العصمة بنظرة جديدة مجلة الکوثر الرابع والثلاثون - شهر رجب المرجب 1437هـ -2016م صحيفة صوت الكاظمين الشهرية العدد 207/206 النور الباهر بين الخطباء والمنابر قناة الکاظمين مصباح الهداية ونبراس الأخلاق بإدارة السید محمد علي العلوي الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين الشباب عماد البلاد إجمال الكلام في النّوم والمنام المؤسسة الإسلامية العالمية التبليغ والإرشاد برعایة السید عادل العلوي صحیفة صوت الکاظمین 205-204 شهر رجب وشعبان 1437هـ الانسان على ضوء القرآن أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم العلم الإلهامي بنظرة جديدة في رواق الاُسوة والقدوة الله الصمد في فقد الولد في رحاب اولى الألباب المأتم الحسیني الأسبوعي بإشراف السید عادل العلوي في دارالمحققین ومکتبة الإمام الصادق علیه السلام- إحیاء للعلم والعل نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل مجلة الکوثر الثالث والثلاثون - شهر محرم الحرام 1437هـ -2015م نور العلم والعلم نور مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
اللغة
تابعونا...
فهرست کتاب‌‌ لیست کتاب‌ها
■ سورة الحمد
■ آیات الشکر
■ الدرس الاول: المقدمة
■ اصول الدین ووجوب معرفتها
■ اصول الدین وفروعه
■ الدرس الثاني: مقدمات علم الکلام
■ موضوع علم الکلام
■ الدرس الثالث: الکلمات الاربعة
■ الدرس الرابع: أهم المدارس الکلامیة
■ الدرس الخامس: مراتب التوحید
■ الدرس السادس: أهم الطرق الی الله
■ الدرس السابع: بطلان الدور والتسلسل
■ الدرس الثامن: روایات في التوحید وفضل الموحدین
■ الدرس التاسع: تقسیم الصفات وبیان معانیها
■ الدرس العاشر: الصفات الثبوتیة
■ القدرة
■ العلم
■ الحیاة
■ الارادة والکراهة
■ الادراک
■ القدم والازلیة
■ الکلام
■ الصدق
■ الدرس الحادي عشر: الصفات السلبیة
■ لیس الله سبحانه بمرکب
■ لیس بجسم ولا جسماني
■ لیس محل للحوادث
■ لایری الله بالبصر
■ لیس لله شریک
■ ننفي المعاني والاحوال عن الله
■ لیس الله محتاجاً
■ ختامه مسک
■ الدرس الثاني عشر: العدل الالهي
■ الدرس الثالث عشر: النبوة العامة
■ الدرس الرابع عشر: النبوة الخاصة
■ القرآن الکریم معجزة النبي الخالدة
■ السیرة النبویّة في سطور
■ الدرس الخامس عشر: الامامة
■ الدرس السادس عشر: الامامة العامة والخاصة
■ الدرس السابع عشر: من هم الخلفاء بعد الرسول (ص)
■ الدرس الثامن عشر: الائمة الاثنی عشر (علیهم السلام)
■ الدرس التاسع عشر: المعصومون الاربعة عشر
■ المعصوم الاول خاتم النبیین
■ المعصوم الثاني الامام الاول أمیر المؤمنین
■ المعصوم الثالث السیدة نساء العالمین
■ المعصوم الرابع الامام الثاني الحسن المجتبی
■ المعصوم الخامس الامام الثالث الحسین الشهید
■ المعصوم السادس الامام الرابع علي السجاد
■ المعصوم السابع الامام الخامس محمد الباقر
■ المعصوم الثامن الامام السادس جعفر الصادق
■ المعصوم التاسع الامام السابع موسی الکاظم
■ المعصوم العاشر الامام الثامن علي الرضا
■ المعصوم الحادي عشر الامام التاسع محمد الجواد
■ المعصوم الثاني عشر الامام العاشر علي الهادي
■ المعصوم الثالث عشر الامام الحادي عشر الحسن العسکري
■ المعصوم الرابع عشر الامام الثاني عشر صاحب الزمان
■ أهل البیت في کتب السنة
■ الدرس العشرون: حقیقة المعاد
■ هل تحبّون الموت
■ المعاد علی ضوء القرآن الکریم
■ المعاد علی ضوء حکم العقل
■ المعاد الجسماني والروحاني
■ عوالم الآخرة کیف تکون
■ أین النار وأین الجنة
  1. النوران الزهراء والحوراء
  2. الأقوال المختارة في احکام الصلاة سنة 1436هـ
  3. الکافي في اصول الفقه سنة 1436هـ
  4. في رحاب الخير
  5. الغضب والحلم
  6. إیقاظ النائم في رؤیة الامام القائم
  7. الضيافة الإلهيّة وعلم الامام
  8. البداء بين الحقيقة والافتراء
  9. سيماء الرسول الأعظم محمّد (ص) في القرآن الكريم
  10. لمعة من النورین الامام الرضا (ع) والسیدة المعصومة(س)
  11. الدوّحة العلوية في المسائل الافريقيّة
  12. نور الآفاق في معرفة الأرزاق
  13. الوهابية بين المطرقة والسندانه
  14. حلاوة الشهد وأوراق المجدفي فضيلة ليالي القدر
  15. الوليتان التكوينية والتشريعية ماذا تعرف عنها؟
  16. الصّارم البتّار في معرفة النور و النار
  17. بريق السعادة في معرفة الغيب والشهادة
  18. الشخصية النبوية على ضوء القرآن
  19. الزهراء(س) زينة العرش الإلهي
  20. مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
  21. نور العلم والعلم نور
  22. نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل
  23. دروس الیقین فی معرفة أصول الدین
  24. في رحاب اولى الألباب
  25. الله الصمد في فقد الولد
  26. في رواق الاُسوة والقدوة
  27. العلم الإلهامي بنظرة جديدة
  28. أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم
  29. الانسان على ضوء القرآن
  30. إجمال الكلام في النّوم والمنام
  31. العصمة بنظرة جديدة
  32. الشباب عماد البلاد
  33. الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين
  34. النور الباهر بين الخطباء والمنابر
  35. التوبة والتائبون علی ضوء القرآن والسنّة
  36. القصاص علی ضوء القرآن والسّنة الجزء الثاني
  37. القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الثالث
