من أسرار رمي الجمرات

 

() 1 ـ إنّه من سنّة آدم  7، فانّه بعد أن طاف بالبيت ووقف في عرفات والمشعر الحرام ومنى ، فأمره الله أن يطوف مرّة اُخرى بطواف الزيارة والحبّ ، فتوجّه آدم إلى الكعبة المشرّفة ، إلّا إن إبليس الرجيم ناداه : يا آدم إلى أين تريد؟ فالتفت إليه ، فنزل جبرئيل وقال له : هذا هو الشيطان فأرمه ، فرماه وحدث ذلک لثلاث مرّات في ثلاث مواضع التي هي اليوم مواضع رمي الجمار الثلاث .

إن العاشق لا يلتفت إلى غير معشوقه ، فكان المرتجى لمثل آدم  7 وفي مثل تلک اللحظات التي قصد فيها بيت الله الحرام شوقاً وعشقاً وحبّاً، أن لا يلتفت إلى غيره ، فأراد الشيطان أن يصرف وجهه فناداه ، فأمر جبرئيل أن يرميه فرماه فابتعد عنه .

() 2 ـ انّه من سنّة إبراهيم الخليل فانّه عند أخذ ولده إلى المذبح ، تمثّل له إبليس قائلاً: كيف للوالد أن يذبح ولده ؟! فأمر جبرئيل أن يرميه حتّى لا يثبّطه في عزيمته .

() 3 ـ إن الجمار الثلاث مواضع قبور لثلاثة طواغيت من طغاة التاريخ .

() 4 ـ انّه مواضع لثلاثة أصنام من أصنام قريش وغيرهم .

() 5 ـ رمي سبع حصيات يعني رمي الشيطان ومنع نفوذه من منافذه السبعة : الحواس الخمسة الظاهريّة : الباصرة والسامعة واللامسة والشامّة والذائقة ، وقوتي الغضب والشهوة .

() 6 ـ رمي الجمار يعني محاربة الشياطين من الجن والانس ومحاربة الطغاة والجبابرة والأصنام ، بكلّ أشكالها وألوانها وأطيافها وآليّاتها.

() 7 ـ رمي الجمار بسبعة حصيات يعني رمي الشيطان في أطوار الانسان السبعة : الطبع والنفس والعقل والقلب والسرّ والخفي والأخفى .

() 8 ـ رمي الجمار يرمز إلى رمي الشياطين من الجنّ والانس ، فمن كان الشيطان قرينه ، أو كان يوسوس في صدره فكيف يرميه ؟! فلابدّ التخلّص من الصفات الشيطانيّة ودفعها ورفعها، حتّى يستعد لتلقى الروح الملاكي .

() 9 ـ كلّ ما فيه الحياة في الطبيعة من النباتات والحيوانات والانسان ، فإنه يمتلک قوتي الجذب والدفع (الجاذبيّة والدافعيّة ) ويتبلور في الانسان تارة بقوتي الشهوة والغضب ، واُخرى بالمحبّة والعداء، وثالثة بالإرادة والكراهة ، وغيرها والجامع بين هذه المظاهر هو التولي والتّبري ، ومن أبرز ما في الحجّ في مناسكه وأحكامه ومعالمه وعوالمه ، هو إثبات التوحيد ونفي الشرک ، ويتصفان بالولاء والبراءة ، والايمان بالله والكفر بالطاغوت .

ورمز الأوّل الطواف حول البيت في بداية المسير إلى الله، كما رمز الثاني رمي الجمار والخلاص من الشيطان والتبري منه ومن أعوانه ومظاهره من الطواغيت والأصنام .

() 10 ـ ويستحب له أن يتطهر بغسل أو وضوء، وكأنّه يرمز إلى أن الطاهر في باطنه من الخبائث والأرجاس يتوفق لرمي الشياطين والأبالسة من الجن والانس .

ولا يخفى ان الظاهر عنوان الباطن ، فمن تمكن من رمي الشيطان في باطنه ، قبل منه رمي الشيطان والجمار في الظاهر، وانما يحمى المؤمن نفسه من شرّ الشيطان بالاستعاذة بالله (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّکَ مِنَ آلشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ)[1] .

 

() 11 ـ من السنن العربيّة في الأيّام القديمة انّه من كان مبغوضاً، فانّه يُرمى سواء أكان حيّاً أو ميّتاً، ومن هذا المنطلق كان يرمون قبر أبي رغال قائد جيش (أبرهة ) صاحب قصّة أصحاب الفيل وطير الأبابيل ، يقول جرير في هجو فرزدق :

اذا مات الفرزدق فارجموه         كما ترمون قبر أبي زغال

() 12 ـ رمي الجمار يوجب نورانيّة الباطن ، وهذا يعني أن الجهاد والمبارزة الدائمة والمتوالية بالعدّة والعدد يكسب منه الحياة النوريّة ، وأن يعيش الانسان على ضوء الأنوار، ولا يعيش الظلام والظلمات والظلم ، فينحرف عن الصراط ، أو يقع في هاوية الخطايا والذنوب ومهالک المعاصي والآثام ، ويصطدم بصخور الرذائل والمساوئ الأخلاقيّة .

