العصمة بنظرة جديدة مجلة الکوثر الرابع والثلاثون - شهر رجب المرجب 1437هـ -2016م صحيفة صوت الكاظمين الشهرية العدد 207/206 النور الباهر بين الخطباء والمنابر قناة الکاظمين مصباح الهداية ونبراس الأخلاق بإدارة السید محمد علي العلوي الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين الشباب عماد البلاد إجمال الكلام في النّوم والمنام المؤسسة الإسلامية العالمية التبليغ والإرشاد برعایة السید عادل العلوي صحیفة صوت الکاظمین 205-204 شهر رجب وشعبان 1437هـ الانسان على ضوء القرآن أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم العلم الإلهامي بنظرة جديدة في رواق الاُسوة والقدوة الله الصمد في فقد الولد في رحاب اولى الألباب المأتم الحسیني الأسبوعي بإشراف السید عادل العلوي في دارالمحققین ومکتبة الإمام الصادق علیه السلام- إحیاء للعلم والعل نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل مجلة الکوثر الثالث والثلاثون - شهر محرم الحرام 1437هـ -2015م نور العلم والعلم نور مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
اللغة
تابعونا...
فهرست کتاب‌‌ لیست کتاب‌ها
  1. النوران الزهراء والحوراء
  2. الأقوال المختارة في احکام الصلاة سنة 1436هـ
  3. الکافي في اصول الفقه سنة 1436هـ
  4. في رحاب الخير
  5. الغضب والحلم
  6. إیقاظ النائم في رؤیة الامام القائم
  7. الضيافة الإلهيّة وعلم الامام
  8. البداء بين الحقيقة والافتراء
  9. سيماء الرسول الأعظم محمّد (ص) في القرآن الكريم
  10. لمعة من النورین الامام الرضا (ع) والسیدة المعصومة(س)
  11. الدوّحة العلوية في المسائل الافريقيّة
  12. نور الآفاق في معرفة الأرزاق
  13. الوهابية بين المطرقة والسندانه
  14. حلاوة الشهد وأوراق المجدفي فضيلة ليالي القدر
  15. الوليتان التكوينية والتشريعية ماذا تعرف عنها؟
  16. الصّارم البتّار في معرفة النور و النار
  17. بريق السعادة في معرفة الغيب والشهادة
  18. الشخصية النبوية على ضوء القرآن
  19. الزهراء(س) زينة العرش الإلهي
  20. مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
  21. نور العلم والعلم نور
  22. نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل
  23. دروس الیقین فی معرفة أصول الدین
  24. في رحاب اولى الألباب
  25. الله الصمد في فقد الولد
  26. في رواق الاُسوة والقدوة
  27. العلم الإلهامي بنظرة جديدة
  28. أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم
  29. الانسان على ضوء القرآن
  30. إجمال الكلام في النّوم والمنام
  31. العصمة بنظرة جديدة
  32. الشباب عماد البلاد
  33. الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين
  34. النور الباهر بين الخطباء والمنابر
  35. التوبة والتائبون علی ضوء القرآن والسنّة
  36. القصاص علی ضوء القرآن والسّنة الجزء الثاني
  37. القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الثالث
  38. القول الرشید فی الإجتهاد و التقلید 2
  39. القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد 1
  40. القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الاول
  41. الأقوال المختارة في أحكام الطهارة الجزء الأوّل
  42. أحكام السرقة على ضوء القرآن والسنّة
  43. الهدى والضلال على ضوء الثقلين
  44. في رحاب حديث الثقلين
  45. المأمول في تكريم ذرية الرسول 9
  46. عصمة الحوراء زينب 3
  47. عقائد المؤمنين
  48. النفحات القدسيّة في تراجم أعلام الكاظميّة المقدّسة
  49. قبس من أدب الأولاد على ضوء المذهب الإمامي
  50. حقيقة الأدب على ضوء المذهب
  51. تربية الاُسرة على ضوء القرآن والعترة
  52. اليقظة الإنسانية في المفاهيم الإسلامية
  53. هذه هی البرائة
  54. من لطائف الحجّ والزيارة
  55. مختصر دليل الحاجّ
  56. حول دائرة المعارف والموسوعة الفقهية
  57. رفض المساومة في نشيد المقاومة
  58. لمحات قراءة في الشعر والشعراء على ضوء القرآن والعترة :
  59. لماذا الشهور القمرية ؟
  60. فنّ الخطابة في سطور
  61. ماذا تعرف عن العلوم الغريبة
  62. منهل الفوائد في تتمّة الرافد
  63. سهام في نحر الوهّابية
  64. السيف الموعود في نحراليهود
  65. لمعة من الأفكار في الجبر والاختيار
  66. ماذا تعرف عن الغلوّ والغلاة ؟
  67. الروضة البهيّة في شؤون حوزة قم العلميّة
  68. النجوم المتناثرة
  69. شهد الأرواح
  70. المفاهيم الإسلامية في اُصول الدين والأخلاق
  71. مختصر دليل الحاجّ
  72. الشهيد عقل التاريخ المفكّر
  73. الأثر الخالد في الولد والوالد
  74. الجنسان الرجل والمرأة في الميزان
  75. الشاهد والمشهود
  76. محاضرات في علم الأخلاق القسم الثاني
  77. مقتل الإمام الحسين 7
  78. من ملكوت النهضة الحسينيّة
  79. في ظلال زيارة الجامعة
  80. محاضرات في علم الأخلاق
  81. دروس في علم الأخلاق
  82. كلمة التقوى في القرآن الكريم
  83. بيوتات الكاظميّة المقدّسة
  84. على أبواب شهر رمضان المبارک
  85. من وحي التربية والتعليم
  86. حبّ الله نماذج وصور
  87. الذكر الإلهي في المفهوم الإسلامي
  88. السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
  89. شهر رمضان ربيع القرآن
  90. فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
  91. منية الأشراف في كتاب الإنصاف
  92. العين الساهرة في الآيات الباهرة
  93. عيد الغدير بين الثبوت والإثبات
  94. بهجة الخواصّ من هدى سورة الإخلاص
  95. من نسيم المبعث النبويّ
  96. ويسألونک عن الأسماء الحسنى
  97. النبوغ وسرّ النجاح في الحياة
  98. السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
  99. نسيم الأسحار في ترجمة سليل الأطهار
  100. لمحة من حياة الإمام القائد لمحة من حياة السيّد روح الله الخميني ومقتطفات من أفكاره وثورته الإسلاميّة
  101. قبسات من حياة سيّدنا الاُستاذ آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي «قدّس سرّه الشريف »
  102. طلوع البدرين في ترجمة العلمين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الأمام الخميني 0
  103. رسالة من حياتي
  104. الكوكب السماوي مقدّمة ترجمة الشيخ العوّامي
  105. الكوكب الدرّي في حياة السيّد العلوي 1
  106. الشاكري كما عرفته
  107. كيف أكون موفّقآ في الحياة ؟
  108. معالم الصديق والصداقة في رحاب أحاديث أهل البيت
  109. رياض العارفين في زيارة الأربعين
  110. أسرار الحج والزيارة
  111. القرآن الكريم في ميزان الثقلين
  112. الشيطان على ضوء القرآن
  113. الاُنس بالله
  114. الإخلاص في الحجّ
  115. المؤمن مرآة المؤمن
  116. الياقوت الثمين في بيعة العاشقين
  117. حقيقة القلوب في القرآن الكريم
  118. فضيلة العلم والعلماء
  119. سرّ الخليقة وفلسفة الحياة
  120. السرّ في آية الاعتصام
  121. الأنفاس القدسيّة في أسرار الزيارة الرضويّة
  122. الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف وطول العمر في نظرة جديدة
  123. أثار الصلوات في رحاب الروايات
  124. رسالة أهل البيت علیهم السلام سفينة النجاة
  125. الأنوار القدسيّة نبذة من سيرة المعصومين
  126. السيرة النبوية في السطور العلوية
  127. إشراقات نبويّة قراءة موجزة عن أدب الرسول الأعظم محمّد ص
  128. زينب الكبرى (سلام الله علیها) زينة اللوح المحفوظ
  129. الإمام الحسين (علیه السلام) في عرش الله
  130. رسالة فاطمة الزهراء ليلة القدر
  131. رسالة علي المرتضى (علیه السلام) نقطة باء البسملة
  132. الدرّ الثمين في عظمة أمير المؤمنين - علیه السلام
  133. وميض من قبسات الحقّ
  134. البارقة الحيدريّة في الأسرار العلويّة
  135. رسالة جلوة من ولاية أهل البيت
  136. هذه هي الولاية
  137. رسالتنا
  138. دور الأخلاق المحمّدية في تحكيم مباني الوحدة الإسلاميّة
  139. أخلاق الطبيب في الإسلام
  140. خصائص القائد الإسلامي في القرآن الكريم
  141. طالب العلم والسيرة الأخلاقية
  142. في رحاب وليد الكعبة
  143. التقيّة في رحاب العَلَمَين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الإمام الخميني
  144. زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار
  145. طالب العلم و السیرة الأخلاقیّة
  146. فاطمة الزهراء سلام الله علیها سرّ الوجود

المقدّمة : معنى الكافر لغةً واصطلاحآ

المقدّمة

 

معنى  الكافر  لغةً  واصطلاحآ

 

حديثنا في المقدّمة إنّما يدور حول المعنى اللغوي والاصطلاحي للكافر، فإنّي أعتقد أنّ كثيرآ من الخلافات الفقهيّة عند فقهائنا الأعلام ـرحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين ـ إنّما هو ناتج من عدم تحرير وتبيين موضوع الحكم بخصوصه ، فإنّ معرفة الموضوع بخصوصه ، له دور هامّ في معرفة الأحكام منها وحملها، فإنّها كثيرآ ما تكون واضحة المستند والمدرک ، إلّا أنّ الموضوع لإبهامه وعدم وضوحه عند المتشرّعة ، أو في لسان الشارع المقدّس ـومن ثمّ وجد الاختلاف في الحقيقة الشرعية ـ قد يوجب الاختلاف بين الأعلام ، حتّى يكاد أن يكون على طرفي تضادّ ونقيض ، كمن يقول بالوجوب والآخر بالحرمة .

فلابد لنا أن نبحث أوّلا عن معنى الكافر لغةً واصطلاحآ عند الفقهاء، والمتكفّل للأوّل هو المعاجم اللغوية كالصحاح ولسان العرب وتاج العروس وغيرها، والثاني إنّما يؤخذ من لسان القرآن الكريم والروايات الشريفة ، ومصنّفات العلماء والفقهاء.

وربّما يكون بين المعنى اللّغوي والاصطلاحي تباينآ، ويسمّى بالنقل غير المألوف ، وربّما ينقل من المعنى الخاصّ على عامّ أو بالعكس ، ويسمّى
بالنقل المألوف ، كما فيما نحن فيه .

ثمّ ، الكافر ربّما يكون في العقيدة واُخرى في العمل ، كما إن له أصناف كما سيعلم ذلک إن شاء الله تعالى .

