- النوران الزهراء والحوراء
- الأقوال المختارة في احکام الصلاة سنة 1436هـ
- الکافي في اصول الفقه سنة 1436هـ
- في رحاب الخير
- الغضب والحلم
- إیقاظ النائم في رؤیة الامام القائم
- الضيافة الإلهيّة وعلم الامام
- البداء بين الحقيقة والافتراء
- سيماء الرسول الأعظم محمّد (ص) في القرآن الكريم
- لمعة من النورین الامام الرضا (ع) والسیدة المعصومة(س)
- الدوّحة العلوية في المسائل الافريقيّة
- نور الآفاق في معرفة الأرزاق
- الوهابية بين المطرقة والسندانه
- حلاوة الشهد وأوراق المجدفي فضيلة ليالي القدر
- الوليتان التكوينية والتشريعية ماذا تعرف عنها؟
- الصّارم البتّار في معرفة النور و النار
- بريق السعادة في معرفة الغيب والشهادة
- الشخصية النبوية على ضوء القرآن
- الزهراء(س) زينة العرش الإلهي
- مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
- نور العلم والعلم نور
- نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل
- دروس الیقین فی معرفة أصول الدین
- في رحاب اولى الألباب
- الله الصمد في فقد الولد
- في رواق الاُسوة والقدوة
- العلم الإلهامي بنظرة جديدة
- أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم
- الانسان على ضوء القرآن
- إجمال الكلام في النّوم والمنام
- العصمة بنظرة جديدة
- الشباب عماد البلاد
- الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين
- النور الباهر بين الخطباء والمنابر
- التوبة والتائبون علی ضوء القرآن والسنّة
- القصاص علی ضوء القرآن والسّنة الجزء الثاني
- القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الثالث
- القول الرشید فی الإجتهاد و التقلید 2
- القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد 1
- القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الاول
- الأقوال المختارة في أحكام الطهارة الجزء الأوّل
- أحكام السرقة على ضوء القرآن والسنّة
- الهدى والضلال على ضوء الثقلين
- في رحاب حديث الثقلين
- المأمول في تكريم ذرية الرسول 9
- عصمة الحوراء زينب 3
- عقائد المؤمنين
- النفحات القدسيّة في تراجم أعلام الكاظميّة المقدّسة
- قبس من أدب الأولاد على ضوء المذهب الإمامي
- حقيقة الأدب على ضوء المذهب
- تربية الاُسرة على ضوء القرآن والعترة
- اليقظة الإنسانية في المفاهيم الإسلامية
- هذه هی البرائة
- من لطائف الحجّ والزيارة
- مختصر دليل الحاجّ
- حول دائرة المعارف والموسوعة الفقهية
- رفض المساومة في نشيد المقاومة
- لمحات قراءة في الشعر والشعراء على ضوء القرآن والعترة :
- لماذا الشهور القمرية ؟
- فنّ الخطابة في سطور
- ماذا تعرف عن العلوم الغريبة
- منهل الفوائد في تتمّة الرافد
- سهام في نحر الوهّابية
- السيف الموعود في نحراليهود
- لمعة من الأفكار في الجبر والاختيار
- ماذا تعرف عن الغلوّ والغلاة ؟
- الروضة البهيّة في شؤون حوزة قم العلميّة
- النجوم المتناثرة
- شهد الأرواح
- المفاهيم الإسلامية في اُصول الدين والأخلاق
- مختصر دليل الحاجّ
- الشهيد عقل التاريخ المفكّر
- الأثر الخالد في الولد والوالد
- الجنسان الرجل والمرأة في الميزان
- الشاهد والمشهود
- محاضرات في علم الأخلاق القسم الثاني
- مقتل الإمام الحسين 7
- من ملكوت النهضة الحسينيّة
- في ظلال زيارة الجامعة
- محاضرات في علم الأخلاق
- دروس في علم الأخلاق
- كلمة التقوى في القرآن الكريم
- بيوتات الكاظميّة المقدّسة
- على أبواب شهر رمضان المبارک
- من وحي التربية والتعليم
- حبّ الله نماذج وصور
- الذكر الإلهي في المفهوم الإسلامي
- السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
- شهر رمضان ربيع القرآن
- فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
- منية الأشراف في كتاب الإنصاف
- العين الساهرة في الآيات الباهرة
- عيد الغدير بين الثبوت والإثبات
- بهجة الخواصّ من هدى سورة الإخلاص
- من نسيم المبعث النبويّ
- ويسألونک عن الأسماء الحسنى
- النبوغ وسرّ النجاح في الحياة
- السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
- نسيم الأسحار في ترجمة سليل الأطهار
- لمحة من حياة الإمام القائد لمحة من حياة السيّد روح الله الخميني ومقتطفات من أفكاره وثورته الإسلاميّة
- قبسات من حياة سيّدنا الاُستاذ آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي «قدّس سرّه الشريف »
- طلوع البدرين في ترجمة العلمين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الأمام الخميني 0
- رسالة من حياتي
- الكوكب السماوي مقدّمة ترجمة الشيخ العوّامي
- الكوكب الدرّي في حياة السيّد العلوي 1
- الشاكري كما عرفته
- كيف أكون موفّقآ في الحياة ؟
- معالم الصديق والصداقة في رحاب أحاديث أهل البيت
- رياض العارفين في زيارة الأربعين
- أسرار الحج والزيارة
- القرآن الكريم في ميزان الثقلين
- الشيطان على ضوء القرآن
- الاُنس بالله
- الإخلاص في الحجّ
- المؤمن مرآة المؤمن
- الياقوت الثمين في بيعة العاشقين
- حقيقة القلوب في القرآن الكريم
- فضيلة العلم والعلماء
- سرّ الخليقة وفلسفة الحياة
- السرّ في آية الاعتصام
- الأنفاس القدسيّة في أسرار الزيارة الرضويّة
- الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف وطول العمر في نظرة جديدة
- أثار الصلوات في رحاب الروايات
- رسالة أهل البيت علیهم السلام سفينة النجاة
- الأنوار القدسيّة نبذة من سيرة المعصومين
- السيرة النبوية في السطور العلوية
- إشراقات نبويّة قراءة موجزة عن أدب الرسول الأعظم محمّد ص
- زينب الكبرى (سلام الله علیها) زينة اللوح المحفوظ
- الإمام الحسين (علیه السلام) في عرش الله
- رسالة فاطمة الزهراء ليلة القدر
- رسالة علي المرتضى (علیه السلام) نقطة باء البسملة
- الدرّ الثمين في عظمة أمير المؤمنين - علیه السلام
- وميض من قبسات الحقّ
- البارقة الحيدريّة في الأسرار العلويّة
- رسالة جلوة من ولاية أهل البيت
- هذه هي الولاية
- رسالتنا
- دور الأخلاق المحمّدية في تحكيم مباني الوحدة الإسلاميّة
- أخلاق الطبيب في الإسلام
- خصائص القائد الإسلامي في القرآن الكريم
- طالب العلم والسيرة الأخلاقية
- في رحاب وليد الكعبة
- التقيّة في رحاب العَلَمَين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الإمام الخميني
- زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار
- طالب العلم و السیرة الأخلاقیّة
- فاطمة الزهراء سلام الله علیها سرّ الوجود
رسالة مفتوحة إلى جميع المسلمين
طبعت
هذه الرسالة
على نفـقـة أحـد
المحسنين من الإخوة
الكويتيين هديّة على روح
السيّدة اُمّ البنين زوجة مولانا
أمير المؤمنين 7 نسأل الله أن يوفّقه
واُسرته ويعافيهم بحقّ محمّد وآله الطاهرين
سفن النجاة في العالمين
الناشر
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه الذي جعل أوليائه في عالم الإمكان مظهرآ لصفاته العليا وأسمائه الحُسنى ، ومفتاحآ لكلماته التي لا تنفد وآلائه التي لا تعدّ، والصلاة على أشرف خلقه ومكنون سرّه محمد المصطفى المختار وآله الأئمة الأطهار، واللعن الدائم على أعدائهم ومنكري فضائلهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
أمّا بعد :
فاعلم ـأيّدک الله في الدارين ـ أنّ أهل بيت رسول الله 9 الأئمة الهداة : هم الصفوة الإلهية ، والتحفة المحمدية ، وسفراء الله في الأرض وحجج الله على الخلق ، والثقل الثاني الذي تركه رسول الرحمة محمد 6 بين الناس إلى يوم القيامة ، ما إن تمسّكت البشرية بهم وبالقرآن الكريم حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض لن تضلّ أبدآ، كما جاء في حديث الثقلين المتواتر عند الفريقين ـالسنّة والشيعة ـ كان رسول الله 6 يقول :
«إنّي
قد تركت فيكم الثقلين ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي ، وأحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء
إلى الأرض ،
وعترتي أهل بيتي ، ألا إنّهما لن يفترقا
حتّى يردا عليّ الحوض »[1] .
فما من رطب ولا يابس إلّا في كتابٍ مبين ، وكلّ ما في القرآن المجيد من العلوم والمعارف والحقائق والأسرار إنّما هو عند أهل البيت الأئمة الأبرار :، وكلّ ما عندهم إنّما هو في كتاب الله الكريم ، فإنّهما لن يفترقا في كلّ شيء حتّى يردا الحوض الكوثر على رسول الإنسانية ومنقذها من الضلال إلى الهدى ومن الباطل إلى الحقّ ومن الشقاء إلى السعادة الأبدية .
فالقرآن وعترة الرسول المختار حقيقة واحدة ، ونور واحد، من الواحد الأحد الفرد الصمد، واجب الوجود لذاته ونور الأنوار سبحانه وتعالى .
ولا يخفى على ذوي النهى أنّ الإمامة والولاية من تمام النعمة وكمال الدين واُصوله ، قال الله تعالى : (اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينآ)[2] . قال الإمام الباقر 7: كانت الفريضة تنزل بعد الفريضة
الاُخرى وكانت الولاية آخر الفرائض فأنزل الله عزّ وجلّ : (اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )، وقال الإمام الرضا 7: اُنزلت في حجّة الوداع وهي آخر عمره 7... وأمر الإمامة من تمام الدين[3] .
فآية إكمال الدين إنّما نزلت في أمر ولاية أمير المؤمنين علي 7 يوم الثامن عشر من ذي الحجّة في العام العاشر من الهجرة الشريفة في غدير خم[4] ،
وقال النبي الأكرم محمد 6: «مَن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهم والِ
مَن والاه
وعادِ مَن عاداه ، واخذل من خذله وانصر من نصره ».
فالإمامة رئاسة في الدين والدنيا بعد النبي الأعظم 9، وهي اُسّ الإسلام النامي وفرعه السامي وركنه الرصين ، قال الإمام الباقر 7: بني الإسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والولاية ، ولم ينادَ بشيءٍ كما نودي بالولاية[5] .
وفي خبر زرارة عن الإمام الصادق 7، فقلت : وأيّ شيء من ذلک أفضل ؟ فقال : الولاية أفضل ؛ لأنّها مفتاحهنّ ، والوالي هو الدليل عليهنّ[6] .
فالإمامة أصل كلّ خير وزمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين ، وسبيل ربّ العالمين (قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرآ إلّا المَوَدَّةَ في القُرْبى )[7] ، (ما أسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ إلّا مَنْ شاءَ أنْ يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلا)[8] ،
فكانوا هم السبيل إلى الله والمسلک إلى رضوانه .
