أصول (64)

19 جمادى الأولى

1442 هـ

ولا تمتنع الإشارة إلى غير الملحوظ والمتصور أصلاً فيما لو لم يمكن تصوره ولحاظه كالأفراد، فالمطلوب من الوضع في العام والخاص تعيين الموضوع له وتشخيصه، والتَّعيين كما يكون بالمباشرة بواسطة إحضار نفس المعنى كذلك تكون بالإشارة الذهنيّة، كما لو لم يمكن إحضاره فيلاحظ المعنى العام وهو المفهوم العام الكلي، ثم بالإشارة يلاحظ المفاهيم الجزئية أي المصاديق المندرجة تحت العام، وربما يرد عليه: أن الإشارة بما ينطبق عليه الخاص يكون مفهوماً كليّاً، فيكون من الوضع العام والموضوع له العام، إلّا أنّه يرد على هذا الإيراد أنّ الإشارة إنّما تكون في الوجودات الخارجية والمفهوم الجزئي بما هو جزئي.

هذا وقيل في مقام الإشكال على إمكان تصور العام ليكون وجهاً للخاص أيضاً: أنه لا يصلح ذلك إذ تصور الخاص إنّما يكون بتصور خصوصياته، لتقوّم الفرد بها والحال عند تصور العام المفروض إنتزاع الأفراد من هذه الخصوصيات، فلا يحكم إلّا عن القدر المشترك والجامع بينها لا أكثر من ذلك.

وقيل بوجه آخر: إنّ المفهوم في مرحلة مفهوميته لا يحكم إلّا عن نفسه، فيستحيل أن يحكي عن غيره من المفاهيم مطلقاً كلياً أو جزئياً، فكما لا يحكي الخاص عن آخر عام أو خاص كزيد لا يحكي عن الإنسان ولا عن عمرو وبما هو عام وخاص، فكذلك لا يعقل أن يحكي المفهوم العام بما هو، عن مفهوم خاص أو عام آخر، فمن البديهي أن لحاظ كل مفهوم وتصوّره هو عين تصوّر شخصه، لا أن يكون وجهاً لغيره.

وأجيب عنه: إنّ الإشكال يرد في بعض المفاهيم دون البعض الآخر، وذلك فإنّ من المفاهيم ما تكون منتزعة عن خصوصية مشتركة بين الأفراد ذاتية. كمفاهيم الجواهر، أوإنتزاعية كمفهوم الفوق والتحت، فمثل هذا لا يصلح أن يحكي عن أفراده ولو إجمالاً، بل يكون حاكياً عن القدر الجامع بينها، ومن المفاهيم ما يكون منتزعاً عن الأفراد والخصوصيات المفردة، كمفهوم الفرد والشخص، فمثل هذا يصلح للحكاية الإجماليّة عن الأفراد والخصوصيات، لأنها منشأ إنتزاعه ومقوّماته، فيصحّ الوضع العام والموضوع له الخاص حينئذٍ.

وقيل: هذا الجواب لا يكون كافياً ما لم ينضمّ إليه ما قيل من الإشارة الذّهنية في الوضع إلى واقع الأفراد ومصاديق الكلّي العام، وهذه الإشارة الذّهنية من الأمر الإرتكازي لمن أراد أن يجعل الحكم على الأفراد ولو بنحو القضية الحقيقيّة، ولولا الإشارة لما صحّ الحكم على الأفراد بواسطة المفهوم العام فنضع الإنسان مثلاً على ما هو فرد للإنسان أوما ينطبق عليه الإنسان، فأداة الإشارة ما الموصولة، ولابدّ في الإشارة الذهنية من إرتباطها بالمفهوم العام المتصور ولو بمفهوم آخر، وهذا من مقتضيات طبيعة الوضع وغرضه.

وبهذا يقال بإمكان القسم الثالث أيضاً، كما نميل إليه.