العصمة بنظرة جديدة مجلة الکوثر الرابع والثلاثون - شهر رجب المرجب 1437هـ -2016م صحيفة صوت الكاظمين الشهرية العدد 207/206 النور الباهر بين الخطباء والمنابر قناة الکاظمين مصباح الهداية ونبراس الأخلاق بإدارة السید محمد علي العلوي الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين الشباب عماد البلاد إجمال الكلام في النّوم والمنام المؤسسة الإسلامية العالمية التبليغ والإرشاد برعایة السید عادل العلوي صحیفة صوت الکاظمین 205-204 شهر رجب وشعبان 1437هـ الانسان على ضوء القرآن أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم العلم الإلهامي بنظرة جديدة في رواق الاُسوة والقدوة الله الصمد في فقد الولد في رحاب اولى الألباب المأتم الحسیني الأسبوعي بإشراف السید عادل العلوي في دارالمحققین ومکتبة الإمام الصادق علیه السلام- إحیاء للعلم والعل نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل مجلة الکوثر الثالث والثلاثون - شهر محرم الحرام 1437هـ -2015م نور العلم والعلم نور مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
اللغة
تابعونا...
فهرست کتاب‌‌ لیست کتاب‌ها
■ الاهداء ٤
■ المقدّمة ٥
■ الفصل الأوّل : ملامح عامّة عن الحجّ والعمرة
■ الفصل الثاني : فلسفة الأحكام وأسرارها
■ الفصل الثالث : من فلسفة الحجّ في القرآن الكريم
■ الفصل الرابع : من أسرار الحرم المكّي
■ الفصل الخامس : من أسرار المناسک
■ الفصل السادس : أتموا الحجّ والعمرة
  1. النوران الزهراء والحوراء
  2. الأقوال المختارة في احکام الصلاة سنة 1436هـ
  3. الکافي في اصول الفقه سنة 1436هـ
  4. في رحاب الخير
  5. الغضب والحلم
  6. إیقاظ النائم في رؤیة الامام القائم
  7. الضيافة الإلهيّة وعلم الامام
  8. البداء بين الحقيقة والافتراء
  9. سيماء الرسول الأعظم محمّد (ص) في القرآن الكريم
  10. لمعة من النورین الامام الرضا (ع) والسیدة المعصومة(س)
  11. الدوّحة العلوية في المسائل الافريقيّة
  12. نور الآفاق في معرفة الأرزاق
  13. الوهابية بين المطرقة والسندانه
  14. حلاوة الشهد وأوراق المجدفي فضيلة ليالي القدر
  15. الوليتان التكوينية والتشريعية ماذا تعرف عنها؟
  16. الصّارم البتّار في معرفة النور و النار
  17. بريق السعادة في معرفة الغيب والشهادة
  18. الشخصية النبوية على ضوء القرآن
  19. الزهراء(س) زينة العرش الإلهي
  20. مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
  21. نور العلم والعلم نور
  22. نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل
  23. دروس الیقین فی معرفة أصول الدین
  24. في رحاب اولى الألباب
  25. الله الصمد في فقد الولد
  26. في رواق الاُسوة والقدوة
  27. العلم الإلهامي بنظرة جديدة
  28. أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم
  29. الانسان على ضوء القرآن
  30. إجمال الكلام في النّوم والمنام
  31. العصمة بنظرة جديدة
  32. الشباب عماد البلاد
  33. الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين
  34. النور الباهر بين الخطباء والمنابر
  35. التوبة والتائبون علی ضوء القرآن والسنّة
  36. القصاص علی ضوء القرآن والسّنة الجزء الثاني
  37. القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الثالث
  38. القول الرشید فی الإجتهاد و التقلید 2
  39. القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد 1
  40. القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الاول
  41. الأقوال المختارة في أحكام الطهارة الجزء الأوّل
  42. أحكام السرقة على ضوء القرآن والسنّة
  43. الهدى والضلال على ضوء الثقلين
  44. في رحاب حديث الثقلين
  45. المأمول في تكريم ذرية الرسول 9
  46. عصمة الحوراء زينب 3
  47. عقائد المؤمنين
  48. النفحات القدسيّة في تراجم أعلام الكاظميّة المقدّسة
  49. قبس من أدب الأولاد على ضوء المذهب الإمامي
  50. حقيقة الأدب على ضوء المذهب
  51. تربية الاُسرة على ضوء القرآن والعترة
  52. اليقظة الإنسانية في المفاهيم الإسلامية
  53. هذه هی البرائة
  54. من لطائف الحجّ والزيارة
  55. مختصر دليل الحاجّ
  56. حول دائرة المعارف والموسوعة الفقهية
  57. رفض المساومة في نشيد المقاومة
  58. لمحات قراءة في الشعر والشعراء على ضوء القرآن والعترة :
