الفصل  الخامس - إشكالات  وأجوبتها

إشكالات  الاستدلال  بالآية

الإشكال  الأوّل

لقد حاول بعض أن يناقش الاستدلال بالآية الشريفة الدالّة على نجاسة الكفّار ، وأورد إشكالات أجاب عنها علماؤنا الأعلام بأجوبة شافية وكافية ، ولكي يتمّ الاستدلال وتعمّ الفائدة ، نذكر الإشكالات ونسلّط الأضواء عليها ، متمسّكين بعروة الخلاصة روماً للاختصار ، ولوضوح الاستدلال ، وإليك أهمّ الإيرادات :

الأوّل : أنّ النجس في الآية ـ بفتح النون وفتح الجيم المعجمتين ـ إنّما هو مصدر ، ولا يصحّ حمله على العين إلاّ بتقدير (ذو) ، ويكفي في الإضافة التي تحكيها (ذو) أدنى ملابسة ، ولو كان ذلك من جهة النجاسة العرضية الحاصلة للكفّار من حيث مباشرتهم للأعيان النجسة ـ كما عند فقهاء أبناء العامّة كما مرّ ، من شربهم الخمر وأكلهم لحم الخنزير ـ فلا تدلّ على النجاسة الذاتية والعينيّة .

واُجيب عنه :

أوّلا ـ كما في المعتبر وغيره : أ نّه يصحّ حمل المصدر على العين وأن يكون خبراً عن مبتدأ ، وذلك للمبالغة ، كما يقال : (زيد عدل) أي كثير العدالة وأ نّه أصبح مجسّم العدالة ، وكذلك في ما نحن فيه ، كأ نّهم تجسّموا في النجاسة ، وهذا المعنى وإن كان مجازاً ـ فإنّه من استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة مع القرينة ـ لكنّه أقرب من التقدير ، فيقدّم عليه .

ثانياً ـ أنّ المحكي عن جماعة من أهل اللغة ـ كما صرّح به في القاموس ـ أنّ النجَس ـ بالفتح ـ وصف كالنجِس ـ بالكسر ـ وهو ضدّ الطاهر ، فيصحّ حمله حينئذ على العين على الحقيقة ، بدون شائبة التجوّز .

ثالثاً ـ لو سلّم أنّ المراد (ذو نجاسة) ، إلاّ أ نّه أمكن الاستدلال بإطلاقه على النجاسة الذاتية العينيّة أيضاً ، فإنّ النجاسة العرضية إنّما تكون بملاقاة الأعيان النجسة مع عدم استعمال المطهّر ، فإطلاق كونهم ذا نجاسة مطلقاً ، حتّى مع عدم ملاقاة الأعيان النجسة ومع عدم استعمال المطهّر إنّما يدلّ على كون نجاستهم ذاتية ، وذلك بالدلالة الالتزامية ، كما هو واضح .

وبعبارة اُخرى : لمّا كان لا يصحّ حمل المصدر على الذات ، فلا بدّ من تقدير ، كقولهم ذو نجاسة ، ويكون حينئذ أعمّ من النجاسة العرضية والذاتية ، والثاني كالكلب ، والأوّل باعتبار عدم احترازهم عن النجاسات ، فلا تدلّ الآية على النجاسة الذاتية والمعنى المصطلح الشرعي .

فجوابه : لو كان المراد النجاسة العرضية لقيّدت بأ نّهم ما دام لم يقع عليهم الطهارة فلا يقربوا المسجد الحرام ، والحال إطلاق الآية ينفي ذلك ، فتدبّر .

وأجاب المحقّق البحراني عن الإشكال هذا بقوله : إنّه لا ريب في صحّة الوصف بالمصدر ، إلاّ أ نّه مبني على التأويل ، فمنهم من يقدّر كلمة (ذو) ويجعل الوصف بها مضافاً إلى المصدر ، فحذف المضاف واُقيم المضاف إليه مقامه ، وعلى هذا بني الإيراد المذكور ، ومنهم من جعله وارداً على جهة المبالغة باعتبار تكثّر الغلّ من الموصوف حتّى كأ نّه تجسّم منه ، وهذا هو الأرجح عند المحقّقين من حيث كونه أبلغ ، وعليه حمل قول الخنساء (فإنّما هي إقبال وإدبار) كما ذكره محقّقو علماء المعاني والبيان ، وعليه بني الاستدلال بالآية المذكورة .

وقال الشيخ عبد النبي العراقي[1] في تقرير الإشكال وجوابه : وأ مّا توّهم عدم دلالته أصلا حيث إنّ النجس مصدر ، فلا يصحّ حمله على اسم الذات إلاّ بالتقدير فيقال ذو نجس ، وعليه يمكن أن يكون نجاسة المشركين نجاسة عرضية التي لا يكاد انفكاكهم عنها لعدم اجتنابهم عن القاذروات ولا يغتسلون عن الجنابات ، كما لا يخفى ، لكنّه كما ترى بأ نّه أتى به مبالغة إيماء بأ نّهم عين النجاسة كسائر القاذورات ، وهذا أبلغ من تقدير (ذو) حيث يلزم الإضمار دون المبالغة ، فإنّها لمقتضى المقام ، فلا محذور أبداً .


[1]المعالم الزلفى 1 : 336 .

الإشكال الثاني