العصمة بنظرة جديدة مجلة الکوثر الرابع والثلاثون - شهر رجب المرجب 1437هـ -2016م صحيفة صوت الكاظمين الشهرية العدد 207/206 النور الباهر بين الخطباء والمنابر قناة الکاظمين مصباح الهداية ونبراس الأخلاق بإدارة السید محمد علي العلوي الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين الشباب عماد البلاد إجمال الكلام في النّوم والمنام المؤسسة الإسلامية العالمية التبليغ والإرشاد برعایة السید عادل العلوي صحیفة صوت الکاظمین 205-204 شهر رجب وشعبان 1437هـ الانسان على ضوء القرآن أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم العلم الإلهامي بنظرة جديدة في رواق الاُسوة والقدوة الله الصمد في فقد الولد في رحاب اولى الألباب المأتم الحسیني الأسبوعي بإشراف السید عادل العلوي في دارالمحققین ومکتبة الإمام الصادق علیه السلام- إحیاء للعلم والعل نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل مجلة الکوثر الثالث والثلاثون - شهر محرم الحرام 1437هـ -2015م نور العلم والعلم نور مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
اللغة
تابعونا...
فهرست کتاب‌‌ لیست کتاب‌ها
  1. النوران الزهراء والحوراء
  2. الأقوال المختارة في احکام الصلاة سنة 1436هـ
  3. الکافي في اصول الفقه سنة 1436هـ
  4. في رحاب الخير
  5. الغضب والحلم
  6. إیقاظ النائم في رؤیة الامام القائم
  7. الضيافة الإلهيّة وعلم الامام
  8. البداء بين الحقيقة والافتراء
  9. سيماء الرسول الأعظم محمّد (ص) في القرآن الكريم
  10. لمعة من النورین الامام الرضا (ع) والسیدة المعصومة(س)
  11. الدوّحة العلوية في المسائل الافريقيّة
  12. نور الآفاق في معرفة الأرزاق
  13. الوهابية بين المطرقة والسندانه
  14. حلاوة الشهد وأوراق المجدفي فضيلة ليالي القدر
  15. الوليتان التكوينية والتشريعية ماذا تعرف عنها؟
  16. الصّارم البتّار في معرفة النور و النار
  17. بريق السعادة في معرفة الغيب والشهادة
  18. الشخصية النبوية على ضوء القرآن
  19. الزهراء(س) زينة العرش الإلهي
  20. مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
  21. نور العلم والعلم نور
  22. نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل
  23. دروس الیقین فی معرفة أصول الدین
  24. في رحاب اولى الألباب
  25. الله الصمد في فقد الولد
  26. في رواق الاُسوة والقدوة
  27. العلم الإلهامي بنظرة جديدة
  28. أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم
  29. الانسان على ضوء القرآن
  30. إجمال الكلام في النّوم والمنام
  31. العصمة بنظرة جديدة
  32. الشباب عماد البلاد
  33. الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين
  34. النور الباهر بين الخطباء والمنابر
  35. التوبة والتائبون علی ضوء القرآن والسنّة
  36. القصاص علی ضوء القرآن والسّنة الجزء الثاني
  37. القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الثالث
  38. القول الرشید فی الإجتهاد و التقلید 2
  39. القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد 1
  40. القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الاول
  41. الأقوال المختارة في أحكام الطهارة الجزء الأوّل
  42. أحكام السرقة على ضوء القرآن والسنّة
  43. الهدى والضلال على ضوء الثقلين
  44. في رحاب حديث الثقلين
  45. المأمول في تكريم ذرية الرسول 9
  46. عصمة الحوراء زينب 3
  47. عقائد المؤمنين
  48. النفحات القدسيّة في تراجم أعلام الكاظميّة المقدّسة
  49. قبس من أدب الأولاد على ضوء المذهب الإمامي
  50. حقيقة الأدب على ضوء المذهب
  51. تربية الاُسرة على ضوء القرآن والعترة
  52. اليقظة الإنسانية في المفاهيم الإسلامية
  53. هذه هی البرائة
  54. من لطائف الحجّ والزيارة
  55. مختصر دليل الحاجّ
  56. حول دائرة المعارف والموسوعة الفقهية
  57. رفض المساومة في نشيد المقاومة
  58. لمحات قراءة في الشعر والشعراء على ضوء القرآن والعترة :
  59. لماذا الشهور القمرية ؟
  60. فنّ الخطابة في سطور
  61. ماذا تعرف عن العلوم الغريبة
  62. منهل الفوائد في تتمّة الرافد