  59. لماذا الشهور القمرية ؟
  60. فنّ الخطابة في سطور
  61. ماذا تعرف عن العلوم الغريبة
  62. منهل الفوائد في تتمّة الرافد
  63. سهام في نحر الوهّابية
  64. السيف الموعود في نحراليهود
  65. لمعة من الأفكار في الجبر والاختيار
  66. ماذا تعرف عن الغلوّ والغلاة ؟
  67. الروضة البهيّة في شؤون حوزة قم العلميّة
  68. النجوم المتناثرة
  69. شهد الأرواح
  70. المفاهيم الإسلامية في اُصول الدين والأخلاق
  71. مختصر دليل الحاجّ
  72. الشهيد عقل التاريخ المفكّر
  73. الأثر الخالد في الولد والوالد
  74. الجنسان الرجل والمرأة في الميزان
  75. الشاهد والمشهود
  76. محاضرات في علم الأخلاق القسم الثاني
  77. مقتل الإمام الحسين 7
  78. من ملكوت النهضة الحسينيّة
  79. في ظلال زيارة الجامعة
  80. محاضرات في علم الأخلاق
  81. دروس في علم الأخلاق
  82. كلمة التقوى في القرآن الكريم
  83. بيوتات الكاظميّة المقدّسة
  84. على أبواب شهر رمضان المبارک
  85. من وحي التربية والتعليم
  86. حبّ الله نماذج وصور
  87. الذكر الإلهي في المفهوم الإسلامي
  88. السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
  89. شهر رمضان ربيع القرآن
  90. فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
  91. منية الأشراف في كتاب الإنصاف
  92. العين الساهرة في الآيات الباهرة
  93. عيد الغدير بين الثبوت والإثبات
  94. بهجة الخواصّ من هدى سورة الإخلاص
  95. من نسيم المبعث النبويّ
  96. ويسألونک عن الأسماء الحسنى
  97. النبوغ وسرّ النجاح في الحياة
  98. السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
  99. نسيم الأسحار في ترجمة سليل الأطهار
  100. لمحة من حياة الإمام القائد لمحة من حياة السيّد روح الله الخميني ومقتطفات من أفكاره وثورته الإسلاميّة
  101. قبسات من حياة سيّدنا الاُستاذ آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي «قدّس سرّه الشريف »
  102. طلوع البدرين في ترجمة العلمين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الأمام الخميني 0
  103. رسالة من حياتي
  104. الكوكب السماوي مقدّمة ترجمة الشيخ العوّامي
  105. الكوكب الدرّي في حياة السيّد العلوي 1
  106. الشاكري كما عرفته
  107. كيف أكون موفّقآ في الحياة ؟
  108. معالم الصديق والصداقة في رحاب أحاديث أهل البيت
  109. رياض العارفين في زيارة الأربعين
  110. أسرار الحج والزيارة
  111. القرآن الكريم في ميزان الثقلين
  112. الشيطان على ضوء القرآن
  113. الاُنس بالله
  114. الإخلاص في الحجّ
  115. المؤمن مرآة المؤمن
  116. الياقوت الثمين في بيعة العاشقين
  117. حقيقة القلوب في القرآن الكريم
  118. فضيلة العلم والعلماء
  119. سرّ الخليقة وفلسفة الحياة
  120. السرّ في آية الاعتصام
  121. الأنفاس القدسيّة في أسرار الزيارة الرضويّة
  122. الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف وطول العمر في نظرة جديدة
  123. أثار الصلوات في رحاب الروايات
  124. رسالة أهل البيت علیهم السلام سفينة النجاة
  125. الأنوار القدسيّة نبذة من سيرة المعصومين
  126. السيرة النبوية في السطور العلوية
  127. إشراقات نبويّة قراءة موجزة عن أدب الرسول الأعظم محمّد ص
  128. زينب الكبرى (سلام الله علیها) زينة اللوح المحفوظ
  129. الإمام الحسين (علیه السلام) في عرش الله
  130. رسالة فاطمة الزهراء ليلة القدر
  131. رسالة علي المرتضى (علیه السلام) نقطة باء البسملة
  132. الدرّ الثمين في عظمة أمير المؤمنين - علیه السلام
  133. وميض من قبسات الحقّ
  134. البارقة الحيدريّة في الأسرار العلويّة
  135. رسالة جلوة من ولاية أهل البيت
  136. هذه هي الولاية
  137. رسالتنا
  138. دور الأخلاق المحمّدية في تحكيم مباني الوحدة الإسلاميّة
  139. أخلاق الطبيب في الإسلام
  140. خصائص القائد الإسلامي في القرآن الكريم
  141. طالب العلم والسيرة الأخلاقية
  142. في رحاب وليد الكعبة
  143. التقيّة في رحاب العَلَمَين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الإمام الخميني
  144. زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار
  145. طالب العلم و السیرة الأخلاقیّة
  146. فاطمة الزهراء سلام الله علیها سرّ الوجود

