تبيان كلّ شيء

 

كما أنّ القرآن الكريم يفصّل الأشياء، فإنّه يبيّن كلّ شيء ويوضحه  :

(وَنَزَّلْنَا عَلَيْکَ الكِتَابَ تِـبْيَانآ لِكُلِّ شَيْءٍ)[1] .

 

ويقول أمير المؤمنين في وصف القرآن الكريم : كتاب الله ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض ، فالقرآن كما يفسّر ويبيّن كلّ شيء، فإنّه بطريق أولى يفسّر نفسه ، ويبيّن آياته ، فإنّ القرآن يفسّر بعضه بعضآ ـتفسير القرآن بالقرآن ـ :

(وَلَقَدْ آتَـيْنَاکَ سَبْعآ مِنَ المَثَانِيَ وَالقُرْآنَ العَظِيمَ )[2] .

 

(اللهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابآ مُـتَشَابِهآ مَثَانِيَ)[3] .

 

ومعنى المثاني هو انعطاف الطريق ودورانه ، فعندما يدور فإنّ الضلع الأوّل قبل الانعطاف يثني الضلع الثاني بعد الانعطاف ، فهو نظيره وشبيهه ، وكذلک القرآن العظيم بعضه مع بعض .

وعن الرسول الأعظم  9: «ما من حرف من حروف القرآن إلّا وله سبعون ألف معنى »[4] .

 

(قُلْ لَوْ كَانَ البَحْرُ مِدَادآ لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَـنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي

وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدآ)[5] .

 

(وَلَوْ أنَّ مَا فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أقْلامٌ وَالبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )[6] .

 

والأئمة الأطهار لهم هذا المقام الشامخ ، فإنّ كلامهم نور ويفسّر بعضه بعضآ، كما يفسّر القرآن الكريم .

(سُورَةٌ أنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّـنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )[7] .

 

فالقرآن الكريم كتاب حياة وسعادة ، ففيه كلّ ما من شأنه أن ينظّم حياة المجتمع الإنساني ، من سياسة ودولة وشرائع وأحكام وأخلاق وسلوک ومعاشرة وغير ذلک ، ففيه تبيان لكلّ شيء، لا سيّما ما يتعلّق بكمال الإنسان وتحليقه في آفاق المعرفة وسماء الآداب .

والتبيان أشدّ من البيان ، فالقرآن بيان وتبيان لبناء الإنسان بناءً إلهيّآ ينصب في المصبّات الربّانية المقدّسة ، والهداية إلى الصراط المستقيم ، ودرک سعادة الدارين .

وكذلک أهل البيت  : فهم بيان وتبيان لكلّ شيء وبكلّ ما له ارتباط وعلاقة وثيقة بعالم المعرفة والهداية الإنسانية .

فهم الهداة إلى الصراط المستقيم ، ولولاهم لما عرف الله بكمال المعرفة ،
وطلب الهداية من غيرهم مساوق لإنكارهم ، فلا علم ينفع من مناهل صافية إلّا

من عندهم ، فهم ورثوا العلوم كلّها من لدن حكيم ، فعندهم علم ما كان وما هو كائن وما سيكون ، علم الدنيا والآخرة فهم أبواب العلم ومدينة الحكمة ، كجدّهم أمير المؤمنين عليّ  7.

1 ـ كما قال النبيّ  9: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد الحكمة ـالمدينة ـ فليأتها من بابها».

2 ـ وقال أمير المؤمنين  7: «علّمني رسول الله ألف باب من العلم ينفتح لي من كلّ باب ألف باب ».

3 ـ قال رسول الله  9: «عليّ باب علمي ، ومبيّن لاُمّتي ما اُرسلت به من بعدي »[8] .

 

4 ـ وقال عليّ  7: «لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ».

وإنّه الصادق المصدّق لعصمته ، ولأنّه نفس النبيّ، ولحديث الثقلين ، فعنده تبيان كلّ شيء، وكذلک أهل البيت  :.

5 ـ عن أبي عبد الله  7 يقول لعدّة من أصحابه : إنّي لأعلم ما في السماوات ، وأعلم ما في الأرضين ، وأعلم ما في الجنّة ، وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون ، ثمّ مكث هنيئة فرأى أنّ ذلک كبر على من سمعه ، فقال : علمت من كتاب الله إنّ الله يقول : (تِـبْيَانآ لِكُلِّ شَيْءٍ)[9] .

 

6 ـ وقال  7: والله إنّي لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وما في

الجنّة وما في النار وما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة ، ثمّ قال : أعلمه من كتاب الله، أنظر إليه هكذا، ثمّ بسط كفّيه ثمّ قال : إنّ الله يقول : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْکَ الكِتَابَ تِـبْيَانآ لِكُلِّ شَيْءٍ)[10] .