  38. القول الرشید فی الإجتهاد و التقلید 2
  39. القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد 1
  40. القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الاول
  41. الأقوال المختارة في أحكام الطهارة الجزء الأوّل
  42. أحكام السرقة على ضوء القرآن والسنّة
  43. الهدى والضلال على ضوء الثقلين
  44. في رحاب حديث الثقلين
  45. المأمول في تكريم ذرية الرسول 9
  46. عصمة الحوراء زينب 3
  47. عقائد المؤمنين
  48. النفحات القدسيّة في تراجم أعلام الكاظميّة المقدّسة
  49. قبس من أدب الأولاد على ضوء المذهب الإمامي
  50. حقيقة الأدب على ضوء المذهب
  51. تربية الاُسرة على ضوء القرآن والعترة
  52. اليقظة الإنسانية في المفاهيم الإسلامية
  53. هذه هی البرائة
  54. من لطائف الحجّ والزيارة
  55. مختصر دليل الحاجّ
  56. حول دائرة المعارف والموسوعة الفقهية
  57. رفض المساومة في نشيد المقاومة
  58. لمحات قراءة في الشعر والشعراء على ضوء القرآن والعترة :
  59. لماذا الشهور القمرية ؟
  60. فنّ الخطابة في سطور
  61. ماذا تعرف عن العلوم الغريبة
  62. منهل الفوائد في تتمّة الرافد
  63. سهام في نحر الوهّابية
  64. السيف الموعود في نحراليهود
  65. لمعة من الأفكار في الجبر والاختيار
  66. ماذا تعرف عن الغلوّ والغلاة ؟
  67. الروضة البهيّة في شؤون حوزة قم العلميّة
  68. النجوم المتناثرة
  69. شهد الأرواح
  70. المفاهيم الإسلامية في اُصول الدين والأخلاق
  71. مختصر دليل الحاجّ
  72. الشهيد عقل التاريخ المفكّر
  73. الأثر الخالد في الولد والوالد
  74. الجنسان الرجل والمرأة في الميزان
  75. الشاهد والمشهود
  76. محاضرات في علم الأخلاق القسم الثاني
  77. مقتل الإمام الحسين 7
  78. من ملكوت النهضة الحسينيّة
  79. في ظلال زيارة الجامعة
  80. محاضرات في علم الأخلاق
  81. دروس في علم الأخلاق
  82. كلمة التقوى في القرآن الكريم
  83. بيوتات الكاظميّة المقدّسة
  84. على أبواب شهر رمضان المبارک
  85. من وحي التربية والتعليم
  86. حبّ الله نماذج وصور
  87. الذكر الإلهي في المفهوم الإسلامي
  88. السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
  89. شهر رمضان ربيع القرآن
  90. فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
  91. منية الأشراف في كتاب الإنصاف
  92. العين الساهرة في الآيات الباهرة
  93. عيد الغدير بين الثبوت والإثبات
  94. بهجة الخواصّ من هدى سورة الإخلاص
  95. من نسيم المبعث النبويّ
  96. ويسألونک عن الأسماء الحسنى
  97. النبوغ وسرّ النجاح في الحياة
  98. السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
  99. نسيم الأسحار في ترجمة سليل الأطهار
  100. لمحة من حياة الإمام القائد لمحة من حياة السيّد روح الله الخميني ومقتطفات من أفكاره وثورته الإسلاميّة
  101. قبسات من حياة سيّدنا الاُستاذ آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي «قدّس سرّه الشريف »
  102. طلوع البدرين في ترجمة العلمين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الأمام الخميني 0
  103. رسالة من حياتي
  104. الكوكب السماوي مقدّمة ترجمة الشيخ العوّامي
  105. الكوكب الدرّي في حياة السيّد العلوي 1
  106. الشاكري كما عرفته
  107. كيف أكون موفّقآ في الحياة ؟
  108. معالم الصديق والصداقة في رحاب أحاديث أهل البيت
  109. رياض العارفين في زيارة الأربعين
  110. أسرار الحج والزيارة
  111. القرآن الكريم في ميزان الثقلين
  112. الشيطان على ضوء القرآن
  113. الاُنس بالله
  114. الإخلاص في الحجّ
  115. المؤمن مرآة المؤمن
  116. الياقوت الثمين في بيعة العاشقين
  117. حقيقة القلوب في القرآن الكريم
  118. فضيلة العلم والعلماء
  119. سرّ الخليقة وفلسفة الحياة
  120. السرّ في آية الاعتصام
  121. الأنفاس القدسيّة في أسرار الزيارة الرضويّة
  122. الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف وطول العمر في نظرة جديدة
  123. أثار الصلوات في رحاب الروايات
  124. رسالة أهل البيت علیهم السلام سفينة النجاة
  125. الأنوار القدسيّة نبذة من سيرة المعصومين
  126. السيرة النبوية في السطور العلوية
  127. إشراقات نبويّة قراءة موجزة عن أدب الرسول الأعظم محمّد ص
  128. زينب الكبرى (سلام الله علیها) زينة اللوح المحفوظ
  129. الإمام الحسين (علیه السلام) في عرش الله
  130. رسالة فاطمة الزهراء ليلة القدر
  131. رسالة علي المرتضى (علیه السلام) نقطة باء البسملة
  132. الدرّ الثمين في عظمة أمير المؤمنين - علیه السلام
  133. وميض من قبسات الحقّ
  134. البارقة الحيدريّة في الأسرار العلويّة
  135. رسالة جلوة من ولاية أهل البيت
  136. هذه هي الولاية
  137. رسالتنا
  138. دور الأخلاق المحمّدية في تحكيم مباني الوحدة الإسلاميّة
  139. أخلاق الطبيب في الإسلام
  140. خصائص القائد الإسلامي في القرآن الكريم
  141. طالب العلم والسيرة الأخلاقية
  142. في رحاب وليد الكعبة
  143. التقيّة في رحاب العَلَمَين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الإمام الخميني
  144. زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار
  145. طالب العلم و السیرة الأخلاقیّة
  146. فاطمة الزهراء سلام الله علیها سرّ الوجود

