![]() |
![]() |
![]() |
حديثنا في المقدّمة إنّما يدور حول المعنى اللغوي والاصطلاحي للكافر ، فإنّي أعتقد أنّ كثيراً من الخلافات الفقهيّة عند فقهائنا الأعلام ـ رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين ـ إنّما هو ناتج من عدم تحرير وتبيين موضوع الحكم بخصوصه ، فإنّ معرفة الموضوع بخصوصه ، له دور هامّ في معرفة الأحكام منها وحملها ، فإنّها كثيراً ما تكون واضحة المستند والمدرك ، إلاّ أنّ الموضوع لإبهامه وعدم وضوحه عند المتشرّعة ، أو في لسان الشارع المقدّس ـ ومن ثمّ وجد الاختلاف في الحقيقة الشرعية ـ قد يوجب الاختلاف بين الأعلام ، حتّى يكاد أن يكون على طرفي تضادّ ونقيض ، كمن يقول بالوجوب والآخر بالحرمة .
فلابد لنا أن نبحث أوّلا عن معنى الكافر لغةً واصطلاحاً عند الفقهاء ، والمتكفّل للأوّل هو المعاجم اللغوية كالصحاح ولسان العرب وتاج العروس وغيرها ، والثاني إنّما يؤخذ من لسان القرآن الكريم والروايات الشريفة ، ومصنّفات العلماء والفقهاء .
وربّما يكون بين المعنى اللّغوي والاصطلاحي تبايناً ، ويسمّى بالنقل غير المألوف ، وربّما ينقل من المعنى الخاصّ على عامّ أو بالعكس ، ويسمّى بالنقل المألوف ، كما فيما نحن فيه .
ثمّ ، الكافر ربّما يكون في العقيدة واُخرى في العمل ، كما إن له أصناف كما سيعلم ذلك إن شاء الله تعالى .
فالكافر لغةً :
اسم فاعل من كفر يكفر ، وجمعه كفّار وكفرة وكافرون ، والاُنثى : كافرة وكافرات وكوافر .
الكاف والفاء والرّاء أصل صحيح يدلّ على معنىً واحد وهو الستر والتغطية ، قيل : كفر من باب ضَرَبَ يضرِب بكسر العين . قال الرافعي في مصباحه المنير[1] : قال الفارابي وتبعه الجوهري : إنّه من باب ضرب ، وفي نسخة معتمدة من التهذيب (يكفُر) مضبوط بالضّم وهو القياس لأ نّهم قالوا (كَفَرَ) النعمة أي غطّاها ، مستعار من (كفَرَ) الشيء الذي غطّاه ، وهو أصل الباب ، والصواب من باب قتل .
وقال صاحب تاج العروس[2] : كفر من باب نَصَر ، وقول الجوهري تبعاً لخاله أبي نصر الفارابي : أ نّه من باب ضرب لا شبهة في أ نّه غلط ، والعجب من المصنّف كيف لم ينبّه عليه وهو آكد من كثير من الألفاظ التي يوردها لغير فائدة ولا عائدة ، قاله شيخنا . قلت : لا غلط ، والصواب ما ذهب إليه الجوهري والأئمّة وتبعهم المصنّف وهو الحقّ ، ونصّ عبارته : وكفرت الشيء أكفِره بالكسر ، أي سترته ، فالكفر الذي هو بمعنى الستر بالاتفاق من باب ضرب ، وهو غير الكفر الذي هو ضد الإيمان فإنّه من باب نصر ، والجوهري إنّما قابل في الكفر الذي بمعنى الستر فظنّ شيخنا أ نّهما واحد ، حيث أنّ أحدهما مأخوذ من الآخر ، وكم عائباً قولا صحيحاً وآفته من الفهم السقيم ، فتأمّل . انتهى ما قاله ، فراجع .
ثمّ الكفر بالفتح والضّم جاء في الأصل[3] بعدّة معاني ، منها : الستر والتغطية والامحاء ، ومنه الكفّارة بمعنى : ستر ومحو الخطيئة ، والتغطية بمعنى : تغطية الشيء تغطية تستهلكه ، والجحود ، ومنه قوله تعالى : ( فَأبى الظالِمونَ إلاّ كُفوراً )[4]أي : جحوداً ، والظلمة والليل والقير الذي تُطلى به السفن لسواده وتغطيته ، والقبر ، والقرية ، وتعظيم الفارسي لملكه ومنه التكفير ، وهو وضع يده أو يديه على صدره ، ولابس السلاح والخضوع كما ورد في الحديث : « إذا أصبح ابن آدم فإنّ الأعضاء كلّها تكفّر اللسان » أي تذل وتخضع له ، والإقرار بالطاعة ، ونقيض الإيمان كما في قوله تعالى : ( أشِدّاءُ عَلى الكُفّار )[5] ، ونقيض الشكر كما في قوله تعالى : ( إنَّا هَدَيْناهُ السَّبيلَ إمَّا شاكِراً وَإمَّا كَفوراً )[6] وهو بمعنى جحود النعمة كما ورد في أحاديث كثيرة ، وبمعنى الزارع كما في قوله تعالى : ( كَمَثَلِ غَيْث أعْجَبَ الكُفَّارَ نَباتهُ )[7] أي أعجب الزرّاع نباته . وبمعنى البحر والوادي العظيم والنهر الكبير والسحاب المظلم والدرع والبعيد من الأرض ، والأرض المستوية والنبت والخشبة القصيرة الغليظة والعصا القصيرة . وغيرها وكلّها ترجع إلى الستر والتغطية بتوجيه مّا كما هو واضح .
وأمّا الكافر اصطلاحاً :
فقد قال بعض أهل العلم :
الكفر على أربعة أنحاء :
كفر إنكار : بأن لا يعرف الله أصلا ، ولا يعترف به ، فهو يكفر وينكر بقلبه ولسانه ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد ، كذلك روي في قوله تعالى : ( إنَّ الذينَ كَـفَروا سَواءٌ عَـلَيْهِمْ أأ نْذَرْتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤمِنون )[8] أي الذين كفروا بتوحيد الله .
وكفر جحود : فإنّه يعترف بقلبه ولا يقرّ بلسانه ، فهو كافر جاحد ، ككفر إبليس وكفر اُميّة بن أبي الصلت ، ومنه قوله تعالى : ( فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرفوا كَفَروا بِهِ )[9] يعني كفر الجحود .
وكفر معاندة : بأن يعرف الله بقلبه ويقرّ بلسانه ، ولا يدين به حسداً وبغياً ، ككفر أبي جهل وأضرابه .
وكفر نفاق : فهو أن يقرّ بالله بلسانه ويكفر بقلبه .
وقيل : يأتي بمعنى البراءة كقوله تعالى حكاية عن الشيطان حين دخوله النار : ( إنِّي كَفَرْتُ بِما أشْرَكْتُمونِ مِنْ قَبْل )[10] أي تبرّأت .
وقيل : الكفر على وجوه : فكفر هو شرك يتّخذ مع الله إلهاً آخر ، وكفر بكتاب الله ورسوله ، وكفر بادّعاء ولد الله ، وكفر مدّعي الإسلام ولكن يعمل بغير ما أنزل الله ، ويسعى في الأرض فساداً ، ويقتل نفساً محرّمة بغير حقّ ، وغير ذلك من الأعمال المحرّمة .
ويأتي الكفر بمعنى جحود النّعمة ، فيسمّى تارك الصلاة كافراً ، كما من كان مستطيعاً للحجّ ولم يحجّ ، يعدّ كافراً ، كما في قوله : ( وَمَنْ كَفَرَ فَإنَّ اللهَ هُوَ الغَنِيُّ الحَميد )[11] .
وقيل : سُمّي الكافر كافراً ، لأنّ الكفر غطّى قلبه كلّه ، فهو منقول من اللغة بالنقل المألوف من المعنى العامّ إلى المعنى الخاصّ .
وقيل : الكفر صنفان :
أحدهما : الكفر بأصل الإيمان وهو ضدّه .
والآخر : الكفر بفرع من فروع الإسلام ، فلا يخرج عن أصل الإيمان كتارك الحجّ مستطيعاً .
وقيل : الكافر على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية أو النبوّة أو الشريعة أو ثلاثتها[12] .
وقال السيّد نور الدين الجزائري في فروق اللّغات[13] : في الفرق بين الكافر والمشرك : قال بعض المتأخّرين : الكافر اسمٌ لمن لا إيمان له ، فإن أظهر الإيمان خصّ باسم المنافق ، وإن أظهر الكفر بعد الإسلام خصّ باسم المرتدّ ; لرجوعه عن الإسلام ، فإن قال بإلهين فصاعداً ، خصّ باسم المشرك ، وإن كان متديّناً ببعض الأديان والكتب المنسوخة خصّ باسم الكتابي ، وإن كان يقول بقِدم الدهر واستناد الحوادث إليه سُمّي باسم الدهري ، وإن كان لا يثبت البارئ خصّ باسم المعطّل ، وإن كان مع اعترافه بنبوّة نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) وإظهار شرائع الإسلام ، ويبطن عقائد من كفر بالاتفاق خُصّ باسم الزنديق .
ثمّ ، كلمة الكفر بمشتقّاتها قد وردت في القرآن الكريم في (523) موضعاً ، كما وردت كلمة الإيمان والإسلام ومشتقاتهما في القرآن كثيراً ، وأمّا الروايات النبويّة والولويّة فحدّث ولا حرج ، فهناك آلاف الروايات والأخبار الشريفة تذكر الكفر وما يضادّه من الإيمان والإسلام وشرائطهما وأركانهما وأقسامهما وآثارهما في الدنيا والآخرة ، يكفيك شاهداً كتاب بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي فإنّه (من مجلّد 64 إلى مجلّد 70 ، طبعة بيروت مؤسسة الوفاء 1403 هـ) يتحدّث عن الإيمان والكفر .
