b في رحاب الناصریات
العصمة بنظرة جديدة مجلة الکوثر الرابع والثلاثون - شهر رجب المرجب 1437هـ -2016م صحيفة صوت الكاظمين الشهرية العدد 207/206 النور الباهر بين الخطباء والمنابر قناة الکاظمين مصباح الهداية ونبراس الأخلاق بإدارة السید محمد علي العلوي الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين الشباب عماد البلاد إجمال الكلام في النّوم والمنام المؤسسة الإسلامية العالمية التبليغ والإرشاد برعایة السید عادل العلوي صحیفة صوت الکاظمین 205-204 شهر رجب وشعبان 1437هـ الانسان على ضوء القرآن أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم العلم الإلهامي بنظرة جديدة في رواق الاُسوة والقدوة الله الصمد في فقد الولد في رحاب اولى الألباب المأتم الحسیني الأسبوعي بإشراف السید عادل العلوي في دارالمحققین ومکتبة الإمام الصادق علیه السلام- إحیاء للعلم والعل نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل مجلة الکوثر الثالث والثلاثون - شهر محرم الحرام 1437هـ -2015م نور العلم والعلم نور مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
اللغة
تابعونا...
تصنیف المقالات احدث المقالات المقالات العشوائية المقالات الاکثرُ مشاهدة

المقالات الاکثرُ مشاهدة

في رحاب الناصریات

بسم الله الرحمن الرحیم

في رحاب  الناصريات 1 ترجمة السيد المرتضى في سطور:

إنّ السيد المرتضى علي بن الحسين علم الهدى نابغة القرن الرابع والخامس من الهجرة النبوية، العَلَم العَيلم، والطود الشامخ، فقيه أهل البيت^ عظيم المنزلة ورفيع الدرجة في العلم والدين والدنيا، جامع المعقول والمنقول وحاوي الفروع والأصول.

وقد كتب الكثير من المترجمين والمؤرخين وعلماء الرّجال عن هذه الشخصيّة العظيمة الفذّة بما يجلُّ عن الإحصاء، فقلّ ما تجد كتاباً أو بحثاً عن الشخصيات الإسلامية في التاريخ والتأليف لا يتعرض إلى ذكر الشريف المرتضى رضوان الله تعالى علیه، وإليكم وميض خاطف عن هذا العملاق الكبير والعبقري الفذ في العلوم والمعارف.

ولد في رجب سنة 355 هـ ق في بغداد، ونسبه الشريف ـ كما سيأتي ـ من طريق الأب يتصل بالإمام موسى الكاظم× ومن طريق الأم بالإمام زين العابدين علي×.

وترعرع في بيت العلم والسيادة والشرف، وفاق أقرانه في العلوم والمعارف والفنون، وكان من أفضل تلامذة شيخنا المفيد+، وإشتهر في الآفاق بشدة ذكائه وحسن تدبيره، ولقب لبيان عظمته بـ (ذي المجدين) و (علم الهدى) و (الشريف المرتضى) و...

كان في عصره مرجع الطائفة، وإنتهت إليه الزعامة الدينية، وأنّه صاحب المؤلفات والمصنفات القيمة والكثيرة في شتى العلوم والمعارف، وله مجموعة كبيرة متزاحمة من الثقافات والمعارف الإسلامية، فإنّ له آثاراً ممتازة في التفسير والكلام والعقائد والفقه وأصوله والأدب والشعر والجدل وغيرها من العلوم والفنون المتداولة في زمانه.

وُلد له محمد وكان من فضلاء عصره وصلّى على جنازة أبيه، كما ولد له بنتاً، وقیل: له ثلاث بنات مات منهن إثنان في حياة والدهما، والأخرى تروي نهج البلاغة عن عمّها الشريف الرّضي.

فضائله وأوصافه:

كان السيد المرتضى القمة الشامخة في الفقه الجعفري، وفي طلبعة الذين كانت لهم مساعي كبيرة في تطوير الفقه وإخضاعه للقواعد الأصولية في طريق الإستنباط بعد ما كان من قبله في دائرة الرواية والحديث غير مركوز على أسس الإستدلال والتعمق الأصولي، ومن بعده فتح باباً كبيراً في الأصول، وكَتب في ذلك جملة من المؤلفات الأصولية، كالذريعة في علم اصول الشريعة، ومسائل الخلاف في أصول الفقه، ومسائل منفردات في أصول الفقه، وإبطال القياس، وكذلك كتاباته في الفقه فضلاً عن علم الكلام والتفسير والأدب وأجوبة المسائل وغيرها.

وقد أطراه ومدحه كل من كتب عنه فهذا الشيخ الطائفة تلميذه الشيخ الطوسي+ يقول في حق أُستاذه: متوحّد في علوم كثيرة، مجمع على فضله، مقدّم في العلوم، مثل علم الكلام والفقه وأصول الفقه والأدب والنحو والشعر ومعاني الشعر واللغة (الفهرست: 219).

 جامع للعلوم كلّها، مدّ الله في عمره (الرجال: 485).

وقال النجاشي: حاز من العلوم ما لم يدانيه فيه أحد في زمانه، وسمع من الحديث فأكثر، وكان متكلماً وشاعراً، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا. (رجال النجاشي: 206).

وقال إبن داود في رجاله: أفضل أهل زمانه، وسيد فقهاء عصره، حال فضله وتصانيفه شهير (قدس الله روحه) (رجال إبن داود: 241).

وقال السيد إبن زهرة في غاية الإختصار: (علم الهدى الفقيه، سيد الشيعة وإمامهم، فقيه أهل البيت، العالم المتكلم البعيد، الشاعر المجيد، كان له برّ وصدقة وتفقد في السّر، عُرف ذلك بعد موته ـ رحمه الله ـ كان أحسن من أخيه، ولم يُرَ أخوان مثلهما شرفاً وفضلاً ونُبلاً وجلالة ورئاسة وتحابباً وتوادداً، لما مات الرضي لم يصلِّ المرتضى عليه عجزاً عن مشاهدة جنازته وتهالكاً في الحزن) (غاية الإختصار: 76).

وقال السيد بحر العلوم في كتاب رجاله: ذو المجدين وصاحب الفخرين والرياستين، والمروج لدين جدّه سيد الثقلين في المأة الرابعة على منهاج الأئمة المصطفين، سيد علماء الأمة، وأفضل الناس حاشا الأئمة، جمع من العلوم ما لم يجمعه أحد، وحاز من الفضائل ما توحّد به وإنفرد، وأجمع على فضله المخالف والمؤالف، وإعترف بتقدمه كل سالف وخالف، كيف لا؟ وقد أخذ من المجد طرفيه وإكتسى  بثوبيه وتردّى ببرديه..) رجال السيد بحر العلوم: 3: 87 ـ 88).

هذا وقد شهد بفضله علماء العامة أيضاً. قال في لسان الميزان: هو أول من جعل داره دار العلم وقدرها للمناظرة، ويقال: أنه أمرؤ لم يبلغ العشرين، وكان قد حصل على رئاسة الدنيا، العلم مع العمل الكثير في اليسير، والمواظبة على تلاوة القرآن وقيام الليل وإفادة العلم، وكان لا يؤثر على العلم شيئاً، مع البلاغة وفصاحة اللّهجة. (لسان الميزان: 4: 224).

وقال في وفيات الأعيان: كان نقيب الطالبين، وكان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر. (وفيات الأعيان: 3: 3).

كما جاء ثنائه ومدحه في تتميم يتيمة الدهر (1: 53) وفي مرآة الجنان (ص56)  وفي صحاح الأخبار (ص61) ودمية القصر (75) وفي رياض العلماء: 4: 20) وفي عمدة الطالب: 205) وغيرهم الكثير من الخاصة والعامة.

وفي وجه تلقّبه بعلم الهدى، ذكر الشهيد في أربعينيته قال: نقلت من خطّ السيد العالم صفي الدين محمد بن محمد الموسوي بالمشهد المقدس الكاظمي× في سبب تسمية السيد المرتضى بـ (عالم الهدى) إنه مرض الوزير أبو سعيد محمد بن الحسين بن عبد الصمد في سنة عشرين وأربعمأة، فرأى في منامه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب× يقول له: قل لعلم الهدى يقرأ عليك حتى تبرأ، فقال: يا أمير المؤمنين ومن علم الهدى؟ فقال×: علي بن الحسين الموسوي.

