(46) ··· رسالتنا
--------------------------------------------------------------------------------
نماذج بلاغية
كلّ القرآن الكريم
والسنّة الشريفة
المتمثّلة بقول المعصوم ـ
النبيّ
والإمام عليهماالسلام ـ
وفعله وتقريره ، إنّما هو
حقيقة التبليغ الإسلامي ،
فرسالات اللّه
جمعت في القرآن والسنّة
بتعابير مختلفة ، وأحكام
متفاوتة ، وفي حقول
متعدّدة ، فتارة
باسم العقائد الصحيحة ،
واُخرى باسم العبادات
وأحكام المعاملات ،
وثلاثة باسم
الثقافة والعلوم والفنون
، ورابعة باسم السياسة
والاقتصاد ، وخامسة باسم
الأخلاق
والأدعية والزيارات ،
وهكذا ، كلّ ذلك ليأخذوا
بيد الإنسان حتّى يحلّقوا
به في سماء
كماله المجبول عليه ،
ويرقوه سلّم التكامل
المطلوب منه ، لينال ذروة
إنسانيّته ،
وقمّة حقيـقته ، وذلـك
خلافته للّه سبحانه في
أسمائه الحسنى ،
ومظهريّته لصفاته
العليا .
وقد وردت وصايا نورانيّة
من معدن الوحي والعلم، من
بيت رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله
وعترته الطاهرين ، وردت
في كلماتهم المأثورة
بألفاظ وعناوين مختلفة ،
أكتفي بذكر
نماذج من كلامهم النوري
بلفظ التبليغ بالخصوص ،
لمناسبة موضوع هذه
العجالة ،
سائلاً العليّ القدير
السمع والطاعة ، والعلم
النافع والعمل الصالح ،
ومن اللّه التوفيق
والسداد .
نماذج بلاغيّة ··· (47)
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ عن أبي عبد اللّه
عليهالسلام ، قال : من
بلغه عن النبيّ
صلىاللهعليهوآله شيء
من الثواب
ففعل ذلك طلب قول النبيّ
صلىاللهعليهوآله كان
له ذلك الثواب وإن كان
النبيّ لم يقله .
2 ـ وعن أبي جعفر
عليهالسلام يقول : من
بلغه ثواب من اللّه على
عمل فعمل ذلك
العمل التماس ذلك الثواب
، أوتيه وإن لم يكن
الحديث كما بلغه .
وروايات اُخرى بهذا
المضمون يستدلّ بها
الفقهاء على التسامح في
أدلّة
السنن ، كما في مجلّة من
علم الفقه واُصوله .
3 ـ ثواب الأعمال بسنده
عن البزنطي ، قال : قرأت
كتاب أبي الحسن
الرضا عليهالسلام : أبلغ
شيعتي أنّ زيارتي تعدل
عند اللّه عزّ وجلّ ألف
حجّة . قال : فقلت
لأبي جعفر عليهالسلام :
ألف حجّة ؟ قال
عليهالسلام : إي واللّه
ألف ألف حجّة لمن زاره
عارفا
بحقّه(1) .
ولا يخفى أنّ زيارته
عليهالسلام كليلة القدر
التي هي خير من ألف شهر ،
فكلّما يقال
في ليلة القدر نقوله في
زيارتهم عليهمالسلام .
4 ـ وعن عبد العظيم
الحسني عن أبي الحسن
الرضا عليهالسلام ، قال
: يا عبد
العظيم ، أبلغ عنّي
أوليائي السلام وقل لهم
أن لا تجعلوا للشيطان على
أنفسهم سبيلاً
ومرهم بالصدق في الحديث
وأداء الأمانة ومرهم
بالسكوت وترك الجدال فيما
لا
يعنيهم ، وإقبال بعضهم
على بعض ، والمزاورة فإنّ
ذلك قربة إليّ ، ولا
يفشلوا أنفسهم
بتمزيق بعضهم بعضا ،
فإنّي آليت على نفسي أ
نّه من فعل ذلك وأسخط
وليا من
أوليائي دعوت اللّه
ليعذّبه في الدنيا أشدّ
العذاب ، وكان في الآخرة
من الخاسرين ،
وعرّفهم أنّ اللّه قد
غفر لمحسنهم ، وتجاوز عن
مسيئهم إلاّ من أشرك بي
أو آذى وليا
--------------------------------------------------------------------------------
(1) البحار 99 : 33 .
