العصمة بنظرة جديدة مجلة الکوثر الرابع والثلاثون - شهر رجب المرجب 1437هـ -2016م صحيفة صوت الكاظمين الشهرية العدد 207/206 النور الباهر بين الخطباء والمنابر قناة الکاظمين مصباح الهداية ونبراس الأخلاق بإدارة السید محمد علي العلوي الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين الشباب عماد البلاد إجمال الكلام في النّوم والمنام المؤسسة الإسلامية العالمية التبليغ والإرشاد برعایة السید عادل العلوي صحیفة صوت الکاظمین 205-204 شهر رجب وشعبان 1437هـ الانسان على ضوء القرآن أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم العلم الإلهامي بنظرة جديدة في رواق الاُسوة والقدوة الله الصمد في فقد الولد في رحاب اولى الألباب المأتم الحسیني الأسبوعي بإشراف السید عادل العلوي في دارالمحققین ومکتبة الإمام الصادق علیه السلام- إحیاء للعلم والعل نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل مجلة الکوثر الثالث والثلاثون - شهر محرم الحرام 1437هـ -2015م نور العلم والعلم نور مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
اللغة
تابعونا...
فهرست کتاب‌‌ لیست کتاب‌ها
  1. النوران الزهراء والحوراء
  2. الأقوال المختارة في احکام الصلاة سنة 1436هـ
  3. الکافي في اصول الفقه سنة 1436هـ
  4. في رحاب الخير
  5. الغضب والحلم
  6. إیقاظ النائم في رؤیة الامام القائم
  7. الضيافة الإلهيّة وعلم الامام
  8. البداء بين الحقيقة والافتراء
  9. سيماء الرسول الأعظم محمّد (ص) في القرآن الكريم
  10. لمعة من النورین الامام الرضا (ع) والسیدة المعصومة(س)
  11. الدوّحة العلوية في المسائل الافريقيّة
  12. نور الآفاق في معرفة الأرزاق
  13. الوهابية بين المطرقة والسندانه
  14. حلاوة الشهد وأوراق المجدفي فضيلة ليالي القدر
  15. الوليتان التكوينية والتشريعية ماذا تعرف عنها؟
  16. الصّارم البتّار في معرفة النور و النار
  17. بريق السعادة في معرفة الغيب والشهادة
  18. الشخصية النبوية على ضوء القرآن
  19. الزهراء(س) زينة العرش الإلهي
  20. مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
  21. نور العلم والعلم نور
  22. نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل
  23. دروس الیقین فی معرفة أصول الدین
  24. في رحاب اولى الألباب
  25. الله الصمد في فقد الولد
  26. في رواق الاُسوة والقدوة
  27. العلم الإلهامي بنظرة جديدة
  28. أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم
  29. الانسان على ضوء القرآن
  30. إجمال الكلام في النّوم والمنام
  31. العصمة بنظرة جديدة
  32. الشباب عماد البلاد
  33. الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين
  34. النور الباهر بين الخطباء والمنابر
  35. التوبة والتائبون علی ضوء القرآن والسنّة
  36. القصاص علی ضوء القرآن والسّنة الجزء الثاني
  37. القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الثالث
  38. القول الرشید فی الإجتهاد و التقلید 2
  39. القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد 1
  40. القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الاول
  41. الأقوال المختارة في أحكام الطهارة الجزء الأوّل
  42. أحكام السرقة على ضوء القرآن والسنّة
  43. الهدى والضلال على ضوء الثقلين
  44. في رحاب حديث الثقلين
  45. المأمول في تكريم ذرية الرسول 9
  46. عصمة الحوراء زينب 3
  47. عقائد المؤمنين
  48. النفحات القدسيّة في تراجم أعلام الكاظميّة المقدّسة
  49. قبس من أدب الأولاد على ضوء المذهب الإمامي
  50. حقيقة الأدب على ضوء المذهب
  51. تربية الاُسرة على ضوء القرآن والعترة
  52. اليقظة الإنسانية في المفاهيم الإسلامية
  53. هذه هی البرائة
  54. من لطائف الحجّ والزيارة
  55. مختصر دليل الحاجّ
  56. حول دائرة المعارف والموسوعة الفقهية
  57. رفض المساومة في نشيد المقاومة
  58. لمحات قراءة في الشعر والشعراء على ضوء القرآن والعترة :
  59. لماذا الشهور القمرية ؟
  60. فنّ الخطابة في سطور
  61. ماذا تعرف عن العلوم الغريبة
  62. منهل الفوائد في تتمّة الرافد
  63. سهام في نحر الوهّابية
  64. السيف الموعود في نحراليهود
  65. لمعة من الأفكار في الجبر والاختيار
  66. ماذا تعرف عن الغلوّ والغلاة ؟
  67. الروضة البهيّة في شؤون حوزة قم العلميّة
  68. النجوم المتناثرة
  69. شهد الأرواح
  70. المفاهيم الإسلامية في اُصول الدين والأخلاق
  71. مختصر دليل الحاجّ
  72. الشهيد عقل التاريخ المفكّر
  73. الأثر الخالد في الولد والوالد
  74. الجنسان الرجل والمرأة في الميزان
  75. الشاهد والمشهود
  76. محاضرات في علم الأخلاق القسم الثاني
  77. مقتل الإمام الحسين 7
  78. من ملكوت النهضة الحسينيّة
  79. في ظلال زيارة الجامعة
  80. محاضرات في علم الأخلاق
  81. دروس في علم الأخلاق
  82. كلمة التقوى في القرآن الكريم
  83. بيوتات الكاظميّة المقدّسة
  84. على أبواب شهر رمضان المبارک
  85. من وحي التربية والتعليم
  86. حبّ الله نماذج وصور
  87. الذكر الإلهي في المفهوم الإسلامي
  88. السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
  89. شهر رمضان ربيع القرآن
  90. فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
  91. منية الأشراف في كتاب الإنصاف
  92. العين الساهرة في الآيات الباهرة
  93. عيد الغدير بين الثبوت والإثبات
  94. بهجة الخواصّ من هدى سورة الإخلاص
  95. من نسيم المبعث النبويّ
  96. ويسألونک عن الأسماء الحسنى
  97. النبوغ وسرّ النجاح في الحياة
  98. السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
  99. نسيم الأسحار في ترجمة سليل الأطهار
  100. لمحة من حياة الإمام القائد لمحة من حياة السيّد روح الله الخميني ومقتطفات من أفكاره وثورته الإسلاميّة
  101. قبسات من حياة سيّدنا الاُستاذ آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي «قدّس سرّه الشريف »
  102. طلوع البدرين في ترجمة العلمين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الأمام الخميني 0
  103. رسالة من حياتي
  104. الكوكب السماوي مقدّمة ترجمة الشيخ العوّامي
  105. الكوكب الدرّي في حياة السيّد العلوي 1
  106. الشاكري كما عرفته
  107. كيف أكون موفّقآ في الحياة ؟
  108. معالم الصديق والصداقة في رحاب أحاديث أهل البيت
  109. رياض العارفين في زيارة الأربعين
  110. أسرار الحج والزيارة
  111. القرآن الكريم في ميزان الثقلين
  112. الشيطان على ضوء القرآن
  113. الاُنس بالله
  114. الإخلاص في الحجّ
  115. المؤمن مرآة المؤمن
  116. الياقوت الثمين في بيعة العاشقين
  117. حقيقة القلوب في القرآن الكريم
  118. فضيلة العلم والعلماء
  119. سرّ الخليقة وفلسفة الحياة
  120. السرّ في آية الاعتصام
  121. الأنفاس القدسيّة في أسرار الزيارة الرضويّة
  122. الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف وطول العمر في نظرة جديدة
  123. أثار الصلوات في رحاب الروايات
  124. رسالة أهل البيت علیهم السلام سفينة النجاة
  125. الأنوار القدسيّة نبذة من سيرة المعصومين
  126. السيرة النبوية في السطور العلوية
  127. إشراقات نبويّة قراءة موجزة عن أدب الرسول الأعظم محمّد ص
  128. زينب الكبرى (سلام الله علیها) زينة اللوح المحفوظ
  129. الإمام الحسين (علیه السلام) في عرش الله
  130. رسالة فاطمة الزهراء ليلة القدر
  131. رسالة علي المرتضى (علیه السلام) نقطة باء البسملة
  132. الدرّ الثمين في عظمة أمير المؤمنين - علیه السلام
  133. وميض من قبسات الحقّ
  134. البارقة الحيدريّة في الأسرار العلويّة
  135. رسالة جلوة من ولاية أهل البيت
  136. هذه هي الولاية
  137. رسالتنا
  138. دور الأخلاق المحمّدية في تحكيم مباني الوحدة الإسلاميّة
  139. أخلاق الطبيب في الإسلام
  140. خصائص القائد الإسلامي في القرآن الكريم
  141. طالب العلم والسيرة الأخلاقية
  142. في رحاب وليد الكعبة
  143. التقيّة في رحاب العَلَمَين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الإمام الخميني
  144. زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار
  145. طالب العلم و السیرة الأخلاقیّة
  146. فاطمة الزهراء سلام الله علیها سرّ الوجود

الفصل الثامن : في طهارة أهل الكتاب

 

الفصل  الثامن

 

في  طهارة  أهل  الكتاب

 

زبدة الكلام  : من الأعيان النجسة : الكافر، والمتيقّن منه المشركون العرب في الجاهلية ، وهم لا ينكرون الله سبحانه ، إنّما يتقرّبون إليه زلفى بعبادتهم الأصنام ، فكانوا يعبدون أصنامهم ، وعليه بطريقٍ أولى ـأي بالأولوية ـ يحكم بنجاسة من ينكر الله سبحانه وتعالى ، فأجمع علمائنا الأخيار بنجاستهم ، وكذلک الناصبي الذي نصب عداوة آل محمّد  9 في قلبه ، كما جاء ذلک في موثقة عبد الله بن يعفور :

الكافي بسنده ، عن الصادق  7، قال : «لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمّام ، فإنّ فيها غسالة ولد الزنا، وهو لا يطهر إلى سبعة آباء، وفيها غسالة الناصب وهو شرّهما، إنّ الله لم يخلق خلقآ شرّآ من الكلب ، وإنّ الناصب أهون على الله تعالى من الكلب »[1] .

 

والكلب من الأعيان النجسة ، متّفق عليه عند جميع المسلمين وأصحاب القبلة ، والناصب لعداوة أهل البيت  : أنجس منه .

وهناک روايات عديدة تدلّ على كفره وأنّه مهدور الدم ، منها رواية حفص
ابن البختري محمّد بن الحسن شيخ الطائفة ، بإسناده عن أحمد بن محمّد، عن الحسن ابن محبوب (الحسين بن سعيد)، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله
 7، قال : خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس[2] .

 

وحفص من الثقات ، وإن كان البعض يناقش في عدالته بأنّه كان يترک الواجب أو يلعب الشطرنج ، إلّا أنّه في النقل ثقة .

وأمّا أهل الكتاب ، أي اليهود والنصارى الذين عندهم التوراة والإنجيل فعلا وإن كان محرّفآ، إلّا أنّه عند صدور الروايات كانوا يعتقدون بهما.

أمّا المجوس ، فلم يثبت أنّ لهم كتابآ، لكن حكم عليهم بحكم أهل الكتاب في غير موضع من الفقه الإسلامي .

وقيل : من المتسالم عليه نجاسة أهل الكتاب كذلک كالمشركين ، إلّا أنّ ابن أبي الحديد ذهب إلى طهارتهم ، كما أنّه عند متأخّري المتأخّرين كالسيّد الحكيم والسيّد الخوئي وبعض المعاصرين من الفقهاء الأعلام من يذهب إلى طهارتهم .

واستدل على نجاسة المشركين ـبعد نقل الإجماعات ـ بالآية الشريفة  : (إنَّما المُشْرِكونَ نَجَسٌ )، والمتيقّن من المشرک من يعبد غير الله ويعبد الصنم ، إلّا أنّه ـكما قيل ـ يشمل اليهود والنصارى ، فإنّه بعد آيات يحكي القرآن الكريم عن اليهود بأنّهم يقولون (العزير بن الله) فهم من المشركين ، فما دام العنوان ينطبق على أهل الكتاب فإنّه يحكم بنجاستهم الشرعية الذاتيّة ، إلّا أنّه يرد عليهم أنّه وإن كان اليهود والنصارى وحتّى المجوس في الحقيقة والواقع من المشركين إلّا أنّهم في لسان الآيات الكريمة والروايات الشريفة يقابلون المشركين ،
فالكافر قسيم المشرک ، لا أنّه أحدهما يدخل في الآخر. كما أنّه يلزم أن يدخل المرائي ـأي من يعمل رياءًـ في عنوان المشرک لتصريح الروايات بذلک ، والحال لم يقل أحد بذلک ، وإن ذكرنا تفصيل ذلک على أنّ الشرک تارةً في العقيدة واُخرى في العمل ، والرياء إنّما هو شرک في العمل ، والذي يوجب الكفر إنّما هو شرک العقيدة .

كما أنّ إطلاق الشرک على أهل الكتاب ليس على وجه الحقيقة ، بل على نحو المجاز والعناية باعتبار بعض اللحاظات ، كإطلاقه على من أطاع الشيطان[3] ، أو رجلا في معصية الله كما جاء ذلک في القرآن الكريم ، فالنصارى

واليهود إنّما بحكم المشركين لاتّخاذهم الأحبار والرهبان أربابآ من دون الله سبحانه ، والمراد بذلک أنّهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم ، كما جاء ذلک في الأخبار الشريفة ، كما قول النصارى : المسيح اتّحد مع الله، إنّما هو قول اليعقوبية ، لا كلّهم ، فلا يمكن إثبات الشرک لهم جميعآ. أو يقال : إنّ المسيح مرتبة ظهور ذات الله الواحد وهو الأب . واليهود وإن لزم قولهم العزير ابن الله الكفر، ولكن لا يلزمهم الشرک ، فإنّه ربما كان مقصودهم : أنّ العزير مظهر قدرة الله، لأنّه وجد التوراة بعد ضياعه ، كما في خبر ابن عبّاس ، كما إنّ من النصارى واليهود من يتلو آيات الله آناء الليل ، ويسجد ويؤمن بالله واليوم الآخر، ويسارع في الخيرات وإنّه من الصالحين[4] ،

فكيف يكون مشركآ نجسآ ذاتآ. كما عطف أهل الكتاب على المشركين في كتاب الله، وهذا يعني أنّه قسيمه كما مرّ.