فكتب إليه الوزير بذلك، فقال: الله الله في أمري، فإنّ قبولي لهذا اللّقب شناعة عليّ، فقال الوزير: والله ما كتبت إليك إلّا بما لقبّك به جدك أمير المؤمنين×.

فعلم القادر الخليفة بذلك، فكتب إلى المرتضى: يا علي تقبّل ما لقبّك به جدك، فقبل وأسمع الناس. (روضات الجنات: 1: 295 ـ 296).

وفسّره معنى (علم الهدى) في الرياض قال: ولعلّ (علم الهدى) بالتخفيف بمعنى راية الهدى أو الجبل العالي للهداية، وقد يقال: إنّه بالتشديد، وقد كان فعلاً ماضياً من باب التفعيل، والهدى مفعوله، يعني هو قد علّم أبواب الهداية للناس.

وكلاهما محتمل وإن كان الأول أظهر وأشهر (رسائل الشريف المرتضى: 1: 29).

وقد ذكر من ترجمهُ مشايخه وتلامذته، وكذلك مؤلفاته ومصنفاته، فقد تجاوزت جهود الفرد الواحد، وأنها تُنبئك بتفوقه وإضطلاعه وتبّحره بجوانب المعرفة الشاملة، ومن بينها مؤلفات مشهورة قيمة لا تزال معيناً لا ينضب للعلماء والفضلاء إلى يومنا الحاضر، وقد أشار صاحب الذريعة في مجلدات ذريعته إلى (117) كتاباً ورسالة. كالآمالي في التفسير والإنتصار في إنفردات الإمامية والإنصاف وإنقاذ البشر من الجبر والقدر والرسالة الباهرة في العترة الطاهرة وتقريب الأصول في علم الكلام وتنزيه الأنبياء والأئمة^ والثمانين وجمل العلم والعمل وجوابات المسائل والذخيرة في علم الكلام والذريعة إلى أصول الشريعة والشافي في الإمامة وإبطال حجج العامة، والمحكم والمتشابه، والمسائل الناصريات، وغيرها الكثير فراجع.

وفاته: توفي السيد المرتضى علم الهدى+ في الخامس والعشرين من ربيع الأول سنة (436 هـ) وسنّه يومئذ ثمانون سنة وثمانية أشهر وعرف بالثمانين، وصلّى عليه إبنه، وتولى غسله أبو الحسين النجاشي مع الشريف أبو يعلى محمد بن الحسن الجعفري وسلار بن عبد العزيز كما في رجال النجاشي، ودفن في داره أوّلاً، ثم نقل إلى جوار جدّه الحسين× ودفن في مشهده المقدّس مع أبيه وأخيه، وقبورهم ظاهرة ومشهورة.

قال في رجال بحر العلوم نقلاً عن كتاب زهرة الرياض وزلال الحياض، بعد أن ذكر نقله إلى مشهد الإمام الحسين×، قال: وبلغني أن بعض قضاة الاروام وأظنه سنة (942 هـ) نبش قبره رحمه الله فرآه كما هو لم تغير الأرض منه شيئاً، وحكي من رآه أن أثر الحّناء في يديه ولحيته، وقد قيل: إنّ الأرض لا تغيّر أجساد الصالحين.

ثم قال السيد: قلت: الظاهر أنّ قبر السيد وقبر أبيه وأخيه في المحل المعروف بإبراهيم المجاب، وكان إبراهيم هذا هو جدّ المرتضى.

أقول: وله ولأخيه مزار قريب عن حرم جدهّما الإمام الهمام موسى الكاظم× إلى يومنا هذا.

فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حياً، وإنا على دربه لسائرون.

نسبه الشريف:

أما من طرف الأب فإنه يتصل بالإمام الهمام موسى بن جعفر الكاظم× بخمس وسائط: قال إبن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة: فهو أبو الحسين علي بن أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم إبن موسى بن جعفر الصادق×:

وكان أبوه نقيب الطالبين وأمير الحاج جليل القدر عظيم المنزلة، محترماً في دولة بني العباس ودولة بني بويه، ولقّب بالطاهر، ذي المناقب، وخاطبه بهاء الدولة أبو نصر بن بابويه بالطاهر الأوحد، مما يدل على عظيم منزلته آنذاك، وولي نقابة الطالبين خمس دفعات ومات وهو متقلّدها بعد أن حالفته الأمراض، وذهب بصره  في أواخر عمره، وتوفي عن سبع وتسعين سنة.

فكان مولده في سنة أربع وثلثماة وتوفي سنة أربعمأة، وقد رثاه ولده الرّضي أبو الحسن، وأشار إلى عمره الشريف في قصيدة مطلعها:

وسمعك حالية الربيع المرهم

وسقتك ساقية الغمام المرزِمِ

سبع وتسعون اهتبلن لك العِدَا

حتى مضوا وغبرت غير مذَمّمِ

الا بقايا من غبارك أصبحت

غصصاً وأقذاءً لعين أو فَمِ

أن يتبعوا عقبيك في طلب العلا

فالذئب يعسل في طريق الضّيغمِ

ودفن النقيب أبو أحمد أولاً في داره، ثم نقل جثمانه إلى مشهد الإمام الحسين×.

وهو الذي كان السفير بين الخلفاء من بني العباس وبين الملوك من بني بويه والأمراء من بني حمدان وغيرهم.

وكان عليه الرحمة مبارك الغُرّة ميمون النقية، مهيباً نبيلاً، ما شرع في إصلاح أمرٍ فاسدٍ إلّا وصلح على يديه وإنتظم بحسن سفارته وبركة همّته، وحسن تدبيره ووساطته (2).

وأما من طرف الأم:

فأمه السيدة فاطمة بنت الحسين الملّقب بالناصر الصغير نقيب العلويين في بغداد بن أحمد بن الحسن الناصر الأصّم الكبير الأطروش  وهو من الأئمة الزيدية صاحب الدّيلم، وهو أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف علي زين العابدين بن الحسين  إبن علي المرتضى ـ أمير المؤمنين ـ  بن أبي طالب×.

والسيد ناصر الكبير شيخ الطالبين وعالمهم وزاهدهم وأديبهم وشاعرهم، ملك بلاد الديلم والجبل، ويُلقب بالناصر الحق، جرت له حروب عظيمة مع السامانية.

وتوفي بطبرستان سنة أربع وثلثمأة وسنّه تسع وتسعون سنة، وإنتصب في منصبه الحسن بن القاسم بن الحسين الحسني ويلقب بالداعي إلى الحق (3).

وهي أمّ أخيه الشريف الرضي+ جامع نهج البلاغة لأمير المؤمنين علي×.

فالشريفان العَلَمان المرتضى والرضي قدس سرهما ينتسبان إلى الإمامين موسى الكاظم أباً وإلى زين العابدين× أُمّاً.

وأنهما مفخرة الشيعة الإمامية الإثني عشرية، كما هما مفخرة الشيعة الزيّدية، حتى من الزيدية من يذهب إلى أن الشريف الرّضي منهم، ولجلالة قدره كل يدّعي به.

ترجمة النّاصر الكبير في سطور:

إنّ الناصر الحسن بن علي الحسيني القائم في الجبل والديلم هو أحد الكواكب الوّضاء من أهل بيت الرسالة، وينتهي نسبه الشريف إلى الإمام زين العابدين× بأربع وسائط ولقد كان لهذا العملاق ولولده الناصر الصغير النصيب الأوفر في نشر التشيع في حقبة من الزمن، في القرن الثالث، في إيران.

وأسرة الناصر الكبير لها في رقاب الإيرانيين حق الحياة، فإنهم روّجوا للتشيع ونشروه، وعرّفوا الناس على أهل بيت العصمة والطهارة، ودلّوهم عليه، واليوم له مزار في آمل، وهو أحد الأئمة الزيدية، وجاءت ترجمته في مصادر ومراجع الزيديّة ومنها (الشافي) تأليف المنصور بالله عبد الله بن حمزة أحد أئمة الزيدية أيضاً (4)، وهو ممّن ترجم لهم العلامة الأميني في (الغدير).