الدرس السادس: أهم الطرق الی الله

الدرس السادس:

أهم الطرق إلی الله

الحمدلله وصلّی الله علی محمّد وآله وسلّم.

لقد ذكرنا أنّ الكلام في الأصل الأوّل من اُصول الدین (التوحید) سیكون في مقامین: الأوّل في اثبات الصانع، والثاني في صفاته، ثمّ الأول فیه ثلاثة مواضیع: الاول في مراتب التوحید كما مر، والثاني في امهات الطرق إلی الله سبحانه، والثالث في بیان معنی الدور والتسلسل وبطلانه كما سیأتي ان شاء الله.

أما الطرق إلی الله سبحانه فهو ـ كما قیل ـ بعدد أنفاس الخلائق، فكل واحد بفطرته وعقله وبمقدار ما یحمل من معلومات وإیمان وإجتهاد یعرف ربه، وفي كل شيء له آیة تدل علی أنّه الواحد، فكل واحد من الناس ینهج سبیلاً إلی بارئه وخالقه، فحقاً لو قیل الطرق إلی الله بعدد أنفاس الخلائق، فكل نفس لها طریقها، وبعدد ما في هذا الكون الرحب من موجودات التي لاتعد ولا تحصی من الذرات وإلی المجرّات آیات تدلّ علی الله سبحانه، ولكن أهم الطرق وأمّها ومبدؤها عبارة عن طریقین:

الأوّل: الفطرة السلیمة المتبلورة في الغرائز والاحاسیس والعواطف.

الثاني: العقل السلیم المتجلّي في البراهین والادلة العقلیة.

وخیر دلیل علی اثبات الصانع فطرة الانسان، وأمّا الادلة العقلیة والنقلیة فهي بمثابة ماء عذب لتمنیة الفطرة ورشدها.

فالانسان منذ أن دوّن خواطره وأفكاره واستطاع أن یستجلّ أحاسیسه ویحتفظ بعواطفه بكل وسیلة متوفرة في عصره ومصره، من الكتابة والرسم علی الحجر وفي الكهف والمغارات وإلی یومنا هذا علی أفضل الأوراق بطباعة انیقة ورائعة، فانّه نلاحظ من خلال مادونه، ومن تلك الآثار، أنّه یعتقد بوجود خالق لهذا الكون الوسیع.

فالانسان البدائي ومن دون أن ینتمي إلی مدرسة أو یتأثر بتعالیم الفلاسفة والمفكرین وحتی رسل السماء، نراه من حیث یشعر أو لا یشعر یتابع فكرة واحدة وهي: أنّ لهذا العالم خالقاً وصانعاً، وربما كان یسترشد إلی الخالق الحقیقي، وتارة وعلی أثر تفكیره الضیق كان یستسلم إلی الوهم والخیال بدلاً من الحقیقة والواقع، فكان یعتقد بإلهٍ تصنعه یده مثلاً، فیبعد الاصنام عاكفاً علیها یكافح من أجلها ویقدم إلیها القرابین زلفاً.

فكان یعتقد أنّه لابد هناك من معبود یستحق العبادة وكان یبحث عن هذا الموضوع في دائرة الفطرة والغریزة لعلّه یصل إلی معبوده.

فالاعتقاد بالله قبل الفلسفة والعلم، والبشریة من دون أن تعرف قانون العلیّة تتجه بحكم الفطرة إلی هذا الاعتقاد، الذي نسمّیه بالتوحید الفطري.

والمقصود من فطریة أيّ كائن حي، هو أنّ الدافع والمحرك له في عمل لا یكون الا من ذاته، لا من عامل خارجي یدفعه إلی انجاز ذلك العمل.

مثلاً: الفتاة الصغیرة تبدي علاقتها ورغبتها لحضانة الطفل وتربیته من خلال دُمیتها وكأنّها الام حقیقة، فعملها هذا لیس الا تلبیة لنداء فطرتها، وهذا المعنی نشاهده في كل كائن حي مثل الحیوانات، فانّ النحلة انّما تصنع خلیّتها سداسیّة الشكل لما تحمل من الفطرة التي أودعها الله فیها لمثل هذا العمل.

فالفطرة خیر دلیل علی التوحید، وكل انسان حتّی المنكر للربوبیة والملحد والمشرك والكافر حینما تنقطع عنه السبُّل والأسباب في موقف من المواقف الحرجة، تجد ومن دون اختیار یطلب ویبحث في قرارة نفسه عن ید العون من نقطة مجهولة، فعندما یقع في مخاصرة ومأزق بحیث تقترب المسافة بین الموت والحیاة، ففي مثل هذا اللحظة الأخیرة بالذات ینبثق من وجوده ومن صمیمه أي من فطرته، توجه خاص نحو قدرة غیر متناهیة یطلب منها العون والمساعدة في خلاص نفسه، وهذا معنی التوحید الفطري.

فالتوحید أمر فطري، كما نشاهد ذلك جلیّاً من خلال الآیات القرآنیة والروایات الشریفة وكلمات العلماء الأعلام.