وقال رسول الله 9: والذي بعثني بالحقّ نبيّآ، لو أنّ رجلا لقي الله بعمل سبعين نبيّآ، ثمّ لم يأتِ بولاية وليّ الأمر من أهل البيت ، ما قبل الله منه صرفآ ولا عدلا[9] .
وقال : إلزموا مودّتنا أهل البيت ... فوالذي نفس محمد بيده لا ينفع عبدآ عمله إلّا بمعرفتنا[10] . وقال : «كلّ مَن دان الله عزّ وجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه
ولا إمام له من الله، فسعيه غير مقبول وهو ضالّ متحيّر، والله شانئ لأعماله ، ومثله كمثل شاة ضلّت عن راعيها وقطيعها»[11] . فنصب الإمام من الله لا ممّن يقول
منّا أمير ومنكم أمير، وقال 6: «أما والله لو أنّ رجلا صفّ قدميه بين الركن والمقام مصلّيآ ولقى الله وهو يبغضكم أهل البيت لدخل النار»[12] .
وقال الإمام الصادق 7: لا يقبل الله من العباد الأعمال الصالحة التي يعملونها إذا تولّوا الإمام الجائر الذي ليس من الله تعالى[13] .
وعن أحدهما 7: «نحن أهل البيت لا يقبل الله عمل عبدٍ وهو يشکّ فينا»[14] .
وقال الإمام الباقر 7: «قال الله تعالى : لاُعذّبنّ كلّ رعيّة في الإسلام دانت بولاية كلّ إمامٍ جائر ليس من الله»[15] .
وقال
رسول الله 6: «قال الله عزّ وجلّ
: لاُعذّبنّ كلّ رعية في الإسلام أطاعت إمامآ جائرآ ليس من الله عزّ وجلّ ، وإن كانت
الرعية في أعمالها برّة
تقيّة »[16] .
وقال : «إنّ أئمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا مَن توفدون في دينكم وصلاتكم »، «إنّ أئمتكم قادتكم إلى الله، فانظروا بمن تقتدون في دينكم وصلاتكم »[17] .
قال الله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ اُناسٍ بِإمامِهِمْ )[18] .
قال الإمام الصادق 7: إذا كان يوم القيامة يأتي النداء من عند الله جلّ جلاله : ألا مَن ائتمّ بإمامٍ في دار الدنيا فليتبعه إلى حيث شاء ويذهب به ، فحينئذٍ يتبرّأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا[19] .
وقال الإمام الحسين 7: «في قوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ اُناسٍ بِإمامِهِمْ )، إمام دعى إلى هدىٍ فأجابوه إليه ، وإمامٌ دعى إلى ضلالة فأجابوه إليها هؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النار، وهو قوله عزّ وجلّ (فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَريقٌ في السَّعيرِ)»[20] .
وقال رسول الله 9: «مَن مات وهو لا يعرف إمامه ، مات ميتة جاهلية »[21] ، «مَن مات بغير إمامٍ مات ميتةً جاهلية »[22] .
فعلى كلّ مسلم إلى يوم القيامة أن يعرف إمام زمانه
حقّ المعرفة ، ولا طاعة
لمن لم يطع الله سبحانه ، فقد قال عزّ وجلّ : (وَقالوا رِبَّنا إنَّا أطَعْنا سادَتَنا وَكُبَرائَنا فَأضَلُّونا السَّبيلا)[23] .
وقال رسول الله 9: احذروا على دينكم ثلاثة : رجلٌ آتاه الله القرآن ، ورجلٌ آتاه الله سلطانآ فقال : مَن أطاعني فقد أطاع الله ومَن عصاني فقد عصا الله وقد كذب ، لا يكون لمخلوق خشية دون الخالق[24] .
وقال أمير المؤمنين علي 7: «احذروا على دينكم ثلاثة ... ورجلا آتاه الله سلطانآ فزعم أنّ طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله وكذب ، لأنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، إنّما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر، وإنّما أمَرَ الله عزّ وجلّ بطاعة الرسول لأنّه معصوم »[25] .
بل يجب الخروج على أئمة الجور وجهادهم ، فقد قال رسول الله 6 : «إنّ رحى الإسلام دائرة ، وإنّ الكتاب والسلطان سيفترقان فدوروا مع الكتاب حيث دار، وستكون عليكم أئمة إن أطعتموهم أضلّوكم وإن عصيتموهم قتلوكم . قال : كيف نصنع يا رسول الله؟ قال : كونوا كأصحاب عيسى نصبوا على الخشب ونشروا بالمناشير، موت في طاعة خير من حياة في معصية »[26] .
ثمّ
الإمامة الحقّة والوصاية الصائبة والولاية الصحيحة والحاكمية الثابتة ،
إنّما هي بنصّ من الله ورسوله ، ولا مجال
للناس فيها أبدآ، فعن سعد بن عبد الله القمي عن الحجّة المنتظر صاحب العصر القائم المهدي
7 في حديث : قلت : فأخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من
اختيار الإمام لأنفسهم ؟ قال : مصلح أو مفسد؟
قلت : مصلح ، قال : فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال
غيره من صلاح أو فساد؟ قلت : بلى ، قال : فهي العلّة وأوردها لک ببرهان ينقاد لک عقلک
، ثمّ قال : أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم
الله عزّ وجلّ وأنزل عليهم الكتب ، وأيّدهم بالوحي والعصمة ، وهم أعلام الاُمم أهدى
إلى الاختيار منهم ، مثل موسى وعيسى 8، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذ هما بالاختيار
أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنّان
أنّه مؤمن ؟ قلت : لا.
