أصول(76)

25 جمادى الثانية

1440 هـ

النوع الثاني من التعارض بين أكثر من دليلين

عطفاً على ما سبق: يقع الكلام فيما لو كانت الأدلة المتعارضة أكثرمن إثنين كالعام والخاصين فهل يوجب أن تكون المعارضة في عرض واحد كما لو كان بين الإثنين أو يقال بالمعارضة الطولية ولازمها إنقلاب النسبة بين التخصيص الأول والتخصيص الثاني كان يكون في الأول مثلاً عموم مطلق فينقلب في الثاني إلى عموم من وجه.

فالتعارض بين أكثر من دليلين كان على أنواع، وقد مرّ النوع الأول وهو فيما لو قام دليل عام ومخصصان منفصلان وكان هذا النوع يتصور بثلاث صور لكون النسبة بين الخاصين أمّا التباين والعموم من وجه أو المطلق، وقد مرّ الكلام فيها بالتفصيل.

وأمّا النوع الثاني من التعارض بين أكثر من دليلين: فذلك فيما إذا وقع التعارض بين عامين من وجه من ورود مخصص ما، فهل يقال بالتعارض العرضي أو التعارض القولي والقول بإنقلاب النسبة؟

هذا النوع أيضاً يتصور بثلاث صور:

الصورة الأولى: فيما إذا وقع التعارض بين عامين من وجه أولاً، وورد مخصص على مورد الإجتماع ثانياً، فإنّه يكون المخصص المذكور أخص مطلقاً بالنسبة إلى كلا المتعارضين، فيقدّم المخصص حينئذٍ على العامين، فيلزم حمل العامين على هذا الخاص، وكأنّما يكون العامان بمنزلة عام واحد، وبذلك يرتفع التعارض بالجمع العرفي الدلالي بين العامين ولا ورود مخصص ما.

بيانه بالمثال: إذا دلّ دليل على وجوب إكرام العلماء، ودلّ دليل آخر على حرمة إكرام الفسّاق، ودلّ دليل ثالث على كراهة إكرام العالم الفاسق، فيقع التعارض بين العامين الأولين الأمر بإكرام العلماء مطلقاً، والنهي عن إكرام الفسّاق مطلقاً، فمورد الإجتماع العالم الفاسق.

والثالث وهو كراهة اكرام العالم الفاسق أخصّ منهما، لأنّه أكرم العالم الفاسق على كراهته وهو يجتمع مع الأمر بإكرام العلماء مطلقاً، كما يجتمع مع النهي عن إكرام الفساق مطلقاً، فإنّ الأمر أعم من الواجب والمستحب وهو يجتمع مع المكروه، والنهي أعم من الحرمة والكراهة، وهي تجتمع مع الجواز.

فالثالث يكون أخصّ من العامّين فيقدّم عليهما، ويتقدّمه ترتفع المعارضة، وتكون النتيجة: أولاً: وجوب إكرام العادل وثانياً كراهة إكرام العلماء الفاسق وثالثاً: حرمة إكرام الفاسق الجاهل.

الصورة الثانية: فيما إذا وقع التعارض بين عامين من وجه، وورد مخصص على أحدهما، أي على مورد الإفتراق من أحدها، فهنا نجري المعارضة أولاً بينالعام والخاص، فيحمل الخاص على العام فترتفع المعارضة، فتنقلب النسبة بين العامين من وجه إلى العموم المطلق حينئذٍ، فهنا يكون إنقلاب النسبة، فيقدّم العام الذي خرج منه مادة الإفتراق على العام الآخر، فإنّه بعد خروج مادة الإفتراق من العام الأوّل يكون أخصّ مطلقاً من العام الثاني.

بيان ذلك بالمثال: إذا دلّ دليل على إستحباب إكرام العلماء أولاً، ثم دليل دليل آخر على حرمة إكرام الفساق، ثم دليل ثالث على وجوب اكرام العالم العادل، فإنّه يقع التعارض بين الأوّل والثاني في مورد الإجتماع وهو العالم الفاسق، وبعد تخصيص دليل الإستحباب وهو يستحب اكرام العلماء بدليل وجوب اكرام العالم العادل فيخرج العالم العادل من عموم إستحباب اكرام العلماء فينحصر مورد العام الأول أي استحباب الإكرام بالعالم الفاسق، وهو أخصّ مطلقاً من عموم دليل حرمة إكرام الفاسقين أي يحرم اكرام الفاسقين إلّا العالم الفاسق، فيتقدّم الأخص حينئذٍ على العام أي دليل الحرمة، وتكون النتيجة كالتالي:

أوّلاً: وجوب إكرام العالم العادل.

ثانياً: إستحباب اكرام العالم الفاسق.

ثالثاً: حرمة إكرام الفاسق الجاهل.

الصورة الثالثة: فيما إذا وقع التعارض بين عامين من وجه، وورود المخصص على مادة الإفتراق في كلّ منهما وليس على أحدهما كما كان في الصورة الثانية.

مثال ذلك: كما إذا دلّ دليل على إستحباب إكرام العلماء، والدليل الآخر على كراهة إكرام الفسّاق، والثالث على وجوب اكرام العالم العادل، والرابع: على حرمة إكرام الفاسق الجاهل، فيقع التعارض بين دليل الإستحباب ودليل الكراهة في مادة الإجتماع وهو العالم الفاسق.

وبعد تخصيص دليل الإستحباب بدليل الوجوب لكون المستحب أخصّ من الواجب فإنّ الواجب لا يجوز تركه ولكن المستحب يجوز تركه كما يجوز ويستحب فعله فيكون الواجب أخص وأضيق دائرة من المستحب، وبعد التخصيص يكون مورد دليل الإستحباب منحصراً في العالم الفاسق، وكذلك الحال في دليل الكراهة، إذ بعد تخصيصه بدليل الحرمة ينحصر مورده أيضاً في العالم الفاسق، فتنقلب النسبة من المعارضة الأولى من العموم من وجه إلى نسبة التباين بينهما بعد تخصيصها، لدلالة أحدها على إستحباب إكرام خصوص العالم الفاسق، والآخر على كراهته، وهنا بعد تحقق المعارضة لابدّ من الرجوع إلى المرجحات الداخلية والخارجية السندية وغيرها أو يقال بالتخيير عند التكافئ أو التساقط على إختلاف المباني وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.