إلیك هذه الروایة الشریفة عن الإمام الصادق × حینما سأله السائل عن ثابت الصانع سبحانه وتعالی، فقال للسائل: یا عبدالله هل ركبت سفینة قط؟ قال: بلا، قال: فهل كسرت بك حیث لاسفینة تنجیك ولاسباحة تفنیك؟ قال: فهل تعلّق قلبك هناك أن شیئاً من الأشیاء قادر علی أن یخلصك من ورطتك؟ قال: بلا، قال الصادق ×: فذلك الشيء هو الله القادر علی الانجاء حیث لامنجي.

فهذا من التوحید الفطري حینما تنقطع الاسباب یتجه القلب المضطرب إلی نقطة وجهة خاصة وراء الطبیعة التي هو فیها، فتلك الجهة القادرة علی الخلاص هو الله سبحانه وأینما تولّوا وجوهكم فثمّ وجه الله.

وعبادة الله سبحانه أیضاً من الأمور الفطریة، ولم یكن الإنسان لیستمد إیمانه الفطري من أسس فلسفیة معقدة وقوانین علمیّة مدوّنة. هذا بخلاف التوحید الاستدلالي الذي تعتمد قوائمه وأركانه علی البراهین العقلیة والعلمیة.

فالفطرة تصرخ بوجود إله لهذا الكون، والمفكرون ومؤسسوا العلوم والمعارف یعترفون صراحة بذلك.

یقول جان جاك روسو: أنّ معرفة الله سبحانه وتعالی لم تكن لتقتصر علی العقل والتشكیك والأوهام، فان الشعور والاحساس الفطري خیر سبیل باثبات ذلك.

سئل أمیرالمؤمنین × بماذا عرفت ربك؟ فقال ×: بفسخ العزائم ونقض الهمم.

وهذا المعنی یدركه الجمیع، فكم من مرة هممت علی عمل لتنجزه، وعزمت علی أمر لتقضیه، فحیل بینك وبینه، فمن الفاسخ للعزائم ومن الناقض للهمم ومن المدبّر؟

سئل أمیرالمؤمنین × عن اثبات الصانع فقال: البعرة تدل علی البعیر، والروثة تدل علی الحمیر، وآثار القدم تدل علی المسیر فهیكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة، لایدلان علی اللطیف الخبیر؟!!

ونحو هذا یحكي عن الاعرابي، وسأل الرسول الأكرم | عجوزاً عن اثبات الصانع حینما كانت تغزل، فاجابت بعد أن امسكت عن حركة المغزل وسكونه: لولا أن احرّكه لسكن فلابد من محرّك، فكیف لمثل هذا الكون وحركته لایكون له صانعٌ ومحرك ومدبّر؟

سئل أمیرالمؤمنین × عن اثبات الصانع فقال: البعرة تدل علی البعیر، والروثة تدل علی الحمیر، وآثار القدم تدل علی المسیر فهیكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة، لایدلان علی اللطیف الخبیر؟!!

ونحو هذا یحكي عن الإعرابي، وسأل الرسول الأكرم | عجوزاً عن اثبات الصانع حینما كانت تغزل، فأجابت بعد أن أمسكت عن حركة المغزل وسكونه: لولا أن أحرّكه لسكن فلابدمن محرّك، فكیف لمثل هذا الكون وحركته لایكون له صانعٌ ومحرك ومدبّر؟!! وهنا قال النبي | مقولته المشهورة ـ علی ما قیل ـ (علیكم بدین العجائز) وقد أنكر الشهید الثاني صحة سند هذه الروایة وإنّ المقولة لسفیان الثوري، وإن صحت الروایة فانّها تعني علیكم بدین الفطرة، فهو أقرب الطرق لمعرفة الله سبحانه.

ومن طریف ما یحكي أنّه كان ملك شاكاً في خالقه وصانعه، وتنبّه وزیره المؤمن العاقل إلی ذلك، فأمر الوزیر أن یُبني قصر فاخر في وسط بیداء قفراء، وفي یوم أخذ الملك للتنزّه وأوصله إلی ذلك القصر، فلما رأی الملك ذلك اندهش من شموخ القصر وأنّه كیف بني في وسط الصحراء!! فسأل وزیره عن فاعله وبنّائه؟ فأجابه انّما حدث ذلك من تلقاء نفسه ومن دون بنّاء ومعمار، غضب الملك من قوله وأنّه من المحال أن یوجد القصر المشّید من دون معمار وبنّاء، فأجابه الوزیر إذا لم یوجد القصر إلا ببنّاءٍ فكیف ببناء هذا الكون الشامخ وكیف بهذه السماوات والأرض وما فیها من العلویات والسفلیّات لایكون له صانع وخالق؟ فاستحس الملك فعله وكلامه، وزال الشك عنه وعرف المقصود.

فالوزیر انما ضرب علی وتر الفطرة ، وأوقف الملك علی غیّه وضلاله، فأصل المعرف فطریّة ویكفیك شاهداً ما تراه من طفلك الذي لم یبلغ علیه الاول فانّه لو كان له لعبة ثمّ من حیث لایشعر تأخذ اللعبة من امامه، فإنّه یلتفت یمیناً وشمالاً ویبحث عنها، فلماذا الالتفات؟ لان فطرته تقول أن وجود اللعبة وانعدامها لابد من مؤثر وفاعل فیبحث عن العلة والفاعل، وهذا المعنی فطري جبليّ غریزي لاینكره أحد.

فظهر أنّ التصدیق بوجود الله سبحانه بل وتوحیده أمر جبلّي فطري لو سلمت الفطرة، تلك الفطرة التي فطر الله الناس علیها  ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾[1] وقد سأل أبوسالم الإمام الصادق عن هذه الآیة الشریفة وأي فطرة ارادة الله؟ فقال ×: التوحید.

وعن عبدالله بن سنان سائلاً الامام أباعبدالله × عن تفسیر الآیة الشریفة، وما تلك الفطرة؟ فقال: هي الإسلام فطرهم الله حین أخذ میثاقهم علی التوحید في عالم الذر (ألست بربكم) وفیهم المؤمن والكافر.