قال : هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه ، اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه عزّ وجلّ سبعين رجلا، ممّن لا يشکّ في إيمانهم وإخلاصهم فوقع خيرته على المنافقين ، قال الله عزّ وجلّ : (وَآخْتارَ موسى قَوْمَهُ سَبْعينَ رَجُلا لِميقاتِنا)؛ فلمّا وجدنا اختيار مَن قد اصطفاه الله عزّ وجلّ للنبوّة واقعآ على الأفسد دون الأصلح وهو يظنّ أنّه الأصلح دون الأفسد، علمنا أنّ الاختيار لا يجوز إلّا لمن يعلم ما تخفي الصدور»[27] .
وهو اختيار الله جلّ جلاله ، ولمثل هذا وقاعدة اللطف ـكما في علم الكلام والأدلّة العقلية والسمعية الاُخرى ـ بأمر من الله سبحانه نصّ النبي المختار على أئمة الهدى من بعده في مواطن عديدة ليتمّ الحجّة (وَللهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ ) على الخلائق .
فأين الناس من حديث السفينة حيث قال الرسول الأعظم
ـكما عند
الفريقين متواترآـ: «مثل أهل بيتي كسفينة نوح ، مَن ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق وهوى »[28] ، ففي خضمّ الحوادث والانقلاب وأمواج البحر المتلاطم بعد رحلة
الرسول الأكرم ، إنّما سفينة النجاة في الدنيا والآخرة أهل بيت رسول الله وعترته الطاهرة ، وكلّ مَن يركب هذه السفينة فإنّه ينجو، ومَن يتخلّف عنها فاُمّه هاوية نار الله الموصدة التي تطّلع على الأفئدة .
قال الله تعالى : (أفَمَنْ يَهْدي إلى الحَقِّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ أمَّنْ لا يَهْدي إلّا أنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمونَ )[29] .
راجع التأريخ وانظره بدقّة حتّى تعرف مَن هم أئمة الهدى ؟ ومَن هم المعصومون الذين تجب طاعتهم وموالاتهم ؟ ويقول أمير المؤمنين علي 7 : «عليكم بطاعة مَن لا تُعذرون في جهالته »[30] . قال الله تعالى : (يَوْمَ نَدْعو كُلَّ اُناسٍ
بِإمامِهِمْ )[31] .
وقال الإمام الباقر 7 في قوله تعالى : (آمِنوا بِاللهِ وَرَسولِهِ وَالنُّورِ الذي أنْزَلْنا)، النور والله الأئمة من آل محمد 9 إلى يوم القيامة ، وهم والله نور الله الذي أنزل ، وهم والله نور الله في السماوات وفي الأرض ، والله لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار[32] .
فالنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة في اتّباع مذهب
أهل بيت النبي
محمد 9. قال أمير المؤمنين علي 7: «انظروا أهل بيت نبيّكم فالزموا سمتهم واتّبعوا أثرهم ، فلن يخرجوكم من هدىً ، ولن يعيدوكم في ردىً ، فإن لبدوا فالبدوا وإن نهضوا فانهضوا».
«ألا إنّ مثل آل محمد 9 كمثل نجوم السماء إذا خوى نجم طلع نجمه ، فكأنّكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع وأراكم ما كنتم تأملون ».
«نحن شجرة النبوّة ومحطّ الرسالة ومختلف الملائكة ومعادن العلم وينابيع الحكم ».
«تالله لقد علّمت تبليغ الرسالات وإتمام العدات ، وتمام الكلمات ، وعندنا ـأهل البيت ـ أبواب الحكم وضياء الأمر».
«أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا كذبآ وبغيآ علينا؟ بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى ».
«نحن الشعار والأصحاب والخزنة والأبواب ولا يؤتى البيوت إلّا من أبوابها فمن أتاها من غير أبوابها سمّي سارقآ».
«نحن النمرقة الوسطى التي يلحق بنا التالي وإليها يرجع الغالي ».
«معنا راية الحقّ من تبعها لحق ، ومن تأخّر عنها غرق ، ألا وبنا يدرک ترة كلّ مؤمن ، وبنا تخلع ربقة الذلّ عن أعناقكم ، وبنا يفتح الله لا بكم ، وبنا يختم لا بكم ».
«هم موضع سرّه وملجأ أمره وعيبة علمه وموئل حكمه وكهوف كتبه وحبال دينه ، بهم أقام انحناء ظهره وأذهب ارتعاد فرائصه ».
«جعلهم الله حياة للأنام ومصابيح للظلام ومفاتيح للكلام ودعائم للإسلام ».
«فإنّهم عيش العلم وموت الجهل ، هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم ، وصمتهم عن منطقهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه ، فهو بينهم شاهد صادق ، وصامت ناطق ».
«إنّما الأئمة قوّام الله على خلقه وعرفاؤه على عباده ، ولا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم ، ولا يدخل النار إلّا من أنكرهم وأنكروه ».
وقال 7 فيمن تركوا أهل البيت : «آثروا عاجلا وأخّروا آجلا، وتركوا صافيآ وشربوا أجنآ، وكأنّي أنظر إلى فاسقهم وقد صحب المنكر فألفه ».
«أمّا الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلمون نسبآ، والأشدّون بالرسول 9 نوطآ، فإنّها كانت أثرة شحّت عليها نفوس قومٍ وسخت عنها نفوس آخرين ، والحكم لله».
«اللّهم إنّک تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان والتماس شيء من فضول الحطام ، ولكن لنردّ المعالم من دينک ونظهر الإصلاح في بلادک ، فيأمن المظلومون من عبادک ، وتقام المعطّلة من حدودک ».
وقال سيّد المظلومين علي 7 روحي فداه : «فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذابّ ولا مساعد، إلّا أهل بيتي فضننت بهم عن المنيّة ، فأغضيت على القذى ، وجرعت ريقي على الشجا».