وهناک مؤيّدات اُخرى تدلّ بوضوح على أنّ إطلاق الشرک على أهل
الكتاب لبعض الجهات والاعتبارات لا على وجه الحقيقة ، كما يطلق الشرک

على المرائي وعلى أدنى مراتب لغير الله.

هذا وليعلم أنّ ما ذكر من عدم دلالة الآية الشريفة على نجاسة أهل الكتاب لا ينافي كفرهم ، لدلالة الآيات والأخبار والإجماع ، بل ضرورة الدين والمذهب على ذلک، بل لا يخصّ الكفر إيّاهم ، إنّما يطلق على المنتحل للإسلام أيضآ، كالخوارج والنواصب ، بل وغيرهم ، وأن يحكم بطهارتهم ، فلا ملازمة بين النجاسة والكفر.

فالآية لا تدلّ على نجاسة أهل الكتاب ، وغاية ما يستفاد منها نجاسة المشركين بأصنافهم الثلاثة ـمن الشرک في أصل العبادة ، وفي الخلق ، وفي الاُلوهية ـ ويستفاد نجاسة الملحدين ومنكري أصل وجوده تعالى بالأولوية[5] ، فتدبّر.

  

وما دلّ على نكاح الكتابية كما في (وَالمـُحْصَنات مِنَ المُؤْمِنات وَالمـُحْصَنات مِنَ الَّذينَ اُوتوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ )[6] ، وهي غير منسوخة بآية (لا تُمْسِكوا

بِعِصَمِ الكَوافِرِ)[7] ، ولا بآية (وَلا تنكحوا المـُشْرِكاتِ )[8] ، كما هو ثابت في محلّه ،

 

والروايات في ذلک مختلفة[9] .

 


كما هناک روايات تدلّ على الجواز، كما في صحيحتي معاوية بن وهب

ومحمّد بن مسلم[10] ،  وخبر سماعة بن مهران وأبي بصير وخبر زرارة : «لا بأس  

أن يتزوّج اليهودية والنصرانية متعة وعنده امرأته ».

واختلاف الأخبار كان السبب في اختلاف الفتاوى ، فمنهم من منع مطلقآ، ومنهم من أجاز، ومنهم من قال بالتفصيل بين المنقطع والدائم وملک اليمين ، وبين الاضطرار والاختيار.

والخلاصة  : إنّه لو كانت الكتابية نجسة ذاتآ، لكان من الحري بيان ذلک في الأخبار والتنبيه عليه ، والحال لم يكن إلى ذلک ولو إشارة ، بل اُشير إلى نجاستهم العرضية ، كما في صحيح معاوية : «إن فعل فليمنعها من شرب الخمر ولحم الخنزير».

وممّا يؤيّد طهارة الكتابي : جواز اتّخاذ الكتابية ظئرآ، كما في خبر سعيد ابن يسار، وغيره[11] . فلو كانت المرضعة نجسة ذاتآ لتنجّس الرضيع ، فلم يكن

في الأخبار إشارة إلى نجاستهم الذاتية ، بل فيها نهي عن شربهم الخمر وأكل لحم الخنزير، وهذا يدلّ على النجاسة العرضية ، كما ذكرنا.

وما يؤيّد ما دلّ على جواز اشتراط ضيافة مارّة العساكر ـبل المسلمين مطلقآـ على الكتابيين ، كما عليه الأخبار والفتاوى ، بل في التذكرة الإجماع عليه ، كما في خبر قرب الإسناد[12] ، كما جاء في المبسوط[13] ، والمحقّق في الشرائع والشهيد

 



في المسالک وغيرهم ، كما إنّ مخالطة المسلمين معهم يدلّ على طهارتهم ،

وجواز الصلاة في الكنائس والبيع وبيت المجوس مع رش الماء واتّخاذها مسجدآ.

وخلاصة الكلام  : إنّ ما يستدلّ على طهارة أهل الكتاب تامّ في نفسه ، كما إنّ ما يستدلّ به على نجاسته غير تامّ وإن قيل بظهورها ـلو خلّيت ونفسهاـ على النجاسة إلّا أنّ الطائفة الاُخرى من الروايات فيها صراحة على الطهارة ، فيقدم عليها، ويحمل ما على النجاسة على الكراهة ، ومع الجمع الدلالي بينهما لا تصل النوبة إلى الترجيح بالمرجّحات الداخلية أو الخارجية . وإن أبيت إلّا المعارضة ، فما دلّ على ترجيح أخبار النجاسة غير تامّ ، من قولهم موافقتها لظاهر الآية ، فتوافق ما في الكتاب الكريم ، ولكن ذكرنا عدم شمولها لأهل الكتاب . وقولهم مخالفتها لرأي العامّة ، لاتّفاقهم على الطهارة ، ولكن لم يثبت الاتّفاق كما مرّ بما لم يثبت تفرّد الإمامية بالقول بنجاستهم ، وقولهم إنّ الطهارة جارية مجرى التقيّة ، ولكن لم يثبت ذلک ، كما يبعد صدور الثانية على كثرتها للتقيّة ، وقولهم إنّ الدالّة على الطهارة أعرض عنها الأصحاب ، ولكن لم يثبت ذلک ، كما إنّه لم يكن إعراض أصحاب الأئمة ، بل كان الحكم بالطهارة مفروغآ عنه عندهم ، وأمّا ما قيل من نقل الإجماعات فهو من المدركي الذي ليس بحجّة ، فإنّه من مظنون المدرک لو لم يكن مقطوعآ وارتكاز النجاسة عند العوامّ إنّما كان في زمن الغيبة الكبرى من جرّاء فتوى الفقهاء، ومثل هذا الارتكاز لا ينفع ، فالمرجّحات المدّعاة غير تامّة ، وإن أبيت إلّا التعارض فيقال مع التكافي بالتساقط والقول بالتخيير كما عند المشهور أو الرجوع إلى الأصل ، والأصل هو الطهارة ، فتمّ المطلوب ، وهو الحكم بطهارة أهل الكتاب .

وإنّما حدثت شهرة القول بالنجاسة في الأزمنة المتأخّرة عن
المعصومين
 :، حتّى شاع بين الناس من خلال اتّباعهم فتوى العلماء الأعلام والفقهاء الكرام .

وبعد تمامية الدليل على الحكم بطهارة الكتابي ، فلا مجال للأصل ، ولكن لا بأس بالإشارة إليه لو لم تتمّ الأدلّة ، فمقتضى الأصل الطهارة في كلّ ما يشکّ في طهارته ، كما يستدلّ على طهارة الكتابي من جهات اُخرى ، كجواز تغسيل الكتابي والكتابية للميّت المسلم أو المسلمة عند فقد المماثل والمحرم ، كما في موثقة عمّار الساباطي[14] ، وفي خبر عمر بن خالد، كما أفتى به المفيد في المقنعة ، وجاء

في التهذيب والوسيلة والمنتهى والقواعد والإرشاد واللمعة والبيان وروض الجنان والذخيرة والحدائق والمبسوط والنهاية والمراسم والصدوقين وابن الجنيد والصهرشتي وابن سعيد وصاحب الجواهر.

ثمّ انّما يدخل أهل الكتاب في إطلاق الآية وعمومها، لو لم يكن لنا دليل خاصّ لإخراجهم ، وقد ثبت عند بعض خروجهم من إطلاق الآية بدليل خاصّ ، وهو عبارة عن الروايات الشريفة الواردة في المقام .

ثمّ ، ربما يقال حينئذٍ: لا قيمة للإجماع والتسالم الأوّل على نجاسة المشركين لعدم تمامية الاستدلال بالآية الشريفة ، إلّا أنّ جوابه : إنّ الكلّ يقولون بنجاستهم حتّى من لم يستدلّ بالآية ، كما أنّ الناصبي لا إشكال في نجاسته ، وبالأولوية من يظهر العداوة مع الله سبحانه بإنكاره أو عبادة الأصنام ، فإنّه يحكم بنجاسته .

فلنا دليل على نجاسة المشرک حتّى مع الإغماض عن الإجماعات المنقولة أو الشهرة الفتوائية ، فتدبّر.


 

الروايات الظاهرة في نجاسة أهل الكتاب  :

وأمّا الروايات الدالّة على نجاسة أهل الكتاب كما عند المشهور القائلين بنجاستهم ـكما مرّـ فمنها صحيحة محمّد بن مسلم .

الشيخ الكليني في الكافي ، عن أبي علي الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان ، عن العلا بن رزين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر  7، في رجل صافح رجلا مجوسيّآ، فقال : يغسل يده ولا يتوضّأ.

ورواه الشيخ بإسناده ، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان : مثله .

ومثلها موثّقة أبي بصير.

الكليني ، عن حميد بن زياد، وعن الحسن بن محمّد، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير، عن أحدهما  8، في مصافحة المسلم اليهودي والنصراني ، قال  : من وراء الثوب ، فإن صافحک بيده فاغسل يدک . ورواه الشيخ بإسناده ، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم ، عن علي ، عن أبي بصير، عن أبي جعفر  7 : مثله[15] .

 

والرواية سندها الصحيح عبارة عن : الكافي ، عن حميد بن زياد، عن الحسن ابن محمّد. وفي نسخة الوسائل اشتباه ، فإنّه ذكر الحسن بن محمّد بواو العاطفة ، كما ذكرنا ذلک للأمانة .

فالسند تامّ ، وكذلک الأدلّة . ويُحمل غسل اليد على ما كان في البين رطوبة مسرية ، ولو كان ذلک من عرق اليد، لحكومة رواية ابن بكير عليها القائلة  :
«كلّ يابس ذكي ». وما قاله صاحب التنقيح
 1: أنّه من حمل الفرد النادر، فإنّه غير صحيح ، فإنّ المصافحة غير نادرة ، كما أنّ رطوبته ليست نادرة ، وإلّا لكان في مسّ الميّت والكلب ، حيث ورد غسل اليد مع رطوبتهما، وعدم الغسل عند عدمها أيضآ من الحمل النادر.

نعم لو ثبت من الخارج أنّ اليهودي والنصراني ليس فيهما نجاسة ذاتية ، فإنّه يحمل الغسل حينئذٍ على الاستحباب ، إلّا أنّ المقام في بيان الحكم الوضعي لا التكليفي .

وممّا يدلّ على النجاسة رواية الكليني أيضآ عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد ابن محمّد بن خالد، عن يعقوب بن يزيد، عن علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن موسى  7، قال : سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة ، وأرقد معه على فراش واحد، واُصافحه ؟ قال : لا[16] .

 

ربما يقال في دلالتها تأمّل ، فإنّ نهي الإمام  7 عن المصافحة إنّما هو من باب النهي التوبيخي الدالّ على الكراهة لا الحرمة والنجاسة .

ومن الروايات : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن سعيد الأعرج ، قال : سألت أبا عبد الله  7 عن سؤر اليهودي والنصراني ، فقال : لا. محمّد بن الحسن ، بإسناده عن محمّد بن يعقوب : مثله[17] .

 

يقال  : لا وجه لعدم الجواز إلّا النجاسة .

ومنها : أحمد بن أبي عبد الله البرقي في المحاسن ، عن محمّد بن عيسى ،
عن صفوان بن يحيى ، عن موسى بن بكر، عن زرارة ، عن أبي عبد الله
 7، في آنية

المجوس ، قال : إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء.

لقد اختلف الأصحاب في موسى بن بكر الواسطي ، الذي وقع في سند الرواية المزبورة ، أنّه من الثقات أو غيرهم .

فقيل : إنّه من الثقات ، لوجوه  :

الأوّل  : أنّه كثير الرواية ، ولكن لا يدلّ ذلک على وثاقته ، إلّا أن يكون بنحو من الكثرة بحيث يكون كمعلّى بن أحمد، حيث يقال : إنّ خمس الكافي منه . وكذلک غيره ، يقال : ربع الكافي منه ، ومثل هذا حينئذٍ لا يصحّ أن ينقل عنه وهو ضعيف ، وإنّما لم يذكر توثيقه ، فهو باعتبار إحراز جلالته ، وكأنّه مفروغ عنه . وموسى بن بكر لم يكن مثل هؤلاء، ولم يكن له من الكثرة بهذا النحو.

الثاني  : أنّه قد نقل الثقات عنه ، ولكن هذا لا يدلّ أيضآ على وثاقته ، إذ ليس معنى لا يروون إلّا عن ثقة ، أنّهم لا يُرسلون .

الثالث  : إنّما هو ثقة بناءً على أصالة العدالة في الرواة ، كما عند السيّد ابن طاووس عليه الرحمة ، ولكن هذا من المتأخّرين ومن اجتهاده ذلک ، وتوثيقه ليس كتوثيق القدماء، كما لا نعتقد بأصالة العدالة .

الرابع  : وهو العمدة ، قول صفوان بن يحيى بأنّه : «لا خلاف فيه بين أصحابنا على اعتباره »، وحديث صفوان في باب الإرث[18] .

 

وفي الكافي ، ورد أنّ صفوان قال : وصلني كتاب موسى بن بكر وحسن ابن سماعة يقول : قرأت على صفوان ذلک الكتاب وفي أوّله ... قال : هذا ممّا ليس فيه اختلاف عند أصحابنا عن جعفر بن محمّد  8.


وصاحب معجم رجال الحديث[19]  أرجع ضمير قال إلى صفوان ، وإنّ المراد

 

من الكتاب كتاب موسى بن بكر، فيدلّ على توثيقه . إلّا أنّه إنّما يرجع ضمير قال إلى زرارة ، وهذا إشارة إلى الحكم ، فليس فيه اختلاف عند أصحابنا، كما يدلّ على ذلک ظهور الرواية ويشهد عليه روايات اُخرى في المقام ، فتوثيق موسى غير ثابت ، فروايته في المقام لا يتمّ الاستدلال بها، فتأمّل . كما إنّ دلالتها غير تامّة[20] .