(48) ··· رسالتنا
--------------------------------------------------------------------------------
من أوليائي أو أضمر له
سوء ، فإنّ اللّه لا
يغفر له حتّى يرجع عنه ،
فإن رجع عنه ،
وإلاّ نزع روح الإيمان عن
قلبه ، وخرج عن ولايتي ،
ولم يكن له نصيب في
ولايتنا ،
وأعوذ باللّه من ذلك(1)
.
5 ـ وعن خثيمة ، قال :
قال لي أبو جعفر
عليهالسلام : أبلغ
شيعتنا أ نّه لن ينال
ما عند اللّه إلاّ بعمل
، وأبلغ شيعتنا أنّ أعظم
الناس حسرةً يوم القيامة
من وصف
عدلاً ثمّ يخالفه إلى
غيره(2) .
6 ـ عن جابر الجعفي ، عن
الإمام الباقر
عليهالسلام ، قال : يا
جابر ، بلّغ شيعتي عنّي
السلام وأعلمهم أ نّه لا
قرابة بيننا وبين اللّه
عزّ وجلّ ، ولا يتقرّب
إليه إلاّ بالطاعة له .
يا جابر ، من أطاع اللّه
وأحبّنا فهو وليّنا ، ومن
عصى اللّه لم ينفعه
حبّنا(3) .
7 ـ وبإسناد أخي دعبل عن
الرضا عن آبائه عن أبي
جعفر عليهالسلام أ نّه
قال
لخثيمة : أبلغ شيعتنا
أنّا لا نغني عن اللّه
شيئا ، وأبلغ شيعتنا أ
نّه لا ينال ما عند
اللّه
إلاّ بالعمل ، وأبلغ
شيعتنا أنّ أعظم الناس
حسرة يوم القيامة من وصف
عدلاً ثمّ
خالفه إلى غيره ، وأبلغ
شيعتنا أ نّهم إذا قاموا
بما اُمروا أ نّهم هم
الفائزون يوم
القيامة(4) .
8 ـ وقال عليهالسلام :
أبلغ موالينا السلام
وأوصهم بتقوى اللّه ،
وأن يعود غنيّهم
فقيرهم وقويّهم ضعيفهم ،
وأن يعود صحيحهم مريضهم ،
وأن يشهد حيّهم جنازة
--------------------------------------------------------------------------------
(1) المصدر 71 : 230 ، عن
الاختصاص .
(2) المصدر 69 : 226 ، عن
الكافي .
(3) المصدر 68 : 179 ، عن
أمالي الطوسي .
(4) المصدر 68 : 180 ، عن
أمالي الطوسي .
نماذج بلاغيّة ··· (49)
--------------------------------------------------------------------------------
ميّتهم ، وأن يتلاقوا في
بيوتهم ، وإنّ لقاء بعضهم
بعضا حياة لأمرنا ، رحم
اللّه عبدا
أحيا أمرنا(1) .
9 ـ وفي خبر آخر : وأن
يتآلفوا في البيوت
ويتذاكروا علم الدين ،
ففي ذلك
حياة أمرنا ، رحم اللّه
من أحيا أمرنا .
وأعلمهم يا خثيمة ، أنّا
لا نغني عنهم من اللّه
شيئا إلاّ بالعمل الصالح
، وأنّ
ولايتنا لا تنال إلاّ
بالورع والاجتهاد(2) .
10 ـ وفي خبر آخر قال :
ثمّ رفع يده عليهالسلام
فقال : رحم اللّه امرءا
أحيا
أمرنا(3) .
11 ـ وعن النبيّ
صلىاللهعليهوآله ،
قال لرجلٍ : أبلغ من لقيت
من المسلمين عنّي السلام
،
وأعلمهم أنّ الصفيرا ـ
الصغرى ـ عليهم حرام ،
يعني النبيذ ، وهو الخمر
وكلّ مسكر
عليهم حرام .
12 ـ عن أبي جعفر
عليهالسلام ، قال : يا
فضيل ، أبلغ من لقيت من
موالينا السلام ،
وقل لهم : إنّي لا اُغني
عنهم من اللّه شيئا إلاّ
بالورع ، فاحفظوا ألسنتكم
وكفّوا
أيديكم ، وعليكم بالصبر
والصلاة ، إنّ اللّه مع
الصابرين .