المقدّمة 5

المقدّمة      

 

 

 

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

 

المقدّمة

الحمد لله الّذي جعل كلمة (لا إله إلّا الله) حصنه الحصين ، فمن دخله كان آمنآ، وجعل بيته العتيق هدىً ومباركآ وقيامآ ومثابةً للناس ، فمن دخله كان آمنآ، وجعل زيارته والطواف حوله توبة‌وحبّآ وحجابآ بين العبد وبين العذاب المهين .

والصلاة والسّلام على نبي الرحمة المصطفى الآمين محمّد سيّد الأنبياء وخاتم المرسلين ، وعلى آله المعصومين الطاهرين ، قادة الحق وسادة الخلق أجمعين ، واللّعن الدّائم على أعدائهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى قيام يوم الدين .

 

إنْ الحمد والشكر لله

(آلْحَمْدُ للهِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ويتجلّى إسمه الربوبي (الرّب) في تربية خلقه ، وقد عيّن سبحانه لعباده منذ أن خلق آدم  7 وإلى يوم القيامة سلسلة من العبادات الجسميّة والروحيّة ، ووظائف دينيّة وأخلاقيّة ، تهدف إلى تربية الانسان وصنعه إلهياً، يستخلف الله في أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فيصل إلى كماله اللائق له ،


بما أودع فيه من أسرار كونه الطبيعي وماوراء الطبيعة ، فالانسان في ضلّ هذه العبادات والأخلاقيّات وتطبيقها في نفسه مع ربه ومع المجتمع والطبيعة يستطيع الوصول إلى الكمال المودع فيه ، والذي خلق من أجله ، ويحصل على نصيبه الأوفر وحظّه الأكبر من اللذائذ المعنويّة والروحيّة في عالمي الملک والملكوت ، أو الدنيا والآخرة ، أو الغيب والشهود.