إلاّ أنّ اُمّهات معاني الكفر في القرآن الكريم ترجع إلى خمسة وجوه ، كما ورد في الأخبار الشريفة :
جاء في بحار الأنوار ، عن تفسير النعماني ، بسنده في كتاب فضل القرآن ، عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ، قال : وأمّا الكفر المذكور في كتاب الله تعالى فخمسة وجوه ، منها : كفر الجحود ، ومنها كفر فقط ، والجحود ينقسم على وجهين ، ومنها كفر الترك لما أمر الله تعالى به ، ومنها كفر البراءة ، ومنها كفر النِّعم .
فأمّا كفر الجحود ، فأحد الوجهين منه جحود الوحدانية وهو قول من يقول : لا ربّ ولا جنّة ولا نار ولا بعث ولا نشور ، وهؤلاء صنف من الزنادقة ، وصنف من الدهرية الذين يقولون : ( ما يُهْلِكُنا إلاّ الدَّهْرُ )[14] وذلك رأي وضعوه لأنفسهم استحسنوه بغير حجّة فقال الله تعالى : ( إنْ هُمْ إلاّ يَظُنُّونَ )[15] ، وقال : ( إنَّ الَّذينَ كَفَروا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أأنْذَرْتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤمِنونَ )[16] ، أي لا يؤمنون بتوحيد الله .
والوجه الآخر من الجحود ، هو الجحود مع المعرفة بحقيقته ، قال تعالى : ( وَجَحَدوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوَّاً )[17] ، وقال سبحانه : ( وَكانوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحونَ عَلى الَّذينَ كَفَروا فَلَمَّا جائَهُمْ ما عَرفوا كَفَروا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلى الكافِرينَ )[18] ، أي جحدوه بعد أن عرفوه .
وأمّا الوجه الثالث من الكفر ، فهو كفر الترك لما أمر الله به ، وهو من المعاصي ، قال الله تعالى : ( وَإذْ أخَذْنا ميثاقَكُمْ لا تَسْفِكونَ دِمائَكُمْ وَلا تُخْرِجونَ أنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أقْرَرَتُمْ وَأنْتُمْ تَشْهَدون )[19] إلى قوله : ( أفَتُؤمِنونَ بِبَعْضِ الكِتابِ وَتَكْفُرونَ بِبَعْض )[20] ، فكانوا كفّاراً لتركهم ما أمر الله به ، فنسبهم إلى الإيمان بإقرارهم بألسنتهم على الظاهر دون الباطن ، فلم ينفعهم ذلك لقوله تعالى : ( فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ مِنْهُمْ إلاّ خِزْيٌ في الحَياةِ الدُّنْيا )[21] إلى آخر الآية .
وأمّا الوجه الرابع من الكفر ، فهو ما حكاه الله تعالى عن قول إبراهيم (عليه السلام) : ( كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ العَداوَةُ وَالبَغْضاءُ أبَداً حَتَّى تُؤمِنوا بِاللهِ وَحْدَه )[22] ، فقوله : (كفرنا بكم) أي : تبرّأنا منكم ، وقال سبحانه في قصّة إبليس وتبرّيه من أوليائه من الإنس إلى يوم القيامة : ( إنَّما اتَّخَذْتُمْ مِنْ دونِ اللهِ أوْثاناً مَوَدَّة بَيْنِكُمْ في الحَياةِ الدُّنْيا )[23] إلى قوله : ( وَيَوْمَ القِيامَةِ يَكْفُرْ بَعْضُكُمْ بِبَعْض وَيَلْعَنْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً )[24] ، الآية .
وأمّا الوجه الخامس من الكفر ، وهو كفر النِّعم ، قال الله تعالى عن قول سليمان (عليه السلام) : ( هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلوَني أأشْكُرُ أمْ أكْفُر )[25] ، الآية ، وقوله عزّ وجلّ : ( فَاذْكُروني أذْكُرْكُمْ وَاشْكُروا لي وَلا تَكْفُرون )[26] .
فأمّا ما جاء من ذكر الشرك في كتاب الله تعالى ، فمن أربعة أوجه : قوله تعالى : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذينَ قالوا إنَّ اللهَ هُوَ المَسيحُ بْنُ مَرْيَمَ وَقالَ المَسيحُ يا بَني إسْرائيلَ اعْبُدوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأواهُ النَّارُ وَما لِلظالِمينَ مَنْ أنْصار )[27] ، فهذا شرك القول والوصف .
وأمّا الوجه الثاني من الشرك ، فهو شرك الأعمال ، قال الله تعالى : ( وَما يُؤمِنُ أكْثَرُهُمْ بِاللهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكون )[28] ، وقوله سبحانه : ( اتَّخَذوا أحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أرْباباً مِنْ دونِ اللهِ )[29] إلاّ إنّهم لم يصوموا لهم ولم يصلّوا ، ولكنّهم أمروهم ونهوهم فأطاعوهم ، وقد حرّموا عليهم حلالا ، وأحلّوا لهم حراماً ، فعبدوهم من حيث لا يعلمون ، فهذا شرك الأعمال والطاعات .
وأمّا الوجه الثالث من الشرك ، فهو شرك الزّنا . قال الله تعالى : ( وَشارَكَهُمْ في الأمْوالِ وَالأوْلاد )[30] وربّما من هذا الباب أ نّه من استمع إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله ، وإن كان ينطق عن غير الله تعالى فقد عبد غير الله .
وأمّا الوجه الرابع من الشرك ، فهو شرك الرياء ، قال الله تعالى : ( فَمَنْ كانَ يَرْجو لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صالِحاً وَلا يُشْرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أحَداً )[31] فهؤلاء صاموا وصلّوا واستعملوا أنفسهم بأعمال أهل الخير إلاّ أ نّهم يريدون به رئاء الناس فأشركوا لما أتوه من الرياء ، فهذه جملة وجوه الشرك في كتاب الله تعالى)[32] .
وقريب من هذا المعنى جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام)[33] ، وكلّما جاء في القرآن الكريم فكذلك عند الأئمّة الأطهار من عترة الرسول المختار (عليهم السلام) ، لأ نّهم عدل القرآن وهما الثقلان بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولن يفترقا في كلّ شيء إلى يوم القيامة ، فنكتفي بهذه الوجوه الخمسة من معاني الكفر ، والأربعة من معاني الشرك في القرآن الكريم والسّنة الشريفة .
وبنظري ، يظهر من خلال المراجعة إلى مجموع ما ورد في الثقلين كتاب الله الكريم ولسان العترة الطاهرة والسّنة الشريفة ، أنّ الكفر ينقسم حسب التقسيم الأوّلي إلى قسمين : كفر عقيدة كالمُلحد بالله والناكر له ، وكفر عمل كتارك الحجّ مستطيعاً ، كما أنّ الشرك ينقسم إلى قسمين : شرك عقيدة كالمعتقد بإلهين أو أكثر كالمجوس ، وشرك عمل كالرادّ على الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ، كما ورد في الخبر الشريف (والرّاد علينا كافر ... في حدّ الشّرك)[34] ، كما إنّ الارتداد على قسمين : ارتداد عقيدة ، كمن كان مسلماً فكفر ، وارتداد في العمل ، كالمرتدّ عن الولاية ، كما ورد : (ارتدّ الناس بعد رسول الله إلاّ ثلاثة أو خمسة أو سبعة) ، والنفاق على قسمين أيضاً : نفاق عقيدة ، كمن يظهر الإيمان والإسلام ويبطن الكفر . ونفاق عمل ، كالذي يخلف وعده ، فقد ورد في الخبر الشريف ، عن الكافي بسنده ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « ثلاثٌ ، من كنّ فيه كان منافقاً وإن صام وصلّى وزعم أ نّه مسلم ، من إذا ائتُمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، إنّ الله عزّ وجلّ قال في كتابه : ( إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الخائِنين )[35] ، وقال : ( أنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إنْ كانَ مِنَ الكاذِبين )[36] ، وفي قوله عزّ وجلّ : ( وَاذْكُرْ في الكِتابِ إسْماعيلَ إنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعْدِ وَكانَ رَسولا نَبِيّاً )[37] »[38] .
قال العلاّمة المجلسيّ (قدس سره) في بيان الخبر : إعلم أ نّه كما يطلق المؤمن والمسلم على معان كما عرفت ، فكذلك يطلق المنافق على معان ، منها : أن يظهر الإسلام ويبطن الكفر ، وهو المعنى المشهور ، ومنها : الرياء ، ومنها : أن يظهر الحُبّ ويكون في الباطن عدوّاً ، أو يظهر الصلاح ويكون في الباطن فاسقاً ، وقد يطلق على من يدّعي الإيمان ولم يعمل بمقتضاه ، ولم يتّصف بالصفات التي ينبغي أن يكون المؤمن عليها ، فكان باطنه مخالفاً لظاهره ، وكأ نّه المراد هنا ، وسيأتي معاني النفاق في بابه إن شاء الله تعالى ، والمراد بالمسلم هنا المؤمن الكامل المسلّم لأوامر الله ونواهيه ، ولذا عبّر بلفظ الزعم المشعر بأ نّه غير صادق في دعوى الإسلام . انتهى كلامه .
هذا في التقسيم الأوّلي للكافر ، وهناك تقسيمات ثانوية اُخرى حسب اعتبارات خاصّة ، كتقسيمه إلى الحربيّ وغيره ، أو الكتابيّ وغيره ، أو المرتدّ وغيره ، ثمّ المرتدّ إلى الملّي والفطري ، وخلاصة الأقسام أنّ الكافر في اللسان القرآني والروائي ، إنّما يقصد به المنكر لله والجاحد له تارةً ، واُخرى ناكر النبوّة ، وثالثة المرتدّ عن الدين ، ورابعة من أشرك بالله . وكلّ هذا يتعلّق بالعقيدة ، وربما يطلق على من جحد بِنِعَم الله وآلائه في مقام العمل ، كتارك الصلاة والحجّ مستطيعاً .