 

فالكافر لغةً  :

 

اسم فاعل من كفر يكفر، وجمعه كفّار وكفرة وكافرون ، والاُنثى : كافرة وكافرات وكوافر.

الكاف والفاء والرّاء أصل صحيح يدلّ على معنىً واحد وهو الستر والتغطية ، قيل : كفر من باب ضَرَبَ يضرِب بكسر العين . قال الرافعي في مصباحه المنير[1]  :

قال الفارابي وتبعه الجوهري : إنّه من باب ضرب ، وفي نسخة معتمدة من التهذيب (يكفُر) مضبوط بالضّم وهو القياس لأنّهم قالوا (كَفَرَ) النعمة أي غطّاها، مستعار من (كفَرَ) الشيء الذي غطّاه ، وهو أصل الباب ، والصواب من باب قتل .

وقال صاحب تاج العروس[2]  : كفر من باب نَصَر، وقول الجوهري تبعآ

لخاله أبي نصر الفارابي : أنّه من باب ضرب لا شبهة في أنّه غلط ، والعجب من المصنّف كيف لم ينبّه عليه وهو آكد من كثير من الألفاظ التي يوردها لغير فائدة ولا عائدة ، قاله شيخنا. قلت : لا غلط ، والصواب ما ذهب إليه الجوهري والأئمّة وتبعهم المصنّف وهو الحقّ ، ونصّ عبارته : وكفرت الشيء أكفِره بالكسر، أي
سترته ، فالكفر الذي هو بمعنى الستر بالاتفاق من باب ضرب ، وهو غير الكفر الذي هو ضد الإيمان فإنّه من باب نصر، والجوهري إنّما قابل في الكفر الذي بمعنى الستر فظنّ شيخنا أنّهما واحد، حيث أنّ أحدهما مأخوذ من الآخر، وكم عائبآ قولا صحيحآ وآفته من الفهم السقيم ، فتأمّل . انتهى ما قاله ، فراجع .

ثمّ الكفر بالفتح والضّم جاء في الأصل[3]  بعدّة معاني ، منها: الستر والتغطية    

والامحاء، ومنه الكفّارة بمعنى : ستر ومحو الخطيئة ، والتغطية بمعنى : تغطية الشيء تغطية تستهلكه ، والجحود، ومنه قوله تعالى : (فَأبى الظالِمونَ إلّا كُفورآ)[4]

أي  : جحودآ، والظلمة والليل والقير الذي تُطلى به السفن لسواده وتغطيته ، والقبر، والقرية ، وتعظيم الفارسي لملكه ومنه التكفير، وهو وضع يده أو يديه على صدره ، ولابس السلاح والخضوع كما ورد في الحديث : «إذا أصبح ابن آدم فإنّ الأعضاء كلّها تكفّر اللسان » أي تذل وتخضع له ، والإقرار بالطاعة ، ونقيض الإيمان كما في قوله تعالى : (أشِدّاءُ عَلى الكُفّار)[5] ، ونقيض الشكر كما في قوله تعالى  :

(إنَّا هَدَيْناهُ السَّبيلَ إمَّا شاكِرآ وَإمَّا كَفورآ)[6]  وهو بمعنى جحود النعمة كما ورد


في أحاديث كثيرة ، وبمعنى الزارع كما في قوله تعالى : (كَمَثَلِ غَيْثٍ أعْجَبَ الكُفَّارَ نَباتهُ )[7]  أي أعجب الزرّاع نباته . وبمعنى البحر والوادي العظيم والنهر الكبير

والسحاب المظلم والدرع والبعيد من الأرض ، والأرض المستوية والنبت والخشبة القصيرة الغليظة والعصا القصيرة . وغيرها وكلّها ترجع إلى الستر والتغطية بتوجيهٍ مّا كما هو واضح .

 

وأمّا الكافر اصطلاحآ :

 

فقد قال بعض أهل العلم  :

الكفر على أربعة أنحاء :

كفر إنكار : بأن لا يعرف الله أصلا، ولا يعترف به ، فهو يكفر وينكر بقلبه ولسانه ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد، كذلک روي في قوله تعالى : (إنَّ الذينَ كَـفَروا سَواءٌ عَـلَيْهِمْ أأنْذَرْتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤمِنون )[8]  أي الذين كفروا بتوحيد

الله.

وكفر جحود : فإنّه يعترف بقلبه ولا يقرّ بلسانه ، فهو كافر جاحد، ككفر إبليس وكفر اُميّة بن أبي الصلت ، ومنه قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرفوا كَفَروا بِهِ )[9]  يعني كفر الجحود.

 



وكفر معاندة  : بأن يعرف الله بقلبه ويقرّ بلسانه ، ولا يدين به حسدآ وبغيآ، ككفر أبي جهل وأضرابه .

وكفر نفاق  : فهو أن يقرّ بالله بلسانه ويكفر بقلبه .

وقيل : يأتي بمعنى البراءة كقوله تعالى حكاية عن الشيطان حين دخوله النار: (إنِّي كَفَرْتُ بِما أشْرَكْتُمونِ مِنْ قَبْل )[10]  أي تبرّأت .

 

وقيل : الكفر على وجوه : فكفر هو شرک يتّخذ مع الله إلهآ آخر، وكفر بكتاب الله ورسوله ، وكفر بادّعاء ولد الله، وكفر مدّعي الإسلام ولكن يعمل بغير ما أنزل الله، ويسعى في الأرض فسادآ، ويقتل نفسآ محرّمة بغير حقّ ، وغير ذلک من الأعمال المحرّمة .

ويأتي الكفر بمعنى جحود النّعمة ، فيسمّى تارک الصلاة كافرآ، كما من كان مستطيعآ للحجّ ولم يحجّ ، يعدّ كافرآ، كما في قوله : (وَمَنْ كَفَرَ فَإنَّ اللهَ هُوَ الغَنِيُّ الحَميد)[11] .

 

وقيل : سُمّي الكافر كافرآ، لأنّ الكفر غطّى قلبه كلّه ، فهو منقول من اللغة بالنقل المألوف من المعنى العامّ إلى المعنى الخاصّ .

وقيل : الكفر صنفان  :

أحدهما: الكفر بأصل الإيمان وهو ضدّه .

والآخر: الكفر بفرع من فروع الإسلام ، فلا يخرج عن أصل الإيمان كتارک الحجّ مستطيعآ.


وقيل : الكافر على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية أو النبوّة أو الشريعة أو ثلاثتها[12] .

 

وقال السيّد نور الدين الجزائري في فروق اللّغات[13]  : في الفرق بين الكافر

والمشرک : قال بعض المتأخّرين : الكافر اسمٌ لمن لا إيمان له ، فإن أظهر الإيمان خصّ باسم المنافق ، وإن أظهر الكفر بعد الإسلام خصّ باسم المرتدّ؛ لرجوعه عن الإسلام ، فإن قال بإلهين فصاعدآ، خصّ باسم المشرک ، وإن كان متديّنآ ببعض الأديان والكتب المنسوخة خصّ باسم الكتابي ، وإن كان يقول بقِدم الدهر واستناد الحوادث إليه سُمّي باسم الدهري ، وإن كان لا يثبت البارئ خصّ باسم المعطّل ، وإن كان مع اعترافه بنبوّة نبيّنا محمّد  9 وإظهار شرائع الإسلام ، ويبطن عقائد من كفر بالاتفاق خُصّ باسم الزنديق .

ثمّ ، كلمة الكفر بمشتقّاتها قد وردت في القرآن الكريم في (523) موضعآ، كما وردت كلمة الإيمان والإسلام ومشتقاتهما في القرآن كثيرآ، وأمّا الروايات النبويّة والولويّة فحدّث ولا حرج ، فهناک آلاف الروايات والأخبار الشريفة تذكر الكفر وما يضادّه من الإيمان والإسلام وشرائطهما وأركانهما وأقسامهما وآثارهما في الدنيا والآخرة ، يكفيک شاهدآ كتاب بحار الأنوار للعلّامة المجلسي فإنّه (من مجلّد  64 إلى مجلّد 70، طبعة بيروت مؤسسة الوفاء 1403 ه ) يتحدّث عن الإيمان والكفر.

إلّا أنّ اُمّهات معاني الكفر في القرآن الكريم ترجع إلى خمسة وجوه ، كما ورد في الأخبار الشريفة  :


جاء في بحار الأنوار، عن تفسير النعماني ، بسنده في كتاب فضل القرآن ، عن أمير المؤمنين عليّ  7، قال : وأمّا الكفر المذكور في كتاب الله تعالى فخمسة وجوه ، منها: كفر الجحود، ومنها كفر فقط ، والجحود ينقسم على وجهين ، ومنها كفر الترک لما أمر الله تعالى به ، ومنها كفر البراءة ، ومنها كفر النِّعم .

فأمّا كفر الجحود، فأحد الوجهين منه جحود الوحدانية وهو قول من يقول  : لا ربّ ولا جنّة ولا نار ولا بعث ولا نشور، وهؤلاء صنف من الزنادقة ، وصنف من الدهرية الذين يقولون : (ما يُهْلِكُنا إلّا الدَّهْرُ)[14]  وذلک رأي وضعوه لأنفسهم

استحسنوه بغير حجّة فقال الله تعالى : (إنْ هُمْ إلّا يَظُنُّونَ )[15] ، وقال : (إنَّ الَّذينَ

كَفَروا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أأنْذَرْتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤمِنونَ )[16] ، أي لا يؤمنون بتوحيد الله.

 

والوجه الآخر من الجحود، هو الجحود مع المعرفة بحقيقته ، قال تعالى  : (وَجَحَدوا بِها وَآسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ ظُلْمآ وَعُلُوَّآ)[17] ، وقال سبحانه : (وَكانوا مِنْ قَبْلُ

يَسْتَفْتِحونَ عَلى الَّذينَ كَفَروا فَلَمَّا جائَهُمْ ما عَرفوا كَفَروا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلى الكافِرينَ )[18] ،

أي جحدوه بعد أن عرفوه .

وأمّا الوجه الثالث من الكفر، فهو كفر الترک لما أمر الله به ، وهو من المعاصي ، قال الله تعالى : (وَإذْ أخَذْنا ميثاقَكُمْ لا تَسْفِكونَ دِمائَكُمْ وَلا تُخْرِجونَ أنْفُسَكُمْ
مِنْ
دِيارِكُمْ ثُمَّ أقْرَرَتُمْ وَأنْتُمْ تَشْهَدون )[19]  إلى قوله : (أفَتُؤمِنونَ بِبَعْضِ الكِتابِ

وَتَكْفُرونَ بِبَعْضٍ )[20] ، فكانوا كفّارآ لتركهم ما أمر الله به ، فنسبهم إلى الإيمان

بإقرارهم بألسنتهم على الظاهر دون الباطن ، فلم ينفعهم ذلک لقوله تعالى : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلْ ذلِکَ مِنْهُمْ إلّا خِزْيٌ في الحَياةِ الدُّنْيا)[21]  إلى آخر الآية .

