![]() |
![]() |
![]() |
الحمد لله الذي طهّرنا بالإسلام ، وأفضل الصّلاة وخير السلام على أشرف الأنام محمّد المبعوث بدين الإسلام ، وعلى آله الكرام ، واللعن الدائم على أعدائهم اللئام إلى يوم الدين .
أما بعد .
فقد شاء الله الحكيم سبحانه وتعالى أن يجدّد حياة الإسلام ، وترفرف راياته عاليةً خفّاقة على رأس القرن الخامس عشر للهجرة النبويّة الشريفة ، وذلك بانتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران بقيادة الفقهاء الكرام والعلماء الأعلام ، وفي طليعتهم القائد الهمام السيّد الإمام الخميني العظيم قدّس سرّه الشريف ، ووحدة الاُمّة الإسلامية ، والشعب الإيراني وتضحياته وتفاديه وتماسكه وتمسّكه بعروة الدين ، فتعطّش العالم بعد الصحوة الإسلامية العارمة إلى معرفة حقيقة الإسلام والدين المحمّدي الأصيل ، وتفهّم مفاهيمه القيّمة ، وتعلّم أحكامه الرصينة ، وتطبيق قوانينه الإلهية ، التي تضمن للبشرية جمعاء سعادتها وعيشها الرغيد ، لو تمسّكوا بمصادر تشريعها القويم ، القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، المتمثّلة بقول المعصوم (عليه السلام) وفعله وتقريره ، ووقفوا على حقيقة أهدافهما ، وتعلّموا معارفهما ، وطبّقوا أحكامهما وقوانينهما في جميع حقول الحياة .
ومن ثَمّ
أحسّ الناس لا سيّما المسلمين منهم ضرورة الحكومة الإسلامية ،
وإنّها
بقيمها ، الصحيحة وتطبيق قوانينها الرصينة ، هي التي تعالج قضايانا
المعاصرة المعقّدة ، ومشاكلنا الفردية والاجتماعية ، وتسوق الناس إلى
حياة سعيدة رغيدة ، وتقودهم إلى شاطئ السلام وساحل الأمان ، وتسعى
لتحكيم المُثل الأخلاقية ، والتقدّم والازدهار في كلّ جوانب الحياة ،
وذلك النصر المؤزّر إنّما يتمّ فيما لو نقطع أيادي الاستكبار ، ونأمن مكر
الاستعمار ، ونمحي نفوذ الكفّار ، من البلاد والأمصار ، وفي كلّ
الأعصار .
ومن المسائل التي تثار في الدولة الإسلامية وبلادها وأقطارها على الصعيدين : الفردي والاجتماعي مسألة (كيفية التعامل مع الكفّار) والكفر ملّة واحدة ، فكيف نتعامل معهم ؟ وذلك من زوايا وجهات عديدة ، من حيث المعاملة السياسية ، فكيف نُسايسهم في داخل بلادنا وخارجها ، حتّى لا يكون للكافر على المسلم سبيلا ، ولا نتّخذ الكفّار بطانة من دون المؤمنين ، ونكون على حذر تامّ من مخطّطاتهم ودسائسهم التي يحاولون بها السيطرة على المسلمين سياسيّاً ، وكيف تكون العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين . هذا من الناحية السياسية ، وكذلك من الجانب الاقتصادي ، فكيف نتعامل معهم ؟ فإنّهم بشتّى الطرق والحيل يحاولون الاستيلاء على منابعنا الاقتصادية ، لا سيّما النفط الذي فيه حياتهم ، وكيف ينهبون ثروات المسلمين ، ومن ثَمّ مصّ دمائهم ، وسرقة عقولهم ، ودينهم ووعيهم ، حتّى يبقى المسلمون دوماً في تراجع وانحطاط وانكسار وتدهور اقتصادي ، فيسيطرون عليهم في الاقتصاد والسياسة ، وإذا صعب الأمر عليهم ، فإنّهم يغزونا بثقافتهم المقيتة المنهارة ، وهي الطامّة الكبرى التي يغفل عنها المسلمون ، فإنّهم في هجومهم الثقافي كالعثّ المفسد ، ربّما يصلون إلى مقاصدهم ومآربهم ما لم يصلوا بهجومهم السياسي أو العسكري وحصرهم الاقتصادي ، كما حدث ذلك في إيران الإسلام بعد انتصار ثورتها المباركة ، التي زلزلت عروش الطغاة والجبابرة ، وأذلّة الاستكبار العالمي بمعسكريه الغربي والشرقي ، حتّى نالت أمريكا الشيطان الأكبر من الثوريّين صفعة مبرحة ، فقدت وعيها ورشدها .
