الوفود على الكريم

إنه جل جلاله أجود الأجودين وأكرم الأكرمين يكرم ضيفه بلطائف رحمته الواسعة ، وما أروع ما يقوله أمير المؤمنين علي  7 عندما كتب على كفن سلمان الفارسي رضوان الله تعالى عليه  :

وفدت على الكريم بغير زاد         من الحسنات والقلب السليم

فحمل الزاد أقبح كلّ شيء         إذا كان الوفود على الكريم

وهذا من آيات الفناء في الله، بأن لا يرى الوافد عليه لنفسه شيئاً ولا له زاداً،
فيعرج إلى ربّه عروجاً حقيقياً فيما أغمض عينه عن نفسه ، فلا يعجب بها، وعن كلّ ما عنده فلا يغتربها، بل يتّهم نفسه كما ورد في خطبة همّام في علامات المتيقن عن أمير المؤمنين  7: «وهم لأنفسهم متّهمون » فيرى نفسه صفر اليدين ، وان إنّيته ونفسه حجاب بينه وبين ربّه .

«الكريم إذا قدر عفا» هذا ما قاله الإعرابي حينما سأل النبي الأكرم  6 من يحاسبنا يوم القيامة فقال  6: حسابنا مع الله جلّ جلاله . ففرح الإعرابي وإستبشر، فأخبر النبي أصحابه أنّه صار من أهل الجنّة ، ثمّ سألوا الإعرابي عن سبب فرحته فقال : إذا كان الحساب على الله فكيف لا أفرح ، فإنّ الله كريم قادر على كلّ شيء، والكريم إذا قدر عفا.

قال الله سبحانه لنبيّه داوود: «يا داوود إنذر الصديقين وبشّر المذنبين ».

وإنّما ينذر الصديق كي لا يغتر بعمله ، فان العجب والغرور يفسد الأعمال ، ويسقط الإنسان عن عين ربّه .

وأمّا بشارة المذنبين ـ وليت علماء الإصلاح ينتهجوا هذا المنهج فيبشر المذنب بغفران ربّه ورحمته الواسعة ، ولا يكتفي بإنذاره وتخويفه ـ فإنّ الله أرأف من الوالدين بما لا نهاية له ، وأن باب توبته مفتوح لمن تاب وعمل صالحاً، فبشّر المذنبين أنْ لا ييأسوا من رحمة ربّهم .

إنّ الله سبحانه قد دعا لندعوه ونسأله ، وحاشا لمثله الكريم ان يدعونا ثمّ يغلق الباب علينا، فإنّ ذلک يقبح بمثل الإنسان الضعيف فكيف بالله القادر العليم الكريم ، فلا بخل في ساحة الله، وأنه صادق الوعد ولن يخلف وعده ، فمن أصدق من الله قيلاً.