الموسوعات العربية الإسلامية  :

إنّ تأريخ الموسوعة العربية الإسلامية اتّصفت بصفة الموسوعية ، وكان لها قيمة كبيرة في تأريخ الثقافة العامة التي خدمت البشرية جمعاء خدمة مشهودة كبيرة . وقد تطوّر الأدب الإسلامي حيث شمل علوم الدين والدنيا في القرن الثاني الهجري ـالثامن الميلادي ـ.

فجاء ابن المقفّع (المتوفّى 142 ه   = 760 م ) فوسّع الاُفق وأضاف إلى ثروة العرب شيئآ عظيمآ من تراث الهند وفارس ، فله كتاب (سيرة ملوک العجم ) و(كليلة ودمنة ) و(الصحابة ) و(الدرّة اليتيمة ) و(الأدب الصغير).

ثمّ جاء من بعده أجيال سارت على منهجه ، وتوسّعوا في كلّ علم وفنّ كهشام ابن محمّد بن السائب الكلبي (المتوفّى 204 ه ) كتب في علوم القرآن والسيرة والشعر والتأريخ العام .

وأبو عبيدة معمر بن المثنّى (المتوفّى 210 ه ) كتب مئة وخمسة كتب كما يقول ابن النديم في فهرسه .

والأصمعي عبد الملک بن قريب بن قيس (المتوفّى 215 ه ) ألّف بضعة وأربعين كتابآ في الشعر واللغة والطب والنبات .

وأبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (المتوفّى 215 ه ) كتب قريبآ من هذا العدد من المؤلّفات في كلّ العلوم المتداولة في عصره المعروفة آنذاک .

وأبو عبيد القاسم بن سلام (المتوّفى 223 ه ) ألّف في علوم الإسلام واللغة والتأريخ والشؤون المالية ككتابه (الأموال ). وكتابه (الغريب المصنّف ) أشبه بموسوعة قد أنفق في تأليفه أربعين سنة .

فهؤلاء العلماء كان يدفعهم إلى مثل تلک الأعمال الكبيرة هو النهم إلى المعرفة ، الذي يميّز الاُمم الحيّة عن غيرها من الاُمم ، وتسودها، إذ الاُمم العالمة هي الاُمم السائدة ، ولم يجتمع في التأريخ أبدآ العلم والذلّ معآ. ولكن موسوعية هذا الجيل كانت بلا منهج واضح ، إلّا أنّه مهّد الطريق للأجيال الآتية وللطبقة الاُولى من الموسوعيين ، وأعمدتها خمسة من الأعلام ، وهم  :

1 ـ قدامة بن جعفر الكاتب (المتوفّى 237 ه ) له كتاب الخراج .

2 ـ أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (المتوفّى 255 ه ) كتب في فنون وعلوم شتّى ككتابه (الحيوان ) و(البيان والتبيين ) و(البخلاء).

3 ـ ابن قتيبة الدينوري أبو عبد الله محمّد بن مسلم (المتوفّى 276 ه ) له كتاب (أدب الكاتب ) خزانة في العلم والأدب وعيون الأخبار والمعارف .

4 ـ أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (المتوفّى 282 ه ) له كتاب (الأخبار
الطوال ) و(الإمامة والسياسة ) و(النبات ).

5 ـ أبو العباس محمّد بن يزيد المبرّد (المتوفّى 285 ه ) له كتاب (الكامل ) ينتقل بقارئه من فنّ إلى فنّ .

ويلحق بهذه الطبقة اثنان من أهل القرن الرابع ، هما :

1 ـ أبو أحمد بن محمّد بن عبد ربّه (المتوفّى 328 ه ) واشتهر بكتابه (العقد الفريد).

2 ـ أبو الفرج عليّ بن الحسين الإصفهاني (المتوفّى 356 ه ) اشتهر بكتابه (الأغاني ).

وقيل : أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (المتوفّى 246 ه ) ومحمّد بن يوسف بن يعقوب الكندي (المتوفّى 350 ه ).

وبعد القرن الرابع هبطت الهمم العالية عن القراءة الواسعة والتأليف الواسع ، واقتصر العلماء كلّ باحث أو عالم على علمه وفنّه ، ولكن حمل لواء الموسوعية في القرن الرابع : عليّ بن الحسين بن علي المسعودي (المتوفّى 346 ه ) واشتهر بكتابه (مروج الذهب ).

وفي النصف الأوّل من القرن الخامس حمل اللواء أبو علي أحمد بن يعقوب المعروف بمسكويه (المتوفّى 421 ه ) له كتاب (تجارب الاُمم ) و(تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق ).

ثمّ ظهر الكندي والفارابي وابن سينا يتربّعون على عرش الفلسفة والمنطق . وابن سينا جعل كتابه (الشفاء) دائرة معارف كاملة .

والمتنبّي كان موسوعة حافلة وإن اشتهر بعميد شعراء العربية .