ثمّ ،
لفظ الكافر في الروايات مطلق ، فإنّه اسم جنس ، ومعلوم إنّ إرادة العموم
من المطلقات وأسماء الأجناس إنّما يتمّ بقرينة لفظيّة أو عقلية أو بمقدمات
الحكمة .
فالعموم
إن كان من نفس لفظ الجنس ، فإنّه يكون من العموم اللفظي ، وإن كان من مقدّمات
الحكمة ، كأن يكون المتكلّم في مقام البيان وعدم نصب قرينة على خلاف
الظاهر ، فإنّه يسمّى بالعموم الحكمتي . والظاهر من الكافر من فسد
عقيدته فيعمّ جميع الكفّار .
ثمّ ، يطلق المسلم ويقابله الكافر ، وتارةً يطلق ويقابله المؤمن بالمعنى الأخصّ ، فإنّ معاني المؤمن في الروايات على ثلاثة أقسام : إيمان بالمعنى الأعمّ ، وهو لمن أظهر الشهادتين بلسانه ويسمّى بالمسلم ، وبهما يحقن دمه وماله وعرضه ، وإيمان بالمعنى الخاصّ وهو الشيعي الإمامي الإثنا عشري الذي يقرّ بالشهادة الثالثة ، ويقابله المخالف بالمعنى الخاصّ ، وإيمان بالمعنى الأخصّ ـ أي خاصّ الخاصّ ـ وهو الإمامي المتّقي العادل الثقة[39] .
ثمّ ، لقد حكم الفقهاء الكرام على بعض الفرق المنسوبة إلى الإسلام بالكفر ، كما حكموا عليهم بالنجاسة ، فإنّ الكافر إمّا أن يكون أصليّاً أو عرضيّاً أو حكميّاً ، والأوّل ـ كما مرّ ـ من كفر بالله أو بالرسول الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وهو إمّا أن يكون ذميّاً في بلد الإسلام وذمّة المسلمين ، يعمل بشرائط الذمّة كدفع الجزية ، وقد يكون الذمّي كتابياً ـ أي له كتاب كاليهود والنصارى حيث لهم كتاب سماوي كالتوراة والإنجيل ـ وقد يكون غير كتابي ـ كالمجوس على قول ـ أو يكون كافراً مستأمناً طلب الأمان في بلاد الإسلام من الحكومة الإسلامية للتجارة أو زيارة في بلاد المسلمين وما شابه ذلك ، وإمّا أن يكون كافراً حربيّاً ، وإن لم يكن في حرب المسلمين ، وهو من لم يكن في ذمّة المسلمين .
وأمّا
الكفر العرضي : فهو المسلم الذي يعرض عليه الكفر ويسمّى
بالمرتدّ ،
وهو
إمّا فطري ـ من كان من أبوين مسلمين ـ ثمّ أنكر الله
والرسالة أو ضروري من ضروريات الدين ، وإمّا ملّي بأن كان
كافراً ، ثمّ أسلم ثمّ كفر ، ولكلٍّ حكمه الخاصّ .
وأمّا الكفر الحكمي : فهو الذي ينسب إلى المسلمين ، إلاّ أ نّه حكم عليه بأحكام الكفّار ، وهم طوائف ستّة :
1 ـ الغلاة : وهم طائفة من الشيعة الذين يقولون باُلوهية أحد الأئمّة (عليهم السلام)ونحن من هؤلاء الغالية بُراء .
2 ـ النواصب : الذين نصبوا في قلوبهم العداوة والبغض لأهل البيت (عليهم السلام) .
3 ـ الخوارج : الذين مرقوا عن طاعة أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ، وخرجوا على إمام زمانهم ، واليوم يسمّون أتباعهم بالأباضية ، باسم أوّل قائد عسكري لفرقة من الخوارج ، وإنّما انتحلوا هذا الإسم بُعداً عن قباحة لفظ الخوارج بين المسلمين .
4 ـ المجسّمة : الذين يقولون بجسميّة ربّ العالمين كالكراميّة .
5 ـ الحلوليّة : الذين يقولون بحلول الله في البشر ، كحلوله في عليّ (عليه السلام)أو المسيح أو في بدن العارف كما عند بعض المتصوّفة .
6 ـ التناسخية : الذين يقولون بانتقال الروح من جسد الإنسان إلى شيء آخر ، وهم أربعة فرق : فمنهم من يقول بانتقال الروح إلى جسد آخر وإلى الجنين في رحم الاُمّ ، وهو عبارة عن التناسخ ، ومنهم من يقول بانتقاله إلى بدن حيوان وهو عبارة عن التماسخ ، ومنهم من يذهب إلى انتقاله إلى النباتات ويسمّى بالتفاسخ ، ومنهم من يرى انتقاله إلى الجمادات ويسمّى بالتراسخ .
وأصحابنا الإمامية الأخيار بُراء من هذه الفرق الضالّة والمضلّة[40] .
ولتوضيح حكم هؤلاء الطوائف حيث إنّ المسألة اختلافية من جهة السعة والضيق في تحديد كلّ طائفة ، لا بأس أن نذكر إجمالا ما جاء في كتاب (مفتاح الكرامة)[41] ، كما سنذكر تفصيل ذلك في الفصول الآتية :
قال العلاّمة السيّد محمّد جواد العاملي في شرح قواعد العلاّمة في قول المصنّف : (والكافر ـ من النجاسات ـ سواء كان أصليّاً أو مرتدّاً ، وسواء انتمى إلى الإسلام كالخوارج أو الغلات أم لا) يدلّ عليهم ـ الخوارج والغلات ـ خصوصاً إجماع الروض والدلائل ، ولإنكارهم ما هو ضروري يدخلون تحت إجماع الانتصار والناصريات والتهذيب والغنية والسرائر والمعتبر والمنتهى ونهاية الإحكام والتذكرة والدلائل والبحار وشرح الفاضل ، وحكم في السرائر والمعتبر والمنتهى والنهاية والتذكرة والتحرير والدروس وجامع المقاصد والدلائل وشرح الفاضل بنجاسة النواصب ، بل في جامع المقاصد والدلائل لا كلام في نجاستهم ، وفي شرح الاُستاذ : الظاهر أنّ نجاسة النواصب والغلات ـ بل الخوارج ـ غير خلافية . انتهى . والحاصل : أ نّه لا كلام لأحد في نجاسة الناصب فيما أجد ، وإنّما الكلام في المراد منه . ففي الصحاح : نصبت لفلان نصباً ، إذا عاديته . وفي القاموس : النواصب والناصبية وأهل النصب المستدينون ببغضة عليّ (عليه السلام) ; لأ نّهم نصبوا له أي عادوه ، وفي المجمع : ما في الصحاح قال : ومنه الناصب ـ وهو الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت (عليهم السلام) أو لمواليهم لأجل متابعتهم لهم . وزعم آخرون : أنّ الناصب من نصب العداوة لشيعتهم ، انتهى . ويدلّ عليه بعض الأخبار ، وفي السرائر : أنّ الناصب من نصب العداوة لأهل الإيمان . وفي المعتبر : أنّ النواصب هم الخوارج ، قال : أمّا الخوارج فمن يقدحون في عليّ (عليه السلام) ، وقد علم من الدين تحريم ذلك ، فهم بهذا الاعتبار داخلون في الكفر لخروجهم عن الاجماع ، وهم المعنيون بالنصاب ، ومثله قال في المنتهى ، وهو ظاهر الشرائع والنافع ، وأسآر التحرير حيث اقتصر فيها على ذكر الخوارج والغلات ، والروض حيث قال : إن عطف الناصب على الكافر إمّا من عطف الخاصّ على العامّ ، أو يريد به كفّار المسلمين ، كمن أظهر البغضاء لأهل البيت (عليهم السلام) صريحاً أو لزوماً ، وفي النهاية الاكتفاء بالناصب على الكافر ، وابن إدريس نزّل خبري (خذ مال الناصب) على ناصب الحرب ، وفي جامع المقاصد : النواصب هم الذين نصبوا العداوة لأهل البيت (عليهم السلام) ، ولو نصبوا لشيعتهم ، لأ نّهم يدينون بحبّهم فكذلك ، وفي النهاية للمصنّف ـ العلاّمة الحلي ـ والتذكرة وحاشية الشرايع : الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت (عليهم السلام) ، وقال الصدوق : لا يجوز التطهير بغسالة الحمّام لأنّ فيها غسالة اليهودي والمجوسي والمبغض لآل محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وفي شرح المقداد : أنّ الناصب يطلق على خمسة أوجه : الخارجي القادح في عليّ (عليه السلام) . الثاني : ما ينسب إلى أحدهم ما يسقط العدالة . الثالث : من ينكر فضيلتهم لو سمعها ، الرابع : من اعتقد أفضلية ... على عليّ (عليه السلام) ، الخامس : من أنكر ... على عليّ (عليه السلام)بعد سماعه أو وصوله إليه بوجه يصدّقه ، أمّا من أنكر الإجماع أو مصلحة فليس بناصب . فالذي تحصّل من كلامهم أنّ الناصب يطلق على معان :
أحدها : الخارجي ، الثاني : المبغض لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) على وجه التديّن به ، وذلك ما ذكره في القاموس ، وربّما رجع إلى الخارجي ، الثالث : المتظاهر بالبغض لا مطلق البغض ، كما في التذكرة والنهاية وغيرها ، الرابع : مطلق البغض لأهل البيت (عليهم السلام) . الخامس : المبغض لشيعتهم ، السادس : ناصب الحرب للمسلمين . والذي يظهر تيقّن الثلاثة الاُوَل ، وتحقّق معنى النصب فيها ، ويشكّ في الباقي ، وكلام المتقدّمين ما عدا الصدوق خال عن التنصيص على الناصب بمعنى المبغض ; لأنّ منهم من حكم بنجاسة المخالفين ، ومنهم من اقتصر على ذكر الكافر ، ويعلم أنّ الذي يظهر من السير والتواريخ أنّ كثيراً من ... في زمن النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وبعده وأصحاب ... بل كافة أهل ... وأكثر أهل ... مكّة كانوا في أشدّ العداوة لأمير المؤمنين وذريته (عليهم السلام) ، مع أنّ مخالطتهم ومساورتهم لم تكن منكرة عند الشيعة أصلا ، ولو سرّاً ، ولعلّهم لاندراجهم فيمن أنكر إجماع أو مصلحة ، ولعلّ الأصحّ أنّ ذلك لمكان شدّة الحاجة لمخالطتهم ، ووفور التقيّة ، وقد حرّرنا ذلك في باب المكاسب ، والحاصل أنّ طهارتهم مقرونة إمّا بالتقيّة أو الحاجة ، وحيث ينتفيان ، فهم كافرون قطعاً .