13 ـ وعن جابر بن يزيد
الجعفي ، قال : خدمت سيّد
الأنام أبا جعفر محمد بن
علي عليهماالسلام ثمانية
عشرة سنة ، فلمّـا أردت
الخروج ودّعته فقلت له :
أفدني . فقال :
بعد ثمانية عشر سنة يا
جابر ؟ قلت : نعم ، إنّكم
بحر لا ينزف ولا يُبلغ
قعره . قال :
--------------------------------------------------------------------------------
(1) المصدر 68 : 187 .
(2) المصدر 78 : 219 .
(3) المصدر 1 : 200 ،
وجاء الخبر أيضا في 67 :
309 ، وفي 71 : 343 .
(50) ··· رسالتنا
--------------------------------------------------------------------------------
يا جابر ، بلّغ شيعتي
عنّي السلام وأعلمهم أ
نّه لا قرابة بيننا وبين
اللّه عزّ وجلّ ،
ولا يتقرّب إليه إلاّ
بالطاعة له ، يا جابر ،
من أطاع اللّه وأحبّنا
فهو وليّنا ، ومن عصى
اللّه لم ينفعه حبّنا .
يا جابر ، من هذا الذي
سأل اللّه فلم يعطه ؟ أو
توكّل عليه فلم يكفه ؟ أو
وثق
به فلم يجبه ؟ يا جابر ،
أنزل الدنيا منك كمنزل
نزلته تريد التحوّل ، وهل
الدنيا
إلاّ دابّة ركبتها في
منامك فاستيقظت وأنت على
فراشك غير راكب ، ولا أحد
يعبأ
بها ، أو كثوب لبسته ، أو
كجارية وطئتها .
يا جابر ، الدنيا عند ذوي
الألباب كفيء الظلال ، لا
إله إلاّ اللّه ، إعزاز
لأهل
دعوته ، الصلاة بيت
الإخلاص وتنزيه عن الكبر
، والزكاة تزيد في الرزق
، والصوم
والحجّ تسكين القلوب ،
القصاص والحدود حقن
الدماء ، وحبّنا أهل
البيت نظام
الدين ، وجعلنا اللّه
وإيّاكم من الذين يخشون
ربّهم بالغيب وهم من
الساعة
مشفقون(1) .
14 ـ قال الإمام الكاظم
عليهالسلام لفضل بن يونس
: أبلغ خيرا وقل خيرا
ولا تكن إمَّعة . قلت :
وما الإمَّعة ؟ قال : لا
تقل : أنا مع الناس ،
وأنا كواحد من
الناس . إنّ رسول اللّه
قال : « يا أ يّها الناس
، إنّما هما نجدان : نجد
خير ونجد شرّ ،
فلا يكن نجد الشرّ أحبّ
إليكم من نجد الخير »(2)
.
هذه نماذج من مصاديق
التبليغ الإسلامي التي
جاءت بلفظ التبليغ في
نصوص أهل البيت
عليهمالسلام ، وأمّا
بلفظ الموعظة والنصيحة
والإرشاد والوظيفة
--------------------------------------------------------------------------------
(1) المصدر 75 : 183 ، عن
الأمالي .
(2) المصدر : 325 .
نماذج بلاغيّة ··· (51)
--------------------------------------------------------------------------------
والتكليف وما شابه ذلك ،
فحدّث ولا حرج ، فإنّ
الإسلام مصدره التشريعي
والتقنيني ـ أي : القرآن
الكريم والسنّة الشريفة ـ
يدعو الناس إلى كمالهم
المنشود
في جبلّتهم ، وإلى
سعادتهم في الدارين ،
والغاية القصوى من خلقتهم
، وفلسفة
حياتهم ، وهذه هي حقيقة
التبليغ الإسلامي وكنهه
وواقعه ، فبلاغه المبين
هو الخير
والإحسان ، بكلّ ما
للكلمة من معنى ومصاديق ،
وما ذكرناه في هذه
الرسالة إنّما هو
من باب :
« وَتِلـْكَ الأمْثالُ
نَضْرِبُها لِلنَّاسِ »
ومن التطبيق والتعريف
بالمثال ، فتدبّر بتفكّر
وتأمّل ، واللّه
المستعان .
والحمد للّه ربّ
العالمين .