وأمّا الوجه الرابع من الكفر، فهو ما حكاه الله تعالى عن قول إبراهيم  7 : (كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ العَداوَةُ وَالبَغْضاءُ أبَدآ حَتَّى تُؤمِنوا بِاللهِ وَحْدَه )[22] ،

فقوله : (كفرنا بكم ) أي : تبرّأنا منكم ، وقال سبحانه في قصّة إبليس وتبرّيه من أوليائه من الإنس إلى يوم القيامة : (إنَّما آتَّخَذْتُمْ مِنْ دونِ اللهِ أوْثانآ مَوَدَّة بَيْنِكُمْ في الحَياةِ الدُّنْيا)[23]  إلى قوله : (وَيَوْمَ القِيامَةِ يَكْفُرْ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنْ بَعْضُكُمْ

بَعْضآ)[24] ، الآية .

وأمّا الوجه الخامس من الكفر، وهو كفر النِّعم ، قال الله تعالى عن قول سليمان  7: (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلوَني أأشْكُرُ أمْ أكْفُر)[25] ، الآية ، وقوله عزّ

وجلّ : (فَاذْكُروني أذْكُرْكُمْ وَآشْكُروا لي وَلا تَكْفُرون )[26] .

 

فأمّا ما جاء من ذكر الشرک في كتاب الله تعالى ، فمن أربعة أوجه : قوله
تعالى :
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذينَ قالوا إنَّ اللهَ هُوَ المَسيحُ بْنُ مَرْيَمَ وَقالَ المَسيحُ يا بَني إسْرائيلَ آعْبُدوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إنَّهُ مَنْ يُشْرِکْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأواهُ النَّارُ وَما لِلظالِمينَ مَنْ أنْصار)[27] ، فهذا شرک القول والوصف .

 

وأمّا الوجه الثاني من الشرک ، فهو شرک الأعمال ، قال الله تعالى  : (وَما يُؤمِنُ أكْثَرُهُمْ بِاللهِ إلّا وَهُمْ مُشْرِكون )[28] ، وقوله سبحانه : (اتَّخَذوا أحْبارَهُمْ

وَرُهْبانَهُمْ أرْبابآ مِنْ دونِ اللهِ)[29]  إلّا إنّهم لم يصوموا لهم ولم يصلّوا، ولكنّهم أمروهم

ونهوهم فأطاعوهم ، وقد حرّموا عليهم حلالا، وأحلّوا لهم حرامآ، فعبدوهم من حيث لا يعلمون ، فهذا شرک الأعمال والطاعات .

وأمّا الوجه الثالث من الشرک ، فهو شرک الزّنا. قال الله تعالى : (وَشارَكَهُمْ في الأمْوالِ وَالأوْلاد)[30]  وربّما من هذا الباب أنّه من استمع إلى ناطقٍ فقد عبده ،

فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله، وإن كان ينطق عن غير الله تعالى فقد عبد غير الله.

وأمّا الوجه الرابع من الشرک ، فهو شرک الرياء، قال الله تعالى : (فَمَنْ كانَ يَرْجو لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صالِحآ وَلا يُشْرِک بِعِبادَةِ رَبِّهِ أحَدآ)[31]  فهؤلاء صاموا

وصلّوا واستعملوا أنفسهم بأعمال أهل الخير إلّا أنّهم يريدون به رئاء الناس
فأشركوا لما أتوه من الرياء، فهذه جملة وجوه الشرک في كتاب الله تعالى )
[32] .

 

            

 

 

وقريب من هذا المعنى جاء عن الإمام الصادق  7[33] ، وكلّما جاء في القرآن

الكريم فكذلک عند الأئمّة الأطهار من عترة الرسول المختار  :، لأنّهم عدل القرآن وهما الثقلان بعد رسول الله  9، ولن يفترقا في كلّ شيء إلى يوم القيامة ،
فنكتفي بهذه الوجوه الخمسة من معاني الكفر، والأربعة من معاني الشرک في القرآن الكريم والسّنة الشريفة .

وبنظري ، يظهر من خلال المراجعة إلى مجموع ما ورد في الثقلين كتاب الله الكريم ولسان العترة الطاهرة والسّنة الشريفة ، أنّ الكفر ينقسم حسب التقسيم الأوّلي إلى قسمين : كفر عقيدة كالمُلحد بالله والناكر له ، وكفر عمل كتارک الحجّ مستطيعآ، كما أنّ الشرک ينقسم إلى قسمين : شرک عقيدة كالمعتقد بإلهين أو أكثر كالمجوس ، وشرک عمل كالرادّ على الأئمّة الأطهار  :، كما ورد في الخبر الشريف (والرّاد علينا كافر... في حدّ الشّرک )[34] ، كما إنّ الارتداد على قسمين : ارتداد    

عقيدة ، كمن كان مسلمآ فكفر، وارتداد في العمل ، كالمرتدّ عن الولاية ، كما ورد : (ارتدّ الناس بعد رسول الله إلّا ثلاثة أو خمسة أو سبعة )، والنفاق على قسمين أيضآ: نفاق عقيدة ، كمن يظهر الإيمان والإسلام ويبطن الكفر. ونفاق عمل ، كالذي يخلف وعده ، فقد ورد في الخبر الشريف ، عن الكافي بسنده ، عن أبي عبد الله  7، قال : قال رسول الله  9: «ثلاثٌ ، من كنّ فيه كان منافقآ وإن صام وصلّى وزعم أنّه مسلم ، من إذا ائتُمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، إنّ الله عزّ وجلّ قال في كتابه : (إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الخائِنين )[35] ، وقال : (أنَّ



لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إنْ كانَ مِنَ الكاذِبين )[36] ، وفي قوله عزّ وجلّ : (وَآذْكُرْ في الكِتابِ

إسْماعيلَ إنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعْدِ وَكانَ رَسولا نَبِيّآ)[37] »[38] .

 

 

قال العلّامة المجلسيّ  1 في بيان الخبر : إعلم أنّه كما يطلق المؤمن والمسلم على معانٍ كما عرفت ، فكذلک يطلق المنافق على معان ، منها: أن يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وهو المعنى المشهور، ومنها: الرياء، ومنها: أن يظهر الحُبّ ويكون في الباطن عدوّآ، أو يظهر الصلاح ويكون في الباطن فاسقآ، وقد يطلق على من يدّعي الإيمان ولم يعمل بمقتضاه ، ولم يتّصف بالصفات التي ينبغي أن يكون المؤمن عليها، فكان باطنه مخالفآ لظاهره ، وكأنّه المراد هنا، وسيأتي معاني النفاق في بابه إن شاء الله تعالى ، والمراد بالمسلم هنا المؤمن الكامل المسلّم لأوامر الله ونواهيه ، ولذا عبّر بلفظ الزعم المشعر بأنّه غير صادق في دعوى الإسلام . انتهى كلامه .

هذا في التقسيم الأوّلي للكافر، وهناک تقسيمات ثانوية اُخرى حسب اعتبارات خاصّة ، كتقسيمه إلى الحربيّ وغيره ، أو الكتابيّ وغيره ، أو المرتدّ وغيره ، ثمّ المرتدّ إلى الملّي والفطري ، وخلاصة الأقسام أنّ الكافر في اللسان القرآني والروائي ، إنّما يقصد به المنكر لله والجاحد له تارةً ، واُخرى ناكر النبوّة ، وثالثة المرتدّ عن الدين ، ورابعة من أشرک بالله. وكلّ هذا يتعلّق بالعقيدة ، وربما يطلق على من جحد بِنِعَم الله وآلائه في مقام العمل ، كتارک الصلاة والحجّ مستطيعآ.

ثمّ ، لفظ الكافر في الروايات مطلق ، فإنّه اسم جنس ، ومعلوم إنّ إرادة العموم
من المطلقات وأسماء الأجناس إنّما يتمّ بقرينة لفظيّة أو عقلية أو بمقدمات الحكمة .

فالعموم إن كان من نفس لفظ الجنس ، فإنّه يكون من العموم اللفظي ، وإن كان من مقدّمات الحكمة ، كأن يكون المتكلّم في مقام البيان وعدم نصب قرينة على خلاف الظاهر، فإنّه يسمّى بالعموم الحكمتي . والظاهر من الكافر من فسد عقيدته فيعمّ جميع الكفّار.

ثمّ ، يطلق المسلم ويقابله الكافر، وتارةً يطلق ويقابله المؤمن بالمعنى الأخصّ ، فإنّ معاني المؤمن في الروايات على ثلاثة أقسام : إيمان بالمعنى الأعمّ ، وهو لمن أظهر الشهادتين بلسانه ويسمّى بالمسلم ، وبهما يحقن دمه وماله وعرضه ، وإيمان بالمعنى الخاصّ وهو الشيعي الإمامي الإثنا عشري الذي يقرّ بالشهادة الثالثة ، ويقابله المخالف بالمعنى الخاصّ ، وإيمان بالمعنى الأخصّ ـأي خاصّ الخاصّ ـ وهو الإمامي المتّقي العادل الثقة[39] .

 

ثمّ ، لقد حكم الفقهاء الكرام على بعض الفرق المنسوبة إلى الإسلام بالكفر، كما حكموا عليهم بالنجاسة ، فإنّ الكافر إمّا أن يكون أصليّآ أو عرضيّآ أو حكميّآ، والأوّل ـكما مرّـ من كفر بالله أو بالرسول الأكرم محمّد  9، وهو إمّا أن يكون ذميّآ في بلد الإسلام وذمّة المسلمين ، يعمل بشرائط الذمّة كدفع الجزية ، وقد يكون الذمّي كتابيآ ـأي له كتاب كاليهود والنصارى حيث لهم كتاب سماوي كالتوراة والإنجيل ـ وقد يكون غير كتابي ـكالمجوس على قول ـ أو يكون كافرآ مستأمنآ طلب الأمان في بلاد الإسلام من الحكومة الإسلامية للتجارة أو زيارة في بلاد المسلمين وما شابه ذلک ، وإمّا أن يكون كافرآ حربيّآ، وإن لم يكن في حرب المسلمين ، وهو من لم يكن في ذمّة المسلمين .


وأمّا الكفر العرضي : فهو المسلم الذي يعرض عليه الكفر ويسمّى بالمرتدّ،

وهو إمّا فطري ـمن كان من أبوين مسلمين ـ ثمّ أنكر الله والرسالة أو ضروري من ضروريات الدين ، وإمّا ملّي بأن كان كافرآ، ثمّ أسلم ثمّ كفر، ولكلٍّ حكمه الخاصّ .

وأمّا الكفر الحكمي : فهو الذي ينسب إلى المسلمين ، إلّا أنّه حكم عليه بأحكام الكفّار، وهم طوائف ستّة  :

1 ـ الغلاة  : وهم طائفة من الشيعة الذين يقولون باُلوهية أحد الأئمّة  : ونحن من هؤلاء الغالية بُراء.

2 ـ النواصب  : الذين نصبوا في قلوبهم العداوة والبغض لأهل البيت  :.