  

ومنها : رواية علي بن جعفر :

وبإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن العمركي ، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر  7، قال : سألته عن فراش اليهودي والنصراني ينام عليه ؟ قال : لا بأس ، ولا يصلّى في ثيابهما. وقال : لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة ، ولا يقعده على فراشه ولا مسجده ولا يصافحه . قال : وسألته عن رجل اشترى ثوبآ من السوق للبس لا يدري لمن كان ، هل تصلح الصلاة فيه ؟ قال : إن اشتراه من مسلم فليصلّ فيه ، وإن اشتراه من نصراني فلا يصلّي فيه حتّى يغسله[21] .

 



ومنها : رواية علي بن جعفر أيضآ :

بإسناده ، عن علي بن جعفر، أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر  7 عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمّام ، قال : إذا علم أنّه نصراني اغتسل بغير ماء الحمّام ، إلّا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثمّ يغتسل . وسأله عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء، أيتوضّأ منه للصلاة ؟ قال : لا، إلّا أن يضطرّ إليه .

فلو كان الغُسل للنجاسة فلا فرق بين الإضطرار وغيره ، فذيل الرواية ربما يستفاد منه عدم النجاسة لعدم الفرق ، والمتفاهم العرفي من الإضطرار أنّه ليس له ماء، لا للتقية كما ذهب إليه الشيخ الطوسي عليه الرحمة ، فيستدلّ حينئذٍ على استحباب التنزّه ، وغسل الحوض ما دام لم يتصلّ بالمادّة ، فإنّه يغسل .

وصاحب الوسائل حمل أوّل الحديث على عدم المادّة ، وآخره محمول على كرّية الماء أو على المادّة في الحمّام ، وهذا من الحمل التبرّعي ، لا اعتبار له ، وإلّا فنحتاج إلى قرينة يدلّ على ذلک .

ومنها : رواية محمّد بن مسلم الصحيحة  :

محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر  7 عن آنية أهل الذمّة والمجوس ، فقال : لا تأكلوا في آنيتهم ، ولا من طعامهم الذي يطبخون ، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر.

فذيلها يدلّ على أنّ النجاسة باعتبار الخمر، فيوجب تزلزل مدلول الآية في نجاسة المجوس ، كما في روايات اُخرى قيّد، مثلا: إذا طبخوا ميتة أو لحم خنزير، وحينئذٍ لو كان لنا روايات تدلّ على استحباب الغسل ، فإنّه نرفع اليد حينئذٍ عن مثل هذه الإطلاقات التي مرّت، وإن كان للنقاش مجال في بعضها سندآ ودلالة ،
وإلّا فيأتي دور التعارض بين الأخبار الواردة في المقام ، وإنّ الخبر الثقة إنّما يكون حجّة لو اجتمعت شرائط العمل بالخبر ومنها عدم التعارض ، وما نحن فيه قد نرى طائفة من الروايات تعارض الطائفة الاُولى .

بيان ذلک  : أنّ الطائفة الاُولى من الروايات دلّت بالظهور الإطلاقي لا بالنصّ الصريح على نجاسة أهل الكتاب من الكفّار، فإنّ المصافحة توجب غسل اليد عند رطوبتها وذلک بالظهور الإطلاقي ، فلو كانت هناک روايات تدلّ على جواز ذلک ، فإنّه يوجب حمل الطائفة الاُولى على الاستحباب حينئذٍ جمعآ بين الأخبار المتعارضة .

ولنا روايات صريحة في طهارة أهل الكتاب ذاتآ، وإنّما نجاستهم عرضية .

منها : صحيحة علي بن إبراهيم ، وعنه ، عن أحمد بن محمّد، عن إبراهيم ابن أبي محمود، قال : قلت للرضا  7: الجارية النصرانية تخدمک وأنت تعلم أنّها نصرانية لا تتوضّأ ولا تغتسل من جنابة ، قال : لا بأس ، تغسل يديها[22] .

 

ظاهر السؤال أنّه على نحو الفرض ، والجواب صريح على أنّها طاهرة ذاتآ، إلّا أنّ لها نجاسة عرضية وتطهر بالتطهير والغسل .

ومنها : صحيحة إسماعيل بن جابر: وعن أبي علي الأشعري ، عن محمّد ابن عبد الجبّار، عن صفوان (بن يحيى خ )، عن إسماعيل بن جابر، قال : قلت لأبي عبد الله  7: ما تقول في طعام أهل الكتاب ؟ فقال : لا تأكله ، ثمّ سكت هنيّة ، ثمّ قال : لا تأكله ، ثمّ سكت هنيّة ، ثمّ قال : لا تأكله ، ولا تتركه ، تقول إنّه حرام ، ولكن تتركه تتنزّه عنه ، إنّ في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير. محمّد بن الحسن بإسناده
عن محمّد بن يعقوب : مثله
[23] .

 

القرينة الحالية تدلّ على أنّ المراد من الطعام هو الطعام المطبوخ ، والتنزّه إنّما هو من جهة أنّ في إنائهم الخمور، وفي قدورهم يطبخون لحم الخنزير، وهذا التعليل صريح على طهارتهم الذاتية ، ويدلّ على هذا التعليل ما جاء في صحيحة محمّد بن مسلم  :

محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر  7 عن آنية أهل الذمّة والمجوسي ، فقال : لا تأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الذي يطبخون ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر. ورواه الشيخ باسناده عن الحسن ابن محبوب : مثله[24] .

 

وهناک روايات اُخرى دالّة بوضوح على هذا المعنى وتكون قرينة وشاهد على حمل الطائفة الاُولى من الروايات على استحباب التنزّه ، وكراهة المعاشرة معهم . إلّا إذا قلنا بإعراض الأصحاب عن الطائفة الثانية ممّا يوجب وهنها وعدم مقاومتها مع الاُولى ومقارعتها، وإعراضهم ليس من جهة عدم التفاتهم إلى الجمع العرفي ، فلا قيمة للثانية حينئذٍ، بل وأصبح نجاسة الكفّار وأهل الكتاب رمزآ للشيعة ومن منفرداتهم ، ويمتازونهم عن المخالفين بذلک .

كما لا فرق بين ما نحن فيه وبين ماء البئر ونجاسته وتطهيره بالنزح ، فإنّه يمكن الجمع العرفي بين صحيحة البزنطي والروايات الاُخرى المخالفة ، إلّا أنّهم طرحوا
الصحيحة ، وربما ذلک لموافقتها مع العامّة ، وقد ورد في الأخبار العلاجية  : «خذ ما خالف العامّة ، فإن الرشد في مخالفتهم »، ولكن لا يتمّ ذلک فإنّه إنّما يؤخذ بما خالف العامّة فيما لم يمكن الجمع العرفي ، وما نحن فيه يصحّ الجمع العرفي ، إلّا إذا اطمئنّ وتُيقّن أنّ الروايات الثانية وردت للتقيّة ، حتّى مع وجود الجمع العرفي ، فيصحّ حينئذٍ طرح المقيّد، إلّا أنّه لم نحصل على مثل هذا الاطمئنان في أصالة الجهة ، فإنّها تسقط مع الاطمينان .

وحينئذٍ يحمل القيد على المطلق في الطائفة الاُولى ، كما في تطهير البئر، ولا يقال أنّه يقدّم ما وافق كتاب الله، فإنّ ذلک عند التعارض وعدم وجود الجمع العرفي .

ثمّ من الروايات الدالّة على طهارة أهل الكتاب ـاليهود والنصارى ويتبعهم المجوس ـ: محمّد بن يعقوب ، عن أبي علي الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان ، عن عيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله  7 عن مؤاكلة اليهودي والنصراني والمجوسي ، فقال : إن كان من طعامک وتوضّأ فلا بأس .

والمراد من التوضّي هنا مطلق غسل اليدين ، وهو المعنى اللغوي للوضوء لا المعنى المصطلح الشرعي ، ويعلم من هذا أنّ نجاسته عرضية ، وطعامه ويده لا تجري فيهما قاعدة الطهارة ، كما لا تجري في قدور الكفّار، كما جاء ذلک في روايات اُخرى ، كرداء الصابي ، وصحيحة الحلبي وموثّقة أبي بصير وصحيحة عبد الله بن سنان[25]  في إعطاء العارية للذمّي وقوله  7: صلّ فيه ولا تغسله

من ذلک ، فإنّک أعرته وهو طاهر ولم يتيقّن أنّه نجس . وهذا يعني الاستصحاب ،
فيستدلّ به على طهارة الثوب العاري ، فطهارتهم ليست تعبّدية ، إنّما يوافق الاُصول كما في الروايات الأخيرة ، ثمّ المراد من الاطمينان هو اليقين ، فلو علم بوقوع المتنجّس ولم يعلم بالطهارة فيشکّ فيها، مثل أواني الكفّار التي تستعمل في الشراب والدم والميتة ولحم الخنزير، فإنّها لم يعلم طهارتها، فإنّه يشترط أن تكون بكيفية خاصّة ولم يعلم ذلک ، فإنّه تستصحب النجاسة حينئذٍ لعدم المعارض لها بالطهارة ، وأمّا عند المعارضة كما يفهم ذلک من موثّقة أبي بصير.

فقوله  7: «أليس يغسل بالماء»، يلزمه أن يكون لنا يقين بالنجاسة ويقين بالطهارة ، فيتعارضان ويقدّم أصالة الطهارة ، فقال  7: «لا بأس ».

وزبدة الكلام  : أنّ الجمع العرفي بين الروايات الشريفة يقتضي القول بطهارة أهل الكتاب بالخصوص من الكفّار والمشركين ، وإن ذهب المشهور من فقهائنا الأعلام ، ولا سيّما المتقدّمين منهم إلى نجاستهم ، فتدبّر.

قال الفيض الكاشاني[26] ، بعد بيان أنّ الكافر غير اليهودي والنصراني

والمجوسي نجسة عينآ ولعابآ بالإجماع ولقوله : (إنَّما المُشْرِكونَ ) و(كَذلِکَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ )، فقال : والأكثر على نجاسة الفرق الثلاث أيضآ، لإشراكهم ، وفيهم ورد (سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكونَ )[27] ، وللصحاح ، خلافآ للقديمين ؛ لقوله تعالى : (وَطَعامُ

الَّذينَ اُوتوا الكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ )[28] ، وهو شامل لما باشروه ، وللصحاح المستفيضة ،

وعدم صراحة الآيتين .


وخصّ الاُولى في النصوص بالحبوب ، وحمل الثاني على التقيّة ، لكن حمل الصحاح الاُول على الكراهة ، لدلالة الحسان عليها، بل المستفاد من أكثر النصوص أنّ الأمر باجتنابهم إنّما هو لشربهم الخمر ومزاولتهم لحم الخنزير. وفي الصحيح عن مؤاكلة المجوسي فقال : إذا توضّأ فلا بأس . والمراد غسل اليد. وفي هذه الأخبار دلالة على أنّ معنى نجاستهم خبثهم الباطني ، لا وجوب غسل الملاقي ، كما مرّت الإشارة إليه ، وفي كثير منها جواز استرضاع اليهودية والنصرانية[29] .

 

وحكم الشيخ بنجاسة المجبّرة ، والسيّد بنجاسة المخالفين ، أمّا الخارجي والناصب والمجسّم والغالي ، فالظاهر عدم الخلاف في نجاستهم وإن أقرّوا بالشهادتين . انتهى كلامه رفع الله مقامه .

وشيخ الطائفة[30]  يقول : من صافح ذميّآ أو ناصبيآ معلنآ بعداوة

آل محمّد  9، وجب عليه غسل يده إن كان رطبآ، وإن كان يابسآ مسحها بالتراب . انتهى كلامه . فهو يرى نجاسة الكافر الذمّي كما عند المشهور، والذمّي أعمّ من الكتابي وغيره ، ولكن ينسب للشيخ في نهايته قوله بطهارة الكتابي .

قال المحقّق الخوانساري[31]  ـمن الفقهاء المعاصرين ـ في بيان الأعيان النجسة  :

وأمّا الكافر فالمشهور نجاسته بجميع أصنافه ، بل لم يعرف الخلاف في غير الكتابي منه من أحد، وقد تواتر نقل الإجماع في  غير الكتابي ، وأمّا الكتابي فالمشهور نجاسته ، ولكنّه حكي عن ابن الجنيد وظاهر العمّاني ونهاية الشيخ القول بالطهارة ،
وتبعهم جماعة من متأخّري المتأخّرين ، واستدلّ للنجاسة مطلقآ بقوله تعالى  :
(إنَّما المُشْرِكونَ نَجَسٌ )، ونوقش بعدم صدق المشرک على نحو الحقيقة على جميع أصناف الكافر، وعدم إحراز المراد من النجس فإنّ معناه العرفي ، وإن كان هو القذر لكنّه ليس كلّ قذر يجب الاجتناب عنه كما يجب الاجتناب عن النجاسات عند المتشرّعة ، فإنّ القذارة المعنوية الحاصلة بالحيض ونحوه قذارة ، وليست موجبة للاجتناب ، فلعلّ الشرک قذارة معنوية أشدّ من سائر القذارات من دون أن يترتّب عليها آثار النجس بالمعنى المعروف عند المتشرّعة على المتّصف به ، هذا مع أنّ المتبادر من الآية مشركوا أهل مكّة كما يشهد به القرائن .