«فوالله ما كان يلقى في روحي ولا يخطر ببالي أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده 9 عن أهل بيته ، ولا أنّهم مُنحّوه عنّي من بعده ... حتّى رأيت راجعة من الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد 9، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله ، أن أرى فيه ثلمآ أو هدمآ تكون المصيبة به عليّ أعظم ».
«وأيم
الله لولا مخافة الفرقة من المسلمين أن يعودوا إلى الكفر، ويعود الدين ،
لكنّا قد غيّرنا ذلک ما استطعنا»[33] .
فالملاک والميزان العلوي هو بقاء الدين ونصرة الإسلام ، حتّى لو آل الأمر إلى أن يغصب حقّه ويكون جليس الدار سنين وسنين .
عن سليمان بن خالد، قال : قلت لأبي عبد الله 7: قول الناس لعلي : إن كان له حقّ فما منعه أن يقوم به ؟ فقال : إنّ الله لم يكلّف هذا إلّا إنسانآ واحدآ رسول الله 9 قال : (فَقاتِلْ في سَبيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إلّا نَفْسَکَ ).
سيّدي ومولاي أبا الحسن ، لقد ظلموک وغصبوا حقّک ، وصبرت محتسبآ، وقلت عليک سلام الله أبدآ: «ما زلت منذ قُبض رسول الله مظلومآ»[34] .
«كنت أرى أنّ الوالي يظلم الرعيّة ، فإذا الرعيّة تظلم الوالي »[35] .
ومن كتاب له 7 إلى معاوية : «... وقلت إنّي اُقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتّى اُبايع ، ولعمر الله لقد أردت أن تذمّ فمدحت ، وأن تفضح فافتضحت ! وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلومآ ما لم يكن شاكّآ في دينه ولا مرتابآ بيقينه »[36] .
اللّهم العن أوّل ظالم ظلم حقّ محمد وآل محمد وآخر تابع له على ذلک .
والعجب أنّ المظلومية سرت على كلّ الأئمة الأطهار من آل محمد :، وعلى شيعتهم من الصدر الأوّل وإلى يومنا هذا، فما من الأئمة إلّا مسموم أو مقتول ، وشيعتهم مضطهدون مظلومون .
ويقول رسول الله 9: عليّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ، يدور حيثما دار[37] .
وقال : عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض[38] .
وقال : أنا مدينة العلم وعليّ بابها، عليّ باب علمي ومبيّن لاُمّتي ما اُرسلت به من بعدي[39] .
«عليّ منّي وأنا منه ».
عن أنس ، قال : سمعت رسول الله 9 يقول : أنت أخي في الدنيا والآخرة .
ولمّا أخى النبيّ أصحابه غير عليّ 7، فقال عليّ: لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتک فعلت بأصحابک ما فعلت غيري ، فإن كان هذا من سخطٍ عليّ فلک العتبى والكرامة ؟ فقال رسول الله 9: والذي بعثني بالحقّ ما أخّرتک إلّا لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، غير أنّه لا نبيّ بعدي ! وأنت أخي ووارثي[40] .
وقال 9: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى يحيى بن زكريا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب[41] .
وقال : حقّ عليّ بن أبي طالب على هذه الاُمّة كحقّ الوالد على ولده .
وقال : إنّ عليّآ وشيعته هم الفائزون يوم القيامة[42] .
وقال : عليّ سيّد المؤمنين ، عمود الدين[43] .
وقال عليه الصلاة والسلام : إن تولّوا عليّآ تجدوه هاديآ مهديّآ يسلک بكم الطريق المستقيم .
وقال : إن تستخلفوا عليّآ ـوما أراكم فاعلين ـ تجدوه هاديآ مهديّآ[44] .
ومن طرق العامّة :
روى الحاكم النيشابوري[45] بإسناده عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله :
النجوم أمانٌ لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمانٌ لاُمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس . ثمّ قال : هذا حديث صحيح الإسناد، كما رواه جماعة من أعلامهم .
وروى الحمويني في «فرائد السمطين » بإسناده عن ابن
عباس ، قال : قال رسول الله 9 لعليّ بن أبي طالب 2: يا علي ، أنا مدينة الحكمة وأنت بابها،
ولن تؤتى المدينة إلّا من قبل الباب ، وكذب من زعم أنّه يحبّني ويبغضک ؛ لأنّک منّي
وأنا منک ، لحمک من لحمي ودمک من دمي وروحک من روحي وسريرتک من سريرتي وعلانيتک من علانيتي ، وأنت إمام
اُمّتي وخليفتي عليها بعدي . سعد من أطاعک
وشقي من عصاک وربح من تولّاک وخسر من عاداک وفاز من لزمک وهلک من فارقک ، مثلک ومثل الأئمة من ولدک بعدي مثل سفينة نوح
من ركب فيها نجا، ومن تخلّف عنها غرق ،
ومثلكم مثل النجوم ، كلّما غاب نجم
طلع نجم إلى يوم القيامة .
وروى أبو بكر بن مؤمن في «رسالة الاعتقاد» بإسناده عن النبيّ 9، قال : من أراد منكم النجاة بعدي والسلامة من الفتن فليستمسک بولاية عليّ ابن أبي طالب فإنّه الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم ، وهو إمام كلّ مسلم بعدي ، من اقتدى به في الدنيا والآخرة ورد على حوضي ، ومن خالفه لم يره ولم يرني فاختلج دوني وأخذ ذات الشمال إلى النار.
وروى المير محمد صالح الكشفي الحنفي في (مناقبه ) في قوله تعالى : (إنَّ الَّذينَ لا يُؤْمِنونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبونَ )؛ إنّ الصراط هو محمّد وآل محمّد.