وإذا كان الانسان أسير هواه وذليل نفسه الامارة بالسوء، أحاطت به سوء أعماله ومساوى أخلاقه ، فمارس القبائح وإرتكب الذنوب وإتصف بالمساوئ ، فستظل قواه المعنويّة والروحيّة رهين عالم الاستعداد والقوّة ، ولم يخرج إلى عالم الفعل والحيويّة ، وسيظل عاجزاً عن إدراک اللذائذ العقليّة والمعنويّة والروحيّة ، لأنّه يفقد الشبه والنسخيّة مع عالم المعنى والملكوت ، فهو أشبه بالرجل الاُمّي القروي الذي يوضع في مكتبة عامرة بنفائس المخطوطات ، واُمّهات الكتب في مختلف العلوم والفنون البشريّة ، فهل يستفيد هذه الرجل من هذه المكتبة ؟!

ثمّ إنّ خلْق الخلائق لم يكن عبثاً ولهواً إذ يتنافى ذلک مع كلمة الخالق ولطفه وعلمه (وَمَا خَلَقْنَا آلسَّمواتِ وَآلاَْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ )[1] .

 

ثمّ المقصود في نفع خلق الخلق وخلق الانسان بالخصوص ، لا يرجع إلى الخالق سبحانه ، لغناه في ذاته ، ولصمديّته ، وإنّما يرجع إلى الانسان نفسه من بلوغ قمّة الكمال والجمال والجلال .

قال أميرالمؤمنين  7 في مقدمة خطبة همّام : «إنّ الله تعالى خلق الخلق حين خلقهم غنيّاً عن طاعتهم ، آمناً من معصيتهم ، لأنّه لا تنفعه طاعة من أطاعه ، ولا تضرّه معصية من عصاه ».

ولقد تأسّست مدارس ومذاهب لتربية الانسان ، والأخذ بيده لإيصاله إلى كماله ، الّا انّهم وقعوا في إفراط وتفريط لجهلهم بحقيقة الانسان في تكوينه الجسدي والروحي ، ولكن سبحانه وتعالى لم يتركهم من دون أن يبين لهم السبيل طريق الحق وطريق الباطل ، فقد أرسل الرسل وبعث الأنبياء وأنزل الكتب ، ولأنّه أعرف بواقع مخلوقه الذي تمدح بخلقه بقوله تعالى : (فَتَبارَکَ آللهُ أحْسَنَ آلخالِقينَ )[2]  لقد خلقه في أحسن تقويم ، علّمه ما لم يعلم ، وهذّبه وربّاه بأوامره

ونواهيه ، بما فيها من المصالح والمفاسد.

فالأنبياء والأوصياء ومن يحذو حذوهم من ورثتهم العلماء الصلحاء، قرّروا بما جاء به الله سبحانه بأنّ طريق تكامل الانسان هو العبوديّة لله عزّوجلّ ، ولا سبيل إليه غيرها، وانّ العبوديّة لله جوهرة كُنهها الربوبيّة ، اذ ورد في حديث القدسي الشريف : «عبدي أطعني حتّى أجعلَکَ مثلي ، أقول للشيء كُن فيكون ، وتقول للشيء كُن فيكون ».

وفي الحديث المعتبر عند الفريقين ـ السنّة والشيعة ـ عن رسول الله 6 في حديث قدسي عنّ الله عزّوجلّ : «ما تقرّب إليّ عبد بشيء أحبّ إليّ ممّا إفترضت عليه ، وانّه يتقرّب إليّ بالنافلة حتّى اُحبّه ، فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها»[3] .

 

فالمقصود في الانسان تربية وإشباع غريزة حبّ الكمال والجمال والخير المكنون والمتجذّر في فطرته الموحدة والسليمة ، ومن ثَمّ يصل إلى قاب قوسين أو أدنى من العليّ الأعلى ، في مقعد صدق عند مليک مقتدر، ويكون الحق سبحانه سمعه وبصره ولسانه ويده ، كما يكون بقرب الفرائض سمع الله وبصره ولسانه ويده وكم فرق بين القربين : قُرب الفرائض وقرب النوافل كما هو معلوم عند أهله .

ثمّ لكي يقف الانسان في عباداته على روحها ومغزاها، فانه يحاول أن يكشف أسرارها ولطائفها وفلسفتها وحكمتها وآدابها القلبيّة والمعنويّة .