  63. سهام في نحر الوهّابية
  64. السيف الموعود في نحراليهود
  65. لمعة من الأفكار في الجبر والاختيار
  66. ماذا تعرف عن الغلوّ والغلاة ؟
  67. الروضة البهيّة في شؤون حوزة قم العلميّة
  68. النجوم المتناثرة
  69. شهد الأرواح
  70. المفاهيم الإسلامية في اُصول الدين والأخلاق
  71. مختصر دليل الحاجّ
  72. الشهيد عقل التاريخ المفكّر
  73. الأثر الخالد في الولد والوالد
  74. الجنسان الرجل والمرأة في الميزان
  75. الشاهد والمشهود
  76. محاضرات في علم الأخلاق القسم الثاني
  77. مقتل الإمام الحسين 7
  78. من ملكوت النهضة الحسينيّة
  79. في ظلال زيارة الجامعة
  80. محاضرات في علم الأخلاق
  81. دروس في علم الأخلاق
  82. كلمة التقوى في القرآن الكريم
  83. بيوتات الكاظميّة المقدّسة
  84. على أبواب شهر رمضان المبارک
  85. من وحي التربية والتعليم
  86. حبّ الله نماذج وصور
  87. الذكر الإلهي في المفهوم الإسلامي
  88. السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
  89. شهر رمضان ربيع القرآن
  90. فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
  91. منية الأشراف في كتاب الإنصاف
  92. العين الساهرة في الآيات الباهرة
  93. عيد الغدير بين الثبوت والإثبات
  94. بهجة الخواصّ من هدى سورة الإخلاص
  95. من نسيم المبعث النبويّ
  96. ويسألونک عن الأسماء الحسنى
  97. النبوغ وسرّ النجاح في الحياة
  98. السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
  99. نسيم الأسحار في ترجمة سليل الأطهار
  100. لمحة من حياة الإمام القائد لمحة من حياة السيّد روح الله الخميني ومقتطفات من أفكاره وثورته الإسلاميّة
  101. قبسات من حياة سيّدنا الاُستاذ آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي «قدّس سرّه الشريف »
  102. طلوع البدرين في ترجمة العلمين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الأمام الخميني 0
  103. رسالة من حياتي
  104. الكوكب السماوي مقدّمة ترجمة الشيخ العوّامي
  105. الكوكب الدرّي في حياة السيّد العلوي 1
  106. الشاكري كما عرفته
  107. كيف أكون موفّقآ في الحياة ؟
  108. معالم الصديق والصداقة في رحاب أحاديث أهل البيت
  109. رياض العارفين في زيارة الأربعين
  110. أسرار الحج والزيارة
  111. القرآن الكريم في ميزان الثقلين
  112. الشيطان على ضوء القرآن
  113. الاُنس بالله
  114. الإخلاص في الحجّ
  115. المؤمن مرآة المؤمن
  116. الياقوت الثمين في بيعة العاشقين
  117. حقيقة القلوب في القرآن الكريم
  118. فضيلة العلم والعلماء
  119. سرّ الخليقة وفلسفة الحياة
  120. السرّ في آية الاعتصام
  121. الأنفاس القدسيّة في أسرار الزيارة الرضويّة
  122. الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف وطول العمر في نظرة جديدة
  123. أثار الصلوات في رحاب الروايات
  124. رسالة أهل البيت علیهم السلام سفينة النجاة
  125. الأنوار القدسيّة نبذة من سيرة المعصومين
  126. السيرة النبوية في السطور العلوية
  127. إشراقات نبويّة قراءة موجزة عن أدب الرسول الأعظم محمّد ص
  128. زينب الكبرى (سلام الله علیها) زينة اللوح المحفوظ
  129. الإمام الحسين (علیه السلام) في عرش الله
  130. رسالة فاطمة الزهراء ليلة القدر
  131. رسالة علي المرتضى (علیه السلام) نقطة باء البسملة
  132. الدرّ الثمين في عظمة أمير المؤمنين - علیه السلام
  133. وميض من قبسات الحقّ
  134. البارقة الحيدريّة في الأسرار العلويّة
  135. رسالة جلوة من ولاية أهل البيت
  136. هذه هي الولاية
  137. رسالتنا
  138. دور الأخلاق المحمّدية في تحكيم مباني الوحدة الإسلاميّة
  139. أخلاق الطبيب في الإسلام
  140. خصائص القائد الإسلامي في القرآن الكريم
  141. طالب العلم والسيرة الأخلاقية
  142. في رحاب وليد الكعبة
  143. التقيّة في رحاب العَلَمَين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الإمام الخميني
  144. زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار
  145. طالب العلم و السیرة الأخلاقیّة
  146. فاطمة الزهراء سلام الله علیها سرّ الوجود

