهُ وَفَضْل وَيَهْديهِمْ إلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقيماً)[32].
فدخول الرحمة والهداية مترتّب على الإيمان بالله والاعتصام به ، وحبل الله منه ، فإنّ الرحمة الخاصّة الرحيمية التي هي قريبة من المحسنين المؤمنين المهتدين لمن اعتصم بحبل الله :
(يَهْدي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهَ سُبُلَ السَّلامِ)[33].
(وَيَهْدي إلَيْهِ مَنْ أنابَ)[34].
(وَإنَّ اللهَ لَهادِ الَّذينَ آمَنوا إلى صِراط مُسْتَقيم)[35].
ويكون معنى (اهدنا الصراط المستقيم) في سورة الحمد وغيرها : اهدنا للاعتصام حقّاً بصراط مستقيم.
(وَالله لا يَهْدي القَوْمَ الظَّالِمينَ)[36].
فإن لم يعتصم بحبل الله يظلم نفسه لا محالة ، فلا يكون من المهتدين ، ولا تشمله الرحمة الخاصة.
(وَاللهُ لا يَهْدي القَوْمَ الفاسِقينَ)[37].
(وَإنَّ اللهَ لا يَهْدي القَوْمَ الكافِرينَ)[38].
(كَيْفَ يَهْدي اللهُ قَوْماً كَفَروا بَعْدَ إيمانِهِمْ)[39].
فمن لم يعتصم بحبل الله فهو من القوم الظالمين الفاسقين الكافرين الضالّين عن سبل السلام ، ولم يكن من المنيبين ، ولا من المؤمنين ، وإنّه ضالّ شقيّ.
(فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى)[40].
وإنّه كاذب كفّار.
(إنَّ اللهَ لا يَهْدي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّار)[41].
فالاعتصام بحبل الله هو الهدى ، والهدى هو الاعتصام ، واتّباع الهوى هو الضلال عن الصراط المستقيم.
(وَلا تَتَّبِعِ الهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبيلِ اللهِ)[42].
فالتمسّك بحبل الله وقاية وحماية وعصمة من الزلل والخطأ، وذلك يتمّ ويتجسّد باتّباع الأوامر الإلهية ونواهيه ، وليس الاعتصام مجرّد حبّه وتمنّيه ، بل حبّ وعمل.
والحبل ـ كما مرّ ـ لا بدّ أن يكون معصوماً في نفسه ومعصوماً لغيره ، وعصمته بلطف إلهي خفي لا يقف عليه ولا يعرفه إلاّ بنصّ من الله الذي :
(يَعْلَمُ خائِنَةَ الأعْيَنِ وَما تُخْفي الصُّدورِ)[43].
(وَلـكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَميعٌ عَليمٌ)[44].
فلا بدّ من النصّ الإلهي في تعيّن الحبل الذي نعتصم به ، والمفروض أن نرجع إلى الله سبحانه في معرفة الحبل الذي أمرنا الله أن نتمسّك به ، فهو أعرف بحبله من غيره ، وإنّما نعرف ذلك من خلال كتابه الكريم ، والرسول الأكرم محمد خاتم النبيّين (صلى الله عليه وآله وسلم) :
(وَإنْ تُطيعوهُ تَهْتَدوا وَما عَلى الرَّسولِ إلاّ البَلاغُ المُبينُ)[45].
(وَما أنْزَلـْنا عَلَيْكَ الكِتابَ إلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذي اخْتَلَفوا فيهِ)[46].
(وَأنْزَلـْنا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إلَيْهِمْ)[47].
فتبليغ الرسالة السماوية السمحاء ، والبيان والتبيان ، وترجمة القرآن وتطبيقه ، إنّما هي من وظائف النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) :
(قَدْ جاءَكُمْ رَسولُنا يُبَيِّنَ لَكُمْ كَثيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفونَ مِنَ الكِتابِ)[48].
ولا بدّ من الإطاعة والانصياع والتسليم لأمره المبارك :
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنونَ حَتَّى يَحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدوا في أنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّـا قَضَيْتَ وَيُسَلِّموا تَسْليماً)[49].
زبدة الكلام :
إنّ الله سبحانه أمرنا أن نعتصم ونتمسّك بحبله ، وإنّه مخلوق معصوم بعصمة من الله ، وكلّ من اعتصم به فإنّه يكون من المهتدين ، ومن تخلّف فإنّه من الهالكين ، ولا بدّ من معرفة حبل الله ببيان من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وهذا ما نبغي إثباته من الكتاب الكريم والسنّة الشريفة ، فتدبّر.
[1]طبع مختصر هذه الرسالة في مجلّة (الكوثر) ، العدد 6 لسنة 1418 هـ.
[2]آل عمران : 103.
[3]المؤمنون : 62.
[4]هود : 43.
[5]يونس : 25.
[6]الأنفال : 24.
[7]يونس : 35.
[8]يونس : 36.
[9]يونس : 35.
[10]الزمر : 9.
[11]الرعد : 16.
[12]النحل : 76.
[13]النحل : 90.
[14]الزخرف : 42.
[15]يس : 3 و 4.
[16]مريم : 42 و 43.
[17]البقرة : 38.
[18]الأنعام : 71.
[19]الكهف : 17.
[20]الفتح : 10.
[21]آل عمران : 112.
[22]الأنبياء : 107.
[23]سبأ : 28.
[24]النساء : 80.
[25]الفتح : 18.
[26]النساء : 175.
[27]الأعراف : 56.
[28]النساء : 146.
[29]آل عمران : 101.
[30]المؤمنون : 74.
[31]الأعراف : 30.
[32]النساء : 175.
[33]المائدة : 16.
[34]الرعد : 27.
[35]الحجّ : 54.
[36]آل عمران : 86.
[37]التوبة : 80.
[38]النحل : 107.
[39]آل عمران : 86.
[40]طه : 123.
[41]الزمر : 3.
[42]سورة ص : 26.
[43]غافر : 19.
[44]النور : 21.
[45]النور : 54.
[46]النحل : 64.
[47]النحل : 44.
[48]المائدة : 15.
[49]النساء : 65.
![]() |
![]() |