فقه (14)

13 صفر

1441 هـ

مسألة 20 ـ يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح، والركعتين الأوليتين من المغرب والعشاء، ويجب الإخفات في الطهر والعصر في غير الجمعة، وأمّا فيه فيستحب الجهر في صلاة الجمعة، بل في الظهر أيضاً على الأقوى.

أقول: يتعرض المصنف إلى مسألة الإخفاق والجهر في قراءة الصلوات المفروضة والكلام تارة في معناهما لغة ومصطلحاً كما سيأتي، وأخرى في حكمهما على الرجال والنساء كما سيتضح، وثالثة: في مواردهما، ورابعة: أنه من الشرط العلمي والذكري.

فذهب المصنف كما المشهور بين الأصحاب كما عن جماعة من الاعلام من المتقدمين والمتأخرين، بل عن الشيخ الطوسي قدس سره  في الخلاف دعوى الإجماع عليه وجوب الجهر على الرجال بالقراءة في صلاة الصبح، وفي الركعتين الأوليتين من صلاة المغرب والعشاء، ووجوب الإخفات في الركعتين الأوليتين من صلاة الظهرين وفي ثالثة المغرب وفي الركعتين الأخيريتين من كل رباعيّة.

وقد خالف في ذلك السيد المرتضى كما حكاه عنه في المعتبر (2: 176) وإبن الجنيد الإسكافي كما حكاه عنه في المختلف (2: 170) قدس سرهما، فذهبا إلى إستحباب الجهر وعدم وجوبه، وحكى عن السيد المرتضى أنه قد صرح بتأكد الإستحباب، تمسكاً بما ورد في بعض الأخبار من الإعادة لو أخل بالجهر،واختاره من المتأخرين صاحب المدارك (3: 358) وتبعه على ذلك السيد السبزواري في الدخيرة (274 السفر: 22) ومال إليه بعض آخر كما حكاه سيدنا الخوئي قدس سره في شرح العروة: (4: 371).

وقد إستدل المشهور بوجوه عديدة بعضها قابلة للنقاش.

الأوّل: الإجماع وهو كما ترى، فيحتمل أن يكون من المدركي كما هو الغالب في إجماعات الشيخ قدس سره.

الثاني: سيرة المتشرعة، فإنّها جارية على مراعاة الجهر في الموارد والمذكورة، وبالسيرة القهقرائية تتصل بزمان المعصومين عليهم السلام، ولابدّ من التأسي بهم.

وأورد عليه: أن غاية ما في السيرة كفعل المعصومين إنّما يدل على رجحان الفعل من دون دلالته على الوجوب فإنّ الرجحان أعم من الوجوب الذي لا يجوز تركه ومن المستحب الذي يجوز تركه.

الثالث: تمسكاً برواية الفضل بن شاذان كما في علل الشرائع الواردة في علّة الجهر في صلاة الصبح من أنها في أوقات مظلمة فيجهر ليعلم المارّ آنذاك أن هناك جماعة.

محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في حديث أنّه ذكر العلّة التي من أجلها جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض أنّ الصلوات التي يجهر فيها أن هي في أوقات مظلمة، فوجب أن يجهر فيها ليعلم المارّ أنّ هناك جماعة، فإن أراد أن يصلي صلّى، لأنه إن لم ير جماعة علم ذلك من جهة السّماع، والصلاتان اللتان لا يجهر فيها إنّما هما بالنهار في أوقات مضيئة فهي من جهة الرؤية لا يحتاج إلى السّماع، رواه في العلل (عيون الأخبار) بالأسانيد الآتية ونحوه.

وأورد عليه: أن ذكر ذلك من الحكمة وليس العلة أوّلاً ، وثانياً: أن الخبر في مقام حكم آخر، وليس بصدد بيان حكم الجهر من وجوبه أو إستحبابه بالمعنى المصطلح الذي يبحث عنه في الفقه وفي المقام.

الرابع: تمسّكاً برواية يحيى بن أكثرم القاضي: أنّه سأل أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلوات النهار، وإنّما يُجهر في صلاة الليل؟ فقال عليه السلام: لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يغلس بها، فقرّبها من الليل^([1]).

وأورد عليه: ان فعل النبي وإن كان حجة ومن السّنة إلّا أنّه لا يدل على الوجوب، بل أعم منه ومن الإستحباب لإشتراكهما في رجحان الفعل في نفسه.

الخامس: تمسكاً بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن القراءة خلف الإمام؟ فقال عليه السلام: وأمّا الصلاة التي يجهر فيها فإنّما أمر بالجهر لينصت من خلفه^([2]).

وما في خبر محمد بن حمران (عمران: خ ل) عن أبي عبد الله عليه السلام: عن تعليل ذلك بأنّه: لما أسرى بالنبي صلى الله عليه وآله كان أوّل صلاة فرض الله تعالى عليه الظهر يوم الجمعة، فأضاف الله عز وجل إليه الملائكة تصلّي خلفه فأمر نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم أن يجهر بالقراءة ليبين لهم فضله...) ^([3]).

وأورد عليها أن لفظ الوجوب والأمر غير ظاهرين في الوجوب المصطلح الذي يمنع من تركه، بل أعم من ذلك فيراد الرجحان بالمعنى الأعم فيقم المستحب كذلك.

وإذا قيل: إنّما يقال فيهما بالوجوب المصطلح تمسكاً بإطلاقهما، فيجاب: أوّلاً: إنّ الإطلاق مفقود في المقام لعدم سوق الكلام للتشريع أي تشريع حكم الوجوب المصطلح، بل في مقام بيان حكمة الجهر لا حكمه، فتأمل.

وثانياً: لو سلمنا الإطلاق، فإن ذكر الحكمة بلسان العلّة لا يصلح لإثبات الوجوب.

وثالثاً: أن الخبرين غير شاملين لغير الإمام، والسائل تعبّدية وتوقيفية، وتنقيح المناط لابدّ له من دليل يطمئن إليه وعدم الدليل دليل العدم.

السادس: الإستدلال بروايات تضمنت إنّ الصلوات منها جهرية وأخرى إخفاتيّة.

وهذا كما ترى: لا يدل على وجوب الجهر المصطلح، بل أعم من ذلك.

السابع: وهو العمدة في الباب تمسكاً بصحيحتين لزرارة رضوان الله تعالى عليه:

الأولى: عن أبي جعفر عليه السلام: في رجل جهر فيما لا ينبه في الإجهار فيه، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال عليه السلام أي فعل ذلك فعل متعمداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شيء عليه وقدست صلاته.

والحديث الآخر: عنه عليه السلام: قلت له: رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، وترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه، وقرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه، فقال عليه السلام: أي ذلك فعل ناسياً أو ساهياً فلا شيء عليه.

وللحديث صلة ان شاء الله تعالى.