![]() |
![]() |
![]() |
وأمّا معنى الكافر في مصطلح الفقهاء وعبائرهم ، فيقول صاحب مفتاح الكرامة[1] : ويدخل في الكافر كلّ من أنكر ضرورياً من ضروريات الدين ، قال في التحرير ـ العلامة الحلّي ـ : إنّ الكافر كلّ من جحد ما يعلم من الدين ضرورة ، سواء كانوا حربيين أو أهل كتاب أو مرتدّين ، وكذا النواصب والغلاة والخوارج ، ومثله في الشرائع ونهاية الإحكام والإرشاد والذكرى والتذكرة والبيان والروض والروضة والحاشية الميسية ، وغيرها ، بل ظاهر نهاية الإحكام والتذكرة والروض الإجماع على ذلك بخصوصه ، وفي شرح الفاضل تقييد إنكار الضروري بمن يعلم الضرورية وفي صلاة الكتاب والروض يحصل الارتداد بإنكار ما علم ثبوته من الدين ضرورة ، وفي حكم استحلال ترك الصلاة استحلال شرط مجمع عليه كالطهارة ، أو جزء كالركوع ، دون المختلف فيه كتعيين الفاتحة . وفي مجمع البرهان : المراد بالضروري الذي يكفر منكره الذي ثبت عنده يقيناً ، كونه من الدين ولو بالبرهان ، ولو لم يكن مجمعاً عليه ، إذ الظاهر أنّ دليل كفره هو إنكار الشريعة وإنكار صدق النبيّ (صلى الله عليه وآله) مثلا في ذلك الأمر مع ثبوته يقيناً عنده . وليس كلّ من أنكر مجمعاً عليه يكفر ، بل المدار على حصول العلم والإنكار وعدمه ، إلاّ أ نّه لمّا كان حصوله في الضروري غالباً جعل ذلك مداراً ، وحكموا به ، فالمجمع عليه ما لم يكن ضرورياً لم يؤثّر . قال : وصرّح به التفتازاني في شرح الشرح مع ظهوره . قلت : وهو ظاهر الذخيرة . وهنا كلام في أنّ جحود الضروري كفر في نفسه ، أو يكشف عن إنكار النبوّة مثلا ، ظاهرهم الأوّل ، واحتمل الاُستاذ الثاني ، قال : فعليه لو احتمل وقوع الشبهة عليه لم يحكم بتكفيره ، إلاّ أنّ الخروج عن مذاق الأصحاب ممّا لا ينبغي ، وقال السيّد المرتضى بدخول غير المؤمن مطلقاً . وقال ابن إدريس : إلاّ المستضعف . وقال في المعتبر : إن النبيّ (صلى الله عليه وآله) لم يكن يجتنب سؤر أحدهم ، وكان يشرب من الموضع التي تشرب منه عائشة ، وبعده لم يجتنب عليّ (عليه السلام) سؤر أحد من الصحابة مع منابذتهم له ، ثمّ نفى الحمل على التقيّة لعدم الدليل ، وبمثل ذلك استند في التذكرة والذكرى والروض ، ونقلت الشهرة على ذلك في الذخيرة وشرح الفاضل ، وقال الاُستاذ : الإجماع معلوم . وقال الاستاذ أيضاً : وظاهر الفقهاء على طهارة المفوّضة ، وإن كان في الأخبار ما هو صريح في شركهم وكفرهم . انتهى موضع الحاجة ، وأمّا كلامه حول الخوارج والنواصب والمجسّمة ، فكما مرّ بيانه فلا نعيد .
وقال العلاّمة الجواد الكاظمي في مسالكه[2] : وقد اختلف أصحابنا في المراد بالشرك ـ في الآية الشريفة ـ فالأكثر منهم أنّ المراد به ما يعمّ عبّاد الأصنام وغيرهم من اليهود والنصارى ، لأ نّهم مشركون أيضاً لقوله تعالى : ( وَقالَتِ اليَهودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى المَسيحُ ابْنُ اللهِ ) إلى قوله : ( سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكونَ )[3]وبها استدلّ صاحب الكشّاف على كون الكفّار مطلقاً مشركين في غير هذا الموضع . انتهى كلامه .