واستدلّ أيضآ بالأخبار التي استدلّ بها على نجاسة أهل الكتاب ، فإنّها تدلّ على نجاسة سائر الكفّار بالأولوية القطعيّة ، ونوقش في هذا الاستدلال بعدم الأولوية في خصوص الكفّار المنتحلين للإسلام ، واستدلّ لنجاسة أهل الكتاب بأخبار، منها: موثّقة سعيد الأعرج أنّه «سئل أبو عبد الله  7 عن سؤر اليهودي والنصراني ، أيؤكل أو يشرب ؟ قال : لا». ومنها صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما  8، قال : «سألته عن رجل صافح مجوسيّآ؟ قال : يغسل يده ولا يتوضّأ»، ومنها رواية أبي بصير عن أبي جعفر  7 في مصافحة المسلم لليهودي والنصراني ؟ قال : «من وراء الثياب ، فإن صافحک بيده ، فاغسل يدک »، وروايات صحاح وغير صحاح ، لكنّ غالبها يمكن الخدشة فيها من جهة الدلالة ، بل بعضها في خلاف المطلوب ظاهر، وفي قبالها أخبار اُخر يظهر منها الطهارة ، بل لعلّها صريحة في الطهارة الذاتية ، وعلى فرض ظهور هذه الروايات من النجاسة الذاتية يجمع بينهما برفع اليد عن الظهور لصراحة تلک الأخبار في الطهارة الذاتية ، لكنّ الظاهر إعراض الأصحاب عن العمل بالأخبار الدالّة على الطهارة فلا محيص
من القول بالنجاسة . انتهى كلامه رفع الله مقامه .

وقال صاحب مدارک الأحكام[32] : وأمّا اليهود والنصارى ، فقد ذهب الأكثر

إلى نجاستهم ، بل ادّعى عليه المرتضى وابن إدريس الإجماع ، ونقل عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل القول بعدم نجاسة أسآرهم . وحكى المصنّف في المعتبر عن المفيد ؛ في المسائل العزّية القول بالكراهة ، وربّما ظهر من كلام الشيخ في موضع من النهاية[33] .

 

احتجّ القائلون بالنجاسة بأمرين  :

الأوّل  : قوله تعالى (إنَّما المُشْرِكونَ نَجَسٌ )؛ فإنّ اليهود والنصارى مشركون لقوله تعالى بعد حكايته عنهم أنّهم (اتَّخَذوا أحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أرْبابآ مِنْ دونِ اللهِ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكونَ )[34] ، ويتوجّه عليه مضافآ إلى ما سبق منع هذه المقدّمة أيضآ،

إذ المتبادر من معنى المشرک من اعتقد إلهآ مع الله، وقد ورد في أخبارنا أنّ معنى اتّخاذهم الأحبار والرهبان أربابآ من دون الله: امتثالهم أوامرهم ونواهيهم ، لا اعتقادهم أنّهم آلهة ، وربما كان في الآيات المتضمّنة لعطف المشركين على أهل الكتاب وبالعكس بالواو إشعار بالمغايرة .

الثاني  : الأخبار الدالّة على ذلک كصحيحة علي بن جعفر... وحسنة سعيد الأعرج ... وصحيحة محمّد بن مسلم ...

احتجّ القائلون بالطهارة بوجوه  :


الأوّل  : البراءة الأصلية ، فإنّ النجاسة إنّما تستفاد بتوقيف الشارع ، ومع انتفائه تكون الطهارة ثابتة بالأصل .

الثاني  : قوله تعالى : (وَطَعامُ الَّذينَ اُوتوا الكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ )، فإنّه شامل لما باشروه وغيره ، وتخصيصه بالحبوب ونحوها مخالف للظاهر، لاندراجها في الطيّبات ، ولأنّ ما بعده وهو (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) شامل للجميع قطعآ، ولانتفاء الفائدة في تخصيص أهل الكتاب بالذكر، فإنّ سائر الكفّار كذلک . وقد يقال : إنّ هذا التخصيص وإن كان مخالفآ للظاهر إلّا أنّه يجب المصير إليه ، لدلالة الأخبار عليه ومنها ما هو صحيح السند. لكن لا يخفى أنّ هذا الاختصاص لا ينحصر وجهه في النجاسة ، لانتفائها في غير الحبوب ممّا يعلم مباشرتهم له قطعآ.

الثالث  : الأخبار، فمن ذلک ما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص ابن القاسم : أنّه سأل أبا عبد الله  7 عن مؤاكلة اليهودي والنصراني فقال  : «لا بأس إذا كان من طعامک ». وفي الصحيح عن علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى  7 عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء يتوضّأ منه للصلاة ؟ قال  : «لا، إلّا أن يضطرّ إليه »، وفي الصحيح عن ابراهيم بن أبي محمود قال : قلت للرضا  7: الجارية النصرانية تخدمک وأنت تعلم أنّها نصرانية ، لا تتوضّأ ولا تغتسل من جنابة ، قال : «لا بأس ، تغسل يديها».

ويمكن الجمع بين الأخبار بأحد الأمرين : إمّا حمل هذه على التقيّة ، أو حمل النهي في الأخبار المتقدّمة على الكراهة . ويشهد للثاني مطابقته لمقتضى الأصل ، وإطلاق النهي عن الصلاة في الثوب قبل الغسل في صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة ، ويدلّ عليه صريحآ خصوص صحيحة إسماعيل بن جابر: قال : قلت لأبي عبد الله  7 : ما تقول في طعام أهل الكتاب ؟ فقال : «لا تأكله »، ثمّ سكت
هنيئة ، ثم قال : «لا تأكله »، ثمّ سكت هنيئة ، ثم قال : «لا تأكله ، ولا تتركه تقول إنّه حرام ، ولكن تتركه تتنزّه عنه ، إنّ في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير»، وربما كان في هذه الرواية إشعار بأنّ النهي عن مباشرتهم ، للنجاسة العارضية . فتأمّل . انتهى كلامه رفع الله مقامه . فهو ممّن يقول بطهارة أهل الكتاب وإن تأمّل في ذلک .

وقال الشيخ البهائي[35] ، بعد أن نقل عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد والمفيد

عدم نجاسة سؤر أهل الكتاب : وربما يحتجّ لهم قدّس الله أسرارهم بالحديث التاسع ـوهو عن علي بن جعفر، أنّه سأل أخاه موسى  7 عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء، يتوضّأ منه للصلاة ؟ قال : لا، إلّا ان يضطر إليه ـ لأنّ جواز الوضوء بسؤرهم إذا اضطرّ إليه دليل طهارته ، وظنّي أنّه لا يبعد أن يقال أنّ الاضطرار يجوز أن يكون كناية عن التقيّة ، فإنّ المخالفين من العامّة على طهارتهم ، وربما يحتجّ لهم أيضآ بالحديث العاشر ـوهو عن إسماعيل بن جابر قال : قلت لأبي عبد الله  7: ما تقول في طعام أهل الكتاب ؟ فقال : لا تأكله ، ثمّ سكت هنيئة ... إلى آخر الحديث كما مرّـ كما هو ظاهر ويشعر به تعليله  7 بأنّ في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير، فإنّ هذا التعليل يعطي أنّ نجاستهم لذلک لا لذواتهم وأعيانهم ، ولا يذهب عليک أنّ نهيه  7 عن طعامهم ثمّ سكوته هنيّة ، ثمّ نهيه ثمّ سكوته هنيّة اُخرى ، ثمّ أمره في المرّة الثالثة بالتنزّه عنه لا تحريمه ممّا يؤذن بالتردّد في حكمه ، وحاشاهم سلام الله عليهم من التردّد فيما يصدر عنهم من الأحكام ، فإنّ أحكامهم ليست صادرة عن الظنّ ، بل هم صلوات الله عليهم قاطعون في كلّ ما يحكمون به ، وقد لاح لي على ذلک دليل أوردته في شرحي على الصحيفة الكاملة ، فهذا الحديث
من هذه الجهة معلول المتن ، وذلک يوجب ضعفه . والله أعلم بحقايق الاُمور. انتهى كلامه رفع الله مقامه .

ولكن ربّما استعمل هذا الاُسلوب في الجواب ، لما في نفس السائل ، أو لما كان في المجلس من تقيّة وما شابه ، أو لتثبيت الجواب النهائي بعد ذكر مثل هذه المقدّمات ، وغير ذلک ، والله العالم .

وقال المحقّق السبزواري[36] : واحتجّ الأصحاب على نجاسة أهل الكتاب

بطريقين  :

الأوّل  : عموم الآيتين (إنَّما المُشْرِكونَ ) و(كَذلِکَ يَجْعَلِ اللهُ الرِّجْسَ )، أمّا الثانية فظاهرة بعد فرض دلالتها على التنجيس ، وأمّا الاُولى فيحتاج إلى إثبات شرک أهل الكتاب ، واستدلّ عليه بأنّ الشرک محقّق في المجوس منهم لما قيل من أنّهم يقولون بإلهين اثنين ، النور والظلمة ، وفي اليهود والنصارى بدليل قوله تعالى  : (سُبْحانُهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكونَ ) عقيب حكايته عن اليهود وقولهم : (العُزَيْرُ آبْنُ اللهِ)، وعن النصارى : (إنَّ المَسيحَ آبْنُ اللهَ). قوله تعالى بعد حكاية (إنَّهُمْ آتَّخَذوا أحْبارَهُمْ أرْبابآ مِنْ دونِ اللهِ... سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكونَ ).

الثاني  : الأخبار الدالّة على ذلک ، منها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي ابن جعفر، عن أخيه موسى  7، قال : سألته عن فراش اليهودي ... وقال  : لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة ... وسألته عن رجل اشترى ثوبآ من السوق ... وما رواه الكليني ... سألته عن مؤاكلة المجوسي . وما رواه علي ابن جعفر... ثمّ يذكر الروايات الاُخرى التي مرّت علينا فلا نعيد رومآ للاختصار،
ثمّ قال : وفيه نظر، أمّا الاحتجاج بالآيتين فلما عرفت على أنّ إثبات كونهم مشركين بالمعنى المقصود في الآية لا يخلو عن إشكال ، فإنّ الظاهر أنّ المراد بالشرک من اعتقد لله شريكآ في الإلهية ، ويجوز أن يكون إطلاق الشرک عليهم في قوله تعالى :
(سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكونَ )، بمعنى آخر كما هو الظاهر، فلا يعمّ الاستدلال . وقيل : وقد ورد في أخبارنا أنّ معنى اتّخاذهم الأحبار والرهبان أربابآ من دون الله امتثالهم أوامرهم ونواهيهم لا اعتقادهم أنّهم آلهة ، وربّما كان في الآيات المتضمّنة العطف المشركين على أهل الكتاب وبالعكس بالواو، إشعار بالمغايرة .

وأمّا الأخبار، فلكونها معارضة بأقوى منها دلالة ، فحملها على الاستحباب غير بعيد، ويدلّ على هذا الحمل بعض الأخبار الآتية . قال الشهيد الثاني : أكثر أخبار النجاسة يلوح منها إرادة الكراهة ، فإنّ النهي عن المصافحة والاجتماع على الفراش الواحد لا بدّ من حمله على الكراهة ، إذ لا خلاف في جوازه ، والأمر بغسل اليد من المصافحة مع كون الغالب انتفاء الرطوبة محتاج إلى الحمل على خلاف الظاهر أيضآ، وهذا كلّه يوجب ضعف دلالتها فيقرب فيها ارتكاب التأويل ، وذلک بحمل نواهيها على الكراهة وأوامرها على الاستحباب ، وإطلاق النهي عن الصلاة في الثوب قبل الغسل أيضآ يحتاج إلى التأويل على أنّ الأخبار الدالّة على النهي من مؤاكلتهم ، أو الأكل عن طعامهم ، أو الأكل عن إنائهم ، أو شرب سؤرهم ، غير دالّة على نجاستهم ، لعدم انحصار علّة شيء ممّا ذكر في النجاسة ، إلّا أن يثبت عدم القائل بالفصل .

وأمّا حجّة القول بطهارة أهل الكتاب فهي الأصل وظاهر قوله تعالى  : (وَطَعامُ الَّذينَ اُوتوا الكِتابَ حَلٌّ لَكُمْ )، والعرف قاضٍ في مثله بالعموم والاعتبار الذي ذكروها في عموم المفرد المعرّف باللام جارٍ ها هنا، فيجب الحمل على العموم ،
إذ لا قرينة على إرادة نوعٍ خاصّ ، وإذا ثبت العموم والغالب في الطعام المصنوع المباشرة بالأيدي مع قبوله الانفعال من حيث الرطوبة ، يلزم طهارة المباشرة لاستلزام أكل الطهارة . والأخبار الكثيرة منها: صحيحة إبراهيم بن محمود، قال  : قلت للرضا
 7: الجارية النصرانية تخدمک ... الخ ، ومنها صحيحة إبراهيم ابن محمود الاُخرى أيضآ، قال : سألت الرضا  7: الخيّاط أو القصار يكون يهوديآ أو نصرانيآ وأنت تعلم أنّه يبول ولا يتوضّأ، ما تقول في عمله ؟ قال  : لا بأس . ومنها: صحيحة عيسى بن القاسم : سألت أبا عبد الله عن مؤاكلة اليهودي ... الخ ، ومنها: صحيحة إسماعيل بن جابر: ما تقول في طعام أهل الكتاب ... الخ ، ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما  7، قال : سألت عن آنية أهل الذمّة ... الخ ، ومنها: حسنة الكاهلي ، سأله عن قوم مسلمين حضرهم رجل مجوسي يدعونه إلى طعامهم ، فقال : أمّا أنا فلا أدعوه ولا اؤاكله ، فإنّي لأكره أن اُحرّم عليكم شيئآ يصنعونه في بلادكم . ومنها: رواية زكريا بن إبراهيم ، قال  : دخلت على أبي عبد الله  7، فقلت : إنّي رجل من أهل الكتاب ، وإنّي أسلمت وبقي أهلي كلّهم على النصرانية ، وأنا معهم في بيتٍ واحد لم اُفارقهم بعد، فآكل من طعامهم ؟ فقال لي : يأكلون لحم الخنزير؟ قلت : لا، ولكنّهم يشربون الخمر. فقال لي : كل معهم واشرب . ومنها: صحيحة علي بن جعفر، قال : سألته عن اليهودي والنصراني يضع يده في الماء... الخ . ومنها: موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد الله  7، قال : سألته عن الرجل ، هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب على أنّه يهودي ؟ فقال : نعم ، قلت : فمن ذاک الماء الذي يشرب منه ؟ قال : نعم .

