المحاضرة  السادسة:

                                 بسم الله الرحمن الرحیم

بعد البسملة والحمد والصلاة:

ورد في الحدیث الشریف: «اُغدُ عالماً أو متعلّماً»[1].

وورد أیضاً في الحدیث الشریف: «الناس ثلاث، إمّا عالم ربّاني، أو متعلّم علی سبیل النجاة، أو همج رعاع»[2].

فكلّ إنسان لا یخلو من أحد هذه الصفات الثلاثة: إمّا أنّ یكون عالماً ربانیاً ینتسب إلی الله تعالی ویتجلّی فیه ربّه سبحانه، وإمّا أن یكون متعلّماً یطلب النجاة، لأنّ العلم الذي یترجم إلی عمل هو وسیلة النجاة، وإمّا أن یكون بعیداً عن العلم و العلماء فهو همج رعاع، ینعق مع كلّ ناعق ویمیل مع كلّ ریح، ویتحوّل في بعض الأحیان إلی مصادیق الأنعام، بل یتسافل حتّی یكون أضلّ سبیلاً.

فإذا تبیّن هذا لنا وعینا قول المعصوم× بدقّة، وأنّه لابدّ من استغلال العمر والتزوّد بالعلم والعمل الصالح، لأنّ العمر یمرّ كما یمرّ سحاب الربیع، لأنّ من صفات سحاب الربیع تراه في السماء كثیفاً، وسرعان ما یزول، وهكذا العمر فهو سرعان ما یمرّ، فلا تكن مصداقاً لهذا البیت من الشعر:

یا من بدنیاه اشتغل                   قد غرّه طول الأمل

الموت یأتي بغتةً                        والقبر صندوق العمل

فطوبی لمن اغتنم فرصة العمل واستغلّها في طاعة الله تعالی.

وأوّل هذه الطاعات هو طلب العلم الإلهي، وخیر شاهد علی ذلك هذه القصّة التي ملؤها العبر والموعظة:

یُنقل أنّ النّبي| كان جالساً وإلی جنبه شابّ جالس أیضاً، فنزل أحد الملائكة المقرّبین^ وأخذ ینظر إلی هذا الشابّ الجالس بنظرة عمیقة، فلمّا رأی الرسول الأعظم| هذا سأل الملك عن سبب نظرته هذه، فأجابه بأنّ هذا الشابّ لم یبقَ لدیه إلّا ثلاثة أیّام من حیاته. فبعد أن عرج الملك إلی السماء، توجّه النبيّ| إلی الشابّ وأخبره بذلك، فقال الشابّ: یا رسول الله|، بِمَ تنصحني أن أفعل في هذه الأیام الثلاثة، وما هو العمل الذي یقرّبني إلی الله تعالی؟ أجابه رسول الله|: اطلب العلم، فإنّه أفضل عمل یقرّبك إلی الله تعالی. وهذا القول النبوي الشریف یشیر إلی هذه الآیة القرآنیة الكریمة:

﴿يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[3].

فإذن لابدّ أن تكون متعلّماً، ولابدب أن تفتح خزائن العلم، ومفتاح خزائن العلم هو السؤال، فأكثر من السؤال في اُمور دینك حتّی یقال لك مجنون، وخذ العلم من أفواه الرجال كما تأخذه من بطون الكتب، فلیس كلّ العلم قد كتب بل منه ما في صدور الرجال، أي علوم إلهامیة ألهم الله تعالی العالِم بها، لأنّ العلم نور یقذفه الله في قلب من یشاء، فلهذا یقول الإمام الرضا×: «اسألوا یرحمكم الله، فإنّه یؤجر أربعة: السائل والمسؤول والسامع والمحبّ لذلك»، ففي السؤال عبادة وفي الجواب عبادة وفي الاستماع إلیهما عبادة والذي یحبّ ذلك أیضاً في عبادة، لأنّه یفرح بذكر الله تعالی وذكر أولیائه.

فعلیكم بالسؤال، ولكن علیكم الالتزام بآداب السؤال، لأنّ للسؤال أدب خاصّ به، وخیر شاهد علی ذلك هذه القصّة، ینقل أنّ أمیرالمؤمنین× عندما قال: سلوني قبل أن تفقدوني، وإنّي أعرف منكم بطرق السماء منكم بطرق الأرض، فقام إلیه رجل من المنافقین یسأل الإمام×: كم طاقة من الشعر في لحیتي؟ وأراد أن یخجل أمیرالمؤمنین×، قال: ویلك إنّي أعرف ذلك ولكن سل تفهّماً ولا تسل تعنّتاً.

فإذن لابدّ أن یكون السؤال للتعلّم والتفهّم لا للامتحان ولا لإحراج السؤول، ولا یكن ترفاً وتسلیة، بل لابدّ أن یراد منه القربة إلی الله تعالی، ثمّ طلب العلم النافع والعمل به.

ثمّ أجاب الإمام×: اعلم أیّها السائل إنّ تحت كلّ طاقة من شعرات لحیتك شیطاناً، وإنّه في بیتك سخل یقتل ولدي الحسین×[4]، ومراده (عمر بن سعد).

فاسألوا یرحمكم الله، فإنّما یؤجر علی ذلك: السائل والمجیب، والسامع والمحبّ لهم[5]. والحمدلله ربّ العالمین.