لماذا الشهور القمرية ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لماذا الشهور القمرية ؟[1]

 

 

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمّد وآله الطاهرين .

قال الله تعالى في كتابه الكريم  :

(إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ آثْنَا عَشَرَ شَهْرآ فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِکَ الدِّينُ القَيِّمُ )[2] .

 

الأشهر الحرم : رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجّة ، ومحرّم الحرام .

وكانت الأشهر في العصر القديم قبل الإسلام باسم : 1 ـ المؤتمر، 2 ـ خوّان ،  3 ـ حُنتَم ، 4 ـ ناجِرٌ، 5 ـ صُوان ، 6 ـ زبّاء، 7 ـ الأصمّ ، 8 ـ نافِق ، 9 ـ هواع ،  10 ـ عادل ، 11 ـ دَاغِل ، 12 ـ بُرَک .

وفي بعض هذه الأشهر من حيث التقديم والتأخير اختلاف ، وقال الصاحب
إسماعيل بن عبّاد :

أردت شهور العُرب في الجاهلية         فخذها على السرد المحرّم تشترک

فمؤتمر يأتي ومن بعدُ ناجر وخوان         مع صوان يجمع في شرک

حنين وزبا والأصمّ وعادل         ونافق مع وغلٍ ورنّة مع بُرَک

ثمّ سمّيت الأشهر قبل ظهور الأسلام في زمن الجاهلية بهذه الأسماء :  1 ـ المحرّم ، 2 ـ صفر، 3 ـ ربيع الأوّل ، 4 ـ ربيع الآخر، 5 ـ جمادى الاُولى ،  6 ـ جمادى الآخرة ، 7 ـ رجب ، 8 ـ شعبان ، 9 ـ رمضان ، 10 ـ شوّال ،  11 ـ ذو القعدة ، 12 ـ ذو الحجّة .

وأوّل السنة محرّم وإنّما سمّي الشهر الأوّل بمحرّم ، إذ عند العرب كان يحرم فيه القتال والإغارة ، وصفر: لخروج الناس من ديارهم للحرب ، فقالوا: صفرت الدار منهم ، والربيعان ، إذ الناس والحيوانات كانت تنتفع في الأراضي الخضراء وتربع وتسمن ، ووقع الشهران في فصل الربيع فسمّيا باسمه الربيع الأوّل والربيع الثاني أو الآخر، وإنّما سمّي بالجمادين لجمود الماء وابتلاع الأرض المياه حين وضع الأشهر ولم يعلم الناس آنذاک أنّ الحرّ والبرد ينتقلان ، وسمّي رجب لخوف الناس ويقال  : رجبت الشيء إذا أخاف منه ، وسمّي شعبان لتشعّب القبائل آنذاک ومسيرهم نحو المياه وغاراتهم ، وسمّي رمضان لشدّة الحرارة وحرارة الرمضاء أي الحصى ، وفي الأخبار رمضان من أسماء الله سبحانه ، ولهذا يقال له شهر رمضان ، وسمّي شوّال لرفع الإبل ذيولها شهوة ، وسمّي بذي القعدة لقعود الناس عن الحروب والغارات ، وذو الحجّة لإتيانهم الحجّ في هذا الشهر.

ولمّـا كان الحجّ يقع في الأشهر الأربع أقدم العرب حفظآ لمصالحهم ودنياهم
وتجارتهم في مكّة ، ليكون وقوع الحجّ دائمآ في أيام الربيع ليسلموا من البرد والحرّ، وليسهل تجارتهم أقدموا على عمل الكبيسة عندما تعلّموا من اليهود علم الزيجات ، والكبيسة بمعنى محاسبة التفاوت بين السنة القمرية التي تدور على وضع القمر والأهلّة المختصّة بالعبادات ، والسنة الشمسية التي تدور حول مدار الشمس وحركتها في كلّ عام مرّة من برج إلى برج ، ثمّ إضافة التفاوت على السنة القمرية في آخر السنة . والتفاوت والتفاضل بينهما أنّ السنة الشمسية أكثر من القمرية بعشرة أيام وواحد وعشرين ساعة واثني عشر دقيقة .

