الياقوت الثمين في بيعة العاشقين [1]

السيد عادل العلوي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الجميل ويحبّ الجمال ، والصلاة والسلام على مرآة الكمال ، سادة الخلق ذوي الجلال ، محمّد المصطفى وآله الأطهار.

أمّا بعد :

فقد قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم :

( وَالَّذِينَ آمَنُوا أشَدُّ حُبّاً للهِ )[2].

واعلم أنّ العشق لغةً بمعنى الزيادة في الحبّ والشدّة فيه ، حتّى يعدّ من الإفراط في المودّة والمحبّة.

وكلمة ( العشق ) وإن كانت سهلة التلفّظ وخفيفة الحروف ، فإنّها تتكّون من ثلاث أحرف وحسب ، إلاّ أ نّها في مغزاها وجوهرها تحمل بين أضلاعها المثلّث من المعاني الثقيلة والمفاهيم السامية ، والحقائق الرفيعة ، والواقع الشامخ ، ما يعجز القلم عن بيانه ، ويكلّ اللسان عن تبيانه.

فإنّ من ( عينها ) تشعّ ( عبقات الأنوار ) ومن ( شينها ) يفوح ( شذى الحبّ الإلهي ) الطاهر ، ومن ( قافها ) تطلع ( قوافل العشق ) مشاة تصهرهم الشمس وتلفعهم الأرياح ، وتجرحهم شماتة العاذلين ، في درب الأشواك والصخور ، وبين الجبال والوديان ، في البراري والصحاري ... بُغية لقاء المعشوق ، عسى أن يحضوا بنظرة من عيونه القدسية ، وبجذبة من وجهه المشرق ومحيّاه الوضّاء ...

أجل : العشق سماء بعيد تناولها ، وبحار عميق أغوارها ، وجبال صعب صعودها ، وكتاب عظيم قُطره ، وقلم كريم دواته ...

العشق بسمات الشغف على شفاه الأيتام ( أيتام آل محمّد ) وأهازيج اُمّهات الشهداء الأبرار في ساحات المعركة ، ولوحات فنيّة رائعة رسمها فيّاض الوجود ، ونغمات ساحرة لقيثارة الكون الوسيع.

فمن ذرّاته الملياردية وإلى مجرّاته المليونيّة تسمع ( اُنشودة العشق ) ودعوة المعشوق.

ورد في الحديث القدسي قال الله سبحانه وتعالى : « لو علم العبد كيف اشتياقي إليه لمات شوقاً ».

فالمعشوق الأوّل هو ( الله ) سبحانه يدعو خلقه إلى جماله ووصاله والفناء فيه ، إذ العشق فناء العاشق في المعشوق ...

العشق عنوان صحيفة الموالين ، و ( بيعة العاشقين ) على مذبح الشهادة والفداء ، وإنّه حلقة وصل بين العاشق الولهان وبين معشوقه السبحان ...

العشق نفحات القدس في رياض المحبّين ، وشميم الاُنس في جنّات العاشقين ، ونسيم فراديس أسماء الله الحسنى وصفاته العليا ...

ولغة العاشقين ومنطقهم يختلف جوهراً عن لغات الكائنات ، فإنّ العاشق يذوب في جمال معشوقه وجلاله وإرادته ، ويتوحّد في إخلاصه وودّه ، ولا يرى في الدير ديّاراً إلاّ هو ...

حبّ الكمال والجمال :

ثمّ الإنسان بفطرته يحبّ الكمال والجمال ، فإنّ حبّ الجمال من غرائزه الواعية ، كما أنّ كلّ الكائنات في حركتها الجوهرية عاشقة لكمالها وجمالها ، فإنّها في مسيرة تكامليّة ، وإذا لم تصل إلى الكمال المنشود فيها ، فإنّه بسبب العوائق والعوارض في مسيرها.

والتكامل الإنساني : إمّا أن يكون باعتبار مادّته وجسمه ، فهو خارج عن حدود اختياره ، أو يكون باعتبار روحه ونفسه ، فيكون من التكامل النفسي والروحي ، فهو داخل في إطار الاختيار والإرادة.