وفي كتاب التوحید للشیخ الصدوق علیه الرحمة أخبار كثیرة بهذا المضمون قریبة التواتر.

قال رسول الله |: كل مولود یوم علی الفطرة (یعني المعرفة والتوحید والإسلام ) حتّی أبویه یهودانه أو ینصّرانه أو یمجّسانه.

وهذا یعني أنّ المولود بفطرته یؤمن بالله ویسلّم أمره إلیه، إلا أنّ المحیط والبیئة والابوین وغیر ذلك هو الذي یهود الولد فیسوقه إلی الیهودیة أو النصرانیة أو المجوسیّة، أو یجعله بلا دین ولا مذهب.

ولمثل هذه الفطرة السلیمة عذر الناس في تركهم إكتساب المعرفة بالله سبحانه، وتركوا علی ما فطروا علیه مرضیاً عنهم بمجرد الاقرار بالقول، ولم یكلّفوا بالاستدلالات والبراهین العقلیة في ذلك.

قال النبي الأكرم محمّد |: أمرت أن أقاتل الناس حتّی یقولوا: لا إله إلا الله.

فالتعمق والاستدلال العلمي والفلسفي إنّما هو لزیادة البصیرة، ولطائفة خاصة من العلماء لیردّوا أهل الضلال وشبهات الملحدین، وهذا طریق ثان لمعرفة اصول الدین، یعتمد علی الأدلّة العقلیة، كبرهان الصدیقین ودلیل الحكماء والمتكلّمین والطبیعیین وكدلیل العلة والمعلول والنظم وغیر ذلك.

أمّا برهان الصدیقین ومنهجهم، فهو أن یكون النظر إلی حقیقة الوجود بما هو هو، فیعرف الحق بالحق، كما هي معرفة الأنبیاء والأولیاء والأئمة الأطهار ^، فإن الأدعیة عنهم تعجّ وتفیض بمثل هذه المعرفة القدسیة.

عن مولانا سیدالشهداء الإمام الحسین × في دعاء عرفة الذي هو مدرسة في التوحید، قال ×: «كیف یستدل علیك بما هو في وجوده مفتقر إلیك، أیكون لغیرك من الظهور ما لیس لك حتّی یكون هو المظهر الیك، عمیت لاتراك ولاتزال علیها رقیباً، وخسرت صفقة عبدٍ لم تجعل له من حبّك نصیباً».

أي كیف نستدلّ بهذه الآثار والحوادث الكونیة علی وجود الله سبحانه مع أنّ هذه الآثار تحتاج في وجوداه وظهورها إلیه سبحانه، وكیف هو یفتقر في الاستدلال علیه بما هو مفتقر إلیه؟!!..

وفي دعاء آخر: (بك عرفتك وأنت الذي دللتني علیك).

وقال ×: (تعرفت لكلّ شيء، فما جهلك شيء).

وقال: (تعرفت إليَّ في كلّ شيء، فرأیتك ظاهراً في كلّ شيء، فأنت الظاهر لكلّ شيء)، وهذا هو التوحید الاعلی، توحید الصدیقین.

ویقال هذا التوحید من البرهان اللّمي الذي یصل الإنسان من العلة إلی المعلول بخلاف الأنی الذي یصل من المعلول إلی العلّة[2]، وبنظري هذا لایتم في توحید الصدیقین لأنّ توحیدهم فوق البرهان اللّمي، فإنّه یصل الموحد الصدّیق من العلة إلی العلة ویعرف الحق بالحق، فتأمّل.

وأمّا برهان الحكماء ویسمي بدلیل الإمكان، یبدء من الوجدان بما نشاهده من الموجودات، بأنّ هنا بمشهدنا موجود، وهذا ما یدل علیه الوجدان ولا یمكن انكاره فهو من البدیهیات الضروریات والموجود حینئذٍ لایخلو من حالین ـ علی سبیل منع الخلو ـ أمّا أن یكون واجب الوجود لذاته أو ممكن الوجود لأنّ مفهوم الوجود باعتبار الوجود الخارجي، حسب التصور والحصر العقلي أو الاستقرائي التام یكون علی ثلاثة انحاء:

1 ـ واجب الوجود.

2 ـ ممكن الوجود.

3 ـ ممتنع الوجود.

والاول أمّا أن یكون واجب الوجود لذاته أو لغیره أو بالقیاس إلی الغیر، وكذلك الممتنع والممكن، وإن لم یصح ممكن الوجود لغیره[3]وكلامنا في واجب الوجود.

فأمّا أن یكون وجود الموجود ضروري له، فلایحتاج إلی علّة الایجاد بل هو علّة العلل وإلیه تنتهي سلسلة المعلولات فهو واجب الوجود لذاته، یعني وجوده من ذاته لذاته بذاته لایفتقر إلی موجد آخر.

ومن باب تشبیه المعقول بالمحسوس نضرب مثالاً فنقول:

إذا جعلنا الملح أو السّمن في طعام، فیكون الطعام مالحاً أو دهنیاً، فاذا سُئل عن سبب كون الطعام مالحاً أو دهیناً، فیقال لأنّ فیه الملح والسّمن، فیا تری لو سألنا من أین تأتي دهنیة الدهن للدهن وملحیة الملح للملح نفسه؟ لاجبنا أن دهنیة الدهن من ذاتیات الدهن وكذلك ملحیة الملح، أي ذات الدهن یقتضي أن یكون دهنیاً وذات الملح یقتضي أن یكون مالحاً، فلا یسأل عن دهنیة الدهن إذا الذاتي لایعلّل، فلا یسأل لماذا الدهن دهنیاً والملح مالحاً.