فما يحصل من الكبيسة أمران  :

1 ـ الزيادة في مقدار الأشهر. 2 ـ تأخير حرمة الأشهر التي يحرم القتال فيها، كما في سنة إبراهيم وإسماعيل  8، سواء كانت لفظة النسيء الواردة في القرآن الكريم في قوله تعالى : (إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ)[3]  أخذناها بمعنى التأخير،

عند أكثر أهل اللغة أم بمعنى الزيادة كما عند بعضهم .

فمناسک الحجّ كانت تقع تارةً في شهر ذي الحجّة ، واُخرى في الأشهر الباقية ، وتدور حتّى تصل إلى شهر ذي الحجّة ، والرسول الأكرم عندما حجّ حجّة الوداع كان الحجّ واقعآ في شهر ذي الحجّة فحرّم النبيّ  9 النسيء وأنّه من الكفر، إذ لازمه أن يقع الحجّ في غير الأيام التي أمر الله بها، وهذا ما يخالف كلام الله وهو من الكفر، فلمّـا وافق حجّة النبيّ  9 ذو الحجّة قال في خطبته المعروفة في منى : «إنّ الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنى عشر شهرآ، منها أربعة
حرم ، ثلاثة متواليات : ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ، ورجب مُضَرُ الذي بين جمادى وشعبان »
[4] .

 

فالعرب أيام الجاهلية تعلّموا الكبيسة من اليهود، وسمّوا ذلک بالنسيئة بمعنى التأخير، فإنّ اليهود جعلوا من كلّ تسعة عشر سنة سبعة أشهر كبيسة ، حتّى توافق السنين القمرية مع السنين الشمسية ، والعرب جعلوا كلّ أربعة وعشرين سنة قمرية اثنى عشر شهرآ قمريآ كبيسة ، ولهذا العمل انتخبوا رجلا من بني كنانة ، وسمّوه قلمآ، وأولاده من بعده قلامة ، وكذلک نسأة ، وآخرهم أبو ثمامة جنادة بن عوف بن اُميّة ابن قلع بن عباد بن قلع بن حذيفة ، فكانوا سبعة خلال مائتي عام ، فكان قلمّس يخطب بالناس يوم عرفة ، ويغيّر الشهور وينسيء شهر محرّم ، ويعدّ صفر من أوّل شهور السنة ، فيكون محرّم آخر الشهور بعدما كان أوّلا.

ثمّ السنة القمرية عبارة عن (354) يومآ وثمان ساعات و44 دقيقة ، والسنة الشمسية عبارة عن (365) يومآ وست ساعات .

ولا يصحّ تبديل السنة الهجرية إلى الشمسية الشاهنشاهية[5]  كما فعله  

الطاغوت البهلوي في إيران ، ولا يجوز للمسلم أن يصوم في غير شهر رمضان ، فيما لو وقع في الصيف ، كما يحجّ في غير ذي الحجّة لاعتدال الهواء، أو بيع الأمتعة والمصالح الدنيوية الاُخرى ، فلا يجوز أن يأتي بالأعمال والعبادات والآداب والسنن
الاجتماعية والرسوم والعادات العرفية على حساب السنة الشمسية ، فإنّ الله جعل للمسلم في القرآن الكريم التأريخ على السنة القمرية في قوله تعالى :
(إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ آثْنَا عَشَرَ شَهْرآ فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أرْبَعَةٌ حُرُمٌ )[6] ، وذلک لمكان الأشهر الحرم المطابق لأشهر السنة القمرية ، ولا

تتغيّر هذه الأشهر لمكان (عند الله، وفي كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض )، ولا مُعقّب لحكمه تعالى .

ثمّ الأشهر القمرية حسّية ووجدانية ، لها بداية ونهاية مشخّصة في عالم التكوين : (وَالقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرْجُونِ القَدِيمِ )[7] ، ولكن الأشهر

الشمسية هي من وضع المنجّمين والتباني بينهم ، وما اصطلحوا عليه ، وإن كانت الفصول الأربعة حسّية .