3 ـ الخوارج  : الذين مرقوا عن طاعة أمير المؤمنين عليّ  7، وخرجوا على إمام زمانهم ، واليوم يسمّون أتباعهم بالأباضية ، باسم أوّل قائد عسكري لفرقة من الخوارج ، وإنّما انتحلوا هذا الإسم بُعدآ عن قباحة لفظ الخوارج بين المسلمين .

4 ـ المجسّمة  : الذين يقولون بجسميّة ربّ العالمين كالكراميّة .

5 ـ الحلوليّة  : الذين يقولون بحلول الله في البشر، كحلوله في عليّ  7 أو المسيح أو في بدن العارف كما عند بعض المتصوّفة .

6 ـ التناسخية  : الذين يقولون بانتقال الروح من جسد الإنسان إلى شيء آخر، وهم أربعة فرق : فمنهم من يقول بانتقال الروح إلى جسد آخر وإلى الجنين في رحم الاُمّ ، وهو عبارة عن التناسخ ، ومنهم من يقول بانتقاله إلى بدن حيوان وهو عبارة عن التماسخ ، ومنهم من يذهب إلى انتقاله إلى النباتات ويسمّى بالتفاسخ ، ومنهم من يرى انتقاله إلى الجمادات ويسمّى بالتراسخ .


وأصحابنا الإمامية الأخيار بُراء من هذه الفرق الضالّة والمضلّة[40] .

 

ولتوضيح حكم هؤلاء الطوائف حيث إنّ المسألة اختلافية من جهة السعة والضيق في تحديد كلّ طائفة ، لا بأس أن نذكر إجمالا ما جاء في كتاب (مفتاح الكرامة )[41] ، كما سنذكر تفصيل ذلک في الفصول الآتية  :

 

قال العلّامة السيّد محمّد جواد العاملي في شرح قواعد العلّامة في قول المصنّف : (والكافر ـمن النجاسات ـ سواء كان أصليّآ أو مرتدّآ، وسواء انتمى إلى الإسلام كالخوارج أو الغلات أم لا) يدلّ عليهم ـالخوارج والغلات ـ خصوصآ إجماع الروض والدلائل ، ولإنكارهم ما هو ضروري يدخلون تحت إجماع الانتصار والناصريات والتهذيب والغنية والسرائر والمعتبر والمنتهى ونهاية الإحكام والتذكرة والدلائل والبحار وشرح الفاضل ، وحكم في السرائر والمعتبر والمنتهى والنهاية والتذكرة والتحرير والدروس وجامع المقاصد والدلائل وشرح الفاضل بنجاسة النواصب ، بل في جامع المقاصد والدلائل لا كلام في نجاستهم ، وفي شرح الاُستاذ: الظاهر أنّ نجاسة النواصب والغلات ـبل الخوارج ـ غير خلافية . انتهى . والحاصل : أنّه لا كلام لأحد في نجاسة الناصب فيما أجد، وإنّما الكلام في المراد منه . ففي الصحاح : نصبت لفلان نصبآ، إذا عاديته . وفي القاموس : النواصب والناصبية وأهل النصب المستدينون ببغضة عليّ  7؛ لأنّهم نصبوا له أي عادوه ، وفي المجمع : ما في الصحاح قال : ومنه الناصب ـوهو الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت  : أو لمواليهم لأجل متابعتهم لهم .
وزعم آخرون : أنّ الناصب من نصب العداوة لشيعتهم ، انتهى . ويدلّ عليه بعض الأخبار، وفي السرائر: أنّ الناصب من نصب العداوة لأهل الإيمان . وفي المعتبر: أنّ النواصب هم الخوارج ، قال : أمّا الخوارج فمن يقدحون في عليّ
 7، وقد علم من الدين تحريم ذلک ، فهم بهذا الاعتبار داخلون في الكفر لخروجهم عن الاجماع ، وهم المعنيون بالنصاب ، ومثله قال في المنتهى ، وهو ظاهر الشرائع والنافع ، وأسآر التحرير حيث اقتصر فيها على ذكر الخوارج والغلات ، والروض حيث قال : إن عطف الناصب على الكافر إمّا من عطف الخاصّ على العامّ ، أو يريد به كفّار المسلمين ، كمن أظهر البغضاء لأهل البيت  : صريحآ أو لزومآ، وفي النهاية الاكتفاء بالناصب على الكافر، وابن إدريس نزّل خبري (خذ مال الناصب ) على ناصب الحرب ، وفي جامع المقاصد: النواصب هم الذين نصبوا العداوة لأهل البيت  :، ولو نصبوا لشيعتهم ، لأنّهم يدينون بحبّهم فكذلک ، وفي النهاية للمصنّف ـالعلّامة الحلي ـ والتذكرة وحاشية الشرايع  : الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت  :، وقال الصدوق : لا يجوز التطهير بغسالة الحمّام لأنّ فيها غسالة اليهودي والمجوسي والمبغض لآل محمّد  9، وفي شرح المقداد: أنّ الناصب يطلق على خمسة أوجه : الخارجي القادح في عليّ  7. الثاني  : ما ينسب إلى أحدهم ما يسقط العدالة . الثالث : من ينكر فضيلتهم لو سمعها، الرابع : من اعتقد أفضلية ... على عليّ  7، الخامس : من أنكر... على عليّ  7 بعد سماعه أو وصوله إليه بوجه يصدّقه ، أمّا من أنكر الإجماع أو مصلحة فليس بناصب . فالذي تحصّل من كلامهم أنّ الناصب يطلق على معانٍ  :

أحدها: الخارجي ، الثاني : المبغض لأمير المؤمنين علي  7 على وجه التديّن به ، وذلک ما ذكره في القاموس ، وربّما رجع إلى الخارجي ، الثالث  :
المتظاهر بالبغض لا مطلق البغض ، كما في التذكرة والنهاية وغيرها، الرابع  : مطلق البغض لأهل البيت
 :. الخامس : المبغض لشيعتهم ، السادس : ناصب الحرب للمسلمين . والذي يظهر تيقّن الثلاثة الاُوَل ، وتحقّق معنى النصب فيها، ويشکّ في الباقي ، وكلام المتقدّمين ما عدا الصدوق خالٍ عن التنصيص على الناصب بمعنى المبغض ؛ لأنّ منهم من حكم بنجاسة المخالفين ، ومنهم من اقتصر على ذكر الكافر، ويعلم أنّ الذي يظهر من السير والتواريخ أنّ كثيرآ من ... في زمن النّبيّ  9 وبعده وأصحاب ... بل كافة أهل ... وأكثر أهل ... مكّة كانوا في أشدّ العداوة لأمير المؤمنين وذريته  :، مع أنّ مخالطتهم ومساورتهم لم تكن منكرة عند الشيعة أصلا، ولو سرّآ، ولعلّهم لاندراجهم فيمن أنكر إجماع أو مصلحة ، ولعلّ الأصحّ أنّ ذلک لمكان شدّة الحاجة لمخالطتهم ، ووفور التقيّة ، وقد حرّرنا ذلک في باب المكاسب ، والحاصل أنّ طهارتهم مقرونة إمّا بالتقيّة أو الحاجة ، وحيث ينتفيان ، فهم كافرون قطعآ.

أقول  : في دولة الحقّ وظهور صاحب الزمان  7 فإنّه يتعامل معهم معاملة الكفّار، وأمّا قبل الظهور لاختلال النظم والعسر والحرج من حيث لزوم المخالطة والمراودة والمعاشرة كما في أيّام الحجّ ، فإنّه يحكم بطهارتهم ، وما يترتّب عليها من أحكام شرعية اُخرى ، كصحة النكاح الدائم . كما إنّ الفرق الناجية في الدنيا والآخرة كما ثبت بالأدلّة العقلية والسمعية ، من الكتاب والسنّة ما عليه أصحابنا الأخيار، وأمّا الفرَق الاُخرى فهلاكها يوم القيامة[42] ، ويحشرون في زمرة الكفّار  


إذا وصل إليهم الحقّ وتخلّفوا عنه تعصّبآ أو تقليدآ لآبائهم ـهذا ما يستنبط من الأخبار الشريفة الواردة في المقام ـ فتدبّر.

ثمّ قال صاحب مفتاح الكرامة في حكم المجسّمة : وحكم في المبسوط والتحرير والمنتهى والدروس والبيان وجامع المقاصد وحاشية الشرائع والمسالک والدلائل بنجاسة المجسّمة ، وتعطيه عبارة الكتاب فيما سيأتي . وفي حاشية المقاصد والدلائل : لا كلام في نجاستهم . وفي شرح الاُستاذ: الظاهر أنّه لا خلاف فيه ، وفي نهاية الإحكام حكم الشيخ بنجاسة المجسمة ... وابن إدريس بنجاسة غير المؤمن . والوجه عندي الطهارة ، ومثل ذلک ذكر في التذكرة ، بل قال فيها : والأقرب طهارة غير الناصب ، لأنّ عليّآ  7 لم يجتنب سؤر من يأتيه من ... فقد حكم في الكتابين بالطهارة كما هو ظاهر المعتبر والذكرى ، وحكم في المبسوط والتحرير والمنتهى والبيان بنجاسة المشبّهة ، والمصنّف فيما يأتي حكم بطهارتهم ، وهو ظاهر المعتبر والتذكرة ونهاية الإحكام والذكرى ، وليعلم بأنّه قيّد في البيان  : المجسّمة والمشبّهة بالحقيقة ، قال الفاضل الهندي : يعني القائلون بأنّ الله تعالى جسم أو كخلقه في صفة ملزومة للحدث ، لا من يلزمهم ذلک ، وهم له منكرون ... أو يعني من قال بأنّه جسم حقيقة أي كسائر الأجسام في الحقيقة ، ولوازمها لا من يطلق عليه الجسم ويقول أنّه جسم لا كالأجسام ، فينتفي عنه جميع ما يقتضي الحدوث والافتقار والتحديد، وكذا من شبّهه بالحادثات حقيقة ، أي في الحقيقة ولوازمها المقتضية للحدوث والفقر والأمر كما قال ، ولعلّ إطلاق غيره منزل عليه ، انتهى . وفي جامع المقاصد والروض : أمّا المجسّمة فقسمان : بالحقيقة : وهم الذين يقولون أنّه تعالى شأنه جسم كالأجسام ، والمجسّمة بالتسمية المجرّدة : وهم القائلون بأنّه جسم كالأجسام . ثمّ قطع في الروض ـكما في المسالک ـ بنجاسة المجسّمة
بالحقيقة . قال في الروض : وإن تردّد فيه بعض الأصحاب ، وفي جامع المقاصد قال  : والأصحّ نجاسة الجميع ، وربما تردّد بعضهم في القسم الثاني ، انتهى . ويظهر من عباراتهم أنّ المشبهة هم المجسّمة وكلّ منهما يكون بالحقيقة والتسمية . والحاصل : أنّه في المبسوط والتحرير والمنتهى حكم بنجاستهم على الإطلاق ، وكذا الدروس في المجسّمة ، ولم يذكر المشبّهة ، وقد عرفت من قيد هذا، ونقل الاُستاذ أدام الله تعالى حراسته في تعليقه على الرجال أنّ المرتضى قال في الشافي  : وأمّا ما رمي به هشام بن الحكم من القول بالتجسيم ، فالظاهر من الحكاية عنه القول بأنّه جسم لا كالأجسام ، ولا خلاف في أنّ هذا القول ليس بتشبيه ، ولا ناقض لأصل ، ولا معترض على فرع ، وإنّه غلط في عبارة يرجع في نفيها وإثباتها إلى اللغة . وأكثر أصحابنا يقولون أنّه أورد ذلک على سبيل المعارضة للمعتزلة فقال لهم : إذا قلتم أنّ القديم شيء لا كالأشياء، فقولوا إنّه جسم لا كالأجسام
[43] .