 

7 ـ عن أبي بصير، عن أحدهما  8، قال : قلت له : (وَكَذَلِکَ نُرِي إبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ )[11] ، قال : كشفت له السماوات والأرض

حتّى رآها ورأى ما فيها والعرش ومن عليه ، قال : قلت : فاُوتي محمّد  9 مثل ما اُوتي إبراهيم  7؟ قال : نعم ، وصاحبكم هذا أيضآ.

8 ـ وفي البحار عن تفسير القمّي بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله  7 قال : المنذر رسول الله  9 والهادي أمير المؤمنين  7 بعده والأئمة  : وهو قوله : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)[12]  في كلّ زمان إمام هادٍ مبيّن ، وهو ردّ على من ينكر

أنّ في كلّ عصر وزمان إمامآ، وأنّه لا يخلو الأرض من حجّة ، كما قال أمير المؤمنين  7: لا يخلو الأرض من قائم بحجّة الله، إمّا ظاهر مشهور، وإمّا خائف مغمور، لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته[13] .

 

9 ـ يقول أمير المؤمنين عليّ  7: اللهمّ لا تخلو الأرض من حجّة لک على خلقک ظاهرآ أو خافي مغمور لئلّا تبطل حججک وبيّناتک .

10 ـ عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا عبد الله  7 يقول : إنّ الأرض

لن تخلو إلّا وفيها عالم كلّما زاد المؤمنون شيئآ ردّهم ، وإذا نقصوا أكمله لهم ، فقال : خذوه كاملا، ولولا ذلک لالتبس على المؤمنين اُمورهم ولم يفرّقوا بين الحقّ والباطل .

11 ـ أمالي الطوسي بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : قال أبي  : دفع النبىّ  9 الراية يوم خيبر إلى عليّ بن أبي طالب  7، ففتح الله عليه ، وأوقفه يوم غدير خمّ فأعلم الناس (إنّه مولى كلّ مؤمن ومؤمنة )، وقال له : (أنت منّي وأنا منک )، وقال له : (تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل )، وقال له  : (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى )، وقال له : (أنا سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت )، وقال له : (أنت إمام كلّ مؤمن ومؤمنة ووليّ كلّ مؤمن ومؤمنة بعدي )، وقال له : (أنت الذي أنزل الله فيه : (وَأذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأكْبَرِ)[14] )، وقال له : (أنت العروة الوثقى )، وقال له : (أنت تبيّن لهم ما اشتبه

عليهم بعدي )...[15] .

 

12 ـ وفي زيارة مولانا صاحب الأمر  7: (زيارة آل يس ) جاء فيها : السلام عليک حين تقرأ وتبيّن ...[16] .

 

13 ـ عن أبي الجارود قال : قلت لأبي جعفر  7: إذا مضى الإمام القائم من أهل البيت فبأيّ شيء يعرف من يجيء بعده ؟ قال : بالهدى والإطراق وإقرار
آل محمّد  9 له بالفضل ، ولا يسأل عن شيء إلّا بيّن[17] .

 

14 ـ الكليني بسنده عن أبي عبد الله  7 في خطبة له يذكر فيها حال الأئمة  : وصفاتهم فقال : إنّ الله تبارک وتعالى أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبيّه  9 عن دينه ، وأبلج بهم عن سبيل منهاجه ، وفتح لهم عن باطن ينابيع علمه . فمن عرف من اُمّة محمّد  9 واجب حقّ إمامه وجد طعم حلاوة إيمانه ، وعلم فضل طلاوة إسلامه . إنّ الله نصب الإمام علمآ لخلقه وجعله حجّة على أهل طاعته ، ألبسه الله تاج الوقار، وغشّاه من نور الجبّار، يمدّ بسبب من السماء لا ينقطع عنه موادّه ولا ينال ما عند الله إلّا بجهة أسبابه ، ولا يقبل الله الأعمال للعباد إلّا بمعرفته ، فهو عالم بما يرد عليه من مشكلات الوحي ومعمّيات السنن ومشبّهات الدين لم يزل الله يختارهم لخلقه من ولد الحسين صلوات الله عليه من عقب كلّ إمام فيصطفيهم لذلک ويجتبيهم ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم لنفسه ، كلّما مضى منهم إمام نصب عزّ وجلّ لخلقه من عقبه إمامآ علمآ بيّنآ وهاديآ منيرآ وإمامآ قيّمآ وحجّة عالمآ، أئمّة من الله يهدون بالحقّ وبه يعدلون ، حجج الله ودعاته على خلقه ، يدين بهداهم العباد، وتستهلّ بنورهم البلاد، وتنمي ببركتهم التلاد، وجعلهم الله حياة الأنام ومصابيح الظلام ، ودعائم الإسلام ، جرت بذلک فيهم مقادير الله على محتومها...[18] .