هذا غاية ما يمكن أن يحتجّ به للطهارة ، ويرد على التعلّق بالآية ، أمّا أوّلا :
فلأنّا لا نسلّم أنّ المراد بالطعام مطلق المأكول ، لجواز أن يكون المراد به الحنطة

بناءً على أنّ استعمال لفظ الطعام في البُرّ حقيقة أو غلب استعماله فيه ، قال صاحب المجمل : قال بعض أهل اللغة : الطعام : البرّ خاصّة ، وذكر حديث أبي سعيد.. وسلّمنا أنّ الآية بظاهرها عامّة ، إلّا أنّ الأخبار ناطقة بتخصيصه ، منها : ما رواه الصدوق عن هشام بن سالم في الصحيح عن أبي عبد الله  7، في قوله  : (وَطَعامُ الَّذينَ اُوتوا الكِتابَ )، قال : العدس والحمّص وغير ذلک ... يذكر المصنّف هنا إشكالا ويجيب ، فراجع . ثمّ يقول : ويرد على التعليق بالأخبار أنّه يجوز حملها على التقيّة جمعآ بينها وبين ما يعارضها من الأخبار السابقة الموافقة لعمل أكثر الأصحاب المخالفة لجمهور العامّة ، وربما كان في بعض الأخبار إشعار بذلک .

والتحقيق  : أنّه لولا الشهرة العظيمة بين العلماء وادّعاء جماعة منهم الإجماع على نجاسة أهل الكتاب ، كان القول بطهارتهم متّجهآ لصراحة الأخبار الدالّة على الطهارة على كثرتها في المطلوب ، وبُعد حمل الكلّ على التقيّة ، وقرب التأويل في أخبار النجاسة بحملها على الاستحباب والكراهة ، فإنّه حمل قريب ، خصوصآ إذا تأيّد ببعض القرائن كما مرّ، على أنّ شيئآ منها غير دالّ على النجاسة ، وإن حمل على الإيجاب والتحريم ، إلّا أن يثبت عدم القائل بالفصل ، فتدبّر جدّآ، وعليک بالاحتياط . انتهى كلامه رفع الله مقامه . فهو يميل إلى طهارة أهل الكتاب وإن قال بالاحتياط فكأنّه استحبابي ، كما جاء هذا المعنى أيضآ عند السيّد الخوئي في منهاج الصالحين .

وقال صاحب الحدائق الناضرة[37] : وأمّا ما استدلّ به على القول بالطهارة

فوجوه  :


الأوّل  : أصالة الطهارة حتى يقوم دليل النجاسة .

الثاني  : قوله عزّ وجلّ : (وَطَعامُ الَّذينَ اُوتوا الكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ )، فإنّه شامل لما باشروه وغيره ، وتخصيصها بالحبوب ونحوها مخالف للظاهر، لاندراجها في الطيّبات ، ولأنّ بعدها (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) شامل للجميع قطعآ، ولانتفاء الفائدة في تخصيص أهل الكتاب بالذكر، فإنّ سائر الكفّار كذلک .

الثالث  : الأخبار ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم ، سأل عن مواكلة اليهودي والنصراني ... وفي الصحيح عن إبراهيم بن أبي محمود في سؤال الإمام الرضا  7 عن الجارية النصرانية ، وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود أيضآ... وصحيحة إسماعيل بن جابر... وحسنة الكاهلي ... ورواية زكريا ابن إبراهيم ... وصحيحة علي بن جعفر... ورواية عمّار الساباطي ... ثمّ قال بعد نقله الروايات ـولم نذكرها إذ مرّت علينا ذلک بالتفصيل ، فلا نعيدـ فقال : أمّا الاستدلال بالأصل كما ذكروه فيجب الخروج عنه بالدليل ، وهو ما قدّمناه من الآية والروايات ، وأمّا الاستدلال بالآية فإنّ الظاهر من الأخبار المؤيّدة بكلام جملة من أفاضل أهل اللغة ، هو تخصيص ذلک بالحنطة وغيرها من الحبوب ، إمّا حقيقة أو تغليبآ بحيث غلب استعماله فيها. ثمّ يذكر الروايات الدالّة على أنّ المراد من الطعام الحنطة والحبوب ، كما ينقل مقولة أهل اللغة في ذلک كصاحب مجمل اللغة وصاحب الصحاح وفي المغرب ، ونقل ابن الأثير في النهاية عن الخليل ، وقال الفيومي في المصباح المنير، وفي شمس العلوم ... ثمّ قال : بقي الكلام هنا في الأخبار ومعارضتها بالأخبار المتقدّمة ، الحقّ عندي هو الترجيح لأخبار النجاسة ، وذلک من وجوه  :

الأوّل  : اعتضادها بظاهر القرآن الكريم وقوله تعالى : (إنَّما المُشْرِكونَ نَجَسٌ )...


الثاني  : كون أخبار الطهارة موافقة لمذهب العامّة بلا خلاف ، فتكون للتقيّة ...

الثالث  : اعتضاد أخبار النجاسة باتّفاق الأصحاب إلّا الشاذّ النادر الذي لا يعبأ بمخالفته ، قال في المعالم : ثمّ إنّ مصير جمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم ) إلى القول بالتنجيس مقتضٍ للاستيحاش في الذهاب إلى خلافه ، بل قد ذكرنا أنّ جماعة ادّعوا الإجماع على عموم الحكم بالتنجيس لجميع الأصناف . ثمّ ينقل ما قاله المحقّق السبزواري في ذخيرته كما قدّمناه ثمّ يقول في جوابه : أمّا ما ذكره من التأييد بالشهرة العظيمة فجيّد كما ذكرنا ومؤيّد لما اخترناه ، وأمّا ما ذكره من اتّجاه القول بالطهارة لولا ما ذكره لبعد الحمل على التقيّة وقرب التأويل في أخبار النجاسة بحملها على الاستحباب والكراهة ـكما ذهبنا إليه ـ فهو وإن سبقه إليه السيّد في المدارک ـكما عليه كثير من فقهائنا المعاصرين ـ إلّا أنّه اجتهاد محض في مقابلة النصوص ، وجرأة تامّة على أهل الخصوص ، لما عرفت من أنّهم  : قد قرّروا قواعد لاختلاف الأخبار ومهّدوا ضوابط في هذا المضمار، ومن جملتها العرض على مذهب العامّة والأخذ بخلافه ، والعامّة هنا كما عرفت متّفقون على القول بالطهارة ، أو هو مذهب المعظم منهم بحيث لا يعتدّ بخلاف غيرهم فيه ، والأخبار المذكورة مختلفة باعترافهم ، فعدولهم بآرائهم من غير دليل عليه من سنّة ولا كتاب ، جرأة واضحة لذوي الألباب . ثمّ لمّا كان صاحب الحدائق من الأخباريين في مرامه الفقهي ، فإنّه بطبيعة الحال يتهجّم على الاُصوليين وينتهز الفرصة على ذلک ، كما نجده هنا حيث يشنّ هجومآ على الفضلاء الأطياب ، فراجع .

من الأعلام الذي يذهب إلى نجاسة أهل الكتاب صاحب الجواهر  1، فإنّه يدخلهم ضمن المشركين في الآية ، كما يذكر أخبارآ في الباب ويقول  : وما دلّ نجاسة خصوص اليهود والنصارى أيضآ من المعتبرة ، وهي وإن كان
في مقابلها أخبار دالّة على الطهارة ، وفيها الصحيح وغيره ، بل هي أوضح من تلک دلالة ، بل لولا معلومية الحكم بين الإمامية ـبأنّ مطلق الكفّار نجس ـ وظهور بعضها في التقيّة ؛ لاتّجه العمل بها، لكن لا ينبغي أن يصغى إليها في مقابلة ما تقدّم ، وإن أطنب بعض الأصحاب في البحث عنها، وتجشّم محامل لها، يرجع الطرح عليها فضلا عن التقيّة .

كما أنّه لا ينبغي الإصغاء للاستدلال على الطهارة أيضآ بقوله تعالى  : (وَطَعامُ الَّذينَ اُوتوا الكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) بعد ورود الأخبار المعتبرة وفيها الصحيح والموثّق وغيرها بإرادة العدس والحبوب والبقول من الطعام ، سيّما مع تأييدها ـبقول أهل اللّغة ، فيذكر بعضها، كما مرّـ وأخيرآ يقول : وكيف كان فتطويل البحث في المقام تضييع للأيام في غير ما أعدّها له الملک العلّام .

وأمّا سيّدنا الحكيم  1، فإنّه يذكر طهارة أهل الكتاب كما جاء ذلک في المستمسک[38] ، قائلا بعد بيان الاستدلال بالآية على مطلق الكفّار ومناقشته

وبيان بعض الروايات الدالّة على نجاستهم : هذا ولكن يعارض النصوص المذكورة ـفي نجاسة الكفّارـ نصوص اُخرى ، منها: ما ورد في جواز الصلاة في الثياب التي يعملها المجوس وأهل الكتاب كصحيح معاوية : سألت أبا عبد الله  7 عن الثياب السابريّة يعملها المجوس وهم أخباث يشربون الخمر ونساؤهم على تلک الحال ، ألبسها ولا أغسلها واُصلّي فيها؟ قال  7: نعم ، قال معاوية  : فقطعت له قميصآ وخطته وفتلت له إزارآ ورداء من السابري ، ثمّ بعثت بها إليه في يوم الجمعة حين ارتفع النهار، فكأنّه عرف ما اُريد فخرج بها إلى الجمعة .
ونحوه غيره . وقد عقد لها في الوسائل بابآ في كتاب الطهارة
[39] ، لكن حملها  1

على صورة عدم العلم بتنجيسهم لها وهو غير بعيد، كما يشهد به ما ذكر في جملة من أنّهم يشربون الخمر ويأكلون الميتة ، ولا إشكال في نجاستهما، فلو كانت شاملة لصورة العلم بالملاقاة برطوبة كانت دالّة على طهارة الميتة والخمر أيضآ. ويشير إلى ذلک ما في صحيح ابن سنان : سأل أبي أبا عبد الله  7 وأنا حاضر: إنّي اُعير الذمّي ثوبآ، وأنا أعلم أنّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيردّه عليّ فأغسله قبل أن اُصلّي فيه ؟ فقال أبو عبد الله  7: صلِّ فيه ولا تغسله من أجل ذلک ، فإنّک أعرته إيّاه وهو طاهر، ولم تستيقن أنّه نجس ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجس ، ومن ذلک يظهر عدم دلالة ما تضمّن جواز الصلاة في الثوب الذي يشترى من اليهود والنصارى والمجوس قبل أن يغسل على طهارتهم . ومنها: ما تضمّن جواز مؤاكلتهم مثل صحيح العيص ... ودلالتها على الطهارة أيضآ غير ظاهرة لقرب احتمال كون الملحوظ في جهة السؤال مجرّد المؤاكلة لا المساورة ، ولا ينافيه ما ذكر من غسل اليد لاحتمال كونه دخيلا في ذلک بما أنّه من آداب الجلوس على المائدة ، لا من حيث كونه دخيلا في طهارة السؤر.

أقول  : ويبعد ذلک جدّآ، فإنّ لازم المؤاكلة تلاقي الأيدي والرطوبات غالبآ، كما أنّ السؤال ليس عن آداب الأكل والجلوس على المائدة ، إنّما في مقام حكم المؤاكلة من حيث الطهارة والنجاسة ، لا سيّما والمخالفين يقولون بالطهارة في مطلق المشركين ، فالسؤال عن أهل الكتاب بالخصوص ، إلّا أن يقال : ذلک من التقية . وهو بعيد أيضآ، كما يشهد الحال على ذلک .


ثمّ قال السيّد  1: ومنها: ما دلّ على جواز الأكل من طعام أهل الكتاب وآنيتهم والوضوء من سؤرهم كصحيح إسماعيل بن جابر... وخبر زكريا بن إبراهيم ... وصحيح ابن مسلم ... وموثّق عمّار... وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود الاُولى ... وصحيحته الاُخرى ... وصحيحة علي بن جعفر ـولم نذكر الروايات لأنّها مرّت علينا، فراجع . ثمّ قال : ـولكن يمكن أن يناقش ـ فذكر مناقشات في دلالة الروايات ، ومناقشاته قابلة للنقاش كما هو واضح ، ولهذا قال : وكيف كان نقول : إن أمكن البناء على المناقشات المذكورة في هذه النصوص ـولو للجمع بينها وبين ما دلّ على النجاسة ـ فهو المتعيّن . وإن لم يمكن ذلک لبعد المحامل المذكورة وإباء أكثر النصوص عنها، فالعمل بنصوص الطهارة غير ممكن لمخالفتها للإجماعات المستفيضة النقل ـكما عرفت ـ بل للإجملاع المحقّق ـكما قيل ـ... ثمّ يردّ مخالفة ابن الجنيد وابن أبي عقيل والشيخ المفيد في رسالته الغريّة والشيخ في النهاية ـكما مرّ تفصيل ذلک ـ فيقول : والعمدة في الحكم عندهم الإجماع ، واحتمال أنّ هذا الإجماع حدث في العصر المتأخّر عن عصر المعصومين  :. فلا يقدح بالعمل بنصوص الطهارة ، بعيد جدّآ، فإنّ كثرة الابتلاء بموضوع الحكم ممّا يمنع التفكيک بين الأزمنة في وضوحه وخفائه ، بحيث يكون بناء أصحاب الأئمّة على الطهارة ، وخفي ذلک على من تأخّر عنهم ، فتوهّموا بناءهم على النجاسة فبنوا عليها تبعآ لهم . وبالجملة : الوثوق النوعي المعتبر في حجّية الخبر لا يحصل في أخبار الطهارة بعد هذا الإجماع .