ولا يصحّ منه في سُنّة الحياة ونظام تكامل العالم أن يبقى ناقصاً ، بل لا بدّ من الوصول إلى كماله فيستلزمه أن يكافح ما يعترضه في مسير حياته التكاملية في أبعاده الوجودية : الجسم والروح والعقل ، حتّى يصل إلى الطهر والنور والرقيّ الفكري ، وإلى قمّة الإنسانية السامية ، ومن الواضح الثابت أنّ تزكية النفس وتهذيب الروح من عوامل الكمال ، ولولا ذلك لكان الإنسان كالأنعام بل أضلّ سبيلا.

والروح تعشق الكمال المعنوي ، وهي التي وضعت سلسلة من القواعد الأخلاقية ، لا حظّ للحيوانات فيها.

والبشريّة اليوم في عيشتها المادّية والروحية ، الفردية والاجتماعية ، تفقد النظام والتوازن الدقيق ، فتقع إمّا في دائرة الإفراط أو محيط التفريط ، وكلاهما من الجهل والظلام.

ومن الواضح أنّ الإنسان ليس بعاص جان بالفطرة ، بل موجود يتقبّل النصيحة والموعظة ، وبإرادته يكفّ نفسه عن الشرّ ، وبهذا يعرف أهميّة الأخلاق وحضور علماء الإصلاح في المجتمعات البشرية . فأهمّ وأقوم وظيفة للإنسان هي التربية والتعليم ، ولو كان الإنسان في ذاته قد خلق شرّيراً وشيطاناً لكان سعي العلماء باطلا ، ولكانت المساعي التربويّة تذهب سُدىً وتكون بلا ثمر ... ثمّ كيف يمكن للنبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) أن يحدث ثورة إصلاحية وأخلاقية في جزيرة العرب في تلك الأيّام أيام الجاهلية الجهلاء.

إنّ القرآن الكريم يرسم للإنسان مسار خطاه إلى التكامل بقوله تعالى :

( يَا أ يُّهَا الإنسَانُ إنَّكَ كَادِحٌ إلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ )[3].

و ( أنَّ إلَى رَبِّكَ المُـنْـتَهَى )[4].

وذلك في مدرسة الأنبياء الإلهيين ومن يحذو حذوهم من العلماء الصالحين . فإنّهم من أجل إصلاح الناس يحملون لهم من منبع الوحي والإلهام برامج السعادة والكمال . فإنّه إن لم يكن الإنسان تحت برامج تربوية لضاع ، ولتغلّبت عليه القوى الشهوانية الهالكة ، وأعمال الإنسان إمّا صالحة أو طالحة ، فإمّا أن يثاب عليها أو يعاقب :

( قَدْ أ فْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) [5].

فللإنسان قوّة التمييز بين الخير والشرّ ، وهي المعجون الأوّل واللبنة الاُولى لصرح الأخلاق والحياة الطيّبة ، فإنّه يتقبّل الإصلاح والإرشاد حتّى الجناة من الناس ، فلا يوجد في البشر إنسان شرّير بالذات كما ذكرنا ، بل يوجد اُناس مرضى النفوس من خلال التلوّث بالبيئة والمحيط ، فأمل الإصلاح والنظرة الرحيمة لهؤلاء المرضى ممّا يساعد على هدايتهم وإرشادهم.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يكون أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه ».

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لولده الحسن (عليه السلام) :

« وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما اُلقي فيها من شيء قبلته ، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لُبّك ».

وحبّ الإيمان والأخلاق مستودع في ضمير الإنسان ، كما أنّ كراهية الكفر والفسوق والعصيان كذلك ، فإنّ الله لم يخلق طينة الإنسان مختمراً بالتوحيد وحسب ، بل زيّن قلوب البشر بحبّ الخير والإصلاح ، وكرّه إليهم الكفر مستودعاً ذلك في فطرتهم :

( وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّـنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إلَيْكُمُ الكُـفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ )[6].

فالطفل لا يولد شرّيراً ، بل يحافظ على عصمته الاُولى إلى أيام المراهقة والشباب ، إلاّ أنّ الفساد الاُسروي أو الاجتماعي العارض يوقعه في الهاوية والهلاك.