أقول : في دولة الحقّ وظهور صاحب الزمان (عليه السلام) فإنّه يتعامل معهم معاملة الكفّار ، وأمّا قبل الظهور لاختلال النظم والعسر والحرج من حيث لزوم المخالطة والمراودة والمعاشرة كما في أيّام الحجّ ، فإنّه يحكم بطهارتهم ، وما يترتّب عليها من أحكام شرعية اُخرى ، كصحة النكاح الدائم . كما إنّ الفرق الناجية في الدنيا والآخرة كما ثبت بالأدلّة العقلية والسمعية ، من الكتاب والسنّة ما عليه أصحابنا الأخيار ، وأمّا الفرَق الاُخرى فهلاكها يوم القيامة[42] ، ويحشرون في زمرة الكفّار إذا وصل إليهم الحقّ وتخلّفوا عنه تعصّباً أو تقليداً لآبائهم ـ هذا ما يستنبط من الأخبار الشريفة الواردة في المقام ـ فتدبّر .
ثمّ قال صاحب مفتاح الكرامة في حكم المجسّمة : وحكم في المبسوط والتحرير والمنتهى والدروس والبيان وجامع المقاصد وحاشية الشرائع والمسالك والدلائل بنجاسة المجسّمة ، وتعطيه عبارة الكتاب فيما سيأتي . وفي حاشية المقاصد والدلائل : لا كلام في نجاستهم . وفي شرح الاُستاذ : الظاهر أ نّه لا خلاف فيه ، وفي نهاية الإحكام حكم الشيخ بنجاسة المجسمة ... وابن إدريس بنجاسة غير المؤمن . والوجه عندي الطهارة ، ومثل ذلك ذكر في التذكرة ، بل قال فيها : والأقرب طهارة غير الناصب ، لأنّ عليّاً (عليه السلام) لم يجتنب سؤر من يأتيه من ... فقد حكم في الكتابين بالطهارة كما هو ظاهر المعتبر والذكرى ، وحكم في المبسوط والتحرير والمنتهى والبيان بنجاسة المشبّهة ، والمصنّف فيما يأتي حكم بطهارتهم ، وهو ظاهر المعتبر والتذكرة ونهاية الإحكام والذكرى ، وليعلم بأ نّه قيّد في البيان : المجسّمة والمشبّهة بالحقيقة ، قال الفاضل الهندي : يعني القائلون بأنّ الله تعالى جسم أو كخلقه في صفة ملزومة للحدث ، لا من يلزمهم ذلك ، وهم له منكرون ... أو يعني من قال بأ نّه جسم حقيقة أي كسائر الأجسام في الحقيقة ، ولوازمها لا من يطلق عليه الجسم ويقول أ نّه جسم لا كالأجسام ، فينتفي عنه جميع ما يقتضي الحدوث والافتقار والتحديد ، وكذا من شبّهه بالحادثات حقيقة ، أي في الحقيقة ولوازمها المقتضية للحدوث والفقر والأمر كما قال ، ولعلّ إطلاق غيره منزل عليه ، انتهى . وفي جامع المقاصد والروض : أمّا المجسّمة فقسمان : بالحقيقة : وهم الذين يقولون أ نّه تعالى شأنه جسم كالأجسام ، والمجسّمة بالتسمية المجرّدة : وهم القائلون بأ نّه جسم كالأجسام . ثمّ قطع في الروض ـ كما في المسالك ـ بنجاسة المجسّمة بالحقيقة . قال في الروض : وإن تردّد فيه بعض الأصحاب ، وفي جامع المقاصد قال : والأصحّ نجاسة الجميع ، وربما تردّد بعضهم في القسم الثاني ، انتهى . ويظهر من عباراتهم أنّ المشبهة هم المجسّمة وكلّ منهما يكون بالحقيقة والتسمية . والحاصل : أ نّه في المبسوط والتحرير والمنتهى حكم بنجاستهم على الإطلاق ، وكذا الدروس في المجسّمة ، ولم يذكر المشبّهة ، وقد عرفت من قيد هذا ، ونقل الاُستاذ أدام الله تعالى حراسته في تعليقه على الرجال أنّ المرتضى قال في الشافي : وأمّا ما رمي به هشام بن الحكم من القول بالتجسيم ، فالظاهر من الحكاية عنه القول بأ نّه جسم لا كالأجسام ، ولا خلاف في أنّ هذا القول ليس بتشبيه ، ولا ناقض لأصل ، ولا معترض على فرع ، وإنّه غلط في عبارة يرجع في نفيها وإثباتها إلى اللغة . وأكثر أصحابنا يقولون أ نّه أورد ذلك على سبيل المعارضة للمعتزلة فقال لهم : إذا قلتم أنّ القديم شيء لا كالأشياء ، فقولوا إنّه جسم لا كالأجسام[43] .
وأمّا ... فقد نصّ المصنّف فيما يأتي على طهارتهم ، وضعّف القول بنجاستهم في المعتبر والمنتهى ونهاية الإحكام والتذكرة والذكرى وجامع المقاصد وغيرها ، وفي الكفاية : نقل الشهرة على القول بالطهارة ، وقوّاه . ويفهم من شرح الفاضل أنّ مذهب الشيخ في النجاسة قويّ ; لأنّ تنجيس أهل ... أولى من تنجيس المجسّمة والمشبّهة ، بل أكثر الكفّار ، لأنّ ... تستتبع إبطال النبوّات والتكاليف رأساً . نعم ، الحقّ أنّ الذين لا يعرفون حقيقة ... ليسوا من الناس في شيء ، قال : ويدلّ على نجاستهم الأخبار الناصّة بكفرهم . انتهى كلامه رفع الله مقامه .
وقال العلاّمة الحلي[44] : حكم الناصب حكم الكافر ، لأ نّه ينكر ما يعلم من الدين ثبوته بالضرورة ، والغلاة أيضاً كذلك ، وهل المجسّمة والمشبّهة كذلك ؟ الأقرب المساواة لاعتقادهم أ نّه تعالى جسم ، وقد ثبت أنّ كلّ جسم محدث .
أقول : قد ذهب المشهور إلى نجاسة الخوارج وهم أهل النهروان ومن دان بمقالتهم ، والغلاة جمع غال ، وهم الذين اعتقدوا باُلوهية أحد الأئمة الأطهار (عليهم السلام)أو نحو ذلك ، والنواصب الذين نصبوا عداوة أهل البيت (عليهم السلام) في قلوبهم ، واُلحق بهم بعض من نصب العدواة لشيعتهم لأ نّهم يدينون بحبّهم ، والمجسّمة بالحقيقة الذين يعتقدون بأنّ الله جسم ، وأمّا المجسّمة بالتسمية المجرّدة فقد تردّد بعضهم في نجاستهم ، وأمّا نجاسة كلّ من خالف أهل الحقّ مطلقاً الذين يعبّر عنهم بالمخالفين فقد ذهب السيّد المرتضى إلى ذلك ، والمشهور على طهارتهم ، وأمّا نجاسة المجبّرة من أهل الخلاف فقد ذهب الشيخ إلى ذلك وهو ضعيف كما سيتّضح ذلك في المباحث الآتية .
وقال المحقّق الشيخ عبد النبي العراقي (قدس سره)[45] : الكافر هو مقابل المسلم والمؤمن تقابل التضاد أو السلب والإيجاب ـ ولكنّ السيّدين العلمين السيّد الحكيم في مستمسكه والسيّد الخوئي في التنقيح يذهبان إلى أ نّه من الملكة وعدمها كما سنذكر ذلك في الخاتمة ـ فغيرهما كافر وله عرض عريض على حسب أصنافه ، إذ ولو كان الكفر ملّة واحدة ، وقلنا غيرهما كافر لكنّ أصنافه كثيرة :
1 ـ من إنكار الصانع عزّ اسمه ، كالدهري والطبيعي تارة .
2 ـ واعترافه ، لكنّ الله أعمى أبصارهم ، كعبدة البقرة والصنم والكواكب والاُمم الاُخرى .
3 ـ وبجعل الشريك له ، كالقائل بالنور والظلمة واليزدان والاهرمن ـ أي المجوس ـ ثالثة .
4 ـ وبالاتحاد في صفاته ، كما يشير إليه الماتن في الجملة رابعة .
5 ـ وبإنكار النبوّة كلية ، كالبودائية والبراهمة خامسة .
6 ـ وبالتشكيك في النبيّ الثابت النبوّة ، سادسة .
7 ـ وبالإلحاد في صفاته ، سابعة .
8 ـ وبإنكار ولاية من له الولاية ، ثامنة .
9 ـ وبالإلحاد في صفاته ، تاسعة .