وأخرج الحمويني بسنده عن الأصبغ بن نباتة ، عن علي كرّم الله وجهه في هذه الآية ، قال : الصراط ولايتنا أهل البيت[46] .
ونقل ابن مردويه عن علي كرّم الله وجهه قال : إنّ الصراط المستقيم محبّتنا أهل البيت .
وهناک روايات كثيرة من طرق أبناء العامّة تدلّ على أنّ الأصل هو محبّة أهل بيت رسول الله 9، وإنّ الصلاة لا تقبل من دون مودّتهم ومن لم يصلِّ عليهم لا صلاة له .
هذا وإبراهيم الخليل 7 لمّـا أراه الله ملكوت السماوات والأرض
، وأسكن ذرّيته اسماعيل وهاجر في وادٍ
غير ذي زرع في مكّة المكرّمة ودعا الله سبحانه وقال : (وَآجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوي
إلَيْهِمْ ) ربما هذا الجعل من الجعل
التكويني كما في قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)؛ لأنّه لو كان من الجعل
التشريعي لكان المفروض أن يقال : واجعل أفئدة كلّ الناس تهوي إليهم ؛ لأنّ حبّهم التشريعي فرض ، والحال (من ) للتبعيض أي ليس كلّ الناس تهواهم إنّما بعض الناس ، هكذا أراد الله وجعل ذلک وقرّره في عالم التكوين ، وإنّما قال إبراهيم 7 ذلک فإنّه رأى في صلب إسماعيل أنّه يكون فيه النبيّ الأكرم محمد وأوصيائه من بعده الأئمة الأبرار، فقال : اجعل أفئدة أي قلوب وخالص القلوب تهوي إليهم وتودّهم ، فبعض الناس تهواهم وتتولّاهم وتطيعهم وتؤمن بهم أئمة وقادة واُسوة ، يؤخذ منهم معالم الدين ، ومن السنن الإلهية الثابتة التي لن تجد لسنّة الله تحويلا ولا تبديلا، أنّ الطيّبون للطيّبات والخبيثون للخبيثات ، فالمال الطيّب إنّما يصرف في مكان طيّب كبناء المسجد، وأمّا المال الحرام فإنّه يصرف في مثل شرب الخمر، فالطيّب يهوى الطيّب والبلد الطيّب يخرج نباته طيّبآ، وأمّا من خبث فلا يخرج إلّا نكدآ، وإنّما يهوى أهل البيت : من كان طيّبآ ومن خبث فمن المستحيل أن يهواهم ، فاجعل أفئدة من الناس ، وليس كلّ الناس . ثمّ يقول الإمام الصادق 7 : «من أحسّ ببرد محبّتنا في قلبه فليشكر اُولى النعم ، قيل يا ابن رسول الله، وما اُولى النعم ؟ قال 7: طيب الولادة ». كما ثبت عن الفريقين بالتواتر أنّ الرسول الأكرم 9 كان يقول لعلي 7: «لا يحبّک إلّا مؤمن ، ولا يبغضک إلّا منافق (أو ابن حيض ، أو ابن زنا)»، كما كانوا في صدر الإسلام يعرفون أولاد الحلال بحبّهم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7. فمن طاب مولده وانعقدت نطفته من حلال فإنّه يحبّ أهل البيت ويهواهم ويهتدي إليهم ويستبصر في حياته ويحسّ ببرد محبّتهم في قلبه ، وأمّا من خبث مولده وكان من لقمة حرام ، فإنّه لا يحبّ أهل البيت :. وكأنّما هذا من الجعل التكويني ، فإنّ الطيّبين للطيّبين والخبيثين للخبيثين ، فتدبّر!
روى الحسكاني الحنفي[47] بإسناده ، عن ابن عباس في قول الله تعالى : (اهْدِنا
الصِّراطَ المُسْتَقيم ) قال : يقولوا معاشر العباد اهدنا إلى حبّ النبيّ وأهل بيته .
وبإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : قال رسول الله 9 : إنّ الله جعل عليّآ وزوجته وابناه حجج الله على خلقه ، وهم أبواب العلم في اُمّتي من اهتدى بهم هُدي إلى صراطٍ مستقيم .
وبإسناده عن رسول الله أنّه قال : مَن سرّه أن يجوز على الصراط كالريح العاصف ، ويلج الجنّة بغير حساب ، فليتولّ وليّي ووصيّي وصاحبي وخليفتي على أهلي علي بن أبي طالب ، ومن سرّه أن يلج النار فليترک ولايته ، فوعزّة ربّي وجلاله ، إنّه لباب الله الذي لا يؤتى إلّا منه ، وإنّه الصراط المستقيم ، وإنّه الذي يسأل الله عن ولايته يوم القيامة .
ويقول أمير المؤمنين علي 7 في نهج البلاغة : أيّها الناس من سلک الطريق الواضح ورد الماء، ومن خالف وقع في التيه .
وهذا ما يحكم به العقل والوجدان ، وهو من السنن الإلهية أيضآ، وهل بعد الحقّ إلّا الضلال .
وقال 7: «فإنّه لا سواء إمام الهدى وإمام الردى ووليّ النبيّ
وعدوّ النبي ، ولقد قال لي رسول الله: إنّي لا أخاف على اُمّتي مؤمنآ ولا مشركآ، أمّا
المؤمن فيمنعه الله بإيمانه ، وأمّا المشرک فيقمعه الله بشركه ، ولكنّي أخاف عليكم
كلّ منافق الجنان عالم اللسان ، يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون »، قال ابن أبي الحديد
في شرحه لنهج البلاغة : الإشارة بإمام
الهدى إليه نفسه ، وبإمام الردى إلى معاوية ، وسمّـاه إمامآ كما سمّى الله تعالى أهل
الضلال أئمة فقال : (وَجَعَلْناهُمْ
أئِمَّةً يَدْعونَ
إلى النَّارِ)، ثمّ وصفه بصفةٍ اُخرى وهو أنّه عدوّ النبيّ ليس يعني بذلک إنّه كان عدوّآ
أيام حرب النبيّ لقريش بل يريد إنّه الآن عدوّ النبيّ لقوله 9: «وعدوّک عدوّي ، وعدوّي عدوّ الله» وأوّل الخبر: «ووليّک وليّي ، ووليّي وليّ الله». وتمامه مشهور.