ذكر صاحب الشافي في المجلد الأول من (ص308 إلى ص315) ترجمة الناصر الكبير،... وإجماله في نقاط:

1 ـ كان الناصر عالماً كبيراً عديم النظير في عصره، يعترف به كبار علماء الزيدية.

2 ـ كان الناصر مستقلاً في مذهبه عن سائر علماء وأئمة الزيدية، ومن عهده إنقسمت الزيدية إلى: قاسمية وناصرية.

3 ـ إنّ الناصر قد كان يجمع بين مذهب الزيدية القاسمية ومذهب الجعفرية، وكنموذج نشير إلى فتواه  في الرجلين في الوضوء (الجمع بين الغَسل والمسح).

4 ـ إنّ الناصر كان من رجال التقريب، والتاركين للتعصّب المذهبي، وكانت مهمّته إعلاء كلمة الله ودفع الفساد وإنقاذ أهل البيت ومحبيّهم من ظلم أعدائهم وأمّا تفصيل ترجمته: فقد (جاء في خاتمة ترجمته ما هذا نصّه: نعم وقد مرّ في ترجمة ذكر علمه بكتاب الله وسُنّة رسوله‘ وأنّه لم يكن في عصره مثله، وأُضيف إلى ذلك بعض التفصيل: فقد كان الناصر× في علمه بحراً بعيداً غوره كما وصفه بعض علماء الزيدية، وكان الناصر إماماً في مذهبه مستقلاً ومن عهده إنقسمت الزيدية إلى قاسميّة وناصرية، ومذاهبه في الفقه معروفة في كتب الزيدية كالبحر الزّخار وشرح الأزهار، وبعضها موافق لمذهب القاسمية أتباع القاسم الرسي× وبعضها موافق لمذاهب الجعفرية، وجمع بين المذهبين في الرجلين في الوضوء، ولم تكن مهمّته الخلاف في المسائل الفقهيّة، ولا يدعو إلى التعصّب لشيء منها، بل كانت مهمّته كما تفيده ترجمته المذكورة إعلاء كلمة الله، ودفع الفساد في الأرض، وإنقاذ أهل البيت من ظلم أعدائهم، فكان أباً لهم ولمحبيّهم ولأمّة الإسلام، فرحمه الله.

1 ـ مؤلف الشافي من أئمة الزيدية وقيل في ترجمته: هو الإمام الأعظم والطود الأشم المنصور بالله عبد  الله بن حمزة بن سليمان الحسين، كانت البيعة له بالإمامة في صعدة بجامع الهادي، وقد كان إجتمع بمقامه من العلماء خاصّة نحو أربعمأة عالم فناظروه في جميع العلوم حتى أنّ عالماً منهم سأله عن خمسة الآف مسألة فأجابه عنها بأحسن جواب، ولّما إمتلأ الجامع المقدس من العلماء والفضلاء وأعيان الناس، قام الأمير شمس الدين خطيباً وقال: إنّا قد أطلنا إختبار هذا الإمام وشهدنا بفضله، وأنه أحق الناس بهذا المقام، ثمّ تقدّم ومدّ يده الكريمة وبايع الإمام، ثم تقدّم صنوه الأمير بدر الدين شيخ آل الرسول محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى رضي الله عنهم فبايعه، ثم تتابع المسلمون على البيعة، ثم قام هذا الإمام وجاهد الطغاة جهاداً كبيراً بالسيف كما جاهدهم بالقلم، والكرامات مذكورة في ترجمته في الحدائق الورديّة لحميد الشهيد رحمه الله، وفاته سنة 614 هـ ق عليه ورضوان الله والسلام عليه يوم ولد ويوم توفّي ويوم يبعث حيّاً).

وجاء في ترجمته أيضاً بقلم العلامة المعاصر الزيدي السيد بدر الدين الحوثي رحمة الله عليه المتوفي سنة  (1431 هـ ق)  والد المجاهدين الأبطال ومنهم الشهيد السعيد السيد حسين الحوثي قائد الصحوة الإسلامية المباركة في اليمن الثائرة ضد الطغاة والجبابرة.

فقال: لم يكن في عصره مثله شجاعة وعلماً وورعاً وزهداً وكرماً وفضلاً، وله تصانيف كثيرة في العلوم، وكان جامعاً لعلم القرآن والكلام والفقه والحديث والأدب والأخبار واللغة.

جيّد الشعر، مليح النوادر، مفيد المجالس، وكان أبو عبد الله الوليد القاضي يلزم مجلسه، ويعلّق جميع ما سمع منه من أنواع الفوائد في فنون العلم، فجمع في ذلك كتاباً سمّاه (ألفاظ الناصر) ومن نظر فيه عرف بلوغه في أنواع العلم ما ذكرناه من غير أن يحتاج إلى نظر فيما سواه، وكان له مجلس للنّظر، ومجلس لإملاء الحديث، وكان يركب إلى طرف البلد، ويضرب بالصولجان للرياضة، فإذا ركَب إجتمع فقهاء البلد وأهل العلم كلّهم إلى المصلّى وجلسوا فيه، فإذا فرغ من ذلك عَدَل إليهم، وجلس وأملى الحديث.

وكان يحضر جنائز الأشراف وكبار الفقهاء بنفسه، ولما حضر مُعزّي بعض الأشراف، فلّما سمع البكاء من داره، قال: هذا الميت الذي يبكى عليه مات حتف أنفه على فراشه وبين أهله وعشيرته، وإنّما الأسف على أولئك النفوس الطاهرة التي قُتلت تحت أديم السّماء وفُرّق بين الأجساد والرؤوس، وعلى الذين قتلوا في الحبوس والقيود والكبول، وخطب في هذا المعنى خطبة بليغةً.

وله تصانيف كثيرة في أنواع العلوم ككتاب البساط، وكتاب الإحتساب وكتاب المغنى، وكتاب المسُفر، وغيرها من كتب الأصول والفروع.

وكان منقطعاً في عبادة البارئ سبحانه وتعالى، ودعا إلى الله أحسن الدّعاء، فأجابه الجبل والديلم إلى عبادة الله، ونزعوا من عبادة الأصنام والنيران.

ولمّا فتح (آمل) ـ من بلاد إيران في طبرستان (مازندران) خطب خطبة بليغة ذكر فيها دخوله بلاد الجبل والديلم، فقال: دخلت بلاد الجبل والدّيلم وهم كفرة يعبدون الحجر والشجر، فلم أزل أدعوهم إلى الله عز وجل حتّى أقبلوا إلى الدين إقبالاً، واسترسلوا إليه إرسالاً، وناظروا على العدل والتوحيد، مستبصرين ونابذوا عنهما مُجدّين، وحاربوا الآباء والأبناء في الله، يَرون القتل إذا كانوا بين يديّ سعادةً، والحياة شقاوةً، ولو وجدت منهم ألفي جريح ما وجدت جراحتهم إلّا في وجوههم وأقدامهم حياءً من الله تعالى أن يولَوا الأدبار، ولو وجدوا أحدهم ألف دينار لرفعها على رأس مزراقة، وعَرّفها حتى يجيئ صاحبها.

ثم قال فيها: فآمن على يديّ منهم زهاء مائتي ألف مقاتل سوى النساء والصبيان.

وذكر مصنف أخباره: أنّ الذين أسلموا على يديه بلغوا ألف ألف (مليون) نسمة وحديثهم وإيمانهم على يديه مأثور عن النبي‘ معروف عند آل رسول الله‘.

وقيل ليحيى بن عبد الله×: لِمَ إخترت الدّيلم من بين البلدان فقال: إنّ الديلم معنا خَرجَةً، فرجوت أن تكون معي، فكانت مع الناصر×.

وكان الناصر× يقول: لا أتسّلى إلّا بكتابين من كتب الله عز وجلّ: أحدهما القرآن، لما فيه من تسلية لأبينا محمد‘ بما كابَدَه السلف الصالحون من الأنبياء المتقدمين والرسل الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين، والثاني: كتاب دانيال النبي‘ لما فيه أن الشيخ الأصمّ يخرج في بلد يقال لها ديلمان، ويكابد من أصحابه وأعدائه ما لا يقدر قدره، ولكن عاقبته محمودة.