10 ـ وبإنكار ضروريّ ما جاء به الأنبياء أو نبيّ الإسلام ، عاشرة .
وإلى ما ذكرنا يشير الكلمات في ضابطة من خرج عن الإسلام وباينه ، أو انتحله وجحد ما يعلم ضرورته من الدين ، وهو بتمام أصنافه كافر ... ثمّ يذكر المصنّف ما عنده من توضيح لهؤلاء الأصناف العشرة حسب ما يدّعيه في الصفحة 342 ، ويقول : والمراد بالكافر كما أشرنا في صدر المسألة : من كان غير المسلم وغير المؤمن والتقابل بينهما ، قلنا تقابل التضادّ دون العدم والملكة ، وقد عرفت عدّدناهم إلى عشرة أصناف ، فمنهم من كان منكراً للاُلوهية ومنكراً للتوحيد وللرسالة العامّة أو الخاصّة أو ضرورياً من ضروريات الدين كالصلاة والصوم والحجّ وأمثال ذلك ، وهذا من مسلّمات المسلمين ، فضلا عن المؤمنين ، وإجماعات الفريقين عليه فوق التواتر ، بل إنّه من ضروريات الإسلام ، فلا يحتاج إلى دعوى تكاثر الإجماعات ، كما عن جماعة كثيرة من الفريقين ... نعم قد اختلف الأصحاب رضوان الله عليهم بأنّ إنكار الضروري هل هو سبب تامّ للكفر أم لا ؟ وبعبارة اُخرى بعد الفراغ من أ نّه موجب للكفر قد اختلفوا في أ نّه بنحو الموضوعية أو لا ، بل يكون بنحو الطريقيّة من جهة كشفه عن إنكار الرسالة الخاصّة والنبوّة الخاصة ، أي تكذيب النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وعليه لا يكون بنفسه ـ بما هو هو ـ موجباً للكفر ، فإذا فرض هناك من ينكر الزكاة ولكن يعتقد بالنبوّة وما جاء به ، فلا يكون كافراً ، لكنّ هذا فيما لو لم يكن الإنكار لشبهة علمية طرأ عليه ، كالباطنية ، حيث يقولون الحجّ بفلان وفلان ، ولا يقولون ما يقوله المسلمون ، أو كان قريب العهد بالإسلام أو غير ذلك ، فهذا خارج عن الفرض في كلية مقامات الكفر ... وكيف كان في مسألة إنكار الضروري خلاف بين الأصحاب من حيث الموضوعية أو الطريقية ، ففي المسألة وجهان ، بل قولان ، لكنّ الحقّ الذي لا سبيل إلى إنكاره ، كما عليه المشهور ، هو أ نّه بنفسه سبب مستقلّ للكفر ، سواءً كان كاشفاً من إنكار الرسالة أم لا ؟ ثم يذكر المصنّف وجوهاً ركيكة ، والحقّ كما عند محقّقي المتأخرين من فقهائنا الأعلام : أنّ إنكار الضروري إنّما يوجب الكفر والنجاسة فيما لو كان يعود إلى تكذيب النبيّ وإنكار رسالته ، فتأمل ، كما سنذكر ذلك من خلال المباحث الآتية إن شاء الله تعالى . ثم يذكر المؤلّف الروايات الدالّة على أنّ الإنكار يوجب الكفر ويدّعي إنّها تدلّ على مجرّد الإنكار من دون الكشف ، ثمّ يقول : ثمّ من البديهي اختلافه بالقياس إلى أفراد المكلّفين ، فإنّ إنكار الضروري تارةً يكون : من جهة قرب العهد بالإسلام ، واُخرى : يكون من جهة نشوّه في بلاد الكفرة الفجرة ، وثالثة : يكون من جهة شبهات علمية ، ورابعة : يكون من جهة قصوره في نفسه من معرفة الحقائق كالضعفاء والعجائز وسائر أصناف القصّر ، ولهذا إنّ الشيخ الأنصاري (قدس سره) فرّق بين القاصر والمقصّر ، فالقاصر هو الذي حكمت الآية الكريمة بمعذوريته في تمام الأديان والمذاهب ، نعم لا خصيصة بالعالم ، إذ إجماع أصحابنا ـ بل العقل والنقل ـ قائم بأنّ المقصّر في حكم العالم (المتعمّد) ، وخامسة : عن اضطرار عقليّ ، وسادسة : يكون عن اضطرار شرعي كالتقيّة وأمثالها ، فكلّ تلك الفرق لا يوجب الكفر أبداً ، فيكون الإنكار منحصراً بالعالم الذي عرفته أنّ المقصّر في حكمه ، وما ذكرنا هو معيار الكفر بدون الفرق بين اُصول الدين وفروعه في دين الإسلام وغيره .
أقول : كلامه هذا كلّه قابل للنّقاش ، فإنّ إنكار المسلم ما جاء في المسيحية لا يخرجه مطلقاً إلى الكفر ، إلاّ إذا كان ذلك يستلزم إنكار الرسالة ، وأمّا الفرق بين القاصر والمقصّر فقد أجاب عنه سيّدنا الحكيم في مستمسكه ، فراجع ، وإنّما تعرّضنا إلى مقولة الشيخ العراقي ، لأنّ هناك من يذهب إلى مسلكه ، والمقصود عرض الأفكار وتضارب الآراء حتّى يعلم الصواب ، ونعرف الحقّ الحقيق ، وبالله التوفيق .
عودٌ على بدء :
ثمّ ، الإسلام العظيم لكي لا يضلّ معتنقيه وينحرفوا عن الصواب ، بل يعرفون الحقّ وأهله ، وما هو الصحيح السالم ، أعطى لكلّ شيء علامات وصفات ، فإنّ الآيات القرآنية والروايات النبويّة والولوية ، تذكر علائم الصحيح والسقيم ، ومميّزات الحقّ والباطل ، وصفات الشرّ والخير ، وتعطي الموازين الحقيقيّة لمن يريد الهداية ، ويبغي الرشد في حياته العلميّة والعمليّة ، فما نحن فيه نرى الله سبحانه ورسوله وعترته الطاهرين (عليهم السلام) يذكرون صفات المؤمن والكافر والمنافق والمشرك ، كما مرّت الإشارة إلى جملة منها . ومن علائم الكافر كما قال سبحانه :
( وَالَّذينَ كَفَروا أوْلِياؤهُمُ الطَّاغوتُ يُخْرِجونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلى الظِّلُماتِ )[46] .
( وَالَّذينَ كَفَروا أعْمالُهُمْ كَسَراب بِقيعَة يَحْسَبُهُ الظَمْآنُ ماءً )[47] .
( وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعيداً )[48] .
( وَالكافِرونَ هُمُ الظَّالِمونَ )[49] .
ثمّ ، كما علم أنّ هناك فرق بين الكفر والشرك ، وقد ورد في الروايات أنّ الكفر أقدم من الشرك ، قال الإمام الباقر (عليه السلام) : « والله إنّ الكفر لأقدم من الشرك ، وأخبث وأعظم (ثم ذكر كفر إبليس حين قال الله له : ( وَإذْ قُلـْنا لِلـْمَلائِكَةِ اسْجُدوا لآدَمَ فَسَجَدوا إلاّ إبْليسَ أبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الكافِرينَ )[50]) ، فالكفر أعظم من الشرك ، فمن اختار على الله عزّ وجلّ ، وأبى الطاعة ، وأقام على الكبائر ، فهو كافر ، ومن نصب ديناً غير دين المؤمنين فهو مشرك »[51] .
وكذلك ورد هذا المعنى عن الإمام الصادق (عليه السلام)[52] والإمام الكاظم (عليه السلام)[53] .
أقول : زبدة الكلام في هذا المقام : أنّ الإسلام الذي يوجب حرمة دم المسلم وعرضه وماله ويجري عليه أحكام الإسلام ، إنّما يتمّ بقول الشهادتين ، والكافر الذي يقابل من أنكرهما أو أحدهما ـ أي إنكار الاُلوهية أو إنكار الرسالة ـ فلا يجوز له النكاح من مسلمة ، كما أنّ ماله غير محترم لو كان حربيّاً ، فالذي يوجب حرمة المسلم هو قول الشهادتين وإحرازه ، وإن شكّ في اعتقاده القلبي بذلك . ويستفاد هذا المعنى من الروايات ـ كما جاء في الكافي 2 : 24 ، الباب 14 ، باب ما تؤدّى به الأمانة) وما تمّ سنداً ودلالة الرواية الثالثة ، وهي صحيحة جميل بن درّاج .
علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن جميل بن درّاج ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ : ( قالَتِ الأعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنوا وَلـكِنْ قولوا أسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخِلِ الإيمانُ في قُلوبِكُمْ )[54] ، فقال لي : ألا ترى أنّ الإيمان غير الإسلام .
فالمعتقدات القلبية إنّما ترتبط بمفهوم الإيمان وليس هو الإسلام ، كما دلّت عليه رواية سماعة ، وهو من الثقات وإن كان واقفيّ المذهب[55] ، في حديث :
قال (عليه السلام) : الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله ، والتصديق برسول الله ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس ... الحديث .
وروايات اُخرى في هذا الباب ـ فراجع ـ ، فمن لم يقل بالشهادتين فهو كافر ، ومن قالها ـ وإن علم من قلبه خلافها ـ فهو مسلم .