وفي الرياضيات والفلک ، يحتلّ أبو ريحان البيروني مكان الصدارة وله (الآثار الباقية ).

وممّـا جاء في تأريخ الجاحظ أنّه لا يكفي للرجل أن يكون علمآ من أعلام زمانه ، أن يكون متمكّنآ من فنّه الذي تخصّص فيه ، بل لا بدّ أن يلمّ من كلّ شيء بطرف (والإلمام من كلّ شيء بطرف ) فكان عليه أن يحفظ اُلوفآ بعد اُلوف من الصفحات التي يحتاج استيعابها إلى اُلوف بعد اُلوف من الساعات . أضف إلى ما لا بدّ منه من كسب المعارف من القرآن الكريم والحديث الشريف

وعلومهما.

كان عليهم أن يدرسوا أربعة ـعلى الأقلّ ـ من كتب الأدب الكبرى

وهي  :

1 ـ (أدب الكاتب ) لابن قتيبة .

2 ـ (الكامل ) للمبرّد.

3 ـ (الأغاني ) لأبي الفرج الإصفهاني .

4 ـ (العقد الفريد) لابن عبد ربّه .

كما ويدرسوا تأريخآ من تواريخ الإسلام (كالرسل والملوک ) للطبري ، و(السيرة النبوية ) لابن إسحاق .

ويدرسوا دواوين كبار الشعراء إلى أيامهم ، وكتابآ ـعلى الأقلّ ـ في كلّ علم وفنّ إلى جانب تخصّصهم ، والإنسان لا يبذل الجهد العظيم إلّا إذا كان دافعه إليه مثل أعظم وأعلى .

وقد تخرّج على يد الأساتذة الاُوَل رجال في الأدب والموسوعية والتأريخ ،
مثل  :

أبي نعيم أحمد بن عبد الله الإصفهاني (المتوفّى 430 ه )، له كتاب (حلية الأولياء).

ومحمّد بن ضياء المعروف بالفخر الرازي (المتوفّى 606 ه ) صاحب (مفاتيح الغيب ) في تفسير القرآن الكريم .

وياقوت بن عبد الله الحموي (المتوفّى 626 ه ).

وعزّ الدين أبي حامد عبد الحميد بن هبة الله المدائني الشهير بابن أبي الحديد (المتوفّى 656 ه ) صاحب شرح نهج البلاغة .

وجمال الدين بن واصل (المتوفّى 697 ه ).

وكمال الدين أبو الفضل عبد الرزّاق المعروف بابن الفوطي (المتوفّى 732 ه ) له (معجم الآداب في معجم الألقاب ).

وأبي الفداء إسماعيل بن محمود بن المظفّر (المتوفّى 732 ه ).

وشمس الدين الذهبي (المتوفّى 747 ه ).

وإسماعيل بن عمر بن كثير (المتوفّى 774 ه ).

ولسان الدين الخطيب (المتوفّى 776 ه ).

وعبد الرحمن بن خلدون (المتوفّى 808 ه ).

وتقيّ الدين المقريزي (المتوفّى 845 ه ).

وشمس الدين السخاوي (المتوفّى 902 ه ).

والابشهي صاحب كتاب (المستظرف في كلّ فنّ مستطرف ) وهو من رجال القرن التاسع .

وجلال الدين السيوطي (المتوفّى 911 ه ) ألّف (350) كتابآ كطبقات الحفّاظ وطبقات المفسّرين وطبقات النحويين واللغويين وتأريخ الخلفاء والمزهر في علوم اللغة والإتقان في علوم القرآن .

وفي مصر أصبحت الموسوعية فنّآ ومنهجآ وموضوع تخصّص ، وظهرت في ذلک العهد الموسوعات الكبرى ، مثل  :

(نهاية الأرب ) للنويري (المتوفّى 733 ه ).

و(مسالک الأبصار) للعمري (المتوفّى 748 ه ).

و(صبح الأعشى ) للقلقشندي (المتوفّى 821 ه ).

و(لسان العرب ) لأبي الفضيل محمّد بن مكرم علي الأفريقي المصري المعروف بابن المنظور (المتوفّى 711 ه ).

و(تاج العروس ) لمحمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق المعروف بالمرتضى الزبيدي (المتوفّى 1205 ه )؛ فهما وإن كانا معجم اللغة ، ولكن دائرتا معارف .

و(رسائل إخوان الصفا) أيضآ دائرة معارف فريد في بابه في تأريخ الثقافة البشرية ، فهو أوّل دائرة معارف فلسفية ظهرت في التأريخ ، ألّفتها جماعة من الأصدقاء كلّهم فلاسفة يدينون برأي واحد في تفسير الكون وحقيقته وظواهره والعقائد واُصولها.