ومن هذا المنطق ترى جمع من العلماء الأعلام في كلّ المذاهب الاسلاميّة ولاسيّما في مدرسة أهل البيت  : في صنف من مؤلّفاتهم ومصنّفاتهم شمروا عن سواعدهم ، لبيان بعض الأسرار في العبادات ، ومن بينها عبادة (الحجّ والزيارة ) لما فيها من المناسک المتفاوتة والفريدة ، وعليها طابع الشموليّة ، وصبغة الفرد والمجتمع ، ممّا يوجب الدهشة والتساؤلات من كلّ طبقات ومستويات المجتمع .

فكلّ واحد في حجّه وعمرته وزيارته يسأل في نفسه : لماذا هذه المناسک وبهذا الشكل والمحتوى ؟ انه غريب وعجيب !!

إنّ منافع العبادات ومردّها إلينا، فان الله غنيّ في ذاته ، فما هي المنافع المتوخاة والمشهودة في مناسک الحجّ ؟!

(اللّهمّ إنّ أقدامنا قاصرة عن الوصول إلى جناب قدسک ، وإنّ أيدينا قاصرة عن النيل إلى ذيل اُنسک ، وإنّ حجب الشهوات والغفلات قد حجبت بصائرنا عن جمالک الجميل ، وإنّ الأستار الكثيفة الناشئة من حبّ الدنيا ومن أعمالنا الشيطانيّة قد صيّرت قلوبنا مهجورة عن التوجّه إلى عزّ جلالک ، إن صراط الآخرة لدقيق ، وان طريق الانسانيّة لحديد، ونحن المضطرون في فكرتنا كالعنكبوت قديد، ونحن الحائرون كدود القزّ قد نسجنا لأنفسنا سلاسل الشهوات والآمال ، فها نحن فيها مقيّدون ، وعن عالم الغيب ومحفل الاُنس بالمرّة آيسون ، اللّهمّ إلّا أن تبرق لأبصارنا وقلوبنا ببارقة إلهية ، فتنورنا وتجذبنا بجذبة غيبيّة يذهلنا بها عن أنفسنا.

«الهي هب لنا كمال الانقطاع إليک ، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليک ، حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور، فتصل إلى معدن العظمة ، وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسک »[4] .

 

ان الحجّ كسائر العبادات له ظاهر وصورة كما فيه باطن ومعنى ، وكما أنّ الظاهر له آداب وأحكام يؤدى عدم رعايتها والالتزام بها إلى بطلان الحجّ في صورته وظاهره ، ولم يسقط التكليف ، فكذلک لباطنه آداب وحِكَم قلبيّة وروحيّة ، يلزم من عدم رعايتها وتطبيقها والتوجّه إليها بطلان أو نقص في الحجّ في معناه وفي باطنه ، وإذا التزم برعاية تامّة تلک الآداب المعنويّة والقلبيّة ، فانّ الحجّ سيكون ذات روح ملكوتيّة ، والحاج والمعتمر بعد ما راقب الآداب الباطنيّة ، وإهتمّ بها يمكن أن يكون له نصيب من السرّ الالهي المودع في حجّ أهل المعرفة وأصحاب القلوب الذي هو قرّة عين لأرباب السلوک ، وحقيقة معراج قرب المحبوب ، وهذا ما يشهد به البرهان والعرفان والقرآن .

وممّا يدلّ على أنّ الانسان يشاهد أعماله في بواطنها قوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً)[5]  فكلّ واحد يرى أعماله خيرها وشرّها حاضراً، ويشاهد صورتها

الباطنيّة الغيبيّة ، وتتجسّد له كما هو مذهب من يقول بتجسّد الاعمال كما هو المختار.

(وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً)[6]  (وَمَا تُقَدِّمُوا لاَِنفُسِكُم مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ آللهِ)[7]

 

(فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ )[8]  (يَوْمَ يَنظُرُ آلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ )[9] .