 

وأمّا... فقد نصّ المصنّف فيما يأتي على طهارتهم ، وضعّف القول بنجاستهم في المعتبر والمنتهى ونهاية الإحكام والتذكرة والذكرى وجامع المقاصد وغيرها، وفي الكفاية : نقل الشهرة على القول بالطهارة ، وقوّاه . ويفهم من شرح الفاضل أنّ مذهب الشيخ في النجاسة قويّ؛ لأنّ تنجيس أهل ... أولى من تنجيس المجسّمة والمشبّهة ، بل أكثر الكفّار، لأنّ ... تستتبع إبطال النبوّات والتكاليف رأسآ. نعم ،
الحقّ أنّ الذين لا يعرفون حقيقة ... ليسوا من الناس في شيء، قال : ويدلّ على نجاستهم الأخبار الناصّة بكفرهم . انتهى كلامه رفع الله مقامه .

وقال العلّامة الحلي[44] : حكم الناصب حكم الكافر، لأنّه ينكر ما يعلم

من الدين ثبوته بالضرورة ، والغلاة أيضآ كذلک ، وهل المجسّمة والمشبّهة كذلک ؟ الأقرب المساواة لاعتقادهم أنّه تعالى جسم ، وقد ثبت أنّ كلّ جسم محدث .

أقول  : قد ذهب المشهور إلى نجاسة الخوارج وهم أهل النهروان ومن دان بمقالتهم ، والغلاة جمع غالٍ ، وهم الذين اعتقدوا باُلوهية أحد الأئمة الأطهار  : أو نحو ذلک ، والنواصب الذين نصبوا عداوة أهل البيت  : في قلوبهم ، واُلحق بهم بعض من نصب العدواة لشيعتهم لأنّهم يدينون بحبّهم ، والمجسّمة بالحقيقة الذين يعتقدون بأنّ الله جسم ، وأمّا المجسّمة بالتسمية المجرّدة فقد تردّد بعضهم في نجاستهم ، وأمّا نجاسة كلّ من خالف أهل الحقّ مطلقآ الذين يعبّر عنهم بالمخالفين فقد ذهب السيّد المرتضى إلى ذلک ، والمشهور على طهارتهم ، وأمّا نجاسة المجبّرة من أهل الخلاف فقد ذهب الشيخ إلى ذلک وهو ضعيف كما سيتّضح ذلک في المباحث الآتية .

وقال المحقّق الشيخ عبد النبي العراقي  1[45] : الكافر هو مقابل المسلم والمؤمن

تقابل التضاد أو السلب والإيجاب ـولكنّ السيّدين العلمين السيّد الحكيم في مستمسكه والسيّد الخوئي في التنقيح يذهبان إلى أنّه من الملكة وعدمها كما سنذكر ذلک في الخاتمة ـ فغيرهما كافر وله عرض عريض على حسب أصنافه ،
إذ ولو كان الكفر ملّة واحدة ، وقلنا غيرهما كافر لكنّ أصنافه كثيرة  :

1 ـ من إنكار الصانع عزّ اسمه ، كالدهري والطبيعي تارة .

2 ـ واعترافه ، لكنّ الله أعمى أبصارهم ، كعبدة البقرة والصنم والكواكب والاُمم الاُخرى .

3 ـ وبجعل الشريک له ، كالقائل بالنور والظلمة واليزدان والاهرمن ـأي المجوس ـ ثالثة .

4 ـ وبالاتحاد في صفاته ، كما يشير إليه الماتن في الجملة رابعة .

5 ـ وبإنكار النبوّة كلية ، كالبودائية والبراهمة خامسة .

6 ـ وبالتشكيک في النبيّ الثابت النبوّة ، سادسة .

7 ـ وبالإلحاد في صفاته ، سابعة .

8 ـ وبإنكار ولاية من له الولاية ، ثامنة .

9 ـ وبالإلحاد في صفاته ، تاسعة .

10 ـ وبإنكار ضروريّ ما جاء به الأنبياء أو نبيّ الإسلام ، عاشرة .

وإلى ما ذكرنا يشير الكلمات في ضابطة من خرج عن الإسلام وباينه ، أو انتحله وجحد ما يعلم ضرورته من الدين ، وهو بتمام أصنافه كافر... ثمّ يذكر المصنّف ما عنده من توضيح لهؤلاء الأصناف العشرة حسب ما يدّعيه في الصفحة 342، ويقول : والمراد بالكافر كما أشرنا في صدر المسألة : من كان غير المسلم وغير المؤمن والتقابل بينهما، قلنا تقابل التضادّ دون العدم والملكة ، وقد عرفت عدّدناهم إلى عشرة أصناف ، فمنهم من كان منكرآ للاُلوهية ومنكرآ للتوحيد وللرسالة العامّة أو الخاصّة أو ضروريآ من ضروريات الدين كالصلاة والصوم والحجّ وأمثال ذلک ، وهذا من مسلّمات المسلمين ، فضلا عن المؤمنين ، وإجماعات
الفريقين عليه فوق التواتر، بل إنّه من ضروريات الإسلام ، فلا يحتاج إلى دعوى تكاثر الإجماعات ، كما عن جماعة كثيرة من الفريقين ... نعم قد اختلف الأصحاب رضوان الله عليهم بأنّ إنكار الضروري هل هو سبب تامّ للكفر أم لا؟ وبعبارة اُخرى بعد الفراغ من أنّه موجب للكفر قد اختلفوا في أنّه بنحو الموضوعية أو لا، بل يكون بنحو الطريقيّة من جهة كشفه عن إنكار الرسالة الخاصّة والنبوّة الخاصة ، أي تكذيب النبيّ
 9، وعليه لا يكون بنفسه ـبما هو هوـ موجبآ للكفر، فإذا فرض هناک من ينكر الزكاة ولكن يعتقد بالنبوّة وما جاء به ، فلا يكون كافرآ، لكنّ هذا فيما لو لم يكن الإنكار لشبهة علمية طرأ عليه ، كالباطنية ، حيث يقولون الحجّ بفلان وفلان ، ولا يقولون ما يقوله المسلمون ، أو كان قريب العهد بالإسلام أو غير ذلک ، فهذا خارج عن الفرض في كلية مقامات الكفر... وكيف كان في مسألة إنكار الضروري خلاف بين الأصحاب من حيث الموضوعية أو الطريقية ، ففي المسألة وجهان ، بل قولان ، لكنّ الحقّ الذي لا سبيل إلى إنكاره ، كما عليه المشهور، هو أنّه بنفسه سبب مستقلّ للكفر، سواءً كان كاشفآ من إنكار الرسالة أم لا؟ ثم يذكر المصنّف وجوهآ ركيكة ، والحقّ كما عند محقّقي المتأخرين من فقهائنا الأعلام : أنّ إنكار الضروري إنّما يوجب الكفر والنجاسة فيما لو كان يعود إلى تكذيب النبيّ وإنكار رسالته ، فتأمل ، كما سنذكر ذلک من خلال المباحث الآتية إن شاء الله تعالى . ثم يذكر المؤلّف الروايات الدالّة على أنّ الإنكار يوجب الكفر ويدّعي إنّها تدلّ على مجرّد الإنكار من دون الكشف ، ثمّ يقول : ثمّ من البديهي اختلافه بالقياس إلى أفراد المكلّفين ، فإنّ إنكار الضروري تارةً يكون : من جهة قرب العهد بالإسلام ، واُخرى : يكون من جهة نشوّه في بلاد الكفرة الفجرة ، وثالثة : يكون من جهة شبهات علمية ، ورابعة : يكون من جهة قصوره في نفسه
من معرفة الحقائق كالضعفاء والعجائز وسائر أصناف القصّر، ولهذا إنّ الشيخ الأنصاري
 1 فرّق بين القاصر والمقصّر، فالقاصر هو الذي حكمت الآية الكريمة بمعذوريته في تمام الأديان والمذاهب ، نعم لا خصيصة بالعالم ، إذ إجماع أصحابنا ـبل العقل والنقل ـ قائم بأنّ المقصّر في حكم العالم (المتعمّد)، وخامسة  : عن اضطرار عقليّ، وسادسة : يكون عن اضطرار شرعي كالتقيّة وأمثالها، فكلّ تلک الفرق لا يوجب الكفر أبدآ، فيكون الإنكار منحصرآ بالعالم الذي عرفته أنّ المقصّر في حكمه ، وما ذكرنا هو معيار الكفر بدون الفرق بين اُصول الدين وفروعه في دين الإسلام وغيره .

أقول  : كلامه هذا كلّه قابل للنّقاش ، فإنّ إنكار المسلم ما جاء في المسيحية لا يخرجه مطلقآ إلى الكفر، إلّا إذا كان ذلک يستلزم إنكار الرسالة ، وأمّا الفرق بين القاصر والمقصّر فقد أجاب عنه سيّدنا الحكيم في مستمسكه ، فراجع ، وإنّما تعرّضنا إلى مقولة الشيخ العراقي ، لأنّ هناک من يذهب إلى مسلكه ، والمقصود عرض الأفكار وتضارب الآراء حتّى يعلم الصواب ، ونعرف الحقّ الحقيق ، وبالله التوفيق .

 

عودٌ على بدء :

 

ثمّ ، الإسلام العظيم لكي لا يضلّ معتنقيه وينحرفوا عن الصواب ، بل يعرفون الحقّ وأهله ، وما هو الصحيح السالم ، أعطى لكلّ شيء علامات وصفات ، فإنّ الآيات القرآنية والروايات النبويّة والولوية ، تذكر علائم الصحيح والسقيم ، ومميّزات الحقّ والباطل ، وصفات الشرّ والخير، وتعطي الموازين الحقيقيّة لمن يريد
الهداية ، ويبغي الرشد في حياته العلميّة والعمليّة ، فما نحن فيه نرى الله سبحانه ورسوله وعترته الطاهرين
 : يذكرون صفات المؤمن والكافر والمنافق والمشرک ، كما مرّت الإشارة إلى جملة منها. ومن علائم الكافر كما قال سبحانه  :

(وَالَّذينَ كَفَروا أوْلِياؤهُمُ الطَّاغوتُ يُخْرِجونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلى الظِّلُماتِ )[46] .

 

(وَالَّذينَ كَفَروا أعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَمْآنُ ماءً)[47] .

 

(وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعيدآ)[48] .

 

(وَالكافِرونَ هُمُ الظَّالِمونَ )[49] .