وكتاب (بحار الأنوار) يعتبر أوسع دائرة معارف للرواية والحديث والخبر والتأريخ والتفسير والفلسفة للعلّامة المجلسي (المتوفّى 1111 ه ).

ويستدرک الدكتور مصطفى جواد من الموسوعيين والموسوعات ثمانية ، وهي  :

1 ـ تذكرة ابن حمدون ، لمحمّد بن الحسن من رجال القرن السادس للهجرة النبوية .

2 ـ والفنون ، لعلي بن عقيل البغدادي .

3 ـ والثعالبي عبد الملک مؤلف اليتيمية وفقه اللغة .

4 ـ ومفاتيح العلوم ، للخوارزي من أعلام القرن الرابع للهجرة .

5 ـ وشرح المقامة الخطيبية ، لابن الزبير عليّ بن الحسن الغسّاني .

6 ـ ومن كبار علماء الموسوعية المحقّق نصير الدين الطوسي وهو مؤسس أوّل أكاديمية إسلامية في (مراغة ).

7 ـ وكتاب شمس العلوم ، لنشوان الحميري .

8 ـ وكتاب ألف باء البكوي .

 

الموسوعات الأوربية والأميركية  :

وأمّا الموسوعة الأوروبية ، ففي الوقت الذي كانت الحركة الفكرية في أوج نشاطها في الأقطار الإسلامية ، وكانت الموسوعية تطغى على عدد كبير من المؤلفات العربية الإسلامية ، كانت الأقطار الأوروبية يسودها الخمول والانحطاط ، بسبب فقدان الأمن والاطمئنان على رغم النشاط الكنيسي في علوم اللاهوت والفلسفة والعلوم الإغريقية .

وفي خلال القرن الثاني الميلادي انصبّ في أوربا نهر عظيم من المعرفة الجديدة مصطحبآ معه ثورة فكرية مستمدّة من المسلمين الذين كان المسيحيون يلتقون بهم في أسبانيا، ثمّ اتّسعت مجاري هذا النهر ممّـا خلّفته الحروب الصليبية بين
القرن الحادي عشر الميلادي والقرن الثالث عشر، فكان لهذا الاتّصال ـاتّصال الغرب بالشرق ـ أثره العميق في بعث الحركة الفكرية في أوربا.

فشهد القرنان الثاني عشر والثالث عشر تأسيس أوّل جامعة ، فقد تأسّست جامعة أوكسفورد في سنة 1200 ميلادية ، وتأسست جامعة كمبريج بعدها بقليل ، وما كاد ينتهي القرن الثالث عشر حتّى أصبح في أوربا اللاتينية اثنتا عشرة جامعة .

وحين تمّ اكتشاف أميركا سنة (1492 م ) زاد اُفق أوربا العلمي اتّساعآ وكثر عدد الجامعات في المدن الأوروبية ، وكثرت التآليف وتنوّعت المواد، فزادت الحاجة إلى الموسوعية أكثر فأكثر. فتمّ تأليف (الجمعية الملكية في لندن سنة  1662 م )، وحتّى تمّ تأليف (أكاديمية العلوم الفرنسية ) سنة 1666 م ، وقد شعر الجميع بوجود مساهمتهم في جميع جهات العلم والمعرفة ، وتعدّدت المعاجم والموسوعات العلمية والتأريخية الأوروبية بنسبة تقدّم العالم ، وكثرت المراجع الواسعة في العصور الحديثة .

ولكن أوّل معجم عام للفنون والعلوم المرتّب على الحروف الهجائية لم يصدر قبل (دائرة المعارف البريطانية )، فصدرت طبعته الاُولى في (كانون الأوّل  1767 م ) على شكل كراريس .

وفي فرنسا صدرت دائرة المعارف الفرنسية في (تمّوز 1751 م )، وقد عهد بالإشراف عليها المفكّر الفرنسي (دنيس ديدرد) وقام هو بتجنيد نخبة من رجال الفكر والأدب في فرنسا لكتابة البحوث المختلفة .

وفي أواخر القرن الثامن عشر صدرت نحو (23) أو (27) دائرة معارف
إنكليزية أميركية .

ومن أهمّ وأوسع دوائر المعارف الأميركية هي (لايلتون ) التي صدرت في سنة 1873 م .

وفي ألمانيا صدرت دائرة المعارف المسمّى (أرش وغروير) في ستّة مجلّدات بين سنة 1796 ـ 1800 م وطبعت عدّة مرّات وترجمت إلى عدّة لغات ، ويراجعها الكثير لاُسلوبها وسهولة مراجعتها على الكثير من دوائر المعارف الاُخرى . وأوّل مؤلّف لها هو (لوبل )، وقد أتمّها (بروكهوس )، وهي من أهمّ دوائر المعارف العالمية .

وأشهر دائرة معارف إيطالية عامة هي المسمّـاة (بيعاتي ) ثمّ دائرة المعارف الإيطالية التي بدأ طبعها (سنة 1884).