وكذلك الوجود فإنّ الموجود ـ الذات التي ثبت لها الموجود ـ تارة یكون من ذاته الوجود وذاتي الوجود، واُخری یكون من غیره، فاذا كان من ذاته ضروریاً فانّه یسمی واجب الوجوب وجود لذاته ، وإذا كان من غیره یسمی واجب الوجود لغیره الذي هو عبارة عن الممكن، وهو الشق الثاني من الوجود، أي ممكن الوجود لذاته، وإن الممكن بمعنی تساوي طرفي الوجود و العدم فیه، فهما علی حدّ سواء، فالممكن الذاتي لا هو موجود لا هو معدوم، بل یسأل عن علّة وجوده أو عدمه لو وجد أو عدم، فانه في ذاته یعلّل، وأن كان واجب الموجود لغیره حین وجوده ـ إذ الشيء إذا وجب وجد وإذا وجد وجب ـ وكان ممتنع الوجود لغیره حین عدمه.

وأمّا ممتنع الوجود لذاته، فإنّه یعني عدمه ضروري فلا علّة لعدمه كشریك الباري، فلا یسأل عن علة عدم شریك الباري، كما لا یسأل عن علّة استحالة اجتماع النقیضین، إذ امتناعه وعدمه ذاتي، والذاتي لا یعلّل.

وحینئذٍ ما هو حاضر بمشهدنا ـ الذات أو الماهیة التي ثبت لها الوجود ـ اما واجب الوجود لذاته فثبت المطلوب، أو ممكن الوجود، وأنّه یستلزم في وجوده الواجب حدوثاً وبقاً، بمعنی أنّ الممكن لابد له من مؤثر في حدوثه وإیجاده وكذلك في بقائه، فالممكن یفتقر إلی العلّة المحدثة والی العلّة المقیة لأنّ الامكان لازال لازماً  لذات الممكن، إذ یستحیل أن ینقلب الممكن إلی واجب الوجود لذاته، فالاحتیاج لازم الامكان، والامكان لازم ذات الممكن ولازم اللازم لازم فالاحتیاج لازم لذات الممكن، فلازال الممكن حتّی بعد وجوده یفقتر في بقائه إلی العلّة الاولی، إلی واجب الوجود لذاته، ولو لم یكن هكذا لزم الدور أو التسلسل وكلاهما باطلان، كما سنذكرهما في الدرس القادم ان شاء الله تعالی، فالممكن لا ضرورة لوجوده ولا لعدمه، فقد یوجد وقد لایوجد، ولا یترجح وجوده علی عدمه الا بمرجح وهو العلة في وجوده، ومن هنا احتاج الحكم علی الممكن بالوجود إلی ملاحظة شيء زائد عن ذاته، بینما الحكم بوجود الواجب لذاته لایحتاج إلی أكثر من تعقّله، لانّ ذاته تستدعي الوجود بنفسه.

وعلی هذا فدلیل الحكماء ومسلك الامكان یبتني في الواقع علی مانشاهده بالوجدان من الموجودات، فهي أما أن تكون واجبة الوجود أو ممكنة الوجود، ولما كانت ممكنة وحادثة لسبقها بالغیر أو العدم فانها نفتقر في وجودها وبقائها إلی واجب الوجود لذاته وهو الله سبحانه والّا لزم الدور أو التسلسل الباطلان.

وإلی مثل هذا المسلك یشیر دیكارت[4] في مقولته المعروفة (إنا أفكر فانا موجود ووجودي یحتاج إلی وجود كامل آخر)، فالاستدلال بالممكن تارة یكون بحدوثة واخری یكون بامكانه ومهما یكن فنتیجة الاستدلال باحداهما أو بهما معاً واحدة.

وأمّا دلیل المتكلمین ومسلكهم فهو یبتنی علی الحدوث، بأنّ الموجود من حیث هو حادث مسبوق بقدیم، فان العالم متغیر بالبداهة والوجدان لما نشاهد ما فیه من اللیل والنهار والفصول الأربعة وغیر ذلك، فالاجسام كلّها متغیرة بلا ریب، فالعالم متغیر وكل متغیر حادث، لأن معنی الحدوث ما كان مسبوقاً بالعدم أو بالغیر، فالعالم حادث بحدوث ذاتي أو زماني، وكل حادث لابد له من محدث فالكون له محدث ولایكون هذا المحدث حادثاً، فانّه لو كان الاحتاج إلی محدث آخر وهكذا إلی أن ینتهي إلی محدث قدیم أزلي غیر حادث وهو الله سبحانه دفعاً للدور والتسلسل الباطلین.

وأمّا مسلك الطبیعیین ودلیلهم، فانّه یعتمد علی الحركة بالنظر إلی الموجود من حیث هو جسم، فانّ علماء الطبیعیة یبحثون عن الأجسام، فالجسم بما أنّه متحرك بالضرورة والوجدان، فلابد له من محرّك غیر متحرك وخالق الحركة والسكون هو الفاعل الأوّل سبحانه وتعالی، والا للزم الدور أو التسلسل.

أیضاً یقال في دلیلهم: الأجسام مركبة وذلك بالوجدان، وكل مركب ینتهي إلی بسیط، فلابد لها من موجد بسیط، أحد لاتركیب فیه، واحد لا عدد له، وهو الله سبحانه.

ومن الأدلّة العلمیة النافعة دلیل النظام أو النظم: وخلاصته أنّ هذا النظام الظاهر في الكون العملاق، وهذا التناسق بین ذراته واجزائه ومجرّاته یستحیل أن یكون بالمصادفة، لانها لانظام لها ولا قوانین، وإذا أدّت مرة واحدة إلی النظام، فلا تودي إلیه في كل مرة، ولا تكون السبب في استمراره ودیمومیته مدی الاعصار والاجیال، ولو كان نظام العالم من باب الصدفة ـ كما یذهب إلیه سخفاء المادیین ـ وعلی غیر أساس من السنن والقوانین الثابتة والمستحكمة، لامتنع علی المخترعین والمكتشفین أن یكتشوا شیئاً، أو یتبأوا بشيء ، مع أن تنبؤاتهم واكتشافاتهم تجاوزت الاحصاء، واستطاعوا أن یخبروا عن الكسوف والخسوف وغیرهما من الظواهر قبل وقوعها بمئات السنین.

