أصول (68)

26 جمادى الأولى

1442 هـ

الأقسام في عالم الإثبات

هذا إجمال ما أردنا بيانه في تصور الأقسام الأربعة وإمكانها الذاتي في مقام الثبوت، وأمّا في مقام الإثبات وفي الخارج فقد ثبت بلا إختلاف في وقوع الوضع العام والموضوع له العام، ومُثّل له بأسماء الأجناس كالإنسان والحيوان، ووقوع الوضع الخاص والموضوع له الخاص، كأسماء الأعلام كزيد، وأمّا القسم الثالث في وقوع الوضع العام والموضوع له الخاص فقد وقع الإختلاف فيه، وأمّا القسم الرابع فبعد القول بإستحالته وعدم إمكانه الذاتي لا معنى للبحث عن إمكانه الوقوعي وما يكون في مقام الإثبات وفي عالم الألفاظ.

 فيقع الكلام في القسم الثالث: وقد إدّعى البعض أن وضع الحروف من الوضع العام والموضوع له الخاص وأنكر ذلك المحقق الآخوند عليه الرحمة، وهذا يتطلّب منا أن نبحث عن معرفة معاني الحروف وما هو الموضوع له فيها.

فنقول: إختلف الأعلام في المعنى الحرفي على ثلاثة أقوال:

الأول: أنّ الحروف لم توضع لأي معنى بل حالها حال علامات الإعراب.

الثاني: أن وضعها كوضع أسماء الأجناس، فإنّه من الوضع العام والموضوع له العام.

الثالث: أنها تختلف ذاتاً وحقيقة عن المعاني الإسمية وأنها من الوضع العام  والموضوع له الخاص كما مرّ في الجملة.

الأقوال في المعنى الحرفي:

لقد إختلف الاعلام في وضع الحروف والمعنى الحرفي على ثلاثة أقوال:

الأوّل: أنّ الموضوع له في الحروف عين الموضوع له في الأسماء، فإنّ من الوضع العام والموضوع له العام، وهذا ما ذهب إليه المحقق الآخوند في كفايته، فيكون من القسم الأوّل.

الثاني: أنّ معاني الحروف تختلف ذاتاً وحقيقة عن المعاني الإسمية، وكذلك عن الأعلام الشخصية، فإنّها من الوضع العام والموضوع له الخاص، أي القسم الثالث، وهذا ما ذهب إليه المشهور.

الثالث: أن الحروف لم توضع لأيّ معنى بل حالها حال علامات الاعراب من الضّم والفتح والكسر.

تفصيل ذلك:

أمّا القول الأوّل فقد تبناه المحقق الخراساني، كما نُسب إلى المحقّق الرضي قدس سرهما، فقال الخراساني الآخوند (والتحقيق حسبما يؤدي إليه النظر الدقيق إن حال المستعمل فيه والموضوع له فيها حالهما في الأسماء).

إنطلاقاً من نفيه لإشتمال معاني الحروف على خصوصية توجب جزئية الموضوع له حتى يكون من الوضع العام والموضوع له الخاص، بلا فرق في هذه الخصوصية أن تكون عبارة عن الوجود الخارجي أوالوجود الذهني الذي يسمى باللحاظ، أمّا الخارجي فلأنه يستعمل الحرف في معنى كلّي كما لو كان في حيز الحكم والإنشاء كما يقال (سِر من البصرة إلى الكوفة) أي يتحقق الإمتثال في الإبتداء بأي نقطة من نقاط البصرة وكذلك الإنتهاء، وهذا يدّل على عموم الموضوع له في الحرف.

وامّا الوجود الذّهني المسمّى باللحاظ، وأنه من اللّحاظ الآلي، فإنّه لم يؤخذ كخصوصية توجب جزئية الموضوع له، لوجوه:

الأوّل: من الواضح أن الإستعمال يتطلب تصوّر المستعمل فيه، فإن كان اللحاظ الآلي مقوماً للمعنى ومأخوذاً فيه للزم تعلّق اللّحاظ بالملحوظ وهو باطل، لأنّ الملحوظ لا يقبل اللحاظ مرة أخرى، فإنّه من تحصيل الحاصل، وأنّ الموجود لا يقبل الوجود ثانياً.

الثاني: لو كان اللّحاظ الآلي في الحروف مقوماً للمعنى للزم عدم صدقه على الخارجيات إلا بالتجريد، فإنّ المقيد بالوجود الذهني لا وجود له إلّا في الذهن، والتّجريد هذا يستلزمه أن يكون إستعمال الحروف بلحاظ الخارج إستعمالاً مجازياً، وليس الأمر كذلك، فإنّه يخالف الضرورة.

الثالث: أنّ اللّحاظ الآلي في الحروف كاللّحاظ الإستقلالي في الأسماء، فكما في الأسماء لا يوجب اللّحاظ الجزئية، فكذلك في الحروف، فمن حيث اللّحاظي لا فرق بينهما، وإن كان أحدهما آليّاً والآخر إستقلالياً.

وإذا قيل: لم يؤخذ اللّحاظ في المعنى الإسمي، فكذلك لم يؤخذ في المعنى الحرفي لوحدة اللّحاظ فيهما، ولعدم وضوح وجه التفريق بين المعنيين.

وإن قيل: لازم عدم الفرق بينهما في الموضوع له والمستعمل فيه، أن يستعمل أحدهما مكان الآخر، كالإبتداء الأسمى و(من) الحرفي، وهذا باطل، فبطل الملزوم أيضاً، ويلزمه الفرق الجوهري بينهما.

 أجاب الآخوند قدس سره : (الفرق بينهما إنّما هو في إختصاص كل منهما بوضعٍ. حيث أنه وضع الإسم ليراد منه معناه بما هو هو وفي نفسه، والحرف ليراد منه معناه لا كذلك، بل بما هو حالة لغيرة كما مرت الإشارة إليه غير مرّة، فالإختلاف بين الإسم والحرف في الوضع يكون موجباً لعدم جواز إستعمال أحدهما في موضع الآخر، وإن إتفقا فيما له الوضع، وقد عرفت بما لا مزيد عليه أن نحو إرادة المعنى لا يكاد يمكن أن يكون من خصوصياته ومقوّماته.