وكان جامعاً للعلوم، وقرأ من كتب الله عز وجل ثلاثة عشر كتاباً، منها: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وباقيها من الصحف.

ولمّا غلظ أمره×، وغلب جستان على الجبل والديلم بعد وقعات كثيرة، كانت اليد له× فيها على جستان، ودخل جستان بعد ذلك في طاعته، وبايعت مع جميع أولاده وقوّاده.

وقال× في ذلك قصيدة أولها:

ولما رأيت إعتداء العَباد        وإظهارهم كل ما لا يحلُّ

وعقد الإمامة للفاسقين        وكل ظلوم ضلول مُضلّ

وخُمس ذوي الخمس ما بينهم        للهوٍ لهم دولةً مبتذل

وكان لهم عَلَل مكامن دماء        نبي المصطفى بعد ورد نَهلَ

نهضت ولم إبتئس بالذي        من الأهل أو غيرهم قد خذل

لتجديد دين الإله الذي        أراه بجور الورى قد شُمِل

على الله في كلّ ما قد أرومُ        وأسعى لإصلاحه إتّكل

وما الله عن خلقه غافل        ولا الله عن خلقه قد غفل

والقصيدة طويلة، ولمّا انتظم له أمر الجبل والديلم، وإنقطع النزاع، وجُبيت له الأموال وأظهر فيهم معالم الدين وعلّمهم شرائعه، وإحتفل× لفتح آمل وإتصل بأحمد بن إسماعيل خبره في قوّته وظهوره، وإجتماع الجبل والديلم على طاعته، وأنّه يريد قصد طبرستان، وجه إلى آمل عساكر وكتب إلى محمد بن علي المعروف بصعلوك، بورود آمل والريّ ومحاربته، فورد وابلغ عدد الجماعة أكثر من ثلاثين ألفاً، وإنضّم إليه من أهل آمل وحَشوهم وطغامهم عدد كثير، وكلّ يوم يركبون في المراكب على طريقة الغزاة، ويستنفرون الناس إلى حربه×، وقضاتهم يفتونهم بذلك، وخرجوا بأجمعهم إلى شالوس، وأقبل الناصر× بعساكره من الجبل والديلم، ولم يكن لهم من آلات الحرب ما كان للخراسانية، فالتفوا في موضع بين وارق وشالوس، يعرف بنورود على ساحل البحر.

ووقع القتال هنالك، فأوقع رضي الله عنه في الخراسانية، ومنحه الله أكتافهم، ونصره الله عليهم، فإنهزموا أقبح هزيمة، وقتلوا شرّ قتلة، فبلغ عدد المقتولين في المعركة عشرين ألفاً، بين مقتول بالسلاح وغريق في البحر.

ويحصّن منهم نحو خمسة الآف رجل في قلعة شالوس مع أميرهم يعرف بأبي الوفاء، وسألوا الناصر× فأمنه، ومضى لوجهه بعسكره لاحقاً للمنهزمين، متوجهاً إلى آمل.

وكان الداعي إلى الله الحسن بن القاسم× غاب في تلك الحال، متتبعاً لفلول المنهزمين، وجاوز شالوس (چالوس) مسافة بعيدة، ثم عاد ليلحق الناصر×، فأتى وقد نزل المنهزمون من القلعة، فسأل عن شأنهم فقال بعض الناس آمنهم الناصر، فقال: لم أسمع ولا صحّ عندي، ثم وضع الرّايات فيهم، فقتلهم من عند آخرهم، لم يفلت منهم نافخ ضرمة.

ولمّا دنا الناصر من آمل تلقّاه فقاؤها وقرّاؤها وصلحاء أهلها، فاعتذروا إليه، فقبل عذرهم، وتوفّر عليهم، وحفظهم، ولمّا دخل البلد إمتّد إلى جامعها فصعد المنبر وخطب خطبة بليغةً، وعظهم فيها، وعنفّهم على سوء فعلهم معه، وإجتهادهم في عداوته، ومطابقتهم لأعدائه، ثم عرّفهم أنّه قد عفا عنهم، وأضرب عن خيانتهم وآمن كبيرهم وصغيرهم، وسار حتى نزل دار الإمارة التي كانت لمحمد بن زيد الداعي رضوان الله عليه، وقد كان من قوله في خطبته: (آهٍ آهٍ في الصّدر حزازات لم يشفها قتلى نورود، فقالوا: يا إبن رسول الله فما تبتغي وعلى من تبكي؟ فقال: أبكي لقوم هلكوا في الحبوس، ولقوم فرّق بين أجسادهم والرؤوس ولقوم مزّقوا تحت أديم السّماء).

وكان دخوله آمل سنة ثلاث وثلاث مأة هجرية قمرية، وتمكّن من طبرستان كلّها من شالوس إلى سارية وأعمالها، ومن الرويان وكلار، وما يتقبل بها، ورتب العمال في البلدان والنواحي، وإستمرت الأوامر في سهول الجبل والديلم وجبالها وطبرستان وأعمالها.

وكان× يرد بين الصفين متقلّداً مصحفهُ وسيفه ويقول: أنا إبن رسول الله وهذا كتاب الله فمن أجاب إلى هذا، وإلّا فهذا ـ مشيراً إلى السيف.

ومن قوله× في بعض مقامات القتال والحرب:

شيخٌ شرى مهجته بالجنة        واستّن ما كان أبوه سَنَّه

ولم يزل علم الكتاب فنّه        يقاتل الكفّار والأظنّة

وله قصائد وأشعار كثيرة في الجهاد والحروب وأسبابها، وفي الوعظ والإرشاد وغيره.

وله فضائل جمّة، منها: لمّا عظمت النكبة على صاحب جيش خراسان وعلي بن العباس بما أصابهم يوم نَورود وحشدوا كلّ حشدٍ، وألبّوا بطلّ أوب، ونهض إسماعيل بن أحمد صاحب جيش خراسان من بخارى بقضّه وقضيضة، قاصداً طبرستان، وأظهر أنه يخربّها وأنه لا يبقى بالديلم إلّا قلعها، فأشتغل قلوب أصحاب الناصر× بذلك إشتغالاً عظيماً، فلّما كان في بعض تلك الأيام خرج إلى مجلسه وقال: قد كُفيتم أمر هذا الرّجل، فقد وجهّت إليه جيشاً يكتفي بهم في أمره.

فقالوا له: أيّها الإمام ومن أين هذا الجيش؟ ومتى أنفذتهم؟

قال: صليت البارحة ركعتين، ودعوت الله عليه.

فما كان إلّا مسافة ورود الخبر، وأتصل العلم بأنَ غلمان قتلوه، وكفى الله شرّه.

وهذا مما لا يختلف فيه أحد من رواة الأخبار العارفين لأحوال تلك الناحية.

وفاته ومدفنه: توفي الناصر في ليلة الجمعة في 25 شعبان من عام 304 للهجرة عن عمر ناهز الأربع والسبعين سنة، في حالة السجود وفي عاصمة حكمه وهي مدينة آمل ودفن هناك (5)، وله اليوم مزار وقبر وقبّة منذ وفاته وكان محترماً على طول التاريخ أخبر محمد بن الحسن بن أسفنديار الكاتب في كتاب تاريخ طبرستان الذي ألّفه في عام 613 للهجرة عن وجود مزار مبارك للناصر، ومدرسة ودار للكتب وأوقاف معمورة هناك، وأضاف أن هناك أناساً كثيرين يقيمون إلى جوار ضريحه، وبعد مائتي سنة من ذلك التاريخ، أي في أوائل القرن التاسع الهجري ذكر ظهير الدين المرعشي: وجود مزار عامر ومدرسة للناصر في آمل.

وله قبر ومشهد ومزار معروف بآمل ولا يزال، وفيه عناية عظيمة أُنفقت فيه أموال جمّة من حليّة وغيرها.

وقد وقعت الفتنة مراراً للعصبيّة بين العامة والزّيدية حتى أنهم في بعض الأوقات تناولوا بعض المشهد المقدس على ساكنه السلام فهدموه، ثمّ خافوا دولة الحق فأعادوه إلى أحسن حالاته، والغالب على البلدة اليوم مذهب الإمامية، ولم يبق على مذهب الزيدية إلّا من يختص بالمشهد، وطوائف يسيرة من أهل الجهات.