فلا بدّ من التربية والإصلاح حتّى تكون الحياة الطيّبة ، والفضيلة هي الحدّ الوسط بين رذيلتين : إحداهما الإفراط ، والآخر التفريط ، فهي الحدّ الوسط في الأفعال والانفعالات ، ولهذا لا يكون الإصلاح أمراً سهلا ، فإنّ معرفة الحدّ الوسط في كلّ شيء أمر صعب وشائك ، كما أنّ معرفة مركز الدائرة كذلك ، ودرك الحدّ الوسط إنّما يتمّ بالابتعاد عن الإفراط والتفريط ، فابتعدوا بالسفينة عن المستنقعات ذات الزبد والوغف.

ثمّ لا بدّ للإنسان الكامل من قيود الإنسانية ، وهي العقيدة الصحيحة والأخلاق الحسنة والمكارم والفضائل الطيّبة ، وأمّا قيود الحيوان فهي الغرائز والشهوات غير المتناهية ، فالإنسان بين قيدين أو حرّيتين : حرّية إنسانية وحرّية حيوانية.

وللعادات دور أساسي في تقدّم الإنسان وتكامله ، أو انحرافه وانحطاطه ، وكما يقال : الخير عادة ، والشرّ عادة ، والتفكير في مقابلة أ يّة عادة هو جهاد مثمر وفعّال ، يوسّع في دائرة بصيرة الإنسان وعامل مهمّ في تقوية الإرادة . وإنّ كثيراً ممّن تركوا طريق الهداية والرشاد إلى سُبل الضلال ، إنّما هو لمسامحتهم في التفكير وعدم دقّتهم في ذلك ، وبهذا يقال : تفكّر ساعة خيرٌ من عبادة سبعين سنة.

وعند بزوغ شمس الإسلام قد قُضي على العادات الجاهلية الضارّة التي كانت سبباً لضياع اُمّة وسقوطها في الهاوية ، وأبدلها بالعقل والوجدان وتربية النفس وتهذيبها بالأخلاق الحميدة بالبرهان والشهود ، فبنى مجتمعاً سعيداً يسوده العلم والمعرفة والتقدّم والازدهار ، فأبدل العادات السيّئة إلى عادات حسنة.

قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) :

غالبوا أنفسكم على ترك المعاصي ، يسهّل لكم مغادرتها إلى الطاعات[7].

وقال (عليه السلام) :

غالبوا أنفسكم على ترك العادات ، وجاهدوا أهواءكم تملكوها.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً.

وكان الإمام السجّاد (عليه السلام) يقول وهو ينصح أبناءه :

اتّقوا الكذب الصغير منه والكبير في كلّ جدٍّ وهزل ، فإنّ الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير[8].

والإنسان بطبيعته قد زرع الله في وجوده بذور ميول مختلفة وهي غرائزه ، وبها لا يمكن أن يصل إلى سعادته ، بل بإمكانه أن يصل بها إلى كماله الحيواني بحسب الوديعة التكوينيّة ، فلمّا شرف الإنسان على الحيوان ألهمه العقل ، ليعرف سبيل سعادته فيخطو في طريقها بخطوات ثابتة وناجحة حتّى يصل إلى كماله اللائق به ، وباعتبار غرائزه وعقله ، دار نزاع في وجوده بين الأهواء والعقل ، والسعيد من جعل زمام أهوائه بيد العقل ، فالإنسان بين الميول الغريزية وطغيانها وانحرافاتها وإفراطها ، وبين نورانية العقل وحكومته العادلة والمستقيمة.

فالعقل من أكبر النعم الإلهية التي وهبها الله سبحانه للإنسان ، فجعله أشرف مخلوق ، ومرفوع الرأس.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :

أفضل حظّ الرجل عقله ، إنّ ذلّ أعزّه ، وإن سقط رفعه ، وإن ضلّ أرشده ، وإن تكلّم سدّده.

وكان العقل هو الحجّة الباطنة كما ورد في الحديث الكاظمي (عليه السلام) :

إنّ لله على الناس حجّتين : حجّة ظاهرة وحجّة باطنة ، فأمّا الظاهرة ، فالرسل والأنبياء والأئمة ، وأمّا الباطنة فالعقول.