 

 

فمثل هذه الآيات وكثير من الأخبار ممّا يدلّ على أنّ الانسان يعاين ويشاهد الأعمال نفسها في ملكها وملكوتها في شهودها وغيبها.

ومن أعلى مراتب الخسران والضرر أن يقنع الانسان بصورة العبادة وقشرها، ويحرم من بركاتها وكمالهاتها الباطنيّة التي توجب السعادات الأبديّة ، ورفع الدرجات في القيامة (إقرء وإرقأ) (يَرْفَعِ آللهُ آلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَآلَّذِينَ أُوتُوا آلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ )[10] .

 

فالعبادات مرقاة الروح للعروج إلى مقام الوصول ، وجوار ربّ العزّة والفناء في إرادته والبقاء به .

«الذي هو غاية آمال الأولياء، ومنتهى أمنيّة أصحاب المعرفة وأرباب القلوب ... ويا لها من حسرة تعجز عقولنا عن إدراكها، ولا تدركها إلّا بعد الخروج من هذه النشأة والورود في المحاسبة الإلهيّة ، ومادمنا في حجاب عالم الملک وخَدر الطبيعة ، فانّنا لا نقدر أن ندرک شيئاً من ذاک العالم (وإنما مددنا أيدينا إلى النار من مكان بعيد، فأي حسرة وندامة وضرر وخسران أعلى من أن ما هو وسيلة للكمال والسعادة للانسان ودواء للالام والنقائص القلبيّة ... لا يستفيد منه فائدة روحانيّة ..

أيُّها العزيز شمّر ذيل الهمّة وأبسط يد الطلب ، وأصلح حالاتک مهما تتحمّل من التعب والمشقّة ، وحصل الشرائط الروحيّة[11]  لحجّ أهل المعرفة ، وإعلم أن ما

يتعلّق بالقالب والجسد ويظهر عليه غالباً يسمّى بالفقه الأصغر، وما يتعلّق بالقلب والروح ويظهر منه غالباً، يسمّى بالفقه الأكبر ـ كما سيتضح ذلک إن شاء الله.

الشكر لله كما هو أهله ومستحقه :

فقد شاء سبحانه وتعالى فيما مضى من عمري أن اتصدي لتدريس مجموعة من النساء العالمات والفاضلات من (المعينات )[12]  فدرستهنّ أسرار الحجّ     

والزيارة باللغة الفارسية ، وكتبت ذلک في وريقات باللغة العربيّة ، أودعت فيها ما تيسّر لي من أسرار الحجّ ، ثمّ طلبت مني قناة (الفرات ) الفضائية بيان بعض أسرار الحجّ فأجبت دعوتهم في حلقات ثمانية سنة (1427 ه  ق ) ثمّ طلبت مني قناة (المعارف ) الفضائيّة أيضاً بيان الآداب المعنويّة للحج وهي عبارة أخرى عن الأسرار فلبّيت دعوتهم في عشر حلقات سنة (1429 ه . ق ) وبطبيعة الحال تزداد المعلومات ، فوجدتها قد أصبحت كتاباً، فوددت أن اُقدّمه إلى عامّة الناس ، ولاسيّما أهل العلم والمرشدين في قوافل الحجّ ، لعلّه يكون للاخوة الاعزّاء والقرّاء الكرام تحفة وتذكرة ، ويكون لي من العلم النافع الذي يتركه الانسان بعد موته فانتفع به يوم حشري وأفوز بدعاء المؤمنين والمؤمنات (يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى آللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) وآخر دعوانا ان الحمد لله ربّ العالمين .