هذه ترجمة الناصر بقلم السيد بدر الدين الحوثي نقلها من الشافي.

لقد إشتهر الناصر بالأطروش أيضاً، والذي معناه من كان في سمعه ثقيلاً، وذلك لإصابة أُذنه في حادثة وقعت له ممّا أدّت إلى طرشه في الجملة، وقيل: إعتقل بعد قتل محمد بن زيد وضرب بالسياط ألف سوط فوقع سوط منها على أذنه فأصيب بقلّة السمع أو الطرش فلقب بالأطروش، وقد ثبت الناصر على شدّة التعذيب وثبت على الأنكار ولم يفش أسماء أصحابه (6).

وولد عام 230 للهجرة في المدينة المنورة، ونشأ في أسرة عرفت بالعلم والسيادة والشرف، فكان أبوه علي بن الحسن من العلماء ورواة الحديث وشاعراً، وقد إشتهر بالعسكري بسبب إستقدامه إلى العراق وإقامته في المعسكر، وكانت أمّه من أهالي خراسان وأسمها حبيبة.

المجاهد الثائر العلوي:

لاشك بعد دخول الإسلام إيران وإستقبال شعوبها لهذا الدين الحنيف الذي يدعو إلى الحرية والعدالة والحق وعبادة الله سبحانه والقيم والمبادئ الساميّة ممّا يتلائم مع فطرة الإنسان وعقلانية الإيرانيين التواقين للعلم والمعرفة والفن، إلّا أنّ الأمويين نزعتهم القومية أفسدوا في البلاد ممّا ألبّ تأجيح نار الثورة ضد حكمهم الجائر والفاسد، فقامت ثورات عديدة بقيادة السادة أبناء رسول الله ولا سيما بعد شهادة سيد الشهداء الإمام الحسين× كثورة زيد الشهيد في عام 121 هـ، ومن بعده إبنه يحيى وسار إلى خراسان وإتخذ من تلك البلاد مركزاً لنشاطه ضدّ الأمويين عام 125 هـ، ثم ثورة يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسين× والتي إنطلقت في السنوات الأولى لخلافة هارون 170 ـ 192 هـ في خراسان وبلاد الديلم ولقّب هذا الثائر الحسيني بصاحب الديلم، ثم من بعد موت المأمون العباسي وشهادة الإمام الرضا× وظلم العباسيين إندلعت ثورات أخرى كثورة محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين× فكانت ثورة عارمة في بلاد خراسان وكان مركزها طالقان فإشتهر بصاحب طالقان، ثم ثورة يحيى بن عمر بن يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين في العراق في زمان خلافة المستعين بالله العباسي (248 ـ 252 هـ) ثم ثورة العلويين بقيادة الحسن بن زيد في طبرستان عام 250 هـ.

ولقب بالداعي الكبير، بعد عشرين سنة من حكمه في طبرستان ومن آمل وساري واسترآباد وجرجان وحتى قارب تخوم خراسان الكبرى آنذاك واصل طريقه أخوه محمد بن زيد الحسني (270 ـ 287 هـ) وقتل في ساحة المعركة التي وقعت بينه وبين السامانيين على مقربة من مدينة جرجان.

وبعد مدّة قليلة رفع الحكم العلوي في طبرستان رايته مرة أخرى بقيادة الثائر العلوي الحسن بن علي المعروف بناصر الحق والناصر الكبير والأطروش الأكبر وهو صاحب الترجمة، وإمتد نطاق حكمه إلى مناطق أخرى إضافة إلى طبرستان ليشمل جيلان وبلاد الديلم والجبال.

لقد توجه الناصر للحق في أيّام شبابه إلى طبرستان لمناصرة الحسن بن زيد الحسني (250 ـ 270 هـ) ومن بعده وقف إلى جانب محمد بن زيد (370 ـ 287 هـ) حتى اللحظات الأخيرة، ومن بعد مقتل محمد بن زيد سار إلى بلاد جيلان والديلم، ومكث هناك يدعو إلى الإسلام لمدة أربع عشرة سنة لم يكن أهالي تلك البلاد حتى ذلك الوقت قد دخلوا في الإسلام بأجمعهم، ولكن بسبب ما كان يتّصف به هذا الرجل من مرتبة علمية، وما كان يتسّم به من أخلاق إنسانية، وإسلامية سامية، إستجاب أهالي تلك البلاد لدعوته، وإعتنقوا الإسلام وإنضموا إليه، وإلتّفوا حوله وناصروه لإقامة حكم ودولة العلويين الشيعة في طبرستان.

كان الناصر للحق عالماً عادلاً وقائداً محنكاً، وقد نجح في إعادة الحكم العلوي في طبرستان في عام 301، بعد توقف دام أربع عشرة سنة.

وهكذا أصبح ثالث حاكم علوي يحكم تلك البلاد، وإمتدت دائرة حكمه لتشمل إضافة إلى طبرستان مناطق أخرى وهي بلاد الديلم والأجزاء الشرقية من جيلان (7).

كان الناصر للحق شخصيّة بارعة ومجاهدة تكافح الظلم والجور ولم يأل جُهداً على طريق إقامة الدين وبسط حكومة العدل، وأنّه كان منهمكاً في الدعوة إلى دين الله الحنيف وولاء أهل البيت^، وقد بيّن أهداف ثورته في بيان تاريخي قائلاً: (إن دعوتي إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولإحياء ما مات من كتاب الله وما دفن من سنة رسوله) وهذه من دعوة جدّه سيد الشهداء الإمام الحسين× في ثورته الخالدة بخلود الزمن قائلاً (لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما أردت الإصلاح في أمّة جدّي آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير على سيرة  جدي رسول الله وأبي أمير المؤمنين ÷).

العالم البارع والمؤلّف القدير والشاعر المهيوب:

كان الناصر للحق متخصصاً في العلوم والمعارف الإسلامية حيث كان قد جنى الكثير من العلوم عن طريق أئمة الشيعة وعن آبائه وعن كبار علماء ومحدّثي الشيعة، وكان يتقن جميع العلوم المتعلقة بالقرآن والسنة والمعارف الإسلامية، وكان له تأليفات كثيرة في مختلف العلوم الإسلامية حتّى أنّ بعض الصادر سجّلت له أسماء مأة وخمسين كتاباً ورسالة. تتناول الحقول المختلفة للعلوم الإسلامية كعلم الكلام والفقه والأصول والتفسير والتاريخ والأنساب والأدب وغير ذلك، وقد نقلت في كتب التاريخ أشعار كثيرة لناصر الحق، وقيل له ديوان شعر في كتاب على حدّة فيه ألف بيت شعر، إلّا أنه من المؤسف لم يبق من هذه المؤلفات إلّا القليل وقد صدر منها أخيراً: كتابان مستقلان (البساط) و (الإحتساب) (8).

أنه لفارس شجاع في ميادين الحرب قلمّا تجد له في الفروسية والشجاعة من نظير، وأنه الحكيم الواعظ والرياضي المقتدر، وله حكم ومواعظ، ومنها: (أيها الناس إننا في هذه الدنيا مسافرون والدار التي بنيت لنا أمامنا وكأننا مقبلون عليها، ونوشك أن نبلغها، فعلينا أن نهيئ لها الزاد بالعمل الصالح، فطريق الجنة مسلكه وعر، ولا يمكن بلوغها إلّا بالمشقّة، إنني لا أخدع نفسي، ولا أُمنيّها بالآمال، ولا أطمع في الجنة من غير عمل صالح، ولاشك في أن من كان منا من أهل الظلم والسيئات يضاعف له العذاب، وذلك لأننا أبناء من كان علم هداية للآخرين، وأوصلهم إلى أبواب الخير، وشيّد أركان هذا الدين، وبيّن الشرائع والسنن، إذاً فنحن أولى بإتباعه (9).

ولا ريب إنّ أهل ديلم والجبل مدينون لهذا الرجل العظيم في إعتناق الدين الإسلامي في ضوء التوجه الشيعي، وقد إنتصر للحق وتغلّب سياسياً وروحياً على ناحية الديلم وطبرستان بأجمعه، وقد ترك لنفسه بصمات كثيرة في الجهاد والحكم العادل والعلم والمعرفة، فكان له لسان صدق في الآخرين، وسمعة طيبة وحسنة في فترة تقلّده للحكم، وأنّه يعدّ المؤسس للتيار الفكري والفقهي الزيدي في إيران آنذاك.

