فقه (51)

12 ربيع الثاني

1442هـ

عطفاً على ما سبق: في بيان مستحبات الركوع: (الخامس عشر: رفع اليدين للإنتصاب منه،وهذا غير رفع اليدين حال التكبير للسجود).

أقول: من مستحبات الركوع رفع اليدين للإنتصاب والقيام من الركوع، كما عن الصدوقين والوالد والولد قدس سرهما، وصاحب الفاخر والذكرى، وجماعة من متأخري المتأخرين.

والوجه في ذلك تمسكاً بطائفة من الروايات منها: صحيحة معاوية بن عمّار: (رأيت أبا عبد الله عليه السلام يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه عن السجود) (الوسائل با 2: من أبواب الركوع الحديث 20).

وجه الإستدلال: إنّ الظاهر من فعل الإمام وفعله من السّنة كقوله وتقريره أنه عند هوي إلى الركوع في حال الإنتصاب يرفع يديه عند التكبير إذا ركع، فإنّ لكلّ شيء زينّة وزيّنة التكبير رفع اليدين،وكذلك يرفع يديه إذا رفع رأسه من الركوع، فهذا بظاهره والظواهر حجّة يدلّ على إستحبابه.

ومنها: صحيحة إبن مسكان عنه عليه السلام: (في) الرجل يرفع يده كلّما أهوى للركوع والسجود، وكلّما رفع رأسه من ركوع أو سجود، قال عليه السلام: هي العبوديّة .(الوسائل: باب 2 من أبواب الركوع، الحديث: 3).

وجه الإستدلال: تقرير الإمام وقوله عليه السلام هي العبودية أي ممّا يدل على عبودية العبد لمولاه في حين التكبير والهوى إلى الركوع والقيام منه أن يرفع يديه وكأنّما يدل على تسليم لمولاه بكلتا يديه الفارغتين من كل شيء ممّا يدل على غاية التذلّل والتسليم والعبودية وأنّه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلّا حياة إلّا موتاً ولا نشوراً، فيكون رفع اليدين الخاليتين رمز العبودية لله سبحانه وتعالى.

ولكن ذهب المشهور إلى عدم إستحباب ذلك، بل عن المحقق الأوّل في المعتبر: أنّه مذهب علمائنا ممّا يدل على الإجماع المدركي أو محتمل المدرك، ويظهر منه أنّه قد إعتمد على طائفة أخرى من الروايات خالية عن الصحيحتين المتقدمين عن ما اعتمد عليه.

وأورد عليه: أوّلاً: عدم التعارض مع صريح الصحيحتين، لكون الطائفتين في المستحبات كما لا يخفى.

وثانياً: إذا قيل بسقوط الصحيحتين عن الحجية باعراض الأصحاب عنهما، فهذا غير ثابت.

وثالثاً: يمكن أن يكون عمل المشهور بعد التعارض بين الطائفتين قالوا بترجيح الطائفة الثانية على الصحيحتين بعد فهمهم التعارض بين الطائفتين فتأمل.

فرع: هل يستحب التكبير حال هذا الرفع كما ذهب البعض؟

ظاهر الصحيحتين خلوهما عن التكبير، إلّا أنّه ورد في خبر الأصبغ بين نباتة عن أمير المؤمنين علي عليه السلام المروي في مجمع البيان في تفسير قوله له تعالى: (فصلّ لربك وأنحر) قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما هذه النحيرة والتي أمرني بها ربي؟ قال: ليست بنحيرة، وطنه يأمرك إذا تحرّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت، فإنّه صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات السبع، فإنّ لكل شيء زينة، وإنّ زينة الصلاة رفع الأيدي عند كلّ تكبيرة (الوسائل: باب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام: الحديث: 14).

وجه الإستدلال: إنّ ظاهر الذيل (رفع الأيدي عند كل تكبيرة) على نحو الموجبة الكلية أن الرفع حال الإعتدال من الركوع معه تكبيرة.

ومثله، عموم ما ورد من أنّه إذا إنتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير، ولا يخفى أنّ ظهور هذين الخبرين في إستحباب التكبير أظهر وأقوى من ظهور الصحيحتين المتقدمتين في عدم التكبير.