وممّـا يدلّ على السنة القمرية قوله تعالى  :

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالقَمَرَ نُورآ وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ )[8] .

 

كما أنّ من مميّزات السنة القمرية أنّ الناس من خلال رؤيتهم لأشكال القمر بدايةً من الهلال وحتّى البدر، بإمكانهم معرفة الأيام وحسابها من دون الحاجة إلى حساب خاصّ كما في السنة الشمسية ، وممّـا يدلّ على السنة القمرية أيضآ قوله
تعالى  :

(يَسْألُونَکَ عَنْ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ )[9] .

 

ومن النسيء تبديل السنة القمرية إلى الشمسية ، كما يدلّ على ذلک ما ورد في خطبة النبيّ  6 في منى وجعل الحجّ في وقته وشهره حجّة الإسلام .

وجاء في السيرة الحلبية[10] : يقال لها حجّة الإسلام ، قيل : لإخراج الكفّار

الحجّ عن وقته ، لأنّ أهل الجاهلية كانوا يؤخّرون الحجّ في كلّ عام أحد عشر يومآ، حتّى يدور الزمان إلى ثلاثة وثلاثين سنة ، فيعود إلى وقته ، ولذلک قال  6 في هذه الحجّة ـأي حجّة الوداع ـ: «إنّ الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض »، فإنّ هذه الحجّة كانت في السنة التي عاد فيها الحجّ إلى وقته ، وكانت سنة عشر.

وقيل : النسيء: تأخير حرمة الشيء إلى شهر آخر، فإذا جاء الشهر الحرام وهم محاربون شقّ عليهم ترک المحاربة .

وإن قيل : إنّ أجزاء الزمان متشابهة في الحقيقة ، فما السبب في هذا التمييز؟

يقال في الجواب : إنّ هذا المعنى غير مستبعد في الشرائع ، فإنّ أمثلة ذلک كثيرة ، ألا ترى أنّه تعالى ميّز البلد الحرام عن سائر البلاد بمزيد الحرمة ، وميّز يوم الجمعة عن سائر أيام الاُسبوع بمزيد حرمة ، وميّز يوم عرفة عن سائر الأيام بتلک العبادة المخصوصة ، وميّز شهر رمضان عن سائر الشهور بمزيد حرمة وهو وجوب
الصوم ، فإذا كانت هذه الأمثلة ظاهرة مشهورة ، فأيّ استبعاد في تخصيص بعض الأشهر بمزيد حرمة .

ولا يبعد أن يعلم الله تعالى أنّ وقوع الطاعة في هذه الأوقات أكثر تأثيرآ في طهارة النفس ، ووقوع المعاصي فيها أقوى تأثيرآ في خبث النفس ، فالزمان والمكان عنصران مؤثّران في تربية الإنسان وتعليمه .

ثمّ لا يخفى أنّ بناء العبادات على السنة القمرية يخلّ بمصالح الدنيا، وبناؤها على السنة الشمسية يفيد رعاية مصالح الدنيا، والله تعالى أمرهم من وقت إبراهيم الخليل وإسماعيل الذبيح  8 ببناء الأمر على رعاية السنة القمرية ، فهم تركوا أمر الله في رعاية السنة القمرية واعتبروا السنة الشمسية رعايةً لمصالحهم الدنيوية لما يحملوا من النزعة المادّية والحسّية التي تتغلّب على النزعة الروحية والمثالية عند كثير من الناس ، فأكثرهم للحقّ كارهون ، وتجدهم غير شاكرين ، وقليل من عبادي الشكور.

فعلى المسلم الرسالي أن يتمسّک بتأريخه الإسلامي ، الذي أسّسه إبراهيم الخليل وأقرّه الإسلام ، ولا يقال : أيّ مانع من أن تكون الاُمور العبادية على السنة القمرية ، وأمّا الاُمور الاجتماعية والسياسية فتكون على السنة الشمسية أو الميلادية ؟

إذ يقال : جعل السنة الشمسية تأريخآ ممّـا يخالف النصّ القرآني ، والسنّة النبوية ، وسيرة الأئمة الأطهار، والعلماء الأعلام والسلف الصالح ، كما يوجب انفكاک الدين عن السياسة ، ممّـا يقصده الاستعمار ويبغيه الاستكبار لمحو الدين وانزوائه ، كما يلزم انفصال تأريخ ومجد وحضارة السلف عن الخلف ، إذ ضبط الحوادث
والوقائع التأريخية من صدر الإسلام إلى يومنا هذا إنّما هو على أساس السنة القمرية والأشهر القمرية بداية من الهجرة النبوية المباركة ، كما يوجب عدم وحدة المسلمين ، وأخيرآ يلزم أنّ كلّ واحد يقول بتأريخه الخاصّ لقوميّته ، وهذا ممّـا يوجب الاختلاف والتفرّق ، فوحدة المسلمين في تأريخهم ، كوحدتهم في عبادتهم ، وقرآنهم :
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعآ وَلا تَفَرَّقُوا)[11] .