أقول  : بعد استعراض الإجماعات المنقولة في هذه المسألة نرى أنّها من الإجماع المدركي لا التعبّدي الكاشف عن قول المعصوم  7، فليس بحجّة بعد رجوعنا إلى المستندات والمدارک من النصوص الشرعية ، ولا يبعد أن يكون
الإجماع عند المتأخّرين دون المتقدّمين من أصحاب الأئمة في خصوص هذه المسألة ، لأنّهم ابتلوا بعصور خطرة وشرسة ضد الشيعة والتشيّع ، ممّا كان يؤدّي الأمر أن يخالفوا العامّة في معظم الأشياء، ومنها طهارة الكفّار، فخالفوهم حتّى في الكتابي الذي كان يحكم عليه بالطهارة ما لم يعلم بنجاسته ـأي نجاسته كانت عرضية وليست عينية وذاتيّة ـ وأخيرآ بعد النقض والإبرام يقول السيّد الحكيم
 1 : ومن ذلک تعرف أنّ الأقوى ما عليه الأصحاب من النجاسة لولا ما يقتضيه النظر في روايات نكاح الكتابية متعة أو مطلقآ[40] ، فإنّها على كثرتها واشتهارها وعمل  

الأصحاب بها لم تتعرّض للتنبيه على نجاستها، فإن الملابسات والملامسات التي تكون بين الزوج والزوجة لا تمكن مع نجاسة الزوجة ، ولم يتعرّض في تلک النصوص للإشارة إلى ذلک ، فلاحظها وتدبّر. بل الذي يظهر من مجمع البيان المفروغية عن حلّ طعام الكتابي إذا لم يكن محتاجآ إلى التذكية ، وأنّ الخلاف في طهارة ما هو محتاج إلى التذكيّة من اللحوم والشحوم ، فراجع ، والله سبحانه وليّ التوفيق . انتهى كلامه .

وقال سيّدنا الخوئي  1[41] ، بعد الاستدلال بالآية الشريفة (إنَّما المُشْرِكونَ

نَجَسٌ )، ومناقشة الاستدلال قائلا ـبعد بيان أنّ المشرک ومنكر الله والناصبي يحكم عليهم بالنجاسة ، وأنّه لا خلاف في ذلک ـ: وأمّا غير هذه الفرق الثلاث من أصناف الكفّار كأهل الكتاب فقد وقع الخلاف في طهارتهم ، وهي التي نتكلّم عنها في المقام ،
فقد يستدلّ على نجاسة الكافر بجميع أصنافه بقوله :
(إنَّما المُشْرِكونَ نَجَسٌ )، وبما أنّ أهل الكتاب قسم من المشركين لقوله تعالى حكايةً عن اليهود: (عَزيرُ آبْنُ اللهِ)، (سُبْحانهُ عَمَّا يُشْرِكونَ ) فتدلّ الآية المباركة على نجاسة أهل الكتاب كالمشركين .

وقد اُجيب عن ذلک باُمور ونوقش فيها بوجوه لا يهمّنا التعرّض لها، ولا لما اُورد عليها من المناقشات ، بل يصحّ في الجواب أن يقال : أنّ النجس عند المتشرّعة وإن كان بالمعنى المصطلح عليه ، إلّا أنّه لم يثبت كونه بهذا المعنى في الآية المباركة لجواز أن لا تثبت النجاسة ـبهذا المعنى الاصطلاحي ـ على شيء من الأعيان النجسة في زمان نزول الآية أصلا، وذلک للتدرّج في بيان الأحكام ، بل الظاهر أنّه في الآية المباركة بالمعنى اللّغوي وهو القذارة ، وأيّ قذارةٍ أعظم وأشدّ من قذارة الشرک ؟ وهذا المعنى هو المناسب للمنع عن قربهم من المسجد الحرام ، حيث إنّ النجس بالمعنى المصطلح عليه لا مانع من دخوله المسجد الحرام فيما إذا لم يستلزم هتكه ، فلا حرمة في دخول الكفّار والمشركين المسجد من جهة نجاستهم ـبهذا المعنى ـ وهذا بخلاف النجس بمعنى القذر، لأنّ القذارة الفكرية مبغوضة عند الله سبحانه ، والكافر عدوّ الله وهو يعبد غيره ، فكيف يرضى صاحب البيت بدخول عدوّه على بيته ؟ وكيف يناسب دخول الكافر بيتآ يعبد فيه صاحبه وهو يعبد غيره ؟

أقول  : مقولته الأخيرة  1 أشبه بالخطاب الحماسي من البرهان القياسي ، فإنّه لو تَمّ ، لقيل بأنّ الله الطاهر جلّ جلاله ، كما لا يرضى أن يدخل بيته القذر الباطني والفكري والعقائدي ، فكذلک لا يرضى بالقذارة العينيّة الحسّية ، فإنّه يحرم تنجيس المسجد وهتک حرمته ، وأيّ هتکٍ أعظم من دخول من كان تجسيدآ
للنجاسة العينيّة ، وأنّ الظاهر عنوان الباطن ، فتأمّل .

ثمّ قال السيّد  1: وثانيآ: إنّ الشرک له مراتب متعدّدة لا يخلو منها غير المعصومين  : وقليل من المؤمنين ، ومعه كيف يمكن الحكم بنجاسة المشرک بما له من المراتب المتعددة ؟ فإنّ لازمه الحكم بنجاسة المسلم المرائي في عمله ، حيث إنّ الرياء في العمل من الشرک ، وهذا كما ترى لا يمكن الالتزام به ، فلا مناص من أن يراد بالمشرک مرتبة خاصّة منه وهي ما يقابل أهل الكتاب .

أقول  : لا شکّ أنّ للشرک مراتبآ، فإنّه من الكلي المشكک ذي المراتب الطولية والعرضية ، إلّا أنّ المراد من المرتبة الخاصّة منه ، ليس ما يقابل أهل الكتاب ، بل المراد الشرک في العقيدة ، فهو أعمّ ، قد خرج منه الشرک العملي ، وقد مرّ تفصيل هذا البحث في المقدّمة ، وحينئذٍ يكون المراد الشرک في العقيدة ، وهو يعمّ الكتابي أيضآ، لا سيّما لو تمسّكنا بالآيات التي تُشير إلى ذلک كقول اليهود: العزير ابن الله، والنصارى ، المسيح بن الله، وقوله سبحانه وتعالى : (سُبْحانهُ عَمَّا يُشْرِكونَ ).

ثمّ قال السيّد  1: وثالثآ: إنّ ظاهر الآيات الواردة في بيان أحكام الكفر والشرک ـومنها هذه الآية ـ أنّ لكلّ من المشرک وأهل الكتاب أحكامآ ما تخصّه ـمثلاـ لا يجوز للمشرک السكنى في بلاد المسلمين ويجب عليه الخروج منها، وأمّا أهل الكتاب فلا بأس أن يسكنوا في بلادهم مع الالتزام بأحكام الجزية والتبعيّة للمسلمين ، فحكمهم حكم المسلمين ، وغير ذلک ممّا يفترق فيه المشرک عن أهل الكتاب ، ومنه تبرّيه سبحانه من المشركين دون أهل الكتاب ، ومعه كيف يمكن أن يقال إنّ المراد من المشركين في الآية أعمّ من أهل الكتاب ؟ فإنّ ظاهرها أنّ المشرک في مقابل أهل الكتاب .

أقول  : الظاهر العموم للإطلاق ، ومجرّد احتمال التفرقة بين المشرک والكافر
في المورد وإن كان في موارد اُخرى لا يكفي ـلا سيّما إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال ـ ثمّ سبحانه يتبرّأ من المشرک وكذلک من الكتابي كما في سورة الحمد في قوله تعالى :
(غَيْرِ المَغْضوبِ ) المفسّر باليهود (وَلا الضَّالِّينَ ) المفسّر بالنصارى ، فتدبّر.

ثمّ قال السيّد  1: فالإنصاف أنّ الآية لا دلالة لها على نجاسة المشركين فضلا عن دلالتها على نجاسة أهل الكتاب .

وهذا يعني ما قاله أبناء العامّة من القذارة الباطنية والعرضية ، لا العينيّة والظاهرية الذاتيّة ، إلّا أنّ السيّد المحقّق  1 قال : إلّا أنّک عرفت أنّ نجاسة المشركين مورد التسالم القطعي بين أصحابنا، قلنا بدلالة الآية أم لم نقل ، ـوقد أشرنا إلى هذا المعنى في أوّل الفصل ـ كما أنّ نجاسة الناصب ومنكري الصانع ممّا لا خلاف فيه ، فلا بدّ من التكلّم في نجاسة غير هذه الأصناف الثلاثة من الكفّار، ويقع الكلام أولا في نجاسة أهل الكتاب ، ثمّ نعقبه بالتكلّم في نجاسة بقيّة الأصناف . فيذكر الروايات الدالّة على النجاسة ومعارضتها بالدالّة على الطهارة وترجيحها والجمع بينهما.

فقال  1 ورفع الله مقامه[42] : المشهور بين المتقدّمين والمتأخّرين : نجاسة

أهل الكتاب . بل لعلّها تعدّ عندهم من الاُمور الواضحة ، حتّى أنّ بعضهم ـعلى ما في مصباح الفقيه ـ ألحق المسألة بالبديهيات التي رأى التكلّم فيها تضييعآ للعمر العزيز، وخالفهم في ذلک بعض المتقدّمين وجملة من محقّقي المتأخّرين حيث ذهبوا إلى طهارة أهل الكتاب ، والمتّبع دلالة الأخبار، فلنقُل ـأوّلاـ الأخبار المستدلّ بها
على نجاسة أهل الكتاب ، ثمّ نعقبها بذكر الأخبار الواردة في طهارتهم ، ليرى أيّهما أرجح في مقام المعارضة . فمنها: حسنة سعيد الأعرج ، ولا إشكال في سندها، كما إنّ دلالتها تامّة ؛ لأنّ ظاهر السؤال من سؤرهم نظير السؤال عن سؤر بقية الحيوانات إنّما هو السؤال عن حكم التصرّف فيه بأنحاء التصرّفات ، وقد صرّح بالسؤال عن أكله وشربه في رواية الصدوق ـثمّ يذكر الروايات الاُخرى ويناقشها سندآ ودلالة ـ ثمّ قال : هذا تمام الكلام في الأخبار المستدلّ بها على نجاسة أهل الكتاب ، وقد عرفت المناقشة في أكثرها، ولكن في دلالة بعضها على المدّعى غنىً وكفاية ، بحيث لو كنّا وهذه الأخبار لقلنا بنجاسة أهل الكتاب لا محالة ، إلّا أنّ في قبالها عدّة روايات معتبرة فيها صحاح وغير صحاح دلّت بصراحتها على طهارتهم ، وإليک نصّها، فمنها: صحيحة العيص بن القاسم ... ومفهومها عدم جواز مؤاكلتهم إذا كان من طعامهم أو لم يتوضؤوا، ومن ذلک يظهر أنّ المنع حينئذٍ مستند إلى نجاسة طعامهم أو نجاسة أبدانهم العرضية الحاصلة من ملاقاة شيء من الأعيان النجسة كلحم الخنزير وغيره ... وكيف كان فالصحيحة بصراحتها دلّت على طهارة أهل الكتاب بالذات وجواز المؤاكلة معهم في طعام المسلمين إذا توضّؤوا ـأي غسلواـ إذ لولا طهارتهم لم يكن وجه لجواز مؤاكلتهم سواء توضّؤوا أم لم يتوضّؤوا. وعليه فيكون المنع عن المؤاكلة من طعامهم مستندآ إلى نجاستهم العرضية لا محالة . ثمّ يذكر الروايات الاُخرى الدالّة على ذلک كما مرّ. ثم قال : وبعد ذلک لا بدّ من ملاحظة المعارضة بينها وبين الأخبار الواردة في نجاستهم . فنقول : مقتضى الجمع العرفي بين الطائفتين حمل أخبار النجاسة على الكراهة ، لأنّ الطائفة الثانية صريحة أو كالصريحة في طهارتهم ، والطائفة الاُولى ظاهرة في نجاسة أهل الكتاب لأنّ العمدة في تلک الطائفة موثّقة سعيد
الأعرج أو حسنته المشتملة على قوله
 7: «لا»، وصحيحة علي بن جعفر المتضمّنة لقوله  7: «فيغسله ثمّ يغتسل »، وهما كما ترى ظاهرتان في النجاسة وقابلتان للحمل على الاستحباب والكراهة ، وأمّا الطائفة الثانية التي منها صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدّمة ، فهي كالصريح في أنّ النهي عن مؤاكلة أهل الكتاب تنزيهي وليست بحرام ، فتدلّ على طهارتهم بالصراحة ، ومعه لا مناص من رفع اليد عن ظاهر الاُولى بصراحة الثانية كما جرى على ذلک ديدن الفقهاء  5 في جميع الأبواب الفقهية عند تعارض النص والظاهر ـلأنّ النصّ من العلم ، والظاهر من الظنّ ، والظنّ حجّة فيما لم يكن العلم كما هو واضح ـ ومن هنا ذهب صاحب المدارک والسبزواري  0 إلى ذلک وحملا الطائفة الاُولى على الكراهة واستحباب التنزّه .