فمن الأمر البدیهي الوجداني أن كلّ شيء فی النظم والتنسیق والابداع فانّه یدل علی منظم حكیم علیم قادر.

فعندما نقف امام لوحة رسّام حاذق، ربما نندهش من فنّه الرائع ونقف علی شموخه، من خلال التنسیق بین الالوان وبین الطبیعة ممّا یقهرنا علی أن نمدحه ونثني علیه، وهذا أمر طبیعي ووجداني، لاینكر، وحینئذٍ هذا الكون الوسیع من ذرّاته المتكونة من الاكترون والبترون والنیترون وإلی مجرّاته العظمیة، ومنها المجرّة التي نحن فیها ـ لبّانة الأسد ـ وما فیها من الكواكب والنجوم التي لا تعد ولاتحصي، فهذا الكون بما فیه من النظم الخاص لو اختلف بمقدار شعیرة لاحترق العالم ولتناثرت كواكبه ولاصبحت كالعهن المنفوش، لابد له من صانع جبار حكیم، ومدبر لا تأخذه سنة، ولانوم، وإلا فكیف للمادة العمیاء الصماء التي لاحیاة فیها ولااحساس ولافكر ولا ابداع، كیف لها أن تؤثر في هذا الكون  المدهش، ثمّ كیف الأدنی ـ أي المادة ـ یكون مؤثراً في الأعلی درجة؟!! .

هذا التكامل المعقول في إشكال الوجود علی ساحة هذا الكون الرحیب، وهذا النظم الرائع الدقیق، لخیر دلیل قاطع علی اثبات الصانع.

ولو تركت النظر في هذه الكائنات ونظرت إلی جسمك، ونفسك وما فیها من العجائب والغرائب وما في الجسد من النفس النباتیة التي لها القوة الغاذیة والنامیة والمولّدة، والغاذیةلها القوی الأربعة ـ الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة ـ ثمّ تجد في نفسك النفس الحیوانیة  والنباتات بالنفس الانسانیة الناطقة التي تدرك الكلیات والمفاهیم العامة بما ألهما الله من العقل، لو نظرت إلی نفسك وجسدك لرأیت المئات من الأسرار والحقائق ولا نقلب البصر خاسئاً، وعرفت وأیقنت أن لك خالقاً ومصوّراً ومدبّراً، وإلی مثل هذا جاء في الخبر الشریف: (من عرف نفسه عرف ربّه) ففي النفس آیات نفسیّة وأنفسیّة كما في السماوات آیات آفاقیّة.

قال سبحانه وتعالی في خلق الانسان: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾[5] فهذه الآیة الكریمة تقرر وتبیّن البدیهیات العقلیة الآتیة:

الاولی: أنّ الإنسان موجود بالحس والوجدان لایمكن أن ینكر وجوده إلّا السوفسطائي الذي ینكر جمیع الموجودات علی أنّها أوهام وخیال وأحلام ویكفیه جواباً صفعة علی وجهه لیری أنّ ذلك حقیقة.

الثانیة: الانسان حي متحرك بالارادة وذلك بالحس والوجدان أیضاً.

الثالثة: لم یخلق الانسان من العدم ومن دون علّة وجودیة سابقة.

الرابعة: لم یخلق الانسان نفسه، إذ لو كان ذلك لاستغنی بوجوده عن ایجاده، وإذا كان موجوداً بنفسه فلایفتقر في وجوده إلی مؤثر وهذا خلاف مانراه في الإنسان بالوجدان، فهو یحتاج في وجوده إلی مؤثر.

والنتیجة من هذه المقدمات البدیهیة، أنّه لابدّ للانسان أن یكون له خلاق حي قادر عالم، وهو الله سبحانه.

وهناك المئات من الآیات الشریفة والروایات والاخبار كما في نهج البلاغة في خلق الطاووس والنملة وفي توحید المفضّل عن الإمام الصادق × تشیر إلی اثبات الصانع من خلال النظم والابداع في هذا العالم، فانّ الأئمّة ^ قدّموا لنا أجمل عبارات التوحید وأبدعها لله تعالی.

الذي خلق جمیع الكائنات، وقد رفعوا لنا كلمة التوحید بأبطالهم لشبه الملحدین وأوهامهم، وذلك في احتجاجاتهم وأقوالهم وبیانهم، وحتی في أدعیتهم العظیمة، والتدبیر والنظم الدقیق.

وعلی كلّ فرد أراد أن یعرف الحقیقة، ورغب أن یمیز بین الحق والباطل والخیر  والشر، أن یدرس وینظر الی هذا الكون ولو قلیلاً.

«فهو كتاب الّفه الله سبحانه، فأحكم تألیفه بأن جعل كل عنصر من عناصر الوجود حرفاً من حروفه وكل ذرة من ذرات الكائنات كلمة من كلماته، وكل عنصر یقوم به كائن هو جملة مقروءة، وإذاً  فللوجود والكون لغة فصیحة سویة النظام، وكل مركب من مركباته الطبیعیة وراءه معنی كالكلمة تماماً ووراء هذا المعنی حقیقة، تبعث علی التفكیر یفهمها كل لقن ذكي یدرك تعبیر الحقیقة المطلقة خلال صحائف هذا الوجود ... بید أن تلك الحقیقة المجردة، لاتتفتح أصدافها عن معانیها تماماً الا لكل ذي قلب ذكي، ومنطق سلیم ونظرة خالصة إلی الوجود لاتشوبها نزوة من جمود، لأنّ المخاطب بتلك اللغة انّما هي السرائر الانسانیة، والضمائر الحیّة الكامنة في نفس البشر، وما تكنّه من مدارك ووجدانیات».

فالكون كلّه كلمات الله الناطقة علی وحدانیة وقدرته وعلمه وحیاته.

والنظر  إلی الآفاق والانفس والنظام الحاكم في الكون[6] من أبین الادلة علی اثبات الصانع سبحانه.