ولمّا كانت العقول متفاوتة ، فإنّه يلزم تفاوت المسؤوليات أيضاً ، كما أنّ الثواب والعقاب يكون متفاوتاً ، وكلّ يحاسب على قدر عقله ، ويكلّف بمقدار طاقته ، وهذا من العدل الإلهي.

قال الإمام الباقر (عليه السلام) :

إنّما يداق الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا.

والإسلام له الإلمام التامّ بقيمة العقل وقدره وميدان عمله وحكومته ، وبهذا اعتنى بتربية العقل غاية العناية ، فلا يرضى له إلاّ العلم واليقين ، وينكر منه الظنّ والوهم والجهل.

وأسمى فضيلة للعقل هو معرفة الباري عزّ وجلّ ، وذلك من خلال الفكر والتأمّل والتدبّر في آيات الله.

وربما العقل يكدّر صفوه ويقلّ نوره إذا غلبته الأهواء ، فإنّ العقل مقصوده ضبط الأهواء والميول والغرائز الحيوانية ، ولكن ربما تغلب الشهوة على العقل ، فتطفئ نوره فيتخبّط الإنسان ويتيه ويعيش في ظلام الجهل واتباع الملاذّ والشهوات والهوى ، فيكون في أسفل السافلين ، بعد أن قدّر له أن يكون في أعلى عليّين في عداد الملائكة . بل عند مليك مقتدر في مقعد صدق ، أحياءٌ عند ربّهم يرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله.

( فَإنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أ نَّمَا يَتَّبِعُونَ أهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أضَلُّ مِمَّنِ ا تَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إنَّ اللهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ )[9].

( بَلِ ا تَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْم )[10].

( وَلَوِ اتَّبَعَ الحَقُّ أهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ )[11].

( أفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وَأضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْم )[12].

والاستيلاء على الأهواء من الاُمور الصعبة جدّاً ، فلا سبيل لنا إلاّ المجاهدة ، وهو الجهاد الأكبر :

( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَـنَا )[13].

( وَأمَّا مَنْ خَافَ مَـقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّـفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإنَّ الجَـنَّةَ هِيَ المَأوَى )[14].

وخوف الله ثمرة العلم :

( إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ )[15].

والضمير الأخلاقي[16] ليس الغرائز المكبوتة كما عند ( فرويد ) ، بل عامل مهمّ في تعديل الغرائز النفسانية ، وأرضية مستعدّة للتهذيب ولتنوير العقول . فليس الإنسان مجموعة من الغرائز والميول وحسب ، بل هو جسم وروح وعقل ، أو قل هو قلب وعقل ، وبهما يصل إلى الكمال المطلق والجمال المطلق.

فهدف الإنسان هو الكمال ، وأرضية الكمال هو الفطرة السليمة ، وأسباب الكمال هو العقل والقلب ، وطريق العقل هو الفكر ، وطريق القلب هو الذكر ، وتعليمهما وتربيتهما بالأخلاق الطيّبة والفضائل والمكارم والعلوم والفنون.

إنّ لإرادة الخير واجتناب السوء والشرّ في كيان الإنسان جذوراً فطريةً ، وإنّها قد أودع الله في باطن كلّ إنسان كرأسمال لسعادته ، وإنّها المعجون الأوّل لعلم الأخلاق وهو الإلهام الإلهي الذي ألقاه في النفس :

( وَنَـفْس وَمَا سَوَّاهَا * فَأ لْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَـقْوَاهَا * قَدْ أ فْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )[17].

فكلّ واحد يجد في نفسه أنّ له مرشداً وهادياً إلى الحقّ وإلى الأخلاق الفاضلة ، وأ نّه يميّز بين الخير والشرّ ، فلا يحتاج إلى كتب أخلاقية معقّدة أو فلسفية غامضة ، بل يكفي أن يرجع إلى فطرته وقلبه السليم.

