يقع الكلام عطفاً على ما سبق في المسألة الرابعة في وجوب القيام والاستقرار في تكبيرة الاحرام فلو ترك أحدهما عمداً كان أو سهواً بطل وأبطل،أما القيام فقد مر فيه الكلام وأمّا الاستقرار، فيقع الكلام فيه من جهات:

الأولى: في معنى الاستقرار بحسب المصطلح الفقهي، فإنّ المراد منه بمعنى الطمأنينة والسكون ويقابله الاضطراب والحركة الكثيرة أو الماحية لصورة الصلاة، والاستقرار مشتق من قرّ يقّر بمعنى الثبوت والسكون، والحروف الزائدة (لست) بمعنى الطلب، فالاستقرار بمعنى طلب القرار والسكون.

الثانية: اشتراطية الاستقرار في تكبيرة الاحرام من شرط الصّحة، ومعناه مع انتفاء الشرط ينتفي المشروط فلو كانت التكبيرة مع عدم الاستقرار لبطلت أولاً وأبطلت الصلاة ثانية، فهي باطلة في ذاتها ومبطلة لغيرها.

الثانية: في لقد ذهب المشهور ومنهم المصنف إلى بطلان التكبيرة مع عدم الاستقرار، فإنّه وإن لم يرد وعلى اعتباره في التكبيرة نفي خاص ولكن استدلوا على ذلك بوجوده:

الأول: الإجماع المحقق وما تسالم عليه الأصحاب وهو العمدة في المقام.

الثاني: تمسكاً بما دل على اعتبار الاستقرار ف يالصلاة وكون التكبيرة من الصلاة وجزءاً من أجزائها (أوّلها التكبير وآخرها التسليم).

الثالث: الاستدلال بطائفة من الروايات، منها:

ما في خبر سليمان بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام: (وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة، فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة) ^([1]).

وجه الإستدلال: إنّ الظاهر من التمكن في معناه هو الاستقرار، وإنه يستقر في الإقامة كما يستقر في صلاته، وبهذا التشبيه يستدل على شرطية الإستقرار في الصلاة.

ولكن أورد عليه: أولاً بضعف كما عند سيدنا الحكيم فعبر عنه بخبر سليمان من دون توثيق وربّما ضعف السند لمكان صالح بن عقبة فقد ضعّفه ابن الغضائري، ولكن سيدنا الخوئي قدس سره يذهب إلى توثيقة إذ لا عبرة بتضعف ابن الغضائري لعدم الإعتماد على كتابه ـ وسرعان ما يضعّف الرَواة ـ فتضعيف ابن الغضائري لا يعارض به التوثيق المستفاد من وقوعه في اسناد تفسير القمي وكامل الزيارات.

وثانياً: من حيث قصور الدلالة، لأنّه من المراد من التشبيه في قوله عليه السلام (كما يتمكن في الصلاة) فإذا أريد من التسّمية المماثلة في الاستقرار بين الإقامة والصلاة، فهذا لم يكن فيه تعرض لحكم الاستقرار من حيث الوجوب وعدمه وإن أريد من التشبيه من حيث الحكم، فقد مرّ في بحث الإقامة عدم وجوب الاستقرار فيها وإنّما هو مستحب لمعارضة الخبر بخبر يدل على جواز الاقامة ماشياً ^([2]).

فلا يدّل على الوجوب في الصلاة كما لم تكن واجبة في الإقامة، بل غاية ما في المقام هو تساوي الإقامة والصّلاة في كون الإستقرار فيهما من الرّاجح والمطلوب في الجملة.

منها: رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: أنّه قال في الرّجل يصلّي في موضع ثم يريد أن يتقدم، قال: يكف عن القراءة في نسبة حتى يستقلا إلى الموضع الذي يريد ثم يقرأ ^([3]).

وجه الإستدلال: يظهر أنّ التكبيرة حالها حال القراءة من جهة الاستقرار كما في القراءة.

وأورد عليه: أنّ السند وإن كان موثقاً، فإنّ السكوني وإن كان عاميّاً إلّا أنه موثق، ولكن الاشكال في قصور الدلالة، فإنّه بعد تسليم شمول القراءة للتكبيرة أيضاً من حيث الموضوعيّة، وإتحادهما معاً من حيث الحكم وهو وجوب الإستقرار، إلّا أنّ الرواية ناظرة إلى ما يقابل المشي، لا في مقابل الطمأنينة والاضطراب، فلا يشمل ما نحن فيه.

فالروايات قاصرة الدلالة، فلا يمكن أن يستدل بشيء منها على اعتبار الاستقرار في الصلاة كي يثبت في التكبيرة التي هي جزء منها.

الرابع: استدلوا على وجوب الاستقرار في التكبيرة لوجوبه في القيام الذي ثبت وجوبه نصاً وفتوى كما تقدم، فما كان دليلاً على وجوب القيام كان دليلاً على وجوب الاستقرار أيضاً لأنّه أخذ في مفهوم القيام، ومن ثم لم يتعرض الأكثر لوجوب الاستقرار لدخول في مفوم القيام:

وأورد عليه: أوّلاً: عدم التعرض لبيان حكم الاستقرار أعم من ذلك.

وثانياً: لم يثبت ذلك بدخول الاستقرار في مفهوم القيام، لأنّ مفهوم القيام كما مرّ هو انتصاب الظهر في الجملة ويقابله الإنحناء والركوع والسجود والاضطجاع والقعود، وأما الحركة والسكون الذي يقابلهما الطمأنينة والاضطراب فهذان خارجان عن مفهوم القيام، فإنّ القائم قد يكون متحركاً ومضطرباً، وقد يكون ساكناً وقارّاً ومطمئناً.

فلم يبق في مقام الاستدلال على وجوب الاستقرار في التكبيرة إلّا الإجماع المحقق، ولكنه من الدليل اللّبي ويؤخذ فيه بالقدر المتيقن، وهو ما لم يستقر معتمداً دون ما كان سهواً، فالقدر المتيقن من اإجماع هو صورة العمد دون النسيان خلافاً للمصنف قدس سره، فلا دليل على البطلان في صورة الشهود والنسيان، بل مقتضى اطلاق حديث (لا تعاد) وهي الصحة.

ولكن يبقى الاشكال بأن الإختلاف من جهة إختلاف المباني، فإنّ المشهور ومنهم المصنف يعتبر الاستقرار من الأركان، كما عن الشهيد وتبعه المصنف وجماعة، فتبطل الصلاة بترك الاستقرار عمداً وسهواً.

ولكن عند بعض الاعلام المعاصرين أن ذلك أي ركنية الاستقرار غير ظاهر ولا يمكن المساعدة عليه، وإنّما يصحّ ذلك بالنسبة إلى القيام كما مرّ من تخصيص حديث لا تعاد بموثقة عمار.

والأحوط رعاية الاستقرار في تكبيرة الاحرام كماهو المختار.