أقول : ربما الكافر والمشرك من الكلمات التي إذا اجتمعت افترقت ، وإذا افترقت اجتمعت كالفقير والمسكين ، فتأمّل .
وقال الشهيد الثاني في مسالكه[4] : العاشر : الكافر ، وضابطه كلّ من خرج عن الإسلام ، أو من انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة ، كالخوارج والغلاة .
وقال المحقق البحراني في حدائقه[5] : (الفصل السابع) في الكافر : قالوا : وضابطه من خرج من الإسلام وباينه أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة ، والأوّل : شامل للكافر كفراً أصليّاً أو ارتدادياً ، كتابياً أو غير كتابي ، والثاني : كالغلاة والخوارج والنواصب .
وقال العلاّمة[6] : العاشر : الكافر نجس وهو كل من جحد ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة سواء كانوا حربيين أو أهل كتاب أو مرتدّين ، وكذا النواصب والغلاة والخوارج ، والأقرب أنّ المجسّمة والمشبّهة كذلك ، وما عدا هذه الأعيان طاهر ، ما لم يباشر شيئاً منها برطوبة .
وقال المحقق الحلّي في شرايع الإسلام : العاشر : الكافر وضابطه من خرج عن الإسلام أو من انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة ، كالخوارج والغلاة والنواصب .
وقال الشهيد الثاني[7] في بحث الأعيان النجسة : (والكافر) أصلياً ومرتدّاً وإن انتحل الإسلام مع جحده ببعض ضرورياته . وضابطه : من أنكر الإلهية أو الرسالة و بعض ما علم ثبوته من الدين ضرورةً .
وقال المحقّق العاملي[8] : المراد بمن خرج عن الإسلام : من باينه كاليهود والنصارى ، وبمن انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة : من انتمى إليه وأظهر التديّن به ، لكن جحد بعض ضرورياته .
أقول : المتّفق عليه في تعريف الكافر عند الفقهاء : هو أ نّه من أنكر الله سبحانه أو النبي أو المعاد ، ويكون بهذا خارجاً عن الإسلام ، وكذلك من أنكر ضرورياً من ضروريات الدين ، إلاّ أ نّه مطلقاً سواء علم أ نّه ضروري أو لم يعلم ، ذهب المشهور مع العلم ، وعند البعض مطلقاً .
وجاء في العروة الوثقى للسيّد اليزدي (قدس سره) : في بيان أقسام النجاسات ، الثامن : الكافر بأقسامه حتّى المرتدّ بقسميه ، واليهود والنصارى والمجوس ، وكذا رطوباته وأجزاؤه سواء كانت ممّا تحلّه الحياة أو لا ، والمراد بالكافر : من كان منكراً للاُلوهية أو التوحيد أو لرسالة أو ضرورياً من ضروريات الدين ، مع الإلتفات إلى كونه ضرورياً بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة ، والأحوط الاجتناب عن منكر الضروري مطلقاً وإن لم يكن ملتفتاً إلى كونه ضرورياً .
وقال السيّد الإمام الخميني[9] : العاشر : الكافر ، وهو من انتحل غير الإسلام أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة ، بحيث يرجع جحوده إلى إنكار الرسالة أو تكذيب النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، أو تنقيص شريعته المطهّرة ، أو صدر منه ما يقتضي كفره من قول أو فعل من غير فرق بين المرتدّ والكافر الأصلي الحربي والذمّي ، وأمّا النواصب والخوارج ـ لعنهم الله تعالى ـ فهما نجسان من غير توقّف ذلك على جحودهما الراجع إلى إنكار الرسالة ، وأ مّا الغالي فإن كان غلوّه مستلزماً لإنكار الاُلوهية أو التوحيد أو النبوّة فهو كافر ، وإلاّ فلا .
مسألة 12 : غير الاثنى عشرية من فرق الشيعة إذا لم يظهر منهم نصب ومعاداة لسائر الأئمة الذين لا يعتقدون بإمامتهم طاهرون ، وأ مّا مع ظهور ذلك منهم ، فهم مثل سائر النواصب .