وروى شيخنا الصدوق عليه الرحمة في أماليه بإسناده ، عن الحكم ابن الصلت ، عن أبي جعفر الإمام محمد بن علي ، عن آبائه :، قال : قال رسول الله 9: خذو بحجزة هذا الأنزع ـيعني عليآـ فإنّه الصدّيق الأكبر، وهو الفاروق يفرق بين الحقّ والباطل ، من أحبّه هداه الله، ومن أبغضه أبغضه الله، ومن تخلّف عنه محقه الله، ومنه سبطا اُمّتي الحسن والحسين وهما ابناي ، ومن الحسين أئمة الهدى ، أعطاهم الله علمي وفهمي ، فتولّوهم ولا تتّخذوا وليجة من دونهم فيحلّ عليكم غضب من ربّكم ، ومن يحلل عليه غضب من ربّه فقد هوى ، وما الحياة الدنيا إلّا متاع الغرور.
أجل سيّدي ، لقد غرّت القوم الدنيا الدنيّة وزبرجها وزخرفها، فاشتروا رضى أسيادهم بغضب ربّهم ، وباعوا آخرتهم بدنياهم ، فخسرت صفقتهم في الدنيا والآخرة ، وحلّ عليهم غضب الله، ولهم الخزي في الدارين .
وهكذا
اقتضت حكمة الباري عزّ وجلّ من الأزل أن يكون الصراع بين الحقّ والباطل ، والجهل والعقل
وجنودهما، ولكلّ معسكره وأصحابه ، فالله أتمّ الحجّة على خلقه وهداهم النجدين : طريق الخير وطريق الشرّ، والإنسان باختياره إمّا أن يكون شاكرآ لأنعم الله وإمّا كفورآ. فلكلّ
هدف وجهة ووجهة هو مولّيها ومسؤول عنها، بلا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين ، والدنيا
دار امتحان ، وإنّما خلق الله الموت والحياة
ليبلوكم أيّكم أحسن عملا، وحتّى يتميّز الخبيث من الطيّب والصحيح من الردي والحقّ من الباطل والخير من الشرّ والصالح من الطالح والصواب من الخطأ والنور من الظلمة
ـوتعرف الأشياء بأضدادها،
ومن عرف الحقّ عرف أهله ـ.
وكما قال الرسول الأكرم 9: ستفترق اُمّتي ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة واحدة ناجية ـلأنّ الحقّ واحد لأنّ الله هو الحقّ سبحانه وتعالى ـ والباقي من الهالكين .
ولكن من المستحيل أن يترک النبيّ اُمّته سدىً ومن دون الهداية ، وهو الرحمة الإلهية ، والهادي المبشّر المنذر السراج المنير، فأخبرهم وعلّمهم وهداهم في مواطن كثيرة ، أنّ سفينة النجاة من بعده أهل بيته الأئمة الأطهار آل محمد :، وهذا ما اتّفق عليه الفريقان السنّة والشيعة ، وقفوهم إنّهم مسؤولون ...
يا ترى عمّن يسأل الله عباده يوم القيامة ؟
أما قال الرسول الأكرم 9: «وإنّه الذي يسأل الله عنه ولايته يوم القيامة ».
وأقول تكرارآ: وهل بعد الحقّ إلّا الضلال ؟
أجل :
يا حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا، يا رسول الرحمة وإمام الهدى ، ما أن غمضت عيناک الشريفة ، وارتحلت إلى جوار ربّک الكريم ، في مقعد صدقٍ عند مليکٍ مقتدر، لتكون شاهدآ على اُمّتک ، إلّا وانقلبوا على أعقابهم ، وما رعوا حقّ الرسالة في ودّ أهل بيتک (قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرآ إلّا المَوَدَّةَ في القُرْبى )، وكما أخبرت وأنت الصادق المصدّق الذي لا تنطق عن الهوى إن هو إلّا وحيٌ يوحى (وَما أراكُمْ فاعِلين )، ففعلوا ما فعلوا، والتأريخ يشهد.
ولا عجب ولا غرو...
قال
أمير المؤمنين علي 7: قد خاضوا بحار الفتن
وأخذوا بالبدع
دون السنن ، وأرز المؤمنون ونطق الضالّون
المكذّبون[48] .
وقد أخبر النبيّ الأعظم أنّه ستفترق اُمّته ، كما أنّها سيجري عليها ما جرى على الاُمم السالفة ، وهذه من حكمة الله سبحانه حتّى يتبيّن الخبيث من الطيّب ويمتاز الحقّ من الباطل (فَريقآ هَدى وَفَريقآ حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَة )[49] .
«ولمّـا كان الناس على دين ملوكهم ، رأوا الإسلام متمثّلا بحكّامهم وما تبنّوه من حكم وعقيدة وسنّة منسوبة إلى النبيّ، وسمّوا من تابع الحكّام بأهل السنّة والجماعة ، وسمّوا من خالف الحكّام وتابع أئمة أهل البيت بالرفضة ، وطاردت الحكومات المتعاقبة أئمة أهل البيت أوّلا، ثمّ طاردت شيعتهم من بعدهم ورمتهم بأنواع التهم ، وقابلهم علماء الشيعة جيلا بعد جيل بتعريف التشيّع ومذهب أهل البيت وتعريف شيعتهم ، وبيان وجوه الخلاف بينهم وبين إخوانهم من طوائف المسلمين ، وكان ممّن ألّف في ذلک من جهابذة علمائنا المعاصرين :
1 ـ السيّد محسن الأمين ، المتوفّى (1371 ه ) في كتابه أعيان الشيعة .