وما يقال من إنكار الربوبية فمورده قسمان : فتارةً كافر من أبوين وأراد الإسلام ، فإسلامه بإظهار الشهادتين ، وإن علم خلاف ذلك من قلبه ، فإنّ النبيّ وربّ العالمين ، يعلمان ما في قلوب الأعراب ، فقالوا آمنا فأنكر عليهم بأ نّهم أسلموا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم ، ومن كان من أبوين مسلمين فلا داعي إلى الاعتراف وقول الشهادتين ، فكفره فيما لو أنكر الصانع سبحانه ، أو أنكر النبوّة ونبوّة نبيّنا الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وكفر الأوّل عدم الاعتراف بالشهادتين ، وهذا ما يستفاد من الروايات الشريفة ، فتدبّر . ثمّ ، مجرّد قول الشهادتين وإن لم يؤمن بقلبه إنّما ينفعه في الدنيا من حفظ ماله وعرضه ودمه ، ولا ثمرة اُخروية له ، فإنّ ما ينفع في الآخرة إنّما هو الإيمان القلبي ، ولا بد من تحصيل العلم به ، ثمّ الاعتقاد بالمعاد ، إنّما هو مقوّم الإيمان وليس من الإسلام .
ويحكم بالكفر من أنكر ضرورياً من ضروريات الدين الإسلامي الحنيف ، سواء ما يتعلّق باُصول الدين أو فروعه ، وهو ما اتّفق على ضروريّته جميع المسلمين ، بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار النبوّة ، كإنكاره الصلاة ، فيلزمه الكفر ، إذ يلزمه تكذيب النبي وإنكاره .
وإذا كان إنكاره الضروري لا يرجع إلى إنكار النبوّة ، فقد اختلف الفقهاء في ذلك . فقيل : كفره يكون كالناصبي من الكفر التعبّدي ـ بمعنى أ نّه خلاف القاعدة التي مرّت في الإسلام والكفر من قول الشهادتين وعدم الاعتراف بها ـ فيحكم بكفره تعبّداً ، وإن لم يرجع إلى إنكار النبوّة لجهل قصوري مثلا .
ولا بدّ لنا أن نستنبط هذا الكفر التعبّدي من لسان الروايات الشريفة ، فمنها : صحيحة داود بن كثير[56] : وعن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن داود بن كثير الرقي ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)سنن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كفرائض الله عزّ وجلّ ؟ فقال : إنّ الله عزّ وجلّ فرض فرائض موجبات على العباد ، فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافراً ، وأمر رسول الله باُمور كلّها حسنة ، فليس من ترك بعض ما أمر الله عزّ وجلّ به عباده من الطاعة بكافر ، ولكنّه تارك للفضل ، منقوص من الخير .
والكفر على قسمين : كفر أصلي اعتقادي ، وهو المقصود من هذه الرسالة في نجاسة الكفّار أو طهارتهم ، وكفر عملي كما في آية الحجّ ; فإنّ من كان مستطيعاً وتركه ، فقد ذهب من يده خيراً ، ولا يجري عليه أحكام الكافر .
ومن ترك فريضة وجحدها وأنكرها ، فهذا من الكفر الجحودي الإعتقادي ، أي من القسم الأوّل .
ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان[57] : وعنه ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عن الرجل يرتكب الكبيرة فيموت ، هل يخرجه ذلك من الإسلام ، وإن عذّب كان عذابه كعذاب المشركين ، أم له مدّة وانقطاع ؟ فقال : من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أ نّها حلال ، أخرجه ذلك من الإسلام وعُذِّب أشدّ العذاب ... إلى آخر الحديث .
يستفاد منها : أنّ منكر الضروري في نفسه يوجب الكفر .
ومنها : رواية ابن فضيل ، وسندها غير تامّ ، فإنّه لم يعلم من هو ، إذ أ نّه مشترك بين المعدّل والمجروح ، واستظهر البعض أ نّه الثقة ، إلاّ أنّ الاستظهار غير تامّ ـ كما هو ثابت في محلّه ـ ويستدلّ بها على أنّ إنكار الضروري يوجب الكفر ، وهي : وعنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام) : من شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله كان مؤمناً ؟ قال : فأين فرائض الله ؟ إلى أن قال : ثمّ قال : فما بال من جحد الفرائض كان كافراً .
ومنها : رواية الوسائل[58] ، وفي كتاب التوحيد : عن محمّد بن الحسن بن أحمد ابن الوليد ، بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في حديث : قال : الإسلام قبل الإيمان ، وهو يشارك الإيمان ، فإذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي ، أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عنها ، كان خارجاً من الإيمان وثابتاً عليه اسم الإسلام ، فإن تاب واستغفر عاد إلى الإيمان ، ولم يخرجه إلى الكفر والجحود والاستحلال ، وإذا قال لحلال : هذا حرام ، وللحرام : هذا حلال ، ودان بذلك ، فعندها يكون خارجاً من الإيمان والإسلام إلى الكفر ، ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن العباس بن معروف ، مثله .
وهناك روايات اُخرى قابلة للخدشة في دلالتها ، أو أنّ سندها غير تامّ لم نتعرّض لها طلباً للاختصار .
وأما الروايات التي أسلفناها ، فقيل : لا يتمّ الاستدلال بظاهرها ، فإنّه ربما مجتهد فاضل وفقيه ورع ، يفتي بجواز صنع مجسّمة ، وعند الآخرين يحرم ذلك وإنّها كبيرة ، فبناءً على رواية ابن سنان يلزم أن يحكم بكفر هذا المجتهد ومقلّديه ، ولا يصحّ مثل هذه المقولة أبداً ، وحينئذ لا بدّ من قيد في إطلاق الروايات ، وذلك أن يقال : إنّما يحكم بكفره مع علمه بحرمته ، فمن زعم أ نّه حلال لاجتهاد ، فإنّه لا يحكم بكفره ، ولا يصدق عليه أ نّه أنكر ضروري من ضروريات الدين ، أو يقيّد الإنكار برجوعه إلى إنكار النبيّ وتكذيب الرسالة ، وحينئذ لا فرق في ارتكاب الكبيرة أن يكون من إنكار الضروري أو غيره .
ثمّ لو قيّد بالضروري ـ سواء الاعتقادي أو الحكم العملي ـ فإنّه ينتج أنّ العلم والجهل لا أثر لهما ، وإن قلنا بقيد العلم ، فلا أثر للضروري ، فالقيدان متباينان ولا بدّ من أحدهما ، فيلزم أن تكون روايات المقام مجملة ـ كما أشار إلى ذلك السيّد الحكيم في مستمسكه ، والمحقّق الهمداني في طهارته ـ ولكن لا بدّ لنا من قيد العلم ، فإنّ في بعضها ـ وهي رواية فضيل ـ كلمة (جحد) ، وهو لغةً : إنكار الشيء مع العلم به ، كما في قوله تعالى : ( وَجَحَدوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ )[59] .
إلاّ أنّ كلمة الجحد لم تكن في صحيحة عبد الله بن سنان ، فيلزم إجمال الروايات ، وسيّدنا الخوئي (قدس سره) في تنقيحه أشكل على ذلك بأنّ لنا علم إجمالي بأحد القيدين المتباينين ، إلاّ أ نّه هذا غير تامّ ; فإنّ لنا احتمال آخر وهو القدر المتيقّن ، وذلك كالمجتهد الذي يفتي حسب اجتهاده بحليّة صنع المجسّمة ، فإنّه خارج عن الروايات قطعاً بالعلم التفصيلي ، وكذا من كان إنكاره عن حجّة ولو جهلا ، كالجاهل القاصر ، كمن أسلم عن جديد ، فإنّه ربما ينكر ضرورياً لكونه كان مألوفاً عنده ارتكاب ذلك كشرب الخمر ، فإنّه خارج عن الروايات ، وما بقي فإنّه يتمسّك بإطلاق صحيحة عبد الله بن سنان ، فيحكم حتّى في الجاهل المقصّر ، فالمتيقّن خروجه برفع اليد عن الاطلاق ، وأمّا باقي الموارد والمصاديق فإنّه يدخل تحت المطلق ، إلاّ أ نّه يشكل الالتزام بذلك ، فإنّه كيف يحكم على الجاهل المقصّر أ نّه من الكافرين ؟ أيّ ملاك لنا على ذلك ؟ ! نعم نجيب عن الروايات بأنّ الكفر يطلق على ثلاث معان :
1 ـ كفر يقابل الإسلام ، وهو الذي مرّ الكلام فيه ، فالإسلام عبارة عن قول الشهادتين .
2 ـ وكفر يقابل الإيمان الذي مستقرّه القلوب ، كالإيمان بالمعاد وبكلّ ما أنزله الله سبحانه ، وجاء به النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، فإنّ ذلك يحقّق الإيمان ويثبته أو من لوازمه ، ولا يصحّ منه أن يؤمن ببعض ويكفر ببعض .
3 ـ وكفر يقابل الطاعة ، كما في قوله تعالى في آية الحجّ : ( وَمَنْ كَفَرَ فَإنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمينَ )[60] وهو الذي نسميّه بالكفر العملي ـ كما مرّ تفصيل ذلك ـ والكفر في هذه الروايات كفر يقابل الإيمان لا الإسلام الذي نتحدّث عنه ، وهو موضوع بحثنا ، (من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أ نّها حلال ـ ولو في قلبه ـ فلا يضرّ بإسلامه ولكن يضرّ بإيمانه ـ ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم ، وهم المنافقون ـ ) فالذي نلتزمه أنّ الإنكار إذا كان بنحو يرجع إلى إنكار الرسالة فإنّه يوجب الكفر الذي يقابل الإسلام ، فإنّ الإسلام هو القول بالوحدانية والرسالة والاعتراف بهما ، والكفر بخلاف ذلك ، ومثل هذا الكافر يحكم بنجاسته .
ولكي اُلخّص هذه المقدّمة ، حبّذا أن أذكر ما جاء في الوافي[61] للمحقّق المحدّث الفيض الكاشاني ، وذلك لما فيه من الفوائد ، وتقاسيم اُخرى للكفر ، مستلهماً ذلك ممّا جاء في الآيات والروايات .