وأختم مقدّمتي بمقولة الامام الخميني  1 في أهميّة البعد المعنوي للحجّ :

«إنّ المراتب المعنويّة للحج هي رأسمال الحياة الخالدة ، وهي التي تقرّب الانسان في اُفق التوحيد التنزيه ، سوف لن نحصل على شيء، ما لم نطبق أحكام وقوانين الحجّ العباديّة بشكل صحيح وحسن ، وحرفاً بحرف ، وعلى الحجاج المحترمين والعلماء المعظّمين ومسؤولي قوافل الحجّاج ، أن يصرفوا وقتهم ويكون كلّ همّهم تعليم وتعلّم مناسک الحجّ ، وعلى العارفين مراقبة من يرافقهم حتّى لا يتخلّف أحد عن الأوامر لا سمح الله، إنّ البعد السياسي والإجتماعي للحج لا يتحقّق إلّا بعد أن يتحقّق البُعد المعنوي والإلهي ، وأن تكون كلمة (لبّيک ) التي تتلفّظون بها إستجابة لدعوة الحقّ تعالى ، وأنتم محرومون لأجل الوصول إلى ساحة الحق المقدّسة تشعرون أنفسكم إنّ التلبية لأجل الحق تعالى تنفون صفة الشرک بجميع مراتبها، وتهاجرون بأنفسكم التي هي منشأ الشرک الكبير نحو الباري جلّ وعلا، والأمل في أن ينال الباحثون عن ذلک أجرهم ، وهو على الله فيما لو أدركهم الموت وهم في طريق هجرتهم ).

انّ الحجّ في معالمه وعوالمه ، في نسكه ومناسكه سفرة ومأدبة معنويّة ـ قلبيّة وقالبيّة ـ فينبغي القيام بها خالصاً لله سبحانه جسميّاً وروحيّاً في وقت واحد، وهذا يتطلب المعرفة والعلم الكامل بالفقه الأصغر والفقه الأكبر في الحجّ والزيارة ، أي يعرف الحجاج مناسكهم الفقهية من الواجبات والمستحبات والمحرّمات والمكروهات ، كما يعرفون الآداب المعنوية وأسرار المناسک وحكمتها وفلسفتها.

ولا يخفى أنّ الجهات العرفانيّة والآداب المعنويّة للحجّ كثيرة وما جاء في هذا الكتاب الذي بين يديک ، إنّما هو قطرة من بحار تلک الأنوار الساطعة ، وغيض من فيض ، والخطوة الاُولى لمسيرة ألف ميل ، ولكن المهم أن يعرف الحاج إلى أين يذهب ؟ ودعوة من يلبّي ؟ وأي ضيافة هذه ؟ وانه ضيف من ؟ وما هي آداب وشرائط هذه الضيافة الأرضيّة في الظاهر والقالب ، والسماوية في الباطن والقلب . وانه هجرة حج من الملک إلى الملكوت ومن التراب إلى ربّ الأرباب ، ومن الفرش إلى العرش ، وانّه من أبرز مصاديق الفرار إلى الله سبحانه والإستظلال بأشجار محبته ولطفه ، ويا له من مقام كريم لا يلقاه إلّا ذو حظٍّ عظيم ؟!!

 

 



[1] ()  الدخان : 38.

[2] ()  المؤمنون : 14.

[3] ()  الآداب المعنويّة للصلاة : المقدّمة : 11.

[4] ()  الآداب المعنويّة للصلاة : الامام الخميني : ص 17.

[5] ()  آل عمران : 3.

[6] ()  الكهف : 49.

[7] ()  المزمّل : 20.

[8] ()  الزلزلة : 7.

[9] ()  النبأ: 40.

[10] ()  المجادلة : 11.

[11] ()  اقتباس من الآداب المعنويّة للصلاة :2 22.

[12] ()  انّ قوافل الحجّاج وحملات الحجّ في ايران الاسلاميّة بعد ثورتها وجمهوريّتها تحت برامج (منظّمةالحجّ والزيارة ) ومن قبل بعثه السيّد القائد دام ظلّه قسم الروحانيّين (والمرشد الديني في القافلة ) فإنهيعيّن لكلّ قافلة (مأة نفر تقريباً) رجل دين (روحاني ) واحد، وإذا بلغ مأة وأربعين أضافوا آخراً بعنوان(معين ) وإذا زادوا عن المأة والأربعين زادوا آخرآ من النساء الفاضلات في الحوزة بعنوان (معينة )لتكون في خدمة وتعليم الحاجّات .