والإنسان إنّما تعلّم التمييز بين الخير والشرّ ، بين الفجور والتقوى في مدرسة الخلقة ومنذ البداية واليوم الأوّل ، وذلك من خلال الوجدان والضمير الأخلاقي ، فليس وليد التربية والتعليم . يكفيك شاهداً قوله تعالى :

( أ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَـيْـنَـيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَـتَـيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )[18].

فالضمير الواعي هو معلّم القلب في الأخلاق ، وهو يعلّم الإنسان السلوك الصحيح والحياة العفيفة :

( لا اُ قْسِمُ بِيَوْمِ القِـيَامَةِ * وَلا اُ قْسِمُ بِالنَّـفْسِ اللَّوَّامَةِ )[19].

فإنّها قيامة صغرى تضاهي القيامة الكبرى فقرن الله بينهما . فالضمير اليقظ والأخلاقي هو الصمّام أمام الذنوب والمعاصي والانحرافات وغلبة الأهواء والميول والغرائز.

والإسلام أولى عناية خاصّة بالضمير الأخلاقي ودوره في الفرد والمجتمع ، وإنّ البون بين من له ضمير أخلاقي ومن ليس له ذلك كالبون بين السماء والأرض ، والمجتمع إنّما ينال العدالة الاجتماعية فيما إذا كان الناس فيه يخضعون لعامل باطني فيهم ، يُشرف على أعمالهم ، ويقضي فيها بحكمه فيطيعونه ، فالإنسان الفائز يحتاج إلى العقل والضمير ، ورصيدهما إنّما هو الإيمان والتقوى ، فالإيمان صديق العقل ، والهوى عدوّه.

وقد خلق الله الإنسان مخيّراً ، وهداه النجدين ، فإمّا شاكراً وإمّا كفوراً ، إلاّ أنّ أكثر الناس تجدهم غير شاكرين ، فقليل من عباد الله الشكور ، وأكثرهم لا يعقلون ، وإنّهم للحقّ كارهين . فيتّبعون أهواءهم :

( لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا اُوْلَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ اُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ )[20].

زبدة الكلام :

إنّ الهدف وسرّ الخليقة وفلسفة الحياة هو تكامل الإنسان ، وكماله إنّما يكون بوصوله إلى الله سبحانه ، وأن يكون خليفته في الأرض ، بأن يكون مظهراً لأسمائه وصفاته ، وقد جعل الله لكماله أدوات تقف عليها من خلال التخطيط الآتي :

العاشقة

الفطرة                  الحسّي

الخيالي

العالمة       الوهمي

العقلي

الهيولاني

بالملكة

النظري     بالفعل

بالمستفاد

أدوات التكامل         العقل                   التخلية

التحلية

العملي     التجلية

الفناء في الله

الوجدان ( الضمير الأخلاقي = النفس اللوّامة )

القلب

وحياة العقل بالفكر وحياة القلب بالذكر . وبهما يصل الإنسان إلى كماله وجماله ، وينال السعادة الأبدية ، دخول الجنّة ونعيمها ، ثمّ للإنسان أبعاد ثلاث لا بدّ من تربيتها سويةً ، كلٌّ في عرض الآخر ، وهي :

 الجسم

أبعاد الإنسان           الروح

العقل

والإسلام دين الكمال والجمال :

( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ )[21].


[1] مقدّمة لكتاب ( بيعة العاشقين ) بقلم الفاضل علي مجبل الساعدي دام عزّه.

[2]  البقرة : 165.

[3] الانشقاق : 6.

[4] النجم : 42.

[5] الشمس : 9 ـ 10.

[6] الحجرات : 7.

[7] غرر الحكم : 508.

[8]وسائل الشيعة 3 : 232.

[9] القصص : 55.

[10] الروم : 29.

[11] المؤمنون : 71.

[12] الجاثية : 23.

[13] العنكبوت : 69.

[14] النازعات : 40 ـ 41.

[15] فاطر : 28.

[16] أي الوجدان أو النفس اللوّامة.

[17] الشمس : 7 ـ 10.

[18] البلد : 8 ـ 10.

[19] القيامة : 1 ـ 2.

[20] الأعراف : 179.

[21] آل عمران : 85 .