2 ـ الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، المتوفّى (1372 ه ) في كتابه أصل الشيعة واُصولها.
3 ـ الشيخ آغا بزرک ، المتوفّى (1389 ه ) في كتابه الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، وكتابه طبقات الشيعة .
4 ـ الشيخ محمد المظفّر، في كتابه عقائد الإمامية .
5 ـ السيّد محمد حسين الطباطبائي ، في كتابه الشيعة في الإسلام »[50] .
6 ـ السيّد علي نقي الحيدري ، في كتابه مذهب أهل البيت .
7 ـ السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي ، في كتابه تعليقات على إحقاق الحقّ ـفي 24 مجلدآـ.
وغيرهم من الأعلام ، ولا زالوا يدافعون بالمنطق السليم والبراهين القاطعة عن حقّانية هذا المذهب ـوهل بعد الحقّ إلّا الضلال ـ وقد كتبها العلماء من كلّ الطوائف الإسلامية من الصدر الأوّل وإلى يومنا هذا في فضائل الرسول والعترة بلغات مختلفة ممّـا لا يعدّ ولا يحصى[51] .
[1] () ميزان الحكمة :1 191، كما جاء ذلک في كتاب الدرّ المنثور من كتب العامّة :2 259،وكذلک الصحاح الستّة ، فراجع .
[2] () المائدة : 3.
[3] () ميزان الحكمة :1 159.
[4] () راجع كتاب الغدير للعلّامة الأميني 1 في إثبات واقعة الغدير عند الفريقين .
[5] () الكافي :2 18.
[6] () الكافي :2 18.
[7] () الشورى : 23.
[8] () الفرقان : 57.
[9] () أمالي المفيد: 2.
[10] () المصدر: 82.
[11] () الكافي :1 183.
[12] () أمالي المفيد: 148.
[13] () تفسير نور الثقلين :4 104.
[14] () أمالي المفيد: 2.
[15] () الكافي :1 376.
[16] () البحار :25 110.
[17] () البحار :22 20.
[18] () الإسراء: 71.
[19] () البحار :8 867.
[20] () نور الثقلين :3 192.
[21] () البحار :23 77.
[22] () كنز العمّـال :1 103.
[23] () الأحزاب : 67.
[24] () كنز العمّـال :5 791.
[25] () البحار :75 338.
[26] () كنز العمّـال ، الخبر 1081.
[27] () البحار :52 78.
[28] () البحار :23 104.
[29] () يونس : 35.
[30] () شرح نهج البلاغة :18 372. وبحار الأنوار :22 76.
[31] () الإسراء: 71.
[32] () تفسير نور الثقلين :5 341.
[33] () ميزان الحكمة :1 196.
[34] () ميزان الحكمة :1 222.
[35] () كنز العمال ، الخبر 181.
[36] () شرح نهج البلاغة :15 183.
[37] () ميزان الحكمة :1 208.
[38] () تأريخ دمشق :2 124.
[39] () كنز العمّـال .
[40] () تأريخ ابن عساكر :1 108. وكنز العمّـال ، الخبر 32931.
[41] () تأريخ ابن عساكر :2 280.
[42] () المصدر: 348.
[43] () نور الثقلين :5 605.
[44] () كنز العمّـال :11 630.
[45] () المستدرک :2 149.
[46] () ينابيع المودّة : 124، طبعة اسلامبول .
[47] () شواهد التنزيل :1 57، طبعة بيروت .
[48] () نهج البلاغة ، الخطبة 106.
[49] () الأعراف : 30.
[50] () من كتاب أصل الشيعة واُصولها: 10، الطبعة الرابعة ـ سنة 1402 ـ بيروت .
[51] () لقد جمع الفاضل المعاصر الاُستاذ عبد الجبار الرفاعي في 13 مجلّد بعض المؤلفاتفي فضائل العترة الطاهرة وسمّـاه (معجم ما كتب عن الرسول وأهل بيته )، وكذلک فعلالعلّامة المعاصر السيّد عبد العزيز الطباطبائي في أعداد من مجلّة تراثنا.وكثير من علماء السنّة هداهم الله إلى الحقّ فاستبصروا وكتبوا في أهل البيت :.ومن المعاصرين الاُستاذ الدكتور التونسي محمد التيجاني ، وكتبه : «ثمّ اهتديت »،«لأكون مع الصادقين »، «الشيعة هم أهل السنّة »، وكالاُستاذ المعاصر صائب عبد الحميدالعراقي وكتابه «منهج في الانتماء المذهبي »، والصحافي المغربي إدريس الحسيني وكتابه«الانتقال الصعب »، والمحامي الأردني أحمد حسين يعقوب وكتابه «نظرية عدالة الصحابة »و«المرجعية السياسية في الإسلام »، والشيخ السوري محمد مرعي الأمين الأنطاكيوكتابه «لماذا اخترت مذهب الشيعة مذهب أهل البيت ؟»، ويقول في مطلعه :لماذا اخترت مذهب أهل طهوحاربت الأقارب في ولاهاوعفت ديار آبائي وأهليوعيشآ كان ممتلئآ رفاها؟لأنّي قد رأيت الحقّ نصّآوربّ البيت لم يألف سواهافمذهبي التشيّع وهو فخرلمن رام الحقيقة وامتطاهاوهل ينجو بيوم الحشر فردمشى في غير مذهب آل طه ؟