ومن أدهى الأخطار ، وأفتك الأساليب الجهنميّة الاستعمارية ، إنّما هو الهجوم الثقافي ، بالأمس إنّما فقدنا أندلس الإسلامية بذلك ، لا بالحروب الصليبيّة ، فإنّ المسلمين انتصروا فيها ، إلاّ أ نّهم سرقوا الأندلس وأسبانيا منّا بهجومهم الثقافي المشؤوم ، الذي يرمي إلى إشاعة الفساد بين الشباب المسلم والاُسر الإسلامية ، بكلّ الطرق والسبل ، حتّى تنفصم المُثل الأخلاقية التي كانت تحكم البلاد ، ويذهب الحياء من الرجال والنساء ، وتحلّ الميوعة والاستهتار وعدم المبالاة واللادينيّة واللامبدئية ، وعدم الإحساس بالمسؤولية ، وفقدان الرجولة والبسالة والغيرة على الدّين والأهل والوطن ، ثمّ تسليم البلاد إلى الأعداء بعد غزوهم في عقر دارهم ـ وذل قوم غزوا في عقر دارهم كما قالها أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)في نهجه البليغ[1] ـ ولا بدّ لنا أن نعتبر ونتلقّى الدروس والتجارب من أيامنا الماضية ، ونستعين بالله سبحانه على بناء صرحنا الإيماني ، ومجتمعنا الإسلامي ، سالماً يقظاً واعياً متفكّراً حذراً ، يفوح منه عطر الأمان والإيمان ، ونسيم العدل والإحسان ، وحكومة القرآن ، وما فيه البيان والتبيان .
فكيفية المعاملة مع الكفّار بأصنافهم فيها جوانب عديدة ومواضيع مختلفة ، تطرح في مجالات علمية وعمليّة متفاوتة .
منها : (نجاسة الكفّار أو طهارتهم) وذلك من خلال علم الفقه الإسلامي ومصدر تشريعه ، حيث يستنبط حكمهم الشرعي الفرعي من خلال الأدلّة التفصيليّة في استنباط الأحكام الشرعية الفرعيّة ـ من الكتاب الكريم والسنّة الشريفة والإجماع والعقل ـ وهو موضوع رسالتي هذه التي طلب منّي كتابتها لأخذ الدكتوراه من حوزة قم العلميّة المباركة ، سائلا المولى القدير التوفيق والسداد ، فبه أستعين ، وعليه أتوكّل ، وإليه اُنيب ، إنّه خير ناصر ومعين .
وأعتذر مقدّمةً من زلّة القدم وهفوة القلم ، واُرحّب بالنقد البنّاء والمناقشة الحرّة ، لنتّبع أحسن ما يقال ، والله من وراء القصد .
وسمّيتها (زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار) وإنّما عطفتها بأو الدالّة على عدم التعيين باعتبار أنّ المسألة موضع اختلاف بين الأعلام وأصحاب الفكر الفقهي ، ورتّبتها على مقدّمة وفصول وخاتمة ـ كما هو الديدن في عالم التأليف والتصنيف ، لا سيّما عند القدماء وفي مثل هذه المواضيع الفقهية ـ ومن الله التوفيق .
ثمّ العمدة في هذه الرسالة الموجزة هو بيان أقوال علمائنا الأعلام واستدلالهم ، وبيان ما هو الصواب بعد النقض والإبرام ، إلاّ أ نّه من باب الفقه المقارن وتعميماً للفائدة ، نذكر آراء وأقوال علماء المسلمين من باقي الطوائف والمذاهب ، على نحو الإشارة والإجمال ، من دون بيان ما هو الحقّ ، فإنّه سوف يعلم ذلك عندما نتعرّض لأقوال أصحابنا الكرام ، وبيان مداركهم ومستنداتهم ، إن شاء الله تعالى .