إلّا أنّ معظم الأصحاب لم يرضوا بهذا الجمع ، بل طرحوا أخبار الطهارة ـعلى كثرتهاـ وعملوا على طبق الطائفة الثانية . والمستند لهم في ذلک ـعلى ما في الحدائق (ومرّ تفصيله )ـ أمران : الأوّل : دعوى أنّ أخبار الطهارة مخالفة للكتاب لقوله عزّ من قائل : (إنَّما المُشْرِكونَ نَجَسٌ )، وأخبار النجاسة موافقة له ، وقد بيّنا في محلّه أنّ موافقة الكتاب من المرجّحات ، و(يدفعه ): ما تقدّمت الإشارة إليه سابقآ من منع دلالة الآية المباركة على نجاسة المشركين فضلا عن نجاسة أهل الكتاب . وثانيهما: أنّ أخبار النجاسة مخالفة للعامّة لأنّ معظم المخالفين لولا كلّهم يعتقدون طهارة أهل الكتاب ، وقد ورد في روايات أئمتنا  : الأمر بأخذ ما يخالف مذهب المخالفين من المتعارضين ، ومقتضى ذلک الأخذ بما دلّ على نجاسة أهل الكتاب وحمل أخبار الطهارة على التقيّة ـويذكر السيّد هجوم صاحب الحدائق على من لم يذهب إلى ذلک في هذا المقام ـ ثمّ يقول : ولا يخفى
أنّ رواياتنا وإن تضمّنت الأمر بعرض الأخبار الواردة على مذهب المخالفين والأخذ بما يخالفه ، إلّا أنّه يختصّ بصورة المعارضة ، وأين التعارض بين قوله
 7 (لا) في أخبار النجاسة ، وبين تصريحه  7 بالكراهة والتنزيه في نصوص الطهارة ؟ فهل ترى من نفسک أنّهما متعارضان ؟ فإذا لم يكن هناک معارضة ، فلماذا تطرح نصوص الطهارة على كثرتها؟ ثمّ يدفع حمل الأخبار على التقيّة في مقام الحكم وفي مقام العمل ، فراجع . ثمّ يقول : وعلى الجملة إنّ القاعدة تقتضي العمل بأخبار الطهارة وحمل أخبار النجاسة على الكراهة واستحباب التنزّه عنهم ، كما إنّ في نفس الأخبار الواردة في المقام دلالة واضحة على ارتكاز طهارة أهل الكتاب في أذهان المتشرّعة في زمانهم  :، وإنّما كانوا يسألونهم عن حكم مؤاكلتهم أو غيرها لأنّهم مظنّة النجاسة العرضية ... فيذكر السيّد الروايات الدالّة على ذلک ، ثمّ قال : ـ وبذلک ظهر أنّ طهارة أهل الكتاب كانت ارتكازية عند الرواة إلى آخر عصر الأئمّة  :، وإنّما كانوا يسألونهم عمّا يعمله أهل الكتاب أو يساوره من أجل كونهم مظنّة النجاسة العرضية ، ومن هنا يشكل الإفتاء على طبق أخبار النجاسة ، إلّا أنّ الحكم على طبق روايات الطهارة أشكل ، لأنّ معظم الأصحاب من المتقدّمين والمتأخّرين على نجاسة أهل الكتاب فالاحتياط اللزومي ممّا لا مناص عنه في المقام .

أقول  : ولمثل هذا الإستيحاش من مخالفة معظميّة الأصحاب أو المشهور أو مخالفة الإجماعات المنقولة أو المتواترة نرى كثيرآ من الفقهاء من يتوقّف عن الإفتاء بالصّراحة في مخالفة المشهور، إلّا من كان كابن إدريس الحلي ، فإنّه يحاول أن يكسر الطوق ، ولا يخاف من لومة اللّائم وهجمة الناقم ، وكثيرآ ما يحارب أمثال هؤلاء في حياتهم ، لحجاب المعاصرية من قبل خصومهم ، إلّا أنّه
بعد رحلتهم ، فإنّهم يذكرون بتبجيلٍ واحترام وتقديس ، حتّى يوسم ابن إدريس بفحل الفحول ، وللحروب رجالها.

هذا ولتعميم الفائدة وترسيخ المعنى والتحليق في الأجواء العلمية مع عبائر علمائنا الأعلام ، لا بأس أن أذكر ما قاله الشيخ عبد النّبي العراقي  1[43] ، بعد أن ذكر

الآية والروايات الدالّة على النجاسة ونجاسة أهل الكتاب ، قال : وإن أمكن المناقشة في دلالة بعضها، لكنّ العمدة أنّ في مقابل تلک الأخبار عدّة أخبار دالّة على الطهارة ، وهي أكثر عددآ منها، وأصحّ سندآ منها، وأوضح دلالة منها، ولا غرو علينا في نقل نبذة منها ـفينقل بعض الروايات التي ذكرنا معظمها حسب التتبّع ـ فيقول : إلى غير ذلک من الأخبار الواردة في طهارتهم ، هذا ولكن مع قطع النظر عن المناقشة في سند البعض أو الدلالة المذكورة في كتب الأصحاب ، إنّ تلک الأخبار الدالّة على الطهارة كما أشرنا، وإن كانت أكثر وأوضح دلالة من الدالّة على النجاسة ، لكنّه لا بدّ أن تحمل على التقيّة ، إذ مذاهب العامّة برمّتهم على الطهارة ، فحينئذٍ لو بني على المعارضة ، فلا بدّ من الأخذ بأخبار النجاسة وطرح أخبار الطهارة من جهات عديدة  :

الاُولى  : أنّها موافقة لمذاهب العامّة ، وأخبار النجاسة مخالفة لهم برمّتهم ، حتّى أنّهم في أغلب المسائل قد اختلفوا فيها، وفي تلک المسألة لم أجد فيهم مخالفآ، لا قبل اتّفاقهم على المذاهب الأربعة ولا بعدهم .

أقول  : أوّلا: إنّما يؤخذ في الأخبار المتعارضة بما يخالف العامّة ـحسب الأخبار العلاجية ـ فيما لا يمكن الجمع العرفي بينها، فإنّه يرجع حينئذٍ إلى المراجحات
الداخلية أو الخارجية ، ومنها ما يوافق كتاب الله ، ومنها ما يخالف العامّة ، فإنّ الرشد في خلافهم ، أمّا إذا أمكن الجمع ، فالجمع مهما أمكن أولى من الطرح ، فحينئذٍ يرجع إلى الجمع ، لا سيّما لو كان عليه شاهدآ من الكتاب أو السنّة أو العقل أو الإجماع ، وما نحن فيه قد جمعنا بين الأخبار المتعارضة كما مرّ تفصيله ، فلا مجال للرجوع إلى المرجّحات ، ومن ثمَّ عند التساوي نقول بالتساقط والرجوع إلى الاُصول العملية ، أو بالتخيير على اختلاف المباني ، كما هو في محلّه في علم اُصول الفقه . وثانيآ: عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود، فإنّه يدّعي أنّه لم يجد فيهم مخالفآ، والحال قد مرّ علينا في الفصل الأوّل اختلاف القوم أيضآ في نجاسة الكفّار أو طهارتهم وإن كان المشهور عندهم الثاني ، فتأمّل .

ثمّ قال الشيخ المحقّق : والثانية : أنّ أخبار النجاسة موافق للكتاب كما عرفت بأنّه ناطق بالنجاسة ، وأخبار الطهارة مخالفة للكتاب .

أقول  : قد ذكرنا بالتفصيل أنّ المراد من المشرک عابد الصنم ومن كان منكرآ للاُلوهية بالأولوية ، وأمّا أهل الكتاب فقد خرج بالدليل باعتبار الروايات الدالّة على ذلک ، هذا أوّلا. وثانيآ: لقد مرّ علينا الإشكالات الخمسة على الاستدلال بالآية الشريفة ، لا سيّما خامسها، حيث من الصعب الذبّ عنه ، فيلزم إجمال الاستدلال ، ومعه لا يمكن أن يتمسّک به على نجاسة الكفّار ذاتآ. وثالثآ إنّما تكون أخبار النجاسة في خصوص الكتابي موافق للكتاب لو ثبت دخوله تحت عنوان المشرک في الآية بالخصوص ، وأنّى لكم إثبات ذلک فدونه خرط القتاد كما مرّ.

ثمّ قال : والثالثة : أنّ أخبار النجاسة هو المشهور وأخبار الطهارة شاذّ نادر.

أقول  : سبحان الله، فإنّه ينقض كلامه في نفس الصفحة وقبل سطور حيث قال : (إنّ تلک الأخبار الدالّة على الطهارة كما أشرنا وإن كانت أكثر وأوضح دلالة
من الدالّة على النجاسة ) فإذا كانت أكثر يا هذا، كيف تكون شاذّة ونادرة ؟!

هذا أوّلا، وثانيآ: ربّ مشهور لا أصل له ، كما إنّ الشهرة الفتوائية ليست بحجّة ، كما إنّه في مقام التعارض يلزم أن يؤخذ قوله  7: «خذ ما اشتهر بين أصحابک » قبل الرجوع إلى مخالفة العامّة ، أضف إلى ذلک ، أنّه يمكن الجمع العرفي كما ذكرنا بحمل أخبار النجاسة على التنزيه والكراهة ، ومعه لا مجال للرجوع إلى المرجّحات ، فإن الجمع مهما أمكن أولى .

ثمّ قال : والرابعة : موافقة الاحتياط ، والطهارة مخالفة له .

أقول  : ربّما الاحتياط في ترک الاحتياط كما لو لزم العسر والحرج ، سيّما فيما لو اضطرّ إلى مراودة أهل الكتاب في بلادهم ، فليس كل احتياط واجب إلّا مع العلم الإجمالي ، نعم الاحتياط العقلي فإنّه حسنٌ على كلّ حال ، ولكن ما لم يستوجب الوسوسة والعسر والحرج ، ثمّ الكلام في إثبات أصل الحكم الشرعي التوقيفي التعبّدي ، ومثل هذا الاحتياط لا دليل عليه ، سوى الاستحسانات العقلية التي لا دليل عليها.

ثمّ في الوجه الخامس يستعمل الشيخ كصاحب الحدائق اُسلوبآ خطابيآ حماسيّآ، وكأنّه في مقام الخطابة ، وبظنيّاته يريد أن يُثير الانتفاضة في نفوس الجماهير، على أنّ أخبار الطهارة مخالفة للإجماع ، والحال ليس كذلک كما مرّ بيانه بالتفصيل فلا نعيد، إلّا أنّه نذكر ما قاله في الوجه الخامس ، حتّى يعرف المطالع كيف إنّ بعض الأعلام يستعمل الاُسلوب الخطابي في مقام البرهان والاستدلال ، فيقول  1: والخامسة : أنّ أخبار الطهارة مخالفة للإجماع ، بل مخالفة لتواتر الإجماعات ، بل مخالفة لضرورة المذهب ، كما عرفت عن حاشية المدارک ، وأخبار النجاسة موافقة لها، بل لم يوجد القائل بالطهارة بين الإمامية ـاُنظر هذا الإدّعاء
الكبير ولا تعجب !!ـ وعليه تلک الأخبار الدالّة على الطهارة قد أعرض عنها الأصحاب فلا يشملها دليل الحجّية حتى يقع التعارض ، فلا تعارض مع أخبار النجاسة حتى يحتاج إلى ملاحظة المرجّحات ، ـإسمع هذا الاُسلوب الخطابي ـ أترى أنّ هؤلاء أعلام الدين واُمناء الرحمن وأولياء أيتام آل محمّد
 9 وعمد السماوات ونوّاب الحجّة  7 وخلفاء الرحمة بنصّ الرسول لم يقفوا على تلک الأخبار، ولم يطّلعوا عليها مع أنّها بواسطتهم وصلت إلينا، وعليه فتلک الأخبار الدالّة على الطهارة بأيّ مكانة كانت سندآ ودلالة لا اعتبار بها لإعراض المذهب عنها، وقد أشرنا بأنّه ليس في المذهب مخالف أصلا حتّى أنّ الذي نسب إليه الخلاف أيضآ كلامه في مقام آخر، لا النسبة ، بل كلّ واحد يتكلّم في شيء غير مرتبط بالمقام حتّى لو كان له ربط أيضآ يكون من جهة اُخرى ، ككون الماء قليلا، وإنّه يرى عدم انفعاله ، أو ذكر في صدر كلامه وبعده ما يدلّ أنّ القائل يريد شيئآ آخر كالشيخ ، وكيف كان لا يعتنى بخلاف من خالف على فرض وجوده ، سبقه الإجماعات ولحقهم كذلک ، فالحقّ أنّ أهل الكتاب من الكفّار كسائر الفرق .

ونقول  : بل الحقّ أنّهم خرجوا بالدليل وليس كسائر الفرق .

ثمّ قال  : وأمّا المجوس فهل أنّهم من أهل الكتاب أم لا؟ فيه خلاف . والحقّ كما عليه المشهور: أنّهم من أهل الكتاب ، ولا ينافي في كونهم كذلک مع كونهم مشركين بعد ارتفاع كتابهم كاليهود والنصارى ، ثمّ يذكر المصنّف حكم رطوبات الكافر وأجزائه سواء كانت ممّا تحلّه الحياة أو لا، وأنّها محكومة بالنجاسة مطلقآ، ثمّ قال : هذا وإنّي بعد ذلک ظفرت بطرفة شيء في رسالة بعض من لا حظّ له من العلم في طهارة أهل الكتاب من أعظم الدليل على طهارتهم جواز تزويج الكتابية ـكما أشار إلى ذلک سيّدنا الخوئي  1ـ وجواز اتّخاذها ظئرآ وجواز إعارتهم الثوب
وأثاث البيت ثمّ لبسه بعد الاسترداد بدون غسل ، وجواز مخالطتهم كما عن الأئمّة
 : وخواصّهم من الخاصّة والعامّة مع قضاء العادة بابتلائهم بمشاورتهم ، وحكم قضاء العادة ببقاء ما في أيديهم عند الملاقاة ، ومن جواز تغسيل الكتابي للميّت المسلم عند فقد المماثل والمحرم ، وجواز أخذ الطعام بنصّ الكتاب ، إلى غير ذلک من الخطابيات . ثمّ ينقض هذه الوجوه بما لا يشفي الغليل حيث لا برهان ولا دليل ، إنّما وقع فيما نسب إلى غيره من الخطابيات ، فراجع .