() 13 ـ يستحب التكبير عند كلّ رمي أو بعده ، ويدلّ ذلک على عظمة الله سبحانه وعزّته وذلّة الشيطان وضعفه ، فالعظمة والعزّة لله جميعا، وإنّ المحاربة مع الشيطان وجنوده وحزبه إنّما هو لله سبحانه ، وباسمه وكبريائه .

() 14 ـ ترمي الجمار الثلاث في ثلاثة أيّام ليدلّ على استمرار الصراع والمقاومة في طريق الحق ، وانّه كلّما أراد أن يقترب من بيت الله ليطوف حوله طواف الحب والزيارة فان الشيطان يعيقه بنصب أحجار في مساره ، فلابدّ من رميه وتجاوز العقبات والعوائق مهما كلّف الأمر، ولو بسبع حصيات وبأيّام متوالية .

() 15 ـ وربما السرّ في إستقبال الشيطان في رمي الجمرة العقبة وأن تكون الكعبة خلف الرامي ليدلّ على انّه برميه يمنع دخول الشيطان في الحرم ويستقبله في مبارزه ، وإنّه مادام لم يحارب الشيطان الأكبر ويتخلّص منه كيف يتوجّه إلى كعبة ربّه وقبلته في عروجه وصلاته .

() 16 ـ لابدّ في رمي الشياطين من وحدة الصفوف والاجتماع الموحد كما كان في عرفات والمشعر، ليدل على وحدة المسلمين في صراعهم مع أعداء الاسلام كالصهاينة والاستكبار والاستعمار والماسونيّة والشيوعيّة والكفر والشرک والالحاد، وأصحاب البذع والضّال والمضل ، وكلّ ما عليه اسم الشيطان وكان مظهراً له .

() 17 ـ إن الطواف الواجب في الحجّ (21) شوطاً والسعي (14) شوطاً ولكن رمي الحصيات (49) حصاة ، وهذا يدلّ على زيادة النضال ضدّ العدوّ وضدّ الشيطان ومادام لم يكن كذلک كيف يصل الانسان إلى قرب ربّه وطواف كعبته ؟!

() 18 ـ لعدد السبعة رموز وأسرار فالطواف سبعة أشواط ، والسعي سبعة

أشواط ، والرمي سبع مرّات ، وكلّ مرّة سبع حصيات ، ربما اشارة إلى الجهد والجهاد في مراحل الحياة السبع منذ انعقاد النطفة (وشاركهم في الأموال والأولاد) إلى ساعة الاحتضار والممات .

() 19 ـ قال رسول الله 7: «رمي الجمار ذخر يوم القيامة ، والحاج إذا رمى الجمار خرج من ذنوبه » وقال الصادق  7: «من رمى الجمار حُطّ عنه بكلّ حصاة كبيرة موبقة ، وإذا رماها المؤمن التقفها الملک ، وإذا رماها الكافر قال الشيطان بأُستک[2]  ما رميت »[3] .

 

 

لا يخفى إن اطلاق الكافر يعم الكافر بالتوحيد والنبوة والإمامة ، فمن كفر بالإمامة ولم يعرف إمام زمانه ، فانه اذا رمى الجمار انما يقول له الشيطان بإستک ما رميت ـ كناية عن عدم انتفاعه بهذا الرمي ، لأنّه يبتني صحّته وقبوله على صحّة العقيدة وقبول ولاية الامام المعصوم وطاعته .

() 20 ـ عن أبي عبدالله 7 في حديث : قال : ثمّ أخذ جبرئيل بيد آدم  7 فانطلق به إلى البيت فعرض له إبليس عند الجمرة فقال له إبليس لعنه الله: يا آدم أين تريد؟ فقال له جبرئيل  7: يا آدم ارمه بسبع حصيات وكبّر مع كلّ حصاة تكبيرة ففعل ذلک آدم  7 فذهب ابليس ثمّ عرض له عند الجمرة الثانية فقال : يا آدم أين تريد؟ فقال له جبرئيل  7: ارمه بسبع حصيات وكبّر مع كلّ حصاة تكبيرة ففعل ذلک آدم ، وكان كذلک في الجمرة الثالثة فقال له جبرئيل : انّک لن تراه بعد مقامک هذا أبداً. (فبهداهم إقتده)