![]() |
![]() |
![]() |
الثالث : إنّما يتمّ الاستدلال بالآية الشريفة على نجاسة الكفّار في أعيانهم ، لو كان المراد منها النجاسة الشرعيّة لا المعنى اللغوي ، وأنّى لكم إثبات ذلك ، لا سيّما فيما لم تثبت الحقائق الشرعيّة ، فلفظ النجس ـ بالفتح ـ لم يثبت كون المراد منه النجس بالمعنى الذي هو محلّ الكلام ، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة ، فمن الجائز أن يكون المراد منه معنىً آخر غيره ، بل ذكر أهل اللغة : أنّ النجس : المستقذر ، وبعضهم ، أ نّه ضدّ الطاهر . ومرادهم من الطهارة المعنى اللغوي ، وهو غير الطهارة الشرعيّة .
وهذا الإشكال ذكره جماعة ، منهم : المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، وتلميذه في المدارك ، وتلميذه في الذخيرة ، وغيرهم .
واُجيب عنه :
أوّلا : لقد فرّع الله سبحانه على نجاستهم : حرمة دخولهم المساجد ، وهذا الحكم المفرع عليه ، لا يناسبه أن يكون المراد من النجس : النجس العرفي .
وثانياً : حملها على النجس العرفي خلاف وظيفة الشارع المقدّس ، كما أ نّه مخالف للواقع في كثير من المشركين ، وأ نّه لا يختصّ بهم ، بل يشاركهم فيه غيرهم من المسلمين .
وثالثاً : ولا يصحّ حملها على الخبث الباطني والقذارة النفسانية ـ كالحدث الموجب للغسل أو الوضوء ـ فإنّه وإن صحّ التعبير عنها بالقذارة ، وعبّر عن ضدّها بالطهارة ، لكنّها إنّما هي قائمة بالنفس ومنقصة فيها ، والحال ظاهر الآية ـ والظواهر حجّة ـ إنّما هو نجاسة البدن الخارجي ـ أي الهيكل الخاصّ الذي أخذ حيّز في الوجود وله الامتداد الثلاثة ـ فيتعيّن حملها على ثبوت القذارة في البدن على نحو ما ورد في الكلب وغيره من النجاسات العينيّة الذاتية الجعليّة .
ورابعاً : يبعد جدّاً أن يكون المراد معنىً آخر غير ما ذكر ، بأن يراد منه نوع خاصّ من الخباثة قائم بالبدن غير النجاسة ، وغير الخباثة المرادة في قوله تعالى : ( وَيُحَرِّمْ عَلَيْهِمُ الخَبائِثَ )[1] ، وإنّما يبعد ذلك لعدم معهوديته ، مع أ نّه خلاف أصالة وجوب حمل اللفظ على أقرب المعاني المجازية بعد تعذّر الحقيقة ، كما هو ثابت في محلّه .
وخامساً : وهو جواب نقضي بأ نّه لو جاز التشكيك المذكور في الآية الشريفة ، لجاز مثله فيما ورد في الكلب من أ نّه نجس ، يعني ما ذكر في تقريب الإشكال ، والحال لم يحتمله أحد من صغار الطلبة .
وسادساً : لقد عدّ التعبير المذكور في النجاسة الذاتية من أصرح التعبيرات عن النجاسة ، فإنّ الحقيقة الشرعية وإن لم تثبت ، لكنّ الاستعمال الشرعي في تلك المفاهيم ثابت ، ولأجله جرت الاستعمالات عند المتشرّعة عليه حتّى صارت حقيقة عند المتشرّعة ، فيكون المفهوم عند المتشرّعة هو المراد من اللفظ ، وكذا الكلام في أمثال المقام من الألفاظ المستعملة في لسان الشارع ، إذا تعذّر حملها على المعنى العرفي ، فإنّها تحمل على المفهوم عند المتشرّعة ، وإن كان في الأزمنة المتأخّرة[2] .
وقد أجاب المحقّق البحراني[3] عن هذا الإشكال بعد أن قررّه بقوله : (وثانياً) عدم إفادة كلام أهل اللغة كون معنى النجس لغةً هو المعهود شرعاً ، وإنّما ذكر بعضهم أ نّه المستقذر ، وقال بعضهم ضدّ الطاهر ، ومن المعلوم أنّ المراد بالطهارة في إطلاقهم معناها اللغوي ، فعلى هذين التفسيرين لا دلالة لها على المعنى المعهود في الشرع فتتوقّف إرادته على ثبوت الحقيقة الشرعيّة أو العرفية المعلوم وجودها في وقت الخطاب ، وفي الثبوت نظر .
فأجاب (قدس سره) : بأنّ النجس في اللغة وإن كان كما ذكره إلاّ أ نّه في عرفهم (عليهم السلام)كما لا يخفى على من تتبّع الأخبار وجاس خلال تلك الديار ، إنّما يستعمل في المعنى الشرعي ، وتنظر المورد في ثبوت الحقيقة العرفية في زمن الخطاب ـ بمعنى أنّ عرفهم (عليهم السلام) متأخّر عن زمان نزول الآية عليه (صلى الله عليه وآله) ، فلا يمكن حمل الآية عليه ـ مردود بأنّ عرفهم (عليهم السلام) في الأحكام الشرعية وفتاويهم وأمرهم ونهيهم في ذلك راجع في الحقيقة إليه (صلى الله عليه وآله) ; فإنّهم نقلة عنه وحفظة شرعه وتراجمة لوحيه ، كما استفاضت به أخبارهم .
[1]الأعراف : 157 .
[2]اقتباس من كتاب مستمسك العروة الوثقى 1 : 369 .
[3]الحدائق 5 : 165 .
![]() |
![]() |
![]() |