وأقول مقدمة ـ في خصوص أهل الكتاب من الكفّار ـ : إنّ الذي يظهر من أسئلة أعاظم الرواة والمحدّثين من أئمتهم الأطهار (عليهم السلام) عن حكم أهل الكتاب في طهارتهم ونجاستهم إنّما كان بعد فراغهم عن طهارتهم الذاتية ، والسؤال إنّما كان حول نجاستهم العرضية ، باعتبار أكلهم لحم الخنزير ، وشرب الخمور ، وعدم اجتنابهم عن الجنابة والبول وما شابه ذلك من النجاسات ، كما سيتّضح ذلك من خلال الروايات الواردة في المقام .
ونذهب إلى أ نّه وإن قيل بدلالة الأخبار على نجاستهم في حدّ ذاتها ، إلاّ أ نّها بمعارضتها بالطائفة الثانية من الأخبار الدالّة على طهارتهم ، لا بدّ من تأويل الاُولى بحملها على النجاسة العرضية ، باعتبار عدم اجتنابهم عن النجاسات ، وهذا يعني أ نّه لو أزال اليهودي أو النصراني القذارات عن جسده ، وغسل بدنه بالماء الطاهر ، فإنّه لا يجب الاجتناب عنه حينئذ .
فلو تمّ ما ذكرناه من الجمع بين الروايات المتعارضة أو القول بتقديم الطائفة الثانية ، فإنّه ينفتح أمامنا اُفق جديد ، ونتخلّص من مشكلة إجتماعية ، فيمكن القول بعدم العلم بملاقاة الأدوية والأمتعة والأغذية الواردة من بلاد أهل الكفر بأجسادهم وأيديهم الملوّثة بالنجاسات مع رطوبتها ، ويكون حكمهم حكم أبناء المسلمين الذين لا يبالون بالنجاسات ، والمسلم في ذاته طاهر ، فعدم اجتنابه عن النجاسات ، أو معاشرته مع من لا يبالي بالطهارة والنجاسة ، لا يستلزم الاجتناب عمّا يصل إلينا منه ، إلاّ إذا علم بملاقاته للنجاسة مع يد رطبة ، فكذلك ما يصل إلينا من بلاد الكتابي من الأمتعة والأدوية وما شابه ذلك ، فإنّه لا يحكم بنجاستها ، إلاّ إذا علم بملاقاتها مع أيديهم الملوّثة بالقذارة والنجاسة مع رطوبتها ، وإلاّ فهي محكومة بالطهارة وإن علم بملاقاتها بأيديهم غير المعلوم قذارتها ، فتدبّر .
ثمّ ما اشتهر بين الأصحاب من ذهابهم إلى نجاسة الكافر مطلقاً ، ومنه الكتابي ، فربّما يُقال بترجيح الأخبار الدالّة على النجاسة للشهرة ، فإنّه يجاب : أنّ الشهرة المحقّقة لا تصير حجّة مطلقاً بعد العلم بمستند المشهور ، وعدم احتمال وجود مرجّح لم يذكروه ، فإنّه لمّا عرف أنّ المشهور استندوا إلى ما لا يصحّ الاستناد إليه ، لم يكن ترجيح مستندهم بمجرّد استناد المشهور . فإنّ الترجيح بالمشهور لم يكن أمراً تعبّدياً ، كما في الاجماع الكاشف عن قول المعصوم (عليه السلام) ، بل لأجل احتمال وجود مرجّح لهم ربّما لم يصل إلينا ، فإذا عرفنا أ نّه لا مرجّح لهم ولا مستند لهم إلاّ هذه الروايات ـ الطائفة الاُولى ـ فإنّه لم يصحّ الاستناد إلى مستندهم في قبال مستند أقوى ـ أي الطائفة الثانية من الروايات ـ كما سيعلم ذلك ، فارتقب إلى حين .
كما إنّ الشهرة لا تؤيّد بالاجماع في ما نحن فيه ، فإنّه من الإجماع المدركي الذي لا حجيّة فيه ، فلا شهرة يستند إليه ولا إجماع يعتمد عليه ، وبقينا نحن والروايات الدالّة على طهارتهم الذاتية ، ونجاستهم العرضية .
[1]نهج البلاغة : خطبة الجهاد ، 27 ، المعجم المفهرس : 15 .
![]() |
![]() |
![]() |