وقال السيّد الخوئي (قدس سره)[10] ، في بيان أقسام النجاسات : العاشر : الكافر : وهو من لم ينتحل ديناً ، أو انتحل ديناً غير الإسلام ، أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أ نّه من الدين الإسلامي ، بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة ، نعم إنكار المعاد يوجب الكفر مطلقاً ، ولا فرق بين المرتدّ والكافر الأصلي الحربي والذمّي والخارجي والغالي والناصب ، هذا في غير الكتابي ، أ مّا الكتابي ، فالمشهور على نجاسته وهو الأحوط .
وقال السيّد الحكيم[11] ، في قول السيّد اليزدي : (والمراد بالكافر من كان منكراً للاُلوهية أو التوحيد أو الرسالة) : بلا خلاف ولا إشكال فإنّ الجميع داخل في معاقد الإجماعات ، ولكون الثاني هو المشرك ، والأوّل أسوأ منه ، وأكثر أفراد الثالث موضوع نصوص النجاسة .
وفي قول المصنّف : (أو ضرورياً من ضروريات الدين) قال : بلا خلاف ظاهر فيه في الجملة ، بل ظاهر جماعة من الأعيان كونه من المسلّمات ، وظاهر مفتاح الكرامة حكاية الإجماع عليه في كثير من كتب القدماء والمتأخرين ، بل عن التحرير : (الكافر كلّ من جحد ما يعلمه من الدين ضرورة ، سواء كانوا حربيين أو أهل كتاب أو مرتدّين ، وكذا النواصب والغلاة والخوارج) .
نعم ، الإشكال في أ نّه سبب مستقلّ للكفر تعبّداً ، أو أ نّه راجع إلى إنكار النبوّة في الجملة ، ظاهر الأصحاب كما في مفتاح الكرامة الأوّل ، وتبعه في الجواهر ، لعطفه في كلامهم على من خرج عن الإسلام ، وظاهر العطف المغايرة ، ولعدم تقييده بالعلم ، ولتقييدهم إيّاه بالضروري ... ولتمثيلهم له بالخوارج والنواصب مع عدم علم أكثرهم بمخالفتهم في ذلك للدين ، بل يعتقدون أ نّه من الدين ، فيتقرّبون به إلى الله سبحانه ، واستشهد له بجملة من النصوص كمكاتبة عبدالرحيم القصير : (قال (عليه السلام) : ولا يخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال ، بأن يقول للحلال هذا حرام وللحرام هذا حلال) . ونحوها صحيح الكناني : (قال (عليه السلام) : فما بال من جحد الفرائض كان كافراً ؟) ، وصحيح عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) : (قال : من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أ نّها حلال أخرجه ذلك عن الإسلام) ... ونحوها غيرها .
ثم السيّد (قدس سره) يخدش في جميع هذه الوجوه ، كما يذكر مقولة الشيخ الأنصاري في الفرق بين المقصّر والقاصر ، فبنى على الكفر في المقصّر إذا أنكر بعض الأحكام الضرورية ، عملا بإطلاق النصوص والفتاوى في كفر منكر الضروري ، وعلى عدمه في القاصر لعدم الدليل على سببيته للكفر ... وجوابه عنه فراجع ، ثم قال : هذا كلّه في الأحكام العملية التي يجب فيها العمل ولا يجب فيها الاعتقاد ، وأ مّا الاُمور الاعتقادية التي يجب فيها الاعتقاد لا غير ، فالحكم بكفر منكرها ـ ضرورية كانت أو نظرية ـ يتوقّف على قيام دليل على وجوب الاعتقاد بها تفصيلا على نحو يكون تركه كفراً . ومجرّد كونه ضرورياً لا يوجب كفر منكره ، إلاّ بناء على كون إنكار الضروري سبباً مستقلاّ للكفر ، وقد عرفت عدم ثبوته ، فالمتبع الدليل الوارد فيه بالخصوص ، انتهى كلامه رفع الله مقامه .
وخلاصة الكلام في أقسام الكافر وما اُلحق به ، كما أشار إليه السيّد الطباطبائي في العروة الوثقى ، فهم كما يلي :
1 ـ من أنكر وجود الصانع تعالى واعتقد بأنّ المادّة في هذا العالم قديم بالذات .