قال المحقّق الفيض الكاشاني (قدس سره) في بيان ما جاء في الكافي بسنده عن سلام الجعفي ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإيمان ؟ فقال : الإيمان أن يُطاع الله فلا يعصى .
فقال في بيانه : هذا مجمل القول في الإيمان ، وتفصّله الأخبار الآتية بعض التفصيل ، وأمّا الضابط الكلّي الذي يحيط بحدوده ومراتبه ، ويعرّفه حقّ التعريف ، فهو ما سنح لي بيانه في بعض مؤلفاتي من قبل هذا بنحو من عشرين سنة باستفادة من محكمات القرآن وبعض الأخبار ، ولا بأس بإيراد محصّله ها هنا ملخّصاً ، فنقول وبالله التوفيق : الإيمان الكامل الخالص المنتهي تمامه ، هو التسليم لله تعالى ، والتصديق بجميع ما جاء به النبيّ (صلى الله عليه وآله) لساناً وقلباً ، على بصيرة ، مع امتثال جميع الأوامر والنواهي كما هي ، وذلك إنّما يمكن تحقّقه بعد بلوغ الدعوة النبويّة إليه في جميع الاُمور .
أمّا من لم تصل إليه الدعوة في جميع الاُمور أو في بعضها ، لعدم سماعه أو عدم فهمه ، فهو ضالّ أو مستضعف ، ليس بكافر ولا مؤمن ، وهو أهون الناس عذاباً ، بل أكثر هؤلاء لا يرون عذاباً ، وإليهم الإشارة بقوله سبحانه :
( إلاّ المُسْتَضْعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالوِلْدانِ لا يَسْتَطيعونَ حيلَةً وَلا يَهْتَدونَ سَبيلا )[62] .
ومن وصلت
إليه الدعوة فلم يسلم ولم يصدّق ولو ببعضها ، إمّا لاستكبار وعلوّ ، أو
لتقليد للأسلاف وتعصّب لهم ، أو غير ذلك ، فهو كافر بحسبه ، أي
بقدر
عدم
تسليمه وترك تصديقه كفر جحود ، وعذابه عظيم على حسب جحوده ، وإليهم
الإشارة بقوله سبحانه :
( إنَّ الَّذينَ كَفَروا سَواءٌ عَلَيْهِمْ ءأنْذَرْتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنونَ * خَتَمَ اللهُ عَلى قُلوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظيمٌ )[63] .
ومن وصلت إليه الدعوة فصدّقها بلسانه وظاهره لعصمة ماله أو دمه أو غير ذلك من الأغراض ، وأنكرها بقلبه وباطنه لعدم اعتقاده بها ، فهو كافر كفر نفاق ، وهو أشدّهم عذاباً ، وعذابه أليم بقدر نفاقه ، وإليه الإشارة بقوله سبحانه :
( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقولُ آمَنَّا بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وِما هُمْ بِمُؤْمِنينَ * يُخادِعونَ اللهَ وَالَّذينَ آمَنوا وَما يَخْدَعونَ إلاّ أنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرونَ * في قُلوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أليمٌ بِما كانوا يَكْذِبونَ ) ـ إلى قوله تعالى ـ ( إنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْء قَديرٌ )[64] .
ومن وصلت إليه الدعوة فاعتقدها بقلبه وباطنه ، لظهور حقّيتها لديه ، وجحدها أو بعضها بلسانه ، ولم يعترف بها حسداً وبغياً وعتوّاً وعلوّاً ، أو تقليداً وتعصّباً أو غير ذلك ، فهو كافر كفر تهوّد ، وعذابه قريب من عذاب المنافق ، وإليهم الإشارة بقوله عزّ وجلّ :
( الَّذينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْرِفونَهُ كَما يَعْرِفونَ أبْناءَهُمْ وَإنَّ فَريقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمونَ )[65] ، وقوله :
( فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفوا كَفَروا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلى الكافِرينَ )[66] ، وقوله :
( إنَّ الَّذينَ يَكْتُمونَ ما اُنْزِلَ مِنَ البَيِّناتِ وَالهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلْناسِ في الكِتابِ اُولـئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنونَ )[67] ، وقوله :
( وَيَقولونَ نُؤْمِنُ بِبَعْض وَنَكْفُرُ بِبَعْض وَيُريدونَ أنْ يَتَّخِذوا بَيْنَ ذلِكَ سَبيلا اُولـئِكَ هُمُ الكافِرونَ حَقّاً )[68] ، وقوله :
( أفَتُؤْمِنونَ بِبَعْضِ الكِتابِ وَتَكْفُرونَ بِبَعْض ) ـ إلى قوله ـ : ( أشَدِّ العَذابِ )[69] .
ومن وصلت إليه الدعوة فصدّقها بلسانه وقلبه ، ولكن لا يكون على بصيرة من دينه ، إمّا لسوء فهمه مع استبداده بالرأي ، وعدم تابعيّته للإمام ، أو نائبه المقتفي أثره حقاً ، وإمّا لتقليد وتعصّب للآباء والأسلاف المستبدّين بآرائهم ، مع سوء أفهامهم ، أو غير ذلك ، فهو كافر كفر ضلالة ، وعذابه على قدر ضلالته وقدر ما يضلّ فيه من أمر الدين ، وإليهم الإشارة بقوله عزّ وجلّ :
( يا أهْلَ الكِتابِ لا تَغْلوا في دينِكُمْ وَلا تَقولوا عَلى اللهِ إلاّ الحَقَّ )[70] حيث قالوا : عزير ابن الله ، أو المسيح ابن الله ، وبقوله تعالى :
( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا لا تُحَرِّموا طيِّباتِ ما أحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدوا إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدينَ )[71] ، وبقول نبيّنا (صلى الله عليه وآله) : اتّخذوا الناس رؤساء جهّالا ، فسُئلوا ، فأفتوا بغير علم ، فضلّوا وأضلّوا .
ومن وصلت إليه الدعوة فصدّقها بلسانه وقلبه على بصيرة واتّباع للإمام أو نائبه الحقّ ، إلاّ أ نّه لم يمتثل جميع الأوامر والنواهي ، بل أتى ببعض دون بعض بعد أن اعترف بقبح ما يفعله ، ولكن لغلبة نفسه وهواه عليه ، فهو فاسقٌ عاص ، والفسق لا ينافي أصل الإيمان ، ولكن ينافي كماله ، وقد يطلق عليه الكفر وعدم الإيمان أيضاً ، إذا ترك كبار الفرائض ، أو أتى بكبار المعاصي ، كما في قوله عزّ وجلّ : ( وَللهِ عَلى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمينَ )[72] ، وقول النبيّ (صلى الله عليه وآله) : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، وذلك لأنّ إيمان مثل هذا لا يدفع عنه أصل العذاب ودخول النار ، وإن دفع عنه الخلود فيها ، فحيث لا يفيده في جميع الأحوال ، فكأ نّه مفقود . والتحقيق فيه : أنّ المتروك إن كان أحد الاُصول الخمسة التي بُني الإسلام عليها ، أو المأتيّ به إحدى الكبائر من المنهيّات ، فصاحبه خارج عن أصل الإيمان أيضاً ما لم يتب ، أو لم يحدّث نفسه بتوبة ; لعدم اجتماع ذلك مع التصديق القلبي ، فهو كافر كفر استخفاف ، وعليه يحمل ما روي من دخول العمل في أصل الإيمان .
روى ابن
أبي شعبة عن الصادق (عليه السلام) ، في حديث طويل ، أ نّه
قال : لا يخرج المؤمن من صفة
الإيمان إلاّ بترك ما استحق أن يكون به مؤمناً ، وإنّما استوجب
واستحقّ اسم الإيمان ومعناه بأداء كبار الفرائض موصولة ، وترك كبار
المعاصي واجتنابها ، وإن ترك صغار الطاعة وارتكب صغار المعاصي ،
فليس
بخارج من الإيمان ، ولا تارك له ما لم يترك شيئاً من كبار الطاعة ،
وارتكاب شيء من كبار المعاصي ، فما لم يفعل ذلك فهو مؤمن ، يقول
الله : ( إنْ تَجْتَنِبوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ
عَنْهُ نُكَفَّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا
كَريماً )[73] ،
يعني مغفرة ما دون الكبائر ، فإن هو ارتكب كبيرة من كبائر المعاصي كان
مأخوذاً بجميع المعاصي صغارها وكبارها ، معاقباً عليها ، معذّباً
بها . إلى هنا كلام الصادق (عليه السلام) .
إذا عرفت هذا فأعلم أنّ كلّ من جهل أمراً من اُمور دينه بالجهل البسيط فقد نقص إيمانه بقدر ذلك الجهل ، وكلّ من أنكر حقّاً واجب التصديق لاستكبار أو هوىً أو تقليد أو تعصّب ، فله عرق من كفر الجحود ، وكلّ من أظهر بلسانه ما لم يعتقد بباطنه وقلبه ، بغير غرض ديني كالتقيّة في محلّها ونحو ذلك ، أو عمل عملا اُخروياً لغرض دنيوي ، فله عرق من النفاق ، وكلّ من كتم حقاً بعد عرفانه ، أو أنكر ما لم يوافق هواه وقبل ما يوافقه ، فله عرق من التهوّد ، وكلّ من استبدّ برأيه ولم يتبع إمام زمانه ، أو نائبه الحقّ ، أو من هو أعلم منه في أمر من الاُمور الدينيّة ، فله عرق من الضلالة ، وكلّ من أتى حراماً أو شبهة ، أو توانى في طاعة مصرّاً على ذلك ، فله عرق من الفسوق ، فإن كان ذلك ترك كبير فريضة أو إتيان كبير معصية ، فله عرق من كفر الاستخفاف .
