حقيقة الشكر لغةً ومصطلحاً

إنّ الشكر لله سبحانه وتعالى من أعظم مقامات العارفين ، وأفضل منازل السالكين ، عمدة زاد المسافرين إلى عالم الأنوار، ومعتمد المؤمنين وعدّة الأبرار، يوجب دفع البلاء وزيادة النعماء، وانّه نصف الايمان كما انّ الصبر نصفه الآخر، إذ أنّ المؤمن بين نعمة فيشكر، ونقمة فيصبر، وقد ورد الترغيب الحثيث في فضله ، وجعله الله سبباً للمزيد من رحمته ، فما أكثر النصوص القرآنيّة والأحاديث النبويّة والولوية في عظمة الشكر وفضل الشاكرين ، وليس كلّ سالک إلى الله يصل إلى مقام الشكر ومنزلته ، بل ليس الوصول إليه إلّا لأوحدى من كمّل المؤمنين والعارفين السالكين ، وبهذا أخبر الله سبحانه في قوله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ آلشَّكُورُ)[1] .

 

إنّ الله شاكر وشكور ويحب الشاكرين ، فكفى بالشكر فضلاً وشرفاً انّه خُلق من أخلاق الله سبحانه (واللهُ شَكُورٌ حَليم )[2] .

 

إنّ الحمد فاتحة كلام أهل الجنّة كما في قوله تعالى : (وَقَالُوا آلْحَمْدُ للهِِ آلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ )[3] .

 

وانّه خاتمة كلامهم كما في قوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ آلْحَمْدُ للهِِ رَبِّ آلْعَالَمِينَ )[4] .

 

الشكر لغةً : إظهار الحال الجميلة ، ومن ذلک قولهم (دابة شكور) إذا ظهر فيه السمن مع قلّة العلف ، وللشكر معان لغوية اُخرى .

الشكر مصطلحاً: انّ حقيقة الشكر عبارة عن عرفان كلّ النعم من الله عزّوجلّ وصرفها في جهة محبّته ، وإنّه من جنود العقل ومن الفضائل الاخلاقيّة ، ويقابله الكفران ، فانه من الرذائل ومن جنود الجهل .

بيان ذلک : يتكوّن واقع الشكر وحقيقته من الأركان الخمسة التالية :

الأوّل : عرفان النعمة وإنها من المنعم وهو الله سبحانه ، ولو كانت النعمة بوسائط .

الثاني : يفرح بالمنعم وبالنعمة ، فيخضع له ويخشع ، ويتقرّب بها إليه .

الثالث : العمل بموجب الفرح باضمار الخير لكلّ الخلائق بما يحبّه المنعم ، ويتعلّق بالقلب واللسان والجوارح ، فيحب الناس ويشكرهم ويخدمهم متقرّباً بذلک إلى المنعم الحقيقي ، وهو الله سبحانه .

الرابع : التحميد للمنعم قولاً، أي بلسانه ، بأن يحمد الله شكره ، وفعلاً أي بعمله ، كان‌يأتي بالعبادات شكرآلله سبحانه كالصلاة. كماورد فيالحديث الشريف: النّاس في عبادة الله على ثلاثة أصناف : قوم عبدوا الله خوفآ فتلک عبادة العبيد، وقومآ عبدوا الله طمعآ، فتلک عبادة التّجار، وقومآ عبدوا الله شكرآ، فتلک عبادة الأحرار.

الخامس : وهو العمدة أن يستعمل النعمة في طاعة المنعم لا في معصيته .

ومثال هذه الأركان الخمسة : كأنعام الملک على خدامه بواسطة الوزير بفرس ، فمتى يكون الخادم شاكراً للملک ؟ إذا عرف ان الفرس من الملک ، ولو كان بالواسطة ، فيفرح بذلک قلباً ويضمر الخير بقلبه ، ويشكر المنعم بلسانه وفعله ، ويستخدم الفرس في خدمة مولاه الملک ، فلو أخلّ بواحدة من هذه الأركان ، فقد أخلّ بحقيقة الشكر، لاسيّما في الركن الخامس ، فانّه لو جعل النعمة في معصية المولى فقد كفر بها.

وفي الآيات والروايات يطلق الشكر على واحد من هذه الأركان، كما ورد عن ،

(30) 1 ـ الامام الصادق  7 «شكر كلّ نعمة وإن عظمت أن تحمد الله».

وقال  7: «شكر النِّعم إجتناب المحارم ، وتمام الشكر قول الرجل الحمد لله ربّ العالمين ».

(31) 2 ـ وسئل  7 هل للشكر حدّ إذا فعله العبد كان شاكراً؟ قال  7: نعم ، قيل : وما هو؟ قال : يحمد الله على كلّ نعمة عليه في أهل ومال ، وإن كان فيما أنعم الله عليه في ماله حق أدّاه فالشكر هو الاعتراف بالنعمة على جهة التعظيم للمنعم مطلقاً بلسانه وقلبه وجوارحه .

والحمد: هو الذكّر اللساني بالجميل على جهة التعظيم مطلقاً، سواء أكانت نعمة أم لم تكن . فبين الحمد والشكر عموم وخصوص من وجه ، كما ذكر تفصيل ذلک في علم البلاغة وكتبه ، كالمطول ومختصره فراجع .

فالشكر مصطلحاً: تصور النعمة وإظهارها، ويقابله الكفر: أي نسيان النعمة وسترها، ثمّ نعم الله لا تعد ولا تحصى بل نعمة واحدة لا تعدّ، فما بالک بالاخرى كما في قوله تعالى : (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ آللهَ لاَ تُحْصُوهَا)[5] .

 

فظاهرها في التفسير نعمة واحدة لا يمكن عدّها لما من ورائها بالملايين من نعم الله عزّوجل ، لإرتباط الكون بعضه ببعض ، فالقرص من الخبز على مائدتک من ورائه آلاف الأيادي العاملة ، فكيف للانسان أن يشكر هذه النعمة التي لا تعدّ ولا تحصى .

ثمّ ذكر نعم الله يوجب إزدياد الحبّ الإلهي الذي هو نور يضيء الدرب للسالكين ، ونار يحرق الذنوب عن العاصين ، فانّ الله سبحانه خاطب كليمه موسى بن عمران قائلاً: «يا موسى أحببني وحبّبني للناس ، فقال : يا ربّ عرفت كيف اُحبّک ، فكيف اُحببک للناس ، فقال عزّوجلّ : أُذكر لهم آلائي ونعمائي ، فانّهم يحبّوني ».

ثمّ أعظم نعمة هي نعمة الوجود، ثمّ نعمة الايمان بالله وبالأنبياء والكتب واليوم الآخر، وبالولاية الالهيّة العظمى المتمثّلة بالنبوة والإمامة الحقّة ، أي ولاية أهل البيت  : وولاية أميرالمؤمنين علي  7 كما في آية الاكمال (آلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي )[6]  وهذه النعمة التي لا يمكن عدّها وإحصائها

كما في تأويل قوله تعالى : (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ آللهَ لاَ تُحْصُوهَا) فان القرآن يفسّر بعضه بعضاً.

هذا وقد مدح الله الشاكرين ، وسيجزيهم جنّات عدن اُعدّت للمتّقين ، كما جاء مدحهم في السنّة النبويّة الشريفة ، وفي منهاج الأئمّة والعترة الطاهرة .