2 ـ من أنكر توحيد الذات القديم المتعال من حيث المبدئية ، والقول بأصلين قديمين بالذات أو أكثر كالمجوس .
3 ـ من أنكر توحيده تعالى في مقام الفاعلية ، والقول بأنّ المؤثّر في الحوادث والممكنات الموجودة غيره سبحانه .
4 ـ من أنكر توحيده تعالى في مقام العبادة ، فأشرك في عبادة الله بعبادة الأصنام أو غيرها .
5 ـ من أنكر الرسالة والنبوّة مطلقاً ، والذي يعبّر عنها بالنبوّة العامّة ، أي إنكار جميع الأنبياء .
6 ـ من أنكر الرسالة المحمّدية والنبوّة الخاصّة ، أو إنكار بعض الأنبياء .
7 ـ من أنكر ضروري من ضروريات الإسلام مطلقاً أو في الجملة .
8 ـ من أنكر المعاد كليّاً .
9 ـ من خرج على إمام زمانه المعصوم (عليه السلام) ، (الخوارج) .
10 ـ من نصب في قلبه عداوة آل محمّد (عليهم السلام) ، (النواصب) .
11 ـ من غالى في الأئمّة الأطهار واعتقد باُلوهيتهم أو اُلوهية أحدهم ، (الغلاة) .
12 ـ المجبّرة القائلون بالجبر ، وأنّ الإنسان مقهور في أفعاله ، وأ نّه غير مختار .
13 ـ المفوّضة القائلون بالتفويض ، بأنّ الله فوّض الأمر إلى عباده .
14 ـ المجسّمة القائلون بأنّ الله جسم .
15 ـ المشبهّة الذين يشبّهون الله بخلقه .
16 ـ القائلون بوحدة الوجود من الفلاسفة إن التزموا بلوازم مذهبهم .
17 ـ غير الاثنى عشرية من فرق الشيعة ، إذا لم يكونوا ناصبين ولا معاندين لسائر الأئمة (عليهم السلام) ولا سابيّن لهم .
والكفر كلّي مشكك له مراتب طولية وعرضية ، فأعلاها إنكار وجوده تعالى ، ثمّ إنكار التوحيد بمراتبه الثلاثة ـ من الذات والصفة والعبادة ـ ثمّ إنكار الرسالة المطلقة ، ثمّ إنكار الرسالة الخاصّة ، ثمّ إنكار أصل الإمامة والخلافة ، ثمّ إنكار المعاد في الجملة ، وفيما بين تلك الاُمور مراتب عديدة ـ فتدبّر .
وقد اُطلق الكفر ـ كما مرّ تفصيلا ـ وعدم الإيمان ، والكافر ، على هذه الأقسام في الكتاب الكريم والسنّة الشريفة وفي لسان المتشرّعة[12] .
والمقصود بيان حكم النجاسة والطهارة للكفار ، وأ نّه هل تثبت النجاسة لجميع الأقسام المذكورة أو يخصّ بعضها ؟ وهذا ما سيعلم من الفصول الآتية .
[1]مفتاح الكرامة 1 : 143 .
[2]المسالك 1 : 100 .
[3]التوبة : 30 ـ 31 .
[4]المسالك 1 ، 123 ، طبع ونشر مؤسسة المعارف الإسلامية ـ قم .
[5]الحدائق 5 : 162 ، طبع دار الكتب الإسلامية ـ النجف .
[6]تحرير الأحكام 1 : 24 ، الطبعة الحجرية .
[7]شرح اللمعة 1 : 49 ، طبع دار العالم الإسلامي بيروت .
[8]مدارك الأحكام في شرح شرايع الإسلام 2 : 294 ، طبع مؤسسة آل البيت ـ قم .
[9]تحرير الوسيلة 1 : 118 .
[10]منهاج الصالحين 1 : 111 .
[11]المستمسك 1 : 378 .
[12] ـ من « لبّ اللباب في طهارة أهل الكتاب » لآية الله السيّد محمّد حسن اللنگرودي دام ظلّه .
![]() |
![]() |
![]() |