ومن أسلم
وجهه لله في جميع الاُمور من غير غرض وهوى ، واتّبع إمام زمانه أو نائبه
الحقّ ، آتياً بجميع أوامر الله ونواهيه من غير توان ولا مداهنة ، فإذا
أذنب ذنباً استغفر من قريب وتاب ، أو زلّت قدمه استقام وأناب ، فهو
المؤمن الكامل الممتحن ، ودينه هو الدين الخالص ، وهو الشيعي حقّاً
والخاصّي صدقاً ، اُولئك أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) ، بل
هو من أهل البيت (عليهم السلام) إذا كان عالماً بأمرهم ،
محتملا
سرّهم ، كما قالوا : « سلمان منّا أهل البيت » .
انتهى كلامه رفع الله مقامه[74] .
وبهذا وقفنا ولو إجمالا على المعنى اللغوي والاصطلاحي للكفر وما يقابله ، وقد ركّزنا على المصطلح القرآني والروائي ، ولا بأس أن نذكر ما جاء في المصطلح الفقهي من خلال مصنّفات ومؤلّفات فقهائنا الكرام ، فإنّه قد اُخذ من الكتاب والسنّة على نحو التحديد وبيان المصاديق أو من النقل المألوف من العامّ إلى الخاصّ ، فتأمّل .
[1]المصباح المنير : 535 .
[2]تاج العروس 3 : 535 .
[3]هذه المعاني خلاصة ما جاء في كتب اللغة نقلتها من الكتب التالية : لسان العرب 5 : 144 ـ 151 ، والنهاية لابن الأثير 4 : 185 ، ومجمع البحرين للطريحي 3 : 474 ، وأقرب الموارد 3 : 364 ، والمصباح المنير : 535 ، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن للراغب : 451 ، ومعجم مقاييس اللغة 5 : 191 .
[4]الإسراء : 99 .
[5]الفتح : 29 .
[6]الإنسان : 3 .
[7]الحديد : 20 .
[8]البقرة : 6 .
[9]البقرة : 89 .
[10]إبراهيم : 22 .
[11]لقمان : 12 .
[12]مفردات الراغب : 451 .
[13]فروق اللغات : 198 .
[14]الجاثية : 24 .
[15]البقرة : 78 .
[16]البقرة : 6 .
[17]النمل : 14 .
[18]البقرة : 89 .
[19]البقرة : 84 .
[20]و (3) البقرة : 85 .
[22]الممتحنة : 4 .
[23]و (6) العنكبوت : 25 .
[25]النمل : 40 .
[26]البقرة : 152 .
[27]المائدة : 72 .
[28]يوسف : 106 .
[29]التوبة : 31 .
[30]الإسراء : 64 .
[31]الكهف : 110 .
[32]بحار الأنوار 69 : 100 .
وهناك تقسيم ثنائي للشرك ، فإنّه تارةً يسمّى بشرك العبادة بأن يعبد غير الله من صنم أو كوكب أو إنسان أو غير ذلك ، ويسمّى بالشرك الجلي أيضاً ، وأُخرى أن يطيع غير الله فيما لا يرضى الله من هوىً أو شيطان أو إنسان أو غير ذلك ، ويسمّى بشرك الطاعة ، وكذلك الشرك الخفيّ ، كما في قوله تعالى : ( وَما يُؤمِنُ أكْثَرُهُمْ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكون )(يوسف : 106) فإنّه سبحانه نسبهم إلى الإيمان مع أ نّه أثبت لهم الشرك ، والطائفيّة والقوميّة والتحزّب وما شابه ذلك كعمل الرياء والكذب ، إنّما هو من الشرك الخفي لو صدر من المؤمن بالله سبحانه وربما يقال ـ كما ذهب إليه الفيض الكاشاني في (الوافي 3 : 183 ، طبع مكتبة أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ اصفهان) : إنّ شرك الطاعة لاستلزامه معصية الله عزّ وجلّ يرجع إلى شرك العبادة ، ولذا اُطلق اسم الشرك عليه ، وذلك لأنّ كلّ من أطاع مخلوقاً في معصية الخالق فقد عبده ، وكلّ من عبد غير الخالق فقد عبد هواه ، كما قال الله سبحانه : ( أفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلهَهُ هَواهُ ) (الجاثية : 23) ومن عبد هواه فقد عبد الشيطان كما قال عزّ وجلّ : ( ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكُمْ يا بَني آدَمَ ألاّ تَعْبُدوا الشَّيْطان ) (يس : 60) . وتمام الكلام في هذا المقام يأتي من باب وجوه الشرك إن شاء الله . انتهى كلامه رفع الله مقامه .
وفي الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) (الكافي 2 : 397) في ذيل الآية الشريفة قال : (يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك) .
وفي آخر عنه (عليه السلام) ، قال : (شرك طاعة وليس بشرك عبادة) .
[33]مجمع البحرين 3 : 475 ، والكافي 2 : 389 .
[34]الوسائل 1 : 23 ، الباب 2 من مقدّمة العبادات ، الحديث 12 . وقريب منه ما جاء في الكافي 2 : 398 عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سمعته يقول : اُمر الناس بمعرفتنا والردّ إلينا والتسليم لنا ، ثمّ قال وإن صاموا وصلّوا أو شهدوا أن لا إله إلاّ الله وجعلوا في أنفسهم أن لا يردّوا إلينا كانوا بذلك مشركين . وروايات اُخرى في الباب ، فراجع .
[35]الأنفال : 58 .
[36]النور : 7 .
[37]مريم : 54 .
[38]بحار الأنوار 69 : 108 ، عن الكافي 2 : 290 .
[39]من كتابنا « القصاص على ضوء القرآن والسنّة » 1 : 259 ، مطبوع ، فراجع .
[40]القصاص على ضوء القرآن والسّنة 1 : 262 .
[41]1 : 144 .
[42]لقد شرحنا هذا المعنى بالتفصيل في كتابينا « عقائد المؤمنين » و « التقيّة بين الأعلام » ، وهما مطبوعان ، فراجع .
[43]لقد ذكرنا تفصيل هذا الإشكال وجوابه في كتابنا « دروس اليقين في معرفة اُصول الدين » وهو مطبوع ، فراجع . كما تعرّضنا لذلك في كتابي « بداية الفكر في شرح الباب الحادي عشر » و « القول الحميد في شرح التجريد » ، وهما مخطوطان .
[44]المنتهى 1 : 168 .
[45]المعالم الزلفى في شرح العروة الوثقى 1 : 335 .
[46]البقرة : 257 .
[47]النور : 39 .
[48]النساء : 136 .
[49]البقرة : 254 .
[50]البقرة : 34 .
[51]الكافي 2 : 384 .
[52]البحار 72 : 96 .
[53]المصدر : 97 ، والكافي 2 : 385 .
[54]الحجرات : 14 .
[55]الكافي 2 : 25 ، وكذلك الوافي 3 : 77 .
[56]الوسائل ، الجزء 1 ، الباب 2 من مقدّمات العبادة ، الحديث 2 .
[57]المصدر ، الحديث 10 و 11 ، عن مسعدة بن صدقة ، فراجع .
[58]المصدر : 25 ، الحديث 18 .
[59]النمل : 14 .
[60]آل عمران : 97 .
[61]الوافي 3 : 99 .
[62]النساء : 97 .
[63]البقرة : 6 ـ 7 .
[64]البقرة : 8 ـ 20 .
[65]البقرة : 146 .
[66]البقرة : 89 .
[67]البقرة : 159 .
[68]النساء : 150 ـ 151 .
[69]البقرة : 85 .
[70]النساء : 171 .
[71]المائدة : 87 .
[72]آل عمران : 97 .
[73]النساء : 31 .
[74]خلاصة الكلام : أنّ كلّ غير مسلم كافر ، أعمّ من أن يكون ذا ديانة أم لا ، وسواء كانت هذه الديانة سماوية ـ كاليهودية والمسيحية ـ أم غيرها ، وسواء كانوا بالأصل أو بالعارض ، كالمرتدّ المليّ أو الفطري . والكفّار بالنسبة للمسلمين إمّا أن يكونوا ذا عهد وذمّة أو مستأمنين أو حربيّين ، فالمعاهد هو الذي عقد عهد مع المسلمين على شرائط الذمّة كما في الفقه ، والمستأمن من دخل دار الإسلام من الكفّار بأمان في تجارة أو رسالة أو حاجة وغيرها ، والحربي من يسكن دار الحرب مقاطعاً للمسلمين فدمه وماله مباح لهم . ثمّ هناك ألفاظ اُخرى تطلق ويراد بها معنى الكفّار ولو من وجه ، كالمشركين والزنادقة والملحدين أعداء الله والرسول والإسلام ، وأمّا من كان مسلماً ثمّ انحرف عن الخطّ الصحيح والصراط المستقيم فهل هم من الكفّار واقعاً أو بحكمهم كالمارقين والناكثين والقاسطين وغيرهم ، فيه أقوال ، وربما يقال : الملاحظ من ظاهر الآيات والروايات : أنّ كلّ من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر ، سواء كان كفره واقعاً أم تنزيلا ، وسواء ترادفت لفظة الكفر مع ألفاظ اُخرى كالظلم والفسق أم تباينت ؟ فإنّ العمدة عدم الالتزام بأحكام الله ، ففي قوله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أنْزَلَ اللهُ فَاُولـئِكَ هُمُ الكافِرونَ ) ، وفي اُخرى : ( هُمُ الفاسِقونَ ) ، وفي ثالثة : ( هُمُ الظَّالِمونَ ) . فهل إنّ الكافر يعني الفاسق أو الظالم يعني الكافر أم أ نّها تختلف ؟ القدر المسلّم به أنّ الكفّار الذين ينطبق عليهم الكفر الواقعي ما ذكرناهم أوّلا ، وأمّا المختلف به من حيث التنزيل أو الواقع وعدمه فهو في غير المنصوص عليه صراحةً ، فتدبّر .
![]() |
![]() |
![]() |