 

ثمّ ، كما علم أنّ هناک فرق بين الكفر والشرک ، وقد ورد في الروايات أنّ الكفر أقدم من الشرک ، قال الإمام الباقر  7: «والله إنّ الكفر لأقدم من الشرک ، وأخبث وأعظم (ثم ذكر كفر إبليس حين قال الله له : (وَإذْ قُلـْنا لِلـْمَلائِكَةِ آسْجُدوا لآدَمَ فَسَجَدوا إلّا إبْليسَ أبى وَآسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الكافِرينَ )[50] )، فالكفر أعظم

من الشرک ، فمن اختار على الله عزّ وجلّ ، وأبى الطاعة ، وأقام على الكبائر، فهو كافر، ومن نصب دينآ غير دين المؤمنين فهو مشرک »[51] .

 



وكذلک ورد هذا المعنى عن الإمام الصادق  7[52]  والإمام الكاظم  7[53] .

 

 

أقول  : زبدة الكلام في هذا المقام : أنّ الإسلام الذي يوجب حرمة دم المسلم وعرضه وماله ويجري عليه أحكام الإسلام ، إنّما يتمّ بقول الشهادتين ، والكافر الذي يقابل من أنكرهما أو أحدهما ـأي إنكار الاُلوهية أو إنكار الرسالة ـ فلا يجوز له النكاح من مسلمة ، كما أنّ ماله غير محترم لو كان حربيّآ، فالذي يوجب حرمة المسلم هو قول الشهادتين وإحرازه ، وإن شکّ في اعتقاده القلبي بذلک . ويستفاد هذا المعنى من الروايات ـكما جاء في الكافي :2 24، الباب 14، باب ما تؤدّى به الأمانة ) وما تمّ سندآ ودلالة الرواية الثالثة ، وهي صحيحة جميل بن درّاج .

علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن جميل بن درّاج ، قال  : سألت أبا عبد الله  7 عن قول الله عزّ وجلّ : (قالَتِ الأعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنوا وَلـكِنْ قولوا أسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخِلِ الإيمانُ في قُلوبِكُمْ )[54] ،  فقال لي : ألا ترى أنّ الإيمان

غير الإسلام .

فالمعتقدات القلبية إنّما ترتبط بمفهوم الإيمان وليس هو الإسلام ، كما دلّت عليه رواية سماعة ، وهو من الثقات وإن كان واقفيّ المذهب[55] ، في حديث  :

 

قال  7: الإسلام شهادة أن لا إله إلّا الله، والتصديق برسول الله، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس ... الحديث .


وروايات اُخرى في هذا الباب ـفراجع ـ، فمن لم يقل بالشهادتين فهو كافر، ومن قالها ـوإن علم من قلبه خلافهاـ فهو مسلم .

وما يقال من إنكار الربوبية فمورده قسمان : فتارةً كافر من أبوين وأراد الإسلام ، فإسلامه بإظهار الشهادتين ، وإن علم خلاف ذلک من قلبه ، فإنّ النبيّ وربّ العالمين ، يعلمان ما في قلوب الأعراب ، فقالوا آمنا فأنكر عليهم بأنّهم أسلموا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم ، ومن كان من أبوين مسلمين فلا داعي إلى الاعتراف وقول الشهادتين ، فكفره فيما لو أنكر الصانع سبحانه ، أو أنكر النبوّة ونبوّة نبيّنا الأكرم محمّد  9، وكفر الأوّل عدم الاعتراف بالشهادتين ، وهذا ما يستفاد من الروايات الشريفة ، فتدبّر. ثمّ ، مجرّد قول الشهادتين وإن لم يؤمن بقلبه إنّما ينفعه في الدنيا من حفظ ماله وعرضه ودمه ، ولا ثمرة اُخروية له ، فإنّ ما ينفع في الآخرة إنّما هو الإيمان القلبي ، ولا بد من تحصيل العلم به ، ثمّ الاعتقاد بالمعاد، إنّما هو مقوّم الإيمان وليس من الإسلام .

ويحكم بالكفر من أنكر ضروريآ من ضروريات الدين الإسلامي الحنيف ، سواء ما يتعلّق باُصول الدين أو فروعه ، وهو ما اتّفق على ضروريّته جميع المسلمين ، بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار النبوّة ، كإنكاره الصلاة ، فيلزمه الكفر، إذ يلزمه تكذيب النبي وإنكاره .

وإذا كان إنكاره الضروري لا يرجع إلى إنكار النبوّة ، فقد اختلف الفقهاء في ذلک . فقيل : كفره يكون كالناصبي من الكفر التعبّدي ـبمعنى أنّه خلاف القاعدة التي مرّت في الإسلام والكفر من قول الشهادتين وعدم الاعتراف بهاـ فيحكم بكفره تعبّدآ، وإن لم يرجع إلى إنكار النبوّة لجهل قصوري مثلا.

ولا بدّ لنا أن نستنبط هذا الكفر التعبّدي من لسان الروايات الشريفة ،
فمنها : صحيحة داود بن كثير
[56] : وعن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد،

عن الحسن بن محبوب ، عن داود بن كثير الرقي ، قال : قلت لأبي عبد الله  7 سنن رسول الله  9 كفرائض الله عزّ وجلّ ؟ فقال : إنّ الله عزّ وجلّ فرض فرائض موجبات على العباد، فمن ترک فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافرآ، وأمر رسول الله باُمور كلّها حسنة ، فليس من ترک بعض ما أمر الله عزّ وجلّ به عباده من الطاعة بكافر، ولكنّه تارک للفضل ، منقوص من الخير.

والكفر على قسمين : كفر أصلي اعتقادي ، وهو المقصود من هذه الرسالة في نجاسة الكفّار أو طهارتهم ، وكفر عملي كما في آية الحجّ ؛ فإنّ من كان مستطيعآ وتركه ، فقد ذهب من يده خيرآ، ولا يجري عليه أحكام الكافر.

ومن ترک فريضة وجحدها وأنكرها، فهذا من الكفر الجحودي الإعتقادي ، أي من القسم الأوّل .

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان[57] : وعنه ، عن محمّد بن عيسى ،

عن يونس ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عن الرجل يرتكب الكبيرة فيموت ، هل يخرجه ذلک من الإسلام ، وإن عذّب كان عذابه كعذاب المشركين ، أم له مدّة وانقطاع ؟ فقال : من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنّها حلال ، أخرجه ذلک من الإسلام وعُذِّب أشدّ العذاب ... إلى آخر الحديث .

يستفاد منها: أنّ منكر الضروري في نفسه يوجب الكفر.

ومنها : رواية ابن فضيل ، وسندها غير تامّ ، فإنّه لم يعلم من هو، إذ أنّه
مشترک بين المعدّل والمجروح ، واستظهر البعض أنّه الثقة ، إلّا أنّ الاستظهار غير تامّ ـكما هو ثابت في محلّه ـ ويستدلّ بها على أنّ إنكار الضروري يوجب الكفر، وهي  : وعنه ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي جعفر
 7، قال : قيل لأمير المؤمنين  7: من شهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدآ رسول الله كان مؤمنآ؟ قال : فأين فرائض الله؟ إلى أن قال : ثمّ قال : فما بال من جحد الفرائض كان كافرآ.

ومنها : رواية الوسائل[58] ، وفي كتاب التوحيد: عن محمّد بن الحسن بن أحمد

ابن الوليد، بسنده عن أبي عبد الله  7، في حديث : قال : الإسلام قبل الإيمان ، وهو يشارک الإيمان ، فإذا أتى العبد بكبيرةٍ من كبائر المعاصي ، أو صغيرةٍ من صغائر المعاصي التي نهى الله عنها، كان خارجآ من الإيمان وثابتآ عليه اسم الإسلام ، فإن تاب واستغفر عاد إلى الإيمان ، ولم يخرجه إلى الكفر والجحود والاستحلال ، وإذا قال لحلال : هذا حرام ، وللحرام : هذا حلال ، ودان بذلک ، فعندها يكون خارجآ من الإيمان والإسلام إلى الكفر، ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن العباس بن معروف ، مثله .

وهناک روايات اُخرى قابلة للخدشة في دلالتها، أو أنّ سندها غير تامّ لم نتعرّض لها طلبآ للاختصار.

وأما الروايات التي أسلفناها، فقيل : لا يتمّ الاستدلال بظاهرها، فإنّه ربما مجتهد فاضل وفقيه ورع ، يفتي بجواز صنع مجسّمة ، وعند الآخرين يحرم ذلک وإنّها كبيرة ، فبناءً على رواية ابن سنان يلزم أن يحكم بكفر هذا المجتهد ومقلّديه ،
ولا يصحّ مثل هذه المقولة أبدآ، وحينئذٍ لا بدّ من قيد في إطلاق الروايات ، وذلک أن يقال : إنّما يحكم بكفره مع علمه بحرمته ، فمن زعم أنّه حلال لاجتهاد، فإنّه لا يحكم بكفره ، ولا يصدق عليه أنّه أنكر ضروري من ضروريات الدين ، أو يقيّد الإنكار برجوعه إلى إنكار النبيّ وتكذيب الرسالة ، وحينئذٍ لا فرق في ارتكاب الكبيرة أن يكون من إنكار الضروري أو غيره .

ثمّ لو قيّد بالضروري ـسواء الاعتقادي أو الحكم العملي ـ فإنّه ينتج أنّ العلم والجهل لا أثر لهما، وإن قلنا بقيد العلم ، فلا أثر للضروري ، فالقيدان متباينان ولا بدّ من أحدهما، فيلزم أن تكون روايات المقام مجملة ـكما أشار إلى ذلک السيّد الحكيم في مستمسكه ، والمحقّق الهمداني في طهارته ـ ولكن لا بدّ لنا من قيد العلم ، فإنّ في بعضها ـوهي رواية فضيل ـ كلمة (جحد)، وهو لغةً : إنكار الشيء مع العلم به ، كما في قوله تعالى : (وَجَحَدوا بِها وَآسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ )[59] .

 

إلّا أنّ كلمة الجحد لم تكن في صحيحة عبد الله بن سنان ، فيلزم إجمال الروايات ، وسيّدنا الخوئي  1 في تنقيحه أشكل على ذلک بأنّ لنا علم إجمالي بأحد القيدين المتباينين ، إلّا أنّه هذا غير تامّ ؛ فإنّ لنا احتمال آخر وهو القدر المتيقّن ، وذلک كالمجتهد الذي يفتي حسب اجتهاده بحليّة صنع المجسّمة ، فإنّه خارج عن الروايات قطعآ بالعلم التفصيلي ، وكذا من كان إنكاره عن حجّة ولو جهلا، كالجاهل القاصر، كمن أسلم عن جديد، فإنّه ربما ينكر ضروريآ لكونه كان مألوفآ عنده ارتكاب ذلک كشرب الخمر، فإنّه خارج عن الروايات ، وما بقي فإنّه يتمسّک بإطلاق صحيحة عبد الله بن سنان ، فيحكم حتّى في الجاهل المقصّر، فالمتيقّن
خروجه برفع اليد عن الاطلاق ، وأمّا باقي الموارد والمصاديق فإنّه يدخل تحت المطلق ، إلّا أنّه يشكل الالتزام بذلک ، فإنّه كيف يحكم على الجاهل المقصّر أنّه من الكافرين ؟ أيّ ملاک لنا على ذلک ؟! نعم نجيب عن الروايات بأنّ الكفر يطلق على ثلاث معانٍ  :

1 ـ كفر يقابل الإسلام ، وهو الذي مرّ الكلام فيه ، فالإسلام عبارة عن قول الشهادتين .