وقال السيد المرتضى في وصف جدّه الأعلى الناصر الكبير: ففضله في علمه وزهده وفقهه أظهر من الشمس الباهرة، وهو الذي نشر الإسلام في الديلم حتى إهتدوا به بعد الضلالة، وعدلوا بدعائه عن الجهالة، وسيرته الجميلة أكثر من أن تحصى وأظهر من أن تخفى) (10).

كتاب الناصريات في سطور

الناصريات أو (مسائل الناصريات) من كتب الفقه وباللغة العربية بقلم السيد علم الهدى علي بن الحسين المرتضى (355 ـ 336 هـ ق).

وتاريخ التأليف: شعبان سنة 415 هـ ق.

يحتوي هذا الكتاب على (207) مسائل فقهية ويعّد من (فقه الخلاف) أو (الفقه المقارن) بين الفقه الزيدي والفقه الجعفري، ذكره الشيخ الطوسي+ في (الفهرست برقم 421) وإبن شهر آشوب (برقم 465) بعنوان (المسائل الناصرية في الفقه).

يتعرض السيد المرتضى في كتابه هذا إلى فتاوى جده الأعلى من أمّه ناصر الحق الكبير الأطروش وقد أثنى عليه بقوله في بداية كتابه بعد البسملة والحمد له والصلاة على محمد وآله: (وبعد فإنّ المسائل المتفرعة في فقه الناصر، رضي الله عنه وصلت وتأملتها واجبت إلى المسؤول في شرحها وبيان وجوهها، وذكر ما يوافق ويخالف فيها، وأنا بنشر علوم هذا الفاضل البارع كرّم الله وجهه أحقّ وأولى، لأنه جدّي من جهة والدتي، لأنها فاطمة بنت أبي محمد الحسن بن أحمد بن أبي الحسين أحمد صاحب جيش أبيه الناصر الكبير بن محمد الحسن (الحسين) بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي السجاد زين العابدين بن الحسين السبط الشهيد إبن أمير المؤمنين صلوات الله عليه والطاهرين من عقبه علیهم السلام والرحمة، والناصر كما تراه من ارومتي، وغصن من أغصان دوحتي، وهذا نسب عريق في الفضل والنجاة (والنجابة) والرئاسة. أما أبو محمد الحسن الملقب بالناصر بن أبي الحسين أحمد الذي شاهدته وكاثرته، وكانت وفاته ببغداد في سنة ثمان وستين وثلثماة، وإنّه حبراً فاضلاً ديّناً، نقي السريرة، جميل السنيّة، حسن الأخلاق، كريم المفتش، وكان معظماً مبجلاً مقدّماً في أيام معزّ الدولة...

ثم يذكر بقية نسبه الشريف ويشير إلى جملة من فضائلهم ثم يدخل في عرض المسائل وبيان الإختلاف والموافقة فيها.

وذهب إبن النديم في (الفهرست: 213) إلى أنّ الناصر الكبير كان من فقهاء الزيديّة كما يظهر من الكتاب نفسه ممّا يدل على الإختلاف بين الفقه الإمامي الجعفري الذي يؤمن به السيد المرتضى+ ويدافع عنه، وبين الفقه الزيدي الذي يقول به جده الناصر.

ولكن جمع من الأعلام كالشيخ البهائي والشيخ العاملي والشيخ المامقاني وغيرهم قدس الله أسرارهم ذهبوا إلى أنّه من الإمامية الإثني عشرية لما ذكره السيد المرتضى من مدحه والثناء والتّرحّم عليه، وقد أشار النجاشي إلى ما يوحي هذا المعنى في رجاله (ص42) أنه (كان يعتقد الإمامة) ففسّر ذلك أنه يعتقد بالأئمة الإثني عشر^، إلّا أنّ العلامة الحلي في خلاصته أشار إلى أنه (كان يعتقد الإمامة لنفسه) وذلك لما عند الزيدية في الإمامة وشرائط الإمام من أنّه يكون علوياً وقائماً بالسيف ومبسوط اليد في أجراء الأحكام كما قام بذلك في مدينة مازندران.

وفي كتاب (الذريعة: 5: 239) أشار المحقق الكبير آقا بزرگ الطهراني+ إلى هذا الكتاب وإلى كتاب آخر (جوابات المسائل الناصرية) وفيه 23 مسألة طرحها حفيد من أحفاد ناصر الكبير على السيد المرتضى فأجاب عنها في محرم سنة 429 هـ ق).

ثم طرح المسائل في الناصريات إنما هو بهذا النحو ـ من باب المثال ـ

9 ـ أي المسألة التاسعة ـ سؤر السباع نجس ـ أي هذا ما قاله الناصر ثم يقول السيد المرتضى ـ الصحيح عندنا أن سؤر جميع إلبهائم من ذوات الاربع والطيور ما خلا الكلب والخنزير طاهر بجوز الوضوء به و... ثم يذكر وجه ودليل ما ذهب إليه، وفي بعض الموارد يشير إلى فتاوى المذاهب الأخرى.

15 ـ الدّم كلّه نجس، عندنا إن دم السمك طاهر لا بأس بقليله وكثيره  في الثوب و...

18 ـ كل حيوان لا يؤكل لحمه فلا حكم لزكاته وموته وذكائه (كذا) الصحيح عندنا خلاف ذلك...

36 ـ فعل الكبيرة حدث، هذا غير صحيح عندنا وعند جميع الفقهاء بلا خلاف في نفسه...

39 ـ خروج المني من غير شهوة لا يوجب الإغتسال، عندنا خروج المني يوجب الإغتسال على جميع الوجوه...

41 ـ الوضوء قبل الغسل فرض وبعده نفل، والصحيح عندنا خلاف ذلك... وهكذا المسائل الأخرى.

ثم بداية الرسالة بعد البسملة: الحمد لله على ما خصّ وعمّ من نعمه، وظهر وبطن من مِننه، وأياه نسأل الزيادة في اليقين، ولزوم محجة الدين، التي لا يضلّ سالكها، ولا يهتدي تاركها، وأن يجعل أفضل صلاته وتحياته غادية رائحة على خير خلقه، سيدنا محمد نبيه وعترته، ما أضاء نهار، وأسبل قطار، وبعد: فإنّ المسائل المتفرعة ـ إلى آخر ما قال كما مرّت الإشارة إليه من ذكر أجداده من أمّه ثم قال: وأنا مبتدء بالكلام على المسائل وإيضاح الحقّ منها، ومن الله أستمّد المعونة وحسن التوفيق فما يظفر بهما إلّا من أعطاه، ولا يملكها سواه، وهو حسبنا ونعم الوكيل. المسألة الأولى: قال الناصر رحمة الله: إذا وقعت النجاسة في ماء بئر...

ونهاية الرسالة: وإنما تثبت الأحكام عندنا بما يوجب العلم، ويثمن اليقين، وقد دللنا على صحة هذه الجملة في مواضع كثيرة ولولا أن هذا الجواب عن المسائل الواردة لا يليق بذلك لذكرناه وما توفيقنا إلّا بالله...

ثم من الواضح أن (مسائل الناصريات) المشهور إختصاراً بالناصريات يعتبر من المؤلفات الشيعية الأولى في (الفقه المقارن) أو (فقه الخلاف) وإن هذا الكتاب القيم قد تعرّض إلى الآراء الفقهيّة للناصر الكبير أولاً، في ضوء المذهب الزيدي، ثم آراء السيد المرتضى علم الهدى في ضوء المذهب الجعفري الإمامي، ويظهر من مقدمة السيد المرتضى+ أنه كان مبتهجاً وفخوراً بعمله هذا من ذكر التعليقات على المواقف الفقهيّة لشخصيّة بارعة من كبار أئمة الزيدية في إيران في القرن الثالث الهجري.

ومع ملاحظة المتن الزّيدي والتعليقات الجعفرية الأثني عشرية نقف على أنّ هذا الكتاب يعّد خطوة كبيرة وعظيمة في التقريب بين المذاهب الإسلامية، أضف إلى ذلك أنه من النموذج الناجح في الدراسات الفقهيّة المقارنة، وهذا ممّا يساعد جيلنا المعاصر ليتعلّم كيف يحاور الأخرين على أسس علمية ممّا يوجب التقارب والتفاهم والتلاحم.

