الفصل  السابع - الدليل  العقلي  الدالّ  على  نجاسة  الكفّار

الفقه في مصطلح الفقهاء كما جاء تعريفه في كتاب « معالم الدين » للشيخ حسن بن الشهيد الثاني (قدس سرهما) ، هو عبارة عن : العلم بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة . وقالوا : المراد من الأدلّة التفصيليّة ، هي عبارة عن : الأدلّة الأربعة التي تعدّ عند بعض موضوع علم اُصول الفقه[1] ، وهي : الكتاب الكريم والسنّة الشريفة والإجماع والعقل .

ووجوه الاستدلال على نجاسة الكفّار في مصنّفات أصحابنا الأخيار ـ كما مرّ ـ كان عبارة عن الإجماع والكتاب والسنّة الشريفة ، ولم أجد من كتب فقهائنا الأعلام من يقيم الدليل العقلي على نجاستهم ، باعتبار أنّ المسألة والنجاسة إنّما هي شرعيّة وبجعل شرعي ، وأ نّها مسألة تعبّدية ، ولا مجال لحكم العقل فيها ، فليست من المستقلاّت العقليّة ، ولا من اللوازم العقلية ، حتّى يقام عليها الدليل العقلي .

ولكن ربما يصحّ أن نقيم الدليل العقلي على ذلك ، باعتبار أ نّه يصدق عليه عنوان الظلم الذي هو قبيح عقلا ـ وكلّما حكم به العقل حكم به الشرع ـ وإنّما يكون من الظلم من حيث أ نّه لو قيل بطهارة المشركين والكفّار بصورة عامّة ، فإنّه يلزم التساوي بين الشريف والوضيع ، وبين النور والظلمة ، والخير والشرّ ، والصالح والطالح ، والقذر والطاهر . ومثل هذا التساوي يعدّ ظلماً ، فإنّ من العدل وضع الشيء في موضعه ، وإعطاء كلّ شيء وكلّ واحد حقّه ، فليس المساواة في كلّ شيء من العدالة ، بل من العدل أن تضع الأشياء في مواضعها ، فليس من العدل المساواة في توزيع أقراص الخبز على الطفل الصغير والرجل الكامل بالمساواة ، بل يعطى الطفل بمقدار بطنه ، وكذلك الرجل ، فكيف يساوى بين الكافر والمسلم في الطهارة .

ثمّ ينبغي احترام المؤمن ، كما نصّت الأخبار عليه ، فإنّه يحرم هتك المؤمن حيّاً وميّتاً ، ومن مقدّمات احترامه ولوازمه ، أن لا يساوى بينه وبين الكافر في الطهارة ، ومقدّمة الواجب واجب .

لكنّ هذه الوجوه وأمثالها قابلة للنقاش ; فإنّه لا يساوى بين العالم والجاهل ، ولكن لا يحكم بنجاسة الجاهل ، وربما لا يستدلّ على النجاسة بالعقل ، لأ نّها من الأحكام الجعليّة الشرعية والتعبديّة ، فهي خارجة عن حكومة العقل ، فإنّ العقل في مقابل الشرع والوحي المنزل ، ربما يدرك ما يقوله ، لأ نّه من الحجج الإلهية ، وإنّه الحجّة الباطنة في عرض الحجّة الظاهرة وهو النبيّ ، فلا تعارض بين الحجّتين ، إلاّ أنّ الوحي أكبر من العقل ، فالعقل لا يمكنه أن يحيطه ويدرك ما فيه ، بل ربما يدرك فيحكم بما حكم الشرع ، وربما لا يدرك فيسكت ، لا أ نّه لا يخالف الشرع ولا ينفيه ، فالعقل لا يدرك مثل النجاسة والطهارة حتّى يكشف ملاكاتهما وعللهما فيحكم فيهما . فتأمّل .


[1]لقد ذكرنا تفصيل ذلك ومناقشته في رسالة «ملامح عن أوّليات علم اُصول الفقه » ، لا زال مخطوطاً .

الفصل الثامن