 


 

 

 

 

من مصاديق سياسة (فرّق تسد) الاستعمارية

 

 

من طريف ما يحكى أنّ إسكندر لمّـا فتح البلاد في حروبه ، وغلب خصومه ، واستولى على الشرق حتّى بلاد الهند، كتب إلى اُستاذه أرسطو المعلّم الأوّل : إنّي تغلّبت على بلاد الشرق فما أفعل ليبقى لي الملک والسيادة ؟

فكتب أرسطو: إذا أردت بقاء الحكم على تلک البلاد، فقسّمها إلى بلاد صغيرة ، واجعل على كلّ بلد ملكآ وحاكمآ ورئيسآ للجمهور، واجعل نفسک حاكمآ وملكآ عليهم ، وسمّي نفسک ملک الملوک ، وحينئذٍ تصفو لک الأجواء، وكلّ واحد ينقاد لک ، حفظآ على تاجه وعرشه ، وإن أردت أن تحكم لوحدک على تلک البلاد أو تجعل نفسک الحاكم واحدآ، فأخاف عليک من طغيانه وبغيه ، وإن كان من أخصّ الخواصّ وأقرب الناس إليک .

وبريطانيا تلک العجوزة السياسيّة الشمطاء، نهجت هذا المنهج ، وأعلنت سياستها الشيطانية في قولها المقيت : (فرّق تسد)، أي إذا أردت الحكومة والسيادة على الآخرين ، فحاول أن تفرّق بينهم بأيّ شكل كان ، فتارةً بالنعرات القوميّة ، واُخرى بالصيحات الحزبية وصنميّتها، وثالثةً بالنغمات الطائفية والمذهبية ، وهكذا
في كلّ شيء فرّق تسد، فاشتهر هذا المعنى حتّى قيل : لو تنازعت سمكتان في البحر فاعلم أنّ للإنكليز في ذلک إصبعآ. وقد غفل المسلمون عن هذا، فنفذ عملاء الاستعمار في كيانهم ووحدتهم ، ففرّقوهم وشتّتوهم ومزّقوهم إلى دويلات صغيرة ، فالحكومة العثمانية التي حكمت ستّة قرون من (عام 1299 ـ إلى عام 1923) على قسم واسع من قارة آسيا وأوروبا وأفريقيا، وجلس على كرسيّ الحكم ثمان وثلاثين سلطانآ أوّلهم السلطان عثمان خان الغازي في سنة (699 هجري )، وآخرهم السلطان عبد العزيز الثاني عام (1342 هجري )، فمزّق الاستعمار البريطاني الدولة العثمانية باسم الحرّية والوطنية والقومية والاستقلال ، إلى دويلات صغار، وأودعوها بيد عملائهم الخونة .

فالمنطقة الأوروبية للدولة العثمانية كانت تضمّ شبه جزيرة البلقان وهنغاريا، وقسم من رومانيا التي تضمّ بخارست تبدّلت إلى يوغوسلافيا وألبانيا واليونان وبلغاريا، والمنطقة الآسيوية انقسمت إلى تركيا وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين والحجاز وعدن واليمن والعراق والكويت ، والقسم الأفريقي انقسم إلى مصر وليبيا، فانقسمت الدولة العثمانية الكبرى التي كانت ترمز إلى الخلافة الإسلامية إلى تسعة عشر دولة .