2 ـ وكفر يقابل الإيمان الذي مستقرّه القلوب ، كالإيمان بالمعاد وبكلّ ما أنزله الله سبحانه ، وجاء به النبي الأكرم  9، فإنّ ذلک يحقّق الإيمان ويثبته أو من لوازمه ، ولا يصحّ منه أن يؤمن ببعضٍ ويكفر ببعض .

3 ـ وكفر يقابل الطاعة ، كما في قوله تعالى في آية الحجّ : (وَمَنْ كَفَرَ فَإنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمينَ )[60]  وهو الذي نسميّه بالكفر العملي ـكما مرّ تفصيل ذلک ـ والكفر

في هذه الروايات كفر يقابل الإيمان لا الإسلام الذي نتحدّث عنه ، وهو موضوع بحثنا، (من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنّها حلال ـولو في قلبه ـ فلا يضرّ بإسلامه ولكن يضرّ بإيمانه ـولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم ، وهم المنافقون ـ) فالذي نلتزمه أنّ الإنكار إذا كان بنحوٍ يرجع إلى إنكار الرسالة فإنّه يوجب الكفر الذي يقابل الإسلام ، فإنّ الإسلام هو القول بالوحدانية والرسالة والاعتراف بهما، والكفر بخلاف ذلک ، ومثل هذا الكافر يحكم بنجاسته .

ولكي اُلخّص هذه المقدّمة ، حبّذا أن أذكر ما جاء في الوافي[61]  للمحقّق المحدّث



الفيض الكاشاني ، وذلک لما فيه من الفوائد، وتقاسيم اُخرى للكفر، مستلهمآ ذلک ممّا جاء في الآيات والروايات .

قال المحقّق الفيض الكاشاني  1 في بيان ما جاء في الكافي بسنده عن سلام الجعفي ، قال : سألت أبا عبد الله  7 عن الإيمان ؟ فقال : الإيمان أن يُطاع الله فلا يعصى .

فقال في بيانه : هذا مجمل القول في الإيمان ، وتفصّله الأخبار الآتية بعض التفصيل ، وأمّا الضابط الكلّي الذي يحيط بحدوده ومراتبه ، ويعرّفه حقّ التعريف ، فهو ما سنح لي بيانه في بعض مؤلفاتي من قبل هذا بنحو من عشرين سنة باستفادةٍ من محكمات القرآن وبعض الأخبار، ولا بأس بإيراد محصّله ها هنا ملخّصآ، فنقول وبالله التوفيق : الإيمان الكامل الخالص المنتهي تمامه ، هو التسليم لله تعالى ، والتصديق بجميع ما جاء به النبيّ  9 لسانآ وقلبآ، على بصيرة ، مع امتثال جميع الأوامر والنواهي كما هي ، وذلک إنّما يمكن تحقّقه بعد بلوغ الدعوة النبويّة إليه في جميع الاُمور.

أمّا من لم تصل إليه الدعوة في جميع الاُمور أو في بعضها، لعدم سماعه أو عدم فهمه ، فهو ضالّ أو مستضعف ، ليس بكافر ولا مؤمن ، وهو أهون الناس عذابآ، بل أكثر هؤلاء لا يرون عذابآ، وإليهم الإشارة بقوله سبحانه  :

(إلّا المُسْتَضْعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالوِلْدانِ لا يَسْتَطيعونَ حيلَةً وَلا يَهْتَدونَ سَبيلا)[62] .

 

ومن وصلت إليه الدعوة فلم يسلم ولم يصدّق ولو ببعضها، إمّا لاستكبار
وعلوّ، أو لتقليدٍ للأسلاف وتعصّبٍ لهم ، أو غير ذلک ، فهو كافر بحسبه ، أي بقدر

عدم تسليمه وترک تصديقه كفر جحود، وعذابه عظيم على حسب جحوده ، وإليهم الإشارة بقوله سبحانه  :

(إنَّ الَّذينَ كَفَروا سَواءٌ عَلَيْهِمْ ءأنْذَرْتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنونَ * خَتَمَ اللهُ عَلى قُلوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظيمٌ )[63] .

 

ومن وصلت إليه الدعوة فصدّقها بلسانه وظاهره لعصمة ماله أو دمه أو غير ذلک من الأغراض ، وأنكرها بقلبه وباطنه لعدم اعتقاده بها، فهو كافر كفر نفاق ، وهو أشدّهم عذابآ، وعذابه أليم بقدر نفاقه ، وإليه الإشارة بقوله سبحانه  :

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقولُ آمَنَّا بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وِما هُمْ بِمُؤْمِنينَ * يُخادِعونَ اللهَ وَالَّذينَ آمَنوا وَما يَخْدَعونَ إلّا أنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرونَ * في قُلوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضآ وَلَهُمْ عَذابٌ أليمٌ بِما كانوا يَكْذِبونَ ) ـإلى قوله تعالى ـ (إنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ)[64] .

 

ومن وصلت إليه الدعوة فاعتقدها بقلبه وباطنه ، لظهور حقّيتها لديه ، وجحدها أو بعضها بلسانه ، ولم يعترف بها حسدآ وبغيآ وعتوّآ وعلوّآ، أو تقليدآ وتعصّبآ أو غير ذلک ، فهو كافر كفر تهوّد، وعذابه قريب من عذاب المنافق ، وإليهم الإشارة بقوله عزّ وجلّ  :

(الَّذينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْرِفونَهُ كَما يَعْرِفونَ أبْناءَهُمْ وَإنَّ فَريقآ مِنْهُمْ لَيَكْتُمونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمونَ )[65] ، وقوله  :

 



(فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفوا كَفَروا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلى الكافِرينَ )[66] ، وقوله  :

 

(إنَّ الَّذينَ يَكْتُمونَ ما اُنْزِلَ مِنَ البَيِّناتِ وَالهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلْناسِ في الكِتابِ اُولـئِکَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللّاعِنونَ )[67] ، وقوله  :

 

(وَيَقولونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُريدونَ أنْ يَتَّخِذوا بَيْنَ ذلِکَ سَبيلا اُولـئِکَ هُمُ الكافِرونَ حَقّآ)[68] ، وقوله  :

 

(أفَتُؤْمِنونَ بِبَعْضِ الكِتابِ وَتَكْفُرونَ بِبَعْضٍ ) ـإلى قوله ـ: (أشَدِّ العَذابِ )[69] .

 

ومن وصلت إليه الدعوة فصدّقها بلسانه وقلبه ، ولكن لا يكون على بصيرة من دينه ، إمّا لسوء فهمه مع استبداده بالرأي ، وعدم تابعيّته للإمام ، أو نائبه المقتفي أثره حقآ، وإمّا لتقليد وتعصّب للاباء والأسلاف المستبدّين بآرائهم ، مع سوء أفهامهم ، أو غير ذلک ، فهو كافر كفر ضلالة ، وعذابه على قدر ضلالته وقدر ما يضلّ فيه من أمر الدين ، وإليهم الإشارة بقوله عزّ وجلّ  :

(يا أهْلَ الكِتابِ لا تَغْلوا في دينِكُمْ وَلا تَقولوا عَلى اللهِ إلّا الحَقَّ )[70]  حيث قالوا :

عزير ابن الله، أو المسيح ابن الله، وبقوله تعالى  :

(يا أيُّها الَّذينَ آمَنوا لا تُحَرِّموا طيِّباتِ ما أحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدوا إنَّ اللهَ
لا
يُحِبُّ المُعْتَدينَ )[71] ، وبقول نبيّنا  9: اتّخذوا الناس رؤساء جهّالا، فسُئلوا،

فأفتوا بغير علم ، فضلّوا وأضلّوا.

ومن وصلت إليه الدعوة فصدّقها بلسانه وقلبه على بصيرةٍ واتّباع للإمام أو نائبه الحقّ ، إلّا أنّه لم يمتثل جميع الأوامر والنواهي ، بل أتى ببعضٍ دون بعض بعد أن اعترف بقبح ما يفعله ، ولكن لغلبة نفسه وهواه عليه ، فهو فاسقٌ عاصٍ ، والفسق لا ينافي أصل الإيمان ، ولكن ينافي كماله ، وقد يطلق عليه الكفر وعدم الإيمان أيضآ، إذا ترک كبار الفرائض ، أو أتى بكبار المعاصي ، كما في قوله عزّ وجلّ : (وَللهِ عَلى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ آسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمينَ )[72] ، وقول النبيّ  9: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ،

وذلک لأنّ إيمان مثل هذا لا يدفع عنه أصل العذاب ودخول النار، وإن دفع عنه الخلود فيها، فحيث لا يفيده في جميع الأحوال ، فكأنّه مفقود. والتحقيق فيه  : أنّ المتروک إن كان أحد الاُصول الخمسة التي بُني الإسلام عليها، أو المأتيّ به إحدى الكبائر من المنهيّات ، فصاحبه خارج عن أصل الإيمان أيضآ ما لم يتب ، أو لم يحدّث نفسه بتوبة ؛ لعدم اجتماع ذلک مع التصديق القلبي ، فهو كافر كفر استخفاف ، وعليه يحمل ما روي من دخول العمل في أصل الإيمان .

روى ابن أبي شعبة عن الصادق  7، في حديث طويل ، أنّه قال  : لا يخرج المؤمن من صفة الإيمان إلّا بترک ما استحق أن يكون به مؤمنآ، وإنّما استوجب واستحقّ اسم الإيمان ومعناه بأداء كبار الفرائض موصولة ،
وترک كبار المعاصي واجتنابها، وإن ترک صغار الطاعة وارتكب صغار المعاصي ،

فليس بخارجٍ من الإيمان ، ولا تارکٍ له ما لم يترک شيئآ من كبار الطاعة ، وارتكاب شيءٍ من كبار المعاصي ، فما لم يفعل ذلک فهو مؤمن ، يقول الله: (إنْ تَجْتَنِبوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفَّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَريمآ)[73] ، يعني مغفرة ما دون

الكبائر، فإن هو ارتكب كبيرة من كبائر المعاصي كان مأخوذآ بجميع المعاصي صغارها وكبارها، معاقبآ عليها، معذّبآ بها. إلى هنا كلام الصادق  7.