وهناك أدلّة فلسفیة وعلمیة أخری توارثها الفلاسفة وعلماء الكلام خلفاً عن سلف، وإنّ لها من الیقین ما للمشاهدات التجریبیة، كدلیل العلة والمعلول وحساب الاحتمالات وغیرها.

«أمّا الشبهات التي أثارها المنكرون والمشككون فهي مجرد سفسطة لاتبتني علی أساس، وإذا نسخ العلم الحدیث العلم القدیم فانه ومعه الفلسفة الحدیثة أعجز من أن ینال من هذه الأدلّة. قال ادوارد لوثر الامریكي استاذ علم الاحیاء ورئیس قسم بجامعة سان فرنسیسكو: أنّ البحث العلمي أضاف خلال السنوات الاخیرة ادلّة جدیدة علی وجود الله زیادة علی الادلة الفلسفیة التقلیدیة»[7].

«ومرة ثانیة أعود إلی قول العلماء  والمخترعین في عصر الذرة والفضاء الذین عاشوا في المختبرات وبین الادوات وجزموا بقول قاطع لشهادة الحس والتجربة بان «كل جزء من أجزاء هذا الكون، وكل ذرة من ذراته تدل علی الخالق» أعود إلی هذه الجملة لأمهد إلی أنّ الشاعر العربي لبید الذي عاش في الصحراء، حیث لا شيء إلا الجاهلیة الجهلاء قد أدرك هذه الحقیقة بفطرته، وعبر عنها بقوله:

وفي كلّ شيء له آیة

تدلّ علی أنّه واحد

ولله في كل تحریكه

وتسكینه أبداً شاهد

 

ومن قبله سأل أفلاطون تلمیذه المعلم الاول ارسطو: ما الدلیل علی وحدانیة الله؟ فقال: لیس شيء من خلقه بأدلّ علیه من شيء.

وهل بعد شهادة الفطرة بلسان اعرابي یعیش في الصحراء، وشهادة الفلسفة بلسان المعلم الاول، وشهادة العلم والتجربة علی لسان جماعة من علماء عصر الذرة والفضاء، هل بعد هذه الشهادة قول لقائل، وعذر الجاحد؟! وعلی أي شيء یعتمد المنكر إذا اعوزه الوجدان والعلم والفلسفة؟!

ولقد فتح الله أبواب العلم بربویته لجمیع خلقه علی السّو اء، ولا فرق بین عالم وجاهل بعد أن جعل جمیع الموجودات دلائل صدق علی قدرته، وما أنكر أحد خالقه وموجده الا لأنّه منصرف عنه، والا لأنّ قلبه مملوء من غیره، ولو اتّجه إلی الله لوجده لامحالة في نفسه، وفي كلّ شيء ولكنّها الغفلة...»[8].

وما أدراك ماالغفلة... .


 

تمرین الدرس السادس

1ـ إذكر لنا أفضل طریق لإثبات الصانع؟

2 ـ كیف تستدلّ بالفطرة علی إثبات الصانع عزّوجلّ؟

3 ـ اشرح لنا بعض الروایات التي تدلّ علی التوحید بالفطرة.

4 ـ ما هي الفطرة؟

5 ـ ما هو برهان الصدّیقین في إثبات الصانع؟

6 ـ ما هو برهان الحكماء لإثبات الصانع؟

7 ـ ما معنی واجب الوجود لذاته؟

8 ـ ما هو دلیل المتكلّمین في إثبات الصانع؟

9 ـ اشرح لنا دلیل الطبیعیّین في إثبات الصانع؟

10 ـ كیف تستدلّ بهذه الآیة الشریفة أ﴿َمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ علی التوحید؟



[1] الروم: 30.

[2] مثالهما: كالحمي وحرارة البدن فتارة من الحمي نصل إلی حرارة البدن وأخری من حرارته نصل إلی أنّ الشخص مبتلی بالحمي... .

[3] تعرضنا لتفصیل هذا البحث في كتاب بدایة الفكر شرح الباب الحادي عشر.

[4] اشتهرت هذه المقولة عن فیلسوف الغرب دیكارت ولكن سبقه في ذلك قبل قرون فیلسوف الشرق ابن سینا كما حدثني سیدنا الاستاذ في الحكمة المتعالیة السید رضا الصدر دام ظلّه.

ولا بأس أن أذكر ماكتبه العلامة الشیخ محمد جواد مغنیة في كتاب: فلسفات إسلامیة (ص 707 ) قال: «استدلال دیكارت علی وجود الله سبحانه حیث قال: لا نستدل بهذا العالم المرئي علی وجود إله، بل وجود الإله ضرورة للتدلیل علی وجود العام الظاهر، لان هذا العالم یمكن التشكیك فیه، للشك في معرفة الحواس، اما وجود فكرة واضحة عن الكامل المطلق، فلایمكن الشك فیها بحال، بل هي بدیهیة بداهة أنا افكر فأنا موجود فدیكارت یعتقد أنّ معنی الكامل سابق في معرفتنا علی معنی الناقص، وإننا نكتسب معنی الكامل من مشاهدتنا للناقص، فان علمنا بشيء دون شيء نقص یستدعي وجود كامل یعمل كل شيء، وقدرتنا علی شيء دون شيء نقص یستدعي وجود كامل قادر علی كل شيء وهكذا. (فلسفیات اسلامیّة ص 707)».

[5] الطور: 35.

[6]  من الكتب المفیدة في هذا المضمار كتاب (الله یتجلّی في عصر العلم) فیه مجموعة مقالات كتبها طائفة من علماء الغرب واساتذة الجامعات المتخصصین في شتی فروع العلم كالكمیاء والفیزیاء والأحیاء والفلك والریاضیات والطب وغیرها فراجع.

[7] من كتاب فلسفیات إسلامیة صفحة 526.

[8] فلسفات إسلامیة صفحة 535.