فالناصريات كسائر مؤلفات الشريف المرتضى كالإنتصار وغيره لها دلالات أكثر من كونها من الفقه المقارن أنها مما يظهر منها قوة الإجتهاد والإستنباط والتطور العلمي وفتح باب الإجتهاد والمصطلح المقبول الذي يبتني على الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل.

فما فعله السلف الصالح كالشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي وتلامذتهم قدس الله أسرارهم هي اللبنات الأولى لصرح الإجتهاد و الإستنباط الشيعي الشامخ، والمتطور والخالد في عمود الزمن، مزدهراً برجاله الأفذاذ والآراء الفقهية المعاصرة والمتجدّدة في كل زمان، فإنه من الفقه الحيّ، إذ لا يجوز فيه تقليد الميت إبتداءً بخلاف المذاهب الأخرى بإغلاق باب الإجتهاد عندهم وإعتمادهم على فقه أئمة المذاهب.

ولاشك أن السيد المرتضى من أعلام الطائفة قد نجح من خلال تراثه الفقهي والأصولي الذي خلّفه أن يستدلّ على مواقف الشيعة الإمامية في الأحكام الشرعية الفقهية، ليس في دائرة الضوابط الأصولية والمصادر الحديثية المعترف بها عند الإمامية وحسب، بل كذلك على أساس ما يعتمده الآخرون من القواعد والمصادر، حتى في مثل القياس.

ثم إنّما سمى الكتاب بالناصريات كما هو العادة عند كثير من المؤلفين في تسمية كتبهم بأسماء الرجال أو الأماكن وإلى من له دور رئيسي في تكوين الكتاب وتأليفه، ولما كان كتاب (مسائل الناصريات) يدور حول آراء أبي محمد حسن الأطروش الملقب بالناصر الكبير والناصر للحق، فعرف الكتاب بأسمه.

ثم لاريب إن كتاب الناصريات يحضى بخصائص وميزات عديدة ومن أهمها.

1 ـ إنه من الفقه المقارن وفقه الخلاف بين المذهبين من مذاهب الشيعة بين المذهب الزيدي القائل بإمامة زيد الشهيد ثم من وِلده وكل إمام قام بالجهاد من أهل بيت النبي‘، وبين المذهب الإمامي القائل بإمامة الأمة الإثني عشر.

2 ـ أنه يطلعك على سعة علوم السيد المرتضى+ وإلمامه بآراء ومواقف الفقهاء المنتمين إلى مختلف المذاهب الإسلامية، فإنّه في بيان فتاوى الفقهاء لا يكتفي بما نقل أو إشتهر منهم، بل يشير إلى موضع  الإشتباه والخطأ كما في قوله (ومن حكى عن الشافعي انه (اي بول الصبي قبل أن يطعم) نجس فقدووهم عليه) (الناصريات: 89)

 والمثال الآخر: وإختلفت الحكاية عن أبي حنيفة، فحكى عنه بعض المحصلّين في كتابه...) (الناصريات: 177).

وفي بعض الموارد يبدي رأيه مخالفاً لأئمة المذاهب كقوله: (والصحيح من قول أبي حنيفة أن (أي الماء المستعمل) طاهر غير مطهّر وهو قول محمد بن الحسن (الناصريات: 78)، والمثال الآخر: (وإختلفت الرواية عن مالك في وجوب الإستنجاء ونفي وجوبه، والأشيه أنه موافق لأبي حنيفة في نفي وجوبه (الناصريات: 107).

3 ـ أنه يشير إلى موقف السّلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم، ويؤكّد أن لكل مذهب سلفاً وإن السّلف لم يكونوا متفقين فيما بينهم في المسائل الفقهيّة، وقد لا يكون لبعض الفقهاء في بعض آرائهم سلفٌ ولا سبق لها حكم، ولم يتعرض لها أهل العلم حتى ينعقد في ذلك إجماع أو خلاف كما في كثير من آراء أبي حنيفة المعتمدة على القياس، وكالذي إنفرد به كلّ من أحمد بن حنبل وداود الظاهري ومحمد بن جرير الطبري.

4 ـ أنه كثيراً ما يعتمد في آراء الإمامية على إجماعهم وإجماع أهل البيت^ (الناصريات: 75 و 244 و269) كما يشير إلى بعض الآراء الخاصة أو الشاذة لبعض الفقهاء القدماء كفضل بن شاذان (الناصريات: 405).

وإبن جنيد الإسكافي (مثل القميين أصحاب الحديث (الناصريات: 338).

5 ـ من يطالع ويدرس الناصريات يرى بوضوح بوادر تكوين وتوسيع أُصول الفقه بالمنظار الإمامي مما يدلّ على فتح باب الإجتهاد وتطوّره وتتجّدده في المذهب الشيعي كقوله (اطراح الشك والبناء على اليقين في قاعدة الإستصحاب.. (الناصريات: 139) والمثال الآخر: (إن الوجوب إنما يعلم شرعاً والأصل نفي الوجوب ـ قاعدة البراءة ـ فمن إدعى ذلك فعليه الدليل (الناصريات: 147) وإشارة إلى قاعدة (الإشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية). (الناصريات: 220) وقوله: (دلالة الأمر بظاهره على الوجوب. (الناصريات: 148) وموارد كثيرة أخرى (11).

6 ـ من يرجع إلى الناصريات يرى إنّ السيد المرتضى+ في عدة مواضع يصرّح بعدم وجود موقف ورأي محدّد للإمامية تجاه تلك الموضوعات والمسائل، مثلاً: بعد نقل رأى الناصر يقول: (ولا فرق بين ورود الماء على النجاسة وبين ورود النجاسة على الماء، وهذه المسألة لا أعرف فيها نصاً لأصحابنا ولا قولاً صريحاً (الناصريات: 72)

ثم يشير إلى مخالفة سائر الفقهاء للناصر، ويختار من بين الأقوال مذهب الشافعي فيقول: (ويقوى في نفس عاجلاً إلى أن يقع التأمل لذلك صحة ما ذهب إليه الشافعي) (الناصريات: 73).

كما أشار إلى مواضع أخرى (الناصريات: 161 و 173 و 208 و 355 و 369 وغيره.

7 ـ من يرجع إلى الناصريات يجد فتاوى شاذة من جهة الفقه الإمامي، قد إنفرد بها الشريف المرتضى+ ممّا أثارت النقاشات كقوله: (عندنا أنه يجوز إزالة النجاسة بالمائع الطّاهر، وأن لم يكن ماءً) ومن الغريب أنه يدّعي على ذلك إجماع الإمامية (الناصريات: 105) فالمشهور عند الشيعة الإمامية عدم جواز إزالة النجاسات بشيءٍ من المائعات سوى الماء القراح المطلق، والمثال الآخر قوله: (والعمرة واجبة من جهة الإستطاعة كالحج) (والصحيح عندنا أنّ  العمرة أنما تجب في العمرة مرّة واحدة، وما زاد على ذلك فهو فضل (الناصريات: 306).

والرأي الشاذ الآخر خلافاً للمشهور قوله (فعندنا أنّ المرأة البالغة تزول عنها الولاية في بُضعها، ولها أن تزوج نفسها وأن تؤكل من يزوجها (الناصريات: 320).

والعجب من الشريف المرتضى عليه الرحمة،  أنه يدعي إجماع الإمامية على هذه الشواذ في الفتاوى، ولابّد من دراسة ذلك دراسة فقهية وتاريخية، ليعلم هل هناك وجود إجماعات سابقة على الاجماعات الثانية، وكيف كان الإجماع عند القدماء.

8 ـ من دأب الفقهاء في كتبهم الفقهية أنه تتمحور البحوث حول الكتاب والسّنة، وقلّ ما يطرقون باب علم الكلام أو العقليات والقياسات المقبولة والمستخدمة في الفقه كنصوص العلّة، ولكن في الناصريات تجد قد صرّح السيد المرتضى+ ببعض مواقفه الكلامية وبناء آراءه الفهية على أساس تلك المباني الكلامية (الناصريات: 377) و (الناصريات: 404) (12).