إذا عرفت هذا فأعلم أنّ كلّ من جهل أمرآ من اُمور دينه بالجهل البسيط فقد نقص إيمانه بقدر ذلک الجهل ، وكلّ من أنكر حقّآ واجب التصديق لاستكبار أو هوىً أو تقليد أو تعصّب ، فله عرق من كفر الجحود، وكلّ من أظهر بلسانه ما لم يعتقد بباطنه وقلبه ، بغير غرض ديني كالتقيّة في محلّها ونحو ذلک ، أو عمل عملا اُخرويآ لغرض دنيوي ، فله عرق من النفاق ، وكلّ من كتم حقآ بعد عرفانه ، أو أنكر ما لم يوافق هواه وقبل ما يوافقه ، فله عرق من التهوّد، وكلّ من استبدّ برأيه ولم يتبع إمام زمانه ، أو نائبه الحقّ ، أو من هو أعلم منه في أمر من الاُمور الدينيّة ، فله عرق من الضلالة ، وكلّ من أتى حرامآ أو شبهة ، أو توانى في طاعة مصرّآ على ذلک ، فله عرق من الفسوق ، فإن كان ذلک ترک كبير فريضة أو إتيان كبير معصية ، فله عرق من كفر الاستخفاف .

ومن أسلم وجهه لله في جميع الاُمور من غير غرض وهوى ، واتّبع إمام زمانه أو نائبه الحقّ ، آتيآ بجميع أوامر الله ونواهيه من غير توانٍ ولا مداهنة ، فإذا أذنب ذنبآ استغفر من قريب وتاب ، أو زلّت قدمه استقام وأناب ، فهو المؤمن الكامل الممتحن ، ودينه هو الدين الخالص ، وهو الشيعي حقّآ والخاصّي صدقآ، اُولئک
أصحاب أمير المؤمنين
 7، بل هو من أهل البيت  : إذا كان عالمآ بأمرهم ،

محتملا سرّهم ، كما قالوا: «سلمان منّا أهل البيت ». انتهى كلامه رفع الله مقامه[74] .

              

وبهذا وقفنا ولو إجمالا على المعنى اللغوي والاصطلاحي للكفر وما يقابله ، وقد ركّزنا على المصطلح القرآني والروائي ، ولا بأس أن نذكر ما جاء في المصطلح الفقهي من خلال مصنّفات ومؤلّفات فقهائنا الكرام ، فإنّه قد اُخذ من الكتاب والسنّة على نحو التحديد وبيان المصاديق أو من النقل المألوف من العامّ إلى الخاصّ ، فتأمّل .


 



[1] ()  المصباح المنير: 535.

[2] ()  تاج العروس :3 535.

[3] ()  هذه المعاني خلاصة ما جاء في كتب اللغة نقلتها من الكتب التالية : لسان العرب  :5144ـ151، والنهاية لابن الأثير :4 185، ومجمع البحرين للطريحي :3 474، وأقربالموارد :3 364، والمصباح المنير: 535، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن للراغب : 451،ومعجم مقاييس اللغة :5 191.

[4] ()  الإسراء: 99.

[5] ()  الفتح : 29.

[6] ()  الإنسان : 3.

[7] ()  الحديد: 20.

[8] ()  البقرة : 6.

[9] ()  البقرة : 89.

[10] ()  إبراهيم : 22.

[11] ()  لقمان : 12.

[12] ()  مفردات الراغب : 451.

[13] ()  فروق اللغات : 198.

[14] ()  الجاثية : 24.

[15] ()  البقرة : 78.

[16] ()  البقرة : 6.

[17] ()  النمل : 14.

[18] ()  البقرة : 89.

[19] ()  البقرة : 84.

[20] () و(3)  البقرة : 85.

[22] ()  الممتحنة : 4.

[23] () و(6)  العنكبوت : 25.

[25] ()  النمل : 40.

[26] ()  البقرة : 152.

[27] ()  المائدة : 72.

[28] ()  يوسف : 106.

[29] ()  التوبة : 31.

[30] ()  الإسراء: 64.

[31] ()  الكهف : 110.

[32] ()  بحار الأنوار :69 100.وهناک تقسيم ثنائي للشرک ، فإنّه تارةً يسمّى بشرک العبادة بأن يعبد غير الله من صنمأوكوكب أو إنسان أو غير ذلک ، ويسمّى بالشرک الجلي أيضآ، وأُخرى أن يطيع غير اللهفيمالايرضى الله من هوىً أو شيطان أو إنسان أو غير ذلک ، ويسمّى بشرک الطاعة ،وكذلک الشرک الخفيّ، كما في قوله تعالى : (وَما يُؤمِنُ أكْثَرُهُمْ إلّا وَهُمْ مُشْرِكون )(يوسف 106:) فإنّه سبحانه نسبهم إلى الإيمان مع أنّه أثبت لهم الشرک ، والطائفيّة والقوميّةوالتحزّب وما شابه ذلک كعمل الرياء والكذب ، إنّما هو من الشرک الخفي لو صدر من المؤمنبالله سبحانه وربما يقال ـكما ذهب إليه الفيض الكاشاني في (الوافي :3 183، طبع مكتبةأميرالمؤمنين  7 ـ اصفهان ): إنّ شرک الطاعة لاستلزامه معصية الله عزّ وجلّ يرجع إلىشرک العبادة ، ولذا اُطلق اسم الشرک عليه ، وذلک لأنّ كلّ من أطاع مخلوقآ في معصية الخالقفقد عبده ، وكلّ من عبد غير الخالق فقد عبد هواه ، كما قال الله سبحانه : (أفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَإلهَهُ هَواهُ ) (الجاثية : 23) ومن عبد هواه فقد عبد الشيطان كما قال عزّ وجلّ : (ألَمْ أعْهَدْإلَيْكُمْ يا بَني آدَمَ ألّا تَعْبُدوا الشَّيْطان ) (يس : 60). وتمام الكلام في هذا المقام يأتي من بابوجوه الشرک إن شاء الله. انتهى كلامه رفع الله مقامه .وفي الحديث الشريف عن الإمام الصادق  7 (الكافي :2 397) في ذيل الآية الشريفةقال : (يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرک ).وفي آخر عنه  7، قال : (شرک طاعة وليس بشرک عبادة ).

[33] ()  مجمع البحرين :3 475، والكافي :2 389.

[34] ()  الوسائل :1 23، الباب 2 من مقدّمة العبادات ، الحديث 12. وقريب منه ما جاء في الكافي:2 398 عن أبي عبد الله  7، قال : سمعته يقول : اُمر الناس بمعرفتنا والردّ إلينا والتسليم لنا،ثمّ قال وإن صاموا وصلّوا أو شهدوا أن لا إله إلّا الله وجعلوا في أنفسهم أن لا يردّوا إليناكانوابذلک مشركين . وروايات اُخرى في الباب ، فراجع .

[35] ()  الأنفال : 58.

[36] ()  النور: 7.

[37] ()  مريم : 54.

[38] ()  بحار الأنوار :69 108، عن الكافي :2 290.

[39] ()  من كتابنا «القصاص على ضوء القرآن والسنّة » :1 259، مطبوع ، فراجع .

[40] ()  القصاص على ضوء القرآن والسّنة :1 262.

[41] ()  :1 144.

[42] ()  لقد شرحنا هذا المعنى بالتفصيل في كتابينا «عقائد المؤمنين » و«التقيّة بين الأعلام »،وهمامطبوعان ، فراجع .

[43] ()  لقد ذكرنا تفصيل هذا الإشكال وجوابه في كتابنا «دروس اليقين في معرفة اُصول الدين »وهو مطبوع ، فراجع . كما تعرّضنا لذلک في كتابي «بداية الفكر في شرح الباب الحادي عشر»و«القول الحميد في شرح التجريد»، وهما مخطوطان .

[44] ()  المنتهى :1 168.

[45] ()  المعالم الزلفى في شرح العروة الوثقى :1 335.

[46] ()  البقرة : 257.

[47] ()  النور: 39.

[48] ()  النساء: 136.

[49] ()  البقرة : 254.

[50] ()  البقرة : 34.

[51] ()  الكافي :2 384.

[52] ()  البحار :72 96.

[53] ()  المصدر: 97، والكافي :2 385.

[54] ()  الحجرات : 14.

[55] ()  الكافي :2 25، وكذلک الوافي :3 77.

[56] ()  الوسائل ، الجزء 1، الباب 2 من مقدّمات العبادة ، الحديث 2.

[57] ()  المصدر، الحديث 10 و11، عن مسعدة بن صدقة ، فراجع .

[58] ()  المصدر: 25، الحديث 18.

[59] ()  النمل : 14.

[60] ()  آل عمران : 97.

[61] ()  الوافي :3 99.

[62] ()  النساء: 97.

[63] ()  البقرة : 6 ـ 7.

[64] ()  البقرة : 8 ـ 20.

[65] ()  البقرة : 146.

[66] ()  البقرة : 89.

[67] ()  البقرة : 159.

[68] ()  النساء: 150 ـ 151.

[69] ()  البقرة : 85.

[70] ()  النساء: 171.

[71] ()  المائدة : 87.

[72] ()  آل عمران : 97.

[73] ()  النساء: 31.

[74] ()  خلاصة الكلام : أنّ كلّ غير مسلم كافر، أعمّ من أن يكون ذا ديانة أم لا، وسواء كانت هذهالديانة سماوية ـكاليهودية والمسيحية ـ أم غيرها، وسواء كانوا بالأصل أو بالعارض ، كالمرتدّالمليّ أو الفطري . والكفّار بالنسبة للمسلمين إمّا أن يكونوا ذا عهد وذمّة أو مستأمنين أوحربيّين ، فالمعاهد هو الذي عقد عهد مع المسلمين على شرائط الذمّة كما في الفقه ، والمستأمنمن دخل دار الإسلام من الكفّار بأمان في تجارة أو رسالة أو حاجة وغيرها، والحربي منيسكن دار الحرب مقاطعآ للمسلمين فدمه وماله مباح لهم . ثمّ هناک ألفاظ اُخرى تطلق ويرادبها معنى الكفّار ولو من وجه ، كالمشركين والزنادقة والملحدين أعداء الله والرسول والإسلام ،وأمّا من كان مسلمآ ثمّ انحرف عن الخطّ الصحيح والصراط المستقيم فهل هم من الكفّار واقعآأو بحكمهم كالمارقين والناكثين والقاسطين وغيرهم ، فيه أقوال ، وربما يقال : الملاحظ من ظاهرالآيات والروايات : أنّ كلّ من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، سواء كان كفره واقعآ أم تنزيلا،وسواء ترادفت لفظة الكفر مع ألفاظ اُخرى كالظلم والفسق أم تباينت ؟ فإنّ العمدة عدمالالتزام بأحكام الله، ففي قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أنْزَلَ اللهُ فَاُولـئِکَ هُمُ الكافِرونَ )،وفي اُخرى : (هُمُ الفاسِقونَ )، وفي ثالثة : (هُمُ الظَّالِمونَ ). فهل إنّ الكافر يعني الفاسق أوالظالم يعني الكافر أم أنّها تختلف ؟ القدر المسلّم به أنّ الكفّار الذين ينطبق عليهم الكفرالواقعي ما ذكرناهم أوّلا، وأمّا المختلف به من حيث التنزيل أو الواقع وعدمه فهو في غيرالمنصوص عليه صراحةً ، فتدبّر.