هذا وقد ظهر ممّا ذكرنا طهارة الكتابي وإن كان الأحوط الاجتناب عنه ، ومثل هذا الاحتياط يقول به كثير من أصحابنا المتقدّمين والمتأخّرين ومتأخّريهم ، كالسيّد الطباطبائي  1[44] ، فقال : والنصوص المعتبرة بنجاسة أهل الكتاب

مستفيضة وبفحواها يستدلّ على نجاسة غيرهم من أصناف الكفّار، إلّا أنّها معارضة بروايات اُخر معتبرة الأسانيد، لكنّها موافقة للتقيّة مخالفة للإجماعات المحكيّة والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعآ، بل إجماع البتّة ، كيف لا ويعدّ نجاستهم عوامّ العامّة والخاصّة فضلا من فضلائهم من خصائص الإمامية ، فحملها على التقيّة متعيّن البتّة مع إشعار بعض أخبار الطهارة بها، ففي الحسن  : «أمّا أنا فلا أدعوه ولا اُواكله وإنّي لأكره أن اُحرّم عليكم شيئآ تصنعونه في بلادكم »، ويؤيّده مصير الاسكافي إليها، ثمّ يذكر السيّد المخالفين للإجماع ويبرّر مخالفتهم كما مرّ تكرارآ ومرارآ، على أنّ مخالفة المفيد لنا في الغريّة غير معلومة لذكره الكراهة وظهورها في المعنى المصطلح في زمانه غير معلوم ، فيحتمل الحرمة ، وكذا مخالفة العماني ـابن أبي عقيل ـ لتصريحه بطهارة أسآرهم ، ويحتمل إرادة
ماء القليل من السؤر، كما قيل إنّه المصطلح بين الفقهاء من لفظ السؤر حينما ذكروه ، وأمّا الشيخ (الطوسي ) في النهاية فعبارته فيها صريحة في النجاسة ، وإن أتى بعدها بما ربّما ينافيها، لكنّها مأوّلة بتأويلات غير بعيدة تركن النفس إليها، بعد إرادة الجمع بينه وبين العبارة الصريحة في النجاسة ، وعلى تقدير مخالفة هؤلاء المذكورين لا يمكن القدح في الإجماعات المستفيضة المحكية بخروجهم البتة كما مرّ غير مرّة ، وحيث قد عرفت انحصار أدلّة نجاسة الكفّار في الإجماع وفحوى الأخبار... انتهى موضع الحاجة من كلامه .

لكنّ حمل روايات الطهارة على التقيّة مردود كما مرّ بيانه بالتفصيل ، كما إنّ مخالفة الإجماع المدركي لا يقدح ، إلّا أنّه يبقى الاستيحاش منه والتخوّف ، لا سيّما إذا كان مقبولا ومنقولا في كلّ طبقات الفقهاء ـكما في ما نحن فيه ـ فكيف يجرأ الفقيه أن يُفتي بالصراحة خلاف المئات بل الاُلوف من الفقهاء الأعلام وأصحابنا الكرام ، فلا بدّ أن يخضع أمام هذا الحشد الهائل ، ويقول بالاحتياط كما ذهبنا إليه ، بعد القول بطهارة أهل الكتاب .

وممّن قال بطهارتهم من القدماء الشيخان ـالطوسي والمفيد عليهما الرحمة ـ والقديمان ـابن الجنيد وابن أبي عقيل ـ ومن المتأخّرين صاحب المدارک والمحدّث الجليل الكاشاني في الوافي والمفاتيح ، والمحقّق الخراساني في الجزء الأوّل من (اللمعات النيّرة في شرح تكملة التبصرة )، إلّا أنّه صرّح في آخر كلامه بعد تقوية أدلّة الطهارة أنّ الفتوى على خلافهم جسارة وجرأة ، والاحتياط طريق النجاة . والشيخ علي بن الحسين العاملي في توفيق المسائل على ما حكي عنه ، والسيّد الحكيم كما جاء في رسالة الإسلام العدد 201 تحت عنوان فتاوى تهمّک فقال  : الكتابي طاهر إذا كان طاهرآ من النجاسات التي يساورها ـكالبول والمني والدم
والخنزير وغيرهاـ والشيخ يوسف الشاهرودي في مدارک العروة ، والشيخ محمّد رضا آل ياسين في بلغة الراغبين ، والسيّد محسن الأمين العاملي في الدرّ الثمين وحاشية التبصرة ، والسيّد عبد الحسين نور الدين صاحب الكلمات الثلاث ، وصدر الدين الصدر، والسيّد محمّد تقي آل بحر العلوم ، وحكي القول بالطهارة عن السيّد عبد الأعلى السبزواري ، والشيخ محمّد صالح الجزائري في رسالته الخطّية ، والسيّد محسن آل طاهر الموسوي في البيان في الحجّة والبرهان ، والشيخ عباس الصفائي القمي في شرحه الخطّي على العروة الوثقى .

ويقول الشيخ محمّد جواد مغنية[45] : قد عاصرت ثلاثة مراجع كبار من

أهل الفتيا والتقليد: الشيخ محمّد رضا آل ياسين في النجف الأشرف ، والسيّد صدر الصدر في قم ، والسيّد محمّد محسن الأمين في لبنان ، قد أفتوا جميعآ بطهارة الكتابي وأسرّوا بذلک إلى من يثقون به ، ولم يعلنوا خوفآ من المهوّسين ، وأنا على يقين بأنّ كثيرآ من فقهاء اليوم والأمس يقولون بالطهارة ، ولكنّهم يخشون أهل الجهل ... وقد حكى الشيخ حسن بن الشهيد الثاني عن والده : أنّ روايات الطهارة أوضح دلالة ، ثمّ قال : إنّ روايات الطهارة واضحة الدلالة ، والأصل معها عضد قوي .

والمحقّق الأردبيلي[46] ، بعد أن ذكر أخبار الباب والإجماع على النجاسة ،

قال  : وبالجملة ، لو لم يتحقّق الإجماع فالحكم بنجاسة جميع الكتابيين والمرتدّين والخوارج والغلاة والنواصب من إشكال .


ومن القائلين بطهارة الكتابي سيّدنا اللنگرودي[47]  في كتابه «لبّ اللباب

في طهارة أهل الكتاب ».

ومن القائلين سيّدنا الخوئي[48] ، كما مرّ تفصيل ذلک ، وإن قال : ويشكل

الإفتاء على طبق أخبار النجاسة ، إلّا أنّ الحكم على طبق روايات الطهارة أشكل ؛ لأنّ معظم الأصحاب من المتقدّمين والمتأخّرين على نجاسة أهل الكتاب ، فالاحتياط اللزومي ممّا لا مناص عنه في المقام . ولكن لو كان من المرتكز عند أصحاب الأئمّة طهارتهم كما أشار صاحب مجمع البيان إلى ذلک ، وإن كان سؤالهم باعتبار ما يمارسونه من النجاسات كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير، فيكون اشتهار القول بنجاستهم أمر حادث في عصر الغيبة الكبرى ، فلم تكن الشهرة متّصلة بزمنهم  : حتّى تكون حجّة ، وكيف يتوجّه إلى القول بالنجاسة بمجرّد اشتهاره عند المتقدّمين والمتأخّرين ، ويرفع اليد عن الأخبار الظاهرة والصريحة على طهارة أهل الكتاب ؟ ثمّ عمل المشهور ليس جابرآ لضعف الخبر مطلقآ، كما هو ثابت في محلّه .

فلا قيمة للشهرة كما لا أثر للإجماع فإنّه غير ظاهر، فضلا عن كون النجاسة أمرآ بديهيآ ضروريآ ـكما قيل ـ عند فقهاء أصحابنا الإمامية ، فبعد ذهاب ثلّة من القدماء وجملة من المتأخرين إلى طهارتهم ، كيف يدعى الإجماع على نجاستهم ؟! أضف إلى أنّه من الإجماع المدركي المظنون الذي لا يغني من الحقّ شيئآ.

كما إنّ مسألتنا كمسألة اشتهار نجاسة ماء البئر وانفعاله ووجوب نزح
المقدّرات عند وقوع شيء من النجاسات ، مع أنّه اشتهر عند المتأخّرين خلاف ذلک بعدم الانفعال واستحباب نزح المقدّرات ، فإجماعهم في مسألة البئر كان يستند إلى الإجماع والشهرة لما عندهم من المستندات من الروايات الدالّة بظاهرها على وجوب النزح ، وكذلک القول بنجاسة أهل الكتاب لم يكن تعبّديآ، إنّما استنادآ إلى ظاهر الكتاب والسّنة ، وهو كما ترى .

فاجتهاد القدماء في فهمهم نجاسة ماء البئر بالملاقاة ووجوب النزح من خلال الأخبار، لم يكن حجّة على من تأخّر عنهم ، فاستظهر المتأخّرون من أخبار الباب عدم النجاسة ، واستحباب النزح بعد أن تجرّأ أحدهم في فتح باب المخالفة ، إلى أن اشتهرت الطهارة في عصرنا هذا، فكذلک ما نحن فيه ، ولا يعني أنّ اُولئک الأوائل قد قلّدوا القدماء حتّى يكون ذلک قدحآ بهم ، بل من شدّة الاحتياط كان لا يجرأ على مخالفة المشهور بما يخطر على باله ، وبما يفهمه من الأدلّة .

وممّا يدلّ على طهارة الكتابي ـكما مرّـ جواز استمتاع الكتابية بالنكاح المنقطع وملک اليمين ، وجواز اتّخاذها ظئرآ، وجواز تغسيل الكتابي أو الكتابية للميّت المسلم أو المسلمة عند فقد المماثل والمحرم ، وجواز اشتراط ضيافة مارّة العساكر على أهل الذمّة ، وغير ذلک ممّا تدلّ بوضوح على طهارتهم ، لأنّ أمثال تلک الاُمور يستلزمها المسّ واللمس برطوبة ، وإلّا فإنّه يلزم الحمل على الفرد النادر الذي هو بحكم المعدوم .

وقد ناقشنا الأدلّة الدالة على نجاستهم وثبت عدم تماميّتها في ذلک ، وبهذا تمّ المطلوب من القول بطهارة أهل الكتاب ذاتآ وإن كان الأحوط الاجتناب عنهم .


 

 



[1] ()  الوسائل :6 340، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث 6.

[2] ()  بحار الأنوار :100 56، طبع طهران .

[3] ()  الأنعام : 121، ويوسف : 106.

[4] ()  آل عمران : 111 ـ 112.

[5] ()  ثمّ ذكرنا الروايات الدالّة بظاهرها على نجاسة أهل الكتاب ، إلّا أنّه ذكرنا مناقشتهاوعدم دلالتها على ذلک ، ومعارضتها بما هو أوضح دلالة ، وإنّ طهارة أهل الكتاب كانعندالرواة مفروغآ عنه ، إنّما السؤال في طهارتهم العرضية من جهة ملاقاتهم وعدم اجتنابهمالخمر ولحم الخنزير وما شابه ، ولولا ذلک لكان السؤال لغوآ من قبل الرواة .

[6] ()  سورة المائدة ، الآية 5.

[7] ()  الممتحنة : 10.

[8] ()  البقرة : 221.

[9] ()   راجع : الوسائل ، الجزء 1، باب ما يحرم بالكفر ونحوه . وكذلک المجلّد الثالث والسابع .وراجع تفسير الميزان :2 203.

[10] ()  الوسائل ، الجزء 1، باب من أبواب من ما يحرم بالكفر ونحوه . والجزء 5، باب 7 من أبوابما يحرم بالكفر ونحوه .

[11] ()  الوسائل ، الجزء 15، الباب 76 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1 ـ 4.

[12] ()  قرب الإسناد: 39 و62.

[13] ()  المبسوط :2 38.

[14] ()  الوسائل ، الجزء 10، الباب 19 من أبواب غسل الميّت .

[15] ()  الوسائل :2 1019، الباب 14، الحديث 5.

[16] ()  المصدر نفسه : الحديث 6.

[17] ()  المصدر نفسه : الحديث 8.

[18] ()  الوسائل ، الجزء 17، الباب 18 من أبواب ميراث الأبوين ، الحديث 3.

[19] ()  معجم رجال الحديث :19 28.

[20] ()  قال سيّدنا الخوئي  1: نعم ، الظاهر أنّه ثقة ، وذلک لأنّ صفوان قد شهد بأنّ كتاب موسىابن بكر ممّا لا يختلف فيه أصحابنا. وقد روى محمّد بن يعقوب بسنده عن ابن سماعة قال  :دفع إليّ صفوان كتابآ لموسى بن بكر عن علي بن سعيد عن زرارة ، قال (صفوان ): هذاممّاليس فيه اختلاف عند أصحابنا.

[21] ()  الوسائل 2، 1020، الباب 14 من أبواب النجاسات ، الحديث 10.

[22] ()  الوسائل :2 1020، الباب 14 من أبواب النجاسات ، الحديث 11.

[23] ()  الوسائل :16 385، الباب 54 من كتاب الأطعمة والأشربة ، الحديث 4.

[24] ()  الوسائل :16 385، الباب 54، الحديث 3.

[25] ()  راجع ذلک في الوسائل :16 الباب 51 ـ 54 من كتاب الأطعمة والأشربة .

[26] ()  مفاتيح الشرايع :1 70.

[27] ()  الأعراف : 190.

[28] ()  المائدة : 5.

[29] ()  الوسائل :3 519.

[30] ()  النهاية : 52، طبع وانتشار قدس ـ قم .

[31] ()  جامع المدارک في شرح المختصر النافع :1 201، طبع مؤسسة إسماعيليان ـ قم .

[32] ()  مدارک الأحكام :2 295، طبع مؤسسة آل البيت ـ قم .

[33] ()  النهاية : 586.

[34] ()  التوبة : 31.

[35] ()  الحبل المتين : 99.

[36] ()  ذخيرة المعاد: 150.

[37] ()  الحدائق الناضرة :5 169.

[38] ()  مستمسک العروة الوثقى :1 370، طبعة مكتبة السيّد النجفي العامّة ـ قم .

[39] ()  الوسائل ، كتاب الطهارة ، الباب 73 من أبواب النجاسات .

[40] ()  الوسائل ، الباب 2 ـ 8 من أبواب ما يحرم بالكفر من كتاب النكاح ، وباب 13 من أبوابالمتعة .

[41] ()  التنقيح :2 43.

[42] ()  التنقيح :2 45.

[43] ()  المعالم الزلفى :1 339.

[44] ()  رياض المسائل :1 85، الطبعة الحجرية .

[45] ()  فقه الإمام الصادق :1 34.

[46] ()  مجمع الفائدة :1 322.

[47] ()  من مشايخنا في الرواية دام ظله وشافاه الله وعافاه .

[48] ()  التنقيح :3 56.