ويؤيد هذا العمنى قرب دعوى كون رفع اليدين كناية عن التكبير ما له من باب المجاز لعلقة التلازم بين الرفع والتكبير تعبّداً، فتأمل.

والظاهر أنّ إستحباب رفع اليدين للإنتصاب من الركوع إذا كان معه التكبير، فإنّه لازمه أنّ هذا الرفع وهذا التكبير غير تكبير السجود وإستحباب رفع اليدين معه، فيكون هذا التكبير الذي للسجود مع رفع اليدين بعد الإنتصاب بعد قول المصلي (سمع الله لمن حمده وقراءة الدعاء بعده كما مر كما هو المختار).

وقد تعرض صاحب الحدائق إلى المسألة لشيء من التفصيل (الحدائق: 8: 259 ـ 262) فإنّه بعد نقل صحيحة معاوية بن عمّار عن الشيخ قدس سره وصحيحة ابن مسكان قال: وقد وقع الخلاف في ما دل عليه هذان الخبران من رفع اليدين بعد الركوع والسجود في موضعين:

أحدهما: في ثبوته وإستحبابه كما هو ظاهر الخبرين المذكورين، وبه قال ابنا بابويه وصاحب الفاخر، ولكن نفاه ابن أب يعقيل والمحقق والعلامة، وأكثرهم لم يتعرضوا لذلك بنفي ولا إثبات.

قال في المعتبر: رفع اليدين بالتكبير مستحب في كل رفع ووضع إلّا في الرفع من الركوع، فإنّه يقول: (سمع الله لمن حمده) من غير تكبير ولا رفع يد وهو فذهب علمائنا إنتهى.

وقال الشهيد في الذكرى بعد نقل الخبرين المذكورين: لم أقف على قائل بإستحباب رفع اليدين عند الرفع من الركوع إلّا إبني بابويه وصاحب الفاخر ونفاه إبن أبي عقيل والفاضل وهو ظاهر إبن الجنيد، والأقرب إستحبابه أولاً: لصحة سند الخبرين، وثانياً لأصالة الجواز، وثالثاً: لعموم (إنّ الرفع زينة الصلاة وإستكانة من المصلي (الوسائل: باب 9 من تكبيرة الاحرام الحديث: 11 و14 والباب 2 من أبواب الركوع الحديث: 3 و4 و8) وحينئذٍ يبتدئ بالرفع عند إبتداء رفع الرأس وينتهي بإنتهائه وعليه جماعة من العامة، إنتهى، ونُقل هذا الكلام عن الذكرى في كتاب الحبل المتين للشيخ البهائي قدس سره ونفى عند البأس، وظاهر المدارك أيضاً الميل إلى ذلك.

وثانيهما: في التكبير مصاحباً للرفع، فأثبته بعض الأصحاب ومنهم ـ الحدث نعمة الله الجزائري قدس سره في رسالته (التحفة) وأدعى أن الخبرين المذكورين صريحان في ذلك، وهو عجيب فإنهما كما عرفت لم يتضمنا إلّا الرفع خاصة، وعن بالغ في ذلك وأطال الإستدلال عليه شيخنا المحدث شيخ عبد الله بن الحاج صالح البحراني في بعض أجوبة المسائل وأدعى ما اده السيد المزبور من ظهور الخبرين في التكبير وادعى أيضاً تصريح ابن بابويه وصاحب الفاخر بذلك وأنت خبير بأن الخبرين المذكورين لا دلالة فيهما ما وعياه كما عرفت ويظهر من ذلك أن الأقوال في المسألة ثلاثة: أحدها: نفي الرفع كما هو قول إبن أبي عقيل ومن تبعه، وثانيهما: إثباته كما دل عليه الخبران، وثالثها القول بالرفع وإضافة التكبير، والأول والثالث طرف إفراط وتفريط، لأنّ الأول فيه ردّ للحكم كبير، مع وجود النص الصحيح الصريح الدال على ذلك والثالث يتضمن زيادة ليس لها في النص أثر، وأحسن الأمور أوسطها، فراجع.