فالاستعمار بعد نفوذه بين المسلمين وتقسيم أراضيهم ، زرعوا النفاق في قلوبهم ، وأشعلوا لهيب العصبية والقومية في وجودهم ، بعدما أفرغوهم من تعاليم القرآن الكريم والمفاهيم الإسلامية المقدّسة بشتّى الطرق والوسائل كالصحف والمجلّات والإذاعة والتلفزة ودور السينما والمدارس والجامعات التي تنشر ثقافتهم وأفكارهم السامّة ، ليحلو لهم ويصفو الجوّ، لنهب ثرواتهم وقواهم وأفكارهم ،
ووصل طغيانهم إلى كلّ البلاد الإسلامية حتّى إيران ، فأشاعوا بينهم العنصرية باسم إحياء التراث القومي الفارسي ، وحفظ الأحجار في متاحفهم ، وتعظيم شاهنامة الفردوسي ، حتّى اعتبروا في زمن الطاغوت أنّ لغة القرآن الكريم لغة أجنبية ، وهكذا في جميع البلاد أحيوا الآثار التي كانت قبل الإسلام باسم التراث القومي .

ومن صنعهم الشنيع تبديل التأريخ من السنة القمرية الهجرية التي كانت تذكّر المسلمين بهجرة نبيّهم الأكرم منجي الإنسانية من حضيض الجهل والشقاء إلى وادي العلم والسعادة ، فعوّضوا السنة الهجرية بالسنة الشمسية الميلادية لتذكّر الناس بميلاد المسيح عيسى بن مريم ، وإلى الشاهنشاهية إشارة إلى إمبراطورية الفرس من عصر كورش ، وليس هذا إلّا من مخطّط الأحقاد الصليبية بعدما فشلوا في حرب المسلمين .

وفي إيران أبدلوا القمرية إلى أشهر فارسية ستّة منها أسماء زردشتية ، وهذا يعني إحياء زردشت المجوسي (فروردين ، أرديبهشت ، خرداد، تير، مرداد، شهريور، مهر، آبان ، آذر، دي ، بهمن وإسفند)[12] .

 

وفي العراق جعلوا مبدأ السنة كانون الثاني ، وأبدلوا الأشهر القمرية إلى أشهر رومية وباسم : 1 ـ كانون الثاني 31 يومآ، 2 ـ شباط 28 يومآ وفي السنة الكبيسة
29 يوم إذ السنة الشمسية 365 يومآ و5 ساعات و48 دقيقة و5 ثوان ، وتجمع الساعات والدقائق والثواني في كلّ أربع سنوات يومآ ويضاف على شهر شباط فيكون 29 يومآ، 3 ـ آذار 31 يومآ، 4 ـ نيسان 30 يومآ، 5 ـ أيّار 31 يومآ،  6 ـ حزيران 30 يومآ، 7 ـ تمّوز 31 يومآ، 8 ـ آب 31 يومآ، 9 ـ أيلول 30 يومآ،  10 ـ تشرين الأوّل 31 يومآ، 11 ـ تشرين الآخر 30 يومآ، 12 ـ كانوا الأوّل  31 يومآ.

وفي سورية ولبنان وفلسطين ومصر وغيرها بأسماء غربية ، ومبدأ السنة هو ميلاد المسيح ، وهكذا في الهند وباكستان .

وفي بعض البلاد جعلوا الأشهر بداية من حركة الشمس باسم الأبراج الاثنى عشر: (الحمل 31 يومآ، والثور 31، والجوزاء 32، والسرطان 31، والأسد 31، والسنبلة 31، والميزان 30، والعقرب 30، والقوس 29، والجدي 29، والدلو 30، والحوت 30)، وأوّل السنة أوّل الاعتدال الربيعي . وكذلک غيّروا في الساعات والليل والنهار، فوقّتوا الساعات على ساعة غرينويج وأبدلوها من الساعة الشرعية إلى الساعة البريطانية ، ومن الساعة الغروبية التي كانت بداية الليل إلى الساعة الزوالية ، كلّ هذا لربط الناس والعالم بالغرب وبالاستعمار من حيث يدري ولا يدري ، فإن كنت تدري فتلک مصيبة ، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم .

وأمّا السنة المسيحية القيصرية فهي من حيث الكبيسة كالسنة الرومية ، لكن مبدأ السنة هو أوّل يناير 754 من بناء مدينة رومة في 25 ديسمبر، وعرف التأريخ بهذه السنة بتأريخ ژولين ، وأشهره عبارة عن : 1 ـ يناير 31 يومآ، 2 ـ فبراير
 28 يومآ وفي الكبيسة 29 يومآ، 3 ـ مارس 31 يومآ، 4 ـ أبريل 30 يومآ، 5 ـ مايو 31 يومآ، 6 ـ يونيو 30 يومآ، 7 ـ يوليو 31 يومآ، 8 ـ أغسطس 31 يومآ،  9 ـ سبتمبر 30 يومآ، 9 ـ اكتوبر 31 يومآ، 11 ـ نوفمبر 30 يومآ، 12 ـ ديسمبر  31 يومآ.

