زبدة المخاض

يا تُرى هل للولي الولاية العامّة ؟ لتكون ولاية الله تابعة لولايته ، بمعنى إنّ إرادة الولي تغلب إرادة الله سبحانه ، أو إنّ الارادة الإلهيّة هي الغالبة القاهرة ، أو إنّ أحدهما في عرض الآخر، أو في طوله أو ولاية الولى مرآة ومظهر لولاية الله عزّوجل ؟

فمن ينكر الولاية لغير الله مطلقاً، يقصد إنّ إرادة الله سابقة على إرادة الولي فيما يتصرّف الولي ، فتأتي إرادة مطابقة لإرادة الله، فتكون ولايته شكلاً من أشكال الإظهار والتجسيد لولاية الله الفعليّة .

ومن أثبت الولاية الفعليّة لولي الله ـ كما هو المختار ـ يرى إنّ إرادة الولي إنّما هي عن مبادئ تحقّق الإرادة الإلهيّة ، ومن أسباب وجودها الفعلي ، فلولا إرادة الولي لم توجد الارادة الالهيّة المتعلّقة بالتكوين أو التشريع ، فلا مغالبة بين الارادتين : إرادة الله وإرادة الولي .. فان المغالبة تتحقّق في حال سبق إرادة له أو وجودها معاً مع إرادة الولي ، بل إرادة الولي تكون مبدءً لإرادة الله، كما يكون العلم بالشيء مبدءً لإرادة الانسان ، فان مقدّمات إرادته (العلم بالشي) ثم التصديق بفائدته ، ثم الشوق ، ثم الشوق المؤكّد، كما هو ثابت في محلّه .

فإرادة الولي إنّما تكون بمنزلة إرادة جديدة في الله سبحانه ، ليتصرّف في الكون في تحقيق مراد وليّه ، وكذلک في جعل التشريع وسنّ القانون ، لا إنّ إرادة الولي غلبت إرادة الله، فان إرادته من مبادئ الارادة الإلهيّة ، ومن موجباتها الفعليّة ، وهذا المعنى الدقيق يجري في مفهوم الشفاعة أيضاً، فإنّ شفاعة النبي أو الوصي ليس شفاعة شكليّة كما قيل ، بل شفاعة حقيقيّة من مبادئ الارادة الإلهيّة ، فتدبّر.

وإذا أردنا إنّ نشبّه المعقول بالمحسوس ، ونقرّب المعنى بالمثال ، فإنّ الأمر كما يكون للملک الذي يحبُّ خادمه البوّاب ، فانه يعطيه صلاحية إدخال الناس بإرادته ، بأن يدخل عليه من يريد إدخاله ، إلّا إنّ العبد يعرف مذاق مولاه الملک ويعرف أخلاقه ونفسيّاته ، فلا يدخل عليه ما يغضبه ومن يؤذيه ، وحينئذٍ إن أدخل شخصاً، فان الملک يرضى برضاه وإختياره ، ويريد ما يريده العبد البوّاب ، إذ إنه يكون الواسطة بين الملک وبين من يدخله عليه .

وكذلک ولي الله الأعظم ، فانّه واسطة الفيض المقدّس والفيض الأقدس بين الخالق والخلق ، وان الله أعطاه الكرامة وحباه الولاية والمُلک والملكوت ، ليكون اُسوة وقدوة ، ليقتدي بهديه ويتأسى به ، وحينئذٍ تظهر المعاجز والكرامات على يديه ، لتكون سنداً للاقتداء ودليلاً للإهتداء.

ولا مانع من إفاضة التقدير والتدبير إلى الولي ـ كالنبي والأئمّة الأطهار : ـ ليتصرّف في الكائنات بإذن ربّه بعد وجود المقتضي وعدم المانع ، ولا يكون هذا من الغلوّ مادام لا يفعلونه على  نحو الاستقلال وعلى نحو الوجوب الذاتي ، كي يلزم مغلولة يد الله كما قالت اليهود لعنهم الله، بل بإذن من ربهم ، فلا مانع أن يكونوا صنايع الله والخلق صنايعهم ، فالمنكر والباطل من الغلوّ والغلاة[1]  أن ينسب لغير  

الله مستقلاً ما كان لله عزّوجلّ . فإنّ الرزق مستقلاً بيد الله، فإن قيل بيد غيره أيضاً ـ كالنبي أو الإمام  8 ـ مستقلاً فهذا من الغلوّ الباطل المردود عقلاً ونقلاً وقائله ملعون بعيد عن رحمة الله، أما إذا قيل يرزق من يشاء وما يشاء إلّا انّه بإذن ربّه ، فهذا ما لا ضير فيه ولا اشكال ، كما نذهب إليه في الولايتين التكوينيّة والتشريعيّة .