9 ـ أن السيد المرتضى في الناصريات وكذلك الإنتصار وكتبه الفقهيّة الأخرى في الفقه المقارن، يبني آراء وفتاوى الإمامية على أسس شرعية يقرّ بها المذاهب الإسلامية الأخرى، فإنه يستند على أخبار الأحاد مع أنه برأيه لا تفيد علماً ولا عملاً ما لم تكن محفوفة بالقرائن الدالة على قطعية صدورها، فإستند على أخبار نبوية رويت اغلبها من طرق أهل السنة، كما صرح في نهاية (الناصريات  (ص446) كما إستخدم القياس في كتابه الآخر الذي لم يصل إلينا وهو (مسائل الخلاف)، فكان يحتج بما عند القوم من باب المجادلة بالأحسن والزموهم بما إلتزموا به.

10 ـ كثيراً ما يعتمد الشريف المرتضى في ناصرياته لإثبات فتاوى الإمامية بالإجماع وإستخدام مثل هذه التعابير (الإجماع المتقدم) (الإجماع المقدم ذكره) (الإجماع المتكرر) و (الإجماع المتردد) مشيراً إلى إجماع الإمامية ومثل هذا يستدعي التوقف في الإجماعات المذكورة ودراستها وفحصها، ومعرفة معاني السيد المرتضى في الفقه والأصول وفي فكره الديني والفقهي.

كما يذكر أدلة الفتوى والإستنباط من الكتاب والسنة والإجماع والعقل، وأول من صرّح بذلك هو واصل بن عطاء كما يصرّح بذلك أبو هلال العسكري في الأوائل (ج2: ص119) وأقدم نص شيعي يتحدث عن هذه الرباعية ينسب إلى الإمام الهمام موسى الكاظم× (تحف العقول: 300) وينسب كذلك إلى الشيخ المفيد في (الإختصاص: 52) والمشهور بين الأوساط الشيعية أن أول من صرّح بهذه المصادر الأربعة هو إبن إدريس الحلي في كتابه (السرائر: 1: 46) ولكن قد سبقه أبو الفتح الكراجكي من تلامذة السيد المرتضى بقرن، في بيان هذه المصادر الأربعة، فقال: ويجب أن تؤخذ معالم الدين في الغيبة الكبرى من أدّلة العقل وكتاب الله عز وجل والأخبار المتواترة عن رسول الله‘ وعن الأئمة^، وما أجمعت عليه الطائفة الإمامية، وإجماعها حجة (كنز الفوائد: 215) بل سبقهم الشيخ المفيد + (13).

11 ـ وأخيراً وليس بآخر: إنّ السيد المرتضى في ناصرياته بل كتبه الفقهية الأخرى عندما لم يجد دليلاً من كتاب أو سنة أو إجماع ولم يجد نصاً ولا موقفاً صريحاً للإمامية، فإنّه يدلي برأيه، إعتماداً على عقله وذوقه الفقهي.

طبع الكتاب ومخطوطاته:

طبع الكتاب بطبعة حجرية ضمن كتاب الجوامع الفقهية سنة 1276 هـ في 49 صفحة، وطبع في سنة 1997 من قبل (مركز الدراسات التابع للمجتمع العالمي للتقريب ـ طهران) وقدّم له الشيخ مهدي نجف والشيخ واعظ زاده الخراساني وهما من المعاصرين.

كما أشار إلى الكتاب في (الذريعة: 20: 37 ـ 371 ـ و وفي (أدب المرتضى: 134) و (ريحانة الأدب: 3: 119) ومكتبه أمير المؤمنين: 4: 452 و 4: 266 والتراث العربي المخطوط: 11: 320 ـ 321 وغيره.

وأما المخطوطات الموجودة في المكتبات فهذه جملة منها:

1 ـ مكتبة ملك ـ طهران: رقم النسخة: 1/ 2844.

الخط: نسخ، الكاتب: أبو الحسن بن حاج محمد القاري النجفي، تاريخ الكتابة: القرن الحادي عشر، الحجم: (4  20 سم)× (20 سطر).

2 ـ مكتبة الفيضية ـ قم المقدسة: الرقم: 1806.

الخط: نسخ: لم يعلم الكاتب: القرن 11 (16 سطر) (12×  18 سم).

3 ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم المقدسة.

الخط: نسخ: لم يعلم كاتبه، التاريخ: الجمعة  7 صفر 1048 المصحح المحشى: الورق شرقي: (23 سطر) (10.5× 15.5 سم).

4 ـ مکتبة الرضوی ـ مشهد المقدس ـ برقم: 2645.

الخط: نسخ: لم يعلم الكاتب، والتاريخ: جمادى الثانية: 1093 الجلد تيماج17 الأسطر)  (15× 20 سم).

وهناك نسخ أخرى أيضاً في مكتبة المرعشي برقم: 7/1137 ومكتبة الإمام الصادق ـ قزوين ـ برقم 643 ومكتبة محمود آبادي في يزد برقم 35، وجامعة طهران برقم: 1/ 6930 ومكتبة المجلسي الوطني ـ طهران ـ برقم: 5/ 8929) وفي مركز إحياء التراث في قم: برقم 1: 3953، وفي مكتبة السيد الشفتي في إصفهان برقم: 1/ 62 وفي مكتبة الرضوي في كاشان برقم: 1/ 73 ومؤسسة السيد البروجردي برقم: 3/ 575 وفي مكتبة الفاضل القائيني وفي مكتبة المسجد الأعظم في قم ـ برقم: 3/ 143 ونسخ أخرى.

وإذا أردت التفصيل فراجع كتاب (فهرستگان المجلد 29 ص: 311 ـ 312) باللغة الفارسية.

وفي الختام:

لا يخفى أنّ مقصودي من هذه العُجالة الموجزة والمختصرة، وتقديمها إلى المؤتمر السنوي العالمي المنعقد في كل عام في العتبة الكاظمية المقدسة ـ العراق ـ وهذا هو المؤتمر الخامس عام 1436 بإسم ألفيّة علم الهدى السيد المرتضى+ ـ  أن أُحفّز العلماء الأعلام ولا سيما أرباب الفقه وطلبة العلوم الدينية في حوزاتنا العلمية لإخراج هذا الكتاب القيم إلى النور بطباعة أنيقة وحلّة جديدة، تواكب العصر المتجدّد بتحقيق وتدقيق وتعليقات وبيانات وشروح  علمية وفنيّة، فإنّه يعّد من الفقه المقارن، لا سيما بين الفقه الزيدي والفقه الإمامي الجعفري، في ضوء مباني سيدنا العليم آية الحق علم الهدى السيد المرتضى+.

وما توفيقنا إلّا بالله العلي العظيم، وعليه الإتّكال، وإليه الإنابة، إنّه خير ناصر معين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

العبد عادل بن السيد علي العلوي الكاظمي

25ربيع الأول 1436

 (الهوامش)

1. دراسة مختصرة حول كتاب (الناصريات) للعلمين السيد المرتضى علم الهدى من أعلام المذهب إلامامي الجعفري الإثني عشري في القرن الرابع والخامس الهجري والناصر الكبير من أئمة الزيدية في القرن الثالث للهجرة قدّمت للمؤتمر العالمي لألفيّة السيد المرتضى المنعقد في العتبة الكاظمية المقدسة (4 ـ 5 رجب 1436) العراق ـ الكاظمية المقدسة.

2. شرح بن أبي الحديد: 1: 3 ـ 33.

3. شرح بن أبي الحديد: 1: 3 ـ 33.

4. ترجمة الإمام الناصر الأطروش: رواية بخط السيد العلامة بدر الدين الحوثي رحمة الله عليه (م1431) ص: 1.

5. مقالات المؤتمر الدولي للناصر الكبير: 29.

6. مقالات المؤتمر الدولي للناصر الكبير: 31.

7. مقالات المؤتمر الدولي للناصر الكبير: 29.

8. مقالات المؤتمر الدولي للناصر الكبير: 33.

9. المصدر نفسه: 33.

10. الناصريات: 64.

11. مقالات المؤتمر الدولي للناصر الكبير: 218.

12. المؤتمر العالمي: 221.

13. مقالات المؤتمر العالمي: 224 ـ 225.

ارسال الأسئلة