والاختلاف مع الأشهر الرومية في الأسماء، فإنّ يناير الذي هو بين الشهر الأوّل والثاني من الشتاء يطابق كانون الثاني ، وفبراير هو شباط ، وهكذا.

ولمّـا اختلفت السنة الشمسية الحقيقية مع السنة الشمسية ژولين ، رجع التأريخ في (120 سنة ) يومآ واحدآ إلى الوراء، فالبابا غريغوري بمساعدة المنجّم الإيطالي ليليو، صحّح ذلک بأخذ كبيسة ثانية كلّ أربعمائة سنة ، ينقصون ثلاثة أيام ، ففي رأس كلّ مائة سنة كانت الكبيسة ، فلم يأخذوها في ثلاثمائة سنة وفي رأس الأربعمائة يأخذون الكبيسة ، وهكذا ففي زمن غريغوري رجع التأريخ عشرة أيام وكان (5) اكتوبر فبأمره جعلوا ذلک التأريخ (15) اكتوبر، فاشتهر تأريخ جديد من ذلک الزمن باسم التأريخ المسيحي الغريغوري ونسخ تأريخ ژولين ، واليوم تأريخ المسيحيين يحاسب على التأريخ الغريغوري .

وهناک تأريخ شمسي ملكشاهي وشمسي يزدگردي وشمسى باستاني عند الفرس ، وفيها الكبائس ، وكذلک في الشهور القمرية النجومية دون القمرية الشرعية الموافقة لطبيعة الإنسان وفطرته ، يستوي فيها العالم والجاهل ، والفلكي وغيره ، والقروي والمدني ، والشرقي والغربي ، منذ بدء الخليقة كما في قوله تعالى : (إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ آثْنَا عَشَرَ شَهْرآ).

وليس في الشهور القمرية الشرعية ممّـا يوجب الاختلاف كما في الشهور
الشمسية التي تعتمد على الرصد وتعيين نقطة الاعتدال الربيعي أو الخريفي ، كما لا حاجة إلى التقاويم المجعولة بيد البشر القابلة للخلط والغلط والاشتباه والاختلاف ، والشهور القمرية من الدين القيّم المستحكم كما في قوله تعالى :
(ذَلِکَ الدِّينُ القَيِّمُ ).

ولمثل هذا يقول أمين الإسلام الشيخ الطبرسي في كتابه القيّم (تفسير مجمع البيان )[13]  في ذيل الآية الشريفة (إنّ عدّة الشهور): «وفي هذه الآية دلالة على أنّ

الاعتبار في السنين بالشهور القمرية ، لا بالشمسية ، والأحكام الشرعية معلّقة بها، وذلک لما علم الله سبحانه وتعالى فيه من المصلحة ، ولسهولة معرفة ذلک على الخاصّ والعامّ ».

ويقول الرسول الأكرم  6: «بعثت على شريعة سمحة سهلة ».

وقال  6: «حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة ، وحرام محمّد حرام إلى يوم القيامة »[14] .

 



[1] ()  رسالة منشورة في مجلّة الذكر، العدد 15، السنة الثانية .

[2] ()  التوبة : 36.

[3] ()  التوبة : 37.

[4] ()  تفسير الدرّ المنثور :3 234.

[5] ()  أبدل شاه إيران البهلوي المقبور السنة الشمسية الهجرية إلى شاهنشاهية باعتبارالامبراطورية الفارسية التي ترجع إلى زمن كورش ، أي قبل (2500) سنة .

[6] ()  التوبة : 36.

[7] ()  يس : 39.

[8] ()  يونس : 5.

[9] ()  البقرة : 189.

[10] ()  السيرة الحلبية :3 289.

[11] ()  آل عمران : 103.

[12] ()  والستّة أشهر الاُولى كلّ شهر 31 يومآ، وخمسة من الثانية 30 يومآ، والشهر الأخير  29يومآ وفي كلّ أربع سنوات 30 يومآ وهو سنة الكبيسة الاُولى ، والكبيسة الثانية في كلّ 23 سنةتجعل الكبيسة في السنة الخامسة .

[13] ()  تفسير مجمع البيان :3 28.

[14] ()  رسالة نوين .